المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413822
يتصفح الموقع حاليا : 297

البحث

البحث

عرض المادة

إبطال نسبة أسفار الأنبياء إليهم

لا يملك اليهود ولا النصارى أي دليل - ولو كان ضعيفاً - يثبت صحة نسبة الأسفار المقدسة إلى أصحابها، إذ هذه الكتب خالية من الأسانيد التي توثقها.

بل إن الأدلة تثبت عكس ذلك، وهو يتضح فيما نعرض من النصوص والشهادات التي تبطل نسبة أسفار العهد القديم إلى الأنبياء عليهم السلام، ولسوف نكتفي بعرض بعض الشهادات عن بعض الأسفار، ونترك للقارئ الكريم أن يقيس الغائب من الأسفار على الشاهد منها.

[سفر يشوع]

تنسب الدراسات التقليدية هذا السفر إلى النبي يشوع بن نون وصي موسى عليه السلام، لكن القراءة المتأنية لهذا السفر تكشف عن تأخر تاريخ كتابته عن يشوع بسنين طويلة، فقد جاء فيه خبر موت يشوع " مات يشوع بن نون عبد الرب ابن مائة وعشر سنين، فدفنوه في تخم ملكه " (يشوع 24/ 29 - 30).

ويذكر سفر يشوع أحداثاً حصلت بعد موته كتعظيم بني إسرائيل له بعد وفاته، بقاء شيوخهم على العهد في عصر القضاة بعده " وعبد إسرائيل الرب كل أيام يشوع وكل أيام الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع والذين عرفوا كل عمل الرب الذي عمله لإسرائيل" (يشوع 24/ 31)، والسفر برمته يتحدث عن يشوع بضمير الغائب. (انظر 8/ 35، 6/ 27).

ومن الأدلة التي نسردها سريعاً لنؤكد أن يشوع ليس بكاتب السفر المنسوب إليه أن سفر يشوع ذكر مراراً قرية دبير التي حاربها يشوع، ومن ذلك قوله: "ثم رجع يشوع وكل إسرائيل معه إلى دبير وحاربها" (يشوع 10/ 38)، وكذا قوله: "وصعد التخم إلى دبير من وادي عخور" (يشوع 15/ 7)، وغيرها من المواضع.

وهذا الاسم لم يطلق على هذه القرية إلا بعد وفاة يشوع، فقد كان اسمها في عهد يشوع قرية سفر، وتغير في عهد القضاة "واسم دبير قبلاً قرية سفر" (القضاة 1/ 11).

كما نجد في مواضع كثيرة أن كاتب السفر يخبرنا ببقاء بعض المسميات التي سميت في عهد يشوع وأنها لم تتغير بتقادم الأيام وتصرم السنين، ومن المؤكد أن يشوع ليس القائل، إذ هذه المسميات ظهرت في عصره، وليس من المعتاد تغير أسماء المدن في وقت قريب، يقول سفر يشوع: "فدعي اسم ذلك المكان الجلجال إلى هذا اليوم" (يشوع 5/ 9)، أي ما زال اسمه كذلك إلى زمن كتابة السفر.

ومثله قوله: " وأقاموا فوقه رجمة حجارة عظيمة إلى هذا اليوم، فرجع الرب عن حمو غضبه، ولذلك دعي اسم ذلك المكان وادي عخور إلى هذا اليوم" (يشوع 7/ 26).

وقد اعترف بمجهولية كاتب هذا السفر الناقد اليهودي اسبينوزا، وبه أقرت مقدمة الكاثوليك للكتاب المقدس، حيث تقول: "لكن المؤلف المقدس الذي نجهل اسمه وعصره ... ".

