المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412348
يتصفح الموقع حاليا : 301

البحث

البحث

عرض المادة

أغلاط العهد القديم

عندما نتحدث عن كتاب مقدس، فإنه من الطبيعي أن نسلم بعصمة هذا الكتاب، وأن ما فيه هو وحي الله عز وجل.

إذ وجود الخطأ فيه يعني أن الله يخطئ، أو أن الروح القدس يخطئ، أو أن الرسول المبلغ يخطئ.

وهذه الاحتمالات كلها مرفوضة باتفاق الأمم وبدلالة العقل، إذ الخطأ صفة بشرية لا يمكن أن تصدر من الله أو أمناء وحيه من الملائكة أو الرسل، ففي ذلك تلبيس على البشر وإضلال لهم.

ولكنا حين نتصفح أسفار الكتاب المقدس نجد أغلاطاً توراتية كثيرة، كل منها يشهد ببراءة الله ووحيه من هذا الكتاب، ومن هذه الأغلاط:

- أن سفر التكوين يحكي عن خيانة إخوة يوسف لأخيهم، فيذكر أن تجاراً مديانيين أخرجوه من البئر، وباعوه لقوم من الإسماعيليين بعشرين من الفضة، وأن هؤلاء الإسماعيليين قد حملوه معهم إلى مصر " اجتاز رجال مديانيون تجار، فسحبوا يوسف، وأصعدوه من البئر، وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة، فأتوا بيوسف إلى مصر" (التكوين 37/ 28).

وفي مصر بيع يوسف لفوطيفار، والمفروض أن الذي باعه لفوطيفار هم الإسماعيليون الذين حملوه إلى مصر بعد أن اشتروه بعشرين من الفضة، لكن كاتب السفر أخطأ فقال:" أما المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشّرط" (التكوين 37/ 36)، والمفروض أن الإسماعيليين هم الذين باعوه لفوطيفار، وهذا هو الصحيح، إذ يعود سفر التكوين لتقريره فيقول: " واشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط رجل مصري من يد الإسماعيليين الذين أنزلوه إلى هناك " (التكوين 39/ 1). فمن المسئول عن هذا الخطأ؟ هل هو الله؟ تعالى عن ذلك، أم هو الكاتب المجهول الذي كتب السفر؟ أم نساخ آلاف المخطوطات الذين لم يكونوا أمناء في نساختهم للأسفار؟ أم أولئك الذين اعتبروا هذه الكتابات التاريخية - بما فيها من خلل وزلل - كلمة الله؟

أياً كانت الإجابة، فإن الكتاب المقدس لم ينج من الخطأ والزلل، مما يمنع أن يكون بحق كلمة الله.

- ومن أخطاء الكتاب المقدس ما زعمه سفر الأيام من إدراك الملك السامري بعشا للسنة السادسة والثلاثين من حكم الملك اليهوذي آسا، وبناؤه للرامة فيها، حيث يقول: "في السنة السادسة والثلاثين لملك آسا صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا وبنى الرامة" (الأيام (2) 16/ 1)، وهو خطأ- ولا ريب - لأن الملك بعشا مات قبل هذا التاريخ بتسع سنين.

وإثبات ذلك ميسور، فقد ملك بعشا في السنة الثالثة من حكم آسا، وبقي في الملك مدة أربع وعشرين سنة، أي أنه مات في السنة السابعة والعشرين من حكم الملك آسا، فقد جاء ذلك في سفر الملوك "في السنة الثالثة لآسا ملِك يهوذا ملَك بعشا بن أخيا على جميع إسرائيل في ترصة أربعاً وعشرين سنة" (الملوك (1) 15/ 33).

ومما يؤكد هذا أنه قد توالى على الملك بعده في هذه السنوات التسع ثلاثة ملوك: وهم: ابنه أيلة، ثم زمري، ثم عمري.

ويحدد لنا سفر الملوك - بدقة - سنوات تولي الملوك الثلاثة، فيقول: "واضطجع بعشا مع آبائه، ودفن في ترصة، وملَك أيلة ابنه عوضاً عنه .. في السنة السادسة والعشرين لآسا ملِك يهوذا ملَك أيلة بن بعشا على إسرائيل .. فدخل زمري، وضربه، فقتله في السنة السابعة والعشرين لآسا ملِك يهوذا، وملَك عوضاً عنه .. في السنة الواحدة والثلاثين لآسا ملِك يهوذا ملَك عمري على إسرائيل اثنتي عشرة سنة" (الملوك (1) 16/ 6 - 23)، فكيف يبني بعشا الرامة في السنة السادسة والثلاثين من حكم آسا، وقد مات قبلها بتسع سنين!

- ومن أغلاط الكُتاب أيضاً في نفس سياق قصة بناء الرامة أن شروع الملك بعشا ملك مملكة إسرائيل الشمالية في بناء الرامة أغضب الملك آسا ملك مملكة يهوذا الجنوبية، فاستعان الملك اليهوذي بملك أرام بنهدد ليحارب إخوته في مملكة بني إسرائيل الشمالية، فجاء الملك بنهدد بجيوشه، وضرب عيون الماء في ومخازن الطعام في مملكة إسرائيل، مما أجبر الملك بعشا على الكف عن البناء (انظر الأيام (2) 16/ 1 - 6).

