المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412293
يتصفح الموقع حاليا : 335

البحث

البحث

عرض المادة

آية التطهير وحديث الكساء

تعتبر آية التطهير من أهم أدلة الشيعة الإثني عشرية على عصمة الأئمة، بل أستطيع القول بأنها أهمها على الإطلاق.

فقد استدل علماء الشيعة الإثنى عشرية بقول عز وجل {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} في سورة الأحزاب آية 33، وحديث الكساء الذي رواه مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرطٌ مرَحَّلٌ من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليٌّ فأدخله، ثم قال {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}) (1).

وما رواه الترمذي عن عمر بن أبي سَلَمة - ربيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء وعليٌ خلف ظهره فجلّله بكساءٍ ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهِبْ عنهم الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تطهيراً). قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنتِ على مكانِكِ، وأنتِ على خير) (2) على عصمة أصحاب الكساء وتنزيههم عن الذنوب صغيرها وكبيرها بل عن الخطأ والنسيان البشري!

ثم جعلوا من آية التطهير وحديث الكساء نقطة انطلاق للقول بعصمة باقي الأئمة الإثنى عشر!

والغريب أنهم استبعدوا نسل الإمام الحسن من القول بالعصمة وكذا نسل الإمام الحسين سوى تسعة من أبنائه فقط، أثبتوا لهم العصمة ذاتها!

فما مدى دلالة آية التطهير وحديث الكساء على عصمة الأئمة الإثني عشر والزهراء فاطمة رضي الله عنها؟

المناقشة:

أولاً: حديث الكساء المذكور قد روي بعدة صيغ بعضها صحيح والآخر ضعيف، فروي عن جمع من الصحابة هم أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب وسعد بن أبي وقاص وواثلة بن الأسقع وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم أجمعين إلا أنه لم ترد زيادة رفض النبي صلى الله عليه وآله وسلم إدخال أم سلمة في الكساء إلا في روايات أم سلمة وأبي سعيد الخدري فقط!

وعند تأمل الروايات الواردة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذا الشأن نلحظ أنها كلها مروية عن عطية العوفي، وعطية العوفي ضعيف الحديث عند عامة علماء الجرح والتعديل كما لا يخفى.

 


(1) صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة - باب (فضائل أهل بيت النبي) - حديث رقم (2424).
(2) جامع الترمذي - كتاب تفسير القرآن - باب (ومن سورة الأحزاب) - حديث رقم (3205) ثم قال: (هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث عطاء عن عمر بن أبي سلمة)، قلت: والحديث ضعيف= = السند لضعف (محمد بن سليمان بن عبد الله الأصبهاني)، فقد قال عنه أبو حاتم: لا بأس به، يُكتب حديثه ولا يُحتج به، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: مضطرب الحديث، قليل الحديث، ومقدار ما له قد أخطأ في غير شيء منه!
وأحاديث الكساء المروية عن أم سلمة رضي الله عنها لا تخلو عادة من أحد هؤلاء الضعاف: محمد بن سليمان الأصبهاني أو عطية العوفي أو شهر بن حوشب كما سيأتي.

فقد ضعفه سفيان الثوري (1) وابن عيينة (2) وهشيم (3) ويحيى القطان (4) وأحمد (5) ويحيى بن معين (6) وأبوحاتم وأبوزرعة الرازيان (7) وأبوداود (8) والنسائي (9) والساجي (10) وابن خزيمة (11) وابن حبان (12) وابن عدي (13) والدارقطني (14) والبيهقي (15) والذهبي (16).


(1) قال الإمام أحمد كما في العلل (رقم 4502): (وكان سفيان - يعني الثوري - يضعف حديث عطية).
(2) فقد أسند أبوداود كما في سؤالات الآجري (1/ 238رقم 308) أنّ الإمام الشافعي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: (عطية، ما أدري ما عطية!). وانظر: مناقب الشافعي للبيهقي (1/ 549)
(3) فقال الإمام أحمد كما في العلل (رقم 1306): (كان هشيم يضعف حديث عطية).
(4) وقال البخاري كما في التاريخ الكبير (4/رقم 2041): (كان يحيى يتكلم فيه).
(5) قال ابنه عبدالله في العلل (رقم 1306): سمعت أبي ذكر عطية العوفي فقال: (هو ضعيف الحديث).
(6) كما في رواية ابن الجنيد (رقم 234): (كان ضعيفاً في القضاء، ضعيفاً في الحديث)، وقال في رواية أبي الوليد بن أبي الجارود كما في الضعفاء للعقيلي (3/ 359): (كان عطية العوفي ضعيفاً)، وقال في رواية ابن أبي مريم كما في الكامل (7/ 84): (ضعيف إلا أنه يكتب حديثه).
(7) كما في الجرح والتعديل (3/ 1/رقم 2125): (ضعيف، يكتب حديثه، وأبونضرة أحب إليّ منه) وقال أبوزرعة الرازي: (ليّن).
(8) كما في سؤالات الآجري (1/ 264رقم376): (ليس بالذي يُعتمد عليه).
(9) قال في الضعفاء والمتروكون (رقم 481): (ضعيف).
(10) كما في تهذيب التهذيب: (ليس بحجة).
(11) قال في (صحيحه 4/ 68): (في القلب من عطية بن سعد العوفي).
(12) قال في (المجروحين 2/ 176) بعد أن ذكر قصته مع الكلبي: (فلا يحل الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب).
(13) قال في (الكامل 7/ 85): (وهو مع ضعفه يكتب حديثه).
(14) قال في (السنن 4/ 39): (ضعيف) وفي العلل (4/ 6): (مضطرب الحديث).
(15) قال في (السنن الكبرى 8/ 126): (لا يحتج بروايته).
(16) قال في (المغني في الضعفاء 2/ 436): (تابعي مشهور، مجمع على ضعفه).

أما روايات أم سلمة رضي الله عنها فأغلبها من طريق عطية العوفي أيضاً، ويليه شهر بن حوشب وهو ضعيف أيضاً (1) إلا أنّ لشهر رواية مهمة جداً تعارض رواية أم سلمة المذكورة إذ فيها ذكر دخول أم سلمة رضي الله عنها في الكساء بعد خروج أهل الكساء منه.

فعن شهر قال: سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين جاء نعي الحسين بن علي، لعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه قتلهم الله، غرّوه وذلّوه لعنهم الله، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءته فاطمة غُدّية ببرمة قد صُنعت له فيها عصيدة تحملها في طبق لها، حتى وضعتها بين يديه فقال لها: أين ابن عمك؟ قالت: هو في البيت، قال: اذهبي فادعيه وائتيني بابنيه، قال: فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيد، وعلي يمشي في إثرهما، حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجلسهما في حجره وجلس علي على يمينه وجلست فاطمة على يساره، قالت أم سلمة: فاجتبذ كساء خيبرياً كان


(1) قال ابن حبان في "المجروحين 1/ 361": (كان ممن يروي عن الثقات المعضلات وعن الأثبات المقلوبات).
وقال شعبة: (لقيت شهراً فلم أعتد به). "الكاشف 1/ 490"
وكان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه. "الجرح والتعديل 4/ 382"
وقد سُئِل ابن عون عن حديث شهر وهو قائم على أسكفة الباب فقال: (إنّ شهراً تركوه، إنّ شهراً تركوه). "ضعفاء العقيلي 2/ 191"
وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين 1/ 56": (ليس بالقوي).
وقد قال عنه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء 4/ 39" بعد تتبع أحاديثه: (عامة ما يرويه هو وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه وشهر هذا ليس بالقوي في الحديث وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به).
وقال ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب 1/ 269": (صدوق كثير الإرسال والأوهام)، ولعله قد استشف من توثيق بعض الأعلام لشهر بأنّ شهراً صدوق في نفسه لكن الاضطراب والخلل في أداءه لما يحفظ، ولا بد هنا أن نستصحب قاعدة معروفة لدى علماء الحديث هي (إنّ الجرح المفسّر مقدّم على التعديل)، وشهر موصوف حديثه بالنكارة كما رأيت.

بساطاً لنا على المنامة في المدينة فلفّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميعاً فأخذ بشماله طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربه عز وجل، قال: اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، قلت: يا رسول الله، ألست من أهلك؟ قال: بلى فادخلي في الكساء، فدخلتُ في الكساء بعدما قضى دعاءه لابن عمه علي وابنيه وابنته فاطمة) (1).