وأما محررو قاموس الكتاب المقدس ينقل لنا عدداً من الأسماء المقترحة لكتابة هذا السفر، فيقول: "كاتب هذا السفر مجهول، ولكنه قد نسب إلى أشخاص متعددين، غير أن كثيرين يتمسكون بالاعتقاد المقبول عند اليهود والكتاب المسيحيين الأولين، وهو أن يشوع نفسه كاتب السفر .. وظنَّ كالفن أن كاتبه هو اليعازر بن هارون، وزعم آخرون أنه فيدحاس أو صموئيل، أو إرميا". (1)

وننبه على أن جميع هذه الاقتراحات تخرصات وظنون لا دليل عليها، لكن أرجحها أن السفر مجهول الكاتب، فكيف ينسب إلى الله ووحيه كتاب لا يعرف من قائله؟!

[سفر القضاة]

ويتحدث السفر عن الفترة التي تلت يشوع والتي سبقت الملكية، وهي فترة مبكرة من تاريخ بني إسرائيل، ونسبه التقليد اليهودي إلى النبي صموئيل آخر قضاة بني إسرائيل.

ولكن السفر يحوي ما يدل على أنه كتب في عهد الملوك فقد جاء فيه " في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل " (القضاة 21/ 25).

ونحوه يقول السفر: " وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل " (القضاة 17/ 6)، مما يفهم منه أن الكاتب قد أدرك الملكية، وليس قاضياً يعيش في عصر القضاة.

وتذكر مقدمة السفر أن كاتبه " يحتمل أن يكون صموئيل "، فهو مجرد احتمال يوافق عليه القس وليم مارش، ويضيف إليه احتمالات أخرى، حيث يرى - كما نقل عنه العلامة رحمة الله الهندي - أن كاتب السفر مجهول وأنه ينسب إلى صموئيل أو عِزرا، كما يحتمل أن كل قاض كتب في زمان ولايته.

ويقول مؤلفو المدخل إلى الكتاب المقدس: " لسنا نعلم من هو كاتب السفر، ومن المحتمل أن تكون مادته قد جمعت وصُنِّفت من واقع سجلات العصر، في زمن لاحق لزمن القضاة، وهو يذكر ثلاث مرات هذه العبارة "وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل" (17/ 6، 18/ 1، 21/ 25)، مما يدفعنا إلى الظن بأن مادة السفر قد تم جمعها وضمها إلى بعضها بعد قيام الملكية في إسرائيل". (2)

يقول الأب لوفيفر: إن سفر القضاة أعيدت كتابته وعدلت مرات كثيرة قبل أن يصل إلى صيغته النهائية، وإن أحداثه التاريخية تعوزها الدقة. (3)

ولم يخبرنا لوفيفر إن كان يعتقد بعصمة وإلهامية كل أولئك المجهولين الذين أسهموا في كتابة السفر وتنقيحه، وإذا لم يكن كذلك فكيف أضحت زياداتهم وتعديلاتهم جزءاً من وحي الله؟

[سفر راعوث]

وهذا السفر يحكي قصة راعوث المؤابية التي تزوجت إسرائيلياً، ثم مات عنها زوجها ثم تزوجها بوعز فولدت له عوبيد جد داود، ولا يعرف بالتحديد من هو مؤلف هذه القصة.

لذلك يقول القس وليم مارش عن كاتب هذا السفر: " مجهول "، ويضيف جورج بوست: "لا يمكن الجزم بزمان هذه القصة، ولا بمعرفة مؤلفها .. نسب بعضهم كتابتها إلى صموئيل، وآخرون إلى حزقيا وآخرون إلى عِزرا ... "، وتقول مقدمة السفر عن الكاتب: " ليس معروفاً بالتحديد ".

