المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409001
يتصفح الموقع حاليا : 284

البحث

البحث

عرض المادة

القول بالإمامة الإلهية بعد النبي طعن في ختم نبوته

تأملت كثيراً الروايات الشيعية التي تتحدث عن الأئمة وفضائلهم وتفكرت في الحكمة التي من أجلها جعل الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ثم تساءلت ما (إذا كان الأئمة الإثنا عشر هم (أبواب الله والسبل إليه) (1) و (حُجب الرب والوسائط بينه وبين الخلق) (2) و (أنّ الناس لا يهتدون إلا بهم وأنهم الوسائل بين الخلق وبين الله وأنه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم) (3) وأنهم (حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي) (4) وأنه (لا يجوز الرد عليهم، والراد عليهم راد على الرسول والراد على الرسول كالراد على الله تعالى) (5) وأنّ (الأحكام الشرعية الإلهية لا تُستقى إلا من نمير مائهم ولا يصح أخذها إلا منهم) (6) وأنهم (يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل) (7) وأنّ


(1) عقائد الإمامية للمظفر ص69
(2) بحار الأنوار 23/ 97
(3) بحار الأنوار 23/ 99
(4) عقائد الإمامية للمظفر ص67
(5) نفس المصدر
(6) نفس المصدر
(7) الكافي 1/ 255

(الأئمة لم يفعلوا شيئاً إلا بعهد من الله عز وجل وأمر منه لا يتجاوزونه) (1) وأنّ (الملائكة تدخل بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار) (2) وأنهم (يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء) (3) و (أنّ الجن خدامهم ويظهرون لهم ويسألونهم عن معالم دينهم) (4) وأنّ (عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها) (5) و (أنه ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة) (6) و (أنهم يخاطبون ويسمعون الصوت ويأتهم صور أعظم من جبرئيل وميكائيل) (7) و (أنّ ما فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد فوّض إلى الأئمة عليهم السلام) (8) فما معنى أن يكون محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين إذا كانت صلاحيات النبي كلها مستمرة بعده؟!!

ما معنى أن يكون رسول الله خاتم الأنبياء وهناك رجال بعده معصومون وملهمون وواجبوا الاتباع ولهم من المعجزات الدالة على إمامتهم ما للنبي من معجزات تدل على نبوته بل أعظم من هذا! ولماذا نصّ القرآن على عقيدة ختم النبوة ما دام الأمر كذلك؟!!


(1) الكافي 1/ 279
(2) الكافي 1/ 393
(3) بحار الأنوار 27/ 29
(4) بحار الأنوار 27/ 13 - 24 ومثله في الكافي 1/ 394 فيه (7) أحاديث.
(5) الكافي 1/ 227
(6) الكافي 1/ 399
(7) بصائر الدرجات ص251
(8) بصائر الدرجات ص403

هل القضية هي مجرد إيقاف استخدام مصطلح (نبي) واستبداله بمصطلح (إمام) بحيث لا يبقى فرق بين النبي والإمام إلا بالاسم فقط؟!! هذا إذا تناسينا النصوص التي تفضّل الإمام على النبي!

إنّ علماء الشيعة يدركون بأنّ إضفاء قدسية كهذه على الأئمة وإعطاءهم هذه المزايا التي لم تُعرف إلا في الأنبياء يجعل التفريق بينهم صعباً للغاية!!

يقول الشيخ محمد رضا المظفر في "عقائد الإمامية": (نعتقد أنها (أي الإمامة) كالنبوة لطف من الله تعالى، فلا بد أن يكون في كل عصر إمام هاد يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر وإرشادهم إلى ما فيه من الصلاح والسعادة في النشأتين، وله ما للنبي من الولاية العامة على الناس لتدبير شؤونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم ورفع الظلم عنهم والعدوان من بينهم) (1).

ويقول الإمام محمد آل كاشف الغطاء في كتابه "أصل الشيعة وأصولها": (إنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوة فكما أنّ الله يختار للنبوة من يشاء فكذلك يختار للإمامة من يشاء ويأمر نبيه بالنص عليه) (2).

