المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413673
يتصفح الموقع حاليا : 234

البحث

البحث

عرض المادة

بعض أهل السنة أساءوا لمفهوم (العدالة)

وهذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها ... فبعض المنتسبين لأهل السنة لما رأوا ما في كلام الشيعة الإثني عشرية من الطعن في أصحاب رسول الله والقول بردتهم ورأوا السباب والشتائم والأدعية المتضمنة للعن الشيخين أبي بكر وعمر (1)، ورأوا بالمقابل عبارات مُجملة لقدماء علماء أهل السنة في التنصيص على عدالة الصحابة بجُملتهم، تمسكوا بحرفية تلك العبارات دون فهم المراد منها والتفصيل اللازم لها، فصار هؤلاء يشنّعون على من يضع الأمور في نصابها، وقد ساهم هؤلاء المتعصبة للأسف الشديد في إيجاد فجوات وثغرات في


(1) كدعاء صنمي قريش، والمراد بصنمي قريش عند الإثني عشرية (أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما)، ونص الدعاء كما في كتاب المحتضر للشيخ حسن بن سليمان الحلي (من علماء القرن الثامن) كالتالي: اللهم صلِ على محمد وآل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما اللذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك وحرّفا كتابك) إلى آخر الدعاء.
وقد اعتنى علماء الشيعة بهذا الدعاء اعتناء خاصاً، فقد ذكر آغا بزرك الطهراني جملة من الشروح له أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
(ذخر العاملين في شرح دعاء الصنمين) وعلّق الطهراني بعدها قائلاً: (وهما اللات والعزى (أبو بكر وعمر) للمولى محمد مهدي بن المولى على أصغر بن محمد يوسف القزويني ألفه باسم الشاه سلطان حسين الصفوي.
و (شرح دعاء صنمي قريش) للشيخ أبي السعادات أسعد بن عبد القاهر، أستاذ المحقق الخواجة نصير الطوسي وغيره.
و (شرح دعاء صنمي قريش) لشيخنا الميرزا محمد علي المدرس الچهاردهي النجفي، كان بخطه عند حفيده مرتضى المدرسي.

موضوع عدالة الصحابة حتى اعترى بعض العامة الشك في عدالة صحابة نبيهم ووجدوا إلى ذلك سبيلاً ما كانوا ليجدونه لو التزموا الفهم الصحيح لمفهوم العدالة.

فالقول بعدالة سيرة الصحابة إجمالاً لا يعني خروج الآحاد منهم عنها لأدلة شرعية أو لفسق ظاهر لا يحتمل التأويل وإحسان الظن بهم.

قال الأمير الصنعاني في "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار 2/ 436": (وأهل الحديث وإن أطلقوا القول بعدالة الصحابة كلهم عند الإجمال فإنهم يستثنون من هذه صفته عند تفاصيلهم لأفراد الصحابة وإنما لم يذكروه في مقام الإجمال لندوره، فنزّلوا النادر منزلة العدم فإنهم قدبينوا ذلك الاستثناء في كتب معرفة الصحابة).

وقال أيضاً في "أصول الفقه المسمى إجابة السائل شرح بغية الآمل": (وأئمة الحديث وإن أطلقوا بأنّ الصحابة كلهم عدول فقد بيّنوا أنه من العام المخصوص وخرّجوا جماعة منهم مثل الوليد بن عقبة وغيره كما بيّنه السيد محمد في التنقيح وزدناه توضيحاً في شرحنا في التوضيح، وأما الأدلة على عدالة الصحابة فكثيرة جداً قد استوفيناها في التوضيح أيضاً من آيات قرآنية وأحاديث نبوية.

واعلم أنّ الذي نختاره أنّ الأصل عدالة الصحابة إلا من ظهر اختلالها منه بارتكاب مفسق وهم قليل كما أفاده النظم، وهذا الذي ذهب إليه أئمة أهل البيت ... وهذا بعينه هو مذهب المحدثين كما قرره السيد محمد في العواصم والتنقيح) (1).


(1) إجابة السائل 1/ 130 - 131

أقول: وبالمثال تتجلى الصورة، فلو أنك قلت (كل أهل السودان طيبون) فلا يعني قولك هذا أنك إن مررت في حياتك بسوداني شرير أو خبيث أنّ ذلك يعني انتقاض القاعدة في أهل السودان جميعاً، فلكل قاعدة استثناءات ولا عيب في هذا إلا عند المتشددين من الناس.

