المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413850
يتصفح الموقع حاليا : 313

البحث

البحث

عرض المادة

هل الأسفار الخمسة الحالية هي توراة عزرا، وإلا فمن الذي كتبها؟

رأينا زعم البعض أن عزرا قد أعاد كتابة التوراة بإلهام من الله، وهو أحد مزاعم كثيرة يتعلق بها الغريق، وهو يصارع في الأنفاس الأخيرة.

إذ لا يمكن الجزم بأن التوراة الموجودة (الأسفار الخمسة) من كتابة عزرا لأمور من أهمها وجود تناقضات فيها وأخطاء لا يقع فيها كاتب واحد. وحين نقول ذلك فإنا لا نمانع أن يكون عزرا قد قام بالتوليف بين الروايات التي وصلت إليه.

ولكن الدليل الأهم الذي يمنع أن يكون عزرا هو الكاتب، ذلكم الفحص الدقيق والعلمي الذي قام به المحققون النصارى عبر دراسات طويلة، والذي يؤكد أن هذه الأسفار لها كتبة يربون على المائة، وينتمون إلى أربع مدارس ظهرت في القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد في مملكتي إسرائيل ويهوذا. وتسمى هذه الدراسات نظرية المصادر الأربعة.

وقد تبلورت هذه النظرية بعد سلسلة من الدراسات، بدأت بدراسة جان استروك عام 1753م، وقد نشرها من غير أن يجرؤ على ذكر اسمه، وسار على خطاه الباحث اينهورن وذلك في سنة 1780 - 1783م، وأيضاً إيلجن في عام 1798م، ثم العالم كار داود الجن 1834م، ثم هرمن هوبفلد في عام 1853، ثم العالم لودز عام 1941م.

وقد أضحت هذه النظرية مسلمة عند العلماء المحققين، يقول إسرائيل لودز في مقدمة كتابه "نشأة التقدم في القرن الثامن" ( dec origins au milieu du 8 siecle) : " وقد انتهى هذا الجهد العظيم إلى بعض النتائج المقبولة في خطوطها الكبرى بما يشبه الإجماع". (1)

كما اعترف بنظرية المصادر الأربعة مدخل الكاثوليك للكتاب المقدس.

وتتلخص نظرية المصادر الأربعة أنه ثمة أربع مدارس مختلفة ساهمت في كتابة التوراة، ثم ضمت نصوص هذه المدارس إلى بعضها، وكوِّن نص موحد لا يخلو من كثير من التناقضات والأخطاء.

وهذه المصادر الأربعة، هي:

1) المصدر الأول: (اليهوي)

وكتب نصه فيما بين القرن العاشر والثامن قبل الميلاد، ورجح البعض أنه في التاسع قبل الميلاد وقد كانت كتابته في مملكة يهوذا الجنوبية.

ولغة هذا النص قديمة فجة، تتحدث عن الله بصورة بشرية سيئة، ويتحدث هذا النص عن بدء الخلق ويمتد إلى موت يعقوب، ويظهر فيه الشعور القومي، وسيطرة إسرائيل على كنعان، وشغله الشاغل التأكيد على وعد الله لإسرائيل بأرض كنعان.

ويطغى هذا النص في سفر التكوين، ويشترك مع الثاني والرابع في سفري الخروج والعدد.

وأهم ما يميز هذا النص تسميته الإله (يهوَه).

2) المصدر الثاني: (الألوهيمي)

وهو متأخر عن المصدر الأول في زمن كتابته، إذ يرجع للقرن الثامن أو السابع قبل الميلاد، وكتب هذا النص عن الإله، وجنّبه النشاطات البشرية، ويظهره بصفات مهيبة نسبياً.

ويركز النص على الأحداث الخاصة بإبراهيم ويعقوب ويوسف، وهذا المصدر موجود في الأسفار الثلاثة (التكوين والخروج والعدد)، ويعود إلى هذا المصدر والمصدر الأول معظمُ سفري التكوين والخروج.

وأهم ما يميز هذا النص تسميته الإله (ألوهيم).

3) المصدر الثالث: (سفر التثنية)

وقد عمل هذا المصدر في سفر التثنية فقط، وبه سمي، ويعود تاريخه للقرن الثامن أو السابع قبل الميلاد، ولغة هذا المصدر خطابية داعية لاتباع الشريعة، وتطبيق العهد، ويكثر فيه " اسمع يا إسرائيل"، ويمتلئ بالتشريعات، وغايته تركيز عبادة يهوه في مكان خاص هو أورشليم.