واستقبح الرائي حناني صنيع الملك آسا واستعانته بالآراميين على إخوته، فقال له: "من أجل أنك استندت على ملك أرام ولم تستند على الرب إلهك، لذلك قد نجا جيش ملك أرام من يدك" (الأيام (2) 16/ 7).

وقوله: "نجا جيش ملك أرام" غلط ولاريب، لأن الذي نجا هو جيش إسرائيل، وليس جيش أرام المتحالف مع جيش يهوذا، وقد تنبه لهذا الخطأ محررو الترجمة العربية المشتركة، فقالوا: " نجا من يدك ملك إسرائيل ".

ورغم استنكارنا لهذا التدخل البشري فيما يسمونه كلمة الله، لكنه على كل حال أهون من الإصرار على الخطأ، وليت جميع النسخ الجديدة تصنع مثل هذا الصنيع.

- ومن الأغلاط ما جاء في سفر صموئيل عن عمر شاول عندما ملك على بني إسرائيل حيث يقول: " كان شاول ابن سنة في ملكه، وملك سنتين على إسرائيل " (صموئيل (1) 13/ 1).

وهذا أمر لا يعقل أبداً، كما أنه يتناقض مع كل ما تقدمه التوراة من معلومات عن شاول الملك الكبير، وكيفية اختياره، ورفضه لتزويج ابنته ميكال لداود إبان ملكه [شاول]، ثم تزوج داود بها عقب توليه الملك.

فذلك كله وغيره مؤذن بوجود غلط في هذا النص.

ولتفادي ذكر هذا الغلط عمدت بعض الترجمات الحديثة إلى ترك مكان السن فارغاً، وهو ما صنعه محققو الرهبانية اليسوعية، ففيها: "وكان شاول ابن .. حين صار ملكاً، وملك .. سنة على إسرائيل".

وأشاروا في الهامش إلى مصدر هذا الغلط، فقالوا عما ورد في النص العبري: " وهذا أمر غير معقول، لربما لم يعرفوا عمر شاول عند ارتقائه العرش، أو لربما سقط العمر عن النص، أو لربما قصرت مدة ملكه إلى سنتين لعبرة لاهوتية ".

ولنا أن نتساءل هل كان كتبة الأسفار الملهمون يكتبون وفق معارفهم، أم كانوا يكتبون ما يمليه عليهم الروح القدس؟.

وفي محاولة أخرى لتبرير هذا الغلط يقول مطران دمشق سمعان الحصروني في كتابه " تسهيل صعوبات الكتاب المقدس ": " هذا القول لا يعني على أن شاول كان ابن سنة بالعمر، بل إنه حين ملك كان باراً وديعاً صالحاً لا يعرف الغش، مثل طفل ابن سنة، ولما ملك سنتين على إسرائيل دخل الغش في قلبه، وصار كبيراً مثل شيخ عارف، وقال: إنه ملك سنتين لا غير، أعني ما استقام على البرارة وعدم المخالفة والقسط إلا سنتين فقط، ودخل في الإثم والغش وقلة رضا الله". (1)

ولا يخفى ضعف هذا التبرير على القارئ الحصيف، إذ هو إحدى البهلوانيات التي يركبها أولئك الذين أضناهم ترقيع الطوام التي وجدوها في كتابهم.

- وأحياناً يخطىء الكتاب في عمليات حسابية لا تخفى على صغار الطلاب في المدارس، ومنه الخطأ الذي وقع به كاتب سفر العدد، وهو يجمع أعداد ذكور بني لاوي الذين تجاوزوا الشهر، فقد "عدّهم موسى كما أمر الرب .. [فكانت أعدادهم كالتالي:] هذه هي عشائر الجرشونيين، المعدودون منهم بعدد كل ذكر من ابن شهر فصاعدا، المعدودون منهم سبعة آلاف وخمس مئة [7500] .. هذه عشائر القهاتيين، بعدد كل ذكر من ابن شهر فصاعدا ثمانية آلاف وست مئة [8600] حارسين حراسة القدس .. هذه هي عشائر مراري، والمعدودون منهم بعدد كل ذكر من ابن شهر فصاعدا ستة آلاف ومئتان [6200] " (العدد 3/ 15 - 34).

ولا يحتاج القارئ الكريم إلى حاسوب ليدرك أن مجموع المعدودين هو (22300)، المسالة الحسابية بسيطة: 7500 + 8600 + 6200 = 22300، لكن المفاجأة أن الكاتب الملهم أخطأ فقال: " جميع المعدودين من اللاويين الذين عدّهم موسى وهرون حسب قول الرب بعشائرهم كل ذكر من ابن شهر فصاعدا اثنان وعشرون ألفاً [22000] " (العدد 3/ 39).

وقد تنبه لهذا الخطأ مترجمو السبعينية، فأنقصوا من عشائر القهاتيين ثلاث مائة، ليصبح عددهم (8300)، وقال محققو الترجمة العربية المشتركة: "في اليونانية: 8300، وهذا يتوافق مع جمع الأعداد في الآية 39"، وقد صحح الآباء اليسوعيون هذا الخطأ في نسخة الرهبانية اليسوعية، فقالوا: "تلك هي عشائر القهاتيين، فكانوا بعد كل ذكر من ابن شهر فصاعداً ثمانية آلاف وثلاث مائة (8300) "، لقد أثبتوا مهارتهم في الرياضيات، وأنهم أقدر في هذا الفن من كاتب سفر العدد الذي يزعمون أنه كان يلهم من الله.