وبهذا ثبتت لأم سلمة شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها بأنها من أهل بيته لما سألته أم سلمة (أَلستُ مِنْ أهلك؟ قال: بلى) وبان أنّ صرفه إياها عن دخول الكساء لسببين ظاهرين:

أولهما: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد الدعاء لأصحاب الكساء (علي وفاطمة والحسن والحسين) لأنّ نساءه مشار إليهن في الآية.

الثاني: أنه من غير المناسب أن تدخل أم سلمة الكساء وفيه الإمام علي، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: أنتِ من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أنتِ على خير أو مكانك أنتِ على خير، فلما دعا لأهل الكساء وأخرجهم منه أدخلها فيه تطييباً لخاطرها.

وهذا ما رجحه المباركفوري في "تحفة الأحوذي 9/ 48" بقوله: (يحتمل أن يكون معناه: أنتِ على خير وعلى مكانك من كونك من أهل بيتي ولا حاجة لكِ في الدخول تحت الكساء


(1) مسند أحمد والطبراني في "المعجم الكبير" و"فضائل الصحابة لأحمد 2/ 852" حديث رقم (1170) وقد حسّنه وصي الله عباس في "فضائل الصحابة"، والصواب عندي تضعيفه كما ذهب إلى ذلك الشيخ شعيب الأرنؤوط لضعف (شهر بن حوشب) فهو صدوق كثير الأوهام في أحسن أحواله، لكن تبقى الرواية حجة على الذين يستدلون بحديث عمر بن أبي سلمة السابق، فليس هذا بأسوأ سنداً من ذاك.

كأنه منعها عن ذلك لمكان علي).

ثانياً: اختُلف في المراد بآية التطهير، فقيل: نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنهن من أهل بيته بدلالة الكتاب والسنة ولأنّ سياق الآيات لا يحتمل إلا ذلك.

وقيل: بل هم أصحاب الكساء (علي وفاطمة والحسن والحسين) ودليل هؤلاء (حديث الكساء) والخطاب في الآية، فقالوا: إنّ الخطاب في الآية يصلح للذكور لا الإناث لأنّ الله تعالى قد قال {عَنكُم} و {يُطَهِّرَكُم} ولو كان للنساء خاصة لقال (عنكن) و (يطهركن).

وجواب هذا الإشكال أن يقال: (إنّ من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن أنّ زوجة الرجل يطلق عليها اسم الأهل، وباعتبار لفظ الأهل تخاطب مخاطبة الجمع المذكر ومنه قوله تعالى في موسى {فَقَال لأهْلِهِ امْكُثُوا} وقوله {سآتِيكُمْ} وقوله {لَّعَلّي آتِيكُمْ} والمخاطب امرأته؛ كما قاله غير واحد، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر:

فإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخًا ولا برداً

ويُضاف إلى ذلك كون الخطاب في الآية الكريمة يماثل قول الله تعالى لسارة زوجة إبراهيم عليه السلام {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت} (1) فإنّ الله تعالى قال {عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت} مع أنّ المخاطب هي سارة لكن لما كان المراد بالخطاب بيت إبراهيم عليه السلام فدخل في ذلك إبراهيم عليه السلام وزوجته فعُبّر عن ذلك بلفظ {عليكم} ولما كان الخطاب في آية التطهير موجهاً لنساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذُكر في الخطاب الموجه لهن بيوتهن، فقال تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنّ} وجاءت الإشارة إلى إرادة الله تعالى تطهير هذه البيوت، ذُكر معهن رب البيت وسيده وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم فعُبّر عن ذلك بلفظ {عَنكُم} و {يُطَهِّرَكُم} وقد أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجموع ونحوها.

ولهذا لمّا كانت الآية نازلة في نساء النبي (أمهات المؤمنين) وفي إرادة تطهيرهن، جمع النبي عليه الصلاة والسلام أصحاب الكساء وهم من خواص أهل البيت، ليدعو لهم بأن ينالهم التطهير الذي نال أمهات المؤمنين قائلاً (اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) طالباً من الله عز وجل أن ينالهم هذا الفضل، فحرصت أم سلمة بعد أن رأت رسول الله قد جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين أن تكون معهم وتنال بركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام وكان ذلك قبل أن يدعو النبي عليه الصلاة والسلام وأن يقرأ الآية موضحاً سبب طلبه لهم، فقالت أم سلمة: (وأنا معهم يا رسول الله)، قال: (إنك على خير) إذ لا حاجة لأم سلمة في أن يدعو لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يُذهب الله عنها الرجس طالما أنّ الآية نزلت فيها وفي باقي نساء النبي عليه الصلاة والسلام وهذا من أبرز الدلائل على كون الآية نازلة فيهن لا في أصحاب الكساء الذين حرص النبي عليه الصلاة والسلام على الدعاء لهم، ولو كانت الآية نازلة فيهم لما جمعهم الرسول عليه الصلاة والسلام وقال فيهم ما قال.

يقول الإمام القرطبي: (فالآيات كلها من قوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِك} إلى قوله {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} منسوق بعضها على بعض فكيف صار في الوسط كلام منفصل لغيرهن؟! وإنما هذا شيء جرى في الأخبار أنّ النبي عليه السلام لما نزلت عليه هذه الآية دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين، فعمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى كساء فلفه عليهم ثم ألوى بيده إلى السماء فقال (اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم

 


(1) سورة هود آية 73

تطهيراً) فهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لهم بعد نزول الآية أحب أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها الأزواج ومن وافقه فصيرها لهم خاصة وهي دعوة لهم خارجة من التنزيل) (1).

فإن قال قائل: إن كان ما تذكرونه من نزول الآيات في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم صحيحاً فكيف يتفق ذلك مع ما رواه الإمام أحمد في "مسنده (4/ 107) " بسند صحيح عن شداد أبي عمار قال دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا علياً فلما قاموا قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: بلى، قال: أتيت فاطمة رضي الله تعالى عنها أسألها عن علي قالت توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وحسن وحسين رضي الله تعالى عنهم آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه واجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساء ثم تلا هذه الآية {إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق)؟

والجواب أن يُقال: إنّ نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم المرادون بالآية الكريمة لكن لما كان قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحق منهم بهذا الوصف أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الأحقية بقوله (وأهل بيتي أحق) (2).


(1) تفسير القرطبي 14/ 183
(2) قد سبق الكلام تحت عنوان (من هم آل البيت؟) عن دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مسمى (آل البيت) دخولاً فرعياً بخلاف قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم أصل رسول الله وعصبته.

يقول الحافظ ابن كثير في "تفسيره 3/ 636": (ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية كما تقدم في الحديث (وأهل بيتي أحق) وهذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فقال: (هو مسجدي هذا) فهذا من هذا القبيل، فإنّ الآية إنما نزلت في مسجد قباء كما ورد في الأحاديث الأخر، ولكن إذا كان ذاك أسس على التقوى من أول يوم فمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بتسميته بذلك والله أعلم).

ويقول تقي الدين ابن تيمية في "جامع المسائل": (وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أم سلمة أنّ هذه الآية لما نزلت أدار النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً) وسنته تُفسر كتاب الله وتبينه وتدل عليه وتُعبّر عنه، فلما قال: (هؤلاء أهل بيتي) مع أنّ سياق القرآن يدل على أنّ الخطاب مع أزواجه – علمنا أنّ أزواجه وإن كنّ من أهل بيته كما دل عليه القرآن، فهؤلاء أحق بأن يكونوا أهل بيته، لأنّ صلة النسب أقوى من صلة الصهر. والعرب تُطلق هذا البيان للاختصاص بالكمال لا للاختصاص بأصل الحكم، كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس المسكين بالطوّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غني يُغنيه ولا يُتفطنّ له فيُتصدّق عليه، ولا يسأل الناس إلحافاً) (1).


(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (حديث رقم 10069) ونص الحديث كالتالي: (ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يسأل الناس إلحافاً)، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

بيّن بذلك أنّ هذا مختص بكمال المسكنة، بخلاف الطوّاف فإنه لا تكمل فيه المسكنة لوجود من يُعطيه أحياناً، مع أنه مسكين أيضاً.

