المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413150
يتصفح الموقع حاليا : 301

البحث

البحث

عرض المادة

كيف ينظر كبار علماء الشيعة إلى الأئمة الإثنى عشر؟

وإذا كان الغلو في الأئمة واقعاً في روايات الشيعة وفي أبرز كتب الطائفة العقائدية فإنّ ذلك الغلو أوضح ما يكون في أقوال ومصنفات مراجع الشيعة وعلمائهم الكبار الذين غربلوا المرويات الشيعية في تلك الكتب وأثبتوا في رسائلهم وفتاويهم العقائدية ما يوافق المذهب ورفضوا ما لا يصح نسبته إليه من عقائد!

إنّ القارئ المتجرد للحقيقة ليجد نفسه حائراً بين تبرئة الشيعة الإثني عشرية من الغلو في الأئمة على اعتبار أنه ليس كل ما في الكتب صحيح، وأنّ من مقتضى الإنصاف أن لا نُحمّل الطائفة كل ما في كتبها من صحيح وسقيم، وبين تصريحات المرجعيات وكبار علماء المذهب التي لا تحتمل التأويل والتي تنطق تماماً بما نطقت به كتب العقيدة والحديث لدى الطائفة.

فللإنصاف حد لا ينبغي تجاوزه وإلا انقلب سذاجة ونوعاً من التعامي عن الحقيقة.

وإليك هذه التصريحات مدعمة باسم الكتاب ورقم الصفحة.

[1 - آية الله العظمى الخميني]

يستهل الخميني حديثه عن الأئمة فيقول: (إنّ من ضرورات مذهبنا أنّ لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبي مرسل ... وقد ورد عنهم عليهم السلام أنّ لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرّب ولا نبي مرسل) (1).


(1) الحكومة الإسلامية ص52

وفي هذا التصريح بتفضيل أئمة أهل البيت على أنبياء الله تعالى مطلقاً، فالأئمة الإثنا عشر عند الشيعة الإثني عشرية أفضل من الأنبياء جميعاً ما عدا محمداً عليه الصلاة والسلام كما هو مقرر عندهم.

وغلو الخميني في الأئمة لا يقف عند حد التفضيل بل يتجاوزه إلى حد نفي السهو والنسيان والغفلة عنهم إذ يصرّح بهذا الاعتقاد قائلاً: (الأئمة الذين لا نتصور فيهم السهو أو الغفلة، نعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة المسلمين) (1) بل يذكر أنّ جميع ذرات الكون خاضعة لهم فيقول: (إنّ للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون) (2)

والغريب أن تجد عالمين من قدماء علماء الشيعة قد صرّحا في زمانهما بأنّ القول بعدم جواز السهو على الأئمة هو أول درجات الغلو (3) إلا أنّ هذه العقيدة الآن صارت مقررة في المذهب وصار من يخالفها من أعداء أهل البيت أو المقصّرين في حقهم في أحسن أحواله!

ولعل في هذا ما يؤكد مقولة أنّ مذهب الشيعة يتطور عقائدياً على مر الزمان، فكما تطور بالأمس من اختلاف سياسي مع بني أمية حتى صار فيما بعد خلافاً عقائدياً بين الشيعة


(1) الحكومة الإسلامية ص95
(2) الحكومة الإسلامية ص52
(3) يقول ابن بابويه القمي الملقب بـ (الصدوق) في كتابه "من لا يحضره الفقيه 1/ 234" ما نصه (إنّ الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي يقولون: لو جاز أن يسهو (أي النبي عليه الصلاة والسلام) في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ، لأنّ الصلاة فريضة كما أنّ التبليغ فريضة).
وقد سبق الصدوق إلى هذا القول شيخه محمد بن الحسن كما في "من لا يحضره الفقيه 1/ 234" أيضاً حيث قال: (أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام).

وجمهور المسلمين بل بين الشيعة أنفسهم (1)، فإنه تطور كذلك عقائدياً من غلو إلى غلو أكبر على مر الزمن.

حين تجد آية الله العظمى محمد الحسيني الشيرازي يصرّح في موسوعته "الفقه" (2) بقوله: (وأما الغالي:- بمعناه الذي أراده الصدوق تبعاً لابن الوليد حتى إنه جعل أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- فليس بكافر، بل قد ثبت بالأدلة خلافه، بل أصبح مثل هذا الاعتقاد اليوم من ضروريات المذهب)!!

ترى لو كان محمد بن الحسن وتلميذه القمي في زماننا هذا، ماذا تراهم يقولون في كبار علماء مذهب الشيعة ومراجعهم بدءً بالخميني وانتهاء بأحدث مرجعية في عالم الحوزات العلمية، حين ترى المرجعيات التي تدّعي أنها تمثل خط أهل البيت مجمعة فيما بينها على هذا الغلو وهو عندها أساس للاعتقاد!

