المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412262
يتصفح الموقع حاليا : 325

البحث

البحث

عرض المادة

مقدمة عن عبداللـه بن سبأ اليهودي اليماني

بعد رحيل النبي صلى اللـه عليه وسلم إلـى الرفيق الأعلى واندلاع حروب الردة، وبعد أن تمكن أبو بكر الصديق رضي الـه عنه من قمعها، دخلت إلـى رواق الحياة الإسلامية شخصيات لم تستضيء قلوبها بأنوار النبوة ولم تستكمل حضانتها الإسلامية في ظل اليقين، فكان دخولـها لمناوأة الإسلام، والانقضاض عليه من الداخل، فزاحمت مناكبها أصحاب رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم، حتى أقصتهم عن مكانهم، وقبضت على كثير من مرافق الحياة في الأمة، وقضت في كثير من قضاياها، وتقدمت وتأخر أهل السبق في الإسلام، فكان لـهذه اشخصية الدخيلة، أثر عظيم في ظهور الفرق والمذاهب التي مزقت وحدة المسلمين، وبددت شملـهم، وجعلت القرآن بينهم عضين، تلجأ إليه كل فرقة، وفي يدها سلاح التأويل المنحرف، لتجعل منه سنداً لمذهبها، وحجة على منتحلـها، تظاهروا من خلال إيمانهم بمبدأ التقية بالحب للآل من بيت النبوة، في الوقت الذي عملوا كل ما من شأنه الإساءة إليهم، والقضاء عليهم، تعرض آل البيت للقهر والاضطهاد من قبل العناصر المناوئة، لكونهم من البيوت الطاهرة الشريفة التي تربت في بيت النبوة، ونهلت الإسلام من منابعه، ولذلك فقد أصبحوا في صدارة اهداف العناصر المناوئة التي أضمرت الكيد للإسلام، وكان ذلك في نفاق ماكر، ومكر منافق، اتخذت من التشيع المغالي ستاراً لـهدم هذا الدين المتين، فكايدته مكايدة ماكرة خبيثة، وتربصت به الدوائر، حتى إذا لمعت لـها بارقة الخلاف بين المسلمين في خلافة عثمان بن عفان رضي اللـه عنه هبت واثبة إلـى مكان القيادة، تسوق الناس بعصا الفتنة العمياء، وتهمزهم إذا فتروا بمهمز المكر والدهاء.

وكان رأس هذه العناصر المناوئة: عبداللـه بن سبأ، الملقب بابن السوداء، وكان من يهود اليمن، وفد إلـى الحجاز، وانتحل الإسلام لأغراض كان يسترها، كشفت عنها دعوته المارقة، (اختزن خيالـه مرارة الإجلاء اليهودي من الجزيرة العربية، فقدم إلـى المدينة بكل توتره وحقده، وأسلم ظاهرياً وهو يصر على إغراق هذا المجتمع الناشئ، في بحور من الفتنة والشك)([1]).

أصلـه وموطنه

اتفقت كتب المقالات والفرق ومعظم كتب التاريخ والأدب التي تعرضت لموضوع الفتنة التي حدثت أيام الخليفة عثمان بن عفان رضي اللـه عنه ولحادث مقتل الخليفة علي بن أبي طالب رضي اللـه عنه في الكوفة، على ذكر عبداللـه بن سبأ، وأنه شخصية يهودية ظهر في مجتمع المسلمين بعقائد وأفكار ليفتن المسلمين في دينهم، ثم اجتمع إليـه رعاع القبائل وبعض المتوترين، فاستطاع بهم شق وحدة المسلمين، وإيقاف الفتوحات الخارجية، لتبدأ حروب أهل البيت، وإن كان هناك اختلاف بينهم في عرض أخباره.

وتتفق المصادر السنية والمصادر الشيعية على أن عبداللـه بن سبأ يهودي من صنعاء باليمن، أسلم لتدبير المكائد للمسلمين، وبث الفتنة، وعوامل الفرقة والاختلاف فيما بينهم.

