المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416079
يتصفح الموقع حاليا : 319

البحث

البحث

عرض المادة

آية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}

لعل من أبرز ما يستدل به علماء الشيعة على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والنص عليه من الله هو قوله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون} (1) حتى اشتهر تسميتها عند الشيعة الإثني عشرية باسم (آية الولاية).

ووجه استدلال الشيعة الإثني عشرية بالآية كما يقول الحلي (يتوقف على مقدمات:

أحدها أنّ لفظ (إنما) للحصر، وذلك معلوم عند أهل اللغة.

الثانية: أنّ المراد بالولي هنا المتصرف، والمستحق لوصف الأولى، وهو معلوم من أهل اللغة حيث يُقال: فلان ولي المرأة لمن هو أولى بالعقد، ويصفون العصبة بأنهم أولياء الدم لأنهم أولى بالمطالبة.

الثالثة: أنّ المراد بذلك هو علي عليه السلام ويدل عليه وجوه:

أحدها: اتفاق المفسرين على أنها نزلت فيه عليه السلام.


(1) سورة المائدة آية 55

الثاني: أنها تدل على ثبوت الإمامة لمن اجتمعت فيه صفة إتيان الزكاة حين الركوع ولم يتصف بذلك غير علي عليه السلام لما تصدق بخاتمه في صلاته حال الركوع بالإجماع.

الثالث: قد بيّنا أنها ليست عامة في حق المؤمنين كافة، وإلا لكان كل واحد ولي نفسه وهو محال وكل من خصّها ببعض المؤمنين قال: المراد بها علي عليه السلام) (1).

فما مدى صحة ما ذهبت إليه النظرية الإمامية الإثنا عشرية؟

المناقشة:

أولاً: قول الحلي بأنّ المفسرين متفقون على أنّ الآية نزلت في علي بن أبي طالب (2) يفتقد إلى الدقة على أقل أحواله، حيث لا اتفاق بين المفسرين على أنّ الآية نزلت في علي بن أبي طالب ولو أنّ الحلي قال: (قال بعضهم أنها نزلت فيه) لكان ذلك أدق وأصوب.

فقد ذكر القرطبي في تفسيره للآية أكثر من سبب نزول ولم يجزم بأنّ الآية نزلت في علي دون الآخرين ممن ذكرهم، بل ذكر القرطبي ما يوجب نفي أن تكون الآية قد نزلت في علي دون غيره بنقله رواية عن الإمام الباقر وقد سُئل عن معنى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} هل هو علي بن أبي طالب؟ فقال: علي من المؤمنين، يذهب إلى أنّ هذا لجميع المؤمنين (3).

وأما الرازي فقد ذكر عدة أقوال في سبب نزول الآية ثم تعرض إلى رواية التصدق بالخاتم


(1) أنوار الملكوت في شرح الياقوت 225 - 226 وكشف المراد ص289 له، وإعلام الورى للطبرسي ص168
(2) قال عبد الحسين شرف الدين في المراجعات ص258 (على أنّ نزولها في علي مما أجمع عليه المفسرون)!!
(3) تفسير القرطبي 6/ 207 - 209

فنفى صحتها لقرائن ودلائل كثيرة (1) والحال كذلك في تفسير ابن كثير (2)، وقد ذكر البيضاوي في تفسيره القول بنزولها في علي بصيغة التمريض (3).

أما الطبري فذكر في تفسيره روايات تؤكد نزولها في عبادة بن الصامت كما سيأتي، وذكر كذلك ما روي أنها نزلت في الإمام علي، وقد عبر عن اختلاف العلماء في سبب نزول الآية بقوله (وأما قوله {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون} فإنّ أهل التأويل اختلفوا في المعني به) (4) وكذلك هو الحال في تفسير البغوي (5).

وأما الواحدي فعلى ما عُرف عنه من عدم العناية بالحديث كحال الثعالبي وأبي السعود إلا أنه قد نقل في أسباب نزول الآية سببين مختلفين فقال: ({إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُه} نزلت لما هجر اليهود من أسلم منهم فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله، إنّ قومنا قد هجرونا وأقسموا ألا يجالسونا فنزلت هذه الآية، فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء، وقوله {وَهُمْ رَاكِعُون} يعني صلاة التطوع) (6).

وذكر سبباً ثانياً لنزول الآية وهو تصدّق علي بن أبي طالب رضي الله عنه بخاتم من ذهب وهي رواية مردودة كما سيأتي.


(1) تفسير الرازي 12/ 26 - 27
(2) تفسير القرآن العظيم 2/ 98 - 100
(3) تفسير البيضاوي 2/ 340
(4) تفسير الطبري 6/ 288
(5) تفسير البغوي 2/ 47
(6) تفسير الواحدي 1/ 325

وأما ابن الجوزي فقال في تفسيره زاد المسير: (اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال ..) ثم ذكر الأقوال الأربعة (1).

وذكر الشوكاني في تفسير الآية قولين: الأول: أنها نزلت في عبادة بن الصامت، والثاني: أنها نزلت في علي بن أبي طالب دون ترجيح (2).

وفي هذا دلالة قاطعة على أنّ ادعاء إجماع أو اتفاق المفسرين على أنها نزلت في علي بن أبي طالب كذب على هؤلاء المفسرين.

