المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411922
يتصفح الموقع حاليا : 339

البحث

البحث

عرض المادة

نهج البلاغة ينقض عقيدة الإمامة التي يعتقدها الشيعة الإثنا عشرية

حتى كتاب نهج البلاغة الذي يستشهد به الشيعة الإثنا عشرية على الإمامة في بعض مقتطفاته هو نفسه أول من يقدح في عقيدة الإمامة التي يتبناها ذاك الفكر وينقضها.

لقد قالها الإمام علي بن أبي طالب بكل وضوح: (دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول. وإنّ الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت لكم ما أعلم، ولم أُصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيراً، خير لكم مني أميراً!) (1).

ولو كانت إمامة علي بن أبي طالب منصوصاً عليها من الله عز وجل لما جاز للإمام تحت أي ظرف من الظروف أن يقول للناس: (دعوني والتمسوا غيري) أو أن يقول: (أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً)، كيف والناس تريده وجاءت لتبايعه؟!


(1) نهج البلاغة ص136 رقم (92) (ومن كلام له عليه السلام لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان).

حاول أيها القارئ أن تسترجع معي قول كاشف الغطاء: (إنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوة) لتتخيل نبياً من أنبياء الله يقول للناس: (دعوني والتمسوا لكم نبياً غيري، أنا لكم مرشداً أو وزيراً خير لكم من أن أكون نبياً)!

أيُعقل هذا؟ أيجوز هذا؟ ألا يُعتبر هذا رداً لأمر الله – إن جاز لنا أن نقول إنّ الإمامة من الله لا بالشورى والبيعة – كما تقول الإمامية بذلك؟!

ولذلك لا تعجب أيها القارئ من ظهور فرقة متطرفة اسمها (الكاملية) كانت في البداية تتولى علياً وتحبه ثم ما لبثت أن انقلبت على عقبيها وكفّرته مدّعية أنه بدّل وأحدث في الدين!

يقول المؤرخ الشيعي (النوبختي) (1) في كتابه "فرق الشيعة": (وشذّت فرقة من بينهم يُقال لها الكاملية، فأكفرت علياً عليه السلام، وجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أكفروا علياً بتركه الوصية، وتخليته الولاية، وتركه القتال على ما عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وآله!) (2)

فالكاملية رغم أنها أكثر تطرفاً وضلالاً من الفرق الشيعية التي كفّرت الصحابة على العموم واستثنت علياً ونفراً يسيراً لا يتجاوزون السبعة إلا أنها أكثر واقعية، لأنها طبقت المذهب بحذافيره، فالمذهب يرفع من شأن الإمامة إلى حد الإيمان والكفر، ومقولة الإمام علي في نهج البلاغة فيها تساهل كبير في قضية الخلافة بل وتخلٍ عنها، والمنصف سيجد نفسه أمام أمرين: إما أن يرى بعينيه الغلو الفاحش في الإمامة عند الإثنى عشرية ويدرك أنّ الإمام علياً كان بعيداً كل البعد عن هذه المغالاة، وإما أن يكون مع الكاملية فيكفّر الكل، يكفّر من غصب الخلافة ومن تساهل فيها ورفضها وهي من أعظم أركان الدين!

وقد ناقشت أحد علماء الشيعة في هذه القضية بالذات في مجلس خاص جمعني وإياه مع زميلين أحدهما سني والآخر شيعي، وكان هذا العالم يحاول قدر المستطاع أن يجد العذر للإمام علي في تلفظه بهذه الكلمات –وهو في الحقيقة لا يعتذر للإمام وإنما يعتذر لنظرية الإمامة التي وُضعت بهذا النص على المحك الفعلي– فكان مما قاله: إنّ الإمام علياً لم يرفض الخلافة وإنما أراد أن يذكرهم بغصب الخلفاء ومظلوميته (على حد قوله)، فقلنا له: كان بإمكانه أن يُعبّر عن فكرته هذه بطريقة أخرى، لكن كلامه كان واضحاً في بيان أنه لا ينظر للإمامة على أنها من الله وإنما يتكلم عنها على أساس بشري، ثم قلنا له: لا يجوز للنبي أن يرفض اعتراف الناس بنبوته مطالباً إياهم باختيار آخر بحجة أنه يريد تذكيرهم بحادثة معينة أو بظُلم وقع عليه، والإمامة عندكم منصب إلهي كالنبوة، فكيف جاز للإمام علي أن يعلن التنازل عنها أو رفضها؟! ألا يُعد هذا كفراً ورداً لأمر الله تعالى؟!

