المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409170
يتصفح الموقع حاليا : 355

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1629116381352.jpg

واقع التصوف والصوفية فى القرنين الثالث والرابع الهجريين 0

وقد اشتمل على ثلاثة مباحث :

 المبحث الأول :

                   التـصــــــــوف نسبتـــــــه ومعنــــاه     

 المبحث الثـانى :

                              دراسة العوامل التى أسهمت

                            فى ظهــــور التصوف والصوفية 

 المبحث الثالث : 

                            موضوع التصوف وأهم قضاياه

 

 

 

 

 

 

*** المبحث الأول  ***

التصوف نسبته ومعناه    

     من الطبيعى أن نلجأ إلى اللغة محاولين معرفة معنى هذه اللفظة ونسبة اشتقاقها فقد قيل :

   إن التصوف نسبة إلى الصوف ، وذلك لأنه لباس خشن بعيد عن النعومة والليونة وقد كان يلبسه الأنبياء والصالحون وهو لباس الصوفية ومرتبط بالزهد فى أذهانم ، فتصوف إذا لبس الصوف (1) .

    وفى هذا يذكر السهروردى البغدادى فى عوارف المعارف أن اختيارهم للبس الصوف كان لتركهم زينة الدنيا وقناعتهم بسد الجوعة وستر العورة واستغراقهم فى أمر الآخرة وهذا الاختيار ملائم ومناسب من حيث الاشتقاق لأنه يقال : تصوف إذا لبس الصوف كما يقال : تقمص إذا لبس القميص .

   ولأن ذلك أبين فى الإشارة إليهم وأدعى إلى حصر وصفهم إذ لبس الصوف كـان غـالبا على الأنبياء والمتقدمين من سلفهم  فحالهــم حـال المقربين (2) .     

ــــــــــــــــــــــــ

1- انظر قضية التصوف المنقذ من الضلال للدكتور عبد الحليم محمود ص  31 طبعة دار المعارف ، االقاهرة سنة 1985 بتصرف .

2- عوارف المعارف للسهروردى تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور محمود بن الشريف حـ 1 ص 211 طبعة دار الكتب الحديثة  القاهرة سنة 1971.      

     وهذه النسبة رجحها كثير من العلماء وهى صحيحة من حيث اللغة وإن كان القوم لم يختصوا بلبس الصوف وحدهم بل كان يلبسه غيرهم   يقول ابن خلدون : ( والأظهـر إن قيـل بالاشتقـاق أنه من الصوف وهم فى الغالب مختصون بليسه لمــا كانــوا عليه مـن مخالفـة النــاس فى لبس فاخــر الثياب إلى لبس الصوف ) (1) .

   وقيل : إنه نسبة إلى أهل الصفة وهم جماعة من فقراء المهاجرين الذين كانوا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لمشاكلتهم الصوفية فى حالهم فهم الذين نزل فيهم قوله تعالى : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا } (2) .

     وهذه الأوصاف قائمة بالاثنين إذ أن أهل الصفة الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا فقراء مهاجرين فى سبيل الله عاكفين على الزهد والعبادة والتقشف والنسك ، فلما كانت طائفة الصوفية متلبسين بأوصاف أهل الصفة نسبوا إليهم ، وقد انتقد القشيرى وغيره هذه النسبة لمخالفتها مقتضى اللغة (3) . 

ــــــــــــــــــــــــ

1- مقدمة ابن خلدون تحقيق د/ على عبد الواحد وافى ، لجنة البيان العربى الطبعة الأولى سنة1960م ، حـ 3 ص 1062 .             2- الكهف / 52 .

3- انظر السابق حـ3 ص 1074 ، وانظر عوارف المعارف حـ 1 ص 212 والرسالة القشيرية حـ2 ص 555 ، اللمع لأبى نصر السراج الطوسى ص 41 .

   وقيل : إنما سموا صوفية لأنهم بين يدى الله تعالى فى الصف الأول وذلك لارتفاع هممهم وتعلقهم به وإقبال أسرارهم وقلوبهم عليه ووقوفهم بكليتهم بين يديه تعالى وذلك لأنهم لم تمتلكهم الدنيا حتى وإن ملكوها ، فلا يفوتهم فضل الصف الأول (1) .

   وقيل : إنه نسبة لبنى صوفة قبيلة من العرب لها صلة وثيقة بالبيت الحرام فلهذه الرابطة التى تتم بين القوم وبين بيوت الله تعالى نسب الصوفية إلى بنى صوفه .

   قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

    وهذا إن كان موافقا للنسب من جهة اللفظ فإنه ضعيف ، لأن هؤلاء غير مشهورين ولا معروفين عند أكثر النساك ، ولو نسب النساك إلى هؤلاء لكان هذا النسب فى زمن الصحابة رضى الله عنهم  والتابعين وتابيعهم أولى ، ولأن غالب من تكلم باســم الصوفية لا يعرف هــذه القبيلة ولا يرضى أن يكــون مضافـــا إلى قبيلة فى الجاهلية ولا وجود ــــــــــــــــــــــــ

1- انظر عوارف المعارف حـ 1 ص 218 وأصول الملامتية وغلطات الصوفية مقدمة التحقيق للدكتور عبد الفتاح أحمد الفاوى ص 23 طبعة مطبعة الإرشاد القاهرة سنة 1405 هـ 1985 م وانظر قضية التصوف المنقذ من الضلال للدكتور عبد الحليم محمود ص  31 .

 

 

لها فى الإسلام  (1) .