وغاية ما ينقله علماء الشيعة الإثنا عشرية عن المفسرين الذين تبنوا الرأي في نزولها في علي ابن أبي طالب دون غيره، فهو مذكور في تفسير الثعالبي (3) وأبي السعود وغيرهما.

والثعالبي وأبو السعود على فضلهما وجلالة قدرهما لا خبرة لهما بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولذا كثر في تفسيريهما الروايات الضعيفة والموضوعة، فهما حاطبا ليل، لا يميزان بين الرطب واليابس.

والمتكلم والمفسّر والمؤرخ ونحوهم إذا نقل نقلاً مجرداً بلا إسناد ثابت لم يُعتمد عليه حتى يأتي بإسناد الحديث فيُحكم عليه صحة وضعفاً.

ورواية تصدق الإمام علي بن أبي طالب بالخاتم المذكورة قد ناقشها كثير من العلماء وحسبي أن أشير إلى ما ذكره في ذلك محقق تفسير القرطبي.


(1) زاد المسير 2/ 382
(2) فتح القدير 2/ 53
(3) ويُقال له الثعلبي على اختلاف العلماء في إطلاق التسميتين عليه.

قال الشيخ عبد الرزاق المهدي عن الرواية (باطلة. أخرجها الطبراني كما في المجمع 7/ 17 من حديث عمار بن ياسر، وقال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم. وأخرجها الواحدي 397 بسنده عن ابن عباس، وفيها الكلبي متهم بالكذب، وكذا محمد بن مروان السدي الصغير وأخرجها الطبراني 12215 عن السدي من قوله، وهذا معضل) (1).

وقال أيضاً: (وكذلك أنّ الواحدي في روايته عن ابن عباس أنّ علياً تصدق بخاتمه الذي هو من ذهب. نعم هكذا ذكره في الأسباب ص149وهذا لا يكون. لأنّ الذهب حرام والآية غير منسوخة حتى نقول كان في أول الإسلام، بل هي محكمة تتكلم عن توجيهات قرآنية لا عن أحكام فقهية .. وأيضاً في الآثار هذه أنّ الرجل صار يسأل الناس في المسجد والناس ما بين راكع وساجد، وهذا أيضاً يؤدي إلى رفع الصوت في المسجد، أو هو من باب إنشاد الضالة وغيره في المسجد، وهو منهي عنه) (2).

ويقول الحافظ ابن كثير: (وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها) (3).

وبالمقابل وجدنا أنّ رواية عبادة بن الصامت التي أخرجها الطبري في تفسيره وغيره من المفسرين صحيحة السند، وبهذا يظهر كونها سبب نزول الآية الكريمة.

وذلك أنه لما خانت بنو قينقاع الرسول صلى الله عليه وآله ذهبوا إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وأرادوه أن يكون معهم فتركهم وعاداهم وتولى الله ورسوله، فأنزل الله تبارك وتعالى قوله {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون} أي والحال أنهم خاضعون في كل شؤونهم لله تبارك وتعالى، ولذلك قال الله تبارك وتعالى في أول الآيات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} يعني عبد الله بن أبي بن سلول لأنه كان موالياً لبني قينقاع، ولما حصلت الخصومة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاهم ونصرهم ووقف معهم وذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله يشفع لهم، أما عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه فإنه تبرأ منهم وتركهم فأنزل الله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} ثم عقّب تبارك وتعالى بذكر صفة المؤمنين وهو عبادة بن الصامت ومن سار على دربه {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}.

ومما يؤكد كونها نازلة في عبادة بن الصامت رضي الله عنه وفي المنافق عبد الله بن أبي بن سلول وبني قينقاع سياق الآيات لمن تدبرها، فإنه تعالى قد قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} فهذا نهي عن موالاة اليهود والنصارى.

ثم قال {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَاتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِه} إلى قوله تعالى {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِين} فهذا وصف الذين في قلوبهم مرض، الذين يوالون الكفار كالمنافقين، ثم قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم} فذكر فعل المرتدين وأنهم لن يضروا الله شيئاً، وذكر من يأتي به بدلهم، ثم قال {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ

 


(1) قاله في هامش ص208 من تفسير القرطبي 6/ 208
(2) هامش ص484 من الجزء الثاني لتفسير نظم الدرر للبقاعي بتحقيق عبد الرزاق المهدي.
(3) تفسير القرآن العظيم 2/ 99

وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون. وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُون} (1).

فتضمن هذا الكلام ذكر أحوال من دخل في الإسلام من المنافقين، ومن يرتد عنه، وحال المؤمنين الثابتين عليه ظاهراً وباطناً (2).

ثانياً: إنّ في رواية تصدق الإمام علي بخاتمه ما يدعو للعجب والاستغراب. فالإمام علي كان فقيراً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بالكاد يملك قوت يومه وكسوة أهله حتى اشتكت من ذلك فاطمة الزهراء عليها السلام كما هو معروف في كتب الشيعة الإثني عشرية قبل كتب أهل السنة، فمن أين إذاً بلغ ماله الحول حتى يخرج منه الزكاة؟!