  • جاء في تاريخ الطبري: (كان عبداللـه بن سبأ يهودياً من صنعاء) ([2]).
  • قال ابن عساكر: (عبداللـه بن سبأ الذي تنسب إليـه السبئية، وهو من الغلاة الرافضة، أصلـه من اليمن) ([3]).
  • قال الناشئ الأكبر: (وكان عبداللـه بن سبأ من أهل صنعاء، أسلم على يد علي، وسكن المدائن) ([4]).
  • قال سعد بن عبداللـه القمي الأشعري: (وحكى جماعة من أهل العلم بأن عبداللـه بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى عليا)([5]).
  • ساق المستشرق الألماني اسرائيل فريدليندر حججاً عديدة في دراسة بعنوان: عبداللـه بن سبأ وأصلـه اليهودي، عن يهودية ابن سبأ وأصلـه اليمني([6]).
  • قال أحمد أمين: (إن ابن السوداء هذا أتى أبا الدرداء([7]) وعبادة بن الصامت([8]) فلم يسمعا لقولـه، وأخذه عبادة إلـى معاوية([9]) وقال لـه: واللـه الذي بعث عليك أباد ذر([10])، ونحن نعلم أن ابن السوداء هذا لقب لُقب به عبداللـه بن سبأ، وكان يهودياً من صنعاء)([11]).
  • قال صالح درادكة ما نصه: (أن أخبار الفتنة وصلتنا عن طرق أخرى غير طريق سيف بن عمر التميمي، وهذه الروايات بعمومها لا تخالف رواية سيف، وإنما تؤكد صحتها وتضيف اليها بعض التفاصيل، وإذا كان المؤرخون يأخذون برواية سيف، فلأنهم وجدوا فيها كشفاً لليد الخفية التي كانت وراء تنظيم المعارضة على عثمان إلـى أن يقول: لـهذا لا يمكن إنكار وجود السبئية في أحداث ذكرها قدامى المؤرخون للملل والنحل، ومع وضوح حقيقة وجود السبئية يجب أن لا تخفى عن أعيننا الحقيقة الأخرى، وهي: أنه لولا وجود المعارضة ولديها الأسباب الكافية لوجودها لما تمكن عبداللـه بن سبأ من الوصول إلـى أهدافه)([12]). فكل الروايات التي أوردناها آنفاً تدل على أن عبداللـه بن سبأ يهودي من صنعاء وهي كانت في أيام احتلال الأحباش لـها، قاعدة مهمة لليهود، والظاهر انهم أقاموا فيها قبل غزو الأحباش لليمن([13])، مما يؤكد يهودية عبداللـه بن سبأ ما ذكره الإمام ابن حزم الأندلسي أن قال ما نصه: (والقسم الثاني من الفرق الغالية يقولون بإلـهية غير اللـه عز وجل، وأولـهم قوم من أصحاب عبداللـه بن سبأ الحميري)([14])، فنسبه إلـى قبيلة حمير، وقبيلة حمير كانت تسكن في صنعاء، قال محقق كتاب (قرة العيون بأخبار اليمن الميمون): و(صنعاء هي حاضرة اليمن في معظم العصور الإسلامية، ومن أقدم المدن العربية، فقد قيل أنهـا بنيت بعد الطوفان، وهي عروس الجزيرة العربية، وتاجها المتلألئ، ومحط أملاك حمير، وحمير هذه ينتسب إليها كعب بن ماتع الرعيني الحميري الذي اشتهر باسم كعب الأحبار وكان عالم أهل الكتاب، ومن كبار أحبارها)([15]).

