المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409184
يتصفح الموقع حاليا : 365

البحث

البحث

عرض المادة

من الأفضل أبو بكر أم علي؟

طلب مني أحد الأصدقاء الشيعة المناقشة في مسألة المفاضلة بين الإمامين أبي بكر الصدّيق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

فأجبته بأنّ مناقشة مثل هذه المسائل ليس بالأمر الصعب لكن الخلاف بين أهل السنة والشيعة الإثني عشرية أكبر من أن يُحصر في المفاضلة بين أبي بكر وعلي، والأولى أن يُبدأ بجوهر الخلاف بدل الانهماك في مثل هذه المسائل، فليس من المهم من كان أفضل ومن كان أقل فضلاً إذا كنا نعترف بفضل الاثنان (1)، فكلاهما قد مات، والخلافة قد انتهت، ومن غير المعقول أن نبقى بعدهم مئات السنين ونحن ندندن حول مسألة من الأحق بالخلافة أو من الأفضل بينهما ما دام الذين نتكلم عنهما قد فارقوا الدنيا ولاقوا ربهما عز وجل منذ أكثر من ألف وثلثمائة سنة!!

إنّ الإسلام أعلى وأجل من أن يُختزل في مثل هذه الإطروحات، والصحابة وآل البيت أعظم وأجل من أن يُنظر إليهم كما ينظر مشجع كرة القدم إلى فريقه أو إلى منتخبه الوطني!

ولله در الدكتور علي الوردي – وهو مفكر شيعي معتدل – إذ يُصور مأساة بعض المتمذهبين بقوله: (سألني بعض الأجانب عن هذا النزاع بين علي وعمر، ما هو مصدره ومنشؤه؟ وهذا السؤال له أهميته الاجتماعية. فالأجانب حين يقرأون تاريخ الإسلام الأول يجدون الصفاء تاماً بين علي وعمر، فقد تزوج عمر من ابنة علي، وتولى أصحاب علي الولايات المهمة في عهد عمر، وكان عمر يستشير علياً في كثير من القضايا ويمدحه، كذلك كان علي يمدح عمر في حياته وبعد مماته كما جاء في نهج البلاغة. فما هو السبب الذي جعلهما متباعدين بعد موتهما بينما كانا في حياتهما متقاربين تقارباً واضحاً).

ثم يقول: (كنت أزور ذات مرة معامل فورد في مدينة ديترويت، ثم عَرَّجتُ بعد ذلك على زيارة الحي العربي الذي كان قريباً منها. وقد اندهشت حين وجدت نزاعاً عنيفاً ينشب بين المسلمين هناك حول عليّ وعمر، وكانت الأعصاب متوترة والضغائن منبوشة.

وكنت أتحدث مع أحد الأمريكيين حول هذا النزاع الرقيع، فسألني الأمريكي عن علي وعمر: هل هما يتنافسان الآن على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس ترومن وديوي عندنا؟ فقلت له: إنّ علياً وعمر كانا يعيشان في الحجاز قبل ألف وثلاث مئة سنة. وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما أحق بالخلافة!

 


(1) النقاش في المفاضلة قد يكون مُجدٍ إن كان الحديث بين فئتين متفقتين على فضل وصلاح من تتم المفاضلة بينهما، بينما يعتقد الشيعة الإثنا عشرية أنّ الإمام علياً معصوم وأنه منصوب من الله تعالى إماماً على خلقه أما أبو بكر الصدّيق فمرتد منقلب على عقبيه أو في أحسن أحواله ضال مغتصب للخلافة، ولهذا فالمسألة عند الشيعة الإثنى عشرية ليست مفاضلة بين اثنين مشهود لهما بالإيمان والصلاح بل بين مؤمن ومرتد أو وصي وضال، فما فائدة الحديث عن المفاضلة بين أبي بكر وعليّ حينئذ؟!

فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد يستلقي على قفاه، وضحكت معه ضحكاً فيه معنى البكاء، وشر البلية ما يُضحك!) (1).

نعم .. شر البلية ما يُضحك، طاقات الأمة تُهدر، وأجيال تتناحر، لكن على ماذا؟ على مثل هذه المفاضلات التي لا منفعة فيها (2)!

لم يكن هاجس الصحابة في زمانهم إثبات من الأفضل على الآخر بل رأينا أبا بكر الصدّيق يتولى الخلافة ويقول على المنبر: (أما بعد فإني قد وُليت عليكم ولست بخيركم) (3).