فلم يجبنا بشيء وانتقل بنا إلى موضوع آخر، كعادة من نتحاور معهم في هذا الشأن، فتراهم يقفزون من موضوع إلى آخر، فتأتيه بحجة في موضوع الإمامة فيذهب بك بعيداً نحو أم المؤمنين عائشة وخروجها في موقعة الجمل، فترد عليه بالحجج فيقفز بك فجأة إلى أبي هريرة ورواياته في السنة، وهكذا تدور العجلة!

وإذا ما عاد الحديث عن "نهج البلاغة" وما فيه من الحجج الباهرة الداحضة لفكرة (الوصية) والإمامة الإلهية، فإننا سنقف عند قول الإمام علي: (أيها الناس؛ إنّ أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل

 


(1) الحسن بن موسى النوبختي، ترجم له النجاشي في "رجاله ص63" فقال: (شيخنا المتكلم المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها)، وقال عنه التفريشي في "نقد الرجال 2/ 67": (كان إمامياً، حسن الاعتقاد نسخ بخطه شيئاً كثيراً، وله مصنفات كثيرة في الكلام والفلسفة وغيرهما).
(2) فرق الشيعة ص28

ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس؛ ما إلى ذلك من سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها؛ ثم ليس للشاهد أن يرجع، ولا للغائب أن يختار) (1).

فليست الإمامة حكراً على اثني عشر من دون سائر الخلق بل في كلام الإمام علي ما يؤكد أنّ أحق الناس بإمامة المسلمين أقواهم على إقامة حكم الله تعالى وأعلمهم بدين الله تعالى مطلقاً، وليست العبرة بأشخاص منصوص عليهم سلفاً.

وفي تتمة خطبته يرد رداً قاصماً على كل من يطعن في خلافة أبي بكر الصدّيق بحجة أنّ البعض تخلف عنها في البداية كما يفعل بعض المتعصبين اليوم، فيقول: (ولعمري لئن كانت الإمامة (2) لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس؛ ما إلى ذلك من سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار).

ويقول في "النهج" أيضاً كلاماً أكثر صراحة وأشد وضوحاً: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى) (3).

وقد أثار الإمام علي بهذه العبارة حقائق جديرة بالاهتمام حيث يجعل:

أولاً: الشورى للمهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبيدهم الحل والعقد.

ثانياً: اتفاقهم على شخص سبب لمرضات الله وعلامة لموافقته سبحانه وتعالى إياهم.

ثالثاً: لا تنعقد الإمامة في زمانهم دونهم، وبغير اختيارهم.

رابعاً: لا يرد قولهم ولا يخرج عن حكمهم إلا المبتدع الباغي المتبع غير سبيل المؤمنين.

خامساً: أنه جعل صحة خلافته مبنية على صحة خلافة من سبقه، فإنه صار خليفة للمسلمين بمبايعة من بايع أبا بكر وعمر وعثمان.

فأين هم الشيعة الإثنا عشرية عن هذه التصريحات الهامة؟!


(1) نهج البلاغة ص247 رقم (173) (ومن خطبة له عليه السلام في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن هو جدير بأن يكون للخلافة).
(2) يلاحظ هنا أنّ الإمام علي لم يكن يفرّق بين (الإمامة) و (الخلافة) كما يفعل الشيعة اليوم، فيرون أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوة وأنّ الخلافة حكم فحسب، بل نص على أنّ الإمامة خاضعة للبيعة ولاختيار الناس وليست منصباً إلهياً.
(3) نهج البلاغة ص366 رقم (6) (ومن كتاب له (ع) إلى معاوية).

  • السبت PM 07:13
    2022-05-21
  • 989
Powered by: GateGold