المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409045
يتصفح الموقع حاليا : 361

البحث

البحث

عرض المادة

محاكمة سكوبس (هوليوود ضد الحقيقة)

نسخة هوليوود من محاكمة سكوبس

يصور منتقدو التصميم الذكي أي شخص يحاول إيجاد البدائل عن نظرية التطور الدارويني بأنه يتحرك وفق دوافع دينية معارضة للعلم، وباستخدام الصورة النمطية التي يرمز لها فيلم (يرث الريح Inherit the Wind) –تصوير خيالي لمحاكمة المعلم سكوبس عام 1925م– يتعامل العديد من الأكاديميين والإعلاميين مع أي نقد للداروينية على أنه نقد للحقائق ورفض للعقلانية، لكن الحقيقة أن التخلي عن النظرة الناقدة للتطور هو رفض للحقائق ورفض للعقلانية.

كتب (جيروم لورانس Jerome Lawrence) و(روبرت لي Robert Lee) نص المسرحية في الخمسينيات، وأُنتج عام 1955م في برودواي. ثم اشتهرت الرواية من خلال عرضها كفيلم عام 1960م بالأبيض والأسود، وكان من بطولة Spencer Tracy وFrederic March. أنتج الفيلم مرة أخرى عام 1999م من بطولةJack Lemmon   وGeorge C. Scott، لكن فيلم عام 1960 كان ذا تأثير أكبر (يمكن أن تجد الفيلم في قسم الأفلام الكلاسيكية في الأسواق).

تبدأ الرواية عام 1925م بتصوير بيرت كيتس (الذي يمثل شخصية سكوبس) على أنه مُلاحق من قبل المتدينين المتشددين في مدينة هيلزبورو (التابعة لدايتون – تنيسي) لأنه يدرّس نظرية داروين في التطور. يتقدم هنري دروموند –ممثلا شخصية المحامي الشهير كلارنس دارو– بعرض شجاع للدفاع عن كيتس، ويرفع ماثيو برادي –شخصية تخيلية تعبر عن السياسي الشهير ويليام برايان– الدعوى على كيتس لمنعه من نشر أفكاره التطورية.

تمضي الرواية بشكل قصصي جميل، لكنها تخفي وراءها تاريخا مشوها. يتعرض كيتس لخطر السجن والابتعاد عن محبيه (وخصوصا زوجته التي تحبه) لمجرد اعتقاده بالتطور، لكن الرواية الحقيقية ليست بهذه الخطورة. ويحاكَم كيتس لدفاعه النبيل عن الحقيقة والمنطق ضد المتشددين والمتعصبين، لكن الحقيقة أن له دوافع أخرى وراء دفاعه عن التطور.

محاكمة سكوبس الحقيقية

وافق جون سكوبس على خوض المحاكمة بسبب دفع الداعمين المحليين له على فعل ذلك. لقد كان هدف هؤلاء هو إشهار بلدة دايتون في ولاية تينيسي من خلال المحاكمة، وهو ما تحقق لهم! كان سكوبس معلما للفيزياء ويُعلم الأحياء كعمل جزئي. وافق المدعي العام المحلي على خوض هذه التمثيلية، لكن الأمور خرجت عن السيطرة عندما عرض دارو نفسه للدفاع عن سكوبس، وتطوع ويليام برايان للتكلم باسم الادعاء.

لم يكن برايان رجعيا ولا متشددا كما صوره الفيلم (بشخصية برادي)؛ فقد كان مرشحا رئاسيا عن الحزب الديمقراطي ثلاث مرات، كما كان سياسيا تقدميا يسعى لحماية المزارعين والعمال الكادحين من استغلال الشركات الكبرى. وبخلاف برادي، لم يكن برايان يفسر سفر التكوين حرفيا (لم يكن يؤمن أن عمر الأرض بضعة آلاف من السنين أو أن الكون قد خلق في 6×24 ساعة أرضية). لقد كان برايان يرفض الداروينية لأنه يرى أن الدليل فيها غير مقنع. لم يكن ذلك بحد ذاته كافيا لإبداء معارضته للداروينية على الملأ، لكنه نظم معارضة شعبية ضد الداروينية لأنه رأى فيها تبريرا للرأسمالية المطلقة وتبريرا للروح الحربية التي سببت اندلاع الحرب العالمية الأولى.