ورأينا علي بن أبي طالب تُعرض عليه الخلافة فيقول (أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً) (4) ويخطب على منبر الكوفة فيقول: (خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر) (5).


(1) مهزلة العقل البشري ص246
(2) وقد أحسن الإمام ابن عبد البر فيما ذكره في "الاستذكار 14/ 241" حيث يقول: (وقد أجمع علماء المسلمين أنّ الله تعالى لا يسأل عباده يوم الحساب: من أفضل عبادي؟ ولا هل فلانٌ أفضل مَنْ فلان؟ ولا ذلك مما يُسأل عنه أحدٌ في القبر، ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مدح خصالاً وحمد أوصافاً، من اهتدى إليها حاز الفضائل، وبقدر ما فيه منها كان فضله في ظاهر أمرِه على من لم يَنَلها، ومن قصر عنها لم يبلغ في الفضل منزلة من ناله).
(3) صفة الصفوة 1/ 260
(4) نهج البلاغة- (92) (ومن خطبة له (ع) لما أريد على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه).
(5) مسند أحمد – حديث رقم (836) و (837) بسند صححه شعيب الأرنؤوط، وقد أشار ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة 1/ 178 إلى مظان الرواية في الكتب بألفاظها المتعددة راداً على المشككين فيها أو الزاعمين أنها جاءت من طريق التقية، بينما نص ابن تيمية في منهاج السنة النبوية 1/ 308 على أنه (قد تواتر عنه رضي الله عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر" روى ذلك عنه من أكثر من ثمانين وجهاً ورواه البخاري وغيره، ولهذا كانت الشيعة المتقدمون كلهم متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر كما ذكر ذلك غير واحد).

ورأينا عمر بن الخطاب يقول (يرحم الله أبا بكر ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه) (1) وهكذا.

كل رجل منهم كان يدفع الفضل عن نفسه، وينسبه إلى صاحبه إذ كان هاجسهم العمل وخدمة هذا الدين لا المفاضلة والافتخار على بعضهم البعض.

وإني أقول هذا وأنا أعلم أنّ من الناس من سيقرأ كلامي هذا غير آبه به، فالقضايا الهامشية التي ننتقد التركيز عليها وإثارتها هي أكبر قضايا الإسلام عنده!

ولهؤلاء أهدي لهم الحوار اللطيف الذي دار بين الحسين بن إسماعيل المحاملي وأبو بكر الداوودي في المفاضلة بين أبي بكر وعلي رضي الله عنهما.

فقد ذكر ابن الجوزي في كتابه "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" أنّ أبا بكر الداوودي قال يوماً في مجلس قد جمعه مع الحسين بن إسماعيل: والله ما تقدر تذكر مقامات علي مع هذه العامة، فقال له الحسين بن إسماعيل: أنا والله أعرفها، مقامه ببدر وأحد والخندق ويوم خيبر قال: فإن عرفتها فينبغي أن تقدّمه على أبي بكر وعمر.

قلت: قد عرفتها ومنه قدّمت أبا بكر وعمر عليه، قال: من أين؟

قلت: أبو بكر كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على العريش يوم بدر، مقامه مقام الرئيس، ينهزم به الجيش، وعليّ مقامه مقام مبارز، والمبارز لا ينهزم به الجيش، وجعل يذكر فضائله وأذكر فضائل أبي بكر، فقلت: لا تنكر لهما حقاً، ولكن الذين أخذنا عنهم القرآن والسنن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدّموا أبا بكر فقدّمناه لتقديمهم فالتفت أحمد بن خالد فقال: ما أدري لم فعلوا هذا؟ قلت: إن لم تدر فأنا أدري، قال: لم


(1) مسند أحمد – حديث رقم (4340)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

فعلوا؟ فقلت: إنّ السؤدد والرياسة في الجاهلية كانت لا تعدو منزلتين إما رجل كانت له عشيرة تحميه وإما رجل كان له فضل مال يفضل به، ثم جاء الإسلام فجاء باب الدين، فمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس لأبي بكر مال، ولم تكن تيم لها مع عبد مناف ومخزوم تلك الحال (1)، فإذا بطل اليسار الذي كانت ترأس به قريش أهل الجاهلية فلم يبق إلا باب الدين فقدّموه له، فأُفحم الداوودي (2).

أقول: قد أحسن الحسين المحاملي فيما ذكره لكن بقي الإشارة إلى مسائل أخرى.

