المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409027
يتصفح الموقع حاليا : 299

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1629029496773.jpg

الطرق الصوفية و انتشار البدع

 

انتشار الطرق الصوفية في البوسنة

عرف عن الحكومة العثمانية تشجيع الطرق الصوفية ، التي وجدت تعاليمها أرضاً خصبةً بين بعض فئات الجيش العثماني كالإنكشارية ،  و الجيش الآقنجي [1] ، كما انتشرت بين العامة في أنحاء السلطنة العثمانية ، و كثر الاعتماد على  رجالها في الفتوح الإسلامية ، حيث كانوا ينشطون في الدعوة إلى دين الله ، و يتألفون قلوب الشعوب على الإسلام ، و هو ما جعلهم يقبلون عليه ذرا فات و وحداناً ، مما أدى إلى تحول شعوب بكاملها إلى الإسلام و بسرعة أذهلت المؤرخين [2].

و قد ساعد على شيوع الطرق الصوفية ( المعروفة باسم طرق الدراويش في البوسنة ) و انتشار مفاهيمها في أوساط مسلمي البوشناق تفشي الجهل ، و قلة العلم و عدم وجود علماء أكفاء ينشرون الفهم الصحيح و العقيدة السليمة ، من مصدريها ( الكتاب و السنة ) .

و قد صور الكاتب المصري المعروف فهمي هويدي هذا الواقع فقال :

(( إن الطرق الصوفية قد استفحلت في بعض مناطق يوغسلافيا ، و شوَّهت تعاليم الإسلام . و ليس أمام المسلمين هناك قنوات شرعية لتوصيل الدين الصحيح إليهم ، فتصوَّر عامة المسلمين أن الدين هو هذه الطريقة أو تلك ، أما أئمة المساجد فدورهم محدود ، حيث إن الإمام يقول كلمته مرة كل أسبوع ، و الناس يعيشون في عالم آخر يرفض الدين ، و يجرح تعاليمه الأساسية بقية الأسبوع )) [3].

و على قنطرة الجهل بالدين وصلت إلى البوسنة أشهر الطرق الصوفية المعروفة كما نشأت في البوسنة ذاتها فرق ضالة أسسها زنادقة باسم الدين .

فقد ذكر المؤرخ التركي أوليا شلبي أن في سراييفو سبعاً و أربعين تكيَّة ، لخمس طرق صوفية [4].

و هذه الطرق الصوفية الخمس هي [5].

الطريقة القادرية :

 المنسوبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني ( ت561هـ / 1166م ) ، و كان لها نفوذ و أتباع بين أهل الحرف و المهن خاصة .

الطريقة المولوية :

 المنسوبة إلى جلال الدين الرومي[6] ( ت672هـ / 1273م في قونية ) ، و قد جاءت دعوتها إلى البوسنة في صورة متطورة لها طقوس تستعمل خلالها المعازف الموسيقية ، و ذكر أنه كان لها دور في استقرار الحكم في البلاد ، و قد نشأ في صفوفهم عدد من شعراء و أدباء البوسنة .

 

الطريقة الرفاعية :

المنسوبة للشيخ أحمد الرفاعي [7] ( 570هـ/ 1173م ) ، و هي التي جمعت حولها المريدين من فقراء أهل المدن ، و نشرت تعاليمها بينهم .

الطريقة الخلوتية :

المنسوبة إلى يوسف الخلوتي ، و قد كانت ذائعة الانتشار في ولايات الدول العثمانية ، و توطدت في سراييفو حيث أسس فيها زاوية و خانقاه ، سنة 938هـ / 1531م ، و عين فيها شيخاً خلوتياً .

الطريقة النقشبندية :

 المنسوبة إلى الشيخ محمد بهاء الدين النقشبندي [8] ( ت 791 هـ /
1389 م ) ، و قد كان لها وجود محدود في البوسنة مقارنة بسابقاتها .

و معلوم أن لهذه الطرق الخمس انتشار واسع في أنحاء العالم الإسلامي ، و الأقطار العربية باستثناء مناطق الجزيرة العربية ، التي كان وجود الطرق الصوفية فيها محدوداً و خاصة بعد ظهور الدعوة السلفية في نجد و ما حولها .

و إلى جانب الطرق الخمس السالفة الذكر عرف أهل البوسنة ثلاث طرق أخرى ذاع صيتها في البلقان خاصة ، و عرفت بانحرافها الشديد عن جادة الصواب و بعدها عن أصول الدين ، و هذه الطرق هي :

الطريقة البكتاشية :

        و تنسب إلى الحاج ولي بكتاش [9] ( ت 738 هـ / 1377م ) ، أحد تلاميذ إسحاق باشا الشهير .

و تجمع هذه الطريقة معتقدات وثنية ، و أخرى نصرانية ، إلى جانب بعض آراء الفرق الصوفية ، كالتعلق بالأضرحة و القبور [10].

و قد كان انتشارها في البوسنة محدوداً [11] مقارنة بما كان عليه في ألبانيا وكوسوفو مقدونيا ، حيث انتسبت إليها الأغلبية الألبانية من السكان .

و قد تلاشت أفكار هذه الطريقة ، و انتهت من الوجود في البوسنة اليوم ، و لكنها لا تزال موجودة في بعض أنحاء ألبانيا و لها أتباع و مريدون . [12] .

و نظراً لما عرف عن أتباع هذه الطريقة من بعد عن الصراط المستقيم ، و اعتقادهم كثيراً من الأمور المخالفة للعقيدة الإسلامية الصحيحة ، و تشبعها بأفكار وثنية و أخرى نصرانية ، فإنها تعتبر إحدى طرق الزنادقة الخارجين من الملة .

 الطريقة القاضيزاديَّة :

و هي طريقة مارقة ظهرت بادئ الأمر في إسطنبول ، ثم انتشرت في أطراف الدولة العثمانية ، و كانت كسابقتها تجمع بين بعض العقائد الإسلامية و بعض عقائد الأديان الأخرى كالنصرانية ، و لذلك كان أتباعها في الغالب من النصارى الذين دخلوا الإسلام حديثاً ، و ظلوا متمسكين ببعض عقائدهم السابقة ، و عباداتهم الشركية ، كالتعلق بالمسيح عليه السلام و أمه ، و تعليق الصلبان ، و تقديس نصب الرهبان و نحو ذلك .

و قد وصف أحد الكتاب الغربيين أتباع هذه الفرقة فقال : (( إن أفراد تلك الطائفة الذين يخلطون خلطاً عجيباً بين النصرانية و الإسلام ، كانوا من الجنود الذين يعيشون على الأطراف القصية للمجر و البوسنة ، و هم يقرأون الكتاب المقدس باللسان السلافي … و تراهم يجنحون إلى تعلم القرآن و اللسان العربي … و يشربون النبيذ في شهر الصيام .. )) [13].

و لا شك أن هذه الفرقة خارجة عن الإسلام ، و لذلك اعتبرها بعض المؤرخين من ( البوتور ) الذين سبقت الإشارة إليهم عند ذكر ظاهرة (الدين
المختلط ) عند البوسنويين في الباب الأول من هذا البحث .

الطريقة الحمزوية :

و هي طريقة بوسنوية ، لأن مؤسسها الشيخ حمزة ، بوسنوي الأصل من مدينة زفورنيك البوسنوية ، و يرجح بعض الباحثين أنه من أحفاد الشيخ حمزة أورلوفيتش بالي البوسنوي ( ت 980 هـ / 1573م ) [14]و أنها لم تنتشر في بلد انتشارها في البوسنة ، رغم أن الشيخ حمزة كان قد بدأ دعوته إليها في مدينة بودابست بالمجر ، ثم انتشرت أفكاره و تعاليمه في البلقان و الأناضول ، و وصلت إلى مصر ، حيث استمرت نحو قرنين من الزمن . [15]

و كالطريقتين السابقتين في الذكر ، مثلت الطريقة الحمزوية نوعاً من ( الدين المختلط ) الذي جمع بين عقائد نصرانية ( بوغوميلية ) ، و أخرى إسلامية ، و كان كثير من أتباعها حديثي عهدٍ بالإسلام ، مما سهل تقبلهم و تحمسهم لها و ساعد على انتشارها بينهم ، مع احتفاظهم ببعض معتقداتهم النصرانية [16] .

و كان أول انتشار للحمزوية في البوسنة في منطقة بوسافينة 
( posavina ) المحيطة بنهر  السافانا شمال البوسنة ، و من هناك انطلقت إلى صربيا ، ثم انتشرت في أنحاء منطقة البلقان كافة . [17]

و ينسب إلى الحمزوية إضافة إلى تأثرها بالنصرانية اعتقاد أتباعها بالمساواة بين الأنبياء ، و عدم تفضيل محمد r على سائرهم عملاً بقوله تعالى : ] لا نفرق بين أحد من رسله [ [ البقرة : 285 ] ، و لعل هذا ما برر لهم اتباع نبيي الإسلام و النصرانية في آن واحد ـ بحسب زعمهم ـ و جمعهم بين عقائد متعارضة ، كما ينسب إليهم الميل إلى عقيدة ( وحدة الوجود ) التي يقول بها غلاة المتصوفة .[18]

يضاف إلى ذلك غلوهم في الشيخ حمزة بالي باعتقادهم أنه القطب المغيث ، و وارث النبي r الذي له الكشف و الاطلاع على الغيب ، و القادر على إسعاد الناس في الدنيا ، و إيصالهم إلى الجنة في الآخرة ، إلى غير ذلك من الاعتقادات المخرجة عن الملة [19] .

و بعد أن ذاع صيت هذه الطريقة تنبهت السلطات العثمانية إلى خطرها ، فأصدر شيخ الإسلام في السلطنة العثمانية سنة 986 هـ / 1579 م  أمراً لقاضي البوسنة الشيخ بالي أفندي بن يوسف البوسنوي ( ت : 990 هـ / 1582 م ) [20]، بمقاضاة الحمزويين و محاكمة دعاتهم ، بعد أن صاروا ينشرون مذهب شيخهم الفاسد و يدعون أنهم أهل الطريقة و الحقيقة ، مع ما ينطوي تحت ذلك من نبذ للشريعة ، و طلب للإباحية الواسعة  .

فكان ما أرادت السلطات حيث حوكم مشائخ الطريقة ، و أصدر القاضي بالي أفندي بن يوسف حكماً شرعياً بردتهم عن الإسلام و وجوب محاربتهم و قتل من استتيب فلم يتب منهم .

و عملاً بهذه الفتوى خرج علماء البوسنة و رجالها يتقدمهم الشيخ العلاَّمة حسن كافي الآقحصاري و الوزير الأعظم محمد باشاصوقولوفيتش ـ الذي قتله فيما بعد أحد أتباع الطريقة الحمزوية ثأراً لشيخه ـ يتقصون أثر الحمزوية الفارين إلى الجبال فيعملون فيهم القتل ، حتى استأصلوا شأفتهم ، و ألجأووا من نجا منهم إلى التخفي و كتمان عقيدته ، و سيق شيخهم حمزة بالي إلى إسطنبول حيث أعدم فيها مع أحد عشر من أتباعه سنة 980 هـ /  1573 م و بهذا قضي على أخطر طرق الزنادقة ( المدعية للتصوف ) في البوسنة و الهرسك ، و لم تقم لها قائمة بعد ذلك و لم يبق لهم أثر حتى يومنا هذا ، و لولا التاريخ لما عرف ذكرهم ، و الحمد لله [21] .

و لدينا اليوم شاهدان تاريخيان يدلان على اتساع قاعدة التصوف في البوسنة و تأثيره في الشعب البوسنوي بشكل ملحوظ .

أحدهما حضاري معماري ، و الآخر علمي معرفي .

أما الشاهد الحضاري فهو انتشار تكايا الصوفية و زواياهم في أنـحاء البوسنة [22] ، حيث زاد عددها في بعض المناطق على عدد المساجد .

و كانت أولى تكايا الصوفية في سراييفو تكية ( إسحاق بيكوفيتش ) لأتباع الطريقة المولوية ، و هي مبنية قبل عام 867 هـ / 1463م .

ثم تلتها تكيَّة ( إسكندر باشا ) لأتباع الطريقة النقشبندية ، و قد بنيت سنة 905 هـ / 1500 م ، و في القرن السابع عشر للميلاد أسست تكيتان كانتا الأشهر بين تكايا الصوفية في البوسنة ، و هما : تكية سنان باشا ، و تكية
البيستريغينا . [23]

و قد ذكر الرحالة التركي إيليا شلبي أنه كان في سراييفو وحدها سبع و أربعون تكية في منتصف القرن السابع عشر الميلادي [24] ، و سبع عشرة تكية في
بلغراد .

أما الشاهد الثاني فهو : اهتمام أهل البوسنة بكتب الصوفية جمعاً و دراسةً و تصنيفاً ، حتى صارت كتبهم هي الأكثر نسبة بين ما حوته المكتبات العامة و الخاصة من مخطوطات .

و للتمثيل على ذلك نشير إلى أن التكايا الصوفية كانت تغص بالكتب و المخطوطات ، ففي تكية سنان باشا بمفردها في سراييفو كان يوجد مئتان و اثنتان و

عشرون مخطوطاً [25]، و ليس غيرها من التكايا بأقل حظاً منها في جمع كتب الصوفية .

و لا يسعنا إغفال دور أعيان البوسنة في خدمة و حفظ تراث الصوفية العلمي ، و العناية بكتبهم ، الأمر الذي نوثقه بإلقاء نظرة على إحدى وقفيات الكتب في البوسنة و هي وقفية درويش باشا الموستاري ، حيث ذكر في وقفيته التي كتبها بيده واحداً و أربعين كتاباً تشمل علوم مختلفة و يظهر من عناوينها عظم اهتمامه بكتب الصوفية ، و ظهور نسبتها بين ما أوقفه من كتب أكثر من تسعة أعشارها في الأوراد و الكرامات و أحوال أهل الطرق[26] .

 لا بد من الإشارة هنا إلى أنَّه على الرغم من الدعم الرسمي الذي قدَّمته الدولة العثمانيَّة ، و من بعدها الأنظمة العلمانية التي تسلطت على البوسنة ، فإنَّ قدراً من التصدي للصوفيَّة قد كان موجوداً بين علماء البوسنة .

        و قد كان لخصوم التصوف في البوسنة منطلقان في مقاومته :

        المنطلق الأوَّل : و هو باعتبار الطرق الصوفيَّة طرقاً مبتدعةً في الدين ، و فيها مخالفاتٌ كثيرة للكتاب السنة ، و لما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم ، في العلم و العمل ، التي ربَّما أدَّت بصاحبها إلى المروق من الإسلام .

