المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413781
يتصفح الموقع حاليا : 258

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1629125680835.jpg

العقل والعلم من مقومات الحرية

من المقومات الأساسيةعند أوائل الصوفية لتكامل مسألة القدر والحرية ضرورة وجود العقل والعلم بالنسبة للعابد ، فكما أنهم أثبتوا له إرادة حرة واستطاعة على تحقيق مراده فى حدود ما منحه الله وخوله فيه ، فإنهم أيضا آمنوا بضرورة وجود العقـل واستخدامه فى العلم بالله سبحانه وتعالى  .

    يقول ابن خفبف : ( ونعتقد أن العبودية لا تسقط عن العبد ما عقل وعلم ما له وما عليه على أحكام القوة والاستطاعة ، إذ لم يسقط الله ذلك عن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ، ومن زعم أنه قد خرج عن رق العبودية إلى فضـاء الحرية بإسقـاط العبوديـة والخـروج إلى أحكام الأحدية المسدية بعلائق الآخرية فهو كافــر لا محالة إلا من اعتراه علة أو رقة فصار معتوها أو مجنونا أو مبرسما وقد اختلط عقله أو لحقه غشية ارتفع عنه بها أحكام العقل وذهب عنه التمييز والمعرفة فذلك خارج عن الملة مفارق للشريعة ) (1) .

فالتزام المرء بالعبودية يتطلب مقومات أساسية حددها عبد الله بن ــــــــــــــــــــــــ

1- الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 48 ، 49 .

خفيف فيما يأتى :

   1- وجود الاختيار الذى يؤدى إلى التزام العبودية أو إسقاطها .

   2- وجود الاستطاعة والقوة على إتمام الفعل المختار .

   3- وجود العقل والعلم ليحدد الطريق للسالكين .  

      وهذه المقومات ليست منفصلة عن بعضها إلا فى عالم الذهن فقط    أما فى عالم الواقع والحقيقة فالحـرية الإنسانية تتجلى واضحـة فى الفعل الاختيارى واستجابة العبد للسلوك الخلقى المعين ، فكما علمنا مما سبق أن الاختيار البشرى عند أوائل الصوفية يوجد متلبسا وممتزجا بالاستطاعة ومصاحبا لها فى الفعل كذلك العقـل والعلـم .

     فالعقـل مقـوم أساسى من مقومات الحرية كالإرادة والاستطاعة   وحيث أن السلوك الخلقى لا يمكن أن يقوم بدون أحدهما فهو أيضا لا يقوم بدون إدراك صاحبه ووعيه ، لأنه إذا كانت الاستطاعة مرتبطة بالعلل والمعلولات والأسباب والنتائج ، فإنه يلزم أن يكون لديه العلم الضرورى بالأسباب وما تنتجه من مسببات أوبالعلل ونتائجها من ناحية ، وأن يكون لديه المعرفة الضرورية بالأخلاق المحمودة والمذمومة من الأفعال المختارة من ناحية أخرى .

      ومن ثم فمقومات الحرية الإنسانية فى نفس الإنسان عند      أوائل الصوفية إنما هى قوة ذاتية واحــدة وإن كانت ذات شعب    ثلاث ، وإذا كان أوائل الصوفية أثبتوا اختيارا واستطاعة للإنسان فما موقفهم من العلم ؟

    هذا الموقف يتجلى من خلال نظرتهم للغاية من خلق          الإنسان ، فكما انبثق الاختيار وظهرت الاستطاعة من معنى       الابتلاء والاستخلاف ، كذلك ينبثق العلم عندهم .

     فالله سبحانه وتعالى علم آدم الأسماء كلها وفضله على غيـره بها  إذ سأل الملائكة عنها فأقرت بعجزها ، والتزمت أمر ربها وسجدت لآدم بسببها (1) .

     قال تعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علـم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } (2) .

   يقول الترمذى معقبا على تلك الآية :

ــــــــــــــــــــــــ

1- انظر الحكيم الترمذى ونظريته فى الولاية ص 325 نقلا عن علم الأولياء للحكيم الترمذى ص 41 ب مخطوطة بمكتبة الجمعية الأسيوية برقم 1056 .

2- البقرة / 30 ، 33 .