ويُقال: هذا هو العالم، وهذا هو العدو، وهذا هو المسلم، لمن كمُل فيه ذلك، وإن شاركه غيره في ذلك وكان دونه.

ونظير هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه (1) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سُئل عن المسجد الذي أُسس على التقوى، فقال: (مسجدي هذا) يعني مسجد المدينة. مع أنّ سياق القرآن في قوله عن مسجد الضرار {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين} (2) يقتضي أنه مسجد قباء، فإنه قد تواتر أنه قال لأهل قباء: (ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به؟) فقالوا: لأننا نستنجي بالماء. لكن مسجده أحق بأن يكون مؤسساً على التقوى من مسجد قباء، وإن كان كلٌ منهما مؤسساً على التقوى، وهو أحق أن يقوم فيه من مسجد الضرار، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه (كان يأتي قباء كل سبت راكباً وماشياً) (3). فكان يقوم في مسجده القيام الجامع يوم الجمعة ثم يقوم بقباء يوم السبت، وفي كل منهما قد قام في المسجد المؤسس على التقوى.


(1) في كتاب الحج – باب بيان المسجد الذي أسس على التقوى – حديث رقم (1398) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2) سورة التوبة آية 108
(3) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة – باب (إتيان مسجد قُباء ماشياً وراكباً) – حديث رقم (1194) ومسلم في صحيحه - كتاب النكاح – باب (فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته) – حديث رقم (1399).

ولما بيّن سبحانه أنه يريد أن يُذهب الرجس عن أهل بيته ويطّهرهم تطهيراً، دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصاً به، وهم علي وفاطمة رضي الله عنهما وسيدا شباب أهل الجنة، جمع الله لهم بين أن قضى لهم بالتطهير، وبين أن قضى لهم بكمال دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان في ذلك ما دلّنا على أنّ إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله ليُسبغها عليهم، ورحمةٌ من الله وفضلٌ لم يبلغوهما بمجرد حولهم وقوتهم، إذ لو كان كذلك لاستغنوا بهما عن دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما يظن من يظن أنه قد استغنى في هدايته وطاعته عن إعانة الله تعالى له وهدايته إياه.

وقد ثبت أيضاً بالنقل الصحيح (1) أنّ هذه الآيات لما نزلت قرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أزواجه، وخيّرهن كما أمره الله، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك أقرّهنّ ولم يُطلّقهن حتى مات عنهن. ولو أردن الحياة الدنيا وزينتها لكان يُمتّعهن ويُسرّحهن كما أمره الله سبحانه وتعالى، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أخشى الأمة لربها وأعلمهم بحدوده.

ولأجل ما دلت عليه هذه الآيات من مضاعفة الأجور ورفع الوزر بلغنا عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين وقُرّة عين الإسلام أنه قال: (إني لأرجو أن يُعطي الله للمحسن منا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسيء منا وِزرين) (2).


(1) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب (سورة التفسير) - حديث رقم (4785، 4786) ومسلم في كتاب الطلاق – باب (بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية) – حديث (1478) عن جابر بن عبد الله.
(2) جامع المسائل – المجموعة الثالثة ص74 - 76

ويقول الزركشي في "البرهان في علوم القرآن 2/ 197": (وقد يكون اللفظ مقتضياً لأمر ويحمل على غيره لأنه أولى بذلك الاسم منه وله أمثلة منها: تفسيرهم السبع المثاني بالفاتحة مع أن الله تعالى أخبر أن القرآن كله مثاني. ومنها قوله عن أهل الكساء (هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) وسياق القرآن يدل على إرادة الأزواج وفيهن نزلت ولا يمكن خروجهن عن الآية، لكن لما أريد دخول غيرهن قيل بلفظ التذكير {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت} فعلم أنّ هذه الإرادة شاملة لجميع أهل البيت الذكور والإناث بخلاف قوله {يَا نِسَاء النَّبِيِّ} ودل أنّ علياً وفاطمة أحق بهذا الوصف من الأزواج). ومنها قوله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجدي هذا وهو يقتضي أن ما ذكره أحق بهذا الاسم من غيره، والحصر المذكور حصر الكمال كما يقال هذا هو العالم العدل وإلا فلا شك أنّ مسجد قباء هو مؤسس على التقوى وسياق القرآن يدل على أنه مراد بالآية).

ثالثاً: هناك روايات شيعية تؤكد عدم عصمة الأئمة، فمن افترض دلالة الآية على عصمة أهل الكساء فأين هو من هذه النصوص الشيعية الملزمة؟

والنصوص كثيرة لكن حسبي أن أذكر منها ما يلي:

1 - قول الإمام علي في دعائه (اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني فإن عدت فعد علي بالمغفرة، اللهم اغفر لي ما وأيت من نفسي ولم تجد له وفاء عندي، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ وسهوات الجنان وهفوات اللسان) (1).


(1) نهج البلاغة – رقم (78) - (ومن كلمات كان يدعو بها عليه السلام).

فأثبت الإمام علي أنه كسائر الأئمة والصالحين والفضلاء يذنب ويخطئ ويزل ويسهو وأنّ كونه فاضلاً وعظيماً ومجاهداً وإماماً لا يعني أنه لا يخطئ ولا يسهو ولا يذنب، لكن المتعصبة لا يقبلون هذا منه بل يريدون صورة أخرى رسموها بأنفسهم وألزموا بها الإمام علي والمؤمنين!

2 - قول الإمام علي في "نهج البلاغة" لأنصاره: (فلا تكفو عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني) (1).

3 - قول الإمام علي في "نهج البلاغة" أيضاً:

(الحمد لله الذي لم يصبح بي ميتاً ولا سقيماً، ولا مضروباً على عروقي بسوء ولا مأخوذاً بأسوء عملي، ولا مقطوعاً دابري، ولا مرتداً عن ديني، ولا منكراً لربي ولا مستوحشاً من إيماني، ولا ملتبساً عقلي، ولا معذباً بعذاب الأمم من قبلي.

أصبحت عبداً مملوكاً ظالماً لنفسي لك الحجة علي ولا حجة لي، لا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني ولا أتقي إلا ما وقيتني اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك أو أضل في هداك، أو أضام في سلطانك، أو اضطهد والأمر لك، اللهم اجعل نفسي أول كريمة تنتزعها من كرائمي وأول وديعة ترتجعها من ودائع نعمك عندي، اللهم إنا نعوذ بك أن نذهب عن قولك أو نفتتن عن دينك، أو تتابع بنا أهواؤنا دون الهدى الذي جاء من عندك) (2).


(1) نهج البلاغة - رقم (216) – (من خطبة له بصفين).
(2) نهج البلاغة – رقم (215) - (ومن دعاء كان يدعو به عليه السلام كثيراً).

وفي هذا الدعاء لفتة هامة لأولئك الذين ادّعوا أنّ الإمامة لا تنبغي إلا لمعصوم وأنّ المراد بقوله تعالى {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين} أي لا ينال عهدي المذنبين، فهذا الإمام علي يصفه نفسه بأنه أصبح ظالماً لنفسه، والمراد بالظلم هنا الذنب والتقصير في حق الله، وأمام متعصبة الشيعة أمرين: إما أن يعترفوا بخطأ تفسيرهم للآية فينهدم بهذا ركن من أركان الإمامة عندهم، وإما أن يخطئوا الإمام علي ويدّعون أنه لم يُحسن الكلام عن نفسه! وأنهم أعرف به من نفسه!

أما المنصفون فسيقولون: إنّ علياً وأبا بكر وعمر وطلحة والزبير وعثمان وسعد وعمار وغيرهم كلهم يخطئون ويصيبون، لكن بحار حسناتهم وتضحياتهم غمرت ذنوبهم وأخطاءهم.

فلماذا نغلو فيمن نحب، والله ينهانا عن الغلو في الدين؟

4 - دعاء الإمام علي: (ما أهمني ذنب أمهِلْتُ بعده حتى أصلي ركعتين) (1) وهو اعتراف صريح من الإمام أنه كسائر الصالحين والأتقياء يذنب ويتوب.