- ومن الأغلاط أيضاً ما جاء في سفر الأيام " وقد أذل الرب يهوذا بسبب آحاز ملك إسرائيل" (الأيام (2) 28/ 19)، فالنص يزعم أن آحاز ملك مملكة إسرائيل الشمالية.

والصحيح أن آحاز ملك على مملكة يهوذا الجنوبية، وبسببه أذل الله مملكته، وهو الملك الحادي عشر من ملوك مملكة يهوذا الجنوبية، كما ذكر محرر قاموس الكتاب المقدس.

- ومن الأغلاط ما جاء في كتاب القضاة " وكان غلام من بيت لحم يهوذا من عشيرة يهوذا، وهو لاوي " (القضاة 17/ 7)، ولا يمكن أن يكون الغلام لاوياً ومن نسل يهوذا، فكلاهما ابن يعقوب، وهو من نسل أحدهما لا محالة.

وقد اعترف بهذا الغلط هيوبي كينت والمفسر هارسلي، وذكروا أن قوله: "وهو لاوي" عبارة إلحاقية "، وأخرجها هيوبي من المتن. (2)

- ووقع الغلط من كاتب سفر الخروج حين زعم أن جميع مواشي المصريين قد ماتت، ثم ذكر بعدها بسطور أن مواشيهم أصيبت بالدمامل والبثور، يقول السفر: "ففعل الرب هذا الأمر في الغد. فماتت جميع مواشي المصريين. وأما مواشي بني إسرائيل، فلم يمت منها واحد" (الخروج 9/ 6).

وبعد سطور وفي السفر نفسه ذكر أن فرعون لم يؤمن فعوقب بعقوبة جديدة، وهي الدمامل فيقول السفر: "ثم قال الرب لموسى وهارون: خذا ملء أيديكما من رماد الأتون. وليذرّه موسى نحو السماء أمام عيني فرعون. ليصير غباراً على كل أرض مصر، فيصير على الناس وعلى البهائم دمامل طالعة ببثور في كل أرض مصر، فأخذا رماد الأتون، ووقفا أمام فرعون، وذراه موسى نحو السماء، فصار دمامل بثور طالعة في الناس وفي البهائم" (الخروج 9/ 8 - 10)، فكيف أصيبت بهائمهم، وقد ماتت جميعاً.

ويعود النص التوراتي مرة أخرى للحديث عن مواشي المصريين وعن تهديد موسى لفرعون بإفنائها، والمفترض أنها فنيت جميعاً، فيقول لفرعون: "ها أنا غداً مثل الآن أمطر برداً عظيماً جداً لم يكن مثله في مصر منذ يوم تأسيسها إلى الآن، فالآن أرسل، احم مواشيك وكل ما لك في الحقل، جميع الناس والبهائم الذين يوجدون في الحقل، ولا يجمعون إلى البيوت ينزل عليهم البرد فيموتون، فالذي خاف كلمة الرب من عبيد فرعون هرب بعبيده ومواشيه إلى البيوت" (الخروج 9/ 18 - 21).

- ومثله وقع الغلط في أسفار العهد القديم في سياق الحديث عن صلة القرابة بين الملك يهوياكين والملك صدقيا الذي عينه نبوخذ نصر بعد أن عزل يهوياكين، إذ يذكر سفر الأيام أنه أخ لصدقيا، فيقول: " وملك صدقيا أخاه على يهوذا وأورشليم " (الأيام (2) 36/ 10).

والصحيح أن صدقيا عم يهوياكين حيث إن عمر يهوياكين أكبر أبناء أبيه عندما ملك كان حوالي ثمان سنين، وملك لمدة ثلاثة شهور وعشرة أيام فقط. (انظر الأيام (2) 36/ 9).

بينما كان عمر صدقيا حينذاك إحدى وعشرين سنة. (انظر الأيام (2) 36/ 9 - 10)، ولو كان أخاً ليهوياكين لكان ينبغي أن يكون أقل من ثمان سنوات لأن يهوياكين أكبر أبناء أبيه.

وقد اعترف محررو قاموس الكتاب المقدس بهذا الخطأ، وتأولوه قائلين: " دعي أخاً ليهوياكين أي نسيبه، أو من أصل واحد".

واعترف به أيضاً توماس وارد في كتابه ( Errata to the Protestant Bible) . - ومن الأغلاط ما ذكره سفر التكوين من اطلاع أم عيسو على ما أضمره ابنها في قلبه، حيث يقول: "قال عيسو في قلبه: قربت أيام مناحة أبي. فأقتل يعقوب أخي. فأخبرت رفقة بكلام عيسو ابنها الأكبر" (التكوين 27/ 41 - 42)، والمفروض أنه أضمره فكيف اطلعت عليه؟

- ومن الأغلاط حديث التوراة عن رحلة هاجر وابنها إسماعيل، إذ تذكر التوراة أن ذلك كان بعد مولد إسحاق وفطامه، ثم هي تتحدث عن حمل هاجر لابنها إسماعيل على كتفها، وكأنه طفل صغير، وقد كان عمره حينذاك لا يقل عن ستة عشر عاماً، كما يتضح من عمر إبراهيم حين ولادة ابنيه. (انظره في التكوين 16/ 16، 21/ 5).

