المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409095
يتصفح الموقع حاليا : 239

البحث

البحث

عرض المادة

شبهة تناقض القرآن

شيء آخر يأخذه خصوم الإسلام، ليخدعوا به السذج، وقبل أن نعرض لذلك الشـيء نقول: إنه يجب على ولي الأمر حاكما ً كان أو وليا ً من تحت يده من الأبناء والنساء بأباطيل خصوم الاسلام والرد عليها لأن هذه سنة القرآن.

فالقرآن عرض علينا أباطيل خصوم الدين، ورد عليها؛ لأنه لـو ترك القضايا تفِد علينا من غيـره لدخلت علينا بغير دليل علـى بطلانها، إذن لا بد من عـرض هذه القضايا ومعها دليل البطلان، لئلا تنفرد القضايا بالقلب.

حينما يفد علينا مرض، ونريد أن نتحصن منه فإننا نذهب إلى المرض نفسـه، ونأخذ الميكروب في صورة غير شرسة، ونعطيـه للنـاس في صورة حقـن، وأولياء الأمـور من علماء ومدرسـين وآباء عليهم أن يعرضوا هذه القضايا من جهتهم، ولا يدعوها تفد إليهم مـن ورائنا؛ لأننا إن هوجمنا من الخلف هوجمنا بشراسة.

وكثيـر مـن النـاس يسـتنكفون أن يذكروا هـذه القضايا لأبنائهـم، لئلا يلفتـوا أنظارهم إليها، وهذا خطأ؛ لأن وسـائل الإعلام شـتى، فإن حاولت ألا تفد هـذه الوافدات عن طريقك، فإنك لا تستطيع أن تمنعها من الوصول من غيرك وعن طريق وسائل الإعلام.

وخصوم الإسلام يقولون: إن القرآن الذي يرفعه المسلمون إلـى مرتبة التقديس ليس من عند الإلـه؛ لأن الإله لا يمكن أن يتضـارب، وهذا القـرآن متضارب في كثير مـن آياته، وعدوا عشـر آيات ظاهرها التضارب وعنونوها: «سـفر البرهان في متناقضات القرآن» وعرضوها بغير سليقة العربي ذي الملكة الذي يفهم الأسلوب ويدرك مراميه.

عرضوا قول الحق سبحانه ليشككوا في القرآن ذاته: " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ " الأنعام: 164.

وقالوا: تلك قضية قرآنية، وقالوا: ثم يسـهو محمد أنه قال هـذه الآية، فينطلق لسـانه بآية أخرى تناقض هـذه الآية هو قوله: " لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ " النحل: 25.

فكيـف لا تـزر وازرة وزر أخـرى، ثـم يحملـوا أوزارا ً مع أوزارهـم؟ هم معذورون؛ لأنهم لم يتمرسـوا بفهم الأسـلوب العربـي، أو هم فاهمـون، ولكنهم يحاولـون أن يدخلوا على النـاس بهذا، لأنهم سـيخاطبون ناشـئة، هذه الناشـئة ليس عندها بصر بأسلوب اللغة.

فنقـول لهـم: لا تضـارب، لأن الدين الإسـلامي دين ذاتي، بمعنى ان الانسان لا يعاقب إلا على فعل فَعَله باختياره غير مُكره عليه في زمـن يكون التكليـف فيه موجـودا ً، ومعنى التكليف هـو البلوغ والعقل إلى آخر الشـروط الموضحة في مواضعها من الشـريعة، مما يدل على احتياطات الإسـلام في مسألة الجزاء.

فهـو لـم يكلـف إلا من نضـج عقلـه، وآية نضـج العقل: اسـتكمال البنية الإنسـانية بالبلوغ؛ لأنه لو كلّف قبل ذلك ثم طـرأ عليه البلوغ، والبلوغ ظاهرة جنسـية عارمـة، ربما قال: هذه لم تكن عندي ساعة تعاقدت على الإيمان، أنا الآن أجد في جسمي أشياء أخرى.

والنضج في كل شـيء حـي هو أن يقـدر بذاتيته على أن ينجب مثله، ولذلك فمن رحمة الله بنا من أجل بقاء الأنواع أن الثمار كلها في أصل تكوينها إنما تكون من أجل حماية البذرة التي في داخلها، ولا تنضج الثمرة وتكون حلوة إلا إذا نضجت البذرة فيها.

فأنت إذا شـققت بطيخة ووجدت اللب أبيض، فهي ليست حلـوة، أما إذا وجدته أسـود لامعا ً فهي حلـوة، وقطْفُ العنب إن كانت بذرته ناضجة فهو حلو، وإلا فلا، وكذلك الإنسـان لا ينضج إلا إذا كانت عنده القدرة الذاتية على الإنجاب، وهذا هو التكليف.