        و قد عرف بالتصدي للتصوف و الصوفيَّة من هذا المنطلق عددٌ من علماء الإسلام البشانقة ، و من أشهرهم العلاَّمة حسن كافي الآقحصاري ، الذي سبقت الإشارة إلى موقفه من الحمزويين ، حيث حكم بكفرهم ، و دعا إلى مجاهدتهم ، و كان سبَّاقاً إلى ذلك .

لقد صنَّف الشيخ حسن كافي الآقحصاري كتاب : ( روضات الجنات في أصول الاعتقادات ) ، و شرحه فيما بعد في كتاب سمَّاه : ( أزهار الروضات في شرح روضات الجنَّات ) : لنقض أوهام فرقة ( الحمزوية ) ، التي أنكر منكرها بيده حين خرج في تلاميذه لجهادهم ، ثم بقلمه من خلال التأليف و التصنيف ، فعمد إلى الكتابة ، و آثر أن يعتمد على مؤلَّفات السابقين ، في تقرير ما أراد لأنَّ  (( التأليف الجديد سيجد صعوبة بالغة في تقبل الناس له ، بل سيجد معارضة شديدة منهم ، حيث كانت كتب المتون القديمة المشهورة قد انتشرت ودُرِّسَت في جميع المدارس ، فجَمَعَ تلك المتون في كتابٍ واحد ، وشرحه شرحاً أضاف به إليها صبغة
جديدة  … )) [27] .

و في هذا الكتاب قرَّر الشيخ مسائل العقيدة ابتداءً ، مع الاعتداد – أحياناً – بالأدلَّة العقليَّة ، التي تنقض دعاوى ( الحمزويَّة ) القائمة أصلاً على حجج المعقول ، و لا حظ لها في المنقول .

أمّا من بعد الشيخ حسن كافي فلم يكونوا على نفس المكانة العلمية أو العملية في التصدي للتصوف و الصوفية .

و في العصر الحديث نزع كثيرٌ من البوسنويين  إإلى اعتبار التصوف مكمِّلاً للعلوم الشرعيّة الأخرى ، و عدّوا العلم بدونه قشور ، و التصوف المجرَّد من العلم الشرعي ضلال ، و أن الإسلام الحق مضيّعٌ بين تفريط مفرّط ، و إفراط مُفرط . 

يقول الأستاذ حسين جوزو : (( غلا الفقهاء من جهةٍ ، و الصوفيَّةُ من جهةٍ أخرى ، فحوَّل علماء الظاهر الإسلام إلى مجرَّد قشور ، بينما أفرط علماء الحقيقة في الجانب الروحي )) [28] .

أما المنطلق الثاني : فهو باعتبار المتصوِّفة و الطرق الصوفية ، حجر عثرة في طريق الدعاة إلى الجهاد ، و المتعطشين إلى إقامة مجتمع إسلامي بين البوشناق ، و تحرير المسلمين من سلطة النصارى التي أخضعتهم أكثر من قرن ، عملت خلاله على مسخ شخصيَّتهم الإسلاميَّة ، و إبعادهم عن دينهم ، و تجريدهم حتى من العادات و التقاليد التي تمت إلى الإسلام بصلة ما .

و من أبرز المتصدِّين للتصوف من هذا المنطلق الرئيس علي عزَّت ، الذي ما لبث يؤكِّد في كتاباته على اعتبار الصوفية مثبِّطة عن الجهاد في سبيل الله ، و مبرِّرة للخنوع و الخضوع الذي كان عليه مسلمو البلقان تحت الحكم الشيوعي .

فهو يعتبر (( الفلسفة الصوفية و المذاهب الباطنية تمثل بالتأكيد نمطاً من أكثر الأنماط انحرافاً و لذلك يمكن أن نطلق عليها ( نصرنة ) الإسلام ، إنها انتكاسة بالإسلام من رسالة محمد إلى عيسى عليهما السلام )) [29].

كما يجمع بين أهل التصوُّف المذموم و العقلانيين باعتبار دورهم في حصر الإسلام في بعض جوانبه ، في قوله (( لقد أكد المتصوفة باستمرار على الجوانب الدينية - فقط - للإسلام ، بينما أكد العقلانيون على الجانب الآخر ، و كلا الفريقين لم يكن طريقه مع الإسلام ميسراً )) [30] .

و إذا جاز أن يُقال : إنَّ الإسلام جاء ليحض على العبادة و تقويم السلوك ، و ليس لتقديم نظام سياسي ، فإنَّما يجوز ذلك عند من يرى الإسلام مرحلته المكيَّة ، و يجهل أو يتجاهل المرحلة المدنيَّة من تاريخ الدعوة الإسلامية ، حيث شُرع الجهاد و قامت دولة الإسلام ، و هذا يدُلُّ على تطوُّر الإسلام ، لا على جموده الذي يروِّجُ له دعاة فصل الدين عن الدولة  فلقد (( كان رسول الله e في غار حراء صائماً متنكساً متصوفاً حنيفاً ، و كان في مكة داعياً إلى فكرة دينية ، أما في المدينة ، فقد أصبح داعية إلى الفكرة الإسلامية … فهناك و ليس في مكة بداية و مصدر النظام الإسلامي الاجتماعي كله … لقد بدأ الإسلام صوفياً و أخذ يتطور حتى أصبح
دولة )) [31].

و يجمع الرئيس بين الصوفيَّة و عموم الواقفين في وجه الإسلام فيقول محذراً : (( لقد انشطرت وحدة الإسلام على يد أناس اختزلوا الإسلام إلى دين مجرد أو إلى صوفية … ذلك لأن المسلمين عندما يهملون دورهم في هذا العالم … تصبح الدولة قوة عريانة لا تخدم إلا نفسها ، في حين يبدأ الدين ( الخامل ) يجر المجتمع نحو السلبية و التخلف ، و يشكل الملوك و الأمراء و العلماء الملحدون ، و رجال الكهنوت و الفرق الصوفية ، و الشعراء السكارى الوجه الخارجي للانشطار الداخلي الذي أصاب الإسلام )) [32] .

و قريباً من هذا المذهب يقف الأستاذ حسين جوزو ، حيث يقول : (( لا يمكننا التسليم بقول الصوفيَّة : إن العلم يمكن تحصيله بطريق الكشف … لأنَّه في الوقت الذي كانوا يذكرون فيه الكشف و الكرامات الواقعة على أيدي بعض المشائخ ، و منها إحياء الموتى (!) كان العالم الإسلامي يتعرَّض لصنوف المحن و الشدائد .

ألم يكن غزو المغول و وحشيَّتهم ، و الحروب الصليبيَّة ، و العدوان الإسرائيلي فرصةً مواتية لإظهار حقيقة الكشف و قيمة الكرامات !!

إنَّ ذلك لم يتم بل بقيت الخرافات و الحكايات المختلقة عن الكشف و الكرامات ، مجرَّد روايات لا تزال تروى إلى اليوم في المجتمعات المتخلِّفة )) [33] .

و من هذين المنطلقين وقف عدد من الكتَّاب المسلمين من أبناء البوسنة في وجه المد الصوفي الكاسح ، و لكن جهودهم لم تكن كافية لوقف مده ، أو الحد من انتشاره .

و لا يعني هذا أنه استمرَّ في الانتشار ، بل على العكس من ذلك ، كاد التصوف يتلاشى نهائيَّاً من الوجود في المجتمع البوسنوي ، حيث نفر المسلمون منه كما نفروا من كلِّ ما يمت إلى الإسلام بصلة بتأثير حملات التغريب التي قام بها الشيوعيُّون بين مسلمي يوغسلافيا عامة و مسلمي البوسنة  على وجه الخصوص .

فلقد اختفت الطرق الصوفيَّة حينما اختفت المدارس الشرعية ، و لوحق مشائخها و مرشدوها عندما لوحق علماء يوغسلافيا و مفكروها ، و حوت السجون الجميع دون تفريق ، أمَّا التكايا و الزوايا فقد آلت إلى حالٍ لا تختلف كثيراً عن الحال التي آلت إليها المساجد و المصلَّيات ، فأغلق الغالب منها ، و حول بعضها إلى مرافق عامة كالمتاحف و اصطبلات الخيول ، أمَّا ما تبقى منها فرُصد روَّاده من المسلمين ، و ضيِّق عليهم حتى حصروا في ثلَّة من المشائخ الرسميين ، و العجزة , و كبار السن .

هذه هي الحال التي كانت عليها الصوفيَّة في البوسنة و الهرسك منذ العهد العثماني ، و حتى نشوب الحرب الأخيرة التي آذنت بعودة جديدة للإسلام ، كان من بين مظاهرها عودة البعض إلى التصوُّف من جديد ، و من هؤلاء طلاَّب علم لقيت بعضهم في دمشق و القاهرة ، و علمت منهم أنَّ المشيخة الإسلاميَّة قد ساعدتهم على الرحلة في طلب العلم و التتلمذ على مشائخ الصوفيَّة في العالم العربي بعد أن شعرت بقوَّة المد السلفي في البوسنة الذي ترفده هيئات خيرية ، و جامعات سلفيَّة في منطقة الخليخ العربي و خارجه .

كما لقيت في دمشق و حلب طائفة من دعاة البوسنة المعاصرين يتتلمذون على بعض مشائخ الصوفيَّة في دمشق ، و يدرسون فيما يدرسون كتاب ( الرسالة القشيريَّة ) في التصوُّف ، و منهم الدكتور شفيق كورديتش أستاذ الحديث النبوي و علومه في الأكاديمية الإسلاميَّة في زينتسا ، و الحافظ خليل مهتيتش مفتي وسط البوسنة السابق ، علماً بأنَّهما و من كان معهما يُحسبون في البوسنة على الاتجاه السلفي ، و قد أوذي بعضهم بهذه الذريعة .

انتشار البدع في حياة مسلمي البوسنة و الهرسك

لا يخلو مجتمعٌ يعاني من الجهل بالدين و البعد عن تعاليمه الحقة ما عاناه و يعانيه المجتمع البوسنوي المسلم من شيوع البدع و انتشار الخرافات بين أفراده ، و كفى للدلالة على ذلك أنَّ من البوشناق من خلطوا بين الأديان في بعض مراحل تاريخهم ، فخرجوا بعقائد لم يسبقوا إليها .

و هذا أخطر بكثير من شيوع البدع التي قد تكون في فروع الدين ، و ليس بالضرورة أن تكون مكفِّرة مخرجةً من الملَّة .

و شأن البوسنة في ذلك شأن سائر ولايات الدولة العثمانيَّة ، فما من بدعةٍ ظهرت في دار الخلافة إلاَّ و كان لها وجود - متفاوتٌ في حجمه - في مختلف أنحاء السلطنة .

و من البدع التي لها وجود ملحوظٌ في البوسنة و الهرسك أكتفي بذكر ما هو لافتٌ واسع الانتشار :

  • v المبالغة في الاهتمام و العناية بالأضرحة و قبور الصالحين ، و بناء القبب عليها و اتخاذها مساجد تنشر في كلِّ مكان ، و يعيَّن عليها قيِّمون ، و تخصَّص لها أوقاف ، و تجبى إليها نذور و قرابين .

و ربَّما كان بناء القباب على القبور بحرصٍ على تنفيذ وصيَّة من صاحب القبَّة نفسه ، و للتمثيل على ذلك تحسن الإشارة إلى وقفيَّة المحسن سنان بيك في بلدة جاينتسة ( Cajnice ) التي جاء فيها : (( أوصى الواقف ابنه سليمان أن يبني له ضريحاً من الحجر من موارد نقوده الموقوفة ، كما أوصى أن يعيَّن في ضريحه حارسٌ و فرَّاش ، و قرَّاءٌ للقرآن ، و مشرف على هؤلاء الموظَّفين )) [34] .

كما (( كان الواقف كثيراً ما يوصي بدفنه بجانب مؤسَّساته الخيريَّة ، مع أهله و أقربائه ثمَّ أصحاب المحلَّة المشهورين .

و بجانب الجوامع الكبيرة كان مؤسسوها يبنون المقابر الخاصَّة على شكل أضرحةٍ تسمى في البوسنة ( تربةً ) ، و هي عبارة عن بناء صغير مكشوفٍ أو مسقوفٍ ، و هندسته في الغالب مأخوذة من فن المعمار العثماني .

و هناك عددٌ غير قليل من هذه الأضرحة في البوسنة حول المساجد و الزوايا ، و غيرها من المؤسَّسات الدينية ، دُفنت فيها شخصيَّات من الطبقات المختلفة .

كما بني عدد من الأضرحة الخشبيَّة المسقوفة التي بناها الناس للأفراد الذين استُشهِدوا في الدفاع عن الإسلام ، أو شيوخ الطرق الصوفيَّة أو مريدوهم أو
العلماء .

و لم تكن تمضي سوى مدَّة قصيرة حتى تشيع بين الناس الحكايات أو الأساطير حول أصحاب هذه الأضرحة ، حتى تصبح موضع الزيارات و الاحتفالات الشعبيَّة التي تقام حول بعضها .

و حسب الروايات المحلِّيَّة فإنَّ كثيراً من الأضرحة القديمة يرجع إنشاؤه إلى أيَّام الفتح العثماني للبوسنة )) [35] .

و لم يحدَّ من انتشار الأضرحة و الغلو في أصحاب القبور موقف بعض العلماء المتأخرين ، حتى و إن اعتبروا بعض ما يجري عند الأضرحة و المزارات شركاً مخرجاً من الملَّة ، كقول الأستاذ حسين جوزو : (( لا أثر للاختلاف في التسمية ، فقد كانت الأوثان في عصر النبوَّة تسمى لات و عزَّى ، و نحو ذلك ، و تسمى اليوم مزاراً أو ضريحاً أو مرشداً أو تميمة ، أو غير ذلك ، و كلُّها أوثان ، لأنَّ الناس يقصدونها لطلب المدد ، و يسألونها الشفاعة )) [36] .

ربَّما لما عرف عن المشائخ المعارضين لما يجري عند الأضرحة و المزارات من تجاوزات ، و أفعال مخالفة للشرع الحنيف ، من سكوتٍ عن منكرات كانت شائعة في زمانهم ، أو ممالأة للحكم الشيوعي الذي عاصروه .

أو لأنَّ هذه الدعوات جاءت متأخرةً جداً ، و بعد أن فقد كثيرٌ من المسلمين أبسط مظاهر انتمائهم إلى الإسلام ، ممَّا جعل المتعلِّقين بالأضرحة لا يعرفون من الإسلام إلاَّ تعلُّقلهم و استغاثتهم بالأموات ، ظناً منهم أنَّ هذا السلوك هو ما تبقى من الإسلام ، و يجب عليهم أن يتمسَّكوا به مهما اشتدَّت المعارضة لهم أو تعالى النكير عليهم .