    ( فأبرز الله فضيلة آدم عليه السلام على الملائكة بما علمه من الأسماء ، ولو كان سوى الاسم شئ من العلم يحتاج إليه لعلمه آدم صلى الله عليه وسلم ، فلما علمه الأسماء كلها علمت الملائكة أن جميع العلم داخل فيها ) (1) .

     والاسم لفظ يطلق على شئ لتميزه عن شئ آخر ، فالأسماء هنا معناها الأشياء وأسماء الأشياء ، ففى علم اسم الشئ علم بخصائصه ، لأن الخصائص لها أسماء ، وبهذا العلم يحقق الإنسان معرفة الخالق سبحانه وتعالى ومعرفة الخلق من أشياء وأحياء وخصائص وأفعال وتأثيرات .

    ويذكر الترمذى أن جميع العلم فى الأسماء ، والأسماء دالة على الأشياء ، وليس مـن شئ إلا وله اسم ، واسمه دليل على ذلك الشئ   والاسـم مأخوذ من السمـة وكل اسم دليل على صاحبه حتى إن نفس الإسم دليل على الاســم ، فليس مـن شئ إلا وقد وسمه الله باســم يدل علـى مكنون ما فيه مــن جــواهر وأوصاف (2) .

    فمن علم الأسماء وعلم دلالاتها فقد علم جميع العلوم ، وعلى ذلك فإن أسماء الله تعالى تدل على ذاته وصفاته ، وأسماء خلقه تدل على ما ــــــــــــــــــــــــ

1- السابق ص 325 نقلا عن علم الأولياء مخطوط ص 40 ب وأبواب فى صفة العلم ص 2 ا .

2- السابق ص 321 نقلا عن علم الأولياء ص 39 ا وأبواب فى صفة العلم ص11   

أودع فيهم من أفعالهم وصفاتهم (1) .

     ويرى الترمذى أن الله الذى خلق الخلق وكونهم بما هو به أعلم  وسم كل شـئ من خلقه بسمته ، ووضع الحروف التى تشير إلى هذه الخاصية أو هذه السمة ، وتدل عليها دلالة كاملة بالمطابقة ، ثم ركب منها كيف شاء وعلى الهيئة التى أراد أسماء لهذه المخلوقات ، لذلك كانت هـذه الأسمــاء الأصلية التى وضعها الله لمخلوقاته هى التى تدل على جـوهر مسمياتها ، ومكنون ما فيهــا (2) .

     وفضلا عن كونه الأسماء وضعت للدلالة على مسمياتها عند الترمذى فإنه يرى أن أسماء الله هى مبتدأ العلم ومنها خرج الخلق والتدبير فى أحكام الله وحلاله وحـرامه ، فأسماء الله دلت على صفاته   وصفاته تابعة للموصوف فالاسم يعود إلى الموصوف ، ولكن الموصوف لا يدرك فى الدنيا ، ولا سبيل إلى إدراكه إلا لمعرفة صفاته ، وصفاته لا يمكن كذلك معرفتها إلا بما يبدوا لهـم من آثارها ، ولا التعبير عنها إلا بأسماء تدل عليها ، فتعرف الصفة عند ذكر اسمها ، كما يعرف ــــــــــــــــــــــــ

1- السابق ص 321 .

2- نوادر الأصول ص 185 ، 186 بتصرف وانظر اللمع للسراج الطوسى ص 125.

  

الموصوف بصفته (1) .

    يقول الترمذى : ( إن ربنا تبارك اسمه لا يدرك حسا ولا مسا ولا ذوقا ولا شما ولا رؤية ، فأخرج للعباد من قبل أن يخلق الخلق   صفات ولكل صفة نـوع من الصنع والفعـل والعمـل ، ثـم جعــل لكـل صفة سمة بحروف مؤلفة وجعـــل فى كـل حـرف منها ما وضع فيـه مـن الصنـع ، ثم ألفهـا فصارت اسما لتلك الصفة ) (2) .

     ثم يذكر الترمذى أن الأسماء من أجل ذلك رجعت إلى الصفة  والصفة رجعت إلى الموصوف لأنها منه بدت ، فالموصوف موجودة عنده تلك الصفة ، فإذا نظرت إلى الصفة تراءت لعيون القلوب الصافية الطاهرة كل صفة على حدتها باسمها وبحروفها المؤلفة ، وإذا نظرت إليه سبحانه غابت صفـات الخلق عن عين قلبك لأنه وقعت فى البحر الذى منه خرجت الأنهار (3) .