بل ماذا سيقولون للشيخ علي الميلاني الذي ذكر في رسالته "العصمة" رواية الكافي (إنّ الله خلقنا فأحسن خلقنا، وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء ونبت عشب الأرض، وبعبادتنا عُبد الله، ولولا نحن ما عبد الله) ثم علّق على


(1) كالخلاف المستعر بين الإثنى عشرية والزيدية والإسماعيلية والواقفة والفطحية والخطّابية على مر التاريخ.
(2) كتاب الفقه 4/ 247

الرواية بقوله: (فمن يكون عين الله في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده، يشتبه ويسهو وينسى؟!) (1).

نعم ... إنه لا يجوز لنا أيها الميلاني أن نفترض في أئمة أهل البيت السهو والاشتباه والنسيان وقد بلغوا مقام الألوهية عندك، وإلا فما وجه الربط بين هذه الرواية المغالية وبين تعليقك المغالي إن لم يكن الأمر تأليهاً صريحاً لأئمة أهل البيت؟!

لقد روى ابن بابويه القمي عن أبي الصلت الهروي قوله: قلت للرضا عليه السلام، يا ابن رسول الله، إنّ في سواد الكوفة قوماً يزعمون أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا، لعنهم الله، إنّ الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو) (2).

فحسبنا أن نقول بقول الإمام الرضا فيمن نسب إلى أئمة أهل البيت ما لله تعالى.

ولماذا نقف عند هذه النقطة بالذات ولدينا ما هو أعجب؟

إنّ الأئمة - كما في الروايات وتصريحات علماء المذهب - قد خُلقوا من النور ولم يُخلقوا من أصل الخلقة التي خُلق منها آدم وهي التراب!

تلك معادلة صعبة لم أستطع فك رموزها، إذ ما الغاية التي من أجلها تُغيّر خلقة أهل البيت من صورتها الطبيعية التي فطر الله الناس عليها وفطر عليها الأنبياء من لدن آدم عليه السلام، إلى هذه الصورة الملائكية؟!

سيجيبك أحدهم بإجابة باردة: (أليس الله على كل شيء قديراً؟).


(1) العصمة ص30
(2) عيون أخبار الرضا (ع) - باب (ما جاء عن الرضا عليه السلام في وجه دلائل الأئمة عليهم السلام والرد على الغلاة والمفوضة لعنهم الله) - حديث رقم (5).

نعم .. إنّ الله على كل شيء قدير ... لكنه قد جعل لكل شيء سبباً، وليست هذه العبارة ولا غيرها من التبريرات شماعة نعلّق عليها عقائدنا، فلأي غاية يُخلق أهل البيت من نور بينما يُخلق أنبياء الله تعالى على جلالة أقدارهم ومكانتهم عند الله تعالى من طين؟

فإن قيل: ذاك تكريم لهم، قلنا: وأي نقص وعيب في خِلقة الأنبياء وقد خُلِقوا من طين؟!

ولك أن ترى إلى أي حد ذهب الغلو بالخميني حينما تقرأ قوله: (اعلم أيها الحبيب، أنّ أهل بيت العصمة عليهم السلام، يشاركون النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقامه الروحاني الغيبي قبل خلق العالم، وأنوارهم كانت تسبّح وتُقدّس منذ ذلك الحين، وهذا يفوق قدرة استيعاب الإنسان، حتى من الناحية العلمية، ورد في النص الشريف: (يا محمد، إنّ الله تبارك وتعالى، لم يزل منفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمداً وعلياً وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفوّض أمورها إليهم (1)!! فهم


(1) ما ذكره آية الله العظمى الخميني هنا هو عين (التفويض) الذي ذمه أئمة أهل البيت وتبرأوا من القائلين به، والتفويض كما عرّفه الشيخ محمد صالح المازندراني في "شرح أصول الكافي 9/ 61" هو: (التفويض الذي ذهب إليه الفرقة المفوضة الغالية وهو أنّ الله تعالى خلق محمداً وعلياً، وقيل: سائر الأئمة أيضاَ وفوّض إليهم خلق السموات والأرض وما بينهما وتقدير الرزق والآجال والإحياء والإماتة).
والملفت للنظر في موضوع (التفويض) وصلته بفكر الخميني هو عدم تكفير الخميني في "كتاب الطهارة 3/ 340" للمفوضة رغم الأحاديث الصريحة الواردة في حقهم، ورغم إطباق علماء الشيعة على تكفيرهم قديماً وحديثاً، ولا عجب في هذا فالخميني يتبنى الفكر ذاته ويجاهر به كما بينا، وإليك نص كلامه في "كتاب الطهارة": (وأما القول بالجبر أو التفويض فلا إشكال في عدم استلزامه الكفر بمعنى نفي الأصول إلا على وجه دقيق يغفل عنه الأعلام فضلاً عن عامة الناس، ومع عدم الالتفات إلى اللازم لا يوجب الكفر جزماً)!
قال الشيخ المفيد في "الاعتقادات ص100": (وروي عن زرارة أنه قال: قلت للصادق (ع): (إنّ رجلا من ولد عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض. قال (ع): (وما التفويض)؟ قلت: يقول: إنّ الله عز وجل خلق= = محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً - عليه السلام - ثم فوض الأمر إليهما، فخلقا ورزقا، وأحييا وأماتا. فقال: (كذب عدو الله، إذا رجعت إليه فاقرأ عليه الآية التي في سورة الرعد {أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّار}. فانصرفت إلى رجل فأخبرته بما قال الصادق (ع) فكأنما ألقمته حجراً، أو قال: فكأنما خرس).
فأين الذين يزعمون براءة الفكر الإثنى عشري من عبد الله بن سبأ من هذه الرواية ومن تسلل الفكر السبئي إلى كبار علماء الشيعة الإثنى عشرية وعلى رأسهم الخميني كما ترى؟!

