المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413999
يتصفح الموقع حاليا : 262

البحث

البحث

عرض المادة

زعمه ثبات الشمس وحركة الأرض والرد عليه

فصل

وفي صفحة 12 حرف الصواف هذه الآية {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا} فقال ولا تجعل في صدورنا غلا للذين آمنوا.

فصل

وفي صفحة 21 وما بعدها ساق رده على الشيخ ابن باز، وقرر فيه القول بثبات الشمس وحركة الأرض وسبحها في الفلك، وجعل ذلك من علوم المسلمين في الفلك. وهذا خطأ كبير فإن هذا القول الباطل من أقوال أهل الهيئة الجديدة وهم من فلاسفة الإفرنج المتأخرين، والمسلمون بريئون من هذا القول المخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة فليراجع هناك.

فصل

وفي صفحة 28 سمى الأرض الكوكب الأرضي، وهذا من أقوال أهل الهيئة الجديدة وليس من أقوال المسلمين، وقد تعقبت ذلك في الصواعق الشديدة فليراجع هناك.

فصل

وفي صفحة 28 أيضا نقل الصواف عن الملحد الجهمي جميل صدقي الزهاوي أنه قال:

وما الأرض بين الكائنات التي ترى

بعينيك إلا ذرة صغرت حجما

ونحو ذلك قول الصواف في صفحة 83 أن الأرض ما هي إلا فقاعة في محيط، وقوله أيضا في صفحة 109: "ولعل أدق وصف للأرض بالنسبة للكون هو أنها هباءة دقيقة لا ترى إلا بالمجهر في هذا الفضاء الفلكي الواسع بالنسبة إلى الأجرام السماوية المتناثرة في أنحاء الكون".

والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال: ما يدري جميلا الزهاوي أن الأرض كالذرة بين الكائنات التي يراها الإنسان بعينيه {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى}، وما يُدري الصواف أن الأرض ما هي إلا فقاعة في محيط وأنها هباءة دقيقة لا ترى إلا بالمجهر في هذا الفضاء الفلكي الواسع، هل وجد ذلك في كتاب الله تعالى أو فيما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أنزل عليه الوحي بذلك، وإذا كان كل هذا معدوما، فلا شك أنه وصاحبه قد قفوا ما ليس لهما به علم، وليس لهما مستند فيما زعماه سوى التخرص واتباع الكذب.

وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}.

الوجه الثاني: أن الله تعالى عظَّم شأن الأرض في كتابه، ونوه بذكرها أكثر مما عظم من شأن الشمس والقمر والكواكب، وقرن خلقها مع خلق السموات في عدة آيات من القران، وأخبر أنه خلقها وما فيها في أربعة أيام وأنه خلق السموات وما فيهن في يومين وذلك يدل على عظم الأرض.

وقد قال الله تعالى {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الآية. وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الآية. وقال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} الآية. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على عظم الأرض وسعتها.

وقد جاء في تعظيم خلق الأرض أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

منها ما رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلائق على أصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية.

ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر يهودي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس، قال: كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه، وأشار بالسبابة، والأرض على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه، كل ذلك يشير بأصابعه، فأنزل الله عز وجل {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال الترمذي: "هذا حديث غريب صحيح".

ومنها ما رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال موسى عليه السلام يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى لا إله إلا الله، قال كل عبادك يقولون هذا، قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة - مالت بهن لا إله إلا الله» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.

ومنها ما رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد والطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن نبي الله نوحًا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة، قال لابنه: إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة - رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة، قصمتهن لا إله إلا الله ...» وذكر تمام الحديث.

ومنها ما رواه ابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة».

والأحاديث الدالة على عظم الأرض كثيرة جدا وفيما ذكرته ههنا كفاية إن شاء الله تعالى.

وفيما ذكرته من الآيات والأحاديث أوضح دليل على عظم الأرض، وفيها أبلغ رد على من صغَّر الأرض وحقرها، وزعم أنها كالذرة أو كالفقاعة في المحيط أو كالهباءة التي لا ترى إلا بالمجهر بالنسبة إلى أجرام الكواكب، وقد قال الله تعالى {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}.

الوجه الثالث: أن الله تعالى قال {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} وقال تعالى {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} قال البغوي وغيره في قوله تعالى {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}: أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض كما قال تعالى {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ}.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال (يكوَّر الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث ريحا دبورا فيضرمها نارا) رواه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف. وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير وكذا قال عامر الشعبي.

قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله الداناج قال حدثني أبو سلمة عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة» ورواه البزار من حديث عبد الله الداناج قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن زمن خالد بن عبد الله القسري، في هذا المسجد مسجد الكوفة، وجاء الحسن فجلس إليه فحدث، قال: حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقول: وما ذنبهما؟ إسناده صحيح على شرط مسلم.

وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» قال الهيثمي فيه ضعفاء قد وثقوا.

قلت وما تقدم عن أبي هريرة رضي الله عنه يشهد له ويقويه

وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر، ثم يوقد فيكون هو جهنم.

وروى الإمام أحمد وابن جرير والحاكم عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «البحر هو جهنم» قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وفيما ذكرنا دليل على عظم الأرض لأن الشمس والقمر والنجوم تنتثر يوم القيامة في البحر فيسعها كلها. ولو كانت الأرض كالذرة أو كالفقاعة في المحيط أو كالهباءة التي لا ترى إلا بالمجهر بالنسبة إلى أجرام الكواكب لما وسعت الأرض كوكبا واحدا ولا بعض كوكب، وهذا ظاهر البطلان لمخالفته لما دلت عليه الآيات والأحاديث التي ذكرنا والله أعلم.

الوجه الرابع: أن يقال إن جميلا الزهاوي كان جهميا كذابا أفاكا كما يعلم ذلك من كتابه الذي سماه الفجر الصادق، وهو في الحقيقة الفجر الكاذب والظلمة الحالكة، وقد رد عليه الشيخ العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى شافيا كافيا في كتابه الذي سماه (الضياء الشارق. في رد شبهات الماذق المارق) ورد أيضا في آخره على من قرظ كتاب جميل بقصيدة أجاد فيها وأفاد وأولها:

كتاب حوى إفكا وزورا ومنكرا ... وكفرا وتعطيلا لرب الخلائق

فعطل أوصاف الكمال لربنا ... وعن كونه من فوق سبع الطرائق

وأنكر معراج الرسول حقيقة ... بذات رسول الله سحقا لمارق

وأنكر رؤيا المؤمنين لربهم ... فتبًا له تبا وسحقا لماذق

وسمى كتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله أزكى الخلائق

ظواهر لا تبدي يقينا لأنها ... على زعمه ظنية في الحقائق

فلا يستفيد المؤمنون بها الهدى ... ولكن بمعقولات أهل الشقاشق

فإن خالفت معقول من أسسوا لهم ... قواعد كفر شامخات الشواهق

فحق على كل امرئ بل وواجب ... تؤول عن مدلولها بالمخارق

وتصرف للمرجوح عن حكم راجح ... لأجل مقالات الغواة الموارق

وإلا فبالتفويض حتما لديهم ... إذا لم تؤول في خلاف الحقائق

وتفويضهم أبطالها عن حقائق ... تدل عليها بالمعاني الشقائق

إلى أن قال:

وقدم حكم العقل حتما بزعمه ... على النقل فيما قد رأى كل مارق

فتبًا لمن يبدي ثناء ومدحه ... لتأليفه أو ما قد حوى من شقاشق

فما كان فجرا صادقا في ظهوره ... ولكنه فجران يبدو لرامق

ووالله ما أبدى صوابا ولم يكن ... على المنهج الأسنى وليس برائق

وليس يروق الكفر إلا لزائغ ... عن الحق أو مستغرق بالعوائق

وجوَّز أن يدعى سوى الله بالرجا ... وبالخوف والتعظيم فعل المشاقق

وأن يستغيث المشركون بغيره ... وأن يلجؤوا في كل خطب مضايق

فتبا لعباد القبور الذين هم ... حماة ذوي الأهواء من كل مارق

فقد نبذوا الوحيين خلف ظهورهم ... وقد حكَّموا القانون بين الخلائق

ومع ما ذكرنا عن جميل الزهاوي من الأقوال الوخيمة والعقائد الباطلة الذميمة، فقد اعتمد الصواف على تخرصه وظنه الكاذب في تصغير الأرض وتحقيرها، وقرر ذلك في ثلاثة مواضع من رسالته. وهذا يدل على أنه كان مقبول القول عنده. وكفى بالرجل جهلا أن يعتمد على تخرص جميل الزهاوي وأشباهه من أهل الأهواء والبدع.

وما ذكره الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى عن جميل الزهاوي أنه سمى أدلة الكتاب والسنة ظواهر ظنية، وأنه يجب تأويلها أو تفويضها فقد قال الصواف مثله في صفحة 22 و23 من رسالته حيث زعم أن النصوص الدالة على جريان الشمس ظنية وليست قطعية الدلالة، قال والتوقف فيها أو تفويض الأمر فيها إلى الله أسلم وأحكم، ثم قال وفي التأويل مندوحة في الأمور غير القطعية خاصة في مثل هذه الأمور.

