المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412171
يتصفح الموقع حاليا : 314

البحث

البحث

عرض المادة

حديث الطائر

ومن أهم أدلة الشيعة الإمامية في موضوع الإمامة ما رواه الحاكم في "المستدرك" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقُدّم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرخ مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير)، قال: فقلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، فجاء علي رضي الله عنه فقلت: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (افتح، فدخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما حبسك يا علي؟

فقال: إنّ هذه آخر ثلاث كرّات يردني أنس، يزعم أنك على حاجة، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله، سمعت دعاءك، فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّ الرجل قد يحب قومه) (1).

روي هذا الحديث بأسانيد لا تخلو من ضعف، ولعل من الملفت للنظر في الحديث إضافة إلى ضعف أسانيده هو كثرة الروايات المسندة إلى أنس بن مالك رضي الله عنه ومع ذلك عدم صحة سند واحد منها وهو أمر يدعو للعجب والدهشة!

فأين أصحاب أنس عن هذا الحديث وقد صحبوه السنين الطوال؟ لم نر أي واحد منهم قد روى هذا الحديث، وهم أوثق الناس وأضبطهم رواية عن أنس رضي الله عنه كأمثال الحسن البصري وثابت البناني وحميد الطويل وحبيب بن أبي ثابت وبكر بن عبد الله المزني وأسعد بن سهل بن حنيف، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وأبان بن صالح وإبراهيم بن


(1) المستدرك 3/ 130 - 131

ميسرة وغيرهم كثير ممن يروي عن أنس ولا يُعرف عن أحد هؤلاء الثقات طريق ثابت لهذا الحديث! وهذا ما دعا كثيراً من الحفاظ إلى الحكم بضعف أو كذب هذا الحديث، منهم:

1 - القاضي أبو بكر الباقلاني

ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية 7/ 354" ما نصه (ثم وقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه – أي حديث الطير – سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلم).

2 - أبو يعلى الخليلي صاحب الإرشاد:

نقل عنه ابن حجر في التهذيب (1/ 303 - 304) قوله: (ما روى حديث الطير ثقة، رواه الضعفاء مثل إسماعيل بن سلمان الأزرق وأشباهه)، زاد محقق الخصائص النسائي (ص35) نقلاً عن الخليلي في الإرشاد قوله: (ويرده جميع أئمة الحديث).

3 - محمد بن طاهر المقدسي

قال عن حديث الطير: (كل طرقه باطلة معلولة) (1)

4 - محمد بن ناصر السلامي:

نقل عنه ابن الجوزي في "المنتظم 7/ 275" قوله عن حديث الطير: (حديث موضوع إنما جاء من سقّاط أهل الكوفة، عن المشاهير والمجاهيل، عن أنس وغيره).

5 - ابن الجوزي

ذكر الحديث في "العلل المتناهية 1/ 225 - 234" وقال: (قد ذكره ابن مردويه من نحو عشرين طريقاً كلها مظلم، وفيها مطعن، فلم أر الإطالة بذلك).


(1) العلل المتناهية لابن الجوزي 1/ 233 - 234

6 - أبو العباس ابن تيمية

قال في "منهاج السنة 4/ 99": (حديث الطائر من المكذوبات والموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل).

7 - جمال الدين الزيلعي

ذكر المباركفوري في "تحفة الأحوذي 10/ 224" أنّ الزيلعي قال في نصب الراية (كم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه، وهو حديث ضعيف كحديث الطير).

8 - الفيروز أبادي صاحب القاموس

نقل الشوكاني في "الفوائد المجموعة ص382" عنه قوله عن هذا الحديث: (له طرق كثيرة كلها ضعيفة) (1).

ولعل من الأمور المستنكرة في الحديث والتي تؤكد عدم صحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ما يطرحه الحديث ذاته من معنى، إذ إنّ أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ليأكل منه، فإنّ إطعام الطعام مشروع للبر والفاجر، وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الأكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأي أمر عظيم هنا يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله؟!

وكذلك يُقال إما أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرف أنّ علياً أحب الخلق إلى الله أو ما كان يعرف، فإن كان يعرف ذلك، كان يمكنه أن يرسل يطلبه، كما كان يطلب الواحد من الصحابة أو يقول: اللهم ائتني بعليّ فإنه أحب الخلق إليك.


(1) مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحاكم لابن الملقّن 3/ 1472

فأي حاجة إلى الدعاء والإبهام في ذلك والشخص معروف؟! ولو سمّى علياً لاستراح أنس من الرجاء الباطل، ولم يغلق الباب في وجه علي (1).