ثم إنّ الأصل في الزكاة أن يبدأ بها المُزكّي لا أن ينتظر الفقراء حتى يأتونه ويسألونه حقهم في ماله، وليس الإمام علي بالذي يحتفظ بالزكاة عنده ويحجزها عن فقراء المدينة أو عن أهل الصفة الذين سكنوا المسجد النبوي والذين يراهم ليلاً ونهاراً حين دخوله بيته وحين خروجه منه.

وقد سأل الإمام جعفر الصادق إسحاق بن عمار يوماً: يا إسحاق، كيف تصنع بزكاة مالك إذا حضرت؟ قال: يأتوني إلى المنزل فأعطيهم. فقال له: ما أراك يا إسحاق إلا قد أذللت المؤمنين، فإياك إياك، إنّ الله تعالى يقول) من أذل لي ولياً فقد أرصد لي بالمحاربة (3).


(1) سورة المائدة آية 55 - 56
(2) مختصر المنهاج 2/ 616
(3) الأمالي لشيخ الطائفة الطوسي ص195 حديث رقم (332) والأمالي للمفيد ص177 المجلس الثاني والعشرون – حديث رقم (7).

أما أنا فأبرئ الإمام علياً أن يكون ممن يذل المؤمنين بحبسه الزكاة عنهم حتى يطلبوها هم وأبرئه من الانشغال عن الصلاة وهو الخاشع الطائع ... وأبرئه من رواية كهذه لا تصح لا سنداً ولا تُعقل معنىً، وعليك أن تكون منصفاً وتنتصف للإمام علي من هذه الروايات التي تسيء له أكثر مما تمتدحه.

وفضائل علي بن أبي طالب كثيرة ومثله غني عن هذه الروايات السقيمة التي تضع صاحبها ولا ترفعه.

ثالثاً: إنّ الآية على فرض كونها قد نزلت في الإمام علي فإنه لا دلالة فيها على معنى الإمامة أو الإمارة، فالولاية (بالفتح) المذكورة في الآية هي ضد العداوة، والاسم منها (مولى، ووليّ) بينما الولاية (بالكسر) تعني الإمارة، والاسم منها (والي، ومتولي)، والآية إنما ذكرت لفظ (ولي) وفي هذا إثبات النصرة والمحبة لا الإمارة، فكيف تُتجاهل هذه الحقيقة اللغوية هكذا بكل بساطة؟!

فلفظ (الولي) تشترك فيه معان كثيرة ... ولا يمكن أن يُراد من اللفظ المشترك معنى معين إلا بقرينة خارجة والقرينة هاهنا من السياق (يعني ما سبق هذه الآية) فهو مؤيد لمعنى الناصر لأنّ الكلام في تقوية قلوب المؤمنين وتسليتها، وإزالة الخوف عنها من المرتدين (1).

ولو كان المراد من الآية الإمارة لقال الله (إنما يتولى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا) بدل {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُه} فإنه لا يُقال لمن ولي عليهم وال أنهم (تولوه) بل يُقال: (تولى عليهم)، وهذا ظاهر لمن يعرف العربية.

وتفسير قوله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُم} بالإمارة لا يتفق مع وصف الله تعالى نفسه بأنه ولي المؤمنين، فإنّ الله عز وجل لا يُوصف بأنه أمير المؤمنين على عباده أو خليفتهم أو أنه إمامهم!!

لأنه سبحانه وتعالى خالقهم ورازقهم وربهم ومليكهم، له الخلق والأمر، فالولاية هنا تعني النصرة والمحبة، فإنّ الله عز وجل يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه، ويرضى عنهم ويرضون عنه، وكذلك الحال في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي المؤمنين الذين عبّر الله عز وجل عنهم بـ (الذين آمنوا) سواء كان علي بن أبي طالب أو غيره.

فهذه هي الولاية المقصودة في الآية، ومن يأبى إلا الإصرار على أنها في الإمامة فنحن نطالبه بأن يستبدل لفظ (وليكم) بـ (إمامكم) أو (خليفتكم) ويرينا هل يستقيم له المعنى.

وللألوسي كلام نفيس في هذا الموضوع يقول فيه: (ووجه استدلال الشيعة بخبر (من كنت مولاه فعلى مولاه) أنّ المولى بمعنى الأولى بالتصرف وأولوية التصرف عين الإمامة ولا يخفى أنّ أول اللفظ فى هذا الاستدلال جعلهم المولى بمعنى الأولى، وقد أنكر ذلك أهل العربية قاطبة بل قالوا: لم يجاء مفعل بمعنى أفعل أصلاً ولم يجوّز ذلك إلا أبو زيد اللغوى متمسكاً بقول أبى عبيدة فى تفسير قوله تعالى {هِيَ مَوْلَاكُمْ} أي أولى بكم، ورُدّ بأنه يلزم عليه صحة (فلان مولى من فلان) كما يصح (فلان أولى من فلان) واللازم باطل إجماعاً فالملزوم مثله، وتفسير أبى عبيدة بيان لحاصل المعنى يعنى النار مقركم ومصيركم والموضع اللائق بكم وليس نصاً فى أنّ لفظ المولى ثمة بمعنى الأولى.