قلت: وهذه جرأة عظيمة على الله وعلى كتابه وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد رددت على هذا القول الباطل في الصواعق الشديدة فليراجع هناك.

وقول جميل الزهاوي في تصغير الأرض وتحقيرها، وفي تسمية الأدلة من الكتاب والسنة ظواهر ظنية، وأنها تؤول أو تفوض - قد ذكره في كتابه الفجر الكاذب، وهذا نص كلامه.

قال: "وأما ما تمسكت به الوهابية من النقول التي تثبت الإشارة إليه تعالى فهي ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات فتؤول إما إجمالا ويفوض تفصيلها إلى الله كما عليه أكثر السلف. وإما تفصيلا كما هو رأي الأكثرين. فما ورد من الإشارة إليه في السماء محمول على أنه تعالى خالق السماء وأن السماء مظهر قدرته لما اشتملت عليه من العوالم العظيمة التي لم تكن أرضنا الحقيرة إلا ذرة بالنسبة إليها. وكذلك العروج إليه تعالى هو بمعنى العروج إلى موضع يتقرب إليه بالطاعة فيه. إلى غير ذلك من التأويلات) انتهى كلامه. وقد رد عليه الشيخ العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى فأجاد وأفاد.

وقول جميل في تصغير الأرض وتحقيرها هو مما أخذه عن فلاسفة الإفرنج المتأخرين. وأما تسميته لأدلة الكتاب والسنة ظواهر ظنية وأنها تؤول أو تفوض فهو مما أخذه عن أهل الكلام الباطل الذي ذمه السلف وحذروا منه ومن أهله.

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى. والرازي يطعن في دلالة الأدلة اللفظية على اليقين وفي إفادة الأخبار العلم وهذان مقدمتان الزندقة والتوقف في دلالتها شك يقتضي كفر المتوقف وقد قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فنفى الله الإيمان عمن لم يحكم الرسول وعمن وجد في نفسه حرجا من حكمه. وتأويلها بما يخالف ظاهرها وما دلت عليه تكذيب لها فهو من تحريف الكلم عن مواضعه من جنس تأويل القرامطة الباطنية الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه وصاحوا بأهله من أقطار الأرض ورموا في آثارهم بالشهب. وقد صنف الإمام أحمد كتاباً في الرد على هؤلاء وسماه الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله انتهى.

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في (إغاثة اللهفان) ومن حيله ومكائده الكلام الباطل والآراء المتهافتة والخيالات المتناقضة التي هي زبالة الأذهان ونحاتة الأفكار والزبد الذي يقذف به القلوب المظلمة المتحيرة التي تعدل الحق بالباطل والخطأ بالصواب. قد تقاذفت بها أمواج الشبهات. ورانت عليها غيوم الخيالات. فمركبها القيل والقال. والشك والتشكيك وكثرة الجدال ليس لها حاصل من اليقين يعول عليه. ولا معتقد مطابق للحق يرجع إليه. يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. فقد اتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا. وقالوا من عند أنفسهم فقالوا منكرا من القول وزورا. فهم في شكهم يعمهون. وفي حيرتهم يترددون. نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. واتبعوا ما تلته الشياطين على ألسنة أسلافهم من أهل الضلال فهم إليه يحاكمون. وبه يخاصمون. فارقوا الدليل. واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل.

ثم قال رحمه الله تعالى ومن كيده بهم وتحيله على إخراجهم من العلم والدين. أن ألقى على ألسنتهم أن كلام الله ورسوله ظواهر لفظية لا تفيد اليقين. وأوحى إليهم أن القواطع العقلية والبراهين اليقينية في المناهج الفلسفية والطرق الكلامية فحال بينهم وبين اقتباس الهدى واليقين من مشكاة القرآن. وأحالهم على منطق يونان. وعلى ما عندهم من الدعاوي الكاذبة العرية عن البرهان وقال لهم تلك علوم قديمة صقلتها العقول والأذهان. ومرت عليها القرون والأزمان. فانظر كيف تلطف بكيده ومكره حتى أخرجهم من الإيمان كإخراج الشعرة من العجين انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

وإذا علم هذا فليعلم أيضاً أن الصواف قد سلك مسلك جميل الزهاوي وقلده فيما زعمه من تصغير الأرض وتحقيرها وتسمية الأدلة من الكتاب والسنة ظواهر ظنية وأنها تؤول أو تفوض. وجميل الزهاوي قد سار خلف فلاسفة الإفرنج المتأخرين وخلف أهل الأهواء والبدع المضلين. فهو عيال على هؤلاء وأولئك كما أن الصواف عيال عليه وعليهم {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} وقد قال الله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلًا} قال البغوي في قوله {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} أي إلى كتاب الله وإلى رسوله ما دام حيا وبعد وفاته إلى سنته. والرد إلى الكتاب والسنة واجب إن وجد فيهما فان لم يوجد فسبيله الاجتهاد.