    وكثير من الصوفية أنفسهم نسبوا التصوف إلى الصفاء لآن مجاهداتهم ورياضاتهم إنما تنشد الصفاء فهم من أجل ذلك صوفية .

قال بشر بن الحارث :  الصوفى من صفا لله قلبه (2) .

وسئل سهل التسترى من الصوفى ؟

 فقال : من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر وانقطع إلى الله من البشر واستوى عنده الذهب والمدر (3) .

وقال بعضهم (4) :

 تنازع الناس فى الصوفى واختلفوا  :  جهـلا وظنـــوه  مأخــوذا مـن الصــوف

ولســت أنحــل هذا الإسم غير فتى  :  صافى فصـوفى حتى سمى الصوفى

    فهم يحاولون أن يصفوا أنفسهم بمرتبة إيمانية لا تضاهى كما جاء فى أوصاف السابقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ــــــــــــــــــــــــ

1- الصوفية والفقراء لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 11 .

2- انظر تاريخ التصوف الإسلامى من البداية حتى نهاية القرن الثانى للدكتور عبد الرحمن بدوى ص 123 وما بعدها طبعة وكالة المطبوعات الكويت سنة 1975 م .

3- عوارف المعارف حـ 1ص 207 .

4- الدر الثمين والمورد المعين للشخ محمد بن محمد المالكى حـ 2 ص 169 طبعة مصطفى البابى الحلبى  القاهرة سنة 1373 هـ 1960 م .

   ( يدخل مـن أمتى سبعون ألفا بغير حساب ثم وصفهم وقـال : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكوون ولا يكتون وعلى ربهم يتوكلون ) (1) .

    وأيا كان قولهم إلا أن واقع الصوفية  يختلف كثيرا مع دعوتهم وحالهم ، ولكن ما نرجحه فى نسبة التصوف هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال :

   ( هؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهى لباس الصوف فقيل فى أحدهم صوفى وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال ) (2) .

     أما سبب ظهور التصوف وارتباط لفظ التصوف بهم فهذا مبين فى المبحث الآتى .

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــ

1- أخرجه البخارى فى كتاب الطب برقم (5270) ومسلم فى كتاب البر الصلة برقم (2586) والترمذى فى كتاب صفة القيامة برقم (2446) .

2- الصوفية والفقراء ص 30 .

*** المبحث الثـانى ***

دراسة العوامل التى أسهمت فى

ظهــــور التصوف والصوفيــة 

     اختلف الناس فى تاريخ نشأة الصوفية فمنهم من يذكر أن هذا الإسم لم يكن فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم و إنما كان فى زمن التابعين .

   وينقل السهروردى عن الحسن البصرى أنه قال : رأيت صوفيا فى الطواف فأعطيته شيئا فلم يأخذه وقال : معى أربعة دوانيق يكفينى ما معى .

   وقيل :لم يعرف هذا الإسم قبل المائتين من الهجرة العربية (1) .

ويذكر أبو نصر عبد الله بن على السراج الطوسى المتوفى سنة 378هـ أن هذا الإسم معروف من قبل ذلك بل يذهب إلى أنه لفظ جاهلى عرفته العرب قبل ظهور الإسلام (2) .

   وأيا كان الخلاف فى تاريخ النشأة إلا أن التصوف لم يظهر فى عهد الصحابة والتابعين بالصورة المتميزة والمستقرة بعد القرن الثانى الهجرى ــــــــــــــــــــــــ

1- عوارف المعارف حـ 1 ص 208 .

2- اللمع لأبى نصر السراج  الطوسى تحقيق د. عبد الحليم محمود ، طه عبد الباقى سرور الطبعة الأولى سنة 1960 دار الكتب الحديثة بمصر ص 41 .

غير أن المقدمات التى أسهمت فى ظهوره واستقراره كانت مثار جدل واختلاف بين الباحثين ، ويمكن القول بأن الأمور الأساسية التى أسهمت بشكل فعال فى إظهار التصوف وإبرازه فى هيكل مميز يعرف به عن سائر الطوائف تتمثل فى الأمور الآتية :

الأمر الأول :

     هو رد الفعل الطبيعى لحياة الترف التى تأثر بها المسلمون بعد عهد الخلفاء الراشدين من جهة ، والفتن والمنازعات السياسية المتكررة من جهة أخرى ، فبعد مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه بدأ عصر مشحون بالصراعات والفتن الداخلية أسفرت عن موقعة الجمل ثم صفين ثم مقتل على بن أبى طالب رضى الله عنه وتولى بنى أمية للخلافة ثم كانت سلسلة الفتن والصراعات بين الأمويين ومعارضيهم من الشيعة وأبناء على ثم مقتل الحسين بكربلاء والأحداث التى لابست خروجه لمقابلة بن زياد وقتاله .

   كل هذه الأحداث أوجدت فى نفوس المسلمين نوعا من رد الفعل الذى كان نتيجته عزوف بعضهم عن المشاركة فى مجريات أمور الدولة واعتزال المجتمع تصونا عما فيه من الفتن وطلبا للسلامة ، فقوى اتجاه الزهد وظهر بكثرة فى الكوفة والبصرة (1) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- انظر العواصم والقواصم لابن العربى ص 80 : 86 بتصرف .

    هذا فضلا عن أن دولة بنى العباس تغلغلت فيها روح الترف والبذخ فى كثير من بيوت الأمراء وغيرهم ، مما أتاح للإكثار من المتعة والإغداق فى الملذات وإشباع الفضول الفكرى والأدبى من الحضارات الأخرى المستجلبة من تراث الأمم الغابرة (1) حتى ظهرت المعتزلة بما  خلفته من جراح وأفكار عصفت بالأمة الإسلامية وقتها ، ومن وقف على طبقات المعتزلة علم قدر ما كانوا عليه من العدد والمكانة المرموقة بين الخلفاء العباسيين (2) .