والثانى: لو سلمنا أنّ المولى بمعنى الأولى لا يلزم أن يكون صلته بالتصرف بل يحتمل أن يكون المراد أولى بالمحبة وأولى بالتعظيم ونحو ذلك، وكم جاء الأولى فى كلام لايصح معه تقدير التصرف كقوله تعالى {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (2) على أنّ لنا قرينتين على أنّ المراد من الولاية من لفظ المولى أو الأولى بالمحبة إحداهما ما روينا عن محمد بن إسحاق فى شكوى الذين كانوا مع الأمير كرم الله تعالى وجهه فى اليمن كبريد الأسلمى وخالد بن الوليد وغيرهما ولم يمنع صلى الله عليه وآله وسلم الشاكين بخصوصهم مبالغة فى طلب موالاته وتلطفاُ فى الدعوة إليها كما هو الغالب فى شأنه صلى الله عليه وآله وسلم فى مثل ذلك، وللتلطف المذكور افتتح الخطبة صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم).

وثانيهما قوله عليه الصلاة والسلام على ما في بعض الروايات (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فإنه لو كان المراد من (المولى) المتصرف فى الأمور أو الأولى بالتصرف لقال عليه الصلاة والسلام (اللهم وال من كان فى تصرفه وعاد من لم يكن كذلك)، فحيث ذكر صلى الله عليه وآله وسلم المحبة والعداوة فقد نبه على أنّ المقصود إيجاب محبته كرم الله تعالى وجهه والتحذير من عداوته وبغضه لا التصرف وعدمه ولو كان المراد الخلافة لصرح صلى الله عليه وآله وسلم بها، ويدل لذلك ما رواه أبو نعيم عن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضى الله تعالى عنهما أنهم سألوه عن هذا الخبر هل هو نص على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه فقال: لوكان النبى صلى الله عليه وآله وسلم أراد خلافته لقال: (أيها الناس، هذا ولي أمرى والقائم عليكم بعدى فاسمعوا وأطيعوا) ثم قال الحسن: (أقسم بالله سبحانه أنّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لو آثرا علياً لأجل هذا الأمر، ولم يُقدّم علي كرم الله تعالى وجهه عليه، لكان أعظم الناس خطأ.

وأيضاً ربما يستدل على أنّ المراد بالولاية المحبة بأنه لم يقع التقييد بلفظ بعدي والظاهر حينئذ اجتماع الولايتين فى زمان واحد ولايتصور الاجتماع على تقدير أن يكون المراد أولوية التصرف بخلاف ما إذا كان المراد المحبة، وتمسك الشيعة فى إثبات أنّ المراد بالمولى الأولى بالتصرف باللفظ الواقع فى صدر الخبر على إحدى الروايات وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، ونحن نقول المراد من هذا أيضاً (الأولى بالمحبة) يعنى (ألست أولى بالؤمنين من أنفسهم بالمحبة) بل قد يقال (الأولى) ههنا مشتق من الولاية بمعنى المحبة والمعنى (ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم) ليحصل تلاؤم أجزاء الكلام ويحسن الانتظام ويكون حاصل المعنى هكذا (يا معشر المؤمنين إنكم تحبونى أكثر من أنفسكم فمن يحبنى يحب علياً، اللهم أحب من أحبه وعاد من عاداه).

ثم يقول: (ولو فرضنا كون الأولى في صدر الخبر بمعنى الأولى بالتصرف، فيحتمل أن يكون ذلك لتنبيه المخاطبين بذلك الخطاب ليتوجهوا إلى سماع كلامه صلى الله عليه وآله وسلم كمال التوجه، ويلتفتوا إليه غاية الالتفات فيقرر ما فيه من الإرشاد أتم تقرر، وذلك وكما يقول الرجل لأبنائه في مقام الوعظ والنصيحة (ألست أباكم) وإذا اعترفوا بذلك يأمرهم بما قصده منهم ليقبلوا بحكم الأبوة والبنوة ويعملوا على طبقهما فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا المقام (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) مثل (ألست رسول الله تعالى إليكم) أو (ألست نبيكم) ولا يمكن إجراء مثل ذلك فيما بعده تحصيلاً للمناسبة، ومن الشيعة من أورد دليلاً على نفي المحبة، وهو أنّ محبة الأمير كرم الله تعالى وجهه أمر ثابت في ضمن آية والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، فلو أفاد هذا الحديث ذلك المعنى كان لغواً، ولا يخفى فساده ومنشؤه أنّ المستدل لم يفهم أنّ إيجاب محبة أحد في ضمن العموم شيء وإيجاب محبته بالخصوص شيء آخر، والفرق بينهما مثل الشمس ظاهر، ومما يزيد ذلك ظهوراً

 

 


(1) مختصر التحفة ص142

(2) سورة آل عمران آية 68

أنه لو آمن شخص بجميع أنبياء الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام ولم يتعرض لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بخصوصه بالذكر لم يكن إيمانه معتبراً.

وأيضاً لو فرضنا اتحاد مضمون الآية والخبر لا يلزم اللغو بل غاية ما يلزم التقرير والتأكيد وذلك وظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يؤكد مضامين القرآن ويقررها بل القرآن نفسه قد تكررت فيه المضامين لذلك ولم يقل أحد إنّ ذلك من اللغو والعياذ بالله تعالى، وأيضا التنصيص على إمامة الأمير كرم الله تعالى وجهه تكرر مراراً عند الشيعة فيلزم على تقدير صحة ذلك القول اللغوي ويجل كلام الشارع عنه) (1).