   وقد آثار بعض المتصوفة والمتكلمين فى شأن الأسماء والصفات قضايا ــــــــــــــــــــــــ

1- الحكيم الترمذى ونظريته فى الولاية ص 324 نقلا عن خلق هذا الآدمى للحكيم الترمذى مخطوط مكتبة ولى الدين برقم 770 ص 95.

2- المخطوط السابق ص 95 ا ــ ب  وانظر الحكيم الترمذى ونظريته فى الولاية   ص 324 .

3- السابق ص 324 .            

    جدلية فى كون الاسم هو المسمى أو هو غيره ، وقد حكى الكلاباذى اختلافهم فى ذلك (1) .

     غير أن الترمذى يرى أن الصفة قائمة بالموصوف والاسم دال على المسمى منطبق عليه ولا يقال الاسم هو المسمى أو هو غير ، وهو مع ما سبق ينفى نظرية الفيض والصدور ويلتزم بإثبات المباينة بين الخالق والمخلوق والصانع والمصنوع ، ولا يقصد إلا الاعتراف للخالق جل شأنه بأثره المباشر فى كل شـى وعنايته ولطفه بخلقه .

     ويبين الترمذى بدو أسماء المخلوقات وصفاتها من أسماء الله عز وجل وصفاته ، بأنه سبحانه أعطانا الحياة من حياته ، والرأفة من رأفته  والعلم من علمه ، وكل شئ من هذه الأشياء التى هى ممدوحة ، والتى تليق به أبرزها صفة من نفسه وهى أنوار ، فنور منها للحياة ونور للرحمة ونور للـرأفة ونور للفرج ونور للصبر ونور للرضا ونور للكبر ونور للعظمة ونور للسلطان ونور للمحبة ونور للغنى فهذه أنوار كل نور صار مُلكا على حدته ، كل ملك خرج منه ذلك الشئ الذى ظهر فى الخلق ، وهذه كلها خرجت من مالك الملك من باب القدرة والوحدانية

فهو واحد فرد أحد ولقد جعل الله فى أسمائه تعالى قضاء حوائج عباده ــــــــــــــــــــــــ

1- التعرف لمذهب أهل التصوف 54 .

    ولعل السر فى تعدد الحوائج لدى العباد لاعتبار التعدد فى أسمائه سبحانه وتعالى التى تعرف بها إلى خلقه (1) .

    يقول الترمذى : ( فأخرج إلى العباد من كل اسم حوائجهم ، ومن كل اسم أهدى إليهم ما وضع فى ذلك ، لأنه من أجلهم أخرج لهم الأسماء ، فينبغى على العبد مراعاة المعانى فى أسمائه تعالى عنـد الدعاء   ومن نال هذا العلم فقد نال العلم الذى تقضى به الحوائج ) (2) .

  • وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

    ( إن للـه تسعة وتسعـين اسما مـن أحصاها دخـل الجنة) (3) .

  • وقال صلى الله عليه وسلم :

( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنــزلته  فى كتابك ــــــــــــــــــــــــ

1- الصلاة ومقاصدها للحكيم الترمذى ص 165 ، تحقيق الأستاذ حسنى نصر زيدان طبعة القاهرة سنة 1965م ، نوادر الأصول للحكيم الترمذى ص 395 .

2- نوادر الأصول ص 188 ، وانظر فى ذلك أيضا اللمع ص 124 .

3- الحديث أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد ، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا برقــم (7392) ومسلم فى كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب فى أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها برقم (2062)  والترمـذى فى كتاب الدعوات برقم (3506)  وابن ماجه فى كتاب الدعاء ، باب أسماء الله عز وجل برقم (3860 ) . 

     أو علمتـه أحدا من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيــب عنـدك ) (1) .

  • وأمرنا الله أن نتوسل إليه بأسمائه وصفاته فقال تعالى : { وللـه الأسماء الحسنى فادعـوه بها } (2) .
  • وقال أيضا : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } (3) .

   ويفرد المحاسبى كتابا للعقل وشرح جوهره وماهيته ووظائفه وفائدته فى إدراك الأسماء ومدلولاتها وارتباط التكليف بفهمها ودوره الأساسى فى المعرفة وتحقيق العبادة ، ويفرق بين دورين للعقل أو مجالين لعمله :

1- المجال الأول : ويتمثل فى عالم الشهادة بما فيه من ثبات للسنن وآيات مرئية وإبداعات إلهيـة ، يحصل من خلالها معرفة ربانية وآثار إيمانية .