  • v عُرف عن أهل البوسنة بالإضافة إلى غلوِّهم في الصالحين ، و اهتمامهم المفرط بأضرحة الأولياء ، تمسُّكهم ببعض المظاهر البدعيَّة في دفن موتاهم ، و من
    ذلك [37] :
  • نقش رموز مختلفةٍ على قبور موتاهم مثل الهلال و النجوم و السيف و القوس ، و في بعض الأحيان أجزاء من جسم الإنسان كالرأس و اليد ، و ما إلى ذلك .
  • و جود المقابر القديمة للمسلمين بالقرب من مقابر النصارى ، الأمر الذي يستدلُّ به بعض الكتَّاب على أنَّ أصحابها من حديثي العهد بالإسلام كانوا يحرصون على البقاء على مقربة من أقربائهم النصارى حتى بعد الموت .
  • حرص المسلمين البوشناق على دفن موتاهم حول المساجد .
  • الوصيَّة بقراءة القرآن ( و خاصَّة أم الكتاب ) لقاء أجرٍ ماديٍ معلوم ، و ثمَّ جعل ثواب القراءة هبةً للميِّت ، و قد كان هذا لدى البشانقة من الكثرة بمكان ، حيث كان يكتب في الوصايا ، و يصرف عليه من الأوقاف التي خلَّفها الميِّت ، أو من أوصى بالقراءة له ، و أمثلة هذا كثيرة في البوسنة ، و منها :
  • جاء في وقفيَّة درويش بايزيد آغا الموستاري تخصيص أربعة دراهم يوميَّاً لفرَّاش الجامع لقاء قيامه بالتنظيف و قراءة الفاتحة لروح الواقف [38] .
  • و جاء في وقفيَّة خدا وردي ابن علي المعروف باسم محمد بيك غلام شاهي ، تعيين خمسة قرَّاء يقرأون القرآن لروح الواقف يوميَّاً ، لقاء درهمٍ و نصف لكلِّ واحدٍ منهم ، و درهمين لرئيس القرَّاء يوميَّاً . كما وقف على قراءة القرآن على قبر أخيه ثمانيةً و أربعين درهماً سنويَّاً ، و لقراءة القرآن لروح زوجته شريفة بنت أوكوز مثل ذلك [39] .
  • و جاء في وقفيَّة الحاج مصطفى آغا كزلر آغا في مدينة يايتسة ( Jajce ) حيث عيَّن قرَّاءاً لتلاوة القرآن الكريم لروح رسول الله r ، و لروح الواقف و أقربائه ، و خصًّص له من وقفه ثلاثةً و عشرين درهماً ، كلَّ يوم [40] .
  • v من كبريات البدع ، و أوسعها انتشاراً في البوسنة و الهرسك ما يُعرف عند البشانقة باسم ( الحج الأصغر ) [41] ، حيث يؤُمُّ البوشناق المسلمون بمختلف طبقاتهم الاجتماعية بلدة آيفاتيفيتسا ( Ajvatovica ) ، قرب مدينة آقحصار الشهيرة ، في يومٍ محدَّدٍ من كلّ عام تحت تغطية إعلاميَّة واسعة ، و تشجيعٍ كبيرٍ من المشيخة الإسلاميَّة ، و رئاسة العلماء ، و السلطات الرسميَّة في البلاد .

و في محفل عظيم ينظم في ذلك المكان بحضور عشرات الآلاف ، تختلط المشاعر القوميَّة و الدينية لدى البوشناق ، فبينما يشهد بعضهم هذه المناسبة باعتبارها موسماً من مواسم الخير ، و من مظان البركة و القبول ، يستغل الساسة و رجال الحكم تجمع الناس لإثراء الانتماء القومي البوشناقي ، و الحفاظ على وحدة هذا الشعب الصغير .

و هكذا يتواتر الساسة ، و رجال المشيخة الإسلاميَّة علماء و مدرِّسين و أئمة مساجد و طلبةً في الكليَّات و المعاهد العليا و المدارس الإسلاميَّة ، من أقطار البوسنة و بلدان مجاورة منها صربيا ، و كرواتيا ، و ألبانيا ، و غيرها ، على حضور هذه المناسبة ، التي يطلقون عليها أسماء من قبيل : يوم الدعاء المقدَّس ، و الاجتماع الديني و يتجرَّأ بعضهم فيسمي المكان ( كعبةً مصغَّرةً ) ، فضلاً عن تسمية المناسبة عند العامَّة بالحج الأصغر ، كما أسلفنا .

و لهذه البدعة أصل من الخرافة لم يوثِّقه أحدٌ من علماء البوسنة ، و هو كما أخبرني به غير واحدٍ ممَّن يشهدون المناسبة ، و منهم الشيخ الحافظ خليل مهتيتش ، أنَّ أهل تلك البلدة قنطوا ذات يومٍ ، و تأخَّر عليهم القطر من السماء ، و لم يرفع عنهم العناء إلا عقب رؤيا رآها أحد الأولياء المعروفين في تلك المنطقة ، و هو أيفاز ديدو ، بعد أن توجَّه إلى الله بالدعاء ليسقي قومه ، ثمَّ صلَّى الفجر و اضطجع ، فرأى فيما يراه النائم أنَّ كبشين ينتطحان في موضع معلوم من القرية و بينهما صخرة عظيمة تتفتت فينبع الماء من تحتها ، ثمَّ أفاق مذعوراً ، و قصد المكان الذي رآه و هو نائم فإذا بالماء يتدفَّق .

و من يومها اتخذ البشانقة المكان عيداً يتجمَّعون فيه مرَّة في العام عند الضحى فيدعون الله ، و يردِّدون أذكاراً خاصَّةً بهذه المناسبة ، حتى أذان الظهر ، حيث يصلِّي من كان منهم من أهل الصلاة ، ثمَّ ينصرفون .

و إلى جانب المشروع من العبادات و الأذكار يتوجَّه جلُّ الحضور إلى القبور بالدعاء و التبرُّك و التوسُّل ، بينما ينزع بعضهم من حجارة الجبل ، و يغترفون من تربته ما يقوون على حمله ، التماساً للبركة و إبراء المرضى ، و قضاء الحوائج .

و يجري ذلك كلُّه اليوم في جوٍّ مشحون باختلاطٍ الرجال بالنساء ، و تبرُّج الفتيات ، ممَّا يجرِّد المناسبة من صفتها الدينيَّة ( المبتدعة ) التي كانت عليها في الأصل .

و قد حاول بعض الدعاة الشبَّان من أبناء البوسنة التصدِّي لهذه البدعة و لكنَّهم أخفقوا ، كما أخفق آخرون تجريدها من الصفة الدينيَّة لتخفيف النكير على ممارسيها [42]، لأنَّ ما استقرَّ في أذهان البوشناق عبر مئات السنين يستحيل أن يتلاشى أمام نكير الأفراد ، أو معارضة من يسمِّيهم خصومهم بالشبَّان المتهوِّرين ، و يتَّهمونهم بالسلفية و التكفير و نحو ذلك .

انتشار البدع و خطره على التمسك يالسنة النبويّة

 مما لا ريب فيه أنَّ من آثار شيوع البدع بين المسلمين إماتة السنن و تعطيل العمل بها فيما بينهم .

لذلك يذهب كثير من العلماء إلى تعريف البدعة بأنها ما قابل السنة ، و يقولون : إن البدعة هي خلاف السنة ، فما خالف النصوص فهو بدعة ، باتفاق المسلمين [43] .

و هذا المذهب يكتسب وجاهة خاصة من علاقة التضاد بين السنة و البدعة ، فالفعل الواحد ذاته ، لا يمكن أن يكون بدعة و سنة في وقت واحد .

لأن السنة جاءت بذم البدع ، و دعت إلى الإعراض عنها ، و محاربتها ، و التبرئ منها و من أهلها ، فلا يمكن أن تقوم بدعة قبالة السنة و ؛ لأن القلب لا يتسع إلى الأمر و نقيضه .

فكلما شاعت البدع ، انزوت السنن ، حتى تموت السنن ، و تفشوا البدع [44] ، لأنه ما ظهرت بدعة إلا و ماتت سنة من السنن ، في مقابلها و ما أشيعت إلا بعد أن تخلى الناس عن السنة الصحيحة ، و فسدت نفوسهم ، فكانت البدعة كالعلامة الدالة على ترك طريق السنة [45] .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : (( لا يأتي على الناس زمان الإ أحدثوا فيه بدعة ، و أماتوا فيه سنة ، حتى تحيا البدع و تموت السنن )) [46].

و كان محمد بن سيرين يقول : ( ما أحدث رجل بدعة فراجع السنة ) ، و في رواية : ( ما أخذ رجل ببدعة فراجع سنة ) [47] .

و قد يكون اعتماد من قرن بين شيوع البدع ، و موت
السنن على ما روي  عن غضيف بن الحارث [48] ، قال : بعث إليَّ عبد الملك بن

مروان [49] فقال : يا أبا أسماء إنا قد جمعنا الناس على أمرين ، قال : و ما هما ؟ قال رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة ، و القصص بعد الصبح و العصر ، فقال : أما إنهما مثل بدعتكم عندي ، و لست مجيبك إلى شيء منهما ، قال : لم ؟ قال : لأن النبي r قال : (( ما أحدث قوم بدعة ، إلا رفع مثلها من السنة )) [50] . فتمسك بسنة خير من إحداث سنة .

و هذا الحديث لا يسلم من طعن ، فلا حجة فيه ، على أن المعنى المراد منه صحيح تشهد له عمومات الأدلة الشرعية .

و قال حسان بن عطية [51]: (( ما ابتدع قوم في دينهم بدعة إلا نزع الله مثلها من السنة ثم لا يردها عليهم إلى يوم القيامة )) [52] .

و إذا أريد للسنة أن تحيا فلا بد في المقابل من إماتة البدعة ، فكما أن هجر السنة يحيي البدع ، لا ريب أن التمسك بالسنة يميتها .

قال شيخ الإسلام : (( إن هجر ما وردت به السنة ، و ملازمة غيره قد يفضي إلى أن يجعل السنة بدعة و المستحب واجباً ))[53] ، و كفى بهذا خطراً على الإسلام ، و جناية على الشريعة .

و قد حرص سلفنا الكرام على التصدي لكل ما من شأنه أن يفتح الباب أمام إشاعة البدع ، و إماتة السنن ، و كفى مثالاً على ذلك أن عمر بن الخطاب t كان ينهى الإماء عن لبس الجلباب و التقنع به ، و يضرب على ذلك ، فقد روي عن أنس t ، أنه قال : (( رأى عمر أمة لنا مقنعة ، فضربها ، و قال : لا تشبهن
بالحرائر )) [54] .

و قال أنس t أيضاً : (( كن إماء عمر t يخدمننا كاشفات عن شعورهن ، تضطرب ثديُّهن )) [55] .

قال الإمام الطرطوشي رحمه الله [56]: فهموا أن مقصود الشرع المحافظة على حدوده ، و أن لا يظن الناس أن الحرة و الأمة في الستر سواء ، فتموت سنة ، و تحيا بدعة . اهـ [57] .

فانظر رحمك الله إلى ورع القوم و قد أخذوا الإسلام غضاً طرياً ، كيف كانوا يخافون على السنة و يخشون عليها من الزيادة و اللبس ، و قف حيث وقفوا فإنك في زمن عزَّت فيه السنن .

 

 

جهود علماء البوسنة و دعاة الإسلام فيها في إحياء السنن و التصدي للبدع

إذا أريد للسنة أن تنبعث من جديد في  البوسنة و الهرسك  ، و أن يعزَّ أهلها ، و يظهروا على من ناوأهم ، و يصدعوا بدعوتهم في وجوه المخالفين ، فلا بد لهم من أن يأتموا بالسلف الصالح y في التمسك بالسنة و الاعتصام بها ، و التخلي عن البدع و البراءة من أهلها , و قد كان لسلفهم مواقف جليلة في هذا المجال , ومنها :

موقف الشيخ حسن كافي  من أهل الأهواء و البدع

عرف الشيخ حسن كافي الآقحصاري رحمه الله تعالى و أتباعه في البوسنة بالتمسك بمنهج السلف الصالح في هذا المجال ، و يحسن هنا أن نشير إلى موقفهم هذا ليكون نبراساً يتأسى به من بعدهم .

لقد أكَّد الشيخ حسن كافي رحمه الله  في موقفه من أهل الأهواء و البدع على عدة أمور  ، تعتبر بحقٍ معالم رئيسة  في ما يعتقده الشيخ في هذا الباب ، و من أبرز هذه المعالم  :

  • 1 ) البراءة من البدع و أهلها .
  • 2 ) تقسيم البدع إلى مكفِّرة و غير مكفرة .
  • 3 ) الحكم على الظواهر ، و ترك السرائر إلى الله تعالى .
  • 4 ) اعتقاد إمكان اجتماع السنة و البدعة ، و الخير و الشر ، في الشخص الواحد ، و بالتالي فهو يستحق الولاء و البراء معاً بمقدار ما فيه من موجب كلٍّ منهما .
  • 5 ) التفريق بين الكرامات ، و بين ما يقع على أيدي أهل البدع من خوارق العادات .

و فيما يلي أقتطف من كلام الشيخ رحمه الله ما يؤكِّد التزامه بهذه القواعد ، و الدعوة إلى التزامها قولاً و عملاً :

يقرر الشيخ رحمه الله أن أهل السنة يحكمون على أهل المعاصي ، و الأهواء و البدع ، بما ظهر من أحوالهم ، و يوكلون سرائرهم إلى من يعلم السرَّ و أخفى ، و يذهب مذهبهم في ذلك .

و في هذا المعنى جاء قول الإمام الطحاوي رحمه الله : (( و نسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ، ما داموا بما جاء به النبيُّ معترفين ، و بكلِّ ما قال و أخبر
مصدِّقين )) ، و قول شارح ( الطحاوية ) الشيخ حسن كافي : (( المراد بأهل القبلة من يدَّعي الإسلام ، و يستقبل الكعبة ، و لم يكذِّب بشيءٍ مما جاء جاء به الرسول e ، و إن كان من أهل الأهواء ، أو من أهل المعاصي … فنراعي ظواهرهم ، و نكل إلى الله ضمائرهم )) [58] .