فالكاتب لهذا السفر غلط ونسي أنه يتحدث عن شاب، وليس عن طفل صغير، يقول كاتب السفر: "فكبر الولد (إسحاق) وفطم، وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحاق .. فبكر إبراهيم صباحاً وأخذ خبزاً وقربة ماء، وأعطاهما لهاجر واضعاً إياهما على كتفها والولد، وصرفها، فمضت .. ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار، ومضت، وجلست مقابله بعيداً نحو رمية قوس، لأنها قالت: لا أنظر موت الولد .. ونادى ملاك الله هاجر من السماء، وقال لها: ما لك يا هاجر، لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومي احملي الغلام وشدي يدك به ... فذهبت وملأت القربة ماء، وسقت الغلام" (التكوين 21/ 7 - 19).

- ويتحدث سفر التكوين عن سارة زوجة إبراهيم، فيذكر من جمالها وحسنها أنها وقعت في استحسان فرعون مصر هي تبلغ الخامسة والستين من العمر، ومثل هذا غير معهود في النساء، إذ يذوي الجمال والحسن دون هذا السن، وامرأة في الخامسة والستين لا نراها تصلح لتكون محلاً لإعجاب الملوك وهيامهم.

ثم لما تجاوزت التسعين وقعت في استحسان ملك جرار أبيمالك، ومثل هذا من الشطط الذي يتنزه عنه وحي الله وكتبه.

ولبيان هذه المسألة نبين أن سارة تصغر عن زوجها بعشر سنين، فقد جاء في سفر التكوين أن إبراهيم قال: " هل يولد لابن مائة سنة؟ وهل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة؟! " (التكوين 17/ 17)، فبينهما عشر سنين.

وقد غادر إبراهيم حاران، وعمر سارة خمس وستون سنة " وكان إبرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران، فأخذ إبرام ساراي امرأته ولوطاً ابن أخيه وكل مقتنياتهما .. فأتوا إلى أرض كنعان" (التكوين 12/ 4 - 5)، ثم بعد ذلك انطلق إلى مصر، حيث أعجب فرعون بسارة، وقد تجاوزت الخامسة والستين "وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراي امرأته: إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر، فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون: هذه امرأته، فيقتلونني ويستبقونك .. فحدث لما دخل إبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جداً، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون، فأخذت المرأة إلى بيت فرعون ... " (التكوين 12/ 11 - 15).

ثم يتحدث سفر التكوين عن بلوغ إبراهيم التاسعة والتسعين واختتانه في هذا السن، (التكوين 17/ 24 - 25). مما يعني بلوغ سارة التسعين، وبعده يتحدث السفر عن مضي إبراهيم وزوجه العجوز إلى الجنوب، ليُعجب ويؤخَذ بجمالها - هذه المرة - أبيمالك ملك جرار، "وانتقل إبراهيم من هناك إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور، وتغرب في جرار، وقال إبراهيم عن سارة امرأته هي أختي، فأرسل أبيمالك ملك جرار أخذ سارة " (التكوين 20/ 1 - 3)، فهل يعقل أن امرأة قاربت التسعين يقع في هيامها الملوك؟ إنه أحد أغلاط الكتاب المقدس، وأحد شهاداته على أنه من صنع البشر.

- ومن الأغلاط أيضاً تلك الوعود التي وعدت بها التوراة، ثم لم تتحقق فدل على أنه غلط، ولو كان حقاً لتحقق الوعد.

- ومن هذه الوعود قول التوراة أن الله قال لإبراهيم: " وأما أنت فتمضي إلى آبائك بسلام، وتدفن بشيبة صالحة، وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا" (أي فلسطين). (التكوين 15/ 15 - 16).

والواقع التاريخي يكذب هذا النص فقد كان الجيل الثالث والرابع من إبراهيم وهم الأسباط وأبناؤهم، كانوا هم الداخلين إلى مصر، لا الخارجين منها، وأما الخارجون منها فهم الجيل السادس من أبناء إبراهيم.

ومن هذه الوعود الزائفة ما زعمه كاتب سفر الأيام، حين قال بأن الله وعد إسرائيل بقوله لناثان النبي: " وعينت مكاناً لشعبي إسرائيل، وغرسته، فسكن في مكانه، ولا يضطرب بعد، ولا يعود بنو الإثم يبلونه كما في الأول " (الأيام (1) 17/ 9).

ولم يتحقق هذا الوعد الذي زعموا أن الله وعده، فقد ذل بنو إسرائيل على يد بختنصر، وأخرجوا من ديارهم، ولم يتحقق ما قيل لناثان: " متى كملت أيامك، واضطجعت مع آبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك، وأثبت مملكته، هو يبني بيتاً لا سمي، وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد " (صموئيل (2) 7/ 10 - 13).