ــــــــــــــــــــــــ

1- الحديث رواه احمد عن ابن مسعود حـ 1 ص 394 ، 452 والحاكم فى المستدرك حـ 1 ص 519 والهيثمى فى مجمع الزوائد حـ 10 ص 136 وصححه   ابن القيم فى شفاء العليل ص 274  والشيخ الألبانى فى تحقيقه للكلم           الطيب ص 73 .

2- الأعراف / 180 .                     

3- الإسراء / 110 .

        يقول المحاسبى : ( دعا العقول إلى النظر فى آياته والفكر فى عجائب صنعه ، لأن فى ذلك سبيلا لهم إلى معرفته ، وإلى العلم بأنه الخالق الرازق الإله الواحد سبحانه وأن من دونه خلق له ، وأن الخلق كلهم مألوهون مستعبدون لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ) (1)     

     ويستدل لذلك بقوله تعالى : { إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكــرون فـى خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطــلا سبحـانك فقنا عـذاب النـار } (2) .

    وبقــوله : { سنريهم آياتنا فى الآفـاق وفى أنفسهم حتى يتبين   لهم أنـه الحق } (3) .

   فعقل عـن الله آياته فى تدبيره وحكمته فى آثار صنعته ، ودلائل حسن تقديره فعلم أنه بقدرة نافذة قدرها وبحكمة كاملة أتقنها وبعلم محيط اخترعها وبسمع نافذ سمع حركتها وببصر مدرك لها دبر لطائف

ــــــــــــــــــــــــ

1- ماهية العقل ومعناه للحارث المحاسبى تحقيق الدكتور حسين القوتلى ص 164   طبعة بيروت ، سنة 1972 ، وانظر اللمع ص 154 .

2- آل عمران / 190 : 191 .

3- فصلت / 53 .

خلقها وغوامض كوامنها ، فاستدل بذلك أنه الإله العظيم الذى لا إله غيره ولا رب سواه فكأن جميع الأشياء عين يعتبر بها (1) .

    ويرى المحاسبى أن العقل من مقومات الحرية وإسقاطه يلغى دور الإنسان فى تحقيق الغاية من خلقه أو مساءلته عن أفعاله المكتسبة (2) .

يقول المحاسبى : ( العقل غريزة فى قلوب الممتحنين من عباده أقام به على البالغين الحجة ، يولـد العبد بها ثـم يزيد معنـى ) (3) .

    ويستـدل علـى ذلك بحـديث ابـن عباس حيث قال : مر على بن أبى طالب رضى الله عنه بمجنونة بنى فلان قد زنت أمر عمـر بن الخطاب برجمها .

 فردها على وقال لعمر : ياأمير المؤمنين ، أترجم هذه ؟

 قال : نعم .

 قال : أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن النائم حتى يستيقظ  وعن الصبى حتى يحتلم .

ــــــــــــــــــــــــ

1- السابق ص 68 بتصرف ، وانظر سيرة بن خفيف ص 355 .

2- أعمال القلوب والجوارح للحارث المحاسبى ص 237 .

3- القصد والرجوع إلى الله للحارث المحاسبى ص 58 مسألة فى بيان العقل وصفته 

 

قال : صدقت فخلى عنها (1) .

    فالمجنون فقد عقله فلا يميز بين الأشياء أو أسمائها ، كما أن النائم مسلوب العقل والإرادة حال النوم ، أما الصبى فعلمه محدود وعقله لا يستوعب الأسماء دفعة واحدة كما علمها الله لآدم عليه السلام  أو لعيسى بن مريم حين خرج من بطن أمه ، وإنما يستوعب الأسماء ومدلولاتها على مدار الفترة الزمنية بين ولادته وسن بلوغه الرشد .

   يقول المحاسبى : ( فالعقل الذى منحنا الله قادرا على التفكير  وعلى معرفة ما أنزل الله وكل إنسان بلغ سن الرشد فقد تحمل      مسئولية ناتجة من أنه عاقل ) (2) .