فإذا أكرهته على الفعل رفع عنه التكليف، وهذا هو الضمان لعدالة الجزاء ويشـترط أن تكـون أداة الاختيار بين البديلات -وهي العقل- سليمة.

وهـذا التحـري الدقيق للعدالـة معناه أننـي لا أحمل وزر سـواي، لكن الوزر الذي يفعله الشـخص قـد يظهر أثره في غيـره فالذي يضل يضل بذاته مـن غير أن يتعدى ضلاله إلى الغير، ولكن حين يريد أن ينقل ضلاله إلى الغير فإن له عملين حينئـذ: أنه ضل في ذاتـه، وأنه أضل غيره، فحين يضل غيره فهذا عمل جديد وهو حينئذ يحمل وزر ضلاله في ذاته، ووزر إضلالـه لغيره، وهذا وزر مع وزره، هو أنه ضلل الغير فهناك فرق بين وزر الضلال، ووزر الإضلال، وهم لا يفهمون ذلك.

ألم يروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " - مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها ، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها ، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها ، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا " [1].

لأنها ما دامت سنة فقد أصبحت أسوة، ولذلك شرع الإسلام سـتر بعـض الجرائم، لأن إشـاعتها تعطي أسـوة في الشـر فيسـترها ويأمـر بعدم التنقيب عن عيـوب الناس؛ لئلا توجد الأسوة في الشر، فإن وجدت أسوة في الشر فالذي صنعها هو الذي كشف عنها وأشاعها.

إذن فالمسـألة الأولـى مـن كتـاب: «سـفرالبرهـان فـي متناقضات القرآن» منقوضة.

وبعد ذلك يعرضون قضية العقوق الأبوي، قالوا: إن القرآن يحض الناس على أن يعاملوا آباءهم معاملة سـيئة وقاسـية وعرضوا الآية: " لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ " المجادلة: 22.

ثـم يقول: ويؤخذ محمد بعد ذلك بعاطفة من حنان تجعله يسهو فيقول ثانيا ً: " وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا " لقمان: 15.

ونقـول لهـم: وما ذنبنـا نحـن إن كان هـؤلاء لا يفهمون العربيـة، لا بسـليقة اللغة، ولا بإتقان الصنعـة، نريد منك أن تخبرنـا في لغتك: ما هـو الود؟ وما هو المعـروف؟ فالآيتان لم ترِدا على شـيء واحد، بل جاءت الأولـى في الود، وجاءت الثانيـة في المعروف، ولو أن الآيتين وردتا على شـيء واحد، لأمكن أن يقال: هناك تناقض.

ما هو الفرق بين الود والمعروف؟

الـود: حب القلب، وحـب القلب يدعوإلى انجـذاب القالب بتبعاته من كل مظاهر الحب، والمعروف: بذل القالب.

المعـروف تصنعه مع من تحب ومن لا تحب، وتبعات الود لا تصنعهـا إلا مـع من تحب، فـالأب الكافر لا يحبـه المؤمن بالقلـب، ولكن يصنع له المعروف، لأن الابن مأمور بأن يكون صاحب معروف حتى مع أعدائه.

الود القلبي يترتب عليه المعروف، أما المعروف فلا يترتب عليه الود القلبي، ووقائع الإسلام الدالة على ذلك كثيرة.

فسـعد بن أبي وقاص حين أسـلم حلفت أمه ألا تأكل، ولا تشـرب، ولا تغتسل، ولا تقوم من الشمس، فقال سعد لقومه: دعوها، فـإن آذاها القمل اغتسـلت، وإن عضها الجوع أكلت، وإن أصابها الظمأ شـربت، وقال لها: يـا أمي، والله لو أن لك مئة نفس ونفس، ثم فاضت منك نفسا ً نفسا ً على أن أترك دين محمد ما تركته.

هذا هو الذي صنعه الإيمان.

الحب لا يتسع لأمرين أبدا ً، لأن الله يقول: " مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ " الأحزاب: 4.

ولذلك حينما يطلب الله من المؤمن ألا يجعل حب الدنيا في قلبـه، فلأن الله يريد أن يكـون قلب المؤمن منزله ولا يريد أن يجعل معه في القلب سواه.

والدليل علـى ذلك: أن الذين آمنوا خلعـوا من قلوبهم لكل كافر، ولو كان ودا ً غريزيا ً او عاطفيا ً، كما حدث من سعد.

