المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413716
يتصفح الموقع حاليا : 286

البحث

البحث

عرض المادة

أهل البيت بين الشرف والخصوصية

أما وقد علمت أنّ (أهل البيت) هم (بنو هاشم بجميع فروعهم) وكذا (أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، فاعلم أنّ الله تعالى قد فضل أهل البيت بعضهم على بعض درجات فمنهم من ذُكر بمناقب خاصة وأُشير إليه بشرف خاص ومنهم من هو كسائر آل البيت في المنقبة العامة لا يفضل على أحد منهم بمنقبة.

وآل البيت في هذا المقام قسمان: قسم حاز (الشرف العام) وهم (المؤمنون من بني هاشم) ولهؤلاء من المكانة والشرف والتقدير والإجلال ما يميزهم عن سائر المسلمين، يُحب المرء منهم على قدر دينه وإيمانه، فمن ضم إلى قرابته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علماً في الدين وتقوى لله كان أحب إلينا ممن هو أقل منه ديناً وعلماً، ومن كان منهم أقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أحب إلى قلوبنا ممن بعُد نسبه.

ودليل (هذا التشريف) ما روي من أنّ العباس (عم رسول الله) شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يَلقون من قريش من تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضباً شديداً حتى احمّر وجهه ودرّ عرقٌ بين عينيه وقال: (والذي نفسي بيده، لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله) (1).

وما ورد بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أدخله الله النار) (2)

أما المسيء منهم المفارق لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يُبغض على قدر ضلاله وبعده عن هدي محمد عليه الصلاة والسلام إن لم يذهب به ضلاله إلى حد الكفر أو الزندقة فيُوالى الرجل منهم لإسلامه وقرابته ويُبغض لمعصيته وهواه.

ولا يقدّم الهاشمي الضال على التقي الصالح من غير بني هاشم، إذ إنّ ميزان التفاضل هو التقوى لا النسب {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (3) والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقرر هذه الحقيقة فيقول: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) (4) فالنسب لن ينقذ أحداً من الناس ويشفع له عند الله إن أساء العمل وخالف هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

أما الكافر أو المرتد من (بني هاشم) فلا يُنسب إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا كرامة، ولا يعني ذلك إنكار قرابته النسبية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنّ


(1) في سنده (يزيد بن أبي زياد) وهو ضعيف، لكن ذكر تقي الدين ابن تيمية في "مجموع الفتاوى 27/ 268" أنّ الحديث (قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه حسان) فلعله وقف على مالم أقف عليه مع أني قد تقصيت أسانيد الرواية في مظانها فوجدتها كلها عن يزيد بن أبي زياد.
(2) رواه الحاكم في "المستدرك 3/ 150" وقال: (صحيح على شرط مسلم) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة 5/ 643" حديث رقم (2488).
(3) سورة الحجرات آية 13
(4) رواه مسلم – كتاب (الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) – باب (فضل الاجتماع على تلاوة القرآن) – حديث رقم (2699) و"مستدرك الوسائل" للنوري الطبرسي 3/ 363 حديث رقم (20).

هذه لا يستطيع أحد إنكارها، وإنما المستنكر هو إطلاق مسمى (أهل البيت) -الذي اقترن بالتشريف من رب العالمين -على المرتدين أو الكفار.

ولهذا لا يُقال بأنّ أبا لهب وأمثاله من الكفار والمعاندين من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان (أبو لهب) في الحقيقة هو عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومثل هؤلاء يُبغَضون كـ (سائر الكفار) بل أشد، وقد أنزل الله تعالى في أبي لهب (عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) آيات تتلى إلى يوم القيامة لما كفر وعاند وحارب الإسلام وأهله.

ولو كان النسب عاصماً أحداً من الضلالة لعصم ابن نوح عليه السلام لما ناداه نوح عليه السلام {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ} (1) فآثر الغرق على الهدى أو آزر لما قال له ابنه ابراهيم عليه السلام {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} (2) فقابل النصح بالعناد والمكابرة إنّ ديننا قائم على ما وقر في القلب وصدقته الأعمال لا على ما سطرته كتب الأنساب!

خصوصية أصحاب الكساء والأزواج

وأما القسم الثاني من (آل البيت) فهم أصحاب الكساء (علي وفاطمة والحسن والحسين) وأزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذريته، ويُضاف إليهم كل هاشمي وردت في حقه فضائل خاصة كالعباس وحمزة وجعفر مثلاً، فإنه قد وردت فيهم فضائل خاصة تُميزهم عن سائر بني هاشم.