وفي مقدمة السفر في التفسير التطبيقي"الكاتب: غير معروف، ويعتقد البعض أنه صموئيل، وإن كان السفر في طياته ما يدل على أنه كتب بهد وفاته". (4)

وأما مقدمة السفر في التوراة الكاثوليكية فترى أن كاتبه المجهول قد عاش في زمن متأخر "اللغة ذاتها في النص العبري تشير إلى حداثة عهده الذي يعود إلى ما بعد السبي البابلي". (5)

وأما القس منيس عبد النور فلا يرى أي حرج في نسبة هذا السفر المجهول المؤلف إلى الله، لأن "تحديد اسم كاتب السفر ليس مسألة جوهرية في تقرير قانونية السفر، ولا في أنه وحي الله". (6)

[سفرا صموئيل (الأول والثاني)]

وينسب السفران إلى النبي صموئيل، لكن السفر الأول منهما يذكر وفاة النبي صموئيل ودفنه "فمات صموئيل، فاجتمع إسرائيل، وندبوه، ودفنوه " (صموئيل (1) 25/ 1) فمن الذي أكمل السفر الأول؟ ومن كتب السفر الثاني؟

يقول منقحو الكتاب المقدس الذي راجعه القسيس فانت السكرتير العام لجمعية الكتاب المقدس بنيويورك عن مؤلف السفرين: " مجهول، ويحتمل أن يكون عزرا هو الذي كتبه وراجعه".

ويقول محررو طبعة 1971م الإنجليزية في مدخلهم: " مؤلفه: صموئيل على الاحتمال "، وقال آخرون الكاتب إرمياء، لكن مقدمة النسخة الكاثوليكية تعتبره "رأي صبياني، على أنه من المحتمل أن يكون المؤلف أحد تلاميذ إرميا". (7)

وأما مؤلفو التفسير التطبيقي، فيقولون في مقدمة السفر: "الكاتب: غير معروف، وقد رأى البعض أن زابود بن ناثان هو الكاتب (الملوك (1) 4/ 5). (8)

سفرا عِزرا ونحميا

ويتحدث السفران عن حياة بني إسرائيل بعد السبي، ويفترض أن كاتبيهما هما عزرا ونحميا، لكن يرجح الباحثون أن كاتبهما وكاتب سفر الأيام واحد، وأن الكتابة كانت حوالي سنة 300 ق. م، وممن يرجح تأخر كتابة السفر عن عزرا ونحميا المحققون توري وهوشر وموننكل.

فنحميا كان معاصراً للسبي البابلي، لكن كاتب السفر يتحدث فيه عن يشوع اللاوي الراجع في سبي بابل، فيقول: " وهؤلاء هم الكهنة واللاويون الذين صعدوا مع زربابل بن شألتيئيل ويشوع" (نحميا 12/ 1)، ثم يذكر أن من بين الراجعين من السبي مع زربابل يشوع اللاوي، فيقول: "واللاويون: يشوع وبنوي وقدميئيل .. " (نحميا 12/ 8)، لكن كاتب سفر نحميا يحدثنا عن الجيل الخامس ليشوع اللاوي، فيقول: "يشوع ولد يوياقيم، ويوياقيم ولد ألياشيب، وألياشيب ولد يوياداع، ويوياداع ولد يوناثان، ويوناثان ولد يدوع " (نحميا 12/ 10 - 11)، وهذا لا يمكن نسبته إلى نحميا، الذي عاد من السبي، فيما السفر يتحدث عن الجيل الخامس لأبناء العائدين من السبي.

وعليه فكاتب السفر عاش على أقل تقدير في الجيل الخامس من الرجوع البابلي. فمن هو هذا الكاتب؟

يجيب المدخل الفرنسي: " جرت العادة بأن تنسب مجموعة الأخبار وعِزرا ونحميا إلى كاتب واحد لا يعرف اسمه، يقال له: محرر الأخبار ".

ويقول القس وليم مارش: " كاتب السفر حسب تقليد اليهود هو عِزرا، وهذا قول أكثر رجال الكنيسة المسيحية أيضاً، غير أن بعض العلماء حديثاً يقولون: إن كاتباً اسمه مجهول كتب سفر عزرا وكتب أيضاً سفر نحميا". (9)

[سفر إستير]