5 - وروى الميرزا النوري في "مستدرك الوسائل" عن الحجة القائم في حديث قال: (كان أمير المؤمنين (ع) يقول في سجدة الشكر: يا من لا يزيده إلحاح الملحين إلا جوداً وكرماً، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له ما دق وجل لا تمنعك إساءتي من إحسانك إليّ أسألك أن تفعل بي ما أنت أهله، وأنت أهل الجود والكرم والعفو، يا الله يا الله، افعل بي ما أنت أهله، وأنت قادر على العقوبة وقد استحققتها، لا حجة لي عندك، ولا عذر لي عندك


(1) نهج البلاغة – رقم (299) – (غريب كلامه المحتاج إلى تفسير).

أبوء إليك بذنوبي كلها، وأعترف بها، كي تعفو عني، وأنت أعلم بها مني، بؤت إليك، بكل ذنب أذنبته، وكل خطيئة أخطأتها، وكل سيئة عملتها، يا رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأجل الأكرم) (1).

6 - روى ابن بابويه القمي عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله حين حج حجة الوداع خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى مسجد الشجرة فصلى بها ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها وأهل بالحج وساق مائة بدنة وأحرم الناس كلهم بالحج لا يريدون عمرة، ولا يدرون ما المتعة، حتى إذا قدم رسول الله مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه ثم صلى ركعتين عند مقام ابراهيم واستلم الحجر ثم أتى زمزم فشرب منها وقال: لولا أن أشق على أمتي لاستقيت منها ذنوباً أو ذنوبين، ثم قال: ابدؤوا بما بدأ الله عزوجل به، فأتى الصفا فبدأ به ثم طاف بين الصف والمروة سبعاً، فلما قضى طوافه عند المروة قام فخطب أصحابه وأمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة وهو شيء أمر الله عزوجل به فأحل الناس) إلى أن قال: (وأقبل علي عليه السلام من اليمن حتى وافى الحج فوجد فاطمة عليها السلام قد أحلت ووجد ريح الطيب، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مستفتياً ومحرشاً على فاطمة عليها السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي بأي شئ أهللت؟ فقال أهللت بما أهل النبي صلى الله عليه وآله، فقال: لا تحل أنت، وأشركه في هديه وجعل له من الهدى سبعا وثلاثين ونحر رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثاً وستين نحرها بيده، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في قدر واحد ثم أمر به فطبخ فأكلا منها وحسوا من


(1) مستدرك الوسائل 5/ 132

المرق، فقال: قد أكلنا الآن منها جميعاً، فالمتعة أفضل من القارن السايق الهدى وخير من الحج المفرد وقال: إذا استمتع الرجل بالعمرة، فقد قضى ما عليه من فريضة المتعة. وقال ابن عباس: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) (1).

ولو كانت فاطمة الزهراء رضي الله عنها معصومة لما أنكر عليها الإمام علي بن أبي طالب وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستفتياً ومحرشاً عليها (كما في الرواية)، فإنّ المعصوم لا يُخالف الشرع فكيف جاز للإمام علي أن يظن ذلك في فاطمة إن كانت بالفعل معصومة؟!

7 - ذكر الشيخ الرضي (2) في كتابه "خصائص الأئمة" أنّ بعض عمال الإمام علي قد أنفذوا إليه فيما أنفذوه من مال الفيء قطفاً غلاظاً، وكان عليه السلام يفرق كل شئ يحمل إليه من مال الفئ لوقته ولا يؤخره، وكانت هذه القطف قد جاءته مساء، فأمر بعدها ووضعها في الرحبة ليفرقها من الغد، فلما أصبح عدها فنقصت واحدة فسأل عنها فقيل له: إنّ الحسن بن علي عليهما السلام استعارها في ليلته على أن يردها اليوم، فهرول عليه السلام مغضباً إلى


(1) علل الشرائع ص412 (باب العلة التي من أجلها لم يتمتع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعمرة إلى الحج) ومثله مع اختلاف ألفاظ يسيرة (من لا يحضره الفقيه 2/ 237 باب حج نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونزول المتعة.
(2) محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي، ذكره الخوانساري في "روضات الجنات 6/ 177" فقال: (العالم العفيف والعلم الغطريف والعنصر اللطيف والسيد الشريف والأيد المنيف ... أخو سيدنا المرتضى علم الهدى، والملقب بالسيد الرضي عند الأحبة والعدى، لم يبصر بمثله إلى الآن عين الزمان، في جميع ما يطلبه إنسان العين من عين الإنسان، فسبحان الذي ورّثه غير العصمة والإمامة ما أراد من قِبل أجداده الأمجاد وجعله حجة على قاطبة البشر في يوم الميعاد، وأمره في الثقة والجلالة أشهر من أن يُذكر).

منزل الحسن بن علي عليهما السلام وهو يهمهم وكان من عادته أن يستأذن على منزله إذا جاء فهجم بغير إذن، فوجد القطيفة في منزله فأخذ بطرفها يجرها وهو يقول: النار يا أبا محمد النار النار يا أبا محمد، النار حتى خرج بها) (1).

ولو كان الإمام علي يعتقد العصمة في ابنه الإمام الحسن لما خشي عليه من النار وخطأه على فعله وهو معصوم (لا يذنب بل لا يخطئ ولا يسهو عند الشيعة الإثنى عشرية!).

وبهذا يتضح أنّ الشيعة لا يتبعون منهج أئمة أهل البيت القائم على الاعتدال بل يستحسنون أموراً من عند أنفسهم ثم يعتقدونها دون بينة ولا برهان!

8 - وصية الإمام علي قبل وفاته للإمام الحسن تدل على عدم عصمته:

فقد ذكر الشيخ الرضي أيضاً في كتابه "خصائص الأئمة ص117" وصية الإمام علي لابنه الإمام الحسن وفيها: (واعلم يا بني أنك خلقت للآخرة لا إلى الدنيا، وللفناء لا للبقاء، وأنك لفي منزل قلعة، ودار بلغة، وطريق من الآخرة، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ولا يفوته طالبه، وإياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة، وإن استطعت ألا يكون بينك وبين الله تعالى ذو نعمة فافعل).

وقال له: (ظلم الضعيف أفحش الظلم، وربما كان الداء دواء، والدواء داء، وربما نصح غير الناصح، وغش المستنصح. وإياك والاتكال على المنى، فإنها بضائع النوكى (2).

وقال: (لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك. امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة. وإن أردت قطيعة أخاك فاستبق له من نفسك بقية ترجع إليها. لا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، ولا يكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان. لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرتك ونفعك وليس جزاء من سرك أن تسوءه).

وقال: (يا بني وإياك ومشاورة النساء، فإنّ رأيهن إلى أفن، وعزمهن إلى وهن، واقصر عليهن حجبهن فهو خير لهن).

ووالله إنه لا يُعقل أن ينصح الإمام علي ابنه الحسن مثل هذه الوصية إلا وهو يرى أنّ ابنه ليس بمعصوم، وإلا فلِم يوصيه بتذكر الآخرة والخشية من الذنوب وآفات النفوس كالطمع والظلم والاتكال على المنى، ومن الخطأ في اختيار الأصدقاء والتعامل مع الناس ومن مشورة النساء إن كان يعلم أنه معصوم من الذنوب بل ومن الخطأ والسهو والنسيان؟!

9 - روى الكليني في "الكافي" بسند صححه المجلسي في "مرآة العقول 23/ 309" عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام يقولان: بينا الحسن بن علي عليهما السلام في مجلس أمير المؤمنين (ع) إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين عليه السلام، قال: وما حاجتكم؟ قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة قال: وما هي تخبرونا بها، فقالوا: امرأة جامعها زوجها فلما قام عنها قامت بحموتها فوقعت على جارية بكر فساحقتها فألقت النطفة فيها فحملت فما تقول في هذا؟

فقال الحسن (ع): معضلة وأبو الحسن لها، وأقول: فإن أصبت فمِن الله ثم من أمير المؤمنين (ع) وإن أخطأت فمن نفسي فأرجو أن لا أخطئ إن شاء الله، يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة لأنّ الولد لا يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها ثم ترجم المرأة لأنها محصنة ثم ينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويرد الولد إلى أبيه صاحب النطفة ثم تجلد الجارية الحد، قال: فانصرف القوم من عند الحسن (ع) فلقوا أمير المؤمنين (ع)

 


(1) خصائص الأئمة للشريف الرضي ص78
(2) الحمقى

فقال: ما قلتم لأبي محمد وما قال لكم؟ فأخبروه فقال: لو أنني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر مما قال ابني).