        و لكن هذا القول ليس على إطلاقه ، بل هو مُقيَّدٌ بما إذا كانت البدعة غير مكفِّرة ، و لذلك عقَّب على كلامه و كلام الماتن المتقدم ، بقوله :

(( و في قول الشيخ إشارةٌ إلى أنَّ مجرَّد التوجه إلى قبلتنا ، لا يدلُّ على حقيقة الإيمان فإنَّ كثيراً من الناس يتوجهون إلى قبلتنا ، و ليسوا على ديننا ، كالغلاة الذين يدَّعون نبوة علي t ، و كمن يدعي منهم أنه إله ، و كالقدريَّة الذين يزعمون وجود كثيرٍ من الأشياء من غير مشيءة الله ، و كمن يدَّعي الخالقيَّة لكلِّ فاعلٍ مختار ، و كمن يزعم أنَّ صانع العالم جسم على صورة البشر ، و كمن يدعي أنَّ المحبة تزيل التكليف و كمن يقول : إنَّ لله حلولاً و اتحاداً بالأنفس ، و نحو ذلك من أقاويل أهل الضلالة و الإلحاد )) [59] .

و ينكر رحمه الله على غلاة الصوفية و جهالهم ، فساد أحوالهم و فعالهم ، مع زعمهم أنهم أهل كرامة ، و سالكون سبل الولاية ، و هم في غاية البعد عنه ، فيقول رحمه الله :

 (( أما الذين يتعبَّدون بالرياضات و الخلوات ، و يتركون الجمع و الجماعات فهم من الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا ، و هم يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً ، قد طبع الله على قلوبهم ، و كذلك الذين يُصعقون عند سماع الأنغام الحسنة مبتدعون ضالُّون ، إذ ليس للإنسان أن يستدعي ما ما يكون سبب زوال عقله ، و لم يكن في الصحابة من يفعل ذلك و لو عند سماع القرآن )) [60] .

و كلُّ من ادعى الكرامة ، و لم يسلك سبيل الاستقامة ، فهو دعيٌّ ، لأنه (( لا يصل أحد إلى الله و رضوانه و جنته و كرامته ، إلا بمتابعته الرسول ظاهراً و باطناً فمن لم يكن مصدقاً له فيما أخبر ، و ملتزماً لطاعته فيما أمر ، في الأمور الباطنة التي في القلوب ، و الظاهرة التي على الأبدان ، لم يكن مؤمناً ، فضلاً عن أن يكون وليَّاً و لو طار في الهواء ، و مشى على الماء ، و أنفق من الغيب ، و أخرج الذهب من الجيب ، فإنه من الأحوال الشيطانية ، المبعدة لصاحبها عن الله تعالى ، المقرِّبة من سخطه و عذابه )) [61] .

و هؤلاء المتنكبون عن طريق الهدى ، يجب أن لا يُغترَّ بما قد يجري على أيديهم من أحوال ظاهرها خرق العادة ، فهم إلى الأحوال الشيطانية مستدرجون ، و عن الشريعة الربَّانية زائغون ، و على هذا المعنى يَحمل الشيخ حسن كافي رحمه الله قول عبد الله بن المبارك :

و هل أفسد الدين إلاَّ الملوك                و أحبار سـوءٍ و رهبـانـها

فيقرر أن الرهبانية في هذه الأمَّة ، يمثلها أهل الجهالة و الضلالة من المتصوفة ، بقوله :

 (( الرهبان هم جهَّال الصوفيَّة ، المعترضون على حقائق الإيمان و الشرع بالأذواق ، و المواجيد ، و الخيالات الفاسدة ، و الكشوفات الباطلة الشيطانية ، المتضمنة شرع دين لم يأذن به الله ، و إبطال دينه الذي شرعه على لسان نبيِّه … و قد قال أصحاب الذوق : إذا تعارض الذوق و الكشف ، و ظاهر الشرع قدَّمنا الذوق و الكشف . نعوذ بالله أن نكون من الجاهلين ، و العصمة بالله ربِّ
العالمين )) [62] .

        و يُقابل أهل الضلال و البدع ، أهلُ السنة و الجماعة ، و هم الفرقة الناجية و الطائفة المنصورة [63] ، التي لم يُغفل الشيخ ذكرها ، و بيان صفات أهلها ، ليحظى من وفَّقه الله بنهج نهجهم ، و الردّ إلى ما كانوا عليه قبل أن يفترقوا ، و هم : (( الذين اتبعوا النبي r و كانوا على ملَّته ، و دانوا بها ، و دعوا سائر الأمم إليها حتى صار إجماعهم حجة من حجج الله ، موجبةً للعلم قطعاً من الصحابة و التابعين و من بعدهم  )) [64] .

و كما تجب البراءة من أولئك الأدعياء و بغضهم ، تجب موالاة هؤلاء الأصفياء ، و حبهم .

قال حسن كافي الآقحصاري في شرح نص الطحاويَّة : ( نحب أهل العدل و الأمانة ) :

(( و هم أهل السنة و الجماعة ، و من سلك مسلكهم من المسلمين ، و المتمسكون بالعدل من ولاة أمور الدين ، فمحبتهم من كمال الإيمان و تمام العبوديَّة ، لأنها تتضمن محبة الله و محبة رسوله ، لأن الله يحب المحسنين و يحب التوابين ، و يحب المتطهرين ، و من كمال محبة الله للعبد أن يحب العبد من أحبَّه الله ، فإن المحب يحب ما يحب محبوبه ، و يبغض ما يُبغضه ، و يوالي من يواليه ، و يعادي من يعاديه ، فهو موافق لمحبوبه في كلِّ حال )) [65] .

و قال في شرح نص الطحاوية : ( نُبغض أهل الجور و الخيانة )  :

 (( و هم أهل الخلاف و العصيان ، و الجائرون من الولاة ، و الله تعالى لا يحب الخائنين ، و لا يحب المفسدين ، و لا يُحب المستكبرين ، فنحن لا نحبهم ، بل نبغضهم موافقة لله تعالى )) [66] .

و الشيخ الآقحصاري يرى أن الولاية و العداوة ، قد تجتمعان في الشخص الواحد ، و كذلك الحب و الكره ، فيقول :

 (( إنَّ العبد قد يجتمع فيه سبب الولاية و سبب العداوة ، و سبب الحب و سبب البُغض ، فيكون محبوباً من وجه ، و مبغوضاً من وجه ، و الحكم
للغالب )) [67] .

        و حيث يتعذَّر على كلِّ أحد التمييز بين الصنفين ، فعلى كاهل أهل العلم ، المهتمين بالكتاب و السنة ، تقع مسؤولية مقارعة أهل الباطل ، و التصدي للمبتدعة ، و لا يقوى على القيام بهذا الواجب الكفائي ، إلا من وفَّقه الله و سدَّده ، ليكون من دُعاة السنَّة الذين من أخصِّ صفاتهم ، العلم و التثبت ، المنافيان للابتداع و التحريف.

يقول الشيخ حسن كافي رحمه الله :

(( و كلَّما بعُد العهد بعد النبي r و أصحابه ظهرت البدع و كثر التحريف إلا أن الله تعالى قد منَّ على أمته بجعل علمائهم ، كأنبياء بني إسرائيل ، فلا تزال طائفة منهم قائمين على الحق ، كما قال عليه الصلاة و السلام : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم  ) [68] ، فعيَّنوا طريق الفرقة الناجية ، و بينوا طريق الأمة الهادية ، ليحق الحق ، و يزهق الباطل ، و ليتميز العالم من
الجاهل )) [69] .

و يُعرِّف الشيخ حسن كافي " الولي " فيقول :

 (( هو العارف بالله و صفاته ، حسب ما أمكن ، المواظب على الطاعات ، المتجنب للمعاصي و الانهماك في اللذات و الشهوات )) [70] ، و الوليُّ في نظره (( إنما يستحق الولاية و الكرامة باتباعه نبيَّه r و اقتدائه به في طاعة الله تعالى على
شريعته )) [71] .

أما أدعياء الكرامة ، و زاعموا الولاية ، فقد عرف عن الشيخ صلابة موقفه ، في التصدي لهم ، و كشف ضلالهم ، و بيان فساد ماهم عليه ، حيث وضع الميزان الشرعي لتقييم ما هم عليه ، بعرضه على الكتاب و السنة ، فقال :

 (( الواجب عرضُ أفعالهم و أحوالهم على الشريعة المحمدية ، فما وافقها قُبِل ، و ما خالفها رُدَّ … فلا طريقة إلاَّ طريقة الرسول r ، و لا حقيقة إلاَّ حقيقته ، و لا شريعة إلا شريعته ، و لا عقيدة إلا عقيدته ، و لا يصل أحد إلى الله و رضوانه ، و جنته و كرامته ، إلا بمتابعة الرسول ظاهراً و باطناً فمن لم يكن مصدقاً له فيما أخبر ، و ملتزماً لطاعته فيما أمر ، في الأمور الباطنة التي في القلوب ، و الظاهرة التي على الأبدان ، لم يكن مؤمناً ، فضلاً عن أن يكون وليَّاً و لو طار في الهواء ، و مشى على الماء ، و أنفق من الغيب ، و أخرج الذهب من الجيب ، فإنه من الأحوال الشيطانية ، المبعدة لصاحبها عن الله تعالى ، المقرِّبة من سخطه و عذابه  )) [72] .

و يقول رحمه الله في بيان حال و حكم أدعياء الكرامة و الولاية من غلاة الصوفية و غيرهم  :

 (( أما الذين يتعبَّدون بالرياضات و الخلوات ، و يتركون الجمع و الجماعات فهم من الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا ، و هم يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً ، قد طبع الله على قلوبهم ، و كذلك الذين يُصعقون عند سماع الأنغام الحسنة مبتدعون ضالُّون ، إذ ليس للإنسان أن يستدعي ما ما يكون سبب زوال عقله ، و لم يكن في الصحابة من يفعل ذلك و لو عند سماع القرآن )) [73] .

و الشيخ الآقحصاري يرى أن الولاية و العداوة ، قد تجتمعان في الشخص الواحد ، و كذلك الحب و الكره ، فيقول : (( إنَّ العبد قد يجتمع فيه سبب الولاية و سبب العداوة ، و سبب الحب و سبب البُغض ، فيكون محبوباً من وجه ، و مبغوضاً من وجه ، و الحكم للغالب )) [74] .

و إلى جانب تحذيره رحمه الله من الحوادث و البدع ، فقد كان للشيخ حسن كافي الآقحصاري رحمه الله موقف صلب في مواجهة الفرق الضالة ، و المذاهب البدعيّة ، كفرقة الحمزوية – التي سبق ذكرها و بيان موقفه منها ، و جهاده في القضاء عليها – و الرافضة التي قال عنها :

(( أصل الرفض إنَّما أحدثه منافقٌ زنديق ، قصد إبطال دين الإسلام ، و القدح في الرسول ، كما فعل بولُص [75]بدين النصارى ، و ذلك المنافق هو عبد الله بن سبأ [76]، أراد أن يُفسد دين الإسلام ، و يُلقي الفتنة بين المسلمين ، فأظهر الإسلام و التنسك ، ثم أظهر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، حتى سعى في فتنة عثمان و قَتْلِه ، ثم لما قدم الكوفة ، أظهر الغلو في علي ، ليتمكن بذلك من اعتراضه و بلغ ذلك علياً فطلب قتله ، فهرب ، و خبره معروفٌ في التواريخ ، أخزاه الله تعالى )) [77] .

كما حذر رحمه الله من المقالات الفاسدة و أهلها الذين ابتليت بهم الأمة عبر التاريخ ، و بالغ في التحذير منهم ، و حكم بكفر من قال بخلق القرآن ، و خروجه من الملة [78] ، و كذلك من أتى بغيرها من البدع المكفرة .

 

تصدي أهل  البوسنة و الهرسك للحوادث و البدع و أهلها في العصر الحاضر

لا بدَّ من توحيد الجهود ، و الوقوف صفاً واحداً يجمع الشباب المتحمس لدعوة أهل السنة و الجماعة ، و دعاة المؤسسات الرسمية الذين يعتبرون الحفاظ على الإسلام في تلك البلاد واجبهم الأوَّل ، فيدعوا جميعاً إلى الله على بصيرة .

و إن كان هؤلاء الدعاة الشبان قد عجزوا عن إنكار البدع منفردين ، و الجهر بإنكارها في وجه مخالفيهم من العامَّة و العلماء ( الرسميين ) على حدٍ سواء ، فإنَّ البلاد لم تخل من غيارى على الإسلام يحذِّرون من انتشار البدع و تفشِّيها ، يدرأ عنهم لوم المعارضين ، و تصدي المخالفين ، ما ألقاه الله في قلوب البشانقة من قبولٍ لهم ، و رضاً بما يصدر عنهم .

ومن هؤلاء الرئيس علي عزَّت بيك الذي تقيه مغبَّة الانتقاد و الردّ مكانته الفكرية و الاجتماعيَّة و السياسية الرائدة في البوسنة ، و هو يعتبر البدعة و الخرافة نقيضين للعلم و المعرفة ، و يدعو إلى محاربتهما ، و تسليح المسلمين بالعلم في مواجهتهما فيقول :

(( لقد أقام الإسلام حرباً على الشرك ، و قضى عليه بحركةٍ واحدة في مناطق شاسعةً من العالم ، لأنَّه وضع حداً فاصلاً بيناً بين الإيمان و الخرافة ، و لكنَّ الخرافة وجدت لها مرتعاً في بيوت و قلوب كثيرٍ من المسلمين ، ثمَّ ظهرت في صورة التمائم و الطلاسم ، و ما شابه ذلك ، لتمهد الطريق للتجارة الرابحة بالدين ، لأنَّه إذا لم يقض الدين على الخرافة قضت الخرافة على الدين .

و قد كان رسول الله r يهتم بتعليم المسلمين ، حتى في أيام الحرب الضروس إذ جعل تعليم كلِّ عشرة من المسلمين فدية لأسير من أسرى بدر[79] )) [80] .

ثم يبدي تألُّمه لما آل إليه حال المسلمين اليوم من إعراضٍ عن سنَّة نبيِّهم r ، و بعدهم عن هديه في كافَّة شؤون حياتهم ، فيقول :

(( نعم ، هناك بين المسلمين أمورٌ كثيرة تقشعرُّ منها الجلود ، و حتى غير المسلمين يدركون و يلاحظون ذلك . لو قام محمد r من قبره ، و رأى كم بدَّل أتباعه دينه ، لتغيَّر وجهه غضباً ، و لعن كلَّ من شارك في تلك البدع ، كما يقول لوثورب ستودارد [81] )) [82] .