وقد خضع سفر التثنية لإصلاحات متأخرة جداً يمكن الوقوف عليها بمقارنة السفر مع بقية الأسفار الأربعة.

4) المصدر الرابع: (الكهنوتي).

ويعود تاريخ كتابته لما بعد النفي البابلي، أي للقرن السادس قبل الميلاد، وهو من عمل بعض الأحبار. وموضوعه ذكر الشرائع والتعاليم الطقسية، وكيفية تطبيق تعاليم الدين.

ويتميز مكتوب هذا المصدر أنه يذكر الخبر ونقيضه بحسب كاتبه من الكهان (انظر العدد 4/ 3، والعدد 8/ 24)، ويستخدم هذا المصدر اسم: ألوهيم وهو يتحدث عن الله.

ولهذا المصدر دور كبير في سفري اللاويين والعدد، كما شارك قليلاً في سفري التكوين والخروج.

وقد بين الأب دوفو أرقام الفقرات التي تتبع النص الألوهيمي، وتلك التي تتبع النص اليهوي، في كل سفر من الأسفار الخمسة.

ويقول الأب دوفو: " لقد تكونت أسفار موسى الخمسة من أقوال موروثة لأمم مختلفة، جمعها محررون وضعوا تارة ما جمعوا جنباً إلى جنب، وطوراً غيروا من شكل هذه الروايات بهدف إيجاد وحدة مركبة، تاركين للعين أموراً غير معقولة، وأخرى متنافرة .... ".

وأما المطران كيرلس سليم بسترس رئيس أساقفة بعلبك وتوابعها للروم الكاثوليك، فينقل لنا إجماع العلماء على صحة نظرية المصادر، فيقول: "إن علماء الكتاب المقدس يجمعون اليوم على أن هذه الرواية تضمّ في الواقع روايتين مختلفتين: رواية أولى تعود إلى القرن السادس قبل المسيح (التكوين 1/ 1 - 4:2)، وقد كتبت في محيط كهنوتي في اثناء جلاء بابل؛ ورواية ثانية أقدم من الأولى ترجع إلى القرن العاشر قبل المسيح، وضعها كتبة وحكماء من بلاط سليمان الملك (التكوين 4/ 2 - 25). وبعد العودة من جلاء بابل جمعت الروايتان، ودُوِّنتا الواحدة تلو الأخرى في الفصلين الأوّلين من سفر التكوين". (2)

وتقول دائرة المعارف البريطانية: " إن أسفار العهد القديم كتبت في عصور مختلفة، وبأيدي كتاب مختلفين ذوي ثقافات مختلفة متباينة ".

ويرجح ول ديورانت في كتابه "قصة الحضارة" أن هذه الروايات قد امتزجت، وأخذت صيغتها النهائية سنة 300 ق. م، فيقول: "إن العلماء مجمعون على أن أقدم ما كتب من أسفار التوراة هو سفر التكوين، وقد كتب بعضه في يهوذا، وبعضه في إسرائيل، ثم تمّ التوفيق بين ما كتب هنا وهناك بعد سقوط الدولتين. والرأي الغالب أن أسفار التوراة الخمسة اتخذت شكلها النهائي حوالي عام 300 ق. م".

لكن آخرين من العلماء قالوا بأن الأسفار الخمسة أخذت وضعها النهائي سنة 400 ق. م، بينما امتدت بقية أسفار العهد القديم إلى سنة 200 ق. م. (3)

 


(1) انظر: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، ص (33 - 34)، التوراة عرض وتحليل، فؤاد حسين علي، ص (26 - 30)، دراسة عن التوراة والإنجيل، كامل سعفان، ص (78)، والتوراة بين الوثنية والتوحيد، سهيل ديب، ص (13 - 15)، موجز تاريخ الأديان، فيلسيان شالي، ص (159).

(2) اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر، المطران كيرلس سليم بسترس (1/ 76).
(3) انظر: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، ص (28 - 36)، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، محمد البار، ص (15)، التوراة، أحمد شلبي شتيوي، ص (56).

 

  • السبت PM 04:03
    2022-05-14
  • 956
Powered by: GateGold