     وقال فى موضع آخر من كتابه ماهية العقل :

   ( والله لا يهلك قوما إلا ويذكرهم ويخاطب عقلهــم بما يفهم     من عبر ، وإذا كان الله قد من علينا بالعقل فلكى   ــــــــــــــــــــــــ

1- أخرجه أبو داود فى كتاب الحدود ، باب فى المجنون يسرق أو يصب حدا  برقم (4401) والنسائى عن عائشة فى كتاب الطلاق ، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج حـ 6 ص 156 وابن ماجه عن عائشة فى كتاب الطلاق ، باب طلاق المعتوه والنائم والصغير برقم (2041) وأحمد فى المسند حـ 6 ص 144 والحاكم فى المستدرك حـ 2 ص 59 .

2- ماهية العقل ص 105 .

يخاطبنــا بواسطتــه ) (1) .

    وإذا كان مجال العقل فى الدنيا هو عالم الشهادة ، والعمل فى فهم السنن والنواميس الموضوعة بحيث يتمكن منها ويسيطر عليها ويقوى أفعاله بها ويزيد من قدرته واستطاعته ، فإن أوائل الصوفية ربطوا العقل بزيادة المعرفة بالله والنظر خلف الأسباب لإظهار قدرته على تسييرها ليزدادوا بذلك إيمانا ، فالعلوم الدنيوية طلبها عندهم لا لذاتها ولكن للتقوى بها على طاعة الله .

    يقول الهجويرى : ( اعلم أن المعرفة واسعة ، والحياة قصيرة   لذلك لم يفـرض علينا تعلم كل الفنون ، كالفلك والطب      والرياضة وعلـم البـديع وغيــرهـا ، بــل وجـب أن نأخذ من كل علم ما نحن بحاجة إليه فى إقامة فرائض الشريعة السمحاء          فمن الفلك علم مواقيت الصلاة مثلا ، ومن الطب ما يمنعنـا مــن الوقوع فى التهلكة ، ومــن الرياضــة ما يمكننا مـن قسمة المــواريث واحتساب العــــدد وغيرها ) (2) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- السابق ص 206 ، 207            

2- كشف المحجوب ص 14 ، 15 .

     فالمعرفة مفروضة لسلوك طريق الحق وما دون ذلك فهو مذموم لأن الله ذم قوما اشتغلوا بزائف المعرفة إذ قال تعالى : { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم } (1) .

    وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إنى أعوذ   بك من علم لا ينفع ، وعمل لا يرفع ، وقلب لا يخشع           وقول لا يسمع ) (2) .

      ويقسم الهجويرى المعرفة على منهج المحاسبى فهى عنده على نوعين لمجال العقل :

   [1]- المعرفة الإنسانية ومجال العقل فيها النظر والقياس لمعرفة نظام صنعه والظواهر المحيطة به ، وهذا يحصله الإنسان بجهده فينمو ويتطور مع نمو البحث وزيادة الخبرة فى مختلف العلوم كالفلك والطب والهندسة والرياضة وغير ذلك مما يكسب الإنسان   قوة وهذا متاح لكل إنسان سواء كان مؤمنا أو كافرا فالأكثر

ــــــــــــــــــــــــ

1- البقرة / 102 .

2- أخرجه النسائى فى كتاب الاستعاذة ، باب فى الشقاق والنفاق وسوء   الأخلاق حـ 8 ص 264 ، وأحمد فى المسند حـ 3 ص 283 والحاكم فى المستدرك حـ 1 ص104 وعبد الرزاق فى مصنفه برقم (19635) وأبو نعيم فى الحلية حـ 6 ص 252 .

   خبرة فى هذا المجال العقلى هو الأكثر قوة ومنعة .

 [2] - المجال الثانى لعمل العقل والذى يحدده المحاسبى فى كتابه ماهية العقل هو مجال العمل فى معرفة النقل أو الوحى ، أو ما يذكره الهجويرى فى كشف المحجوب بأنه مجال العقل فى المعرفة الربانية كمعرفة ذات الله ووحدانيته ومعرفة العلم بصفاته وأحكامها ومعرفة العلم بأفعاله وكلمته ، ومعرفة الشريعة بأركانها الثلاثة :

    1- معرفة الكتاب لقوله تعالى : { منه آيات محكمات } (1) .

    2- معرفة السنة لقوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما

         نهاكم عنه فانتهوا } (2) .