إنّ الشيعة الإثني عشرية يقارنون بين الإمامين أبي بكر وعلي فيقولون: إنّ علياً أول الناس إسلاماً ولذا فهو أحق من أبي بكر بالخلافة.

لقد تتبعت أقوال المؤرخين في المسألة فوجدتهم قد اختلفوا في أول الناس إسلاماً اختلافاً لا يُمكن الترجيح فيه ترجيحاً تاماً، وسواء أكان إسلام أبي بكر متقدماً على إسلام علي أو العكس، فإنّ هذا لن يغيّر شيئاً.

فالتاريخ يشهد بأنّ الإمام علياً كان صغير السن في بداية البعثة النبوية (3)، وعطاء الصبي ليس كعطاء الكبير، فالصبي قد يُستعان به في قضاء بعض الحوائج التي يطيقها الصغار لكنه


(1) يقصد أنّ (تيم) قبيلة أبي بكر الصدّيق، لم تكن لها رياسة وسطوة ونفوذ كرياسة ونفوذ وسطوة عبد مناف ومخزوم، ومع هذا قدّم الصحابة أبا بكر الصدّيق وهو رجل بلا مال ولا نفوذ.
(2) المنتظم 14/ 22 (ترجمة الحسين بن إسماعيل بن محمد المحاملي المتوفى سنة 330هـ).
(3) لم يبرز دور الإمام علي في مساندة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفترة المكية إلا بنومه في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبيل الهجرة النبوية أي بعد 13 سنة تقريباً من البعثة، وقلة عطاء الإمام علي في بداية البعثة لم يكن لتقصيره رضي الله عنه في مساندة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن حداثة السن لها دورها الذي لا ينبغي تجاهله، ولهذا لما شبّ ساند النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الهجرة بالنوم في فراشه وإيهام الكفار بأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرج للهجرة، ثم ظهر دوره جلياً في المدينة = =كما هو معلوم ففاق بجهاده ونصرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الكثير من الصحابة، لكن المنصف الذي يعرف لعلي حقه وفضله وجهاده وتضحيته لن ينسى حق وفضل وجهاد وتضحية أبي بكر وبالذات في بداية البعثة التي كانت بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام أشد وأصعب الأيام التي عاشها.

لا يتصور فيه أن تقام على يديه دعوة أو نصرة دين، وإنما يُتصور ذلك في الكبار بقدر ما لديهم من العطاء والصمود.

ولهذا جاء في حديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه وهو يحكي قصة إسلامه ما يدل على هذا المعنى حيث يقول: (كنت وأنا في الجاهلية أظن أنّ الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستخفياً جُرآءُ (1) عليه قومه، فتلطّفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت (2)؟ قال: أنا نبي فقلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يُوحّد الله لا يُشرك به شيء، قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد قال: -ومعه يومئذ أبو بكرٍ وبلالٌ ممن آمن به-، فقلت: إنّي مُتّبِعُكَ، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتِني ...) (3) وفي مسند أحمد (قلت: آلله أرسلك، قال: نعم، قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: بأن يُوحّد الله ولا يُشرك به شيء، وكسر الأوثان وصلة الرحم، فقلت له: من معك على هذا، قال: حر وعبد أو عبد


(1) جمع جريء كبرئ وبرآء من الجراءة، وهي: الإقدام والتسلط.
(2) ولم يقل: من أنت، لأنه سأله عن صفته لا عن ذاته، والصفات مما لا يُعقل.
(3) صحيح مسلم –كتاب فضائل القرآن وما يتعلق به - باب إسلام عمرو بن عبسة – حديث رقم (832).

وحر، وإذا معه أبو بكر بن أبي قحافة وبلال مولى أبي بكر) (1).

فلم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن عبسة وهو يعرض عليه الإسلام بأنه يتقوّى بطفل في دعوته لهذا الدين، لأنّ الطفل ضعيف لا يُتقوّى به ولا يُنتصر به عند عامة العقلاء، اللهم إلا عند أهل العناد والمكابرة والتعصب المقيت، فهؤلاء لهم مقاييس أخرى لا تخضع لدين ولا لعقل ولا لمنطق!