- وأيضاً تذكر التوراة أن الله وعد نبوخذ نصر الوثني وعداً لم ينجز فهو من الأغلاط ولا ريب، فقد وعده أن يملكه على مدينة صور، ثم لم يتحقق له ذلك، فوعده بأرض مصر، ولم يتحقق ذلك أيضاً، فدل ذلك على أن هذا الوعد ليس من الله، لأن الله قادر على إنجاز وعده، فقد جاء في سفر حزقيال "قال السيد الرب: ها أنذا أجلب على صور نبوخذ راصر ملك بابل من الشمال، ملك الملوك، بخيل وبمركبات وبفرسان وجماعة وشعب كثير، فيقتل بناتك في الحقل بالسيف، ويبني عليك معاقل، ويبني عليك برجاً، ويقيم عليك مترسة، ويرفع عليك ترساً، ويجعل مجانق على أسوارك، ويهدم أبراجك بأدوات حربه، ولكثرة خيله يغطيك غبارها، من صوت الفرسان والعجلات والمركبات تتزلزل أسوارك عند دخوله أبوابك كما تدخل مدينة مثغورة، بحوافر خيله يدوس كل شوارعك، يقتل شعبك بالسيف، فتسقط إلى الأرض أنصاب عزك، وينهبون ثروتك، ويغنمون تجارتك، ويهدّون أسوارك، ويهدمون بيوتك البهيجة، ويضعون حجارتك وخشبك وترابك في وسط المياه ... لا تُبنين بعد، لأني أنا الرب تكلمت" (حزقيال 26/ 7 - 14).

لكن هذا الوعد لم يتحقق كما أسلفنا، إذ استعصت صور على ملك بابل، ولم يدخلها، ولم يغنم منها غنيمة، فوعد بأرض مصر بدلاً عنها، يقول السفر: "كلام الرب كان إليّ قائلاً: يا ابن آدم، إن نبوخذ راصر ملك بابل استخدم جيشه خدمة شديدة على صور، كل رأس قرع، وكل كتف تجردت، ولم تكن له ولا لجيشه أجرة من صور لأجل خدمته التي خدم بها عليها، لذلك هكذا قال السيد الرب: هاأنذا أبذل أرض مصر لنبوخذ راصر ملك بابل، فيأخذ ثروتها، ويغنم غنيمتها، وينهب نهبها، فتكون أجرة لجيشه، قد أعطيته أرض مصر لأجل شغله الذي خدم به، لأنهم عملوا لأجلي" (حزقيال 29/ 17 - 20).

ولم يتحقق ذلك الوعد إذ لم يملك بنوخذ نصر أرض مصر أبداً، وإن وصلت جيوشه إلى حدود مصر سنة 605 ق. م، حين هزمت قواته المصريين في معركة قرقميش، لكن بقيت مصر تحت حكم الأسرة السادسة عشرة من حكام الفراعنة.

ولم تتحقق تلك الوعود التي استمرت الأسفار تعرضها في أربعة إصحاحات من سفر حزقيال، ومما جاء فيها "لذلك هكذا قال السيد الرب: ها أنذا أجلب عليك سيفاً، واستأصل منك الإنسان والحيوان. وتكون أرض مصر مقفرة وخربة .. وأجعل أرض مصر خِرباً خربة مقفرة، من مجدل إلى أسوان إلى تخم كوش، لا تمر فيها رجل إنسان، ولا تمر فيها رجل بهيمة، ولا تُسكن أربعين سنة. وأجعل أرض مصر مقفرة في وسط الأراضي المقفرة، ومدنها في وسط المدن الخربة تكون مقفرة أربعين سنة، وأشتت المصريين بين الأمم، وأبددهم في الأراضي، لأنه هكذا قال السيد الرب: عند نهاية أربعين سنة أجمع المصريين من الشعوب الذين تشتتوا بينهم، وأرد سبي مصر، وأرجعهم إلى أرض فتروس، إلى أرض ميلادهم، ويكونون هناك مملكة حقيرة، تكون أحقر الممالك، فلا ترتفع بعد على الأمم، وأقللهم لكيلا يتسلطوا على الأمم" (حزقيال 29/ 8 - 15).

ويمضي السفر فيقول: " قال الرب: ويسقط عاضدو مصر وتنحط كبرياء عزتها من مجدل إلى أسوان يسقطون فيها بالسيف.

يقول السيد الرب: فتقفر في وسط الأرض المقفرة، وتكون مدنها في وسط المدينة الخربة فيعلمون أني أنا الرب .. قال السيد الرب: إني أبيد ثروة مصر بيد بنوخذ نصر ملك بابل " (حزقيال 30/ 6 - 10).

ومثله "قال السيد الرب: سيف ملك بابل يأتي عليك، بسيوف الجبابرة أسقط جمهورك، كلهم عتاة الأمم، فيسلبون كبرياء مصر، ويهلك كل جمهورها، وأبيد جميع بهائمها عن المياه الكثيرة، فلا تكدرها من بعد رجل إنسان، ولا تعكرها أظلاف بهيمة، حينئذ أنضب مياههم، وأجري أنهارهم كالزيت.