وفي هذا السفر يتصور الخيالُ اليهودي ملكةَ فارس يهودية وذات نفوذ تستخدمه لصالح الشعب اليهودي. ولم يذكر اسم الله في هذا السفر أبداً، وتبرر ذلك مقدمة السفر في التوراة الكاثوليكية فتقول عن النص العبراني منه: "لربما كان ذلك خشية أن ترافق اسم الله هتافات وتظاهرات غير لائقة من قبل سامعين في نشوة من الأفراح، وهذا أمر مضر بالاحترام الواجب لاسم الله" ولا أدري لماذا لم يُحترَز عن ذكر اسم الله في سفر نشيد الإنشاد، وهو أيضاً مجموعة من الأغاني الغرامية؟

وعن مؤلفه يقول الدكتور سمعان كلهون في كتابه " مرشد الطالبين ": " مجهول "، ويقول الدكتور بوست: " ينسب البعض تأليف هذا السفر إلى عزرا، وآخرون إلى كاهن يدعى يهوياقيم، والبعض ينسبونه إلى أعضاء المجمع العظيم، على أن الأكثرين ينسبونه إلى مردخاي ".

أما مقدمة السفر الكاثوليكي فترى تأخر تأليفه "فقد يرجع إلى الجيل الثاني قبل المسيح".

وقد شكك البعض في قانونية السفر، وحذفه مليتو أسقف سارديس عام 170م (صاحب أول قائمة مسيحية لأسفار العهد القديم) من قائمته للأسفار المقدسة التي ذكرها في كتابه "الخلاصة"، ومثله صنع القديس أثناسيوس في قائمته، وعلى نهجهما مشى مارتن لوثر الذي رفض لوثر اعتبار السفر ضمن الأسفار الموحى بها كما ذكر ذلك قاموس الكتاب المقدس (10)، بل قال عنه: " ليت هذا السفر لم يوجد ".

وفي النسخة اليونانية التي يعتمدها الكاثوليك زيادات غير موجودة في النسخة العبرانية، مثل حلم مردوخاي وصلواته وسوى ذلك، وقصد المترجمون إلى اليونانية بهذه الزيادات إضفاء صفة دينية على السفر العبري الذي ليس فيه ما يشير إلى أنه نص ديني، كما صرحت المقدمة الكاثوليكية للسفر.

يقول محررو قاموس الكتاب المقدس: " لا يوجد تناسق أو انسجام بين السفر في العبرية وبين هذه الزيادات، بل إن هناك تناقضاً بينها، فتذكر هذه الإضافات أن ملك الفرس في ذلك الحين هو ارتزركسيس بدلاً من روكسيس، وتذكر أن هامان كان مقدونياً بدلاً من كونه فارسياً ". (11)

[سفر أيوب]

من المفترض أن يكون هذا السفر من كتابة النبي أيوب، لكن جاء في وسط السفر ما يدل على أن كاتباً آخر غير أيوب قد تدخل فيه، ففي نهاية الإصحاح 31 يقول: " تمت أقوال أيوب " (أيوب 31/ 40) من غير أن ينتهي السفر حينذاك، بل استمر بعده أحد عشر إصحاحاً تحدثت عن أيوب.

وفي نهاية السفر " وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنة ورأى بنيه، وبني بنيه إلى أربعة أجيال، ثم مات أيوب شيخاً وشبعان الأيام " (أيوب 42/ 16 - 17)، فهل هذا أيضاً من كتابة أيوب؟

ويرى الدكتور صموئيل شولتز أن تاريخ كتابة هذا السفر مجهول، وكذلك زمن الخلفية التاريخية واسم المؤلف.

أما المقدمة الكاثوليكية للسفر فتحاول تحديد زمن التأليف، فترى أن "كاتب هذا السفر يأتي بعد إرميا، وقد استلهمه (أي من إرمياء) وبعد حزقيال، وهو سابق دون شك للعهد الإغريقي، وأغلب الظن أنه من أبناء الجيل الخامس". (12)