و هذا الصوت الشجاع في مواجهة البدع و التحذير من شررها المستطير ، من رجل عاش للإسلام مجاهداً بكلمته ، و قلمه ، و موقفه ، يحتاج إلى أمرين يؤازرانه كي يساهم في القضاء على البدع و الخرافات قضاءً مبرماً :

أمَّا الأمر الأوَّل فهو اجتماع العلماء البوشناق حوله كما أسلفت ، و التأكيد على ضرورة التصدي للبدع ، باعتبار ذلك واجباً لا مناص منه لمن يريد للسنة أن تحيا و تنبعث من جديد ، بعد ما أماتتها قرون من الغفلة و الجهل الذي لفَّ العالم الإسلامي .

و أما الأمر الثاني فهو اتخاذ مواقف فعليَّة تتجاوز التنظير و الكلام في التصدي للبدع ، بمعارضتها ، و عدم المشاركة في أيٍ منها تحت أي مبرر ، و تقديم البديل عنها ، من السنَّة النبويَّة الصحيحة .

و في ذلك الخير كلُّ الخير للإسلام و أهله ، حيث (( لا يصلح آخر هذه الأمَّة إلاَّ بما صلح به أوَّلها )) كما قال إمام دار الهجرة رحمه الله [83] .

 


 

 

 

الفصل الرابع

 

التأثر بمنهج المدرسة العقلية الحديثة

 


المدرسة العقليَّة الحديثة في البوسنة و موقفها من السنة النبوية

مكانة العقل في الشريعة الإسلامية :

لم يهمل الإسلام العقل قط ، بل وجهه إلى النظر و التفكير ، و البحث و التدبير . و توجه بالخطاب إلى أهله ، يحثهم على تحكيمه فيما أشكل عليهم .

 و وجه الخلق إلى التفكر و التدبر في غير آية من آيات الكتاب العزيز .

قال تعالى : ] كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر أولو
الألباب [ [ ص : 29 ] .

و قال سبحانه : ] أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [ [ محمد :
24 ] .

و وصف عباده المؤمنين به بالمداومة على ذكره  و التفكر في خلقه فقال :
] الذين يذكرون الله قياماً و قعوداً و يتفكرون في خلق السماوات و الأرض [ [ آل عمران : 191 ] .

و دعا سائر الخلق إلى ذلك فقال : ] أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات و الأرض و ما بينهم إلا بالحق و أجل مسمى [ [ الروم : 8 ] .

و قال أيضاً : ] أفلا ينظرون إلى الإبل كيف $  و إلى السماء كيف رفعت $  و إلى الجبال كيف نصبت $  و إلى الأرض كيف سطحت [ [ الغاشية : 17-20 ].

و كرم الله العقل أفضل تكريم حيث و جهه إلى طلب العلم ، و رفع قدر العلماء .

        قال تعالى : ] يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات [ [ المجادلة : 11 ] .

و وصفهم سبحانه بالخشية فقال : ] إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ [ [ فاطر : 28 ] .

و من هذا المنطلق أقبل المسلمون على علوم الدين و الدنيا ، ينهلون منها و يعلمون ، و يأخذون و يعطون ، حتى علا قدرهم في المعارف كافة ، و أصبحت حواضر البلدان الإسلامية مراكز ثقافية ، و قامت فيها جامعات علمية يؤمها الطلبة من مختلف أنحاء العالم ، و غدت مكتباتها مراجع ينهل منها بنهم كل من عرف قيمة الكتاب ، بعد أن جلبت إلى خزائنها نوادر المخطوطات ، و نفائس المصنفات ، و ترجمت إلى اللسان العربي من مختلف اللغات في عهد بني العباس فمن بعدهم .

نشأة المدرسة العقلية في المشرق الإسلامي :

لا زالت شمس الإسلام تسطع على العالم كله يوم كانت لأبنائه الريادة في المجالات العلمية على تنوعها ، فانطلقت الفتوحات الإسلامية تملأ الأرض نوراً و عدلاً و بلغت أوجها في عهد السلطان محمد الفاتح رحمه الله الذي حاز فضيلة فتح القسطنطينية و التوغل من بعد في عمق البلدان الأوربية عبر بوابة البلقان .

و مع تقدم الزمن دبَّ الضعف في جسد الأمة ، و بدأت ريادة العالم العلمية تنتقل تدريجياً إلى الغرب الأوربي ، يحملها طلاب درسوا في الأندلس و اسطنبول و غيرهما من الحواضر الإسلامية ، و لصوص محترفون سرقوا من العالم الإسلامي نفائس المخطوطات و أمهات الكتب .

و أثناء هذا التحول عني العثمانيون بتسليح الشعوب الخاضعة لهم ، و اهتموا ببسط نفوذهم و الحفاظ على سلطتهم البسيطة ، فيما بدأ الغرب النصراني يبني نهضة ماديَّة تقنية ، و يوحد صفوفه في مواجهة دولة الخلافة المتقهقرة ..

و لا زال الغرب ينمو و يتقدم بتخليه عن ماضيه و خروجه على سلطة الكنيسة و رجالها ، و الشرق الإسلامي يتردى و يتحطم بتنكره لأصوله و تخليه عن دينه و شريعة ربه ، حتى جاءت اللحظة الفاصلة فسقطت الخلافة ، و تداعت الأمم على ديار الإسلام تستولي و تستعمر ، و تشغل معاول التجهيل و التغريب في أبناء المسلمين ، حتى اتسعت الهوَّة بين المسلمين و كلٍ من دينهم ، و الحضارة التي أحرزها عدوُّهم ، فيما كان للغرب الصليبي سبق لا ينكر في المجالات المادية ، و الصناعات التقنية .

و فقدت الأمة الإسلامية استقلالها ، فأمست تابعة مسودة مقودة ، يسيرها أعداؤها كما يشاؤون ، و يعاني أبناؤها من عقدة التخلف و التبعية .

و قد تمخض هذا الواقع عن ظهور ثلةٍ من المفكرين و الكتاب و العلماء الداعين إلى اللحاق بركب الحضارة الغربية ، لتجديد فهم الإسلام ، و تطوير أحكامه بما يتناسب و ظروف الزمن الراهن .

و كان في طليعة هؤلاء العلماء المجددين كلٌ من جمال الدين الأفغاني و محمد عبده ، و تلميذه محمد رشيد رضا ، و آخرون ممَّن كانت لهم الشهرة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري .

 و قد نادى هؤلاء المجددون بإدخال إصلاحات جذرية في علوم الشرع و أحكامه لتواكب العصر ، و كانت باكورة عملهم الدعوة إلى إصلاح الأزهر الشريف بصفته المرجعية العليا لغالبية المسلمين في تلك الفترة .

انتقال فكرة التجديد و دعوة العقلانيين إلى البوسنة :

تأثر بفكر التجديد ، و دعاوى العقلانيين طائفة من الطلاب الذين وفدوا من أقطار الدنيا لطلب العلم الشرعي في الأزهر الشريف ، و عادوا إلى بلادهم يدعون إلى الإصلاح و التجديد ، و كان فيهم بلا ريب عدد لا يستهان به من أبناء البلقان .

و مع سقوط الخلافة العثمانية انقطعت جسور التواصل بين مسلمي البوسنة و إخوانهم في أنحاء العالم الإسلامي ، و فرض عليهم أسلوب جديد في العيش و التفكير المتحرر من الواجبات الدينية و الثوابت العقدية .

و قد ساعد الوضع الجديد هذا على ظهور طائفة من الكتاب المسلمين البوسنويين لا تخفي اعجابها بالحضارة الغربية و تأثرها بدعوات التجديد التي ظهرت في الشرق الإسلامي ، و تدعو إلى مجاراة الغرب المتمدن باسم التطور و الإصلاح الديني و الدنيوي معاً تحت شعار ( التوفيق بين الأخلاق الإسلامية و المادية الغربية الممثلة في العلم و التقنية ) [84].

و من أبرز هؤلاء الكتَّاب :

  • محمد بيك قبطانوفيتش ( 1255 – 1320 هـ / 1839 -
    1902 م ) .
  • قوت بيك باشاغيتش ( 1287 – 1353 هـ / 1870 -
    1934 م ) .
  • عثمان نوري حاجيتش ( 1286 – 1356 هـ / 1869-
    1937 م ) .
  • أدهم ملابديتش ( 1279 – 1374 هـ / 1862 - 1954 م ) .
  • محمد جمال الدين تشاوشيفيتش رئيس المشيخة الإسلامية في البوسنة في زمنه .

و إضافة إلى تسخير منابر المساجد التابعة للمشيخة للدعوة إلى التجديد ، أسس هؤلاء الكتاب مجلة ( بهاء ) النصف شهرية سنة 1900م / 1318 هـ ، و شحنوها بمقالاتهم الهادفة إلى مجاراة الغرب ، و الاقتباس من حضارته مع الحفاظ على روح الإسلام و حضارته بعد تطويره و تطويعه لروح العصر ، باعتبار أن البوسنة بلد أوربي ، و ليس شرقياً .

ثم أسست مجلة ( البلاغ ) الناطقة باسم رئاسة العلماء ، و المعبرة عن آراء و اجتهادات دعاة المشيخة الإسلامية ، و جلهم من أتباع المدرسة العقلية الحديثة ، و قد اشتهر بينهم في أواخر القرن الثالث عشر الهجري الأستاذ حسين جوزو الذي يعتبر أحد رواد التجديد في البوسنة .

ثم مجلة ( البحوث الإسلامية ) ، الصادرة عن كلية الدراسات الإسلامية في سراييفو ، و المهتمة بنشر أبحاث و إسهامات أعضاء هيئة التدريس و خريجي الكلية .

و أخيراً مجلة ( الفكر الإسلامي ) التي صدرت بمبادرة من الدكتور أحمد إسماعيلوفيتش و توقفت عن الصدور مع بداية الحرب الأخيرة في البوسنة .

و قد كانت هذه المجلات مسرحاً فسيحاً لأفكار دعاة التجديد ، و أتباع المدرسة العقلية الحديثة ، تنشر ما يعلنونه من أهداف ، و من ذلك [85]:

أ – قبول الحضارة الغربية و التفاعل معها .

ب - العودة إلى المصادر الأصلية للتشريع و هي الكتاب و السنة .

ج – تجديد المفاهيم الإسلامية و تطويرها .

        أمَّا أهدافهم غير المعلنة فكثيرة ، منها خدمة أعداء الإسلام عن سذاجة و حسن نيَّة تارة ، و عن مكرٍ و سوء طويَّةٍ تارةً أخرى ، و قد كشف بعضاً من هذه الأهداف دفاع عددٍ من أعلام مدرسة التجديد عن الاستعمار المتسلِّط على بلدان العالم الإسلامي ، و انتساب عددٍ منهم إلى المحافل الماسونية [86] .

        غير أنَّ ما يعنينا في هذا المقام هو موقف هؤلاء العقلانيين من السنَّة النبويَّة ، حيث عرف عنهم إنكار حجيَّتها ، و الإعراض عنها ، استناداً إلى شبهٍ أوهن من بيت العنكبوت ، كقولهم : إنَّ في التمسُّك بكتاب الله ما يغني عن الالتفات إلى ما في سواه سنَّة كان أو قياساً أو غير ذلك .

        و أصل هذه المقولة الفاسدة قديم عرفته الأمَّة من أيَّام السلف الصالح رحمهم الله تعالى ، وقد  جاء التحذير منها و من أهلها على لسان رسول الله r في أحاديث عدَّة تبيِّن خبثهم ، و أنَّهم سيعمُّون على الناس بلبوس العلم ، و مزاعم النصح لدين الله ، و التستر بدعوى الاعتصام بكتاب الله .

و الأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ منها :

        عن أبي رافع مولى رسول الله t ، عن النبي r قال : (( لا ألفينَّ أحدكم متكئاً على أريكته ، يأتيه الأمر من أمري ممَّا أمرت به ، أو نهيت عنه . فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه )) [87] .

و معنى قوله r ( لا ألفينَّ ) أي : لا أجدنَّ ، و هذه الصيغة تفيد المبالغة في النهي ، ومعنى قوله ( أريكته ) أي : سريره المزخرف ، و هو إشارةٌ إلى أنَّ إنكار الحديث إنَّما يأتي من المترفين الذين شأنهم التنعم و حب الشهوات ، و عدم الالتفات إلى أحكام الشريعة أو علومها .

و عن المقدام بن معد يكرب t قال : قال رسول الله r : (( ألا هل عسى رجلٌ يبلغه الحديث عني و هو متكئٌ على أريكته ، فيقول : بيننا و بينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه ، و ما وجدنا فيه حراماً حرَّمناه ، و إنَّ ما حرَّم رسول الله r كما حرَّم الله )) [88] .

        لقد بيَّن رسول الله r في هذا الحديث الشريف ، أنَّه سيظهر في أمته من ينكر سنته ، متعللاً باتباع القرآن الكريم ، ثمَّ بين r أن ما حرَّمه فهو و ما حرَّمه الله في الحكم سواء ، لأنَّه لا ينطق عن الهوى ، مكتفياً بذكر أحد المتقابلين عن ذكر الآخر ، حين أشار إلى ما حرَّم و لم يُشر إلى ما أحلَّ .

        و إخباره r في هذين الحديثين بظهور منكرة السنة ، قبل ظهوره علمٌ من أعلام نبوته r ، و لذلك أوردهما و بوَّب عليهما الإمام البيهقي رحمه الله في كتابه ( دلائل النبوَّة ) ، فقال : باب ما جاء في إخباره r بشبعان على أريكته يحتال في ردِّ سنَّته بالحوالة على ما في القرآن من الحلال و الحرام دون السنة ، فكان ما أخبر ، و به ابتدع من ابتدع ، و ظهر الضرر [89] .

        و قد تصدى السلف الصالح رضوان الله عليهم لمنكري السنة و حذَّروا منهم فور ظهورهم ، و حكموا بكفرهم  .

        فعن عبد الله بن عبَّاس t أنَه قال : (( من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب )) [90] .

        و معنى قوله : ( كفر بالرجم ) ، أي أنكر وجوب رجم الزاني المحصن ، و هو حكم ثبت بالسنَّة ، و سكت عنه القرآن الكريم .

        قال أيوب السختياني [91] : (( إذا حدَّثت الرجل بالسنة ، فقال : دعنا من هذا ، و حدِّثنا من القرآن ، فاعلم أنَّه ضالٌ مضل )) [92] .

        و قال الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله : (( لو أن امرأً قال : لا نأخذ إلاَّ ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمَّة )) [93] .

