المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413597
يتصفح الموقع حاليا : 201

البحث

البحث

عرض المادة

حديث (علي مني وأنا من علي)

ومن الأدلة التي استدل بها الشيعة الإثنا عشرية أيضاً على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما رواه أبو إسحاق السبيعي عن حُبْشُي بن جُنادة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (عليٌّ مني وأنا من عليٍّ ولا يُؤَدّي عَنّي إلا أنا أو علي) (1).

وقد ذكر محمد طاهر الشيرازي أنّ دلالة هذا الحديث على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ظاهرة (لأنا لا نريد بالإمامة إلا المؤدي عن الرسول القائم مقامه، فحصر التأدية فيه يفيد بطلان إمامة غيره) (2).

المناقشة: أولاً: الحديث المذكور اختُلِف في ثبوته، فإنّ الحديث مداره على أبي إسحاق السبيعي وهو مدلّس مشهور، يُكثر التدليس عن الضعفاء، فإذا صرّح بالتحديث فحديثه صحيح وإن لم يصرّح بالتحديث فإنه يُتوقف في قبول حديثه مع ما عُلِم من اختلاطه بآخره.

والحديث المذكور رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" وأحمد بن حنبل في "مسنده" والطبراني في"المعجم الكبير" وابن أبي عاصم في "السنة" كلهم عن أبي إسحاق السبيعي معنعناً، وانفرد النسائي في "فضائل الصحابة" و"السنن الكبرى" بروايته الحديث عن أبي إسحاق مصرّحاً بالتحديث، لكن حديث النسائي من طريق إسرائيل حفيد أبي إسحاق السبيعي وهو حافظ ثقة لكنه لم يرو عن جده إلا بعد اختلاطه (3).


(1) رواه الترمذي - كتاب المناقب - باب (علي مني وأنا من علي) - حديث رقم (3719).
(2) كتاب الأربعين ص76
(3) ذكر ذلك صالح بن الإمام أحمد عن أبيه (انظر تهذيب التهذيب- ترجمة (إسرائيل بن يونس)).

وزاد الأستاذ أبو مريم الأعظمى على ما ذكرناه: (أنّ الحديث جاء بلفظ آخر وهو: (عليّ مني وأنا من عليّ ولا يقضي ديني إلاّ أنا أو عليّ) عند الإمام أحمد (4/ 164) والطبراني في (الكبير) (3512) وقد رواه بهذا اللفظ عن أبي إسحاق حفيده إسرائيل وهو حافظ ثقة وقيس بن الربيع، ورواه عن إسرائيل يحيى بن أبي بكير وهو ثقة من رجال الصحيحين فتبقى فيه علة أبي إسحاق السبيعي فقط، وليس اللفظ الأول بأولى بالقبول من اللفظ الآخر هذا بالنسبة لحديث حبشي. إلاّ أن ما يرجح اللفظ الثاني وهو (عليّ مني وأنا من عليّ ولا يقضي ديني إلاّ أنا أو عليّ) أنّ له شواهد من حديثين آخرين غير حبشي، وهو حديث أنس عند البزار (ص268) ولفظه: (عليّ يقضي ديني)، وحديث سعد بن أبي وقاص عند البزار أيضاً (ص266) والنسائي في (الخصائص) (ص3) بلفظ: (هذا وليّ ويؤدي عني ديني وأنا موالي من والاه ومعادي من عاداه). وهذا الحديثان وإن كان في إسناديهما مقال وضعف إلاّ أنهما يصلحان شاهدين للفظ الثاني من حديث حبشي وترجيحه على اللفظ الأول، فإن كان يمكن أن يصح حديث حبشي فبهذا اللفظ فقط: (عليّ منيّ وأنا من عليّ ولا يقضي ديني إلاّ أنا أو عليّ). وهو ما فعله المحدّث الشيخ الألباني فصحح هذا اللفظ في (الصحيحة) (1980) ومنه استفدنا هذا التصحيح) (1).

ثانياً: صدْر الحديث ثابت من وجه آخر وهو حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في قصة تنازع علي وزيد وجعفر على كفالة ابنة حمزة، وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال


(1) الحجج الدامغات لنقض كتاب المراجعات- مخطوط.

لعلي: «أنت مني وأنا منك» والحديث في الصحيحين، لكن هذه الفضيلة ليست من فضائل علي التي اختُصّ بها عن غيره من الصحابة.

فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأشعريين: (إنّ الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلّ طعامُ عيالِهِم بالمدينة، جمعوا ما كان عِندهم في ثوبٍ واحدٍ، ثمّ اقتسَمُوهُ بينهم في إناءٍ واحدٍ، بالسّوِيَّة، فهُم مِنّي وأنا مِنْهُمْ) (1) فذكر فيهم العبارة ذاتها التي ذكرها في الإمام علي.