فهذا هو الإمام الحسن يقول لمن استفتاه، وعلى رؤوس الأشهاد، بعبارة فصيحة، لا تلجلج فيها ولا تتعتع: إنّ فتواي يا عباد الله تحتمل الصواب والخطأ، فما كان صواباً فبفضل الله تعالى ثم بفضل العلوم التي استفدتها من أمير المؤمنين، وما كان خطأ فهو من نفسي القاصرة الجاهلة، إنما أنا في ذلك على طريقة أئمة المسلمين المجتهدين، ربما أصابوا، وربما أخطؤوا.

10 - أما الإمام الحسين فقد روى أحد كبار رواة الشيعة (أبو مخنف الأزدي) في قصة مقتله عليه سلام الله ما جرى بين ابن عباس وبينه من النصح له في ألا يخرج إلى العراق فقال: (ثم قال ابن عباس: لقد أقررت عين ابن الزبير بتخليتك إياه والحجاز والخروج منها وهو يوم لا ينظر إليه أحد معك، والله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع علي وعليك الناس أطعتني لفعلت ذلك) (1).

ولو كان ابن عباس (ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) وأحد رجالات الإمام علي بن أبي طالب يعتقد بعصمة الإمام الحسين لما خاطبه بهذا الأسلوب، ولما أشار عليه بالذهاب إلى اليمن (2) وخطّأ رأي الإمام الحسين في اختيار العراق.


(1) مقتل الحسين (ع) لأبي مخنف الأزدي ص65
(2) كما في بعض الروايات

11 - أما علي بن الحسين "زين العابدين" وسائر الأئمة الإثني عشر فمع أنهم ليسوا من أهل الكساء لكن الشيعة الإثنى عشرية يذهبون إلى عصمتهم وإلى دخولهم في التطهير الذي ذكرته الآية دون غيرهم من آل البيت، مع ثبوت روايات شيعية كثيرة نافية لعصمتهم.

ففي الصحيفة السجادية الجامعة لأدعية الإمام علي بن الحسين "زين العابدين" (1) ما نصه: (في المناجاة عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، قال: كان من دعاء علي بن الحسين عليهما السلام: إلهي، إن كنت عصيتك بارتكاب شئ مما نهيتني، فإني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك، الإيمان بك، منا منك به علي لا مناً مني به عليك. وتركت معصيتك في أبغض الأشياء إليك أن أجعل لك شريكاً، أو أجعل لك ولداً أو نداً. وعصيتك على غير مكابرة ولا معاندة، ولا استخفاف مني بربوبيتك ولا جحود لحقك، ولكن استزلني الشيطان بعد الحجة علي والبيان. فإن تعذبني فبذنوبي غير ظالم لي، وإن تغفر لي، فبجودك ورحمتك يا أرحم الراحمين) (2).


(1) قال العلامة آغا بزرك طهراني في موسوعته "الذريعة إلى تصانيف الشيعة 13/ 345" متحدثاً عن مكانتها عند الشيعة: (هي على جانب عظيم من الأهمية ومن يتصفحها ويتأمل معانيها يعرف شيئا عن مكانة الإمام عليه السلام ويعني بها شيعة أهل البيت عناية بالغة فقد سماها العلامة ابن شهرآشوب في "معالم العلماء" عند ترجمته للمتوكل بن عمير ب‍ـ (زبور آل محمد) وعند ترجمته ليحيى بن علي بن محمد الحسيني الدلفي بـ (إنجيل أهل البيت). وقد خصها الأصحاب بالذكر في إجازاتهم واهتموا بروايتها منذ القديم وتوارث ذلك الخلف عن السلف وطبقة عن طبقة وتنتهي روايتها إلى الإمام الباقر وزيد الشهيد ابني الإمام زين العابدين، ويأتي ذكر ذلك في محله مفصلاً. وبالنظر لعظيم مكانة الإمام ومزيد أهمية هذه الأدعية ألفت الشروح الكثيرة لهذه الصحيفة، كما ألفت صحائف أخرى جمعت بقية أدعيته مما لم يذكر في هذه الصحيفة المسماة بالكاملة أو الأولى، وهي الصحيفة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، والثامنة).
(2) الصحيفة السجادية (جمع الشيخ محمد باقر نجل الشيخ المرتضى الموحد الأبطحي الأصفهاني) ص497

وفيها أيضاً دعاء آخر للإمام زين العابدين يقول فيه: (أسألك أن تعفو عني، وتغفر لي فلست بريئاً فأعتذر، ولا بذي قوة فأنتصر، ولا مفر لي فأفر، وأستقيلك عثراتي، وأتنصل إليك من ذنوبي التي قد أوبقتني وأحاطت بي فأهلكتني، منها فررت إليك رب تائباً، فتب عليّ، متعوذاً فأعذني، مستجيراً فلا تخذلني، سائلاً فلا تحرمني، معتصماً فلا تسلمني، داعياً فلا تردني خائباً. دعوتك يا رب مسكيناً مستكيناً، مشفقاً، خائفاً، وجلا فقيراً مضطراً إليك أشكو إليك يا إلهي ضعف نفسي عن المسارعة فيما وعدته أولياءك، والمجانبة عما حذرته أعداءك، وكثرة همومي ووسوسة نفسي. إلهي لم تفضحني بسريرتي، ولم تهلكني بجريرتي أدعوك فتجيبني وإن كنت بطيئاً حين تدعوني، وأسألك كلما شئت من حوائجي، وحيث ما كنت وضعت عندك سري، فلا أدعو سواك، ولا أرجو غيرك، لبيك لبيك، تسمع من شكا إليك، وتلقى من توكل عليك، وتخلص من اعتصم بك، وتفرج عمن لاذ بك. إلهي فلا تحرمني خير الآخرة والأولى لقلة شكري، واغفر لي ما تعلم من ذنوبي، إن تعذب فأنا الظالم المفرط المضيع الآثم المقصر المضجع المغفل حظ نفسي، وإن تغفر فأنت أرحم الراحمين) (1).

ونحن نقول: إنّ الإمام زين العابدين إمام من أئمة التقوى والدين، لا نظن فيه اقتراف الموبقات، لكن النص شاهد على جواز وقوع المعصية منه كسائر الأتقياء الأنقياء، وإن كان الظن بمثل هذا الإمام الجليل قلة المعاصي والآثام لما عُرف عنه من العبادة والتقوى والأتقياء يشفقون من صغائر ذنوبهم ما لا يشفق منه إجلالاً لله تعالى، وفي الحديث (إنّ المؤمن يرى


(1) المصدر السابق ص377

ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا) (1).

وفي المصدر ذاته أيضاً تحت عنوان (دعاؤه عليه السلام في المناجاة) ما نصه:

(إلهي أسألك أن تعصمني حتى لا أعصيك، فإني قد بهت وتحيرت من كثرة الذنوب مع العصيان، ومن كثرة كرمك مع الإحسان، وقد أكلت لساني كثرة ذنوبي، وأذهبت عني ماء وجهي، فبأي وجه ألقاك وقد أخلقت الذنوب وجهي؟! وبأي لسان أدعوك وقد أخرست المعاصي لساني؟! وكيف أدعوك وأنا العاصي؟! وكيف لا أدعوك وأنت الكريم؟! وكيف أفرح وأنا العاصي؟! وكيف أحزن وأنت الكريم؟! وكيف أدعوك وأنا أنا؟! وكيف لا أدعوك وأنت أنت؟! وكيف أفرح وقد عصيتك؟! وكيف أحزن وقد عرفتك؟! وأنا أستحيي أن أدعوك وأنا مصر على الذنوب، وكيف بعبد لا يدعو سيده؟! وأين مفره وملجأه إن يطرده؟! إلهي، بمن أستغيث إن لم تقلني عثرتي؟! ومن يرحمني إن لم ترحمني؟! ومن يدركني إن لم تدركني؟! وأين الفرار إذا ضاقت لديك أمنيتي؟ إلهي، بقيت بين خوف ورجاء خوفك يميتني، ورجاؤك يحييني. إلهي، الذنوب صفاتنا، والعفو صفاتك. إلهي، الشيبة نور من أنوارك، فمحال أن تحرق نورك بنارك. إلهي، الجنة دار الأبرار، ولكن ممرها على النار، فيا ليتني إذا حرمت الجنة لم أدخل النار) (2).