لم يكن دارو محاميا شهيرا وحسب، بل كان محاضرا مشهورا في البلاد بتطوير المذهب اللاأدري. وله مناقشات عامة مضادة للأديان على أساس التطور. في عام 1924م –السنة التي تسبق المحاكمة– كان دارو المدافع الرئيسي في قضية القاتلَين ليوبولد ولويب الفظيعة. قدم دارو أثناء المحاكمة الحجج الداروينية التي تبرر القيام بالجريمة، واعترف الطالبان الجامعيان المثقفان من جامعة شيكاغو (ناثان ليوبولد وريتشارد لويب) بإقدامهما على قتل الصبي (بوبي فرانكس) –في الرابعة عشرة من عمره– لرغبتهما في ارتكاب جريمة كاملة، ظنا منهما أنهما أذكى من أن يُلقى القبض عليهما. احتج دارو ضد عقوبة الإعدام بالقول بأن "هذه الجريمة الغريبة والمحزنة قد حدثت لأن شيئا ما قد جاء بالخطأ أثناء عمليات تطور الإنسان البشري اللامتناهية".

لقد كان ليوبارد ولويب –الصبيان كما يطلق عليهما دارو دائما– مأسوران بقدرهما البائس المكتوب في تاريخهما التطوري: "الطبيعة قوية ولكنها عديمة الرحمة؛ إنها تعمل بطريقتها الغامضة ولسنا سوى ضحايا لها. ليس لدينا الكثير من الخيارات لنتحكم بذواتنا، فقد قامت الطبيعة بذلك وحدها ولسنا سوى دمى تتحرك وفق ما رسمته الطبيعة". ثم أردف دارو يسأل: "هل نلوم لويب على قوى الطبيعة اللانهائية التي تتآمر على تشكيله بهذه الطريقة من قبل أن يولد بعصور؟ لمَ لم تمنحه الطبيعة تلك التراكيب اللانهائية من المشاعر الطبيعية؟ إن كان لويب مذنبا رغم هذا فلا بد من إعادة تعريف معنى العدالة. هل نلومه على شيء لم يفعله ولم يكن ليفعله؟ هل نلومه على أن تركيبته الآلية غير كاملة؟ من يستحق اللوم إذاً؟".(1)

تعمل الآلات تلقائيا وبشكل أعمى، وهي ليست عناصر مسؤولة أخلاقيا ولا يمكن لومها قانونيا على أفعالها. بالنسبة لدارو، حدد التطور الحتمية البيولوجية التي حولت البشر لدمى يتحكم بها تاريخها التطوري. ففي عام 1997م نشر بروفيسور تاريخ القانون إدوارد لارسون من جامعة جورجيا إعادة تقييم نقدي للمحاكمة. سمى لارسون الكتاب (محاكمة سكوبس والجدل المستمر في أمريكا حول العلم والدين) وعرى فيه فيلم Inherit the Wind بشدة، مظهرا التشويه الشديد في الصورة النمطية لمحاكمة سكوبس مقارنة مع حقيقة ما جرى يومها. وأظهر الكتاب أن الجدل حول الأصل الحيوي كان ولا يزال أعقد بكثير من معظم ما يعرفه الأمريكيون. منح لارسون جائزة بوليتزر في التاريخ لعام 1998م على هذا الكتاب.