 

موقف دعاة المدرسة العقلية الحديثة في البوسنة من أخبار الآحاد :

الخلاف حول الاحتجاج بأخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد قديم قدم الفِرق و النحل الإسلامية ، و هذه المسألة متفرعة من مسألة تقديم العقل على النقل التي عرف بها المعتزلة [94]، الذين حدوه بما لا يعلم كونه صدقاً أو كذباً [95] ، و اتفقوا على عدم الاحتجاج بما جاء في باب العقائد ، و ما خالف العقل منه ، و إن حكم أهل الصنعة الحديثية بصحته [96].

بينما ذهب بعضهم إلى إنكار حجيته في أمور الدين أصوله و فروعه مطلقاً [97]، و عدّ – عند المعتزلة - متساهلاً في ذلك من قبله بشروط كانضمام خبر أخر من أخبار الآحاد إليه ، أو اعتضاده بموافقة ظاهر الكتاب ، أو ظاهر خبرٍ آخر ، آو انتشاره بين الصحابة ، أو عمل بعضهم بمقتضاه [98] .

و على الرغم من أن مدرسة الاعتزال قد اندرست باعتبارها إحدى الفرق التي كان لها شأن أيام العباسين ، إلا أن بعض آرائها تناقلتها الأجيال ، و ظل يتشبث بها البعض حتى يومنا هذا .

و من هذه الآراء إنكار حجية أخبار الآحاد ، و هو ما ارتضته المدرسة العقلية الحديثة في تعاملها مع السنة النبوية ، فردت أحاديث عديدة بدعوى أنها أخبار آحاد ، لا يعتد بها في تقرير مسائل الاعتقاد .

قال الشيخ محمد عبده : (( و أما ما ورد في حديث مريم و عيسى ، من أن الشيطان لم يلمسهما [99]، و حديث إسلام شيطان النبي r [100] ، و إزالة حظ الشيطان من قلبه [101] ، فهو من الأخبار الظنية ، لأنه من رواية الآحاد ، و لما كان موضوعها عالم الغيب من قسم العقائد ، و هي لا يؤخذ فيها بالظن ، لقوله تعالى : ] إن الظن لا يغني من الحق شيئاً [ [ النجم : 28 ] ، فإننا غير مكلفين بالإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا ))[102] .

و ذهب مثل هذا المذهب أتباع المدرسة العقلية الحديثة في البوسنة ، و في مقدمتهم الأستاذ حسين جوزو ، رئيس علماء البوسنة في مطلع القرن الخامس عشر الهجري .

وترتب على إنكار حجية أخبار الآحاد عند حسين جوزو و من وافقه من علماء البوسنة مقالاتٌ فاسدة من أبرزها :

  • إنكار ما ثبت من خوارق العادات بما فيها معجزات النبي r ، و عدم الإيمان بإمكانية وقوعها أصلاً ، و رد النصوص الواردة في ذلك .

فهاهو الأستاذ حسين جوزو ينكر معجزات الرسول r جملةً و تفصيلاً ، و يقول : (( بنزول القرآن الكريم تفقد المعجزة المادية أهميتها و القرآن هو معجزة الرسول r الوحيدة … و لا مبرر لتصديق بعض الروايات الضعيفة التي تنسب إلى الرسول r  معجزات غير القرآن ، لأن كل أخبار المعجزات … لا ترتقي إلى درجة الصحة التي تلزمنا بقبولها )) [103] .

و يقول أيضاً : (( إنَّ الإسلام لم يستخدم المعجزة في إثبات نبوَّة محمد r ، لأن المعجزة لا أهمية لها في عهد القرآن . لقد انتهى دور تلك المعجزات في زمن الإسلام ، و بدأ عصر الإعجاز العلمي )) [104] .

و يُضيف قائلاً : (( من المعروف أن محمداً r لم يستعن بالمعجزات أبداً في دعوته ، و ما جاء من روايات تثبت بعض معجزاته مجرَّد حكايات لا أصل لها )) [105] .

و في مقام آخر يخاطب الشيخ حسين قراءه متهكّماً بمن يؤمن بكرامات الأولياء بقوله :

(( ألم يكن غزو المغول و وحشيَّتهم ، و الحروب الصليبيَّة ، و العدوان الإسرائيلي فرصةً مواتية لإظهار حقيقة الكشف و قيمة الكرامات !!

إنَّ ذلك لم يتم بل بقيت الخرافات و الحكايات المختلقة عن الكشف و الكرامات ، مجرَّد روايات لا تزال تروى إلى اليوم في المجتمعات المتخلِّفة )) [106] .

فهو إذن ينظر إلى الكرامات بعقله المجرّد ، فلا يرى لها أثراً ملموساً في حياة الناس ، و يرى هذا دليلاً كافياً على كونها ضرب من الخيال الذي يتردد في أذهان المتخلّفين .

كما يلاحظ أنه يقرن بين الكشف و الكرامات و كأنهما مسميان لذات الشيء ، و في هذا مغالطة علميّة ، إذ إن الكشف عند من يعتقده نوع من الاطلاع على المغيبات ، و القول به مما ينافي عقيدة أهل السنة ، و لا صلة له بما يثبتونه من كرامات للأولياء ألبتة .

  • إنكار جملةٍ من علامات قيام الساعة الثابتة بصريح و صحيح السنة النبوية الشريفة ، كمسألة نزول عيسى عليه السلام ، و ظهور مهدي آخر الزمان .

يقول الأستاذ حسين جوزو :

(( هناك عدد كبير من الأحاديث التي تذكر نزول عيسى عليه السلام ثانية إلى الأرض ، و حكمه بالشريعة الإسلامية ، و عملاً بتلك النصوص أصبح الاعتقاد بنـزول عيسى عليه السلام حقيقة ، و ورد ذكره في كافة كتب العقيدة )) [107] .

ثم يستدل على إنكار هذه العقيدة بكلام ينسبه للشيخ محمد الخانجي رحمه الله يذكر فيه ما ذكره أهل العلم من علامات قيام الساعة كنزول عيسى عليه السلام ، و قتله الدجال ، و ظهور المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً .

و يستغرب الشيخ الخانجي - فيما ينسبه إليه حسين جوزو - اعتقاد المسلمين بنزول المسيح و ظهور المهدي رغم أن ما ورد في نزول عيسى عليه السلام ـ بما في ذلك حديث رواه البخاري في صحيحه ـ أخبار آحاد ، و ليست من قبيل التواتر ، فلا تصلح لإثبات العقائد [108] .

أما ظهور المهدي فالأدلة عليه أضعف مما ورد في إثبات نزول المسيح عليه السلام ، و ما قصة ظهور المهدي إلا ضلالة من الضلالات و خرافة من الخرافات يجب تحرير العقيدة الإسلامية منها و من آثارها السلبية في حياة المسلمين بحسب رأي الأستاذ حسين جوزو ، الذي لا يخفى تأثره بدعاة المدرسة العقلية الحديثة في مصر فيما ذهب إليه ، حيث ينسب إلى الشيخ محمود شتلوت [109] و محمد عبده ، و الشيخ المراغي [110] ، و رشيد رضا القول بأن عيسى عليه السلام قد توفي وفاة طبيعية و عليه فلا معنى لاعتقاد نزوله في آخر الزمان .

أما عن المهدي فيرى ـ تبعاً لأحمد أمين ـ أن الإيمان بظهوره آخر الزمان عقيدة شيعية انتقلت إلى أهل السنة ، و عليه  فمن الواجب إخراجها من عقائد المسلمين [111] .

و يوافق الأستاذ حسين جوزو في نفي ظهور مهديِّ آخر الزمان غير واحدٍ من العلماء و الكتَّاب البوسنويين ، و من أبرزهم الرئيس علي عزَّت القائل : (( و نحن على ثقة بأنه لا يوجد هناك شيء اسمه ( أرض الميعاد ) أو ( زمن المعجزات ) و لا يوجد المهدي الذي ننتظر و عده )) [112].

غير أن ثمة فارق بين دوافع الإنكار لدى كلٍ من الأستاذ حسين جوزو و الرئيس علي عزت ، إذ ينطلق الأول من منطلق علمي بدافع ما يعتبره تنقية الإسلام ممَّا علق به و لا أصل له فيه ، أمَّا الثاني فباعثه على ما قال هو الاصلاح الذي يدعوا إليه ، و يرى أن من واجبه في ذلك تخليص الأمة من المثبطات التي جعلتها تركن إلى الواقع ، و تتعلق بالأوهام ، رافضةً بذل أي جهد – و إن كان بوسعها – بانتظار غائبٍ مرتقب .

و ممن تأثر بهذا الاتجاه العقلي ، فوقع في نفي بعض الأحاديث الدكتور عمر ناكيجفيتش [113] ، عميد كلية الدراسات الإسلامية في يومنا هذا ، حيث أنكر على الشيخ حسن كافي الآقحصاري رحمه الله ذكره بعض ما يكون بين يدي الساعة مما دلَّت عليه السنة الصحيحة ، فقال : ( نجد أن صاحبنا حسن كافي ذكر … بعض علامات يوم القيامة التي تخالف العقل ، و حتى النقل إذا فهمناها بمعنى ظاهري ، و لكن إذا نظرنا إلى معناها المجازي فيمكن فهمها ، غير أن صاحبنا لا يميل المعنى
المجازي … و قد ذكر من بين تلك العلامات خروج يأجوج و مأجوج … و خروج الدجال … و وصف دابة الأرض بأوصاف غريبة ) [114] .

و زاد الدكتور عمر - غفر الله له - في الإنكار على الشيخ حسن كافي ،  و صرَّح بأنه يأخذ عليه ( ذكره بعض الأشياء التي ليست بعيدة عن القصص و الخرافات مثل توالد الشياطين ، و وصف الدجال ) [115]

تقديم العقل على النقل عند دعاة المدرسة العقلية الحديثة في البوسنة :

عرف عن دعاة المدرسة العقدية الحديثة ، ما عرف عن أسلافهم الأقدمين من تحريف الأدلة من نصوص السنة النبوية عن مواضعها ، كالتحريف في (( وجه دلالة النص و معناه ، بإخراجها عن حقائقها مع الافتراء ، بمعنى صرف الأدلة عن وجوه الاستدلال بها ... و منه في المدرسة العصرانية ضغط النص للواقع )) [116] .

و من أنواع تعدي العقلانيين على السنة ، تحريفها بالطعن فيها [117] و إبطال ثبوتها ، و منه الطعن بحديث الآحاد في أبواب الاعتقاد [118] .

يقول الأستاذ حسين جوزو : (( إن مما يدل على أهمية العقل و العلم في الإسلام أنه إذا تعارضت نصوص القرآن الكريم مع العقل ، أو مع نظرية علمية ،


وجب تقديم العقل ، و تأويل النص )) [119]   .

و من الأمثلة على موقفهم هذا ما يلي :

أولاً : قول الأستاذ حسين جوزو : (( الحياة في تطور مستمر ، و متطلباته متطورة أيضاً فإذا كان إخراج ربع العشر كافياً لسد احتياجات مجتمع بدوي متخلف قبل ألف و أربعمائة سنة ، فإن ذلك لا يكفي اليوم ، و عليه فلا أظنني مخطئاً حينما أعيد النظر في نسبه زكاة المال ، و نصاب صدقة الفطر )) [120] .

الخلط في فهم نصوص السنة النبوية عند العقلانيين في البوسنة :

يضطرب دعاة المدرسة العقلية عموماًعندما يواجهون بما يرد عليهم ، أو يفند آراءهم الشاذة ، و أمام عجزهم عن القول برد السنة النبوية بالكامل ، نجدهم يسلمون بصحة ما ووجهوا به ، و يأولونه بأهوائهم تهرباً من القول بمقتضاه و يظهر ذلك جلياً في :

أولاً : رفض فهم السلف الصالح لكثير من الأحاديث النبوية :

يقول حسين جوزو بعد الإشارة إلى فهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لبعض نصوص الشريعة و تطبيقهم لها : (( إن أفعال رسول الله r و صحابته كان ينظر إليها على أنها ملزمة للأجيال اللاحقة ، و لكن هل يمكن أن يظل الأمر كذلك إلى الأبد ؟ ألم يكن من بينها ما هو خاص بعصرهم ، و مناسب لظروفهم
فقط ؟ )) [121].

        و يقول في موضعٍ آخر : (( كان رسول الله r يطبق قواعد الإسلام و أحكامه في بيئة معيَّنة ، و فترة زمنيَّة محددة ، و لا شك في أنَّ ذلك التطبيق كان ملائماً لتلك البيئة و مستواها الحضاري … و يجب علينا الإقرار بأنَّ تنزيل أحكام الإسلام على الواقع أمرٌ اجتهادي … و كيفيَّة تطبيقها تتغيَّر بحسب ظروف العصر ، و تطور المجتمع )) [122] .

        و انطلاقاً من هذا الفهم لا يستطيع الأستاذ حسين جوزو أن ينظر إلى السنة إلا بعتبارها نموذجاً لتطبيق الإسلام ، لا يلزم الأجيال اللاحقة التقيُّد به ، و أنَّ ما كان عليه النبي r و صحابته الكرام رضوان الله عليهم من بعده ليس حلاً نهائياً لا يمكن تغييره أو تطويره ، و لكنَّه مجرَّد رأيٍ يمكننا أن نرى غيره مما يتناسب مع العصر الذي نعيشه ، و الحضارة التي نتعامل معها ، و ننتسب إليها [123] .

        و المثال الذي غالباً ما يضربه دعاة التجديد لتغير الأحكام بتغيُّر الظروف و الأزمان هو قضيَّة تعدُّد الزوجات ، الأمر الذي يسعون جاهدين لتحريمه ، و القضاء عليه ، بدعوى عدم صلاحيَّته لهذا الزمان ، و في هذا يقول الشيخ محمد عبده :

(( لا سبيل إلى تربية الأمة مع فشو تعدد الزوجات فيها ، حتى يعيد العلماء النظر في هذه المسألة ، خصوصاً الحنفية منهم الذين بيدهم الأمر ، و على رأيهم الحكم ، فهم لا ينكرون أن الدين أنزل المصلحة الناس و خيرهم و أن من أصوله رفع الضرر و الضرار ، فإذا ترتبت على شيء مفسدة في زمن لم تكن تلحقه فيما قبله ، فلا شك في وجوب تغيير الحكم ، و تطبيقه على الحال الحاضرة )) [124] .

        و مقتضى كلامه هو أنَّ مسألةً – كمسألة تعدد الزوجات – لا يمكن تطبيقها في زمانٍ كزماننا ، و لا تناسب ظروفنا و مستوى ثقافتنا ، و إن كانت صالحة للتطبيق في العصور الغابرة ، و مقبولةً بحسب فهم الأجيال السابقة .