يقول السيد الرب: حين أجعل أرض مصر خراباً، وتخلو الأرض من ملئها عند ضربي جميع سكانها يعلمون أني أنا الرب " (حزقيال 32/ 11 - 15)، إن أياً من هذه الوعود لم يتحقق، وعدم تحققه يدل على أن هذا من أغلاط الكُتّاب، وهو دليل بطلانه وكذب كاتبيه.

- وأيضاً من الأغلاط حديث إرميا عن نسل داود فيقول: " كما أن جند السماوات لا يعد، ورمل البحر لا يحصى، هكذا أكثر نسل داود عبدي، واللاويين خادميّ " (إرميا 33/ 22)، لكن الواقع يكذب ذلك، فاليهود أقل أهل الأرض عدداً، إذ لا يبلغ تعدادهم في الأرض كلها ستة عشر مليوناً، علاوة على أن غالبهم ليسوا من أصول إسرائيلية.

وهذا أيضاً يقودنا للحديث عن الأعداد المهولة التي قدمتها التوراة لبني إسرائيل إبان موسى وبعده، إذ تتحدث التوراة عن أصل إسرائيل وهو يعقوب وأبناؤه وقد بلغوا حين هجرتهم إلى مصر سبعين نفساً. (انظر الخروج 1/ 3).

ثم تذكر التوراة أنهم " أثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيراً جداً، وامتلأت الأرض منهم " (الخروج 1/ 7).

وبعد مائتي سنة على دخولهم مصر؛ خرجوا منها، بعد سنين طويلة وقاسية؛ عانوا فيها صنوفاً من الاضطهاد واستباحة النساء وقتل الذكور، ولدى نزولهم في سيناء تذكر التوراة أن موسى أمر بتعداد بني إسرائيل "فكان جميع المعدودين من بني إسرائيل حسب بيوت آبائهم من ابن عشرين سنة فصاعداً، كل خارج للحرب في إسرائيل، كان جميع المعدودين ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمس مائة وخمسين (603550). وأما اللاويين حسب سبط آبائهم فلم يعدوا بينهم " (العدد 1/ 45 - 47)، وإذا كان الرجال القادرون على الحرب في أحد عشر سبطاً قد بلغوا الستمائة ألف، فيفهم من هذا أن بني إسرائيل قد جاوزوا المليون.

ومما يشكك في الرقم التوراتي الكبير أن موسى عليه السلام، وهو أحد الخارجين من مصر يعتبر الجيل الثاني للداخلين إلى مصر، فهو موسى بن عمران بن قهات بن لاوي. (انظر الخروج 6/ 16 - 20)، وجده قهات من الداخلين إلى مصر كما ذكرت التوراة. (انظر التكوين 46/ 11).

ويستحيل تنامي العدد بهذه الزيادة خلال جيلين أو ثلاثة، فمثلاً لم يكن الجيل الأول من أبناء لاوي سوى ثلاثة أشخاص عندما دخلوا مصر، فكيف أضحوا بعد ثلاثة أجيال فقط اثنين وعشرين ألف ذكر. (انظر العدد 3/ 39).

هذه الزيادة لا يمكن للعقل أن يستوعبها بحال، فلو ولد لكل من أبناء لاوي الثلاثة عشرة ذكور، وولد لكل منهم عشرة ذكور، ثم ولد لكل من هؤلاء عشرة ذكور، وما مات من هؤلاء جميعاً أحد، لأضحى عدد أبناء لاوي وأحفاده لا يتجاوز الأربعة آلاف من الذكور، وهو رقم لا يتناسب بحال مع الرقم التوراتي (22000).

ومما يدل على أن هذه الأعداد غير صحيحة أن بني إسرائيل كان يتولى توليد نسائهم قابلتان فقط هما: شفرة وفوعة. (انظر الخروج 1/ 15). ومثل هذه الأرقام المهولة لا يقوم بها قابلتان فقط.

ثم تتحدث التوراة عن حروب بني إسرائيل فتذكر أرقاماً للجيوش والقتلى لا تعقل، ففي سفر الأيام " وضربهم أبيا وقومه ضربة عظيمة، فسقط قتلى في إسرائيل خمسمائة ألف رجل مختار" (الأيام (2) 13/ 17)، هذا في طرف واحد من بني إسرائيل.

ثم إن كان السبعون شخصاً قد فاقوا - خلال قرنين فقط - المليون، فإنه وبعد ثلاثة آلاف سنة ينبغي أن يكون عددهم آلافاً من الملايين تنوء الأرض بحملهم، بل يزيد هذا العدد المفترض على تعداد سكان الأرض حالياً مرات كثيرة.

لكن الأمر على خلاف ذلك، إذ لا يتجاوز اليهود الخمسة عشر مليوناً في الأرض كلها، علاوة على أن كثيرين منهم ليسوا من ذراري بني إسرائيل.

ثم إن التوراة تذكر تعداداً آخر، وهو التعداد الذي جرى في أرض مؤاب بعد ثمان وثلاثين سنة من تعداد موسى الأول، ولم تطرأ فيه أي زيادة عن التعداد الأول، بل نقص عددهم ألفي شخص، فقد كان عددهم في هذا التعداد (601730). (انظر العدد 26/ 51)، ولو كان بنو إسرائيل يزدادون بهذه النسبة الرهيبة، لكان ينبغي أن يتضاعف عددهم في هذا التعداد عشرات المرات.