لم يكن التطور ولا أدلته موضع نقاش في محاكمة سكوبس. فقدم محامو سكوبس إفادات مكتوبة شاملة من قبل 7 علماء بأن التطور هو التفسير الحقيقي للتنوع في الحياة على الأرض.(2) قرأت إفادات العلماء (Metcalf وNelson وLipman وJudd وNewman) في قاعة المحكمة، في حين قدمت الإفادتان الباقيتان لكل من (Cole وCurtis) بشكل مكتوب. طلب الادعاء الإذن للتحقيق في إفادات العلماء الخمسة التي قرئت في قاعة المحكمة لكن دارو والمحامين الآخرين اعترضوا على ذلك، وقبلت المحكمة اعتراضهم.(3)

كان الجانب الأبرز من هذه المحاكمة هو استجواب دارو لبرايان حول الإنجيل. لكن هذا يطرح سؤالا واضحا: إن كان لدارو الحق في سؤال برايان عن الإنجيل، فلمَ لا يحق لبرايان أن يسأل دارو عن التطور؟ قبل برايان أن يجيب على سؤال دارو حول الإنجيل في حال أجاب هو عن سؤاله حول التطور، وسمحت المحكمة لبرايان أن يسأل دارو بعد أن سأل دارو برايان حول الإنجيل.(4)

وكنتيجة لاستجواب دارو لبرايان؛ طلب دارو –وبشكل غير متوقع– من المحكمة أن تعتبر موكله مذنبا. ما فعله دارو في واقع الأمر تغيير الدعوى إلى مُذنب. وبعدم الدخول المباشر بالإقرار بالذنب استفاد دارو من قاعدة إجرائية تقنية حفظت له حق استئناف حكم المحكمة؛ فالمقر بذنبه بشكل مباشر لن يستطيع الاستئناف على حكم المحكمة. ثمرة هذا الفعل أنه عند طلب رأي المحلفين يكون دارو قد أغلق الدليل وجعل من المستحيل على برايان أن يستدعي دارو للاستجواب حول التطور.(5)

كان باستطاعة دارو أن يأخذ رأي المحلفين بسهولة وبشكل مباشر ضد موكله قبل أن يستجوب برايان (ولن يكتب عندها استجواب برايان حول الإنجيل في تقرير المحاكمة)، أو بعد أن يستجوبه (وعندها سيكتب استجواب برايان حول الإنجيل في تقرير المحاكمة). بدا من هذا الفعل الذي قام به دارو وإقراره بأن موكله مذنب مباشرة بعد استجواب برايان –وامتناعه عن قبول استجواب برايان له حول التطور– أن دارو كان يسعى لهذا منذ البداية؛ أن يستجوب برايان ويهرب من الاستجواب. اكتشف برايان هذه الخدعة مباشرة وقال: "لا يكاد يكون من العدل أن يسلط هؤلاء (دارو والمحامون الآخرون) الأضواء على آرائي حول الدين ثم يقفون خلف فانوس قاتم يرسل الضوء على الناس الآخرين، وفي ذات الوقت يحجبهم هم".(6)

بسبب هذه المناورة البارعة من دارو استطاع العلماء أن يعرضوا قضيتهم في التطور دون أي معارض لها؛ فللنظرية التطورية تاريخ حافل في التهرب من الفحص النقدي الدقيق. حقًا لم يبالغ فريد هويل، مؤسس معهد علم الفلك في كامبريدج، في التصنُّع حين صرح أن النقد العلمي للتطور لم يمنح فرصة عادلة للإدلاء بشهادته، نظرا لأن تنامي نظام ثقافة التعليم الشعبي –منذ زمن داروين ليومنا هذا– قد وفّر فرصة مثالية للحيلولة دون مناقشة الحجج السمجة ولحجب المعلومات المتنافرة".(7)

أهمية إبقاء العلم أمينا

لقد كان التطور الذي يدَرّس عام 1925م يستحق النقد الفاحص والاختبار. اتهم دارو معارضي التطور الدارويني في أيامه بأنهم "متعصبون وجهال"، يحاولون "السيطرة على التعليم في الولايات المتحدة"(8)، وسينجح أمثال دارو في كلا الحالين. وفقا لبروفيسور القانون آلان ديرشويتز من جامعة هارفارد فإن مؤيدي التطور في عام 1925م: "الذين يشملون العنصريين والقوميين ودعاة العسكرة يستخدمون التطور للدعاية لبرامجهم الفظيعة؛ مثل برنامج "تعقيم الأشخاص الدونيين والفاشلين في التكيّف"، وبرامج "حظر الهجرة" التي تطالب بمنع هجرة الأشخاص "المنحدرين من سلالة عرقية دونية"، والقوانين التي سنّها التطوريون ضد السود "على أساس أنهم عرق دوني".(9)