رابعاً: لفظ الركوع المذكور في الآية يُراد به الخضوع كنحو قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُون} (2) والمراد أي اخضعوا واستسلموا لأمر الله تبارك وتعالى.

يقول الطبري (وأما تأويل – أي تفسير – الركوع فهو الخضوع لله بالطاعة، يُقال منه ركع فلان لكذا وكذا إذا خضع له، ومنه قول الشاعر:

بيعت بكسر لتيم واستغاث بها ... من الهزال أبوها بعدما ركعا

يعني: بعدما خضع من شدة الجهد والحاجة) (3).


(1) تفسير روح المعاني 6/ 195 - 199
(2) سورة المرسلات آية 48
(3) جامع البيان للطبري (تفسير آية {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِين} من سورة البقرة).

وقال الراغب الأصفهاني في "المفردات في غريب القرآن": (الركوع: الانحناء فتارة يُستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي وتارة في التواضع والتذلل إما في العبادة وإما في غيرها) (1).

(وكانت العرب تُسمي من آمن بالله تعالى ولم يعبد الأوثان راكعاً، ويقولون: ركع إلى الله أي اطمأن إليه خالصاً ...) (2).

ولذلك ذكر الله عز وجل في الآية الركوع في حال الزكاة بعد ذكره لإقامة الصلاة مع أنّ الركوع إنما يكون في الصلاة لا الزكاة، ومن هنا ظهر أنّ المراد بأنهم يؤتون الزكاة وهم خاضعون مستسلمون لله، إذ المرء قد يشح عن أداء الزكاة ويستكثر أن يخرج من ماله للفقراء، والذي يخضع لله ويستسلم لأحكامه ويقبل بقلبه وبجوارحه على أدائها يكون حينئذ خاضعاً مستسلماً لله وهو المراد من الآية.

خامساً: إنّ قول الحلي بأنّ (إنما) في الآية تفيد الحصر قد لا يُسلّم له، فـ (إنما) لا تفيد الحصر مطلقاً.

قال الرازي في "تفسيره 12/ 30": (لا نسلّم أنّ كلمة (إنما) للحصر والدليل عليه قوله {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء} (3) ولا شك أنّ الحياة الدنيا لها أمثال أخرى سوى هذا المثل).

ولو أننا سلّمنا بأنّ (إنما) في الآية تفيد الحصر فإنّ ذلك لن يخدم النظرية الإمامية أبداً.

فالحصر كما يلزم أهل السنة من جهة إخراجه أبا بكر وعمر وعثمان من استحقاق الخلافة ويحصر الاستحقاق في علي وحده، يلزم الشيعة أيضاً.

فالأداة (إنما) إن أفادت الحصر فذلك يعني أحد أمرين: إما حصر الخلافة في علي فقط ونفي إمامة غيره حتى الأحد عشر الذين تنص عقيدة الشيعة على إمامتهم، لأنّ الحصر لن يخرج أبا بكر وعمر وعثمان فقط ويُدخل غيرهم وإنما يُخرج الجميع، وفي هذا بطلان إمامة كل من هم سوى الإمام علي بن أبي طالب، وهذا ما لا يطيقه أرباب النظرية الإمامية.

أو أنها تحصر الخلافة فيمن يؤدي الزكاة وهو راكع وهذا أعظم من الأول لأمرين اثنين وهما:

الأول: يستطيع كل أحد أن يؤدي الزكاة وهو راكع فهل أهلية إمامة المسلمين مقيدة بهذا؟!! هل كل من يؤدي الزكاة وهو راكع يستحق بمقتضى فعله هذا أن يكون خليفة للمسلمين؟!!

الثاني: لم يثبت عن الأئمة الأحد العشر الباقين أنهم تصدقوا أو أدوا الزكاة وهم راكعون وفي ذلك نفي لإمامتهم، بل على فرض صحة الرواية في تصدق علي وهو راكع، فإنا نعلم أن التوافق بين كون الإمام علي يؤدي الصلاة وبين دخول الفقير إلى المسجد وطلبه الزكاة أمر لا يتكرر إلا بمحض الصدفة لا أن يتكرر لاثني عشر رجلاً إلا إذا قُصد تعمد تكرار هذا المشهد!!

فالنص قد حُمّل بالفعل أكثر مما يحتمل، معناه واضح جلي والسياق الذي أتى فيه أوضح وسبب النزول المعروف في عبادة بن الصامت يزيده وضوحاً فلماذا لا نستسلم للحقيقة؟

 


(1) المفردات في غريب القرآن ص202
(2) أساس البلاغة للزمخشري المعتزلي 1/ 368
(3) سورة يونس آية 24

آية {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}

واستدل الشيعة الإثنا عشرية بقوله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير} (1).

وروى الكليني في "الكافي" والصّفار في "بصائر الدرجات" في تفسيرها عن الإمام جعفر الصادق قوله: (السابق بالخيرات: الإمام والمقتصد: العارف للإمام، والظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام) (2).

المناقشة:

أولاً: إنّ الآية الكريمة ليس فيها ما يشير إلى آل البيت عليهم السلام والرضوان فضلاً عن أن يوجد فيها ما يشير إلى الأئمة الإثني عشر، وكذلك السنة النبوية بصحيحها وضعيفها ليس فيها ما يشير إلى ارتباط الآية بآل البيت فضلاً عن الأئمة الإثني عشر، فبأي دليل يأتي مدّعٍ مكابر ليحاجج بهذه الآية على أنها دليل على إمامة الأئمة الإثني عشر؟!