وأما محررو قاموس الكتاب المقدس فيحاولون من جهتهم تعريفنا بالكاتب المجهول وزمن تأليفه لهذا السفر فيقولون: "ويعتقد أن الكاتب من أهل فلسطين، ولا يمكن تعيين تاريخ كتابة السفر على وجه التحقيق، وقد ظن بعض النقاد أنه كُتب في عصر إرميا، وظن آخرون أنه كتب بعد السبي .. إلا أن غيرهم يظنون أنه كتب في القرن الرابع قبل الميلاد .. يحتمل أنه يرجع إلى الألف الثانية قبل الميلاد"، فما الذي يختاره القارئ من هذه التواريخ التي تحيرنا لتباعدها، لكنها على كل حال تتفق على أن هذا الكاتب مجهول. (13)

ويحسن أن ننبه هنا إلى أن النسخة الكاثوليكية اليونانية لسفر أيوب تنقص ما يقرب من خُمُس السفر المذكور في النسخة العبرانية.

[سفر المزامير]

يحوي سفر المزامير مائة وخمسين مزموراً تنسب إلى مؤلفين مختلفين، إذ ينسب إلى النبي داود ثلاثة وسبعون مزموراً، وإلى موسى مزمور واحد، وإلى أساف اثنا عشر مزموراً، وينسب إلى بني قورح تسعة مزامير، ومزموران إلى سليمان، وآخر إلى ايثان، وتسمى المزامير الباقية (51 مزموراً) بالمزامير اليتيمة لأنه لا يعرف قائلها!!!

فكيف وصفت بالوحي؟ وهل كان بنو قورح أيضاً أنبياء؟ وهل كان أساف كبير المغنيين في بلاط داود نبياً؟ وما أدلة نبوة هؤلاء؟ إن أحداً لا يملك إجابة عن هذه الأسئلة.

والمتأمل في المزامير يدرك بوضوح كبير أن المزامير تعود إلى ما بعد داود وسليمان، وتحديداً إلى القرن السادس قبل الميلاد، إلى أيام السبي البابلي، وذلك يظهر من أمثلة متعددة.

منها ما جاء في المزمور التاسع والسبعين والمنسوب لآساف كبير المغنيين في بلاط الملك داود، حيث يقول: " اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك، ونجسوا هيكل قدسك، وجعلوا أورشليم أكواماً، دفعوا جثث عبيدك طعاماً لطيور السماء " (79/ 1 - 2).

ومثله في قوله: " الرب يبني أورشليم، يجمع منفى إسرائيل يشفي المنكسري القلوب، ويجبر كسرهم " (147/ 4).

ومثله " على أنهار بابل جلسنا ... بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون ... لأنه هناك سألنا الذين سبونا (بعد السبي البابلي) كلام ترنيمة، ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين: رنموا لنا من ترنيمات صهيون" (137/ 1) .... وغيرها.

وهذه الأمثلة تثبت أن كتابة المزامير تأخرت عن داود ما لا يقل عن أربعة قرون، وعليه فلا تصح نسبتها إليه أو إلى معاصريه.

لكن الكنيسة تصر على أنها من وحي الله، فلديها دليل غريب، فإن هذه المزامير "تستعمل اليوم في عبادة الكنيسة المسيحية، وتناسب ذوق جميع الطوائف على حد سواء، ولعل هذا دليل على كونها موحى بها من الله". (14)

[سفر (الأمثال) و (الجامعة) و (نشيد الإنشاد)]

وتنسب الأسفار الثلاثة حسب التقليد الكنسي واليهودي إلى النبي سليمان عليه السلام.

لكن التأمل في سفر الأمثال يظهر فقرات لا تصح نسبتها إلى سليمان، فقراءتها تظهر أن لها أكثر من كاتب بدليل تكرار أكثر من مائة مثل باللفظ أو بالمعنى كما في (18/ 8 و 26/ 22 و19/ 24).

وقد نص السفر على أن بعض هذه الأمثال لسليمان، فقد بدأ بقوله: " أمثال سليمان بن دواد ملك إسرائيل " (1/ 1) ثم عاد في الإصحاح العاشر، فأكد عليه.