وكذلك الحال فيما لو قال رجل بأنّ (كل أهل الجزائر كرماء)، فوجدت بخيلين أو ثلاثة قد خرجوا عن القاعدة لأسباب خاصة، فلا يعني ذلك نقض القاعدة في أهل الجزائر جميعاً!

ومشكلة متعصبة أهل السنة أنهم يتصورون أنّ خروج أحد من الصحابة عن قاعدة العدالة لنص شرعي ورد فيه قد يؤثر على مبدأ العدالة، فيتعصبون جهلاً لمفهوم العدالة فيردون النص الشرعي أو ربما يقبلونه ولكنهم يعطّلون معناه، فلا يخرجون ذاك الصحابي من العدالة رغم تبشير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له بالنار أو حكمه عليه بالفسق! (1)

وهؤلاء يحسبون أنهم يحسنون صنعاً بصنيعهم هذا، ولا يدركون أي جُرم ارتكبوا في حق أصحاب رسول الله وفي حق الناس.

فبسبب تعصبهم وتجاهلهم للحقائق الجلية وجد الطاعنون في الصحابة سبيلاً للطعن وفي استغلال ما ورد في الظالمين والفاسقين لصبه في محيط حسنات الصالحين والصالحات!


(1) إنّ عدالة الصحابة معلومة وثابتة في الكتاب والسنة، لا يماري في ذلك إلا جاهل لحقهم أو مبغضٍ لهم، لكنه ينبغي أن يُعلم أنّ من ثبت في حقه منهم دليل صحيح صريح لا يحتمل التأويل ولا إحسان الظن لثبوت انتفاء جهل الصحابي لحرمة الفعل الذي ارتكبه أو تأوله فيه أو توبته منه أو تطهره منه بحد فإنه يُحكم بخروجه من العدالة لا سيما إذا ورد في حقه نص لا يحتمل سوى الجزم بذلك كما في حادثة كركرة والرجل الذي قتل نفسه كما سيأتي.
أما الظنون والترجيحات أو الروايات الضعيفة والمكذوبة فلا عبرة بها ولا يصح أن ننفي بها عدالة مسلم فضلاً عن أن ننفي بها عدالة من أثنى الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عليهم!

وأهل السنة والجماعة وسط بين طرفي الغلو، لا يرتضون الطعن في صحابة رسول الله ولا أمهات المؤمنين ولكنهم مع ذلك يدينون الله تعالى بما صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حق أشخاص أساءوا الصحبة.

ولنأت بمثالين حيين لما نذكره:

- كِرْكِرَة:

روى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: كان على ثقل (1) النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ يقال له كِرْكِرَةُ، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (هو في النار)، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها (2) (3).

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري": (وقوله "هو في النار" أي يعذب على معصيته أو المراد هو في النار إن لم يعف الله عنه) (4).

وقال الحافظ بدر الدين العيني في "عمدة القاري" قوله: (هو في النار)، قال ابن التين عن الداودي: يُحتمل أن يكون هذا جزاؤه إلا أن يعفو الله، ويحتمل أن يصيبه في القبر، ثم ينجو من جهنم، ويحتمل أن يكون وجبت له النار من نفاق كان يسره أو بذنب مات عليه مع غلوله أو بما غل، فإن مات مسلماً فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) (5).


(1) الثَقَل (بفتح الثاء والقاف) هو ما يثقل حمله من الأمتعة.
(2) الغلول هو ما أخذه من الغنيمة بغير وجه حق.
(3) صحيح البخاري- كتاب الجهاد والسير- باب (القليل من الغلول) - حديث رقم (3074).
(4) فتح الباري 6/ 188
(5) عمدة القاري 15/ 8

أقول: قد أحسن ابن حجر والعيني فيما قالا، فعِلم الآخرة عند الله تعالى، فقد يكون المرء مستحقاً للعقاب أو الحد في الدنيا ويكون عند ربه عز وجل من المغفور لهم والمرحومين فالأمر عند الله تعالى إن شاء عفا وإن شاء عذبه.

وكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كما قال الحافظ ابن حجر- قد يحتمل أنّ كركرة من أهل النار وأنه يعذب فيها لذنبه، وقد يحتمل أنه مستحق للعذاب فيها إن لم يعف الله عنه.

وكلا الاحتمالين لن يغيّرا من الأمر شيئاً، فكلامنا عن العدالة مرتبط بالدنيا لا بالآخرة فلا يصح لعاقل أن يستدل بكلام ابن حجر السابق لِلي عنق النص بحيث يُجعل المستحق لدخول النار بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدلاً، فمن يجرؤ على الإدعاء بأنّ من شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته بالنار (عدل في الدنيا)!

فإن كان كركرة عدلاً مستقيماً، فلِم شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنار؟! (1)

أما احتمال ابن التين أن تكون النار قد وجبت له من نفاق كان يسره، فهو احتمال بعيد لا يملك أحدٌ منا دليلاً عليه، والجزم بخروج كِرْكِرَة من العدالة أهون من جعله في زمرة المنافقين كما تعلم!

فأما المتعصبون فسيكونون فريقين، فريق يتعصب للعدالة دون النص فيجعل كركرة عدلاً مع دخوله النار! وفريق آخر سيتعصب لهواه فيجعل الصحابة كلهم (كركرة)!


(1) إنّ هذا ليذكرني بتعليق للشيخ الألباني رحمه الله على حديث (قاتل عمار في النار) حيث ذكر في تعليقه على الحديث في السلسلة الصحيحة 5/ 19بأنه أبو الغادية الجهني، وذكر جزم ابن معين بأنه قاتل عمار ثم قال معلقاً على قاعدة العدالة: (فالصواب أن يقال: إنّ القاعدة صحيحة إلا ما دلّ الدليل القاطع على خلافها فيُستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا، وهذا خير من ضرب الحديث الصحيح بها، والله أعلم).

وأما أهل الإنصاف فسيجعلون لكل شيء قدره دون إفراط ولا تفريط فيقولون (كركرة) نموذج لصحابة خرجوا من عدالة السيرة لدليل شرعي ولفسق ظاهر لا تأويل فيه ولذلك استحق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

- الرجل الذي قتل نفسه:

روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أُتيَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل قتل نفسه بِمَشَاقِصَ (1)، فلم يُصلِ عليه) (2).

والانتحار كبيرة من كبائر الذنوب، وقد مات هذا الرجل على هذه الكبيرة، ولذلك لم يُصلِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه، ونحن وإن كنا لا نجزم له بجنة أو بنار على اعتبار أنّ مرد علم ذلك إلى الله تعالى، فقد يغفر له وقد يعاقبه على ذنبه إلا أننا نملك الجزم بأنه مات في الدنيا على غير العدالة.

فالصحابة في مجموعهم عدول لكنّ ذلك لا يعني عدم خروج آحادهم من العدالة لدليل شرعي أو فسق ظاهر لا تأويل فيه (3).

فالشيعة الإثنا عشرية تطرفوا فقدحوا في عدالة المجموع من أجل بعض الأفراد دون الاكتراث بنصوص القرآن والسنة المادحة لمجموع الصحابة، في حين أفرط متعصبة أهل السنة في المسألة فلم يُجوّزوا خروج أحد من هذا الثناء بدليل شرعي أو فسق ظاهر، فبحثوا عن تأويلات لمن أساء الصحبةحماية لقاعدة العدالة، وكلا الفريقين تكلّم في العدالة وليس في كلامه عدالة بل هو التطرف والظلم اللذان لا يرضى الله بهما.

وإن كنا نرى أنّ الذي أحسن الظن بالمسيء خير ممن رمى الصالح بالتهمة وسوء الظن، لا يستويان مثلاً.