وهذه المبالغات الكبيرة في أعداد بني إسرائيل يعترف بكذبها محققو نسخة الرهبانية اليسوعية، حيث يقول هؤلاء تعليقاً على الأعداد الخيالية لبني إسرائيل المذكورة في (صموئيل (2) 24/ 9) ما نصه: "من الواضح أن الأرقام مبالغ فيها كما في كثير من الأرقام المماثلة في العهد القديم".

وإذا تساءلنا عن الرقم الحقيقي للخارجين من مصر، فإن دائرة المعارف البريطانية تجزم بأن عددهم لم يتجاوز الخمسة عشر ألفاً. وصدق الله إذ يقول عنهم: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} (الشعراء: 54).

ولا يفوتنا التنبيه على خطأ توراتي آخر يختص بمدة إقامة بني إسرائيل في مصر، حيث تذكر التوراة أن الله قال لإبراهيم: "اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم، ويستعبدون لهم، فيذلونهم أربع مائة سنة" (التكوين 15/ 13)، وهو صريح أن مدة ذلتهم في أرض مصر أربع مائة سنة، وهذا الرقم يؤكده سفر الخروج بقوله: "وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مائة وثلاثين سنة" (الخروج 12/ 40).

وهذا الذي ذكرته الأسفار التوراتي خطأ ولاريب، إذ لم يمكثوا في مصر إلا مائتين وخمس عشرة سنة، وقد أقر علماء النصرانية ومحققوها بذلك، واجتهدوا في تصحيح الخطأ، فزعم القس منيس عبد النور والقس منسى يوحنا أن المدة المذكورة في التوراة تبدأ من ابتداء دعوة إبراهيم في العراق، وبمثله قال آدم كلارك في تفسيره، وكذا وافقهما جامعو تفسير هنري واسكات. (3)

وما ذهبوا إليه هو تصحيح للنص في ضوء المعطيات التاريخية، لكنه على أي حال تلاعب بالنص الذي يصرح بأن الأربعمائة سنة هي مقدار إقامتهم وذِلتهم واستِعبادهم في مصر، كما هو بيّنُ في قوله: " فيذلونهم أربع مائة سنة"، وقوله: "وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مائة وثلاثين سنة" (الخروج 12/ 40)، فليس في النصين أي تضمين لفترة ما قبل دخولهم إلى مصر.

إن العجب ليس فيما سبق من الأغلاط، بل في تلك الأخطاء التي لا يقع فيها كاتب مهما ضعفت مؤهلاته على الكتابة، ومنها أن سفر يشوع شرع يعدد المدن الفلسطينية التي سيأخذها كل سبط من أسباط بني إسرائيل، فيقول عن نصيب سبط يهوذا: " وكانت المدن القصوى التي لسبط بني يهوذا إلى تخم أدوم جنوباً: قبصئيل وعيدر وياجور، وقينة وديمونة وعدعدة، وقادش وحاصور ويثنان، وزيف وطالم وبعلوت، وحاصور وحدتّة وقريوت، وحصرون هي حاصور، وأمام وشماع ومولادة، وحصر جدة وحشمون وبيت فالط، وحصر شوعال وبئر سبع وبزيوتية، وبعلة وعيّيم وعاصم، وألتولد وكسيل وحرمة، وصقلغ ومدمنة وسنسنة، ولباوت وشلحيم وعين، ورمّون. كل المدن تسع وعشرون مع ضياعها" (يشوع 15/ 21 - 32)، فقد ذكر سبعاً وثلاثين مدينة، وزعم أن عددها تسع وعشرون، فالفرق ثمان مدن.

وقد حاولت نسخة الرهبانية اليسوعية تقليص الفارق، فدمجت بعض الأسماء (حاصور ويثنان = حاصور بتنان)، و (حاصور وحدتة = حاصور حدتة)، و (قريوت وحصرون = قريوت حصرون)، و (عين ورمّون = عين رمون)، وحذفت واحداً (بزيتوتية)، ووضعت بدلاً منه "وتوابعها"، واعتذر محققوها عن تلاعبهم بالنص وما أحدثوه فيه فقالوا: "لم يُحفظ النص حفظاً جيداً، فكثير من أسماء المدن تصوَّب بالرجوع إلى النص اليوناني أو إلى نصوص كتابية أخرى". (4)

لكن رغم هذا التنقيح فلدينا ثلاثة أسماء زائدة، سها عن عدِّها كاتب السفر!