     3- معرفة إجماع الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجتمع

         أمتى على ضلالة وعليكم بالسواد الأعظم ) (3) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- آل عمران / 7  .              

2- الحشر / 7 .

3- كشف المحجوب ص 18 ، 19 ، 20 بتصرف والحديث رواه ابن ماجه فى سننه كتاب الفتن ، باب السواد الأعظم برقم (3950) ونص الحديث : ( إن إمتى لا تجتمع على ضلالة ، فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم ) والحديث فى إسناده أبو خليفة الأعمى وهو ضعيف ، انظر ابن ماجه حـ 2 ص 133 .

    ويرى المحاسبى أن دور العقل وعمله حيال الوحى أو الأمور الغيبية يجب أن يقتصر على التلقى والتسليم ثم الدعوة والتبشير بما أنزل الله لا أن يستبد بالفكر ويقدم  الرأى على كتاب الله ، ولكن يثبت صحة ما أنزل الله من خلال الرواية والدراية (1) .

      ومن ثم فالمعرفة الدينية ليس للعقل البشرى من دور حيالها     سوى التلقى والفهم ، وهذه المعرفة ضرورية لاستكمال معنى الحرية عند أوائل الصوفية ، ذلك لأن السلوك الخلقى يتم بمقومين أساسين هما الاختيار والاستطاعة ، فالاختيار كما سبق هو تحرك إرادة العبد وعقد النية وتحديد القصد لفعل من ضدين أحدهما حسن والآخر قبيح ، ومن ثم فيلزم لصحة الاختيار وتمام شروطه فى الإنسان  أن تكون المعرفة بالحسن والقبيح أو الخير والشر مصاحبة لهذا الاختيار وهادية له تبيينا وتوضيحا وترشيدا ، وبذلك تكون المعرفة التى يتلقى العقل من الوحى موضوعاتها ، ويعرف منها الحلال والحرام هى دليل الاختيار البشرى  وهذا ما يؤكـده عبد الله بن خفيف بقوله :

    ( ينبغى أن يعتقد العبد أن النبوة والرسالة حق ، وأنهــا الحجـــة على الخلق من جن وإنس ، وحجة ناصعة ، قاطعة للعذر ، أى لم يبق لشخص قط عذر كأن يقـول : لم أعلم كذا ، أو لـــم يبلغنى ــــــــــــــــــــــــ

1- ماهية العقل للحارث المحاسبى ص 108 .

ذلك أن الأنبياء قد أتوا وبينوا جميعا بين الخلـق أحوال الدنيا والآخرة   من الخير والشر ، وما ينبغى فعله وما لا ينبغى ، وما ينبغى قوله وما لا ينبغى ، وما ينبغى التفكير فيه وما لا ينبغى ) (1) .

     فالله سبحانه وتعالى جعل العلم من مقومات الحرية فى اختيار فعل على آخر أو منهج على آخر حتى يتحقق العدل الإلهى إذا عذب الكافر   ويظهر الفضـل إذا أنعم على المؤمن .

  • قال تعالى : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب مـن قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل  أن نذل ونخزى       قل كل متربص فتربصوا فستعلمون مـن أصحاب الصراط    السوى ومن اهتدى } (2) .

   فالدين بكليته سواء العقائد النظرية أو الشعائر التعبدية أو التنظيمات الاجتماعية والأسرية كل ذلك يدخل تحت منهج العبودية والمعرفة الدينية التى هى هادية للاختيار البشرى ، ولا مجال للعقل فيها ، بل الشرع هو القائد الموجه للعقل .

 يقول ابن خفيف : ( العقل لا يحسن ولا يقبح والشرع حاكم على العقل ) (3) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- سيرة الشيخ الكبير عبد الله بن خفيف ص 352 .

2- طه / 134 ، 135 .                 3- السابق ص 359  .

       ولقد فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المجالين فى    عمل العقل .

  • مجال المعرفة الدينية التى هى دليل الاختيار ومصدر المعرفة للخير والشر .
  • مجال المعرفة الدنيوية التى هى دليل الاستطاعة ومعرفة الآثار فى الأشياء بالخبرة والتفاعل مع الأسباب ونتائجها .

     فقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة على قوم يؤبرون النخل فقال : لو لـم يفعـلوا لصلـح له فامتنع القوم عن تلقيح  النخل ذلك العام ظنا منهم أن ذلك من أمر الوحى .