 


(1) سهام عراض، واحدها مشقص.
(2) صحيح مسلم - كتاب الجنائز - باب (ترك الصلاة على القاتل نفسه) - حديث رقم (978).
(3) إنّ انتفاء عدالة السيرة عن صحابي لفعله كبيرة من كبائر الذنوب أو إصراره على صغيرة لا يعني انتفاء عدالة الرواية، لأنّ إجلال الصحابة لرسول الله ومعرفتهم لعظم جريمة الكذب على رسول الله مما يعرفه كل عاقل فمن ادّعى غير ذلك فعليه أن يأتي بالدليل، ولن يجد دليلاً واحداً على صحابي واحد أنه كذب على رسول الله، وغاية ما يثيره أهل الأهواء هو الطعن في أبي هريرة بشتى الطرق، وقد أفادنا الأستاذ عبد الله الناصر في كتابه (البرهان في تبرئة أبي هريرة من البهتان) بما يدحض كل الشبهات المثارة على أبي هريرة.
فأكد أنه ما من حديث رواه أبو هريرة إلا وقد رواه الشيعة عن الإمامين الباقر والصادق على وجه الخصوص بنفس الألفاظ أو مع اختلاف بسيط في اللفظ أو بما يطابق المعنى! ... = أما ما يذكر عن روايته لـ 5374 حديثاً، فالصحيح أنّ هذا العدد هو لكل ما روي عن أبي هريرة وليس كل ما أسنده الرواة لأبي هريرة هو صحيح، فيضم هذا الرقم أحاديثاً ضعيفة وأحاديثاّ مكررة، وإذا ما أخرجناها من جملة مرويات أبي هريرة فسيصفو لنا أقل من هذا العدد بكثير، يقول الدكتور محمد ضياء الأعظمي في كتابه (أبو هريرة في ضوء مروياته): فالذي نُسب إليه بأنه روى (5374) حديثاً كما جزم به ابن حزم في جوامع السيرة ص275 وابن الجوزي في (تلقيح فهوم أهل الأثر) ص184 ثم كتاب مصطلح الحديث، فكل ذلك باعتبار تكرار الأسانيد وأكبر ما يدل على ذلك هو عمل الإمام أحمد بن حنبل في مسنده الضخم، فإنّ مرويات أبي هريرة تستغرق 313 صفحة بالقطع الكبير من مسند يبلغ عددها أكثر من خمسة الآف حديث بالأسانيد المكررة، بينما أني لما قمت بدراسة ما رواه الإمام أحمد وأصحاب الكتب الستة (الإمام البخاري والإمام مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي) لم يبلغ جميع ما رواه أبوهريرة في هذه الكتب السبعة إلا (1336) حديثاً فقط) انتهى كلامه.
فكثرة عدد الأحاديث التي تُنسب لأبي هريرة منشأها المكررات هذا بخلاف الروايات الضعيفة التي لا تصح نسبتها إلى أبي هريرة كما هو معلوم.
وزيادة على هذا أقول: ليس من المستحيل لرجل تفرغ لصحبة رسول الله ونال بركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام أن يحفظ هذا العدد خصوصاً وأنّ الأحاديث عبارة عن جُمل قصيرة يسهل حفظها لمن وفقه الله تعالى لذلك، بل إنّ المتتبع لروايات أبي هريرة رضي الله عنه في الكتب التسعة (الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وموطأ مالك ومسند أحمد والدارمي) يجد أنّ كثيراً من الصحابة اشتركوا مع أبي هريرة في كل مروياته تقريباً، فلم ينفرد عنهم فيما روته عنه الكتب التسعة (البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي في جامعه والنسائي وابن ماجة وأبو داود في سننهم وأحمد في المسند ومالك في الموطأ والدارمي في سننه) إلا برواية ثمانية أحاديث فقط! ألا يكفي هذا بياناً لصدقه؟
والغريب في الشيعة أنه يعدّون كثرة الرواية دليل على وثاقة الراوي فينسبون للإمام الصادق قوله: (اعرفوا منازل الرجال على قدر رواياتهم عنا) ويعدّون لأجل ذلك زرارة والجعفي وأمثالهما من الكذابين المكثرين ثقات فلا يستنكرون رواية الجعفي لسبعين ألف حديثاً عن الإمام الباقر كما صرّح بذلك الحر العاملي في (وسائل الشيعة 30/ 329)، ولا يستنكرون رواية زرارة لألفين وأربعة وتسعين رواية عن الإمامين الباقر والصادق كما صرّح بذلك الخوئي في معجم رجال الحديث (8/ 254 تحت عنوان (طبقته في الحديث)) لكنهم يستأسدون على أبي هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!

  • الاثنين AM 03:14
    2022-05-23
  • 1005
Powered by: GateGold