وقال ابن كثير في قوله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قال مجاهد وغير واحد من السلف أي إلى كتاب الله وسنة رسوله.

قلت قد رواه ابن جرير في تفسيره عن مجاهد وميمون بن مهران وقتادة والسدي.

قال ابن كثير وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ}. فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق. وماذا بعد الحق إلا الضلال. ولهذا قال تعالى {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر انتهى.

قلت ومن أعرض عن أدلة الكتاب والسنة على جريان الشمس وسبحها في الفلك ودؤبها في الجريان وزعم أنها ظنية وليست قطعية الدلالة وأنه ينبغي التوقف فيها أو تفويضها وإن في تأويلها عن ظاهرها مندوحة فلا شك أنه لم يرد الأمر المتنازع فيه إلى الله والرسول وإنما رده إلى فلاسفة الإفرنج المتأخرين وأتباعهم من المتخرصين المتبعين للظنون الكاذبة. من كان كذلك فهو ممن يشك في إيمانه بالله واليوم الآخر.

وأيضاً فقد قال الله تعالى {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.

قال قتادة في قوله تعالى {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} قال صدقا فيما قال وعدلا فيما حكم. وقال ابن كثير يقول صدقا في الأخبار وعدلا في الطلب فكل ما أخبر به فحق لا مرية فيه ولا شك وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه وكل ما نهى عنه فباطل فإنه لا ينهى إلا عن مفسدة. وقوله {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} أي ليس أحد يعقب حكمه تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة انتهى.

ومن أعرض عن أدلة الكتاب والسنة وتمسك بما سواهما من أقوال الناس وآرائهم فقد ابتغى حكما غير الله ورسوله ولم يؤمن بأن كلمة الله تعالى قد تمت صدقا وعدلا.

ومن هذا الباب الإعراض عما أخبر الله به من جريان الشمس وسبحها في الفلك ودؤبها في الجريان وأنه يأتي بها من المشرق. وما أخبر به من طلوعها ودلوكها وغروبها. وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جريانها وطلوعها وزوالها وغروبها وغير ذلك مما جاء في الأحاديث الصحيحة. والعدول عن ذلك إلى ما تخرصه فلاسفة الإفرنج من ثبات الشمس وما تخيله الصواف بعقله من كونها تدور على نفسها كما تدور المروحة السقفية الكهربائية على محورها. فهذا التخرص والتخيل ناشئ عن ابتغاء حكم غير الله تعالى وعن عدم الإيمان بأن كلمة الله قد تمت صدقا وعدلا. ولو كان يرى وجوب التحاكم إلى الله تعالى ويؤمن بأن كلمة الله تعالى قد تمت صدقا وعدلا لما زعم أن أقل ما يقال في النصوص الدالة على جريان الشمس وسبحها في الفلك أنها ظنية وليست قطعية الدلالة وأن التوقف فيها أو تفويض الأمر فيها أسلم وأحكم وأن في تأوليها عن ظاهرها مندوحة. وما علم المسكين ما يلزم على هذا القول الباطل من تكذيب الله تعالى وتكذيب كتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

وقد جاء في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه أنه قال (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله) والذي يعرفه المسلمون من زمني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى زماننا هذا عن الأرض والشمس والقمر هو ما أخبر الله به في كتابه وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جريان الشمس والقمر وسبحها في الفلك ودؤوبهما في الجريان وما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأجمع عليه المسلمون من استقرار الأرض وإرسائها بالجبال وجعلها أوتادا لها. فمن حدث الناس بهذا فقد حدثهم بما يعرفونه من أدلة الكتاب والسنة والإجماع. ومن حدثهم بخلاف ذلك وقال في نصوص الكتاب والسنة أنها ظنية وليست قطعية الدلالة وأن التوقف فيها أو تفويض الأمر فيها أسلم وأحكم وأن في تأويلها عن ظاهرها مندوحة فقد حدث الناس بما لا يعرفونه وأغراهم على تكذيب الله تعالى وتكذيب كتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

 

 

  • الاثنين PM 06:08
    2022-05-23
  • 692
Powered by: GateGold