ويقول ابن قتيبة: (كانت اليهودية في حمير، وبني كنانة، وبني الحارث بن كعب، وكندة)([16])، ولم تذكر المصادر التي وقفت عندها اسم والد عبداللـه بن سبأ… اللـهم إلا الزبيدي صاحب تاج العروس، فقد ذكر أن (سبأ) الوارد في حديث (فروق بن مسيك المرادي) هو والد عبداللـه بن سبأ صاحب السبئية من الغلاة([17])، وهو رأي بعيد عن الصواب، فقد يكون والده من صميم حمير، وقد يكون من المنتسبين إليها بالولاء، وقد يكون من الأبناء([18])، فلم يعرف لـه أب، أما أمه فهي حبشية الأصل([19])، ومن هنا جاء لقبه (ابن السوداء) ومن الثابت تاريخياً أن التزاوج بين الأحباش واليمنيين، أنتج في ايمن سلالة هجينة، ربما يكون ابن سبأ أحد أفرادها، وإلـى هذه السلالة يشير الكميت في مفاخرته بالنزارية على اليمن بقولـه:

لنا قمر السماء وكل نجم        تشير إليه أيدي المهتدينا

وجدت الله إذ سمى نزارا        وأسكنه بمكة قاطنينا

لنا جعل المكارم خالصات            وللناس القفا ولنا الجبينا

وما وجدت بنات بني نزار      حلائل أسودين وأحمرينا([20])

والمقصود بـ سبأ التي ينتسب إليها عبداللـه بن سبأ هو اليمن، فكل يماني يصح أن يُقال عنه انه ابن سبأ، كما يُقال للمصري ابن النيل، وللأردني ابن الأردن، وتتوثق نسبة أهل اليمن إلـى سبأ، بخبر يورده يعقوب بن شيبة في كتابه (مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب) بمناسبة ذكره الأوزاعي، فقال: (كان من سبأ من أهل اليمن) ([21]).

وقد حكى القرآن الكريم في سورة النمل ما قصة الـهدهد على سيدنا سليمان بقولـه: (فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء، ولـها عرش عظيم)([22])، وفي القرآن الكريم سورة تُسمى سورة سبأ، وقد حدثنا القرآن عما كانوا فيه من رزق رغيد ونعيم مقيم، وخزنوا الماء بكميات كافية وراء السد الذي عُرف بسد مأرب، فلما أعرضوا عن شكر المنعم، وعن العمل الصالح، والتصرف الحميد، سلبهم اللـه سبب هذا الرخاء الذي كانوا يعيشون فيه، وأرسل عليهم السيل الجارف حاملاً في طريقه العرم وهي الحجارة، فتحطم السد وانساحت المياه فطغت وأغرقت الأرض، وتبدلت جناتها الفيح إلـى صحراء قاحلة تتناثر فيها الأشجار البرية الخشنة، قال تعالى: (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط واثل وشيء من سدر قليل، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) ([23]).

ومن الجائز أن يكون ابن سبأ قد أخفى عنا اسم والده اليهودي، لئلا يعرف الناس حقيقته، أما ما ذهب إليـه البغدادي من أن ابن سبأ كان من أهل الحيرة، حيث قال: (وكان ابن السوداء أي ابن سبأ في الأصل يهودياً من أهل الحيرة) ([24])، وتابعه في ذلك الإمام الفاضل (محمد أبو زهرة) في كتابه المذاهب الإسلامية([25])، فلا يتعارض مع الروايات التي تقول بأنه يماني الأصل، إذ يجوز أن يكون من أصل يماني، وهاجر إلـى الحيرة في العراق، علماً بأن الحيرة كانت مركزاً لجميع اليهود وأبناء الديانات والمذاهب الأخرى، ومن المؤكد أن المسلمين لما خططوا الكوفة، لم ينتقل إليها بادئ الأمر أحد من اليهود، بل ظلوا في الحيرة، وكان الحجاج بن يوسف الثقفي قد وقف على المنبر في الكوفة (سنة 77 للـهجرة) وقال: (يا أهل الكوفة، لا أعز اللـه من أراد بكم العز، ولا نصر من أراد بكم النصر، اخرجوا عنا، لا تشهدوا معنا قتال عدونا، انزلوا بالحيرة مع اليهود والنصارى) ([26])، وبعد أن جاء ابن سبأ إلـى المدينة واحتك بالحياة الدينية والاجتماعية السائدة هناك، اتخذ منها موقفاً محدداً يتسم ببغض الخليفة وذويه، لما بدر منه في زعمه من استئثار أقاربه بالمال والسلطة، فأخذ يبث انصاره هنا وهناك، ليكشفوا للمسلمين زوراً وبهتاناً مساوئ عهد عثمان رضي اللـه عنه، ولتحريضهم على الثورة، يقول المؤرخ الفارسي ميرخواند أن السبب في حقد ابن سبأ على عثمان هو: انه كان يأمل حين قدومه إلـى المدينة إكرام الخليفة لـه، فلما لم يحصل لـه ما أراد، أخذ يتصل بالناقمين عليه، وينكر على عثمان إدارته علناً، وبلغ عثمان خبره أخيراً فقال: من هذا اليهودي الذي أتحمل منه هذا؟ وأمر بنفيه من المدينة، ثم ذهب أخيراً إلـى مصر، وصار من المشاغبين العاملين ضد عثمان([27]).