وخصّ بها رجلاً من أصحابه هو جُليبيب رضي الله عنه كذلك.

فعن أبي برزة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في مغزى له (2)، فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: هل تفقِدون من أحدٍ؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال: هل تفقِدون من أحدٍ؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال: هل تفقِدون من أحدٍ؟

قالوا: لا، قال: لكنّي أفقد جُليبيباً فاطلبوه، فطُلِبَ في القتلى، فَوَجدُوهُ إلى جَنْبِ سَبْعةٍ قد قَتَلَهُمْ ثم قَتَلوهُ، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوقف عليه، فقال: قَتَلَ سَبْعَةً ثمّ قَتلُوهُ، هذا مِنّي وأنا مِنْه، هذا مِنّي وأنا مِنه) (3)

فإن كان في حديث (علي مني وأنا من علي) أو حديث (أنت مني وأنا منك) ما يفيد معنى الإمامة لكانت الأحاديث التي ذكرت جليبيب والأشعريين تفيد المعنى ذاته فكانت الخلافة فيهم وربما في أعقابهم!


(1) رواه البخاري في صحيحه – كتاب الشركة – باب (الشركة في الطعام والنهد) – حديث (2486) ورواه مسلم في صحيحه – كتاب فضائل الصحابة – باب من فضائل الأشعريين– حديث (2500)
(2) أي في سفر غزو.
(3) رواه مسلم في صحيحه – كتاب فضائل الصحابة – باب من فضائل جليبيب– حديث (2472).

ثالثاً: على فرض ثبوت زيادة (ولا يؤدي عني إلا علي) المذكورة في الحديث فإنه يُقال: إنّ العبارة مبهمة، لم يُنص فيها على المؤدى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما هو؟

ومن المحال أن يعني بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يبلّغ عنه الدين مطلقاً إلا علي رضي الله عنه، فإنّ ذلك معارض لأصل عظيم من أصول الدين وهو وجوب نشر العلم وتبليغه كما قال عليه الصلاة والسلام: (نضّر الله عبداً سمع مقالتي هذه فحملها، فرُبّ حامل الفقه فيه غير فقيه ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه) (1) بل ومعارضٌ لما تواتر من كونه صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث غير عليِّ رضي الله عنه إلى الناس لتبليغهم تعاليم الدين فقد بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وبعث مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى أهل المدينة قبل مقدمه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وغيرهم كثير.

ولكن المراد هو تأدية أمر مخصوص وهو نبذ العهد مع المشركين وإعلان البراءة منهم كما دلت على ذلك بعض الأحاديث بمجموعها.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (روى الترمذي وحسّنه وأحمد من حديث أنس قال: بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم براءة مع أبي بكر ثم دعا علياً فأعطاها إياه وقال: (لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلا رجل من أهلي) وهذا يوضّح قوله في الحديث الآخر (لا يبلغ عني) ويُعرف منه أنّ المراد خصوص القصة المذكورة لا مطلق التبليغ) (2).


(1) رواه أحمد في المسند – حديث رقم (13374) – قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
(2) فتح الباري (8/ 239)

وقال في موضع آخر: (ولهذا قال العلماء: إنّ الحكمة في إرسال عليّ بعد أبي بكر أنّ عادة العرب جرت بأن لا ينقض العهد إلاّ من عقده أو من هو منه بسبيل من أهل بيته، فأجراهم في ذلك على عادتهم، ولهذا قال: (لا يبلغ عني إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي) (1).

وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي 10/ 152": ((ولا يؤدي عني) أي نبذ العهد (إلا أنا أو علي) كان الظاهر أن يُقال لا يؤدي عني إلا علي فأدخل (أنا) تأكيداً لمعنى الاتصال في قوله (علي مني وأنا منه)، قال التوربشتي: كان من دأب العرب إذا كان بينهم مقاولة في نقض وإبرام وصلح ونبذ عهد أن لا يُؤدي ذلك إلا سيد القوم أو من يليه من ذوي قرابته القريبة ولا يقبلون ممن سواهم فلما كان العام الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يحج بالناس رأى بعد خروجه أن يبعث علياً كرم الله وجهه خلفه لينبذ إلى المشركين عهدهم ويقرأ عليهم سورة براءة وفيها {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (2) إلى غير ذلك من الأحكام فقال قوله هذا تكريماً له بذلك).


(1) فتح الباري (8/ 241)
(2) سورة التوبة آية 28

  • الاثنين AM 01:53
    2022-05-23
  • 892
Powered by: GateGold