المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412610
يتصفح الموقع حاليا : 285

البحث

البحث

عرض المادة

المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين

اتخذ أعداء الله والمبغضون لوحدة الصف الإسلامي مما وقع بين الصحابة في وقت الفتنة من الاختلاف والاقتتال سبباً وذريعة للوقيعة بهم، والنيل من عدالتهم.

وقد جرى على هذا المخطط الفاسد بعض الكتاب المتقدمين والمتأخرين من أهل البدع والضلال، الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويتكلمون بما لا يحسنون، فجعلوا أنفسهم حكماً بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يصوبون بعضهم، ويخطئون آخرين بلا دليل وحجة، لا سبيل لهم إلا سبيل الجهل واتباع الهوى، وترديد ما يقوله المغرضون والحاقدون من المبتدعة وأذنابهم من الكتّاب الضالين، حتى شككوا الكثير من عوام المسلمين في كتاب الله ([1]) وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم عن طريق الطعن في عدالة الناقلين.

وقد اتخذ هؤلاء الكتاب لتقوية باطلهم وكلامهم المأفون عدة شبه وأساليب ملتوية خبيثة في سبيل تشويه التاريخ، وزرع الفتن والبغضاء بين المسلمين، ومن تلك الأساليب:

أولاً: إسقاط عدالة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

أشاع أولئك المرجفون بين العوام: كيف نأتمن ونطمئن بأخذنا القرآن والسنة من أناس قد وقعت منهم الذنوب والمعاصي؟ وكيف نأخذ ديننا من أناس قد حكم الله عليهم بالنفاق؟

فعندما تُطرح مثل هذه الشبه والسموم على المسلمين، فإن ملقيها لن يقصد على اليقين أعرابياً من مغموري الصحابة، لم يفصّل التاريخ في خبره، أو يسهب في أثره، أو في صحابية من عامة الصحابيات زنت ثم اعترفت فرجمها النبي صلى الله عليه وسلم، أو من رجل كان مبتلى بشرب الخمر فأقام النبي صلى الله عليه وسلم عليه الحد، ولا يريد بشبهته هذه أمثال حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي زل في رأيه ولم يوفق في اجتهاده، عندما أخبر قريشـاً بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم فاتحاً، فكل أولئك رضي الله عنهم قد تابوا إلى الله عز وجل، إما باستغفار وإنابة منهم، أو بإقامة حد دنيوي عليهم.

لكنه يتوجه بشبهته وطعنه مباشرة إلى كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم، من خلال اختلاق القصص، وإبراز الخلافات بين هؤلاء الأطهار لتمهيد الطريق لإطفاء نور الله الذي سار عليه المسلمون، بإسقاط عدالة الصحابة ومن ثم يسهل عليهم ضرب كتاب الله، الذي نقلوه وحفظوه، ومن ثم سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، التي فيها تفصيل التشريعات الربانية، فيسهل بعد ذلك تفريق صفوف الإسلام والمسلمين، وجعل الفتن والبغضاء متأصلة بينهم.

وهذا ملاحظ فيما يشاع بين المسلمين، وما يقوم به أهل الفتن والتدليس من ترويج ونشر للأحاديث المكذوبة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كضرب الزهراء وإحراق بيتها، وضرب زوجها، واغتصاب خلافته من قبل كبار الصحابة، وغيرها كثير من الأكاذيب المتناثرة في الكتب الجامعة للأحاديث والروايات.

ومن العجيب في ذلك -والعجائب جمة- أننا لم نجد في هذه الروايات الداعية إلى الفرقة والاختلاف بين الصحابة رواية واحدة صحيحة، متصلة السند، إما مرفوعة إلى الإمام علي عليه السلام، أو لغيره من الصحابة، عن رواة عدول من شيعة آل البيت عليهم السلام تسند أمثـال تلك المزاعم.

ولنكن على بينة وعلم:

1- إن الثناء على الصحابة قد تحقق في كتاب ربنا، وفي سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذا على لسان العترة عليهم السلام ([2]).

2- إن مقولة: (إن من الصحابة منافقين) كذبٌ، لأن المنافقين ليسوا من الصحابة أساساً، والمنافقون كان جلهم معروفـاً للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، بأعيانهم أو بأوصافهم؛ لأن آيات القرآن قد بينت كل حركاتهم وسكناتهم، بل حتى خلجات نفوسهم .