وقال المجلسي أيضاً: (ومنها المناجاة الخمسة عشر لمولانا علي بن الحسين صلوات الله عليهما وقد وجدتها مروية عنه عليه السلام في بعض كتب الأصحاب رضوان الله عليهم:


(1) رواه البخاري – كتاب الدعوات – باب التوبة – حديث رقم (6308)
(2) الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (جمع الأبطحي) ص476

المناجاة الاولى مناجاة التائبين [ليوم الجمعة]: بسم الله الرحمن الرحيم، إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي، وجللني التباعد منك لباس مسكنتي، وأمات قلبي عظيم جنايتى فأحيه بتوبة منك يا أملي وبغيتي ويا سؤلى ومنيتي، فوعزتك ما أجد لذنوبي سواك غافراً، ولا أرى لكسري غيرك جابراً، وقد خضعت بالإنابة إليك، وعنوت بالاستكانة لديك، فإن طردتني من بابك فبمن ألوذ؟ وإن رددتني عن جنابك فبمن أعوذ؟ فوا أسفا من خجلتي وافتضاحي ووالهفا من سوء علمي واجتراحي. أسألك يا غافر الذنب الكبير، ويا جابر العظم الكسير أن تهب لي موبقات الجرائر، وتستر عليّ فاضحات السرائر، ولا تخلني في مشهد القيامة من برد عفوك وغفرك ولا تعرني من جميل صفحك وسترك، إلهي ظلل على ذنوبي غمام رحمتك وأرسل عليّ عيوبي سحاب رأفتك، إلهي هل يرجع العبد الآبق إلا إلى مولاه، أم هل يجيره من سخطه أحد سواه، إلهي إن كان الندم على الذنب توبة، فإنى وعزّتك من النادمين، وإن كان الاستغفار من الخطيئة حِطّة فإني لك من المستغفرين، لك العتبى حتى ترضى، إلهى بقدرتك على تب على، وبحلمك عني أعف عني، وبعلمك بي ارفق بي. إلهى أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سميته التوبة فقلت: " توبوا إلى الله توبة نصوحا " فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه، إلهي إن كان قبح الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك، إلهى ما أنا بأول من عصاك فتبت عليه، وتعرض لمعروفك فجدت عليه، يا مجيب المضطر، يا كاشف الضر، يا عظيم البر، يا عليماً بما في السر، يا جميل الستر، استشفعت بجودك وكرمك إليك وتوسلت بحنانك وترحمك لديك، فاستجب دعائي، ولا تخيب فيك رجائي وتقبل توبتي وكفر خطيئتي بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين) (1).


(1) بحار الأنوار 91/ 142

12 - أما الإمام الباقر فهذه الرواية كافية لدحض دعوى عصمته:

روى الكليني في "الكافي" بسند حكم المجلسي بأنه (حسن أو موثّق) (1) عن عبد الملك قال: وقع بين أبي جعفر وبين ولد الحسن (عليهما السلام) كلام فبلغني ذلك، فدخلت على أبي جعفر (ع) فذهبت أتكلم فقال لي: مه، لا تدخل فيما بيننا فإنما مثلنا ومثل بني عمّنا كمثل رجل كان في بني إسرائيل كانت له ابنتان فزوّج إحداهما من رجل زرّاع وزوّج الأخرى من رجل فخّار، ثم زارهما فبدأ بامرأة الزرّاع فقال لها: كيف حالكم؟ فقالت: قد زرع زوجي زرعاً كثيراً، فإن أرسل الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالاً، ثم مضى إلى امرأة الفخّار فقال لها: كيف حالكم؟ فقالت: قد عمل زوجي فخّاراً كثيراً فإن أمسك الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالاً، فانصرف وهو يقول: اللهم أنت لهما، وكذلك نحن).

قال المجلسي في شرح الخبر: (قوله: (وكذلك نحن) أي: ليس لكم أن تحاكموا بيننا لأنّ الخصمين كليهما من أولاد الرسول، ويلزمكما احترامهما لذلك، فليس لكم أن تدخلوا بينهم فيما فيه يختصمون كما أنّ ذلك الرجل لم يرجّح جانب أحد صهريه، ووكل أمرهما إلى الله تعالى) (2) فأين العصمة المدّعاة؟!

13 - أما الإمام جعفر الصادق فقد روى ابن بابويه القمي عنه أنه كان يدعو بهذا الدعاء: (إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك، وكيف لا أدعوك وقد عرفت حبك في قلبي، وإن كنت عاصياً مددت إليك يداً بالذنوب مملوءة، وعيناً بالرجاء ممدودة، مولاي أنت عظيم العظماء وأنا أسير الأسراء، أنا أسير بذنبي مرتهن بجرمي، إلهي لئن طالبتني بذنبي لأطالبنك بكرمك


(1) مرآة العقول 25/ 194
(2) المصدر نفسه

ولئن طالبتني بجريرتي لأطالبنك بعفوك، ولئن أمرت بي إلى النار لأخبرن أهلها أني كنت أقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، اللهم إنّ الطاعة تسرك، والمعصية لا تضرك، فهب لي ما يسرك، واغفر لي ما لا يضرك، يا أرحم الراحمين) (1).

ومثل هذا الكلام لا يقوله من هو معصوم عن الذنوب صغيرها وكبيرها، فإنّ الإمام الصادق إنما يسأل الله تعالى أمراً جائز الوقوع، لا أمراً يستحيل وقوعه منه!

وروى الكليني في "الكافي" بسند حسّنه المجلسي في "مرآة العقول 23/ 276" عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه عباد البصري ومعه أناس من أصحابه فقال له: حدثني إذا أخذ الرجلان في لحاف واحد؟ فقال له: كان علي عليه السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد، فقال عباد: إنك قلت لي: غير سوط فأعاد عليه ذكر الحديث حتى أعاد عليه ذلك مراراً فقال: غير سوط. فكتب القوم الحضور عند ذلك الحديث).

فها هو الإمام جعفر الصادق يشهد في هذا الخبر أنه كغيره من علماء المسلمين، ربما روى حدث بالخبر فاضطرب فيه لنسيان أو لبس واشتباه، ونحوه ذلك مما يعرض للرواة، وهذا ليس قادحاً فيه ولا في غيره، لأنّ القدح في الراوي لا يكون إلا إذا فحش غلطه، وكثر اضطرابه، أما الوهم مرة بعد مرة فليس مما يستوجب القدح عند أحد من الرجاليين إذ قل أن يسلم منه أحد.

ومثل هذا الخبر لا دخل له عند جمهور المسلمين بالعصمة، لأنهم يعتقدون أنّ النسيان والسهو أمرٌ عارضٌ للمعصوم ولغير المعصوم، أما الشيعة الإثنا عشرية فيرون أنّ المعصوم منزّه عن السهو والنسيان والخطأ، ولذلك صح الاستدلال بهذه الرواية عليهم.

14 - أما الإمام موسى الكاظم فقد روى المجلسي في "بحار الأنوار 91/ 182" عن علي ابن مهزيار أنه قال: سمعت مولاي موسى بن جعفر صلوات الله عليه يدعو بهذا الدعاء وهو دعاء الاعتقاد: (إلهي إنّ ذنوبي وكثرتها قد غبرت وجهي عندك، وحجبتني عن استئهال رحمتك، وباعدتني عن استنجاز مغفرتك، ولولا تعلقي بآلائك، وتمسكي بالرجاء لما وعدت أمثالي من المسرفين، وأشباهي من الخاطئين، بقولك {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} وحذرت القانطين من رحمتك فقلت: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّون} ثم ندبتنا برحمتك إلى دعائك فقلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين (} إلى آخر الدعاء.

ولا يجوز شرعاً وعقلاً أن يدعو الإنسان ربه عز وجل ويطلب منه مغفرة ذنوبه عبثاً لكونه معصوماً عنها بل وعن الخطأ والنسيان والسهو البشري!

ومثل هذه الروايات كثير لمن أراد التتبع.