وقد وردت رواية في "الكافي" تحصر الفرق بين النبوة والإمامة في طريقة الوحي، فعن الإمام الرضا قال: (الفرق بين الرسول والنبي والإمام: أنّ الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي، وربما رأى في منامه نحو رؤيا ابراهيم عليه السلام


(1) عقائد الإمامية ص65
(2) أصل الشيعة وأصولها ص211

والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص) (1). قال المظفّر في "الشافي شرح أصول الكافي": (الحديث صحيح إسناده) (2).

وروى الكليني عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (الأئمة بمنزلة رسول الله إلا أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي فأما ما خلا ذلك فهم بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!!) (3).

وقال المجلسي تعليقاً على هذه الرواية: (يدل ظاهراً على اشتراكهم مع النبي صلى الله عليه وآله في سائر الخصائص سوى ما ذكر) (4).

إزاء هذه الأحاديث الصريحة التي تعد الفرق بين النبي والإمام شيئاً لا يُذكر ولا يؤثر سلباً أو إيجاباً على الناس الذين أُرسل إليهم النبي أو الإمام، لا يسع العلامة المجلسي إلا أن يصرّح بقوله: (ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم (5) بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء، ولا يصل عقولنا إلى فرق بين النبوة والإمامة) (6).

فاتصاف الأئمة بالإمامة بدلاً من النبوة كما يراه عالم من كبار علماء الشيعة ليس إلا رعاية لمقام محمد صلى الله عليه وآله وسلم النبي الخاتم فحسب!!

وعلى هذا المنوال ترى التصريحات الشنيعة عند علماء الإثني عشرية في هذا الباب.


(1) الكافي- كتاب الحجة- (باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث) – حديث رقم (2).
(2) الشافي شرح أصول الكافي 3/ 29
(3) الكافي-كتاب الحجة- (باب في أنّ الأئمة بمن يشبهون ممن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوة) –ح (7).
(4) بحار الأنوار 27/ 50
(5) أي الأئمة
(6) بحار الأنوار 26/ 82

فقد صرّح الشيخ المفيد بهذه الحقيقة قائلاً: (مَنَعَ الشرع من تسمية أئمتنا بالنبوة دون أن يكون العقل مانعاً من ذلك!!) (1).

فهو يرى أنه لولا الشرع لأطلق الشيعة الإثنا عشرية على الأئمة الإثني عشر لفظة (النبي) دون أدنى حرج إذ العقل يجوّزه!

وقد صرّح صدر الدين الشيرازي في "الحجة" بما هو أفظع إذ يقول وبكل جرأة: (فيجب أن لا تنقطع الإمامة التي هي والنبوة حقيقة واحدة بالذات متغايرة بالإعتبار عن ذريته، بل لا بد أن لا ينقطع معنى النبوة وما يجري مجراه عن وجه الأرض أبداً!!) (2).

إذاً ما أهمية عقيدة ختم النبوة طالما أنّ الوظائف والخصائص التي اختص بها الأنبياء دون الناس من عصمة وتبليغ عن الله ومعجزات وغيرها لم تتوقف بوفاة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل امتدت من بعده متمثلة باثني عشر رجلاً؟!!

ناقشت في هذه القضية كثيراً من الشيعة ولم أجد إجابة مقنعة أُرضي بها فضولي على الأقل إلا أنّ أحد طلبة الحوزة أجابني بقوله بأنّ الفرق هو أنّ الأئمة لا يُوحى إليهم.

وإذا كان الأمر كذلك فماذا يعني ما ترويه كتب الحديث الشيعية من أنّ الأئمة لا يفعلون شيئاً إلا بعهد من الله وأمر لا يتجاوزونه، أليس هذا وحياً؟!

وماذا عن الروايات السابقة التي تنص على نزول الوحي على الإمام وتحصر الفرق بين النبي والإمام في طريقة الوحي فقط أو حِلية النساء؟!


(1) أوائل المقالات ص49 - 50
(2) كتاب الحجة ص51

وماذا عن ما يرويه الكليني عن الإمام جعفر الصادق في تفسيره لقوله تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم}: (... إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا وفي أمر الناس بكذا وكذا ...) (1) أليس هذا وحياً؟!