        و ما هذه النظرة المتنكرة لفهم السلف لنصوص الشرع ، و تطبيقهم لها ، بل و لعمل النبيِّ r نفسه ، إلاَّ نتيجة لرأي العقلانيين القائل : إنَّ الالتزام بالسنة و العمل بالحديث على منهج السابقين يعني أننا (( حفرنا للحديث قبره ، و وأدناه فيه )) [125] .

        و ينتهي الأستاذ حسين جوزو إلى أنَّ على المسلمين في مرحلة التجديد و النهضة الإسلاميَّة على طريق العودة إلى الإسلام أن لا نقف عند أفعال النبي r كأفعالٍ ، بل أن ننظر إلى كيفية فعله لها ، و كيفيَّة تطبيقه للقرآن الكريم ، و تعامله مع القضايا الواقعة و الأمور المستجدَّة في عصره ، علماً بأننا لن نجد في شيءٍ من ذلك حلولاً لكثيرٍ من قضايانا المعاصرة ، لأنه كان يحلُّ قضايا عصره و بيئته ، و علينا نحن أن نجد الحلول المناسبة لقضايا عصرنا و مجتمعاتنا [126] .

ثانياً : عدم الدقة في رواية الحديث و فهم معناه الموجب للتسليم و العمل بمقتضاه :

و من ذلك إشارة الشيخ حسين جوزو إلى حديث (( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها )) [127] بقوله : (( لقد أخبر النبي r أنه سيأتي كل مائة عام من يجدد هذا الدين بفهم جديد ، و تطبيق جديد و مناسب )) [128].

        و فضلاً عن عدم ضبط الأستاذ حسين جوزو لمتن الحديث ، يبالغ في الانتصار لمذهبه ، بإدراج ما يخدم توجهه فيه ، بزيادة (( بفهمٍ جديد ، و تطبيق جديد
مناسب )) ، و هو بذلك ينفرد بفهم جديد لمعنى التجديد الوارد في الحديث ، و الذي فسَّره به الشرَّاح السابقون بإحياء ما اندرس من العمل بالكتاب و السنَّة و الأمر بمقتضاهما ، فالمجدد هو الذي يبين السنة من البدعة ، و في عصر التجديد يكثر العلم و يقوى أهله ، و تقمع البدع و يكسر أهلها [129] .

        و استدلاله على أنَّ الإسلام قد ساوى بين الرجل و المرأة ، و أنَّ المساواة بينهما لا تكون إلا بتأهيل المرأة و تسليحها بالعلم ، بقول النبيِّ r : (( طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم و مسلمة )) ، و معلوم أنَّ لفظ ( و مسلمة ) مدرجٌ في الحديث ، و ليس منه [130] ، و لو اقتصر من يروون الحديث بهذه الزيادة على ما روي مسنداً حسنا ، لكانوا أبعد عن الشبهة ، و أبلغ في التعبير عن المراد ، حيث قرر أهل العلم أنَّ الخطاب عامٌ يشمل الرجال و النساء ، و إنمَّا يرد بصيغة التذكير للتغليب لا للتخصيص .

ثالثاً : التقليل من شأن السنة النبوية :

        و ذلك باعتبار أنَّ الحديث النبوي عبارةٌ عن اجتهاداتٍ بشرية من قبل النبي r ، و ليس وحياً غير متلوٍ كما يقول كثيرٌ من العلماء .

فهاهو الأستاذ حسين جوزو يتساءل : هل كانت سنة النبي r من اجتهاده البشري ؟ أم أنَّها وحيٌ ربَّاني ؟

ثم يجيب على تساؤله هذا بالقول : (( إنَّ إدعاء أن السنَّة نوعٌ من الوحي زعمٌ لا دليل عليه ، حتى في قوله تعالى : ] و ما ينطق عن الهوى $ إن هو إلاَّ وحيٌ يوحى [ [ النجم : 2 ، 4 ] ، فالذي ينطق به النبي r هو القرآن الكريم الموحى إليه و لا ريب أن المقصود في الآية هو القرآن الذي كان يتلوه النبي r ، و بيِّنه للناس الذين اتبعوه بافترائه من عند نفسه … و الرسول r لم يرفع الحديث إلى منزلة الوحي ، بل كان يرى أنَّ القرآن من الله ، و أنَّ الحديث من البشر ، و لو لم يكن الأمر كذلك لأمر بتدوين السنَّة كما أمر بكتابة القرآن الكريم )) [131] .

موقف دعاة السنة في البوسنة من المدرسة العقلية الحديثة :

لقد أخرج الله تعالى من أبناء البوسنة أنفسهم من ينقض دعاوى الشيخ حسين جوزو و أترابه ، و يبين فسادها في ضوء القرآن الكريم الذي يزعم العقلانيُّون أن لا وحي غيره .

و من هؤلاء الأفاضل الأستاذ مصطفى كاراليتش الذي تولى إحقاق الحق في هذه المسألة في بحث نُشر في العدد الثاني و الأربعين من مجلَّة ( الفكر الإسلامي ) ، الصادر في شهر  ( 6 ) سنة 1982م ، و ضمَّنه مسألتين هامتين على صلة بمسألة حجية السنة التي تناولها المؤلف في الجزء السابق و هما :

مسألة كون السنة وحياً غير متلو ، و ذكر الخلاف في ذلك مرجحاً كونها وحياً من عند الله تعالى القائل : ] و ما ينطق عن الهوى $ إن هو إلا وحيٌ
يوحى [ [ النجم : 2 ، 4 ] و راداً على من زعم أنَّها مجرَّد اجتهادات بشرية لا يؤخذ بها في الأحكام الشرعيَّة .

أما المسألة الثانية ففيها زيادة تفصيل و بيانٍ لسابقتها ، حيث سار المؤلف على منهج الإمام ابن قتيبة في كتاب ( تأويل مختلف الحديث ) فقسَّم السنة إلى ثلاثة
أقسام [132] .

و لا أعرف أحداً من البوسنويين كتب في مثل هذه المسائل ، راداً أقوال العقلانيين و مثبتاً أقوال العلماء الراسخين ، رغم خطورة ذلك تحت الحكم الشيوعي سوى الأستاذ مصطفى كاراليتش جزاه الله خيراً .

أما بعد انقضاء الحرب الأخيرة ، فقد كثر الدعاة إلى الكتاب و السنة ، و أجرى الله على أيديهم الخير الكثير ، فكانوا شوكة في حلوق العقلانيين ، يغصون بها كلما ارتفعت عقيرتهم بدعوى فاسدة ، أو رأي غير سديد .

 

[1]    انظر :  نياز شكريتش : انتشار الإسلام في البوسنة و الهرسك : 181 .

[2]    المرجع السابق ص : 158، 159 .

و : الدكتور محمد الأرناؤوط : الإسلام في يوغسلافيا من بلغراد إلى سراييفو ، ص : 165 .

و : نويل مالكوم : البوسنة ، ص : 143 .

[3]    مسلمو كوسوفو ألبانيون قلباً ، يوغسلافيون قالباً : زيارة ميدانية ( دراسة منشورة في مجلة العربي الكويتية ، العدد 277 ، ديسمبر 1981م ) ، ص: 82 .

[4]    انظر : الدكتور محمد الأرناؤوط : الإسلام في يوغسلافيا ، ص: 175 نقلاً عن أوليا شلبي .

[5]    انظر :  نياز شكريتش : انتشار الإسلام في البوسنة و الهرسك : 160 .

3    جلال الدين الرومي : هو محمد بن محمد بن محمد بن حسين بن أحمد الهاشمي المولوي ، كان عالما عارفا بالفقه على مذهب أبي حنيفة ، و عالما بالخلاف ، ثم تجرد ، و هام و ترك الدنيا و التصنيف و الاشتغال بالعلم.

انظر ترجمته في : الجواهر المضية في طبقات الحنفية 1 / 123 – 125 .

 

 

1    الشيخ أحمد الرفاعي ، هو : أحمد بن أبي الحسن علي بن أحمد أبو العباس , المغربي البطائحي , العابد الزاهد , شيخ العارفين , قدم أبوه من المغرب , و سكن البطائح , بقرية أم عبيدة , وقد مدحه الإمام الذهبي ، ثم قال :   ( و لكن أصحابه فيهم الجيد و الرديء , وقد كثر الزغل فيهم , و تجددت لهم أحوال شيطانية , منذ أخذت التتار العراق من دخول النيران , و ركوب السباع , و اللعب بالحيات , وهذا لا عرفه الشيخ , و لا صلحاء أصحابه , فنعوذ بالله من الشيطان ) . توفي سنة 578 هـ / 1182 م .

انظر ترجمته في : الكامل لابن الأثير 11 / 200 , وفيات الأعيان 1 / 171 , العبر 4 / 233 , سير أعلام النبلاء 21 / 77 .

2    الشيخ محمد بهاء الدين النبقشندي ، هو : محمد بن محمد بن محمد ، خواجه ، قال صاحب " الشـقائق النعمانية " 1 / 154 – 155 : ( كان نسبته في الطريق إلى السيد أمير كلال ، و تلقن منه الذكر ! ، و تربى أيضا من روحانية الشيخ عبد الخالق الفجدواني ، سئـل النبقشندي عن طريقته : مكتسبة أو موروثة ؟ فقال :  ( شرفت بمضمون جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين ) !! . و انظر : كشف الظنون 1 / 488 .

 

 

 

1    الحاج ولي بكتاش : قال عنه صاحب " الشقائق النعمانية " 1 / 16 : ( كان من جملة أصحاب الكرامات ، و أرباب الولايات ، و قبره ببلاد تركمان ، و على قبره قبة ( !! ) و عنده زاوية ، يزار و يتبرك به ( !! ) و تستجاب عنده الدعوات ، و قد انتسب إليه بعض من الملاحدة نسبة كاذبة ، و هو بريء منهم بلا شك ) اهـ.

و ذكر بعض الباحثين ، و هو الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في كتابه " الفكر الصوفي في ضوء الكتاب و السنة " ص 409 : أن هذه الطريقة تنسب إلى خنكار الحاج محمد بكتاش الخرساني النيسابوري المولود ، سنة 646 هـ / 1248 م ، ثم ذكر سفره لنشر طريقته ، حيث سافر إلى النجف بالعراق ، ثم حج البيت و زار ، و سافر بعد ذلك إلى تركيا ، و هناك نشر طريقته .

[10]  انظر :  نياز شكريتش : انتشار الإسلام في البوسنة و الهرسك ، ص : 167 .

 

 

[11]   ذكر أوليا شلبي في رحلته السياحية المسماة ( سياحت نامة ) ، ص : 397 : أن في البوسنة زاوية واحدة لأتباع الطريقة البكتاشية في مدينة تشايينتش ، و هو ما يدل على أن انتشار الطريقة كان محدوداً في البوسنة و الهرسك , و انظر : نياز شكريتش : انتشار الإسلام في البوسنة و الهرسك ص : 217 و زيادة 341 .

[12]  انظر : الطرق الصوفية في يوغسلافيا ، ص : 157 و ما بعدها .

[13]   نويل مالكوم : البوسنة ، ص : 98 .

[14]   كان حمزة منسباً إلى الطريقة البيرامية ، قبل تأسيس فرقته ، و كان خليفة الشيخ حسام الدين الأنقوري خمسة أعوام ، و قد قتل شيخه تحت القلعة بإسطنبول سنة 964هـ / 1557 م ، بعد أن ظهرت منه أمور غير ملائمة للشرع الشريف ، كما قضى بذلك صاري خواجة محمد أفندي ، قاضي أدرنة .

انظر : ترجمته في : الجوهر الأسنى ، للشيخ الخانجي ، ، ص : 85 برقم ( 71 ).

و : الدكتور عمر ناكيجيفيتش : حسن كافي الآقحصاري رائد العلوم الإسلامية و العربية في  البوسنة و الهرسك ، ص : 85 .

[15]  انظر :  الدكتور محمد الأرناؤوط : الإسلام في يوغسلافيا ، ص : 165 .

[16]   انظر :  نويل مالكوم : البوسنة ، ص : 144 .

[17]  انظر :  نياز شكريتش : انتشار الإسلام في البوسنة و الهرسك ص : 143 .

[18]  انظر :  الدكتور محمد الأرناؤوط : الإسلام في يوغسلافيا ، ص: 165 ، و : الأدب البوسنوي باللغات الشرقية ، ص : 202 .

[19]  انظر :  الطرق الصوفية في يوغسلافيا ، ص : 197 .

[20]   بالي أفندي يوسف ، قاضي البوسنة الشهير ، ولد في سراييفو و أخذ العلم عن علمائها ، ثم صار معلماً للأولاد ، حتى أدخله الوزير الأعظم محمد باشا صوقولوفيتش في جملة المدرسين ، و تقلب في عدة وظائف آخرها القضاء .

 انظر ترجمته في :  الجوهر الأسنى ، للشيخ محمّد الخانجي ، ص : برقم 39 ، ص: 50 .

[21]  انظر :  الجوهر الأسنى ، للشيخ محمّد الخانجي ،  ص : 51 .

[22]   يقول الدكتور نياز شكريتش : كان الصوفية يقومون بأداء عباداتهم و أذكارهم في البداية في أحد أركان الجامع ، و يطلقون على هذا المكان اسم الزاوية ، و مع مرور الأيام انفصلت الزوايا عن المساجد تماماً ، و بالصورة المنفصلة عرفت التكايا في البوسنة ، و هي مبان خاصة تسمى الواحدة منها ( تكية ) أو ( رباط ) .  انظر :  نياز شكريتش : انتشار الإسلام في البوسنة و الهرسك : 181، 182 .

[23]  انظر :  نويل مالكوم : البوسنة ، ص : 143 .

[24]  انظر :  سياحت نامة ، لأويليا شلبي ، ص : 110 .

[25]  انظر : نويل مالكوم : البوسنة ، ص : 142 .

[26]  انظر : نياز شكريتش : انتشار الإسلام في البوسنة و الهرسك : 290- 296 .

[27]   انظر : مقدمة الدكتور زهدي عادلوفيتش ، لكتاب نور اليقين ، ص : 56 .

[28]   حسين جوزو : الإسلام و العصر ، ص : 135 .

[29]   الإسلام بين الشرق و الغرب ص: 287، 288 .

[30]   المرجع السابق ، ص: 35 .

[31]   المرجع السابق ، ص :  279 .

[32]   الإسلام بين الشرق و الغرب ص : 287 .

[33]   حسين جوزو : الإسلام و العصر ، ص : 153 .

[34]   نياز شكريتش : انتشار الإسلام في البوسنة و الهرسك ، ص : 216 .