وإذا أخذنا غزوة تبوك مثلاً، وهي من أواخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، نجد أن هنالك من تخلف عنها بأعذار واهية، أو بدعوى خشية الافتتان بنساء الروم، وغيرها من الأعذار السَّمِجَة التي عادة ما يتعذر بها المنافقون حينما يكون هنالك جهاد في سبيل الله.

وقد ذكرها القرآن الكريم في مواضع كثيرة، في حين أن الصحابة رضي الله عنهم خرج أغلبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق في المدينة إلا رجل معلوم النفاق، أو من له عذر عذره الله، أو من أذِن له النبي صلى الله عليه وسلم بالمكوث والتخلف.

ومما يدل على أن المنافقين معلوم أمرهم وأنهم ليسوا من الصحابة، أن رب العزة قد ذكر توبته على ثلاثة من أهل المدينة تخلفوا من غير عذر شرعي، وذلك لصدق توبتهم وعظيم إيمانهم، ووصف حالهم عند تخلفهم عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:117] إلى قوله تعالى: ((وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [التوبة:118].

ومن الجدير بالقول أن آيات سورة التوبة قسمت أهل المدينة بعد غزوة تبوك إلى ثلاثة أصناف, ولم تتكلم عن طائفة رابعة، وهي التي أذِن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلف أمثال الإمام علي وابن أم مكتوم، ونفر من الفقراء الذين لم يجدوا ما يستعينون به على الخروج.

فبينت آيات سورة التوبة أن الرحمن تاب على الصحابة الذين شهدوا المعركة في الآية الأولى، وهم الصنف الأول، واستثنى في الآية الثانية المنافقين من مجتمع المدينة، الذين تخلفوا عن الخروج وهم من الصنف الثاني، ثم قص الله علينا شأن ثلاثة من الذين تخلفوا عن المعركة من الصحابة، وأنه سبحانه قد تاب عليهم، بسبب صدقهم مع نبيه صلى الله عليه وسلم وهم الصنف الثالث والأخير.

فأين النفاق في أولئك، مع وضوح الآيات الدالة على حقيقة ما وقع ؟!

بل إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا من أكثر الناس خوفاً من الله عز وجل خشية على أنفسهم أن يقعوا في النفاق.

 

 

فعن سلام بن المستنير قال: (كنت عند أبي جعفر عليه السلام، فدخل عليه حمران بن أعين فسأله عن أشياء، فلما همّ حمران بالقيام قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرنا -أطال الله بقاءك لنا وأمتعنا بك- إنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنيا ويهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك، فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا. قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما هي القلوب مرة تصعب، ومرة تسهل، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: أما إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، تخاف علينا النفاق؟ قال: فقال لهم: ولم تخافون ذلك؟ قالوا: إنا إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا ووجِلنا، ونسينا الدنيا وزهدنا، حتى كأنّا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل والأولاد، يكاد أن نحوّل عن الحال التي كنا عليها عندك، وحتى كأنّا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن يكون هذا النفاق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا إن هذه من خطوات الشيطان ليرغبكم في الدنيا، والله لو أنكم تدومون على الحاله التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة، ومشيتم على الماء، ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله خلقاً لكي يذنبوا ثم يستغفروا، فيغفر لهم، إن المؤمن مفتّنٌ توابٌ، أما سمعت قول الله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) [البقرة:222]، وقال تعالى: ((اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)) [هود:3])([3]).

3- إن الصحابة رضي الله عنهم معصومون في إجماعهم، فلا يمكن أن يجتمعوا على شيء من كبائر الذنوب أو صغيرها فيستحلونها ويفعلونها، وأما وقوع المعاصي من بعضهم ففيه الدلالة على عدم عصمة أفرادهم، ولا يضر هذا الزلل في عدالتهم، ولا يحطّ من مكانتهم.

ومما يدل على عدالتهم على وجه العموم، ما قام به الأئمة عليهم السلام من تمحيص لروايات الصحابة التي رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا بعد الفحص والنظر صحابياً كذب كذبة واحدة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومع كثرة انتشار البدع في أواخر عهدهم كبدعة القدرية والخوارج والمرجئة، التي منشأها من تحكيم سقيم العقل وفساد الرأي، إلا أنه لم يوجد صحابي واحد في أولئك المبتدعة أبداً، وهذا يدل على أن الله قد اصطفاهم ورعاهم، وميزهم واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونشر دينه القويم.

 

قال أبو عبد الله عليه السلام: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفاً، ثمانية آلاف من المدينة، وألفان من مكة، وألفان من الطلقاء، ولم ير فيهم قدري ولا مرجئ ولا حروري ولا معتزلي ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار، ويقولون: اقْــِض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز الخمير)([4]).