وكذا في الإصحاح الخامس والعشرين يؤكد أن سليمان هو قائل هذا السفر، ويضيف بأن الذي نقلها عنه هم رجال الملك حزقيا، فيقول: " هذه أيضاً أمثال سليمان التي نقلها رجال حزقيا ملك يهوذا " (25/ 1).

ولا نعرف من هم رجال حزقيا، ولا كيف وصلت إليهم كلمات النبي سليمان، وهل هم أيضاً أنبياء، علماً بأن حزقيا هو الملك الثاني عشر بعد سليمان؟

وفي الإصحاح الثلاثين تنسب مجموعة الأمثال إلى غير سليمان، ففيه " كلام أجور ابن منقية مسا" (أمثال 30/ 1) ولا يذكر السفر نبوته ولا إلهاميته، بل يقول أجور عن نفسه: "إني أبلد من كل إنسان، وليس لي فهم إنسان" (الأمثال 30/ 1).

وفي الإصحاح الذي يليه " كلام لموئيل ملك مسّا، علمته إياه أمه " (31/ 1)، ولا يذكر لنا السفر كيف اعتبر هذا الذي علمته أمه من الوحي؟

ويقول المدخل للآباء اليسوعيين (التوراة الكاثوليكية): "السفر ليس بكامله من تأليف هذا الملك، وهو يسند إلى مجموعتين مهمتين .. المجموعة المركبة قد اكتملت دون شك بشكلها النهائي بعد السبي .. يستحيل تحديد أصل هذه المجموعات حتى المسندة منها إلى سليمان .. إن عدداً كبيراً من هذه الأمثال لا صفة دينية لها البتة ".

وأما مؤلفو المدخل إلى الكتاب المقدس، فيرون أن السفر من إنتاج عدد غير معلوم من المؤلفين المجهولين، وقد علم من السفر أسماء ثلاثة منهم فقط، يقول المدخل: " اشترك في كتابة سفر الأمثال العديد من الكتَّاب منهم ثلاثة مذكورون فيه

 

بالاسم وهم: سليمان وآجور ولموئيل، وهناك قسم واحد من السفر على الأقل مجهول الكاتب". (15)

وأما سفر الجامعة فقد جاء في أوله: " كلام الجامعة بن داود الملك في أورشليم " (1/ 1) وفي موضع آخر يقول: " أنا الجامعة، كنت ملكاً على إسرائيل في أورشليم " (1/ 12).

وليس في ملوك بني إسرائيل من اسمه الجامعة، وقد ذكروا في أيام (1) 3/ 1 - 22، لذلك ينسبه الكهنوتيون إلى سليمان، ولا يصح هذا لأنه يقول: " رأيت تحت الشمس موضع الحق هناك الظلم، وموضع العدل هناك الجور ... " (3/ 16).

ومثل هذه الصورة التشاؤمية لا يمكن أن تصدر عن النبي سليمان الملك الذي يملك رفع الحق وتثبيته، ومثله " ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تجري تحت الشمس، فهُوَذا دموع المظلومين، ولا معز لهم من يد ظالميهم " (4/ 1)، ومثله كثير، فالسفر يحمل صورة تشاؤمية لا يمكن أن تصدر عن نبي ملك.

وأما سفر نشيد الإنشاد فهو أشد الأسفار إثارة، وقد تعرض لتردد كثير حتى قُبل وأضيف للكتاب المقدس، ويرى المحققون أنه يعود إلى القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد، وإن اشتمل على بعض الأغاني القديمة جداً.