يتابع ديرشويتز أن المنهاج الذي علمه سكوبس للتلاميذ في المدرسة –وهو كتاب علم الأحياء المدني لمؤلفه هانتر– يقسم البشر إلى خمسة أعراق مصنفين تدريجيا حسب تفوقهم، مستنتجا أن: "العرق القوقازي هو العرق الأكثر تفوقا، ويمثله السكان البيض في أمريكا وأوروبا". يدافع هذا الكتاب أيضا عن فكرة أن الجريمة والفساد موروثان ضمن العائلات، وأن "هذه العائلات هي عائلات طفيلية في المجتمع. إن كان هؤلاء البشر أقل درجة من غيرهم كالحيوانات فمن الممكن قتلهم بسهولة. من الممكن أيضا أن نفصل الجنسين ضمن هذه العائلات عن بعضهما في ملاجئ لمنعهم من التزاوج وإفناء هذا العرق الدوني".(10) يطلب الكتاب العملي لهانتر في المسألة 160 من الطلاب: "استخدام الخرائط الوراثية لتحديد بعض جوانب التفوق الجسدي والعقلي للأعراق البشرية". وفوق ذلك الملاحظة التي تقول إن الطفل في عمر التلقي: "منفتح عاطفيا للدروس الجادة المضمنة هنا".(11)

لا شك أن المجتمع العلمي اليوم يرفض كل هذه العنصرية المبنية على أساس بيولوجي، إلا أن بعض علماء الداروينية البارزين المعاصرين أمثال دانيال دينيت Daniel Dennett واثقون جدا من أحقية الداروينية، لدرجة أنهم يعتنقون الآن فكرة ثقافة النخبة؛ التي تفترض أن أي شخص يعارض الاعتقاد الدارويني هو شخص متدن (ثقافيا)، ويجب عزله عن الأشخاص الذين يعتقدون العقيدة الداروينية. يدافع دينيت مثلا عن فكرة: "إجبار الأطفال على تعلم عقيدة أنهم نواتج تطورية بتأثير من الانتخاب الطبيعي؛ لأن مستقبلنا الأفضل يعتمد على تعليم أبنائنا".(12) ينصح دينيت بعزل الآباء الذين يعترضون الطريق أمام إقرار قانون تعليم التطور إلزاميا: "يجب أن نعزل الأشخاص الذين تملي عليهم وجهات نظرهم ألا يعيشوا بسلام معنا".(13)

لاحظ جيدا! يصر المجتمع العلمي اليوم على حق سكوبس المطلق في تدريس هذا الكتاب في مدرسته الثانوية العامة، وهو نفسه الكتاب الذي يحوي معلومات يرفضها المجتمع العلمي اليوم عاطفيا. تخيل وجود قانون في الولاية عام 1925م يسمح بتدريس مبدأ تحسين النسل البشري بناء على رغبة المجتمع العلمي وقتها، لكنه يطالب بتدريس الاعتراضات التي تحوم حول النظرية. ألن يصفق الجميع اليوم لهذه النظرة الثاقبة لدى الولاية لسنها مثل هذا القانون؟ اسمع اسمع! اترك علم كل وقت يدرّس في وقته، ولكن درّس معه نقاط ضعفه وبدائله والانتقادات عليه.

إن هذا المثال الافتراضي عن تشريع قانون ملزم في الولاية بنقد "علم" تحسين النسل ليدلل على أنه من المناسب لمن يشرف على مناهج العلوم المدرسية ألا يخنع لكل ما يعتنقه المجتمع العلمي في زمنه. يحق للجمهور العريض –المتحرر من مكافآت المؤسسات وانحرافات الخبراء التي تشوه المجتمع العلمي عادة– أن يتفحص النظريات العلمية مهما بلغت ثقة المجتمع العلمي بها.