ولهذا لم يذكر التاريخ للإمام علي في بداية البعثة النبوية أمراً تنتصر به الدعوة الإسلامية في بداية ظهورها سوى مساندته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في تكسير بعض الأصنام سراً (2) وهي مسألة لا يمكن أن تقارن بمجابهة أبي بكر الصدّيق للكفار وجهاً لوجه في أكثر من موطن، حين يدافع عن نبي الله (3) أو ينفق أمواله في سبيل الله لعتق رقاب المعذبين في الله


(1) مسند أحمد – حديث رقم (17060)، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(2) فقد روى أحمد في مسنده (حديث رقم 644) عن أبي مريم عن علي رضي الله عنه أنه قال: (انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اجلس وصعد على منكبي، فذهبت لأنهض به، فرأى مني ضعفاً، فنزل، وجلس لي نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: اصعد على منكبي، قال: فصعدت على منكبيه، قال: فنهض بي، قال: فإنه يُخيل إليّ أني لو شئت لنلت أفق السماء، حتى صعدت على البيت، وعليه تمثال صُفر أو نحاس، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله: اقذف به، فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير، ثم نزلت، فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس)، والرواية إسنادها ضعيف كما بين ذلك الشيخ شعيب الأرنؤوط، ففيها (أبو مريم الثقفي) وهو مجهول، و (نعيم بن حكيم) قال عنه النسائي: ليس بالقوي وقال ابن سعد: لم يكن بذاك.
(3) ففي حديث البخاري (بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة ابن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاُ شديداً، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّه} وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟).

كبلال الحبشي وأمه حمامة وعامر بن فهيرة (1) وأم عبيس (2) وزنّيرة (3) والنهدية وابنتها (4) وجارية بني مؤمِّل وجارية بني عَدِي رضي الله عنهم.

لقد تحمّل أبو بكر من الإهانة بمكة بعد العناء والعذاب في الله عز وجل، والصبر على أعداء الله والسكون على الإقامة بالجوار بعد أن كان يذمُ ويَشفَعُ في الناس، ولا يستطيع أحد دفعه.

فمِن ذلك أنه قام يوماً خطيباً عند الكعبة يدعوهم إلى الله تعالى وإلى اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضربه المشركون ضرباً شديداً، وممن ضربه عتبة بن ربيعة حيث جعل يضربه على وجهه بنعلين مخصوفتين حتى ما يُعرف وجهه من أنفه (5).

حتى جاء بنو تيم يتعادون، فأجلوا عنه ضاربيه وحملوه في ثوب إلى منزله، ولا يشكون في موته، لكن الله تعالى حفظه.

أقول هذا وأنا أعلم أنّ هناك عقولاً جوفاء ستتهمني مباشرة بالنصب أو بالإساءة للإمام علي وعدّ ما شئت من تهم، لأنّ المشكلة الحقيقية التي تعتري هذا النوع من النقاش هي أنك تتناقش مع عقول لا تريد أن تفهم، وإنما بُرمجت منذ أمد بعيد على أن ترى الإمام علياً فوق


(1) صحابي جليل شهد بدراً وأحداً وقُتل يوم بئر معونة شهيداً.
(2) كانت فتاة لبني تيم بن مرة فأسلمت فاستضعفها المشركون وعذبوها فاشتراها أبو بكر وأعتقها، وقد كنيت بابنها عبيس بن كريز.
(3) كانت من السابقات إلى الإسلام وقد كان أبو جهل يعذبها لأجل إيمانها فاشتراها أبو بكر وأعتقها.
(4) كانتا لامرأة من بني عبد الدار، وقد كانت تحلف بالله أن لا تعتقهما أبداً، فاشتراهما أبو بكر وأعتقهما.
(5) البداية والنهاية 3/ 39 - 40

مستوى البشرية، وأن لا تقبل الحقيقة كما هي ولا ترضخ حتى للتاريخ الذي لا يحابي أحداً من الناس.

إنّ التاريخ ليشهد بأنّ أول من أسلم من الصحابة ونصر الإسلام بنفسه وأهله وماله هو أبو بكر الصدّيق، فكان أول من صدّقه حين كذَّبه الناس، وواسى رسولنا الكريم بنفسه وماله، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخاطب الصحابة: (إنّ الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي) (1).

أما المسارعة إلى الإسلام وعدم التردد فتفوق فيها الإمام أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له عنده كبوة وتردد غير أبي بكر (2)، فإنه لم يتلعثم) (3).