فلما لم ينتج النخل إلا شيصا ، سأل رسول الله عما حدث له ؟

فقالوا : قلت كذا وكذا .

قال : أنتم أعلم بأمور دنياكم  .

وفى رواية قال : إن كان ينفعهم ذلك فليصنعون فإنى إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذونى بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به (1)   

ــــــــــــــــــــــــ

1- الحديث أخرجه مسلم فى كتاب الفضائل ، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأى برقم (2361) وابن ماجه فى كتاب الرهون ، باب تلقيح النخل برقم (2471) وأحمد فى المسند حـ 6 ص 123 .

     فأمور الدنيا والعلم بها موكول إلى العقل البشرى وبحثه وتنقيبه  فأصحاب النخل قد عرفوا بالتجربة أنه لا بد من تلقيحه كل عام ليثمر   وبذلك عرفوا علة الإثمار فى النخـل ، وعلى ذلك يصبح إثمار النخل من استطاعتهم أما نصيحة الرسول لهم أو تعليقه على فعلهم ، فلم يكن عن وحى من الله وإنما كان اجتهاد شخصى ولذلك قال لهم : أنتم أعلم بأمور دنياكم .

    وفى هذه العبارة الصغيرة تفويض كامل من الله ورسوله أن يعتمد اعتمادا كليا على ما أوتى من أجهزة الإدراك والعلم البشـرى فـى البحـث والتنقيـب فى كـل مـا علـى الأرض والعمل فى سبيل العلم بحرية تامة بعيدا عن منهج العبودية أو تحريمات الدين وتعليماته .

     ويمكن القول بناء على التوافق الصوفى النبوى أن المجالين الموضوعين لعمل العقل وتحصيل المعرفة ينحصران فى نوعين من العلوم :

   1- علوم مؤثرة فى قوة الأفعال وزيادة الوسع والاستطاعة .

   2- علوم مؤثرة فى توجيه الأفعال بالإرادة والاختيار .

   وكلا النوعين إن لم تكن الغاية منهما عبودية الله ومعرفته فلا قيمة لهما عند أوائل الصوفية لأنهم من أزهد الناس فى الدنيا وما يتبعها من علوم مادية .

 

 وهم أيضا من أبعد الناس عن تحكيم غير منهج الله وشرعه فى    أنفسهم .

     فحقا وصدقا أن العاقل من صحح اعتقاده حتى لا يخجل حينما يلقى الله تعالى ، ويخلص نيته ويصفيها حتى يشرع فى أعماله وأفعاله طاهرا كما ينبغى أن يكون ، ويشتغل بالأعمال الحسنة ويمضى أيامه فى الطاعة حتى يكون ذلك عونا له وذخرا فى الغد حين تقوم الساعة .

    وينبغى أن يعلم العبد أن الله تعالى لم يخلقه عبثا ، ولن يتركه سدى  فما دام كذلك ينبغى عليه أن يجتهد ويكافح فى تثبيت دينه وأحكامه وتصفية اعتقاده وأعماله وأفعاله وتصحيح عبادته حتى تتم له      العبودية (1) .

     ويذكر المحاسبى أن العاقل هو من عقل أى رب يعبد ، وأى ثواب يطلب ، ومن أى عقاب وعذاب يهرب وأى نعيم يشكر ، والشكر أيضا ممن هو ، ومن منَّ به فإذا عقل ذلك كله عن ربه استقل واستصغر جميع دؤوبه واجتهاده لعظيــم مـا عقــل مــن جميــع ذلــك (2) .

  • فمعرفة الصانع ضرورة ، لا يستطيع المؤمن أن يعرف الصانع الخالق ــــــــــــــــــــــــ

1- سيرة الشيخ الكبير عبد الله بن خفيف ص 431 ، 432 بتصرف .

2- ماهية العقل للحارث المحاسبى ص 221 ، 229 بتصرف .

 

دون أن ينتبه ويعمل العقل والفكر بالتدبير والتفكير (1) .