 

([1]) الشابي، الشنرة العلمية لجامعة الزيتونة، ع1، ص 245.

([2]) الطبري، تاريخه، ج4، ص 283، وانظر أبو الشعر حركة المختار بن أبي عبيد في الكوفة، ص 329.

([3]) ابن عساكر، مختصر تاريخ دمشق، ج12، ص 219.

([4]) الناشئ الأكبر، مسائل الإمامة، ص 22-23.

([5]) القمي،  المقالات والفرق، ص 20-21.

([6]) بدوي، مذاهب الإسلاميين، ج2، ص 219.

([7]) أبو الدرداء، عويمر أو عامر، واسم أبيه ثعلبة أو عبد الله، أسلم يو بدر ولاه معاوية قضاء دمشق،  توفي سنة 32 للهجرة، ابن حجر الإصابة، ج4، ص 28.

([8]) عبادة بن الصامت، كان من النقباء، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- توفي بالرملة سنة 34 للهجرة وقيل عاش إلى سنة 45هـ، الإصابة، مرجع سابق، ج4، ص 28.

([9]) معاوية بن  أبي سفيان: أسلم بعد الحديبية، وكتم إسلامه حتى أظهره عام الفتح، الطبري، مرجع سابق، ج6، ص 179، وتاريخ اليعقوبي، ج2، ص 81.

([10])  أبو ذر: جندب بن جنادة الغفاري، كان رابع أربعة سبقوا إلى الإسلام، توفي باربذة سنة 32هـ، ابن سعد، الطبقات، ج4، ص 161-171.

([11]) أمين، فجر الإسلام، ص 136.

([12]) درادكة، العلاقات العربية اليهودية حتى نهاية عهد الخلفاء الراشدين، ص 403-411.

([13]) جواد علي، مجلة الرسالة، ع775، ص 525.

([14]) ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج4، ص 186.

([15]) ابن الدبيع، قرة العيون بأخبار اليمن الميمون، ص 29.

([16]) ابن قتيبة، المعارف، ص 339.

([17]) الزبيدي، تاج العروس، ج1، ص 75-76، والمعارف، مرجع سابق، ص 339.

([18]) المدعج، عبد المحسن، الأبناء، مجلة دراسات تاريخية، جامعة دمشق.

([19]) ابن حبيب، المنحبر، ص 308.

([20]) الشابي، مباحث في علم الكلام والفلسفة، ص 20.

([21]) مسند عمر بن الخطاب، ص 68. ودائرة المعارف الإسلامية (مادة سبأ), والتفسير الوسيط، مجلد 11، ج22، ص 163، والجامع لأحكام القرآن، ج14، ص 181.

([22]) سورة النمل، الآية 22.

([23]) سورة سبأ: الآيتان 15، 16.

([24]) البغدادي، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم، ص 238.

([25]) أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية، ص 64.

([26]) غنيمة، نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق، ص 60.

([27]) الشابي، مرجع سابق، ص 20.

  • الثلاثاء PM 09:24
    2022-01-11
  • 2104
Powered by: GateGold