    ومن ثم كان التصوف بخصائصه الأخلاقية عاملا من عومل الجذب فى الاتجاه المضاد للصورة السابقة .

   غير أنه فى القرنين الثالث والرابع الهجريين لم يكن مقصورا على البصرة والكوفة كما كان شأن الزهاد والعباد فى القرنين الأوليين ، وإنما تجاوز إلى أغلب بلاد الممالك الإسلامية كفارس والشام وجزيرة العرب  فقد انتشرت الصوفية فى هذه الأنحاء من العالم الإسلامى ، وكان لهم ــــــــــــــــــــــــ

1- انظر من قضايا التصوف فى ضوء الكتاب والسنة  للدكتور محمد السيد الجليند ص19 : 23 بتصرف .

2 - طبقات المعتزلة للقاضى عبد الجبار ص 132، وفيات الأعيان لابن خلكان حـ1 ص 67 وما بعدها ، وتاريخ الطبرى حـ 8 ص 290 وما بعدها ، موقف الصوفية من العقل حتى نهاية القرن الرابع للدكتور محمد عبد الله الشرقاوى ص 22 .

 

مشايخ وطوائف وطرق ينتسب إليها المريدون فى مختلف البلاد ، غير أن مذهبهم لم يصب من النمو والازدهار فى أى من البلاد ما أصاب بغداد التى كان ينمو فيها سريعا وحظه من الصبغة العلمية عظيما (1) .

الأمر الثانى :

    السمة الظاهرة للمجتمع الإسلامى فى عصر النبوة وما بعده فقد كان الصوف منتشرا فى لباس المسلمين فى عصر الصحابة والتابعين وكان مرتبطا على الأغلب بالفقر وقلة اليد وقد دلت على ذلك مجموعة من الأحاديث النبوية منهـــا :

ا ــ حديث جرير بن عبد الله البجلى رضى الله عنه إذ قال :  جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف فرأى سوء حالهم وقد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فأبطؤا عنه حتى رؤى ذلك فى وجهة صلى الله عليه وسلم .. إلى آخر الحديث (2) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- الحياة الروحية فى الاسلام للدكتور مصطفى حلمى ص 124 بتصرف طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1984 .

2- أخرجه مسلم فى كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة وأنواعها وأنها حجاب من النار برقم (70 ) وفى كتاب العلم ، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن برقم (1017) .

ب ــ حديث أبى بردة بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال : قال أبى : لوشهِدتنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أصابتنا السماء حسبت أن ريحنا ريح الضأن إنما لباسنا الصوف (1) .

جـ ــ حديث نافع بن عقبة رضى الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة ، فأتى النبى قوم من المغرب عليهم ثياب الصوف فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد (2) .

    فهذه الأحاديث تدل على أن لبس الصوف فى عهده صلى الله عليه وسلم ارتبط غالبا بالفقر والعجز والضيق ولم يكن يوجد أو يتيسر لكل واحد منهم القطن أو غيره ، وهذا المعنى  لاحظه الصوفية بعد زمنه صلى الله عليه وسلم ، فنسبوا أنفسهم إليه بغية التواضع فى الخلق والتعبد والزهد والبعد عن ملذات الدنيا وأصبح لبس الصوف مشتهرا بين الصوفية ومميزا لهم ، وقد ساد ذلك بين الناس إلى درجة أن الإمام مالك رحمه الله يعتبره مظهرا للشهرة بالزهد .

ــــــــــــــــــــــــ

1- أخرجه مسلم فى كتاب اللباس ، باب التواضع فى اللباس برقم (2801) وأبو داود  كتاب اللباس ، باب فى لبس الصوف والشعر رقم (4032) والترمذى كتاب صفة القيامة ، باب لبس الصوف  برقم  (3562) وأحمد حـ 4 ص 419 .

2- أخرجه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة ، حديث رقم (2900) وأحمد فى المسند حـ 2 ص 338 .

    قال ابن بطال : كره مالك لبس الصوف لمن يجد غيره لما فيه من الشهرة بالزهد لأن إخفاء العمل أولى ، ولم ينحصر التواضع في لبسه بل فى القطن وغيره مما هو دون ذلك (1) .

    وهذه النسبة يؤيدها السراج الطوسى فى قوله : فكذلك الصوفية عندى نسبوا إلى ظاهر اللباس ، ولم ينسوا إلي نوع من أنواع العلوم والأحوال التى بها مترسمون ، لأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء عليهم السلام والصديقين وشعار المساكين المتنسكين (2) .

الأمر الثالث :

     الذى ساعد فى إتمام البناء الصوفى فى القرنين الهجريين الثالث والرابع  هو الطابع المميز للذات الصوفية ويتجلى ذلك فيما يأتى :

ا ــ وجود مظاهر جديدة للزهد ولم تكن موجودة فى عصر الصحابة والتابعين إذ ظهرت جماعة من المسلمين لهم نمط معين من الحياة اليومية خاصة فى الكوفة والبصرة يتميزون بها عن عامة المسلمين وربما بدأت هذه الظاهرة فى أواخر القرن الأول الهجرى (3) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- انظر فتح البارى بشرح صحيح البخارى حـ 1 ص 269 ،  وانظر الصوفية والفقراء لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 21 ، 31 .