وهناك مثل آخر ففي موقعة بدر كان سيدنا أبو بكر بجانب النبي صلى الله عليه وسلم وابن له كان ما يزال كافرا ً يحارب معهم في صف ضد أبيه، ثم أسلم الولد بعد ذلك فقال الولد لأبيه: يـا أبت، لقد رأيتك يوم بدر، فعزفـت عنك مخافة أن ينالك شـيء فقال أبو بكر -رضي الله عنه- والله يا بني لو تراءيت لي يوم المعركة لقتلتك.

كلاهما صادق، لأن أبا بكر يقارن بين بنوة وربوبية، فيرجح عنده جانب الربوبية ولكن ابنه يقارن بين أبيه وبين لا شيء؛ لأنه تبين أنه لا يؤمن بأصنامه، وإلا لدخلت في المقارنة بدليل أنه تركها وأسلم.

كل ذلـك دليل على أن الحب الإيماني إذا تمكن في القلب لا يوجد فيه فراغ لأن يحب شيئا ً آخر.

ونحن نلاحظ أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأبو سفيان رجل له مكانته وسـيادته، وكان يقال له: سـيد العيـر. وأم حبيبة حين أسـلمت وهاجرت مع زوجها -وكانت تحبه- وشاء الله أن يخلصها للحب له وحده، والإيمان به، فأغراه أحد الأحباش بالنصرانية فتنصر، وبقيت هي على دين الإسلام.

إذ ثبت أنها آمنت لا لأن زوجها آمن، وهاجرت لا لأن زوجها هاجر، لذلك لم يكن لها من مكافأة عند الله وعند رسوله إلا أن يطمئنهـا إلى أن العوض عند اللـه، فعوضها عن زوجها الذي تنصر، بأن تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم ينتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تذهب إلى هناك، بل جعل النجاشي يعقد لها عليه، حتى يعجل لها بالعوض، وأصبحت أمـا ً للمؤمنين، وحين تصبح أما ً للمؤمنيـن يكون قد ألزم كل المهاجريـن بأن يكونـوا في خدمتها، وطـوع إرادتها، يذهب زوجها، فيصبح المسلمون في الحبشة كلهم رعية لأم حبيبة. وبعـد ذلك تأتي إلى المدينة، ويذهب إليها أبوها، فتمنع أبا سـفيان من أن يقرب فراش رسول الله؛ لأنه مشرك، وهذا هو ما يفعله الإيمان في القلوب.

فـلا يوجد ود في قلب مؤمن لغير الله، ولغير من يشـترك معـه في حب اللـه، والإيمان بالله، الود العاطفي، والجسـدي يذهب، ويأتي الإيمان كما حدث لمصعب بن عمير رضي  الله عنه.

 ومصعـب بـن عمير تربـى في النعيـم، ولما أسـلم عاش الكفاف، ولكنه كان أول داع إلى الإسـلام في المدينة، والتقى بالكفـار في غزوة بدر، وكان له أخ اسـمه أبـو عزيز يحارب مع الكفار، وقد وقع أسـيرا ً في يد أنصاري اسمه «أبو اليسر»  ومر عليه أخوه مصعب وهو أسـير، فقال لآسـره: اشدد على أسـيرك، فإن أمه غنية، وسـتفديه بمال كثير، فقال أخوه له، أهذه وصاتك بأخيك؟ قال مصعب: هذا أخي ولست بأخي.

مـن هنا تعلم أن الود الإيماني عمل قلبي بحت، والمعروف إحساني لمن تحب ومن لا تحب.

وقالـوا: إن قرآن محمد تعرض لقضية كونية ما كان أغناه أن يتعرض لها؛ لأنها ليست من مهمة الإيمان، ولكن يشاء الله أن يوقعـه فيها حتى تكون حجة عليه، قالوا: إن القرآن يتكلم عن خلق السـماوات والأرض، ويقول: إن الله خلقهما في ستة أيام.

وهذا يعطينا أن خصـوم القرآن يقرءون القرآن، ويعملون الإحصائيات حتى يُفهِمُونا أنهم يتكلمون عن دراسـة، وأنهم يستخرجون ما لا يستخرجه المؤمنون، لأن المؤمنين يقرءون القرآن بقداسة أنه من عند الله.

ونقول: إن إعلان خصوم الإسلام عن هذه القضايا مقصود للـه تعالى، حتى يظهر إعجاز القرآن، ويظهر أنه من عند الله على مر العصور كما قال الشاعر:

وإذا أراد اللـه نشـر فضيلـة            طويـت أتـاح لهـا لسـان حسـود

إذن فالمعطيـات التي صنعها أهـل الكفر هي التي دفعت أهل الإيمان إلى الرد عليها، فبدأ جمال الدين، وجلال القرآن.