وفي الفقرة التي تليها من سفر يشوع ذكر الكاتب أسماء خمس عشرة مدينة، ثم أخطأ، فقال: "أربع عشرة مدينة مع ضياعها " (يشوع 15/ 36)، وقد اقترح الشراح - كما نقل محققو الرهبانية اليسوعية - حذف الاسم الأخير، ليقرأ النص: "والجديرة وتوابعها" بدلاً من قوله: "والجديرة وجديروتايم" (يشوع 15/ 36). (5)

ونختم بغلط مدهش وقع به كاتب سفر صموئيل الأول، وحتى يستمتع قارئنا بالحكاية نسردها من أولها، حيث يخبرنا كاتب سفر صموئيل أن الملك شاول أصابه روح رديء من الرب فقال لعبيده: "انظروا لي رجلاً يحسن الضرب، وأتوا به إليّ. فأجاب واحد من الغلمان، وقال: هوذا قد رأيت ابناً ليسّى البيتلحمي يحسن الضرب، وهو جبار بأس، ورجل حرب، وفصيح، ورجل جميل، والرب معه. فأرسل شاول رسلاً إلى يسّى يقول: أرسل إليّ داود ابنك الذي مع الغنم .. فجاء داود إلى شاول، ووقف أمامه، فأحبه جداً، وكان له حامل سلاح، فأرسل شاول إلى يسّى يقول: ليقف داود أمامي لأنه وجد نعمة في عينيّ، وكان عندما جاء الروح من قبل الله على شاول أن داود أخذ العود، وضرب بيده، فكان يرتاح شاول ويطيب ويذهب عنه الروح الرديء" (صموئيل (1) 16/ 17 - 23)، ولا ريب أن القارئ يدرك مدى الثقة والاهتمام الذي حظي به داود من قبل الملك شاول.

وفي الإصحاح الذي يليه يحدثنا كاتب السفر أنه لما نشب القتال بين اليهود والفلسطينيين تقدم داود لمبارزة جليات، وقبيل المبارزة اجتمع داود مع الملك شاول، وجرى بينهما حوار طويل (انظر صموئيل (1) 17/ 32 - 37)، ثم ألبس شاولُ داودَ ثيابه، وقلّده سيفه، فخرج داود لقتاله. (انظر صموئيل (1) 17/ 38 - 40).

وهنا يفجر كاتب السفر مفاجأة غير متوقعة، فيقول: "ولما رأى شاولُ داودَ خارجاً للقاء الفلسطيني قال لأبنير رئيس الجيش: ابن من هذا الغلام يا أبنير؟ فقال أبنير: وحياتك أيها الملك لست أعلم. قال الملك: اسأل ابن من هذا الغلام؟ ولما رجع داود من قتل الفلسطيني أخذه أبنير، وأحضره أمام شاول ورأس الفلسطيني بيده. فقال له شاول: ابن من أنت يا غلام؟ فقال داود: ابن عبدك يسّى البيتلحمي" (صموئيل (1) 17/ 55 - 58)، إن كاتب هذا المشهد الأخير غريب عن السفر لا يدري بأن داود معروف عند الملك وبلاطه، وأنه كان قبل هنيهة في اجتماع مع الملك استعداداً لهذه المبارزة، ولا يتصور غياب قائد الجيش عن هذا الحدث الكبير.

وأمام هذه المعضلة يحار شراح الكتاب المقدس، ولندع القارئ الكريم يستمتع قليلاً بقراءة التفسيرات البهلوانية الباردة التي يقدمها لنا مفسرو التفسير التطبيقي: "رغم أن داود عزف على العود مرات عديدة أمام شاول؛ فإن سؤال شاول لأبنير يدل على أن شاول لم يكن يعرف داود جيداً، وهناك بضعة تفسيرات لهذه العبارة المحيرة: 1 - حيث إنه كان مقرراً أن يتزوج داود ابنة شاول في حال نجاحه (17/ 25) أراد شاول أن يعرف المزيد عن عائلة داود. 2 - لعل حالة شاول العقلية المضطربة منعته من تمييز داود. 3 - كان داود ما زال يعمل في قصر شاول، وربما لم يكن شاول قد اهتم بالتعرف به أو معرفة الكثير عنه ". (6) وأما شراح تفسير كنيسة العذراء فيبررون سؤال شاول الغريب بقولهم: "كانوا يأتون بداود إلى شاول وهو مصروع لا يدري شيئاً مما حوله، فمن المنطقي أن لا يتعرف على داود".

وأما الآباء اليسوعيون فكانوا أكثر جرأة، لقد أقروا بالتناقض، وعقبوا بالقول: "ولذلك أهملت الترجمة اليونانية القديمة (17/ 55 - 18/ 5)، كما أهملت (17/ 12 - 13) ". (7)


(1) انظر: الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (124 - 125).

(2) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 487 - 488).

(3) انظر: شبهات وهمية حول الكتاب المقدس، القس منيس عبد النور، ص (65)، وحل مشاكل الكتاب المقدس، القس منسى يوحنا، ص (33 - 34)، وانظر: كتاب مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين، سمعان كهلون، ص (346)، حيث ذكر أن دخول يعقوب وبنيه إلى مصركان في سنة 1706 ق. م، وأن عبورهم بحر القُلزُم وغرق فرعون كان في سنة 1491 ق. م.

(4) وانظر: قاموس الكتاب المقدس، ص (283، 627).
(5) وانظر: قاموس الكتاب المقدس، ص (254).

(6) التفسير التطبيقي، نخبة من العلماء اللاهوتيين، ص (603).

(7) تفسير سفر صموئيل لكنيسة العذراء بالفجالة، ص (67)، وانظر شبهات وهمية حول الكتاب المقدس، للقس منيس عبد النور، ص (146). 

 

  • السبت PM 06:47
    2022-05-14
  • 1455
Powered by: GateGold