2- اللمع ص 40 .

3- من قضايا التصوف فى ضوء الكتاب والسنة ص 31 .

     فهذا إبراهيم بن أدهم (1) الذى كان سليل الملوك يترك بلده وأهله ويقيم فى غار بنيسابور تسع سنوات كاملة من عمره بعيدا عن الناس  ويهيم فى الصحراء أربعة عشر عاما ، وهذا السلوك لا يوافق سنة النبى صلى الله عليه وسلم فى زهده وتحرره من قيود الحياه ، بل هو ابتداع ومظهر جديد لم يكن بين الصحابة رضوان الله عليهم . 

     وهذا بشرا الحافى (2) يلقب بالحافى لأنه ذهب يوما إلى الإسكاف

ــــــــــــــــــــــــ

1- انظر ترجمته فى حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبى نعيم الأصفهانى حـ 7 ص367 مطبعة السعادة ، القاهرة سنة 1351 هـ ، الطبقات الكبرى للشعرانى حـ 1 ص81 طبعة بولاق سنة 1914 م وانظر الرسالة القشيرية لأبى القاسم القشيرى تحقيق الدكتورعبد الحليم محمود ، محمود بن الشريف حـ 1 ص54 ، تهذيب الكمال فى أسماء الرجال ليوسف الدمشقى حـ 1 ص 349 طبعة دار الكتب المصرية   التاريخ الكبير للبخارى حـ 1 ص 200 طبعة حيدر أباد ، فوات الوفيات للكتبى حـ1 ص3 طبعة بولاق ، تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار حـ 1 ص 44 .

2- انظر ترجمته  فى حلية الأولياء حـ 8 ص 336 وما بعدها ، وفيات الأعيان حـ1 ص112 صفة الصفوة لابن الجوزى حـ2 ص183 ، شذرات الذهب فى أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلى  حـ2 ص60 طبعة مكتبه القدس بالقاهرة سنة 1350 هـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادى حـ 7 ص 67 مطبعة السعادة  القاهرة سنة 1349هـ وانظر سير أعلام النبلاء للذهبى  حـ7 ص244 طبعة دار الكتب المصرية ، البداية والنهاية لابن كثير حـ 10 ص 297 المطبعة السلفية سنة 1351 هـ .

ليصلح حذاءه فأغلظ الإسكاف القول له فقذف بشر بنعليه وأقسم ألا ينتعل طول حياته كى لا يحتاج إلى مخلوق .

  وكان الأولى به أن يذهب إلى غيره أو يتولى إصلاح الحذاء بنفسه ولا يخالف السنة بترك الانتعال طول الحياة .

    كما نجد ما هو أسوأ من ذلك لأبى الحسين النورى حيث يصعد قنطرة ويرمى ثلاثمائة دينار فى الماء واحدا واحدا ثمن عقار بيع له وهو يقول : ( حبيبى تريد أن تخدعنى منك بمثل هذا ) (1) .

   ونلتقى أيضا بين صوفية القرن الثالث بمن يحرم على نفسه أكل ما أباح الله من الطعام حتى إنه ليقول لمريد من مريديه قد مد يده إلى قشر البطيخ : ( أنت لا يصلح لك التصوف الزم السوق ) (2) .

    وغير ذلك من الأقوال والأفعال التى تدعو إلى إعجاب العامة والدهماء فى مقابل جهلهم بالسنة ، مما ساعد على شد الناس فى ــــــــــــــــــــــــ

1- اللمع ص492 ، صفة الصفوه حـ2 ص294 ، حلية الأولياء حـ10 ص250‏ تاريخ بغداد حـ5 ص130 ، سير أعلام النبلاء حـ 9 ص156 .

2- هو أبو تراب النخشبى واسمــه عسكــر بن حصين من مشايخ خرسان توفى فى البادية ، وقيل نهشته السباع سنة 245 هـ ، انظر الرســالة القشيرية حـ2 ص84  حليــة الأولياء حـ10 ص45 ، طبقات الشافعية لتقى الدين السبكى  حـ2 ص55 المطبعة الحسينـيـــة ، القاهــرة سنة 1324 هـ ، طبقــات الشعــرانى حـ1 ص96  شـذرات الذهــب حـ2 ص 108 .

التأسى بها رغبة فى التميز ، حتى عرف الصوفية بذلك بين العامة وأصبح مظهرا مألوفا عند الناس .

   ومما يدل على ذلك أيضا ما ذكره رويم بن أحمد البغدادى حيث عطش عطشا شديدا فاستسقى جارية فقالت : ويحك صوفى يشرب بالنهار فاستحى منها ونذر ألا يفطر أبدا (1) .

   فما استقر فى أذهان الناس عن الصوفية وارتباطهم بالأحوال العجيبة فى الزهد دفع رويما إلى التلبس بهذه الأوصــاف .

ب ــ وجود نمط جديد من الألفاظ والمصطلحات التى لم يؤلف استعمالها من قبل فى عهد الصحابة والتابعين أضفى على الصوفية أثرا واضحا فى تكوين جماعتهم واستقرار منهجهم (2) .

   فقد رُوى عن مالك بن دينار والحسن البصرى وشقيق البلخى أنهم ذهبوا لزيارة رابعة العدوية فى مرضها .

فقال لها الحسن : ليس بصادق فى دعواه من لم يصبر على ضرب مولاه 

فقالت رابعة : هذا كلام يشم فيه رائحة الأنانية .