يقول عنه المدخل الفرنسي: " إن هذا الكتاب الصغير يمثل مسألة من أشد الأمور المتنازع عليها في نصوص الكتاب المقدس، فما معنى تلك القصيدة أو تلك المجموعة من القصائد الغزلية في العهد القديم .. لا نجد فيه أي مفتاح للسيرة. من الذي ألفه؟ وفي أي تاريخ؟ ولماذا ألف؟ .. من الواضح أن مؤلفه ليس سليمان "، ويضيف فيلسيان شالي: "أما الأعمال الأخرى فقد نشأت عن مختلف المؤمنين من غير الذين تعزى إليهم تقليدياً، وعلى سبيل المثال فإن نشيد الإنشاد بالتأكيد ليس من عمل سليمان". (16)

وعن هذا السفر يقول مدخله في التوراة الكاثوليكية: " لا يقرأ نشيد الإنشاد إلا القليل من المؤمنين، لأنه لا يلائمهم كثيراً "، ويقول وشتن: " إنه غناء فسقي فليُخرج من الكتب المقدسة "، وقال العالم الكاثوليكي توماس وارد في كتابه ( Errata to the Protestant Bible) عنه: "غناء نجس". (17)

[سفر إشعيا]

وينسب السفر إلى النبي إشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد، فقد عاصر الملك عزيا ثم يوثام ثم أحاز ثم حزقيا، ولكن السفر يتحدث عن الفترة الممتدة بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد مما يؤكد أن ثمة كاتباً أو كاتبِين قد كتبوا ذلك بعد إشعيا، ومن أمثلة ذلك حديثه عن بابل الدولة العظيمة وتنبؤه بإنهيارها.

وأيضاً حديثه عن كورش الفارسي الذي ردّ اليهود من السبي (انظر 44/ 28 - 45/ 1).

كما يتحدث عن رجوع المسبيين والشروع في بناء الهيكل في الإصحاحات 56 - 66، لذا يقول العالم الألماني أستاهلن: " لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده حتى الباب السادس والستين من تصنيف إشعيا". (18)

لذا تنقل لنا مقدمة السفر الكاثوليكي أن "عدداً متزايداً من الشراح الكاثوليك يعتبرون اليوم أن عمل إشعيا قد تابعه أنبياء آخرون، لهم ما له من الأهمية، لكنهم لم يخلِّفوا لنا أسماءهم".

[سفر إرمياء]

أما سفر إرمياء فإن تقاليد الكنيسة تنسبه إلى النبي إرمياء، ولا تصح هذه النسبة، إذ هو من عمل عدة مؤلفين، بدليل تناقضه في ذكر الحادثة الواحدة، ومن ذلك تناقضه في طريقة القبض على إرمياء وسجنه (انظر: إرمياء 37/ 11 - 15 و 38/ 6 - 13).

كما يحمل السفر اعترافاً بزيادة لغير إرمياء ففيه " فأخذ إرمياء درجاً آخر، ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب، فكتب فيه عن فم إرميا، كل كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار، وزيد عليه أيضاً كلام كثير مثله " (36/ 33).

وفي موضع آخر " إلى هنا كلام إرمياء " (51/ 64)، ومع ذلك يستمر السفر، فمن الذي أكمله؟

[خاتمة جامعة]

ونختم مع اعتراف مهم يسجله مدخل التوراة الكاثوليكية وفيه: " صدرت جميع هذه الكتب عن أناس مقتنعين بأن الله دعاهم لتكوين شعب يحتل مكاناً في التاريخ ... ظل عدد كبير منهم مجهولاً .. معظم عملهم مستوحى من تقاليد الجماعة، وقبل أن تتخذ كتبهم صيغتها النهائية انتشرت زمناً طويلاً بين الشعب، وهي تحمل آثار ردود فعل القراء في شكل تنقيحات وتعليقات، وحتى في شكل إعادة صياغة بعض النصوص إلى حد هام أو قليل الأهمية، لا بل أحدث الأسفار ما هي إلا تفسير وتحديث لكتب قديمة ".

وقد صدق موريس فورن حين قال: " لو سألنا في أي وقت جمع كل كتاب من كتب التوراة، وفي أي حال، وظروف؟ وبأقلام من كتب؟ لا نجد أحداً يجيبنا عن تلك الأسئلة وما شابهها إلا بأجوبة متباينة متخالفة جداً ...

والملخص أن المذاهب العلمية الجديدة ترفض أغلب أقوال علماء النقل التي هي أساس اعتقاد النصارى واليهود، وتقوض بنيان ادعاء السابقين، وتبرئ الأنبياء من تلك الكتابات ".