آيات القرآن تنص على أن الله خلق السماوات والأرض في سـتة أيام، ولكن آية واحدة اكتشـفها أعداء الإسـلام بزعمهم وقالوا: إنها فضحت محمدا ً -قبّحهم الله- وهي قوله تعالى: " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ " فصلت: 9، ووضعوا تحت يومين خطين.

" وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ " فصلت: 10، ووضعوا تحت أربعة أيام أربعة خطوط.

" ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) " فصلت: 11، 12.

ووضعـوا تحت اليوميـن خطين وقالوا: اقـرءوا الخطوط تجدوها ثمانية أيام، إذن محمد سـها حتى قـال: إنها ثمانية أيام.

نقول لهم: أنتم لم تفهموا معطيات القرآن، لأنه نزل باللسان الفصيح الوضيح، كل حرف فيـه له معانٍ، والحسّ الصحيح هـو الذي يـدرك المعلومة القرآنية الصحيحـة، والعربي يقرأ القرآن بملكته، وسـاعة يقرأه بملكته يستطيع أن يضع اللفظ في مكانه المناسب وإن لم يكن منقوطا ً.

الـذي خلـق الأرض في يومين، وجعل في الأرض رواسـي مـن فوقها أي من فوق الأرض، وقـدر فيها أقواتها، أي أقوات الأرض، إذن ما يأتي في كلمة أربعة أيام لمخلوق ليس ابتداء، ولكنه تتمة لشيء.

الأيـام الأربعـة لمتتكلم عن خلق جديـد، وإنما تكلمت عن إتمام شيء موجود، فالله خلق الأرض في يومين، وجعل فيها رواسـي وقدر فيها أقواتهـا في تمام أربعة أيـام، كما تقول: سـرت من القاهرة إلى طنطا في ساعة، وإلى الإسكندرية في ثلاث سـاعات، فهل يكون المعنى من طنطا إلى الإسـكندرية في ثلاث ساعات؟ لا، بل من القاهرة إلى الإسكندرية في ثلاث ساعات.

إذن الآيـة دخـل فيهـا اليومـان الأولان في الأربعـة إذن لا تحسب الاثنين مرتين، فعندنا الآن أربعة أيام.

بعـد ذلـك هناك يومـان، فالمجمـوع سـتة، فاتفقت آيات الإجمال مع آيات التفصيل وانتهى الإشكال.

وعرضـوا قضية أخرى، هي أن محمدا ً يجيء بألفاظ تؤدي معاني، ولا يفطن إلى وجه التداخل فيها.

يقولـون هذا كأنهم يفهمـون العربية أكثر من القوم الذين لهـم ملكة العربية، حتى إن القرآن جـاء يتحدى ملكتهم، فلو صح ما يقولونه لسـهل علـى أصحاب الملكة مـن العرب أن يردوا به على رسـول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا كافرين، ومعارضين له، ويتلمسون له الأخطاء فلو كان هناك خلل في البيان لملئوا الدنيا صياحا ً.

ومـع ذلك فقد أبقى الله -تعالـى- كثيرا ً من صناديد الأمة كافرين حتى يشحذوا عقولهم للتحدي، ومع ذلك لم يستدركوا على القرآن شيئا ً.

قالوا: هناك آية تقول: " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ " آل عمران: 135.

وآية تقول: " وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ " النساء: 110.

أليـس فعل الفاحشـة ظلمـا ً للنفس؟ وأليس السـوء ظلما ً للنفـس؟ فكيف يكون العطف بـأو وهي تقتضي المغايرة ما كان هناك داع للعطف بأو، إلا أن محمدا ً سها.

نقـول: أو تأتـي للتخييـر، والإباحة، والتقسـيم، وهي هنا للتقسـيم، الذي يفعل الفاحشة أو السـوء يحقق لنفسه متعة عاجلـة، وينسـى العقـاب الآجـل، وهذا هـو فعل السـوء أو الفاحشـة، وفي بعـض الحالات لا يحقق لنفسـه متعة، وإنما يحقق لغيره المتعة، وهذا ظالم لنفسه، لأنه سيعاقب والمتعة لغيره كشـاهد الزور مثـلا ً، يحقق الفائدة لغيـره، ويبوء هو بالإثم، وهذا هو ظلم النفس، فاختلفا.

 

[1] رواه مسلم من حديث المنذر بن جرير برقم 1017.

  • الجمعة PM 11:15
    2022-04-08
  • 1061
Powered by: GateGold