ــــــــــــــــــــــــ

1- رويم بن أحمد البغدادى ت سنة 303 هـ  انظر فى ترجمته  الرسالة حـ1 ص 27 وانظر ترجمته فى حلية الأولياء حـ10 ص296 صفة الصفوة حـ2 ص 49 ، طبقات الشعرانى حـ1 ص603 ، المنتظم فى تاريخ الأمم والملوك لابن الجوزى حـ6 ص136 ، تاريخ بغداد حـ8 ص430 ، والبداية والنهاية حـ1 ص125 .

2- من قضايا التصوف فى ضوء الكتاب والسنة ص 32 .

فقال شقيق : ليس بصادق فى دعواه من لم يشكر على ضرب مولاه

فقالت رابعة : يجب أن يكون أحسن من هذا .

فقال مالك : ليس بصادق فى دعواه من لم يتلذذ بضرب مولاه .

فقالت رابعة : يجب أن يقال أحسن من هذا .

فقالوا لها : تكلمى أنت يا رابعة .

فقالـت : ليس بصـادق فـى دعواه من لـم ينس الضرب فى مشـاهدة مـولاه (1) .

     فكانت مثل هذه الإشارات والألفاظ الغريبة الجديدة التى لم تكن من قبل سببا فى إثارة الصوفية بعد ذلك لأن يتكلموا بما هو غامض وأبعد فى الوصول إلى المعنى المراد حتى ظهر كم كبير من المصطلحات والألفاظ الجارية فى كلامهم استحوزت على أبواب وفصول لشرحها فى كتب التصـوف وغيرها (1) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- السابق ص 33 وانظر تذكرة الأولياء حـ 1 ص 71 ، 72 ، نشأة التصوف فى الاسلام للدكتور قاسم غنى ص 48 .

2- انظر على سبيل المثال ماأفرده السراج الطوسى فى اللمع بشرح الألفاظ الجارية فى كلام الصوفية من ص409 : 458 والأبواب التى أفردها الكلاباذى فى التعرف لمذهب أهل التصوف والقشيرى فى الرسالة والهجويرى فى كشف المحجوب وغيرهم   فى شرح هذه الكلمات الغامضة وتبسيط معناها للقارئ العادى .

   ومن ثم فقد ساعد هذا النمط الجديد فى إبراز الصوفية بصورة متميزة عن الآخرين .

حـ ــ أن التصوف لم يتعد المرحلة الفردية التى كانت فى القرنين الهجريين الأول والثانى فقط وإنما تجاوز إلى شئ أخر وهو أن الصوفية أخذوا ينظمون أنفسهم طوائف وطرقا يخضعون فيها لنظم خاصة بكل طريقة ، وكان قوام هذه الطرق طائفة من المريدين يلتفون حول شيخ مرشد يوجههم ويبصرهم على الوجه الذى يحقق لهم من وجهة نظره كمال العلم وكمال العمل ، فانتقل التصوف من المرحلة الفردية إلى مرحلة العمل الجماعى المنظم ويذكر ابن تيمية أن أول من بنى دويرة للصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد  وعبد الواحد من أصحاب الحسن البصرى ت (177هـ) .

ثم توالت بعد ذلك الطرق الصوفية المتعددة ، كل طائفة تلزم شيخا تتتلمذ على يديه (1) .

    وقد صنف الهجويرى من هذه الطوائف المحاسبية والقصارية والطيفورية والجنيدية والنورية والسهلية وغيرهم (2) .

    ومن ثم كانت الطرق الصوفية فى القرن الثالث الهجرى قد ذاع أمرها وكثر طالبوها ووصلت إلى درجة عالية من الاستكمال والاستقرار ــــــــــــــــــــــــ

1- الصوفية والفقراء ص 21 ، ميزان الاعتدال للذهبى حـ 2 ص 672 . 

2- كشف المحجوب للهجويرى ص 209 وما بعدها .

   كما أن التنقل المستمر للصوفية فى البلاد الإسلامية المختلفة ورحيل المريدين إليهم ساعد على إيجاد رابطة قوية بين مختلف الطــرق الصوفية ولا سيما فى إحداث لغــة خاصة بهم يتفاهمون بواسطتها ويعبرون بها عــن أحوالهم النفسية وأهدافهم الروحية (1) .

د ــ ومن أهم الأمور التى أثرت فى نشأة الحياة الصوفية بطابعها المتميز إنشاء التراث الصوفى ، فكما أن المؤلفات ظهرت فى مختلف العلوم وكانت سببا هاما فى تأصيلها وتميزها كذلك كانت علوم التصوف    فنجد الحارث المحاسبى يملأ الواقع الصوفى وقتها بمؤلفاته المتعددة وعلى رأسها كتابه الرعاية ، وكذلك الحكيم الترمذى وأبا سعيد الخراز وسهلا بن عبد الله التسترى ، ثم ظهر بعد ذلك الكلاباذى بكتابه التعرف لمذهب أهل التصوف ، وقوت القلوب لأبى طالب المكى ، واللمع للسراج الطوسى ثم طبقات الصوفية لأبى عبد الرحمن السلمى .

  وجاء بعد ذلك القشيرى وصنف الرسالة والهجويرى الذى ألف كشف المحجوب وتتابعت حركة التأليف والتصنيف فكان للتراث ــــــــــــــــــــــــ

1- التصوف فى الإسلام وأهم الاعتراضات الواردة عليه تأليف للدكتور  عبد اللطيف العبد  ص 92 الطبعة الأولى سنة 1986م ، دار الثقافة العربية ، وانظر الطرق الصوفية فى مصر نشأتها ونظمها ص 259 طبعة سنة 1978م مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة .

الصوفى مكانة كبيرة بين بقية العلوم .

   كل هذه الأسباب جعلت من القرنين الثالث والرابع عصرا بهيا للاستقرار الصوفى فى منهجهم وطريقتهم وأحوالهم ومقاماتهم ، وإذا كان هذان القرنان مسرحا للفوضى السياسية والفكرية التى عمت البلاد الإسلامية ، فإن جهد الباحثين لا ينقطع فى كشف الغموض وتحليل الأحداث وأثرها فى بناء الأمة أو هدمها .

   وقد كان للصوفية باع كبير فى الرد على المخالفين لأهل السنة والجماعة فى مسائل الاعتقاد وغيرها ، كما أن لهم شطحات مؤثرة فى أفكار العامة والدهماء ساعدت على انتشار البدعة والغلو فى معنى العبادة ومثلت النواه التى اجتمعت حولها كل أفكار الهدم فى التصوف الدخيل والمؤثرات الأجنبية .

    ولعل البحث فى مسألة القدر والحرية يكشف عن طبيعة الصوفية وحقيقتهم فى هذه الحقبة من الزمن بما لهم وما عليهم .

 

 

 

 

 

 

***  المبحث الثالث  ***

مـوضـــوع التصــوف وأهم قضـاياه

     رغم أن أقوال المشايخ فى موضوع التصوف لا تكاد تحصى إلا أنها متقاربة المعنى وتدور فى فلك واحد ، ويذكر السهروردى البغدادى فى عوارفه أنه رغم الاختلاف فى تعريف التصوف فإن هناك قاسما مشتركا بوجوده يكون التصوف ، فالصوفى عنده هو الذى يطهر القلب من شوائب النفس على الدوام ولا يكون ذلك عنده إلا بدوام افتقاره إلى مولاه ، فبدوام الافتقار كلما تحركت النفس وظهرت بصفة من صفاتها أدركها المرء ببصيرته النافذة وفر منها إلى ربه فهو قائم بربه على قلبه وقائم بقلبه على نفسه قال تعالى :

 { يا أيها الذين آمنوا كونوا قـوامين لله شهداء بالقسط } (1) .

وهذه القوامة لله على النفس هى التحقق فى موضوع التصوف (2) .

  وأصل التصوف عندهم الاجتهاد فى تحقيق مقام الإحسان على وجهه الأكمل بحيث يتحقق ما قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه :

 ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) (3) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- المائدة / 8 .            2- عوارف المعارف حـ 1 ص 132.

3- أخرجه البخارى فى كتاب التفسير ، باب { إن الله عنده علم الساعة } برقم (4777) ومسلم فى كتاب الإيمان رقم (10) النسائى فى كتاب الإيمان وشرائعه برقم (4991) وأحمد فى االمسند حـ 2 ص426 .

   وبيان ذلك أن الصفاء عندهم موطنه القلب وهو نابع منه ولذا انصب موضوع التصوف فيه ، بحيث يدور على الاجتهاد فى تحقيق الكمال الممكن لصلاح القلب عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب ) (1) .        

    وإذا علم هذا فإنه من البديهى وعلى وجه الافتراض أن يبدأ الصوفى رحلته بأعمال الظاهر وأحكامها علما وعملا  فمن لم يعمل بالظاهر   فلا صلة له بالباطن ، ومن ثم فإن صدق التوجه مشروط بما يرضاه الحق سبحانه وتعالى وما لايرضاه ولا يصح مشروط بدون شرطه .

  • قال رويم بن أحمد : التصوف استرسال النفس مع الله تعالى علـى مــا يريد (2) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- الحديث أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه وعرضه برقم (52) ومسلم فى كتاب المسقاه باب أخذ الحلال وترك الشبهات رقم (1598) وأبو داود فى كتاب البيوع ، باب فى اجتناب الشبهات برقم (3329) والترمذى فى كتاب البيوع ، باب ترك الشبهات (1205) والنسائى فى كتاب الأشربة برقم (5710) وابن ماجه فى كتاب الفتن ، باب الوقوف عند الشبهات (3984) وأحمد حـ 4 ص 267 .    

2- اللمع ص 45 .

  • وقال إمام الطائفة فى عصره الجنيد بن محمد : ( التصوف أن يميتك الحق عنك ويحييك به ) (1) .
  • وقال عمرو بن عثمان المكى : التصوف يكون العبد فى كل وقت مشغولا بما هو أولى فى ذلك الوقت (2) .

 * أهم القضايا الصوفية :

    وعن أهم القضايا التى شغلت أوائل الصوفية ودارت بينهم من خلال كتبهم ومروياتهم فيتمثل أغلبها فيما يأتى : 

1- العقيدة والمنهج :

   لما كان جهد الصوفية قائما على إصلاح الباطن وطهارة القلب فإن أغلب الذين كتبوا فى التصوف من الصوفية ؟ الأوائل أفردوا أبوابا وفصولا لذكر معتقدهم ومنهجهم وموقفهم من الوحى ومصدر الاعتقاد  وعلاقة العقل بالنقل .

   فهذا الحارث المحاسبى يجلى بوضوح معتقده فى الله وأنه فى السماء على العرش ويرد على القائلين بوحدة الوجود (3) ويبين منهجه فى التلقى والمعرفة من خلال فهم ماهية العقل (4) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- السابق ص45 .             2- السابق ص45 .

3- انظر كتاب فهم القرآن للحارث المحاسبى ص 367 .

4- انظر ماهية العقل للحارث المحاسبى ص 237 .