حقا، إن كان لتاريخ العلم إشارة تذكر، إن كل نظرية علمية فيها عيوب وستهجر في النهاية أمام نظرية أفضل وأكثر دقة؛ فلمَ علينا الاعتقاد أن نظرية التطور استثناء من ذلك؟ إن ثقة العالم بالنظرية ليست ضمانة على أنها حقيقة. يقول عالم الأحياء الحائز على جائزة نوبل بيتر مِداور: "لا يمكنني نصح أي عالم مهما كان عمره بنصيحة أفضل من هذه: إن الإيمان الراسخ بأن فرضية ما صحيحة لا يعني أنها صحيحة حقا؛ إن أهمية الإيمان الراسخ بالنظرية تكمن في تقديم بواعث قوية لاكتشاف صمود هذه النظرية أمام الاختبارات الناقدة".(14)

يصر العلماء البارزون اليوم ومشاهير العلماء على تشويه صورة معارضي تدريس كتاب هانتر (علم الأحياء المدني) عام 1925م بدعوى أنهم كانوا ينطلقون من اعتبارات دينية محضة. ذكر ديرشويتز أن المحكمة الأمريكية العليا أقرت برنامج تحسين النسل (البشري) المنطلق من الاعتبارات التطورية من خلال سن قانون التعقيم الإلزامي باعتبار أن "ثلاثة أجيال من البلهاء كافية".(15) لكن لحسن حظ الحقوق المدنية في أمريكا أن قام أشخاص عقلاء من ذوي النوايا الحسنة (لم يكونوا "متعصبين دينيين" أو "معارضين للعلم") باستجواب تعاليم كتاب هانتر (علم الأحياء المدني) البغيضة. ولحسن الحظ أيضا أن تلقى هؤلاء الدعمَ الشعبيَّ الكافي للحفاظ على مكانة العلم من ناحية واحترام حقوق الأقليات من ناحية أخرى.

لذ فمن العقل –في أيامنا هذه– أن يقوم أشخاص من ذوي النوايا الحسنة (الذين ليسوا معارضين للعلم وليسوا من ذوي المستوى الثقافي الدوني كما يحلو لدانييل دينيت) بمساءلة التعليم الدارويني والأشكال الأخرى من التطور الدارويني. من المشروع تماما –علميا وفكريا– أن نشكك فيما إذا كان التطور يعمل وفق آليات غير ذكية ومادية بحتة كالانتخاب الطبيعي. وبعيدا عن تكرار التحيز الأحادي لمحاكمة سكوبس، فإن المنهج المتبع في هذا الكتاب يصلح هذا الخلل. إنه يحقق ذلك عبر تأمين نوع من النقد الفاحص في اتجاهين متخالفين، ذلك النوع من النقد الذي كان يجب على خبراء سكوب ومحاميه أن يواجهوه، إلا أنهم تفادوه بطريقتهم.

القانون المعدل الذي قدمه سانتورم

أدرك مجلس الشيوخ الأمريكي الحاجة لإعادة الاستجواب. ففي عام 2001م صوت 91 عضوا في المجلس لجعل الاستجواب العلمي العقلاني للداروينية قانونا في الولايات المتحدة. قدم مشروعَ القانون السيناتور ريك سانتورم Senator Rick Santorum ضمن مشروع قانون التعليم. وقضت صيغة مشروع القانون بأنه على التعليم العلمي الجيد أن: "يجهز الطالب بالقدرة على تمييز البيانات والنظريات العلمية القابلة للاختبار عن الادعاءات الدينية والفلسفية التي تطرح تحت عباءة العلم، وأن على منهاج الدراسة أن يساعد الطلاب على فهم سبب توليد مادة التطور –حيث تدرس– للكثير من الجدل".