  • ومتابعة النبى صلى الله عليه وسلم ضرورة لاحتياج المؤمن إلى طريق الهداية (2) .
  • فدلهم الله على الاهتداء باتباعه فقال : { واتبعوه لعلكم تهتدون } (3) .
  • ووعدهم الهداية بطاعته فقال : { وإن تطيعوه تهتدوا } (4) .
  • وحذرهم الفتنة والعذاب الأليم إن خالفوا أمره فقال تعالى :

    { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو        يصيبهم عذاب أليم } (5) .

   وعلى الرغم من أن الهداية الشرعية مقوم من مقومات الاختيار وضرورة لتحقيق معنى الحرية ، إلا أنهم أجمعوا أن جميع ما فرض الله تعالى على العباد فى كتابه وأوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض واجب وحتم لازم على العقلاء البالغين من صديق وولى وعارف ــــــــــــــــــــــــ

1- السابق ص 222 بتصرف .

2-سيرة الشيخ الكبير عبد الله بن خفيف ص 355 بتصرف .

3- الأعراف / 158 .                  

4- النور / 54 .

5- النور /63 وانظر اللمع للسراج الطوسى ص 131 .

   وإن بلغ أعلى المراتب وأعلى الدرجات وأشرف المقامات وأرفع المنازل (1) وأنه لا مقام للعبد تسقط معه آداب الشريعة ، من إباحة ما حذر الله أو تحليل ما حـرم اللـه ، أو تحريـم مـا أحل الله ، أوسقوط فرض من غير عذر ولا علة ، والعذر والعلة ما أجمع عليه المسلون وجاءت به أحكام الشريعة (2) .

    يقول عبد الله بن خفيف : ( والحرية من العبودية باطلة ، أى        إذا تصور امرؤ أن العبد يجوز له فى حياته أن يتمرد من قيد    العبودية وأن تسقط عنه التكاليف الشرعية فهو باطل ) (3) .

     وقد أنشأ أوائل الصوفية مصطلحا خاصا للحرية قرنوه بعبودية   الله والتزام منهجه ظاهرا وباطنا وضبطوا الحرية فى اصطلاحهم على ذلك المعنى ، لعلمهم أن الوحى جاء بما يصح أن تعيه العقول من الأخلاق الحميدة والسلوك القويم وأنه دعا إلى فضائل تيسر الحياة ونهى عن رزائل تحيل الإنسان إلى الدرك الحيوانى والتدنى الخلقى ، وكان هذا      الاهتمام بالإنسان ليتحمل مسئوليته فى عمارة الكون وضبط ــــــــــــــــــــــــ

1- التعرف لمذهب أهل التصوف ص 75 ، 76 .

2- السابق ص 76 .

3- سيرة الشيخ الكبير عبد الله بن خفيف ص 361 .

 

حركته (1) .

   وعلاقة الأفراد ببعضهم بدءا من الأسرة ومرورا بالمجتمع وانتهاء بآصرة الإنسانية تحتاج إلى ضوابط أخلاقية كى لا تتعارض الحريات وتتصادم الرغبات والمصالح (2) .

    والله فطر الناس على ضرورة ذلك ، فما العقد الاجتماعى والاتفاق الصامت الكائن بين أفراد الجماعة الواحدة إلا مظهر من مظاهر هذا الضبط ، لأن حركة الفرد يجب ألا تمثل قيدا على الآخر ، ومصلحة الفرد يجب ألا تكون استغلالا للآخرين فلا تستقيم حياة الأفراد ، أو علاقات الجماعات والأمم بدون ضوابط تحكم الحريات ، فالإنسان تحكمه عوامل متعددة بعضها خير وبعضها نزوع إلى الشر من أجل هذا كانت حاجة الإنسان إلى نظام يحد من حركته ويحكم علاقاته ويقود خطاه ويضع قواعد سلوكه على المنهج السليم .

  ولقد أحسن أوائل الصوفية عندما ربطوا معنى الحرية عند الإنسان بعبودية الله سبحانه وتعالى ، وهذا ما سيأتى فى المبحث التالى .

ــــــــــــــــــــــــ

1- الفكر الأخلاقى دراسة ومقارنة ، تأليف د. محمد عبد الله الشرقاوى ص 17 بتصرف  مكتية الزهراء سنة 1987 م .

2- الأخلاق بين العقل والنقل تأليف د. أبو اليزيد العجمى ص 27 بتصرف ، دار الثقافة العربية القاهرة سنة 1988 م .

  • الاثنين PM 05:54
    2021-08-16
  • 1311
Powered by: GateGold