المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409068
يتصفح الموقع حاليا : 314

البحث

البحث

عرض المادة

كيف تغرب الشمس في عين حمئة؟

الوصف مشهور في اللغة

قال الله تعالى في وصف رحلات ذي القرنين: "حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة" (سورة الكهف).

هل يعني ذلك أن الشمس على ضخامتها غربت وانغمرت داخل عين حمئة كما تنغمر كرة ثقيلة في الماء؟ طبعا لا!

المسألة ببساطة أن ذا القرنين بلغ نهاية الأرض من جهة المغرب، حتى إذا نظر للشمس وهي تغرب في تلك النهاية كان آخر ما توارت خلفه- بالنسبة للناظر إليها- عيناً حمئةً، أي أنها لم تختفِ خلف جبل أو خلف سهل، بل خلف عين حمئة. ولا تعني الآية أبداً أن الشمس "انغمرت" في داخل عين حمئة!

رجعت إلى كثير من تفاسير السلف لأرى هل فهم منهم أحد أن الشمس انغمرت في عين حمئة، فلم أجدهم فهموا منها ذلك، ولا وقع عندهم استشكال أصلا حتى يبحثوا له عن حل، مع أنهم كانوا في زمن ليس لديهم تصور عن كروية الأرض ودورانها حول الشمس.

ومن خطر له منهم أن من الناس من قد يفهم هذا الفهم الخاطئ نبه عليه. قال القرطبي: "ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسها؛ لأنها مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة. بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض" انتهى.

إذن فالمذكور في الآية إنما هو نهاية مدرك البصر للشمس حال الغروب. ولا نحتاج هنا إلى التأول ولا إلى القول بالمجاز بالنسبة لغروب الشمس، بل هذا المعنى ظاهر متبادر من الآية.

فلسنا أمام شبهة تحتاج حلاً! ولا أمام آية يظهر منها التعارض مع العلم حتى نبحث عن توفيق! بل هكذا هو التعبير اللغوي عن غروب الشمس، والمستخدم حتى في غير العربية.

حتى في وكالة ناسا!

حتى في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا يجري استخدام هذه اللغة، وهي المرجع الأول في علوم الفلك. راجع هذا الرابط على موقع ناسا.

التعليق تحت الصورة:

"On May 19, 2005, NASA's Mars Exploration Rover Spirit captured this stunning view as the Sun sank below the rim of Gusev crater on Mars."

الترجمة: "في التاسع عشر من شهر مايو عام 2005، التقط تلسكوب تابع لناسا هذه الصورة المدهشة بينما كانت الشمس تغوص تحت حافة فوهة جوسيف على كوكب المريخ."

هل يفهم أحد أن هذا يعني أن الشمس انغمرت في ذلك المكان أو استقرت فيه حتى يقال إن وكالة ناسا وقعت في خطأ علمي؟

لاحظ أن ناسا استخدمت لفظة "تغوص" بينما النص القرآني استخدم لفظة "تغرب".

ما هي هذه العين الحمئة؟

يمكن أن نتصور أن ذا القرنين رأى الشمس تغرب في بحر أو محيط كما يراها الشخص الواقف على ساحل البحر المتوسط مثلا. لكن ما قصة العين الحمئة؟ بداية، ما معنى "عين حَمِئَة"؟

معناها عينُ ماءٍ ذاتُ حَمَأَةٍ، أي ذات طين أسود، قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون". وهذه العين التي بلغها ذو القرنين، والتي يتشكل عنها مسطح مائي يمكن أن تُرى فيه الشمس غاربةً لم نعهد مثلها في العالم المعروف وقت نزول القرآن، أي في المنطقة التي تعاقبت عليها الحضارات، إنما هي جزء من مجموعة مظاهر طبيعية تسمى geothermal features (المظاهر الأرضية الحرارية)، وتحتوي على العيون الطينية الحمئة (mud pots) والعيون الحارة (geysers)، وهذان المظهران يوجدان عادة بالقرب من بعضهما، وهذا رابط يتحدث عنها:

وهو ينص في بدايته على أن العيون الحمئة والعيون الحارة يوجدان بقرب بعضهما:

In this chapter we look at specific areas in the world where geysers, mud pots, etc. are found. It is usual that all these geothermal features occur in a cluster rather than an isolated feature being present.

الترجمة: "في هذا الفصل سنستعرض مناطق محددة من العالم حيث توجد الينابيع الحارة والعيون الطينية (الحمئة) وأشباهها. المعهود أن تتواجد هذه المظاهر الأرضية الحرارية كلها كتجمعات وليس كل منها على حدة. الذي فاجأني وأنا أُحضر الموضوع هذه الخارطة لأماكن تواجد تلك العيون عالميا:

طبعا هي من موقع أجنبي لا علاقة له بشرح الآية، على هذا الرابط.

تلاحظ في هذه الصورة تواجداً لافتاً للعيون الحارة، ومعها العيون الحمئة في أقصى غرب الكرة الأرضية.

دعونا الآن نستعرض صورة غروب الشمس على إحدى العيون الحمئة في أقصى الغرب:

هذه الصورة هي للغروب على عين حمئة أو حارة في غرب أمريكا. ولكي ترى صورا متنوعة لغروب الشمس على عيون حارة وحمئة افتح صفحة البحث هذه على جوجل.

يبدو والله أعلم أن المنظر الذي رآه ذو القرنين شبيه جدا بهذا المنظر. فلنعد إلى الآية: "حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة". لاحظ التناسق الكامل! أما عن إمكانية وصول ذي القرنين إلى تلك المناطق البعيدة فهو أمر لا يُستبعد، خاصة وأن الله تعالى مكّن له في الأرض، وآتاه الأسباب من كل شيء، قال تعالى: "إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا".

قد يقول قائل: لكن الشمس ليس لها مشرق ومغرب، بل هي تشرق على جهة وتغرب عن أخرى على مدار الساعة، والأرض هي التي تدور. فنقول إن تعبير "غروب الشمس" و"مغرب الشمس" و"غربت الشمس"، كلها تعبيرات تعارفت عليها الأمم، وحتى وكالة الفضاء الأمريكية ناسا تستخدمها، ويمكنك أن ترى تعبيرات "تشرق الشمس" و "تغرب الشمس" في موقع وكالة ناسا على هذا الرابط.

هذا ما ظهر لنا في تفسير الآية والله أعلم، لكن على جميع الأحوال لا يوجد - كما يدعي المشككون - خطأ علمي!

د. إياد قنيبي (بتصرف)

 

 

  • الاحد AM 01:23
    2021-12-12
  • 1255
Powered by: GateGold