قدمت اللجنة القضائية المشتركة للتشاور في مجلس الشيوخ الأمريكي صيغة القانون للنشر، وفسرت تقارير المؤتمر مشروع القانون المرفق، حيث أعلن أعضاء مجلس الشيوخ والنواب المشاركون في المؤتمر في تقاريره –بنفس الكلمات التي قدم بها سانتوروم تعديل القانون– أن: "على التعليم العلمي الجيد أن يساعد الطلاب على التفريق بين البيانات والنظريات العلمية القابلة للاختبار وبين الادعاءات الفلسفية والدينية التي تطرح تحت عباءة العلم، وعلى المنهج الدراسي أن يساعد الطلاب على فهم كامل وجهات النظر العلمية الموجودة في المواضيع التي تنشأ حولها النزاعات".(16)

يؤيد 91 من أعضاء مجلس الشيوخ بالإضافة لأفراد اللجنة المشتركة من مجلسي الشيوخ والنواب تعليم كل وجهات النظر العلمية حول موضوع التطور الأحيائي، والتصميم الذكي أحد وجهات النظر العلمية. لا يدعو مؤيدو التصميم الذكي لحظر تعليم التطور والدليل عليه بسبب تعارضها مع التطور، وإنما يدعون لأن تخضعَ نظرية التطور الدارويني –ممثلة بالتطور الذي يحدث بطرائق آلية غير موجهة كالانتخاب الطبيعي والتنوع العشوائي– للمساءلة؛ لأن الدليل العلمي المستخدم لدعمها ضعيف. يؤكد عالم الداروينية الجديدة ثيودوسيوس دوبزانسكي Theodosius Dobzhansky: "لا معنى لشيء في علم الأحياء إلا في ضوء التطور".(17) لكن الحقيقة أنه لا معنى لشيء في علم الأحياء إلا في ضوء الدليل.

إلى أين يقودنا الدليل في علم الأحياء؟ هل يقودنا إلى التطور غير الموجه أم إلى التصميم الذكي؟ يقدم هذا الكتاب للطلاب –من خلال عرضه لأدلة وحجج التصميم الذكي– المعلومات التي يحتاجونها للإجابة عن هذا السؤال. إن تقديم هذه المعلومات ليس إجراءا سليما تعليميا فحسب وإنما سائغ قانونيا. لقد حكمت المحكمة الأمريكية العليا عام 1987م في قضية كل من إدواردز وأغويلارد (Edwards v. Aguillard) بأنه "يمكن تدريس عدة نظريات علمية حول الإنسان لطلاب المدارس ولكن مع القصد العلماني الواضح لتحسين فاعلية تدريس العلم".(18) إن إخبار مدرسي العلوم بأدلة وحجج التصميم الذكي سيساعد في تحقيق أمر المحكمة الدستورية العليا، وسيعزز الروح العلمية الصحيحة في التساؤل والنقد.

خاتمة: محاكمة التصميم الذكي في دوفر

في 20–12–2005م وأثناء مرور هذا الكتاب بمرحلة المراجعة النهائية أصدر القاضي جون إدوارد چونز John E. Jones III حكما قضائيا في المحكمة الابتدائية ضد التصميم الذكي؛ لقد طرح القاضي جونز سياسة مجلس مدرسة دوفر –المؤيد للتصميم الذكي–، وأعلن أن التصميم الذكي غير علمي، وله أصول دينية، وخلص بناء على ذلك أن تعليم التصميم الذكي في مناهج علوم المدارس العامة خرقٌ لأحكام القانون، وهو بالتالي غير دستوري.

من الصعب أن نتخيل كيف أُبرم قرار المحكمة بهذه السلبية ضد التصميم الذكي، إلا أنه من الخطأ اعتبار هذه المحكمة ضربة قاضية للتصميم الذكي(19)؛ فلقد وضع القاضي قيودا على بعض المدارس التي ترغب في دعم فكرة التصميم الذكي، لكن ليس هذا حكما صادرا من المحكمة العليا؛ ولن يُسْتأنف الحكم في المحكمة العليا؛ لأن هيئة التدريس الداعمة للتصميم الذكي في مدرسة دوفر سقطت في التصويت ضمن المدرسة، واستلمت المدرسة هيئة جديدة في شهر نوفمبر 2005م. أطلقت الهيئة الجديدة حملة تعد بإبطال السياسة القديمة للمدرسة، وهذا ما حصل بعد ذلك.