   وهذا سهل بن عبد الله التسترى يذكر اعتقاده على وجه التفصيل ويرد على أهل الفرق والدعاوى فى الأحوال (1) .

   ويقول الشيخ الكبير أبو عبد الله بن خفيف : ( هذا معتقدى ومعتقد الأئمة السادة والعلماء القادة الذين قبلى وفى زمانى من أهل السنة والجماعة ، ثم قال : ويعتقد أن أخبار الآحاد توجب العمل ولا توجب العلم وأخبار التواتر توجب العلم والعمل ، والعقل لا يحسن ولا يقبح والشرع حاكم على العقل والناس على العدالة حتى يظهر الجرح  ثم يفصل اعتقاد أهل السنة والجماعة ) (2)  . 

  ويشرح الكلاباذى قولهم فى التوحيد وموقفهم من الأسماء والصفات وقولهم فى الرؤية والقدر وخلق الأفعال ثم يبن منهجهم فى معرفة الله والأمور الغيبية بصفة عامة وأن مصدرها الوحى وأن العقل لا يمكنه بمفرده التعرف على أوصاف الخالق سبحانه وتعالى ، قال الكلاباذى فى  الباب الحادى والعشرون :  قولهم فى معرفة الله تعالى : أجمعوا على أن الدليل على الله هو الله وحده ، وسبيل العقل عندهم سبيل العاقل فى حاجته إلى الدليل  ، لأنه محدث والمحدث ل ايدل إلا على مثله .

وقال رجل للنورى : ما الدليل على الله ؟

قال : الله .

ــــــــــــــــــــــــ

1- انظر كتابه الرد على أهل الفرق والدعاوى فى الأحوال .

2- سيرة الشيخ الكبير عبد الله بن خفيف ص 340 .

قال : فما العقل ؟

قال : العقل عاجز والعاجز لا يدل إلا على عاجز مثله (1) .

ويذكر المكى فى قوت القلوب كتبا وفصولا فى بيان معتقد أهل السنة والجماعة (2) .

   ومن الإنصاف أن يذكر المرء أن أقوالهم فى أمور الاعتقاد خاصة التى تتعلق بأسماء الله وصفاته وأفعاله وأمور القدر وتوحيد الربوبية حجة فى بيان منهج أهل السنة والجماعة والرد على المخالفين من الطوائف المختلفة .

    وقد احتج كثير من السلف بأقوالهم ونقلوا الكثير عنهم فى مؤلفاتهم وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية (3) .

2- أعمال القلوب والجوارح .

    تعد أعمال القلوب والجوارح من القضايا التى شغلت حيزا واسعا فى تراث أوائل الصوفية فلقد بلغ الجهد مبلغه فى دراسة أعمال القلوب ــــــــــــــــــــــــ

1- التعرف ص 78 ، ص 79 وقارن بين قول النورى هذا فى تقديم النقل وبين قوله المناقض للشرع ( حبيبى تريد أن تخدعنى منك بمثل هذا ) انظر ص 27 .

2- قوت القلوب حـ 1 ص 123 وما بعدها .

3- انظر ما نقله عنهم فى الفتوى الحموية ص 36 وما بعدها وانظر فى تفصيل ذلك كتاب ابن تيمية والتصوف للدكتور مصطفى حلمى وكتاب التصوف فى تراث ابن تيمية للدكتور الطبلاوى محمود سعد .

على وجه الخصوص ممثلة فى الأحوال الإيمانية والمقامات والنوازع والخواطر الداخلية التى تطرأ من قبل النفس والعدو أو الروح والملك   ولا يكاد يخلو كتاب من كتبهم من تفصيل ما لهذه الأمور ، فوصل اهتمامهم بعبوديات القلب إلى حد يفصلون فيه خفايا الأمور فى التوبة والورع والزهد والصبر والتوكل والرضا والقرب والمحبة والخوف والرجاء واليقين والمراقبة وغير ذلك من أعمال القلوب ويفصلون درجات كل موطن من هذه الأعمال ويظهرون جوانبه وأبعاده وفى المقابل ينبهون على ما يفسد القلب من الرياء وسوء أفعال النفس والعجب والكبر والغرور والحسد والحقد وغير ذلك ، وكل منهم يدلى بدلوه من واقع إيمانه وتجربته الشخصية بما يكشف هذه الأمور ويجليها حتى وصل الأمر ببعضهم إلى أن يسمى مؤلفه المسائل فى أعمال القلوب والجوارح  كالحارث المحاسبى أو قوت القلوب كأبى طالب المكى .

    ويمكن القول أن نسبه اهتمام الصوفية الأوائل بعبوديات القلب إلى سائر موضوعاتهم قد حازت الصدارة إذا ما قورنت بالموضوعات الأخرى .

    فهم ما برحـوا يوالون القلب بالتنقيب والتحليل والدراسة الرعاية والعناية وقد جاء اهتمامهم بعبوديات الجوارح حفاظا على سلامة القلب من ناحية ، إذ أنهم يعتبرونها ساحة للمنازلة والإقبال على الله والإعراض عمن سواه ، وتحقيقا للعبودية فى ظاهر البدن من ناحية أخرى .