ثانياً: قال الإمام ابن كثير في تفسير الآية: (يقول تعالى: ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم المصدّق لما بين يديه من الكتب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الأمة ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع، فقال تعالى (فمنهم ظالم لنفسه) وهو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات (ومنهم مقتصد) هو المؤدي للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض


(1) سورة فاطر آية 32
(2) الكافي – كتاب الحجة – (باب أنّ من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة عليهم السلام) – رواية رقم (1) وراجع كذلك: بصائر الدرجات – (باب في الأئمة أنهم الذين قال الله فيهم أنه أورثهم الكتاب وأنهم السابقون بالخيرات) وبحار الأنوار 23/ 212 - 220.

المستحبات ويفعل بعض المكروهات (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) وهو الفاعل للواجبات والمستحبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله، فظالمهم يُغفر له ومقتصدهم يُحاسب حساباً يسيراً وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب) (1).

إنّ الله تعالى قد وصف أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأصنافها الثلاثة المذكورة في الآية بأنها خير أمة أخرجت للناس دون استثناء لصنف منها من هذه الخيرية على باقي الأمم فقال عزّ من قائل {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله} (2) ووصفها بالأمة الوسط الشهيدة على الأمم السابقة فقال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (3) فأي عجب في أن تكون أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم المثني عليها والمرحومة هي وارثة الكتاب من بعد نبيها؟!

وأي غرابة في أن يذكر الله تعالى اصطفاء هذه الأمة لوراثة الكتاب من بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كانت الأمم السابقة ترث كتب أنبيائها وتقوم فيها؟

لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه السنة الإلهية القائمة في السابقين في سورة غافر بقوله


(1) تفسير القرآن العظيم 3/ 562
(2) سورة آل عمران آية 110
(3) سورة البقرة آية 142

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَاب} (1) وقال {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيب} (2) وقال {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَاخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَاتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَاخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقّ} (3).

وفي هذا يقول الطباطبائي – وهو من كبار مفسري الشيعة المعاصرين-: (ويمكن تأييد أول الاحتمالين بأن لا مانع من نسبة الوراثة إلى الكل مع قيام البعض بها حقيقة كما نجد نظيره في قوله تعالى {وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَاب} وما في الآية من المقابلة بين الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات يعطي أنّ المراد بالظالم لنفسه من عليه شئ من السيئات وهو مسلم من أهل القرآن لكونه مصطفى ووارثاً، والمراد بالمقتصد المتوسط الذي هو في قصد السبيل وسواء الطريق والمراد بالسابق بالخيرات بإذن الله من سبق الظالم والمقتصد إلى درجات القرب فهو إمام غيره بإذن الله بسبب فعل الخيرات قال تعالى {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون. أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُون}) (4).

ثالثاً: لقد وقفت على كلام غاية في الروعة لموسى الجار الله يصب في هذا المعنى مُجمله ما يلي: (كل ما أنعم الله به على نبيه من فضل ونعمة، وكل ما نزل من عرش الله العظيم إلى نبيه


(1) سورة غافر آية 53
(2) سورة الشورى آية 14
(3) سورة الأعراف آية 169
(4) تفسير الميزان 17/ 46

الكريم فكله بعده لأمته، والأمة شريكة لنبيها في كل كمال كان له في حياته، ثم ورثته بعد مماته، وكل فضل وكل نعمة ذكرها القرآن لنبيه فقد ذكرها لأمته، ومثاله:

1 - الاصطفاء والاجتباء والذكر والتشريف

فقد قال سبحانه عن اصطفاء الملائكة والأنبياء {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاس} (1)، ثم ذكر تشريفه لأمته بهذا الفضل وهذا الاصطفاء فقال جل من قائل {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.

فذكر الإيراث، والميراث تأخذه الأحياء بعد الأموات، والكتاب محفوظ إلى الأبد، فالأمة أحياء إلى الأبد واصطفى سبحانه الأمة بنون العظمة بنفسه لنفسه ولم يكل الاصطفاء إلى غيره، وأضاف العباد إلى نون العظمة لقطع إمكان الانحراف والضلال بالإغواء أو بغيره {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان} فلا يمكن الضلال في الأمة لأنها في حمى الله بنص آية سورة الحجر.

وقال سبحانه عن الأنبياء السابقين قوله {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} (2)

وذكر في هذه الأمة {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْل} (3).


(1) سورة الحج آية 75
(2) سورة الأنعام آية 87
(3) سورة الحج آية 78

وأخبر أنّ هذا الكتاب فيه عز وتشريف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِك} (1) وقال في تشريف الأمة {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} (2).

2 - الشراكة بالشهادة

إنّ الله تعالى أشرك الأمة مع نبيها في الشهادة على الأمم فقال سبحانه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (3).

3 - الشراكة بالصلاة من الله والتسليم

وأشرك هذه الأمة مع نبيها في الصلاة فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (4) وقال {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (5).