رابعاً: الرجس المذكور في آية التطهير هو الشك

فهناك روايات صحيحة السند عند الشيعة عن أئمة آل البيت تثبت أنّ ما ذهب إليه علماء الشيعة في تفسير (الرجس) المذكور في الآية يخالف تفسير أئمة أهل البيت أنفسهم!

فقد روى الكليني في "الكافي 2/ 182" عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: سمعته يقول: إنّ الله عز وجل لا يوصف وكيف يوصف؟ وقال في كتابه {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه} فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك، وإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يوصف وكيف يوصف عبد احتجب الله عز وجل بسبع وجعل طاعته في الأرض كطاعته [في السماء] فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ومن أطاع هذا فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، وفوّض إليه، وإنا لا نوصف وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس وهو الشك، والمؤمن لا يوصف وإنّ المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق عن الشجر).

قال عنه المجلسي: حسن كالصحيح "مرآة العقول 9/ 70 - 72" وصححها كذلك الشيخ هادي النجفي في كتابه "ألف حديث في المؤمن ص276".

ويلاحظ هنا أنّ الإمام الباقر (أبو جعفر) قد فسرّ المراد من إذهاب الرجس فقال (وهو الشك).

وروى الكليني أيضاً في "الكافي 1/ 287" ما نصه- في حديث طويل-: (فلما مضى علي لم يكن يستطيع علي ولم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي ولا واحداً من ولده إذاً لقال الحسن والحسين: إنّ الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك وبلّغ فينا رسول الله صلى الله عليه وآله كما بلّغ فيك وأذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك، فلما مضى علي عليه السلام كان الحسن عليه السلام أولى بها لكبره، فلما توفي لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك والله عز وجل يقول: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله} فيجعلها في ولده إذاً لقال الحسين أمر الله بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك وبلّغ في رسول الله صلى الله عليه وآله كما بلّغ فيك وفي أبيك وأذهب الله عني

 


(1) الأمالي للصدوق ص 438

الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك، فلما صارت إلى الحسين عليه السلام لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدّعي عليه كما كان هو يدّعي على أخيه وعلى أبيه، لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه ولم يكونا ليفعلا ثم صارت حين أفضت إلى الحسين عليه السلام فجرى تأويل هذه الآية {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله} ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين، ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي عليه السلام. وقال: الرجس هو الشك، والله لا نشك في ربنا أبداً) (1).

فلا يصح حينئذ تفسير الرجس بغير ما فسره أئمة أهل البيت أنفسهم والإدعاء فيهم مالم يدّعوه في أنفسهم!!

خامساً: اعتراف العلامة الشيعي الكبير (الشهيد الثاني) (2) بأن رواة الأئمة وشيعتهم لم يكونوا يعتقدون عصمة أئمتهم!

يقول آية الله العظمى محمد المهدي بحر العلوم الطباطبائي في "الفوائد الرجالية": (قد حكى جدي العلامة -قدس سره- في كتاب "الإيمان والكفر" (3) عن الشهيد الثاني: أنه احتمل الاكتفاء في الإيمان بالتصديق بإمامة الأئمة - عليهم السلام - والاعتقاد بفرض


(1) صححه المجلسي في مرآة العقول (3/ 213)
(2) زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد العاملي المعروف بـ"الشهيد الثاني"، ترجم له الحر العاملي في "أمل الآمل 1/ 85" فقال: (أمره في الثقة والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحر وجلالة القدر وعظم الشأن وجمع الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر، ومحاسنه وأوصافه الحميدة أكثر من أن تحصى وتحصر، ومصنفاته كثيرة مشهورة).
(3) كتاب الإيمان والكفر المسمى "تحفة الغري"- مخطوط- للعلامة محمد ابن السيد عبد الكريم الطباطبائي البروجردي، الذي هو جد بحر العلوم الأدنى لأبيه.

طاعتهم وإن خلا عن التصديق بالعصمة عن الخطأ. وادعى أنّ ذلك هو الذي يظهر من جل رواتهم وشيعتهم، فإنهم كانوا يعتقدون أنهم - عليهم السلام - علماء أبرار، افترض الله طاعتهم، مع عدم اعتقادهم العصمة فيهم، وأنهم (عليهم السلام) مع ذلك كانوا يحكمون بإيمانهم وعدالتهم - قال -: (وفي كتاب أبي عمرو الكشي جملة من ذلك)) (1).

فإذا كان هذا هو اعتقاد رواة وشيعة الأئمة الذين عاصروهم فلِم لم يقتفِ شيعة (ما بعد عصر الغيبة) أثرهم فارتاحوا وأراحوا!

إنّ هذا يذكرني بقول العلامة المامقاني في "تنقيح المقال": (إنّ القدماء (2) كانوا يعدون ما نعدّه اليوم من ضروريات مذهب الشيعة غلواً وارتفاعاً، وكانوا يرمون بذلك أوثق الرجال كما لا يخفى على من أحاط خبراً بكلماتهم) (3).

فالمذهب يتطور على مر الزمان ... فما كان بالأمس غلواً وانحرافاً بات بعد زمن من ضروريات المذهب التي لا تقبل التشكيك!

سادساً: يكفي في الرد على الإثني عشرية في قولهم بوجوب عصمة الإمام أن نذكر ما قاله الإمام المنصور بالله (614هـ) – وهو أحد كبار علماء الزيدية – في كتابه "العقد الثمين في أحكام الأئمة الهادين ص401": (إنّ الإمامية مع تشددها في العصمة وإثباتها، جوّزت على الأئمة عليهم السلام ارتكاب المحظورات تقية، والفتوى بغير الحق، والفتاوى المتناقضة في الحكم الواحد، ومداهنة الظالمين، والاستقامة لنفوذ أحكامهم عليه وعلى أشياعهم، وهذه حال المعصومين عند الإمامية، والزيدية لا يرون بعصمة الإمام، وأئمتهم كذلك لا يدينون بذلك، وهم لا ينفذون ظلم ظالم، ولا ينزلون على حكم غاشم، يرى قائمهم ملء الأرض جنوداً بشطر عينه، ويقدم إلى الموت بعد التيقن لموافاة حينه، يلقى الرماح باسماً والصفاح ضاحكاً.

وذلك مشهور لا يحتاج إلى برهان، ولا تعلم منه المعاصي سراً ولا جهراً، فانظر إلى هذين الأمرين ما أعجبهما!

رووا المعاصي على أئمتهم كرّمهم الله عنهما وشرّف أقدارهم عن حكايتهم فيهم، وقالوا: لا بد من العصمة فيهم!

وهؤلاء أئمة الزيدية لا تطور المعاصي ديارهم، ولا تنكسر من مهابة الظالمين أبصارهم بل روعاتهم منهم كل يوم مجددة، وسيوفهم عليهم مجردة.

وهم لهم شجى في الحلوق لا يسيغه السلسال، وقذى في العيون تصغر عنه الأجدال، فكيف يبعدون من هذه حاله عن الإمامة وينفون عنه السلامة، ويوجبون عقد الإمامة والنص بالزعامة لمن لم يدعها، ولا يلتزم أحكامها ولا ينفذها بل نفذت أحكام الظالمين عليه في نفسه وأشياعه وأعوانه وأتباعه وأضافوا إليه تغيير الأحكام ولبس الحلال بالحرام، قالوا: والتقية تجيز ذلك!).

فإنّ التناقض في موضوع العصمة لا يقف عند سوء الاستدلال بالنصوص وتحميلها ما لا تحتمل بل يتعدى ذلك إلى الواقع التاريخي والروائي الشيعي وفوق هذا كله النسيج البنائي للمذهب الذي يفترض التقية في أفعال الأئمة ومهابتهم للظالمين ومسالمتهم له وغيرها من الموبقات والتي من شأنها أن تفرض عدم جواز الائتمام بالأئمة الإثني عشر.