ولماذا نختلف في توجيه النصوص وبين يدينا روايات واضحة من الأئمة أنفسهم تبين الفرق بين الإمام والنبي؟

روى الكليني عن الأحول قال: سألت أبا جعفر (ع) عن الرسول والنبي والمحدّث، قال: (الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلاً (2) فيراه ويكلّمه فهذا الرسول، وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان رأى رسول الله صلى الله عليه وآله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل عليه السلام من عند الله تعالى بالرسالة، وكان محمد صلى الله عليه وآله حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويُكلّمه بها قُبلاً ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويُحدّثه من غير أن يكون يرى في اليقظة، وأما المحدّث فهو الذي يُحدّث فيسمع، ولا يعاين ولا يرى في منامه) (3).

وقد صححه المجلسي في "مرآة العقول 2/ 289".

وروى الكليني كذلك حديثاً مشابهاً له عن إسماعيل بن مرّار قال: كتب الحسن بن العبّاس المعروفي إلى الرضا عليه السلام: جعلت فداك، أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام؟ قال: فكتب أو قال: الفرق بين الرسول والنبي والإمام، أنّ الرسول الذي ينزل


(1) الكافي-كتاب الحجة - (باب في شأن {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} وتفسيرها) - حديث رقم (3).
(2) أي عياناً ومقابلة
(3) الكافي-كتاب الحجة - (باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث) - حديث رقم (3).

عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه السلام، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص (1)، والروايات في هذا كثيرة (2).

وبهذا يتبين الفرق بين الأنبياء والرسل والأئمة في الوحي، فكلهم يُوحى إليهم ولكن الاختلاف إنما يكون في نمط وطريقة الإيحاء، وسواء كان الوحي عن طريق جبريل عليه السلام أو بسماع صوت فكل هذا وحي، والناس حينما تتبع نبياً أو رسولاً أو حتى إماماً لا تهتم بالطريقة التي جاء بها الوحي بل بكونه وحياً من الله والناس ملزمة باتباعه وإلا كانوا بذلك عاصين للموحى إليه وبالتالي عاصين لله عز وجل، فأي فائدة جنيناها من اعتقاد ختم نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذا كانت المسألة كذلك؟!!

وليت المسألة تقتصر على ما سبق، بل إنّك لتجد أنّ مقام الأئمة عند الشيعة أعلى وأسمى من مقام الأنبياء باستثناء محمد عليه الصلاة والسلام كما دلّت على ذلك الروايات المستفيضة عن الأئمة المعصومين وأقوال كبار علماء الإمامية السابقين واللاحقين.

يقول المجلسي أيضاً: (اعلم أنّ ما ذكره رحمه الله (3) من فضل نبينا وأئمتنا صلوات الله عليهم على جميع المخلوقات وكون أئمتنا أفضل من سائر الأنبياء هو الذي لا يرتاب فيه من تتبع أخبارهم عليهم السلام على وجه الإذعان واليقين، والأخبار في ذلك أكثر من أن


(1) الكافي- كتاب الحجة - (باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث) - حديث رقم (2).
(2) انظر: الكافي 1/ 176 وبحار الأنوار وغيرها.
(3) يعني (ابن بابويه القمي) المعروف بـ (الشيخ الصدوق).

تُحصى .. وعليه عمدة الإمامية ولا يأبى ذلك إلا جاهل بالأخبار) (1). وقد صنف علماء الإمامية في هذا مصنفات كثيرة (2).

وهي المقالة التي قررها الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية بقوله: (إنّ من ضروريات مذهبنا أنّ لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبي مرسل) (3).

وإذا كانت المساواة بين الإمام والنبي بحد ذاتها كفيلة بنسف عقيدة ختم النبوة، فكيف إذا كانت أعظم من مقام النبوة؟!!

إنّ تعارضاً صارخاً كهذا بين عقيدة الإمامة وعقيدة ختم النبوة يجلي بكل وضوح بطلان عقيدة الإمامة {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} (4).


(1) بحار الأنوار 26/ 297 - 298
(2) مثل كتاب تفضيل الأئمة على الأنبياء، وكتاب تفضيل علي عليه السلام على أولي العزم من الرسل (كلاهما لهاشم البحراني، المتوفى سنة 1107هـ)، وتفضيل الأئمة على غير جدهم من الأنبياء لمحمد كاظم الهزار وتفضيل أمير المؤمنين علي على من عدا خاتم النبيين لمحمد باقر المجلسي، انظر "الذريعة 4/ 358 - 360".
(3) الحكومة الإسلامية للخميني ص52
(4) سورة النساء آية 82

  • السبت PM 05:29
    2022-05-21
  • 876
Powered by: GateGold