     ويمكن القول أن أغلب الصوفية شددوا على أنفسهم بلا هوادة فى هذا الجانب إلى درجة الإفراط والمغالاه ومخالفة الحد النبوى ، حتى إنهم تعاملوا مع المستحبات والمندوبات على أنها واجبات وفرائض فيذكر السراج الطوسى أن العامة لهم أن يقلدوا علماءهم ويسألوا فقهاءهم ويعتمدوا على أقاويلهم من الرخص والسعات والفتوى والتأويلات التى أوسع الله تعالى للخلق ، أما المتصوفة وأهل الخصوص فلا يسعهم التخلف عن استعمال الآداب ، والاهتمام والتكلف لأحكام الصلاة وأحكام فرائضها وسننها وفضائلها ونوافلها وآدابها ، لأنهم ليس لهم شغل غير ذلك ، ولا ينبغى أن يهمهم أمر أكثر من اهتمامهم  بأمر الصلاة (1) .  

   وفى الزكاة والصدقات والعمل والمكاسب والتصرف فى الأسباب والصوم والحج والاجتماعات والضيافات واللباس والأسفار والذكر والسماع وجميع آداب اللسان حالهم أشد وجهدهم أعظم .

3- التربية الروحية .

  وأعنى بها عملية تكييف المريد وتشكيله على يد شيخه ليرقى إلى ــــــــــــــــــــــــ

1- اللمع ص 203 .

المراتب الصوفية ، وقد نال هذا الجانب حيزا كبيرا من الجهد الصوفى  فى البداية حيث وضعوا القواعد والأسس التى ينهجها المبتدئ وفق نظام يحدده الشيخ المعين ، ولا شك أن هذا العامل ما زال قائما بصورة سيئة  من خلال المناهج المختلفة فى الطرق الصوفية وأورادها .

  وقد كان من الأوائل من يرى أن المريد يبدأ بتصحيح الاعتقاد فيما بينه وبين الله تعالى ويحاول أن يكون اعتقاده صاف عن الظنون والشبه خال من الضلالة والبدع صادر عن البراهين والحجج .

  ويقبح بالمريد عندهم أن ينتسب إلى مذهب من المذاهب ليس على هذه الطريقة ولا يصح للشيوخ التجاوز عن زلات المريدين ، لأن ذلك تضييع لحقوق الله تعالى ، وما لم يتجرد المريد عن كل علاقة لا يجوز لشيخه أن يلقنه شيئا من الأذكار ، بل يجب أن يقدم التجربة له ، فإذا شهد قلبه للمريد بصحة العزم فحينئذ يشترط عليه أن يرضى بما يستقبله فى هذه الطريقة من فنون تصريف القضاء ، فيأخذ عليه العهد بأن لا ينصرف عن هذه الطريقة بما لا يستقبله من الضرر والذل والفقر والأسقام والآلام ، وأن لا يجنح بقلبه إلى السهولة ، ولا يترخص عند هجوم الفاقات وحصول الضرورات ، ولا يؤثر الدعة ، ولا يستشعر الكسل فإن وقفة المريد شر من فترته (1) .

ــــــــــــــــــــــــ

1- الرسالة القشيرية حـ2 ص 731 .

  ومنهم من يضع أسسا معدودة يحتمها على المريد فيذكر أن المريد لا بد له من سبع خصال :

1- الصدق فى الإرادة وعلامته إعداد العدة .

2- ولا بد له من التسبب إلى الطاعة وعلامة ذلك هجر قرناء السوء

3- ولا بد له من المعرفة بحال نفسه وعلامة ذلك استكشاف آفات النفس .

4- ولا بد له من مجالسة عالم بالله وعلامة ذلك إيثاره على ما سواه .

5- ولا بد له من توبة نصوح فبذلك يجد حلاوة الطاعة ويثبت على المداومة ، وعلامة التوبة قطع أسباب الهوى والزهد فيما كانت النفس راغبة فيه .

6- ولا بد له من طعمة حلال لا يذمها العلم وعلامة ذلك الحلال حلول العلم فيه يكون بسبب مباح وافق فيه حكم الشرع .

7- ولا بد له من قرين صالح يؤازره على ذلك وعلامة القـرين الصالح معــاونته على البر والتقوى وتهيئه إياه عن الإثم والعــدوان .

    فهذه الخصال السبع عنده قوت الإرادة لا قوام لها إلا بها ويستعين على هذه السبع بأربع هن أساس بنيانه وبها قوة أركانه :

   أولها الجوع ثم السهر ثم الصمت ثم الخلوة .

   فهذه الأربع سجن النفس وضيقها وضرب النفس وتقييدها بهن

يضعف صفاتها وعليهن تحسن معاملاتها (1) ولا يكاد يخلو كتاب من كتبهم من ذكر ما لطريقة الشيخ فى تأديب المريد وتربيته الروحية .

5- التنبيه على الشطحات التى وقع فيها أدعياء التصوف .  

  حفاظا على طريقة الصوفية فإن كثيرا من المشايخ ما برحوا يردون أغاليط المنتسبين إليهم أو من ضل منهم عن طريقة أهل السنة والجماعة ويتجلى هذا فى كتاب اللمع لأبى نصر السراج الطوسى وما نقله السلمى عنه فى أصول الملامتية وغلطات الصوفية ، فقد نقل أقول المشايخ على وجه التفصيل فى ذكر من غلط من المترسمين بالتصوف ومن أين يقع الغلط ؟  ثم صنف طبقاتهم وتفاوتهم فى الغلط ورده عليهم بأدلة النقل والعقل وأقوال المشايخ ، ولا تخلوا ردودهم أيضا من وجود أغاليط ملحوظة (2) .

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــ

1- قوت القلوب ص 94 .     

2- انظر اللمع ص 516 وما بعدها ، وانظر أصول الملامتية وغلطات الصوفية تحقيق   الدكتور عبد الفتاح الفاوى ص140 وما بعدها . 

  • الاثنين PM 03:19
    2021-08-16
  • 1929
Powered by: GateGold