يضاف إلى ذلك معارضة حديث الطائر لأحاديث صحيحة ثابتة أجمع المحدّثون والحفّاظ على صحتها.

يبيّن هذا كل من تأمل ما في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً) (2)، وهذا الحديث مستفيض بل متواتر عند أهل العلم بالحديث، فإنه قد أُخرج في الصحاح من وجوه متعددة من حديث ابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وابن الزبير، وهو صريح في أنه لم يكن من أهل الأرض أحد أحب إليه من أبي بكر، فإنّ الخلة هي كمال الحب، وهذا لا يصلح إلا لله، فإذا كانت ممكنة ولم يصلح لها إلا أبو بكر، عُلم أنه أحب الناس إليه (3).

وكون علياً محبوباً عند النبي عليه الصلاة والسلام لا يعني أنه الإمام من بعده، ولا يعني كذلك أنّ إمامته من الله، فالمحبة شيء والخلافة شيء آخر، وعند هذه النقطة سنقف وقفة جديرة بالاهتمام.

فهذا الإمام جعفر الصادق عُرف عنه أنه كان أحب أبنائه إليه هو إسماعيل وأكثرهم قرباً إلى نفسه.


(1) هنا حُق لنا أن نتساءل (ما الحكمة في أن يعرف أنس فقط أنّ علياً هو أحب الخلق إلى الله دون أن يعلن ذلك رسول الله أمام جميع المؤمنين؟!).
(2) صحيح البخاري – كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم – باب (قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر) - حديث رقم (3654).
(3) مختصر منهاج السنة 2/ 763 - 764

يقول الشيخ عباس القمي في كتابه "منتهى الآمال ص207": (وكان إسماعيل أكبر إخوته – أي أكبر إخوة موسى -، وكان أبو عبد الله عليه السلام شديد المحبة له والبر به والإشفاق عليه وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم من بعد أبيه والخليفة من بعده، إذ كان أكبر إخوته سناً، ولميل أبيه إليه وإكرامه له).

وقد احتار الشيعة آنذاك في هذه المسألة ... كيف يكون الإمام هو موسى في حين أنّ إسماعيل هو أحب الأبناء إلى أبيه (1).

فجاء نص صريح وجميل جداً ليضع النقاط على الحروف في هذه المسألة وهو ما رواه الكليني بسنده عن الإمام موسى الكاظم أنه حدّث ابن سليط عن رغبته في أن تكون الإمامة لابنه القاسم قائلاً: (ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني لحبّي إيّاه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى الله عز وجل) ثم ذكر لابن سليط رؤيا منام رأى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبره بخروج الأمر منه إلى ابنه قائلاً: (والأمر قد خرج منك إلى غيرك، فقلت – أي الإمام الكاظم -: يا رسول الله أرنيه أيّهم هو؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما رأيت من الأئمة أحداً أجزع على فراق هذا الأمر منك ولو كانت الإمامة بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك منك ولكن ذلك من الله عز وجل ..) (2).

ولذلك من يستدل على الإمامة بالمحبة يغالط نفسه، فهو يرتضي مبدأ المحبة ليجعل علياً إماماً من دون الناس، ثم يقف عند إمامة إسماعيل ومحبة أبيه جعفر الصادق له فيدير لها ظهره، ويقول بإمامة موسى متناسياً أنّ المحبة دليل على الإمامة!

ودين الله عز وجل لا يحكمه المزاج، يكون بالمحبة تارة وبالتنصيب الإلهي تارة أخرى فإما أن تكون المحبة دليلاً على الإمامة أو لا تكون.

 


(1) والإمام عند الشيعة الإثنى عشرية معصوم ومنزّه عن مخالفة أمر الله تعالى، فلا يصح عند الإمامية أن يحب الإمام ابناً له ويُقرّبه فوق حب وتقريب الإمام المنصوص عليه وإلا كان مخالفاً لأمر الله وتعالى ومحباً لغير ما أحبه الله تعالى، ولكان النص على ابنه المقرّب من نفسه أحب إليه من النص على ابنه الآخر المنصوص عليه شرعاً!! ومن فمك أدينك.
(2) الكافي – كتاب الحجة – باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا (ع) – رواية رقم (14) وإعلام الورى بأعلام الهدى 2/ 48 - 49 ومدينة المعاجز لهاشم البحراني 6/ 251 رواية رقم (58).

  • الاحد PM 05:38
    2022-05-22
  • 1049
Powered by: GateGold