في ظل غياب قرار معلن من المحكمة العليا ضد التصميم، فإن الضغط الشعبي لفتح النقاش حول التصميم الذكي في المدارس العامة ونقد التطور الدارويني سوف يزداد. بوجود قرار المحكمة هذا فإن الهيئات التدريسية ومشرعي الولايات سيخطون خطى حذرة، لكن لن يستطيع حكم صادر من أي محكمة أن ينهي الجدال الدائر حول التطور. في ثقافتنا، يتمتع ذلك الجدال بزخم لا يفتر.

لذا فمن السذاجة التفكير أن هذه القضية تهدد بالقضاء على التصميم الذكي، وحتى لو حظرت المحاكم تداول التصميم الذكي في المدارس الابتدائية والثانوية –ورقابة الانترنت لا تمنع الطالب النبيه من معرفة الحقيقة– فإن سطوتها أضعف في المرحلة الجامعية. يكتسب التصميم الذكي زخما بشكل سريع بين طلاب الجامعات والمعاهد، فمنذ ثلاث سنوات كان هناك مركز واحد للوعي بالتطور والتصميم الذكي IDEA في جامعة كاليفورنيا بسان دييجو، أما الآن فهناك أكثر من ثلاثين مركزا في جامعات ومعاهد أمريكا –بما فيها جامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة كورنيل– تدعم التصميم الذكي بقوة.

لا تعتمد أهمية حكم المحكمة في قضية كقضية (كيتسميلر ضد دوفر Kitzmiller v. Dover) على قرار القاضي وإنما تعتمد على القوى الثقافية التي تشكل خلفية صناعة القرار. وبالنظر إلى محاكمة سكوبس؛ فإنها تمثل في نظر العديد من الناس نصرا حاسما للتطور الدارويني، لكن الحقيقة أن الحكم صدر ضد التطور الدارويني؛ لقد أدين جون سكوبس بانتهاك قانون ولاية تنيسي الذي يحظر تعليم التطور.

نعم ربما عكّر قرار القاضي جونز صفوَ حياة أنصار التصميم الذكي لفترة ما، لكن العمل على التصميم الذكي سيستمر، بل سيستمر بشكل أقوى مما لو صدر حكم المحكمة داعما له؛ إذ قد يؤول الحكم بأنصار التصميم إلى الشعور بالرضا المفضي للخمول، وبالتالي لإيحاء بأن التصميم قد كسب الجولة في الوقت الذي يحتاج فيه أن يستمر في تطوير برنامج الفكري والعلمي. في نهاية الأمر، سيقرر هذا البرنامج، وليس قرار محكمة أو سياسة عامة أو فيلما هوليووديا، جدارة التصميم الذكي.(20)


(1) This and the other quotes by Darrow from The State of Illinois v. Nathan Leopold & Richard Loeb are drawn from his closing argument, delivered August 22, 1924 in Chicago, Illinois. It is available online at http://www.law.umkc.edu/faculty/projects/ftrials/leoploeb/darrowclosing.html (last accessed February 22, 200G).

(2) See The Scopes Trial, 229–280. The verbatim transcript of the Scopes Trial was published in 1925 by the National Book Company and then reprinted 1990 by Gryphon in their Notable Trials Library series. The transcript is available at http://www14.inetba.com/gryphon/item43.ctlg (last accessed 6 February 2003).

(3) المرجع السابق، 206، 220–221، 223.