ويواصل فيقول: " ما الحيلة ونحن من مائة سنة حيارى بين أسانيد يمحو بعضها بعضاً، فالحديث يناقض سابقه، والسابق ينافي الأسبق، وقد تتناقض أجزاء الدليل الواحد .. وأيِسنا من الوصول إلى معرفة صاحب الكتاب الحقيقي ". (19)

إذاً هذه الأسفار مجهولة المؤلف، لا تصح نسبتها إلى الأنبياء، بل هي من عمل الشعب اليهودي طوال عصور التاريخ اليهودي، وقد استلهموا هذه الكتابات من تقاليدهم، لا من الله ووحيه، وكل ذلك شاهد على أن هذه الأسفار ليست كلمة الله، فما أدرانا ما هو حال هؤلاء المؤلفين المجهولين؟ هل كانوا مؤمنين أمناء أم متهمين تركوا بصمات تلاعبهم - في الكتاب - واضحة لكل ذي عينين.

هل يقبل العقلاء صكوك بيع أو شراء أو ائتمان أصدرها مجهولون في قضايا دنيوية بسيطة تتعلق بحفنة من الدولارات؟ وإذا كانوا لا يقبلونها، فكيف يقبلون روايات المجاهيل في قضية يتعلق فيها مصير المليارات من بني الإنسان؟!.

وصدق الله حين قال: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} (البقرة: 79).

 


(1) قاموس الكتاب المقدس، ص (1070).

(2) انظر: مدخل إلى الكتاب المقدس، جون بالكين وآخرون، ص (76).

(3) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (1/ 134)، التوراة عرض وتحليل، فؤاد حسين، ص (34 - 35).
(4) التفسير التطبيقي، نخبة من العلماء اللاهوتيين، ص (538).
(5) انظر: اليهودية والمسيحية، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، ص (110)، هل الكتاب المقدس كلام الله؟، أحمد ديدات، ص (80، 126)، الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (99).
(6) شبهات وهمية حول الكتاب المقدس، القس منيس عبد النور، ص (141).

(7) انظر: التحريف في التوراة، محمد الخولي، ص (4، 110 - 111)، هل الكتاب المقدس كلام الله؟، أحمد ديدات، ص (58)، الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (99).
(8) التفسير التطبيقي، نخبة من العلماء اللاهوتيين، ص (632).

(9) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (1/ 136)، مقدمة المناظرة الحديثة، أحمد ديدات، ص (88)، التوراة عرض وتحليل، فؤاد حسين، ص (52 - 55)، الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (96 - 100).

(10) انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص (64)، وتاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، ص (189)، كيف يفكر الإنجيليون في أساسيات الإيمان المسيحي، واين جردوم، ص (170).

(11) قاموس الكتاب المقدس، ص (66)، وانظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (1/ 147)، التوراة عرض وتحليل، فؤاد حسين علي، ص (56 - 57)، الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (101).

(12) انظر: الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (101)، التوراة عرض وتحليل، فؤاد حسين علي، ص (61 - 62).
(13) قاموس الكتاب المقدس، ص (148).

(14) قاموس الكتاب المقدس، ص (431).

(15) انظر: مدخل إلى الكتاب المقدس، جون بالكين وآخرون، ص (207). 

(16) موجز تاريخ الأديان، فيلسيان شالي، ص (160).
(17) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (1/ 150)، قراءات في الكتاب المقدس، عبد الرحيم محمد (2/ 266)، التوراة عرض وتحليل، فؤاد حسين علي، ص (76)، الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد ص (103)، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، محمد البار، ص (235 - 236).
(18) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (1/ 150).

(19) انظر: الفارق بين المخلوق والخالق، عبد الرحمن باجي البغدادي، ص (468 - 469).

 

 

  • السبت PM 03:49
    2022-05-14
  • 1016
Powered by: GateGold