وقد أثبت الإمام الصادق عليه السلام عدالة أصحـاب النبي صلى الله عليه وسلم على صدق ما يروونـه في حديثهم للنبي صلى الله عليه وسلم.

فعن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب، ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر؟ فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان! قال: قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقوا على محمد أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا، قال: قلت: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثم يجيبه بعد ذلك بما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضاً)([5]).

ولو جاء مدّعٍ بدليل على وقوع كذب في الصحابة أو حدوث نفاق في قلوبهم لقيل لـه مباشرة: فأين الدليل الصريح على استثناء بعضهم من هذا الادعاء؟

4- لا يلزم من إثبات العدالة للصحابة رضي الله عنهم إثبات العصمة لهم من الأخطاء فهم بشر يخطئون ويصيبون، وإن كانت أخطاؤهم مغمورة في بحور حسناتهم.

فلهم من السوابق والفضائل التي لن يلحقهم فيها أحد، فهم الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم حين اجتمع عليه العرب، وجاهدوا بأموالهم وأولادهم وأنفسهم، وقاتلوا آباءهم وإخوانهم وعشيرتهم، وبذلوا رقابهم لإعلاء كلمة الله، وكانوا سبباً في نشر ووصول هذا الدين العظيم إلينا، فهذه - بإذن الله-توجب مغفرة ما صدر منهم، ولو كان من أعظم الذنوب ما لم يصل إلى الكفر.

 

 

قال تعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) [آل عمران:159].

قال العلامة المجلسي: (وإذا زالت العدالة بارتكاب ما يقدح فيها، فتعود بالتوبة بغير خلاف ظاهراً، وكذلك من حُـدّ في معصية ثم تاب رجعت عدالته وقبلت شهادته، ونقل بعض الأصحاب إجماع الفرقة على ذلك)([6]).

وقال السيد أبو القاسم الخوئي: (ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية، وتعود بالتوبة والندم، وإنه لا يفرق في ذلك بين الصغيرة والكبيرة)([7]).

وقال السيد محمد حسين فضل الله عن عدالة أئمة الجماعات المعاصرين، والذين هم أدنى منزلة ممن أكرمه الله بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العدالة ليست العصمة، فقد يعصي المؤمن العادل ثم يتوب بعد انتباهه لذلك، على هدي قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)) [الأعراف:201], وأما كيف تثبت العدالة؟

فذلك بحسب الظاهر في سلوكه العام في المجتمع، بحيث يرى الناس فيه الإنسان المستقيم في دينه، وفي أخلاقه الفردية، أو الاجتماعية المرتبطة بالحدود الشرعية، كما تثبت بالشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان، وبخبر الثقة بعدالته، ولا قيمة لخبر الفاسق في العدالة سلباً أو إيجاباً)([8]).

 

 

ثانياً: تشويه سيرة الصحابة رضي الله عنهم:

مما سبق بيانه وتفصيله عرفنا أن أعداء الإسلام والمفرقين لشمل المسلمين قد استخدموا أساليب خطيرة ومتنوعة لبلوغ غاية عظيمة ألا وهي تشويه حياة وسيرة الصحابة رضي الله عنهم، واستحلوا جميع الدروب والوسائل لتحقيق هذه الغاية، مما أدى إلى نتائج وخيمة وعواقب أليمة، كاستحلال لعنهم وسبهم، وإلصاق كل قبيح بهم.

وزيادة على ما مضى ذكره من أساليب قذرة، نزيد في بيان بعضها، ومنها:

1- اختلاق القصص، سواء كانت على لسان صحابي أو عدة من الصحابة رضي الله عنهم.

2- القيام بالزيادة في الحوادث الصحيحة أو النقصان منها، أو بإسنادها كذباً إلى كتب حديثية غير موجودة فيها.

3- القيام بتأويل الأحداث الصحيحة في آيات القرآن، والأحاديث النبوية الصحيحة تأويلاً باطلاً يتماشى مع أهوائهم ومعتقداتهم وبدعهم، كما قال الله عز وجل: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ)) [آل عمران:7].

4- التركيز على إظهار أخطاء الصحابة رضي الله عنهم التي صدرت منهم لقرب عهدهم - في بدء الدعوة والإسلام - بالجاهلية وتأثرهم بشيء منها في أول أمرهم، ومن ثم تغطية محاسنهم وتضحياتهم وجهادهم العظيم، بعد تمكّن التربية والإيمان في قلوبهم.