يحلّون ما يشاؤون أو يحرّمون ما يشاؤون إلا أن يشاء الله تعالى!! ثم قال: يا محمد، هذه الديانة التي من تقدّمها مرق، ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد) هذا ما ورد في حقهم عليهم السلام في الكتب المعتبرة، يبعث على تحير العقول، حيث لم يقف أحد على حقائقهم وأسرارهم إلا أنفسهم (1)، صلوات الله وسلامه عليهم!!) (2)

ويقول الخميني في مناسبة ولادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: (أنا لا أستطيع ولا يستطيع غيري التحدث في شخصية أمير المؤمنين (ع). نحن لا نتمكن من إدراك الجوانب المختلفة من هذا الإنسان العظيم. إنه الإنسان الكامل ومظهر جميع أسماء الله وصفاته وبالتالي فإنّ أبعاده وجوانب شخصيته تكون ألفاً حسب أسماء الله تعالى ونحن لا نستطيع أن نوضح واحداً منها. هذا الإنسان الذي يجمع في نفسه الأضداد، لا يتمكن أحد من التحدث حوله. لذا أرى من الأفضل أن أصمت وأسكت ..)

ثم يقول بعد هذا:


(1) حقيقتهم أنهم بشر مخلوقون لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فنبي الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو خيرهم وسيدهم يقول الله تعالى عنه {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فكيف بالإمام علي والزهراء وهما دونه بالفضل والتكريم؟!
(2) الأربعون حديثاً للخميني ص654 وزبدة الأربعين حديثاً ص232 اختصار سامي خضرا

(هذا الموجود، معجزة إلهية لا يستطيع أحد الوصول إلى حقيقته بل الجميع يتكلمون حسب فهمهم ومقدار إدراكهم والإمام علي (ع) غير ما يتصورونه ويتوهمونه أي أننا لا نستطيع أبدا أن نمدحه بما هو هو (1).

ولهذا فالكل يأخذ بضعة من صفاته المتضادة ويخيل إليه أنه قد عرف أمير المؤمنين عليه السلام ... إذ ذاك فالأفضل علينا غض الطرف عن التحدث حوله بل نأمل أن نسير في مسير هدايته ونصل إلى بعض هذا الصراط) (2).

بل يذهب إلى أكثر من هذا حين يقول عن أمير المؤمنين علي: (خليفته - أي خليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم- القائم مقامه في الملك والملكوت، المتحد بحقيقته في حضرت الجبروت واللاهوت، أصل شجرة طوبى وحقيقة سدرة المنتهى، الرفيق الأعلى في مقام أو أدنى، معلم الروحانيين ومؤيد الأنبياء والمرسلين علي أمير المؤمنين) (3).

وأنت تعلم أنّ قوله (المتحد ... باللاهوت) هو كقول النصارى في المسيح عليه السلام حيث يقولون باتحاد اللاهوت بالناسوت (4).

ومن منطلق دعوى حلول الرب بعلي بن أبي طالب ينسب الخميني لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب قوله: (لنا مع الله حالات هو هو ونحن نحن، وهو نحن ونحن هو) (5)!!

وهذا عين مذهب القائلين بوحدة الوجود، فالله هو علي وعلي هو الله، لم يبقى إلا التصريح بهذا!!


(1) هذه عبارة اعتدنا أن نرددها في رب العالمين، فنقول كل كمال تتصوره في رب العالمين فالله خير وأكمل من ذلك، فعقولنا لا تدرك هذا الكمال المطلق كما هو وإن أدركت معناه، لكنها عند الخميني تُقال لعلي بن أبي طالب!!
(2) جريدة رسالت رقم 628
(3) مصباح الهداية ص5
(4) يرى النصارى أنّ المسيح عليه السلام مكون من جانبين، جانب إلهي وجانب إنسي بشري، ويطلقون على الجزء الإلهي اسم (لاهوت) وعلى الجزء البشري اسم (ناسوت).

(5) مصباح الهداية للخميني ص114 واللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري ص28

  • السبت AM 03:11
    2022-05-21
  • 790
Powered by: GateGold