 


(1) الفوائد الرجالية 3/ 219 - 220
(2) يريد بذلك القميين وابن الغضائري وغيرهم من علماء الشيعة القدماء.
(3) تنقيح المقال 3/ 23 الحجرية

سابعاً: التطهير من الرجس لا يعني إثبات العصمة

فكما أنّ كلمة (الرجس) لا يراد بها ذنوب الإنسان وأخطاؤُه في الاجتهاد وإنما يُراد بها لغة

القذر والنتن والنجاسات المعنوية والحسية (1)، ويُراد بها شرعاً معنى خاص هو (الشرك) كما في روايات الأئمة المذكورة آنفاً وبعض أقوال المفسرين أو يُراد بها شرعاً (العذاب) كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء، فإنّ كلمة (التطهير) أيضاً لا تعني إثبات العصمة لمن وقع عليه التطهير.

فإنّ الله عز وجل يريد تطهير كل المؤمنين وليس أهل البيت فقط، وإن كان أهل البيت هم أولى الناس وأحقهم بالتطهير.

فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم عن صحابة رسوله {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} (2) وقال {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (3) وقال {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} (4) فكما أخبر الله عز وجل بأنه يريد تطهير أهل البيت أخبر كذلك بأنه يريد تطهير المؤمنين، فإن كان في إرادة التطهير وقوع للعصمة لحصل هذا للصحابة ولعموم المؤمنين الذين نصت الآيات على إرادة الله عز وجل تطهيرهم.


(1) قال الشوكاني في "إرشاد الفحول 1/ 124": (لا يخفاك أنّ كون الخطأ رجس لا يدل عليه لغة ولا شرع فإنّ معناه في اللغة القذر ويطلق في الشرع على العذاب كما في قوله سبحانه {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَب} وقوله {مِّن رِّجْزٍ أَلِيم} والرجز الرجس).
(2) سورة المائدة آية 6
(3) سورة التوبة آية 103
(4) سورة البقرة آية 222

وقد قال الله تعالى أيضاً عن لوط عليه السلام {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون} (1) ولم تكن ابنتا لوط عليه السلام معصومتين مع أنهما من الآل الذين وُصفوا بالتطهير.

وقد قال تعالى عن رواد مسجد قباء من الصحابة {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (2) ولم يكن هؤلاء معصومين من الذنوب بالاتفاق.

وقال تعالى عن أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَان} (3) ولم يكن في هذا إثبات لعصمته مع أنه لا فرق يُذكر في الألفاظ بين قول الله تعالى عن أهل البيت {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت} وبين قوله عن أهل بدر {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَان} فالرجز والرجس متقاربان، وإذهاب الرجس مشترك، لكن الهوى هو الذي جعل من الآية الأولى دليلاً على العصمة دون الأخرى!

والعجيب في علماء الشيعة أنهم يتمسكون بالآية ويصرفونها إلى أصحاب الكساء ثم يصرفون معناها من إرادة التطهير إلى إثبات عصمة أصحاب الكساء ثم يتناسون في الوقت نفسه آيات أخرى نزلت في إرادة الله عز وجل لتطهير الصحابة بل هم بالمقابل يقدحون فيهم ويقولون بانقلابهم على أعقابهم مع أنّ الله عز وجل نص على إرادة تطهيرهم بنص الآية، مفارقات عجيبة يُحار فيها العقل ولا تجد لها إلا إجابة واحدة، إنه التعصب وما يفعله في أصحابه.


(1) سورة الأعراف آية 82
(2) سورة التوبة آية 108
(3) سورة الأنفال آية 11

ثامناً: إرادة التطهير لا تعني بالضرورة وقوع التطهير

ما ذكرته آنفاً يستند إلى أنّ المعنى من إرادة الله للتطهير وقوع التطهير، وقد يكون المراد من الآية الأمر بلزوم طاعة الله حتى يقع التطهير.

وسياق الكلام الموجه لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتضمن توجيهاً إلهياً لهن بفعل أمور واجتناب أخرى (1)، وبيّن الله عز وجل أنه يريد منهن التزام هذه التوجيهات ليذهب عنهم الرجس بمقتضى أمره لهم، وبامتثالهم لأمر الله وحفظهم لوصاياه يحصل التطهير، وهذا النمط من الخطاب استخدمه الله عز وجل في آخرين كما في قوله تعالى للمؤمنين {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ} (2) وقوله تعالى {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} (3) وقوله تعالى {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ} (4) فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا لا أنها حصلت فعلاً، ولو كان الأمر كذلك لتطهر كل من أراد الله طهارته وأبسط مثال يوضح ذلك هو أنّ الله عز وجل يريد على سبيل المثال للبشر كلهم أن يدخلوا الجنة وهذه الإرادة هي إرادة محبة، وهناك إرادة له سبحانه كونية قدرية في هذا الشأن وهي أنه سيكون من البشر مؤمن وكافر وأنه ليس كل البشر سيدخلون الجنة، لأنّ الله سبحانه وتعالى أعطى البشر الحرية في عمل الخير أو الشر لكي يحصل العدل بمجازاته، ولو كان الإنسان مجبوراً على الخير فقط لما كان من العدل مجازاته أصلاً لأنه لو أراد الشر ما وجد إلى ذلك سبيلاً، فإرادة الله إدخال البشر كلهم إرادة محبة ولكن لا يلزم تحققها لأنّ الله نفسه لم يوجب حدوثها.

تاسعاً: الاستدلال بالآية على عصمة أصحاب الكساء لا يخلو من العجب لأمر بديهي يعرفه كل أحد وهو أنّ حديث الكساء يذكر فاطمة الزهراء رضوان الله عليها كطرف من الأطراف الذين نزلت فيهم الآية، والشيعة الاثنا عشرية يقولون بأنّ الله عز وجل أضفى على الأئمة صفة العصمة لاحتياج المهمة المناطة بهم لذلك، وهي إمامة الناس وتحكيم شرع الله والسؤال: إذا كان الأمر كذلك فهل السيدة فاطمة نبية أو من الأئمة لكي تُضفى عليها صفة العصمة؟!! وما الغاية التي لأجلها أُضفيت لها العصمة؟ هل كل من يحبه الله وله مقام عند الله يكون معصوماً؟

إنّ الله عز وجل لمّا أضفى صفة العصمة على الأنبياء أضفاها عليهم لأنهم مبلغو الوحي وأمناء الرسالة السماوية، ولو أننا قبلنا عصمة الأئمة دون أن نناقشها، فإنّ ما لا يمكن تقبله لا عقلاً ولا شرعاً أن يتصف بالعصمة من ليس بنبي ولا حتى إمام!!

وإذهاب (الرجس) حتى لو دل على العصمة فإنه لا يدل على استحقاق الإمامة بحال من الأحوال، ونحن بصدد البحث عن دليل على الإمامة، فإن قيل بأنّ من مستلزمات الإمامة العصمة وأنّ من كان معصوماً وجبت إمامته، قيل: وماذا تقول في فاطمة الزهراء التي هي أحد أصحاب الكساء؟ أتستطيع تطبيق نفس المبدأ عليها والقول بأنها من الأئمة؟ فإن قال: (لا) وهي الإجابة الوحيدة التي سيستطيع أن يجيب بها، قيل له: قال الله تعالى {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض} (5) فإما أن تطبق ما تدّعيه مائة بالمائة أو تقر ببطلانه، لكن التشبت بالدليل بما يوافق الهوى وطرح ما يخالفه ما هو في الحقيقة إلا تلاعب بالقرآن الكريم وبسنة رسوله الكريم، وما أرى من يسلك هذا الطريق يطلب الحق وهو يدّعي ما يدّعيه، ويجره التعصب إلى الإصرار على الخطأ في فهم دين الله.


(1) ومما يؤكد أنّ الآية لا تنص على وقوع التطهير بل على إرادة التطهير أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرص على أن يلحق أصحاب الكساء ما لحق زوجاته أمهات المؤمنين اللاتي نزلت فيهن الآية وفي إرادة تطهيرهن ما رواه الترمذي بسند فيه ضعف من أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يَمُرُّ بباب فاطمة سِتةَ أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: (الصلاة يا أهل البيت، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}) إذ بالمحافظة على الفرائض وبطاعة الله يحصل التطهير، والحديث وإن كان ضعيفاً ولا يُحتج فيه إلا أنه قد يصلح كشاهد على الأقل على ما ذكرناه.
(2) سورة المائدة آية 6
(3) سورة النساء آية 26
(4) سورة النساء آية 28

(5) سورة البقرة آية 85

  • السبت PM 07:47
    2022-05-21
  • 2227
Powered by: GateGold