(1) سورة هود آية 42
(2) سورة مريم آية 44 - 45

فلهؤلاء خصوصية لا يشركهم فيها عامة بني هاشم فضلاً عن غيرهم.

فأما أهل الكساء فقد برزت خصوصيتهم بقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث الكساء (هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق)، فنص بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كونهم خاصة أهل بيته وأقربهم إليه، فحرص على تجليلهم بالكساء والدعاء لهم لينالهم التطهير، وسيأتي تفصيل هذا في موضعه من الكتاب.

وقد اختارهم دون سائر أهل بيته للمباهلة لأنهم أخص أهل بيته وأقربهم إليه، فخرجوا معه لمباهلة (عبد المسيح) ومن معه من وفد نجران.

وأما ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه فلهم خصوصية الصلاة عليهم في (الصلاة الإبراهيمية) التي وردت بعدة صيغ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منها (قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) (1).

ولأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مزايا أخرى منها أنّ الله تعالى جعلهن أمهات للمؤمنين وهي أمومة يترتب عليها حرمة الزواج منهن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، ووجوب احترامهن والتأدب معهن.

ومن مزاياهن أنّ الله تعالى فضّلهن على سائر نساء المؤمنين، فلهن من المكانة والفضل وعلو المقام والرتبة ما ليس لغيرهن من النساء كما قال الله تعالى {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} (2).


(1) رواه البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء – حديث رقم (3369).
(2) سورة الأحزاب آية 32

وقد شرفهن الله تعالى بتلاوة آياته والحكمة في بيوتهن فقال {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً} (1).

ولمكانتهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن المسلمين جعل الله تعالى الأجر لهن مضاعفاً إِنْ عملن صالحاً والعذاب مضاعفاً إن أتين بفاحشة (2)، فقال عز من قائل {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَاتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً. وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} (3).

وقد روى الشيخ الطبرسي (4) في تفسيره "مجمع البيان 8/ 153" عن أبي حمزة الثمالي عن زيد بن علي (ع) أنه قال: (إني لأرجو للمحسن منا أجرين، وأخاف على المسئ منا أن يضاعف له العذاب ضعفين، كما وعد أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم).

وروى عن علي بن عبد الله بن الحسين عن أبيه عن الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) أنه قال له رجل: إنكم أهل بيت مغفور لكم، قال: فغضب وقال: نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله في أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن نكون كما تقول، إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئنا ضعفين من العذاب. ثم قرأ الآيتين).

وروى الإمام محمد بن عاصم الأصبهاني رحمه الله عن الفضيل بن مرزوق قال: سمعت (الحسن بن الحسن) أخا (عبد الله بن الحسن) وهو يقول لرجل ممن يغلو فيهم: (ويحكم ... أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فأبغضونا) ثم قال: (والله إني لأخاف أن يُضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، والله إني لأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره مرتين) (5).

فهذه روايات ثلاث بأسانيد سنية وشيعية تشير إلى احتساب أئمة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤتي الله تعالى للمحسن منهم أجره مرتين والمسيء منهم العذاب ضعفين إن أساء العمل.

 


(1) سورة الأحزاب آية 34
(2) قال الإمام البغوي في تفسيره "معالم التنزيل 1/ 374": (قوله عز وجل {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَاتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَة} بمعصية ظاهرة، قيل: هوكقوله عز وجل {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك} (الزمر- 65) لا أنّ منهن من أتت بفاحشة).
(3) سورة الأحزاب آية 31
(4) أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، ترجم له الشيخ عباس القمي في "الكنى والألقاب 2/ 444" واصفاً إياه بأنه: (فخر العلماء الأعلام أمين الملة والإسلام أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، المذعن بفضله أعداؤه ومحبوه الفقيه النبيه الثقة الوجيه العالم الكامل المفسر العظيم الشأن، صاحب كتاب "مجمع البيان" الذي قال في حقه الشيخ الشهيد: (هو كتاب لم يعمل مثله في التفسير).

(5) جزء محمد بن عاصم الأصبهاني ص125 والرواية صحيحة السند.

 

  • السبت AM 02:59
    2022-05-21
  • 1193
Powered by: GateGold