(1) رواه البخاري – كتاب فضائل الصحابة – باب (لو كنت متخذاً خليلاً) – حديث رقم (3461) وسنن البيهقي الكبرى- باب شهادة أهل العصبية – حديث رقم (20884).
(2) قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية 1/ 121": (فإنّ الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية ولا فكر ولا نظر بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مادحاً للصديق: (ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم)، ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضاً سريعة من غير نظر ولا روية لأنّ أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضي الله عنهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذي أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه، وقال: (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)).
(3) الشيخان أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب وولدهما برواية البلاذري في أنساب الأشراف ص21 ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 163 - 164

أما الإمام علي فقد روى ابن إسحاق أنه جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد إسلام خديجة رضي الله عنها، فوجدهما يصليان، فقال علي: ما هذا يا محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (دين الله الذي اصطفاه لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده وإلى عبادته، وتكفر باللات والعزى)، فقال له علي: هذا أمر لم أسمع به من قبل اليوم، فلست بقاض أمراً حتى أحدّث أبا طالب، فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفشي سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: (يا علي، إذا لم تسلم فاكتم)، فمكث علي تلك الليلة، ثم إنّ الله أوقع في قلب علي الإسلام، فأصبح غادياً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى جاءه فقال: ما عرضت عليّ يا محمد؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد، ففعل عليّ وأسلم (1).

والغريب أنّ الشيعة الإثني عشرية على غلوهم المعروف في الإمام علي قد رووا تردده رضي الله عنه في قبول الإسلام أول مرة، وطلبه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الإمهال قائلاً: (إنّ هذا مخالف دين أبي، وأنا أنظر فيه) (2).

فإذا ثبت من طريق الفريقين أنّ أبا بكر قد أسلم طوعاً ودون تردد وتلعثم وأنّ علياً رضي الله عنه طلب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إعطاءه فرصة للتفكير لأنّ دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم جديدة بالنسبة له، فعن أي مفاضلة يتكلم الشيعة الإثنا عشرية؟!

على أني أقولها وبضرس قاطع: إنّ إسلام أبي بكر قبل علي أو إسلام علي قبل أبي بكر، لن يجعل أحدهما مستحقاً للخلافة على الآخر، فالخلافة وقيادة الناس لها شروطها ومؤهلاتها وليس من هذه المؤهلات أن يكون الرجل قد أسلم قبل الذين سيحكمهم بيومين أو ثلاثة!

أما مبيت الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان في نهاية الفترة المكية فليس بأفضل من هجرة الإمام أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بما صاحبها من مخاطر ومشقة وعناء.

ولذلك ذكر الله تعالى فضيلة نصرة أبي بكر الصدّيق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالهجرة في القرآن الكريم فقال {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيم} ولم يذكر مبيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالفراش، لأنّ خروج أبي بكر الصدّيق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه مخاطرة بالحياة ومشقة ومطاردة أما المبيت فلم يكن كذلك إذ إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في روايات المبيت قد أخبر الإمام علي بأنه لن يمسه سوء.

قال ابن إسحاق: (فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: نم على فراشي

 


(1) أسد الغابة 1/ 790 والبداية والنهاية 3/ 34
(2) سعد السعود ص216 للعلامة الشيعي علي بن موسى بن طاووس الحسيني (المتوفى سنة 664هـ).
وقد أثنى الحر العاملي في "أمل الآمل في علماء جبل عامل 2/ 205" على ابن طاووس بقوله: (حاله في العلم والفضل والزهد والعبادة والثقة والفقه والجلالة والورع أشهر من أن يذكر، وكان أيضاً شاعراً أدبياً منشئاً بليغاً).
وقال السيد التفريشي في "نقد الرجال 3/ 303: (من أجلاء هذه الطائفة وثقاتها، جليل القدر، عظيم المنزلة كثير الحفظ، نقي الكلام، حاله في العبادة أشهر من أن يذكر، له كتب حسنة رضي الله عنه).

وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم) (1).

فأخبره الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بأنه لن يمسّه مكروه.

وهو ما يقرّ به كبار علماء الشيعة الإثني عشرية في كتبهم عند تقريرهم لهذه المسألة.

يقول الشيخ جعفر السبحاني: (روى المحدثون أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد الهجرة خلّف علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقال صلى الله عليه وآله وسلم له: يا علي، اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ثم نم على فراشي فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله عز وجل، ففعل ذلك عليه السلام) (2).

ونصّ على ذلك أيضاً الشيخ محمد باقر الخرسان في تعليقه على عبارة: (أنا وقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسي في الغار) من كتاب "الاحتجاج" للطبرسي (3).