إن الادعاء مسؤول جزئيا عن الفشل في مساءلة التطور في محاكمة سكوبس. وفقا للادعاء؛ جرم قانون ولاية تنيسي تعليم التطور بغض النظر عن صحته، وعليه تكون كل الأدلة التي تدعم صحة التطور غير ذات صلة ويجب استبعادها. وافق القاضي وأبعد العلماء مبدئيا عن الشهادة؛ بما يعني أن خسارة الادعاء لفرصته المبدئية لمساءلة الشهود، ثم سمح القاضي بعد ذلك للعلماء بكتابة شهادتهم لتقرأ في محاكمة مفتوحة، ولكنه رفض بعدها مساءلة هذه الشهادة، وبمجرد قبول الشهادة في الإجراءات أصبحت صحة التطور موضوعا للمحكمة ومن العدل إخضاع صحته للمساءلة.

(4) المرجع السابق، 284, 288.

(5) المرجع السابق، 306–307.

(6) المرجع السابق، 308.

(7) Fred Hoyle, Mathematics of Evolution (Memphis, Tenn.: Acorn Enterprises, 1999), lOG.

(8) The Scopes Trial, 299.

(9) The Scopes Trial, introduction by Alan Dershowitz.

(10) يقدم كتاب (علم الأحياء المدني Civic Biology) دراسة عن عائلتين: عائلة الجوك وعائلة الكاليكاك. تنسب عائلة الجوك لمارغريت (أم المجرمين) وقد كلفت هذه العائلة ولاية نيويورك في فترة 75 عاما تكاليف العناية بالسجون واللاجئين لأكثر من مئة مخبول مدمن عديم الأخلاق أو مجرم. تنسب الكاليكاك لمارتين كاليكاك وفتاة مخبولة، تضم هذه العائلة 480 شخص منها 33 فردا منحلا جنسيا، و24 سكيرا مؤكدا، و3 مصابين بالصرع، و143 مخبول. تزوج الرجل الذي أنجب هذه العائلة من المخبولين المنحلين أخلاقيا من امرأة طبيعية من جماعة الكواكر (جماعة بروتستانتية)، وأنجب هذان الزوجان أولادا وبلغ نسلهم الآن 496 فردا ليس فيهم أي حالة خبل؛ يتكلم كل من الدليل والأخلاق عن نفسهما هنا. هذه والاقتباسات الأخرى عن علم الأحياة المدني متاحة على الإنترنت هنا: http://www.eugenics-warch.com/roots/chap08.html وهنا  and http://www.iit.edu/departments/humanities/impact/colloquium/ongly_2001f.html

(11) Hunter, Laboratory Problems in Civic BioLogy, 182.

وللسخرية –وفي ضوء هذه الخاتمة– لا يحتوي الكتاب العملي أي شيء عن التطور. يبدو أن هانتر والناشرون معه قد شعروا بأهمية تلقين طلاب عام 1925م منذ نعومة أظفارهم أمور تحسين النسل eugenics بدلا من التطور.

(12) Daniel Dennett, Darwin's Dangerous Idea (New York: Simon & Schuster, 1995), 519.

(13) المرجع السابق.

(14) Peter B. Medawar, Advice to a Young Scientist (New York: Basic Books, 1981), 39.

(15) So wrote Justice Oliver Wendell Holmes in 1927 in the case of Buck v. Bell; 274 U.S. 200 (1927).

(16) See Bruce Chapman and David De Wolf, "Why the Santorum Language Should Guide State Science Education Standards," available online at http://www.discovery.org/articlePiles/PDFs/santorumLanguageShouldGuide.pdf (last accessed September 14, 2004).

(17) Tbeodosius Dobzhansky, "Nothing in Biology Makes Sense Except in the Light of Evolution," The American Biology Teacher35 (1973): 125–129.

(18) Edwards v. Aguillard, 482 U.S. 578 (1986), 594.

(19) للاطلاع على تفاصيل القرار، انظر:
(http://www.pamd.uscourts.gov/kitzmiller/kitzmiller_342.pdf (Last Accessed February 22, 2006.

(20) For a thorough examination of this case, see David De Wolf, John West, Casey Luskin, and Jonathan Witt, Traipsing into Evolution: Intelligent Design and the Kitzmiller vs. Dover Decision (Seattle: Discovery Institute Press, 2006).

  • الثلاثاء AM 11:55
    2021-11-16
  • 889
Powered by: GateGold