5- القيام بتأليف أبيات من الأشعار ونسبتها لشخصيات بارزة، والتي تتماشى مع دعوتهم في نشر فتنتهم بين المسلمين وتقويتها، مثلما نُسِب كذباً وزوراً لعلي بن أبى طالب عليه السلام الكثير من الأقوال والأبيات الشعرية([9]).

 

 

ثالثاً: الغلو.. والتقول على العترة الكرام:

إن البهتان والتقول على العترة عليهم السلام لما ابتدأ أمره في زمنهم، ارتفعت أصواتهم عليهم السلام بالنهي عنه، وحذروا شيعتهم من خطورة التقول عليهم.

فجاء عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (رحِم اللهُ عبداً حبّبنا إلى الناس ولم يبغّضنا إليهم، أما والله! لو يروون محاسِن كلامنا لكانوا به أعز، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء، ولكنّ أحدهم يسمع الكلمة فيحط عليها عشراً)([10]).

وقال أيضاً: (إن ممن ينتحل هذا الأمر - يعني من: يدَّعي اتباعهم- ليكذب حتى إن الشيطان ليحتاج إلى كذبه)([11]).

وقال كذلك: (إن الناس أولعوا بالكذب علينا، إن الله افترض عليهم لا يريد منهم غيره، وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله، وذلك بأنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله، وإنما يطلبون الدنيا)([12]).

ولأهمية الصدق والاتصاف به رغَّب العترة شيعتهم أن يتحلوا بهذا الخلق المبارك فمن ذلك ما قاله أبو عبد الله عليه السلام: (إنّا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكـذب عليه , وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله، وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ)([13]).

وعن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لعن الله عبد الله بن سبأ! إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبدَا لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم)([14]).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن فيك مثلاً من عيسى أبغضته يهود خيبر حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزلة التي ليس له ألا فإنه يهلك فيّ اثنان: محب مفرط يفرط بما ليس فيَّ، ومبغض يحمله بغضعه على أن يبهتني، ألا إني لست بنبي ولا يُوحى إلي، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم أو كرهتم)([15]).

والغلو داء فتاك في كل عمل وقول، وتستفحل خطورته أكثر إذا كان في جانب الدين، فما الظن إن كان الغلو هو القائد في الحب أو البغض.

لأجل هذا حذر منه الأئمة، فجاء عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: (اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً)([16]).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: (الغلاة شر خلق الله، يصغرون عظمة الله، ويدعون الربوبية لعباد الله، واللهِ إن الغلاة لشرٌ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا)([17]).

وجميع تلك الأساليب والطرق كانت -وما زالت- منذ وجودها طريقـاً إلى تجدد العهد بشتم الصحابة وانتقاصهم وطرح عدالتهم، وغيرها من المثالب.

 

([1]) قال الكاشاني: وأما اعتقاد مشايخنا (ره) في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن؛ لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي (ره)، فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبى طالب الطبرسي، فإنه أيضاً نسج على منوالهما في كتابه الاحتجاج. (تفسير الصافي - المقدمة السادسة: (52), وانظر: كذلك تفسير القمي: (1/23)، آراء حول القرآن - آية الله علي الأصفهاني: (88)، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة - للميرزا حبيب الله الخوئي: (2/197).

([2]) انظر: (ص:13-35) من هذا الكتاب.

([3]) الكافي:(2/423), بحار الأنوار: (6/41), تفسير العياشي: (1/109), مجموعة ورام: (2/210).

([4]) الخصال: (2/639)، بحار الأنوار: (22/305).

([5]) الكافي: (1/65)، بحار الأنوار: (2/228).

([6]) بحار الأنوار: (85/30).

([7]) منهاج الصالحين: (2/12).

([8]) المسائل الفقهية: (2/174).

([9]) انظر: بحار الأنوار: (20/72، 118، 146، 238، 264، 21/35، 251)، مستدرك الوسائل: (8/119)، (13/75).

([10]) الكافي: (8/229).

([11]) الكافي: (8/254)، بحار الأنوار، (25/296)، رجال الكشي: (ص:297).

([12]) بحار الأنوار: (2/246).

([13]) رجال الكشي: (ص:108)، بحار الأنوار: (25/287).

([14]) رجال الكشي: (ص:107)، بحار الأنوار: (25/286).

([15]) بحار الأنوار: (ص:35، 317)، العمدة: (ص:211).

([16]) بحار الأنوار: (25/284).

([17]) بحار الأنوار: (25/284).

  • الاثنين PM 11:03
    2022-04-11
  • 793
Powered by: GateGold