فهل تستوي تضحية من يعلم يقيناً بأنّ القوم لن يمسوه بسوء بمن أقدم على الموت بنفسه وعرّض أهله للخطر والهلاك معه في رحلة الهجرة (4)؟


(1) السيرة النبوية 3/ 8
(2) مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) 10/ 229
(3) هامش ص160 من كتاب الاحتجاج
(4) فقد كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر في الغار كل مساء بالطعام، وكان عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه يتسمّع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر ما يقوله الناس عنهما في النهار، فيأتيهما به بالليل في الغار، ثم يرجع إلى مكة في السَّحر ليصبح مع قريش وكانت مهمة عامر بن فُهيرة وهو مولى أبي بكر رضي الله عنه يرعى غنم أبي بكر في النهار ثم يُريحها عليهما في الغار إذا أمسى ليطعما من ألبانها ويزيل بمسيره بالغنم آثار أقدام عبد الله بن أبي بكر لئلا يلحظ المشركون أثره عند الغار (راجع: فتح الباري 15/ 91 - 92 والسيرة النبوية لابن إسحاق).

وإذا ضُمّ إلى ذلك كله ما يعتقده الشيعة الإثنا عشرية في الإمام علي من أنه إمام منصوص عليه كوصي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بحديث الدار (1) وأنّ الوصي لا يكون وصياً إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنّ هذا مُلزمٌ للشيعة الإثني عشرية بأن يعترفوا بأنّ تضحية الإمام علي رضي الله عنه في المبيت بفراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقارن بتضحية أبي بكر رضي الله عنه في رحلة الهجرة.

بل إننا نستطيع إلزام الشيعة الإثني عشرية بالإقرار بأنّ علياً رضي الله عنه قد بات في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مطمئن النفس إلى أنّ أحداً لن يمسه بسوء دون حتى أن يحتاج إلى طمأنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، كيف لا وهم يزعمون بأنّ الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم (2)، وأنهم يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء (3)، وأنه لا يُغسّل الإمام ولا يدفنه إلا إمام مثله (4)


(1) يعتبر حديث الدار أحد أبرز النصوص التي يستدل بها الشيعة الإثنى عشرية على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه النصية وسيأتي الحديث عنه تفصيلاً.
(2) وهو أحد أبواب كتاب الكافي للكليني وبصائر الدرجات للصفار وبحار الأنوار للمجلسي وغيرهم، وقد ذكر الكليني تحت هذا الباب ثماني روايات، وذكر الصفار في بصائر الدرجات ص500 أربع عشرة رواية بينما اكتفى المجلسي في بحار الأنوار 27/ 285 - 287 بذكر ستة روايات.
(3) وهو أحد أبواب كتاب الكافي للكليني وقد ذكر فيه ست روايات، أما المجلسي فذكر في هذا الشأن اثنان وعشرون روايات شيعية كلها تؤكد هذا المعنى وهذا الاعتقاد (انظر: بحار الأنوار 26/ 109 - 117 تحت عنوان (وأنه عرض عليهم ملكوات السماوات والأرض ويعلمون علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة).
(4) وهو أحد أبواب كتاب بحار الأنوار للمجلسي 27/ 288 (باب أنّ الإمام لا يغسّله ولا يدفنه إلا إمام وبعض أحوال وفاتهم عليهم السلام) وقد ذكر فيه سبع روايات.

والإمام علي رضي الله عنه لم يكن إذ ذاك قد تزوج أصلاً (1) حتى يغسّله إمام من أبنائه إذا ما قتله المشركون، فهو وفقاً لنظرية الإمامية يعلم علم اليقين أنه لن يمسه سوء!

فإن قائل: إنّ الإمام علي بن أبي طالب أشجع الصحابة وعدّد مآثره العظيمة في خيبر وغيرها، مستدلاً بذلك على أحقيته بالخلافة من أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه.