4 - الشراكة في الظهور والنصر والتمكين

فقد قال سبحانه لنبيه {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه} (6) وقال عن أمته {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} (7) فقد أضاف الدين إلى


(1) سورة الزخرف آية 44
(2) سورة الأنبياء آية 10
(3) سورة البقرة آية 143
(4) سورة الأحزاب آية 56
(5) سورة الأحزاب آية 43
(6) سورة التوبة آية 33
(7) سورة النور آية 55

الأمة وأكَّد التمكين بالقسم وقال {دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} فدل على أنّ دين الأمة وسياسة الخلافة الراشدة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي ارتضاه الله لهم.

وقال لنبيه {وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} (1)

وقال لأمته {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين} (2) فأوجب النصر على نفسه بقسم مؤكد.

وقال لنبيه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} (3)

وقال عن أمته {وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} (4)

وقال لنبيه {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِه} (5)

وقال لأمته {وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} (6)

4 - الشراكة في إتمام النعمة

وأشرك الأمة مع نبيها صلى الله عليه وآله وسلم في النعمة العامة التي أنعمها عليه فقال الله تعالى لنبيه {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْك} (7) وقال لأمته المرحومة {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (8) (9).

رابعاً: يزعم الإثناعشرية أنّ الأئمة الإثني عشر مستحقون للإمامة دون سائر الأمة استدلالاً بقوله تعالى {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين} فقد فسّروا الظلم في الآية بالذنب، واعتبروا الأمة كلها داخلة في مسمى الـ (ظالم) لاقترافها الذنوب واستثنوا الأئمة الإثني عشر لاعتقادهم العصمة فيهم.

وفي الآية التي نحن بصدد شرحها ومناقشة استدلال الإثني عشرية بها ما ينقض أحد الاستدلالين على أقل تقدير.

لقد قسّم الله تعالى الناس في الآية إلى ثلاثة أقسام فقال {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات} ومن الواضح بأنّ الفئة الأولى وهي فئة (الظالم لنفسه) هي فئة العصاة المذنبين ولذلك اختصها الله بهذه التسمية دون باقي الفئات الثلاث، ولو كانت فئة (المقتصدين) أو (السابقين بالخيرات) مستحقتان لهذا الوصف لذكرهما الله به، فعُلِم من ذلك أنّ فئة (المقتصدين) وهي بإجماع الشيعة لا يُراد بها الأئمة الإثنا عشر مستحقة للإمامة لأنها غير موصوفة بالظلم بنص كتاب الله تعالى.

قال الفخر الرازي في "تفسيره 20/ 58": (ثبت بالدليل أنّ كل الناس ليسوا ظالمين لأنه تعالى قال {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} أي: فمن العباد من هو ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق، ولو كان المقتصد والسابق ظالماً لفسد ذلك التقسيم، فعلمنا أنّ المقتصدين والسابقين ليسوا ظالمين، فثبت بهذا الدليل أنه لا يجوز أن يُقال كل الخلق ظالمون).

خامساً: ذكر ابن بابويه القمي الملقّب بـ (الصدوق) في "معاني الأخبار" عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبي عبد الله الكوفي العلوي الفقيه بإسناد متصل إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} فقال: الظالم يحوم حوم نفسه، والمقتصد يحوم حوم قلبه، والسابق يحوم حوم ربه عز وجل (10).

قال الطباطبائي في "تفسيره الميزان 17/ 50": (الحوم والحومان الدوران، ودوران الظالم لنفسه حوم نفسه اتباعه أهواءها وسعيه في تحصيل ما يرضيها، ودوران المقتصد حوم قلبه اشتغاله بما يزكى قلبه ويطهره بالزهد والتعبد، ودوران السابق بالخيرات حوم ربه إخلاصه له تعالى فيذكره وينسى غيره فلا يرجو إلا إياه ولا يقصد إلا إياه).

قلت: وفي الرواية كما ترى ما ينقض دعوى الشيعة الإثنى عشرية اختصاص الأئمة الإثني بها، إذ فسّرها الإمام جعفر الصادق تفسيراً عاماً ينطبق على كثير من العلماء والصالحين على مر الزمان، فما الذي جعل الآية حكراً على الإثني عشر دون غيرهم؟!

هذا عدا ما يُلاحظ في روايات الأئمة الإثنى عشر في تفسير هذه الآية من كون أغلبها متناقض مع النظرية الإثنى عشرية التي تحصر الإمامة في (تسعة من ولد الحسين رضي الله عنه) دون غيرهم من أبناء علي وفاطمة رضي الله عنهما.

فقد روى ابن بابويه القمي في "معاني الأخبار" عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت جالساً في المسجد الحرام مع أبي جعفر عليه السلام إذ أتاه رجلان من أهل البصرة فقالا له: يا ابن رسول الله، إنا نريد أن نسألك عن مسألة فقال لهما: اسألا عما جئتما. قالا: أخبرنا عن قول الله عز وجل {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير} إلى آخر الآيتين. قال: نزلت فينا أهل البيت. قال أبو حمزة فقلت: بأبي أنت وأمي فمن الظالم لنفسه؟ قال: من استوت حسناته


(1) سورة الفتح آية 3
(2) سورة الروم آية 47
(3) سورة الفتح آية 1
(4) سورة الفتح آية 18
(5) سورة الأنفال آية 62
(6) سورة المجادلة آية 22
(7) سورة الفتح آية 2
(8) سورة المائدة آية 3
(9) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة ص41 - 47 بتصرف

(10) معاني الأخبار – (معنى الظالم لنفسه والمقتصد والسابق) – رواية رقم (1).