أجبته بقولي: لا ريب بأنّ الإمام علياً من أشجع الصحابة وأربطأهم جأشاً، فمنازلاته في المعارك تشهد له بذلك، لكننا نتكلم عن مؤهلات خلافة وحكم، فالإمام علي تميّز بكونه محارب من الطراز الأول، فهو من هذه الناحية قد تفوق على أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ولا ريب، لكن الخلافة والحكم لا يحتاجان إلى جندي محارب حتى يُستشهد ببطولات الإمام علي وتميزه في القتال وإنما يحتاجان إلى قيادة فاعلة وذات سيادة، وفي هذه تفوق أبو بكر الصدّيق على علي بن أبي طالب، فإنّ أبا بكر الصدّيق وهو من قبيلة (تيم) الضعيفة التي لا تمثل بالنسبة لقريش الكثير استطاع أن يقود المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وظهور أمر مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح وأمثالهم فانتصر وأعطى للجزيرة العربية الثبات والاستقرار بعد انفلات الأمر وظهور حركات المرتدين المذكورة، بينما لم يستطع الإمام علي وهو من بني هاشم الذين لهم ثقلهم السياسي والقبلي في العرب أن يسيطر على الأوضاع عند اختلاف المسلمين فيما بينهم إثر مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله


(1) الثابت أنّ علياً رضي الله عنه تزوج فاطمة رضي الله عنها في السنة الثانية من الهجرة كما نقل ذلك الذهبي في "سير أعلام النبلاء 2/ 119" في ترجمته لفاطمة رضي الله عنها حيث نصّ على أنّ الزواج كان سنة اثنتين من الهجرة بعد وقعة بدر، وقال صاحب "عون المعبود 6/ 114": تزوجها علي رضي الله عنه في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان وبنى عليها في ذي الحجة، فيما يرى الشيخ المفيد –وهو من كبار علماء الإمامية– أنّ الزواج كانت ليلة خميس سنة ثلاث من الهجرة النبوية كما نقل ذلك المجلسي في البحار 43/ 92، وعلى كل الأحوال فإنّ الزواج لم يتم إلا بعد الهجرة بسنتين أو أكثر.

عنه، هذا أمر واقعي سطّره التاريخ ولا بد لنا أن نتمعن فيه، إنّ الإمام علي قد تفوق على الإمام أبي بكر في المبارزة والقتال لكنه لم يتفوق عليه في القدرة على قيادة الأمة واحتواء التيارات السياسية المتنافسة في المجتمع الإسلامي وجمعها على كلمة واحدة، هذه هي الحقيقة دون تجميل أو محاباة.

أما مسألة الشجاعة فمن الذي قال بأنّ الشجاعة يُمكن أن تقاس بالقتال فقط؟

(إنّ الشجاعة ليست بكثرة قتل اليد ولا قوة البدن، فإنّ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أشجع الخلق كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كنا إذا احمرّ البأس ولقي القومُ القومَ كنا نتّقي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يكون أقرب إلى القوم منا.

وقد انهزم أصحابه يوم حنين وهو على بغلة يسوقها نحو العدو، ويتسمّى بحيث لا يُخفي نفسه ويقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطّلب

ومع هذا فلم يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده إلا واحداً وهو أُبيّ بن خلف قتله يوم أحد.

وكان في الصحابة من هو أكثر قتلاً من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وإن كان لا يفضل عليهم في الشجاعة، مثل البراء بن مالك أخي أنس بن مالك، فإنه قتل مئة رجل مبارزة غيرَ من شركَ في دمه.

ولم يقتل أحدٌ من الخلفاء على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا العدد، بل ولا حمزة سيد الشهداء - وهو أسد الله ورسوله – لم يقتل هذا العدد، وهو في الشجاعة إلى الغاية) (1).

وثبات أبي بكر الصدّيق وحده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بداية البعثة حيث لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرجال سواه، وثباته بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ تزلزل الناس إلى حد حسمه الأمر بالوقوف خطيباً في الناس قائلاً: (أيها الناس، من كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حي لا يموت) كله يؤكد أهلية أبي بكر الصدّيق لتولي قيادة الأمة الإسلامية على غيره وهو ما فعله المهاجرون والأنصار دون تردد.

هذه بعض الردود التي ارتئيتها في حسم مسألة المفاضلة مع ما أشعر به من الضيق من الاسترسال في مثل هذه الأمور التي لا تفيد ولا تنفع، يكفيني أنهما فاضلان مؤمنان نصرا الإسلام حين خذله الآخرون، قدّما أنفسهما وأهليهما وأموالهما في سبيل نصرة هذا الدين، فما ينفعني بعد ذلك من كان أفضل منهما من الآخر؟!

 


(1) جامع المسائل لتقي الدين ابن تيمية ص247 - 249 بتصرف.

  • السبت PM 07:24
    2022-05-21
  • 5839
Powered by: GateGold