وسيئاته منا أهل البيت فهو ظالم لنفسه. فقلت: من المقتصد منكم؟ قال: العابد لله ربه في الحالين حتى يأتيه اليقين. فقلت: فمن السابق منكم بالخيرات؟ قال: من دعا والله إلى سبيل ربه، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ولم يكن للمضلين عضداً، ولا للخائنين خصيماً، ولم يرض بحكم الفاسقين إلا من خاف على نفسه ودينه ولم يجد أعواناً) (1).

وروى ابن حمزة الطوسي (2) في "الثاقب في المناقب" عن أبي هاشم قال: كنت عند أبي محمد عليه السلام فسألته عن قول الله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} فقال عليه السلام: كلهم من آل محمد عليهم السلام، الظالم لنفسه الذي لا يقر بالإمام، والمقتصد العارف بالإمام، والسابق بالخيرات بإذن الله الإمام).

وروى الكليني في "الكافي" عن أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} الآية، قال: فقال: ولد فاطمة عليها السلام والسابق بالخيرات: الإمام، والمقتصد: العارف بالإمام، والظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام) (3).

فهذه الروايات الثلاث قد حصرت (الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات) بآل محمد صلى الله عليه وسلم ولم تحدد وجهاً يتميز فيه الأئمة الإثنا عشر عن سائر إخوتهم من


(1) معاني الأخبار ص105
(2) عماد الدين محمد بن علي بن محمد الطوسي، ذكره الخوانساري في "روضات الجنات 6/ 243" فقال: (الشيخ الفقيه المتكلم الأمين أبو جعفر الرابع عماد الدين محمد بن علي بن محمد الطوسي)، ووصفه الشيخ عباس القمي في "الكنى والألقاب 2/ 285" بأنه: (فقيه عالم واعظ).
(3) الكافي – كتاب الحجة – (باب في أنّ من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة) - رواية (3).

آل محمد، فقد يكون من أبناء الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثلاً العشرات من السابقين بالخيرات ولا عجب!

وروى الطبرسي في تفسيره "مجمع البيان" عن زياد بن المنذر عن الإمام الباقر قوله: (أما الظالم لنفسه منا فمن عمل عملا صالحاً وآخر سيئاً، وأما المقتصد فهو المتعبد المجتهد وأما السابق بالخيرات فعلي والحسن والحسين عليهم السلام ومن قتل من آل محمد شهيداً) (1).

وروى ابن طاووس (2) في "سعد السعود" عن أبي إسحاق أنه قال: خرجت حاجاً فلقيت محمد بن علي –الباقر- فسألته عن هذه الآية {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} فقال (ع): ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق؟ يعنى أهل الكوفة، قال: قلت: يقولون إنها لهم، قال: فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة؟ قلت: فما تقول أنت جعلت فداك؟ فقال: هي لنا خاصة يا أبا إسحاق. أما السابق في الخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل، وأما الظالم لنفسه ففيه ما في الناس وهو مغفور له) (3).

فكل هذه الروايات تدل دلالة صريحة على أنّ المراد بالآيات هم آل محمد عليه الصلاة والسلام بإطلاق، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات، وقول الإمام الباقر في السابق بالخيرات بأنه (من دعا والله إلى سبيل ربه، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ولم يكن للمضلين عضداً ولا للخائنين خصيماً، ولم يرض بحكم الفاسقين إلا من خاف على نفسه ودينه ولم يجد أعواناً) يستحقه كثيرون من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن ولد فاطمة رضي الله عنها على وجه الخصوص كما في الروايات.

ولو أنّ زيدياً احتج بهذه الروايات على إمامة زيد بن علي بن الحسين فأي إثني عشري سيستطيع الصمود أمامه ومحاججته؟

فالروايات تصرّح بأنّ السابق بالخيرات هم (علي والحسن والحسين عليهم السلام ومن قتل من آل محمد شهيداً)، والزيدية وأغلب الإثني عشرية اليوم متفقون على أنّ الإمام زيداً مات شهيداً رضي الله عنه فبأي حق يُسلب شرف هذا الانتساب ويوضع مكانه أناس يعتقد الإثني عشرية أنهم كانوا يتعاملون بالتقية ويهابون الموت؟! أليس الإمام زيد من آل محمد؟ أليس هو من ولد فاطمة رضي الله عنها؟ ألم يُقتل شهيداً؟

فلم يبقى حينئذ إلا الإذعان للحق.

 


(1) مجمع البيان 8/ 246 وتفسير نور الثقلين 4/ 365 وبحار الأنوار 23/ 213
(2) أحمد بن موسى بن جعفر بن طاووس، ترجم له الخوانساري في "روضات الجنات 1/ 75" فقال: (كان مجتهداً واسع العلم، إماماً في الفقه والأصولين والأدب والرجال، ومن أورع فضلاء أهل زمانه وأتقنهم وأجلّهم، حقّق الرجال والرواية والتفسير تحقيقاً لا مزيد عليه).
(3) سعد السعود ص107 وتأويل الآيات 2/ 481

  • السبت PM 07:40
    2022-05-21
  • 1131
Powered by: GateGold