[35]   المرجع السابق ، ص : 191.

[36]   حسين جوزو : الإسلام و العصر ، ص : 150 .

[37]   نياز شكريتش : انتشار الإسلام في البوسنة و الهرسك ص : 190 ، 191 .

[38]   انظر :  وقفيَّة إبراهيم باشا ، المحفوظة بمكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو  ضمن سجلِّ الوقفيَّات رقم (1) ص : 66 .

[39]   انظر : وقفية خُدا وردي بن علي ( المحفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم 110 )  .

[40]   انظر : وقفية الحاج مصطفى آغا كزلر آغا ( المحفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم
263 ) .

[41]  انظر : مجلَّة الصف ، العددان ( 8 و 19 ) .

[42]   من الاقتراحات التي تقدَّم بها بعض المعاصرين بهذا الخصوص ؛ اقتراح الشيخ نصرت أفندي ، الذي أيده عدد من الدعاة الشباب أمثال زهدي عادلوفيتش ، و شفيق كرديتش ، بإجراء تغيير داخلي في هذه الظاهرة بجعلها ذات صبغة عسكريَّة جهاديَّة تستغل في تجنيد الشبَّان و تدريبهم على حمل السلاح ، و إعدادهم للجهاد في سبيل الله ، بدلاً من إلغائها بالكلِّيَّة ، لأنَّ ذلك قد يثير فتنةً ، و فرقة بين مسلمي البوشناق .( الباحث ) .

[43]   انظر : السنة و البدعة ، للحضرمي ، ص : 104 .

[44]   انظر : مجموع الفتاوى : 20 / 163  .

[45]   البدعة و المصالح المرسلة ، لتوفيق الواعي ، ص : 210 .

[46]   أخرجه الطبراني في " الكبير " 10 / 319 ، و ابن وضاح في " البدع " ص 25 – 26 ، و ابن بطة في  
" الإبانة " 1 / 176 ( 10 ) ، و اللالكائي في " شرح أصول الاعتقاد " ( 124 و 125 ) من طرق عن عبد المؤمن بن عبيد الله ، عن مهدي بن أبي مهدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس t به . و في بعض ألفاظه :  
( ما من عام إلا و تظهر فيه بدعة ، و تموت فيه سنة ، حتى تظهر البدع و تموت السنن ) .

قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1 / 188 : ( رواه الطبراني في الكبير ، و رجاله موثقون ) .

قلت : رجاله كلهم ثقات ، سوى مهدي بن أبي مهدي ، و هو : ابن حرب الهجري ، روى عنه اثنان ، و قال ابن معين : ( لا أعرفه ) . و ذكره ابن حبان في " الثقات " ، و صحح ابن خزيمة حديثه . كما في " تهذيب التهذيب "10 / 324 .

و قال فيه ابن حجر في " التقريب " ( 6928 ) : ( مقبول ) .

[47]   أخرجه الدرامي ( 208 ) في المقدمة ، باب كراهية أخذ الرأي  ، و الهروي في " ذم الكلام " ( 756 ) ،  من طريق أبي إسحاق الفزاري ، عن ليث ، عن أيوب ، عن ابن سيرين به .

و أورده السيوطي في " الأمر بالاتباع " ص  17 ، و أبو شامة في " الباعث " ص 16 .

قلت : و رجاله ثقات سوى ليث ، و هو ابن أبي سليم " ضعيف " كما سبق .

4    غضيف بن الحارث t ، هو : السكوني الكندي ، و يقال الثمالي ، أبو أسماء الخمصي ، مختلف في صحبته ؛ و الراجح ثبوتها ، و إنما و قع الخلاف بسبب جمع بعضهم بينه و بين غطيف بن الحارث .

انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 7 / 429 ، تاريخ أبي زرعة الدمشقي 388 ، 603 ، 604 ، معجم الطبراني الكبير 18 / 264 ، تهذيب الكمال 23 / 112 ، سير أعلام النبلاء 3 / 453 .

1   عبد الملك بن مروان ، هو : ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، الخليفة الفقيه ، أبو الوليد الأموي ، تملك بعد أبيه الشام و مصر ، ثم حارب ابن الزبير الخليفة ، و قتل أخاه مصعباً في و قعة مسكن ، و استولى على العراق و جهز الحجاج لحرب ابن الزبير ، فقتل ابن الزبير سنة 72 هـ / 691 م ، و استوثقت الممالك له . توفي سنة 86 هـ / 705 م .

انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 5 / 223 ، تاريخ بغداد 10 / 388 ، سير أعلام النبلاء 4 / 246 ، ميزان الاعتدال 2 / 664 ، البداية و النهاية 8 / 260 و 9 / 61 .

[50]   إسناده ضعيف :

أخرجه أحمد في " المسند " 4/105  ، و البزار في " مسنده " ( 1 / 82 – كشف ) ، و الطبراني في " الكبير " 18 / 99 ( 178 ) ، و ابن قانع في " معجم الصحابة " 2 / 316 ( 855 ) ، و ابن بطة في " الإبانة الكبرى " 1 / 176 ( 10 ) ، و اللالكائي في " شرح أصول الاعتقاد " 1 / 90 ( 121 ) من طرق عن أبي بكر بن أبي مريم الغساني ، عن حبيب بن عبيد ، عن غضيف بن الحارث به .

 و صحف اسم ( غضيف ) في المعجم الكبير للطبراني ، و قد نبه على ذلك ابن حجر في " الإصابة "
5 / 276.

قال ابن حجر في " الفتح " 13/ 253 : ( و قد أخرج أحمد بسند جيد ، عن غضيف ..)  فذكره .

قلت : و فيه نظر ؛ لما سيأتي .

و نقل المناوي في " فيض القدير " 5 / 412 ، 471 عن المنذري ، قال : ( سنده ضعيف ) .

و قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1 / 188 : ( رواه أحمد و البزار ، و فيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم و هو منكر الحديث ) .

قلت : و مدار الحديث عليه ، و قال ابن حجر في " التقريب " ( 7974 ) : ( ضعيف ، و كان قد سرق بيته فاختلط ) .

1   حسان بن عطية ، هو : الإمام الحجة أبو بكر المحاربي مولاهم ، الدمشقي ، أحد العباد ، تابعي روى عن أبي أمامة الباهلي ، و ثقه أحمد ، و ابن معين .

انظر ترجمته في : الجرح و التعديل 3 / 236 ، حلية الأولياء 6 / 70 ، سير أعلام النبلاء 5 / 466 ، تهذيب التهذيب 2 / 251 .

2   أثر حسان صحيح :

أخرجه الدارمي ( 99 ) في مقدمة " سننه "، و ابن وضاح في " البدع " ص 44 ، و ابن بطة في " الإبانة الكبرى " ( 228 ) ، و أبو نعيم في " الحلية " 6 / 73 ، و اللالكائي في " شرح أصول الاعتقاد " ( 129 ) ، و الهروي في " ذم الكلام " ( 913 ) من طرق عن الأوزاعي ، عنه .

3    مجموع الفتاوى 22 / 67 .

[54]   صحيح :

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 2 / 41 عن و كيع ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس t به .

قلت : و إسناده صحيح ، رجاله ثقات أعلام ، رجال الشيخين .    =

=   و تابع شعبة : معمر عند عبد الرزاق في " المصنف " 3 / 136 ( 5064 ) ، و له طرق أخرى عند عبد الرزاق و ابن أبي شيبة .

و قال ابن حجر في " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " 1 / 224 : ( أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح ) .

و قال البيهقي : ( الآثار عن عمر بذلك صحيحة ) .

و قال ابن المنذر : ( ثبت أن عمر قال لأمة رآها مقنعة : اكشفي رأسك ، و لا تشبهي بالحرائر ، و ضربها بالدرة ) . انظر : إرواء الغليل للألباني 6 / 203 .

[55]   إسناده جيد :

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 2 / 227 من طريق حماد بن سلمة ، حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن جده أنس t به .

و قال البيهقي : ( الآثار عن عمر بذلك صحيحة ) .

2    الطرطوشي ، هو : محمد بن الوليد بن خلف ، أبو بكر الأندلسي ، الفقيه المحدث ، عالم الإسكندرية ، و طرطوشة : هي آخر مدن المسلمين من شمالي الأندلس ، الإمام الزاهد ، القدوة الفقيه ، شيخ المالكية ، دين ورع ، صاحب رحلة ، توفي بالإسكندرية سنة 520 هـ / 1126 م .

انظر ترجمته في : الصلة لابن بشكوال 2 / 575 ، بغية الملتمس ص 135 – 139 ، معجم البلدان 4 / 30 ، وفيات الأعيان 4 / 262 – 265 ، سير أعلام النبلاء 19 / 490 ، حسن المحاضرة 1 / 452 .

[57]   الحوادث و البدع ، للطرطوشي ، ص: 114 .

[58]   نور اليقين في أصول الدين ، ص : 183 .

[59]   المرجع السابق ، ص : 183 ، 184 .

[60]   المرجع السابق ، ص : 264 – 265 .

[61]   نور اليقين في أصول الدين ، ص : 266 .

[62]   نور اليقين في أصول الدين ، ص : 153 .

[63]   المرجع السابق ، ص : 100 و 268 .

[64] المرجع السابق ، ص : 106 .

[65]   المرجع السابق ، ص : 206 ، 207 .

[66]   المرجع السابق ، ص : 207 .

[67]   المرجع السابق ، ص : 207 .

[68] حديث صحيح : تقدم تخريجه .

[69]   نور اليقين ، ص : 100 ، 101 .

[70]   المرجع السابق ، ص : 252 .

[71]   المرجع السابق ، ص : 253 .

[72]   المرجع السابق ، ص : 265 .

[73]   المرجع السابق ، ص : 264 – 265 .

[74]   المرجع السابق ، ص : 207 .

1    بولص ، هو : قس يهودي اسمه الأصلي شاؤول ، ولد في طرسوس ، و نشأ في أورشليم ، كان في أول حياته من أشد أعداء المسيحية ، يكيد لها ، ثم تظاهر بالمسيحية و ادعى الانتساب إليها بقصد التحريف فيها ، فاستطاع أن يصل إلى رتبة كبيرة عندهم ، حتى صار من الرسل الملهمين الذين ينطقون بالوحي ، فأدخل المعتقدات الباطلة في المسيحية ؛ كالتثليث ، و ألوهية المسيح ، و غير ذلك من الخرافات و التحريفات .

انظر : منهاج السنة النبوية لابن تيمية 1 / 29 ، 6 / 428 ، محاضرات في النصرانية ص 81 ، المسيحية لأحمد شلبي ص 90 .

2    عبد الله بن سبأ ، هو : الضال المضل ، رأس الطائفة السبئية ، من غلاة الزنادقة ، أصله من اليمن ، كان يهوديا فأظهر الإسلام ، وطاف ببلاد المسلمين ليفتنهم عن طاعة الأئمة ، دخل دمشق أيام عثمان بن عفان t ، فأخرجوه ، فانصرف إلى مصر ، و جهر ببدعته ، و هو الذي قال بتأليه علي t ، و برجعة النبي r  ، و بأن القرآن جزء من سبعة أجزاء ،  مات سنة 40 هـ / 660 م .

انظر ترجمته في : البدء و التاريخ 5 / 129 ، تهذيب تاريخ دمشق لابن بدران 7 / 341 ، ميزان الاعتدال
2 / 426 ، لسان الميزان 4 / 292 – 293 .

[77]   نور اليقين في أصول الدين ، ص : 251 .

[78]  انظر : الدكتور عمر ناكيجيفيتش : حسن كافي الأقحصاري رائد العلوم العربية و الإسلامية , ص 179 نقلاً عن نسخة خطية لكتاب : روضات الجنات .

1    تقدم لفظ هذا الأثر و تخريجه .

[80]   مجموعة مقالات الرئيس علي عزَّت بيك ، ص : 22  .

3    هو صاحب كتاب " حاضر العالم الإسلامي " ، و لم أعثر على هذا الكلام فيه .

[82]   المرجع السابق ، ص : 23 .

1    صحيح ثابت عن مالك :

نقله عنه القاضي عياض في " الشفا " 2 / 87 – 88 ، و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " 1 / 353 : الثابت المنقول عنه – يعني مالك – بأسانيد الثقات في كتب أصحابه كما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي ، و غيره – فذكره .

و انظر أيضا : مجموع الفتاوى 27 / 118 ، و الفتاوى الكبرى 4 / 362 ، و اقتضاء الصراط المستقيم 2 / 285 .

[84]   حركة إصلاح التشريع الإسلامي , ص : 216 .

[85]   انظر : نصرت عيسانوفيتش : تحديات الفكر الإسلامي الحديث ( مقال نشرته مجلة البلاغ ، في عددها الثالث سنة 1411 هـ / 1990م ) ص: 13 و ما بعدها .

1    انظر مثلاً ما قيل حول الشيخ محمد جمال الدين الأفغاني ، و انتسابه إلى محفل ( كوكب الشرق ) الماسوني الانجليزي في مصر  في مؤلَّفات من كشف حقيقته ، مثل :

حقيقة جمال الدين الأفغاني ، و هو كتاب باللغة الفارسية لابن أخت الأفغاني ميرزا لطف الله خان الأسد آبادي ، و قد ترجمه إلى اللغة العربية الدكتور عبدالمنعم حسين الأستاذ بقسم اللغات الشرقية و آدابها بكلية الآداب في جامعة عين شمس .

و : الماسونية و الماسونيون في الوطن العربي ، تأليف حسين عمر حمادة ، ص: 221 و ما بعدها .

و : صوت الماسونية ، تأليف زكي إبراهيم ، ص : 162 و ما بعدها .

[87]   حديث صحيح : تقدم تخريجه .

[88]   حديث صحيح : تقدم تخريجه .

[89]   انظر :  دلائل النبوَّة ، للإمام البيهقي : 6/549 .

[90]   إسناده صحيح :

أخرجه النسائي في " السنن الكبرى " 4 / 275 ( 7161 ) في الرجم ، باب : تثبيت الرجم ، و في 6 / 333 ( 11139 ) في التفسير ، سورة المائدة آية ( 15 ) ، و الطبري في " تفسيره " ( 11609 و
11610 ) ، و ابن حبان في " صحيحه " ( 4430 ) ، و الحاكم في " المستدرك " 4 / 359 من طرق عن الحسين بن واقد ، حدثني يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس t به .

قلت : و هذا إسناد صحيح ، رجاله كلهم ثقات .

قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد ، و لم يخرجاه ) .

[91]   أيوب السختياني ، هو : أيوب بن كيسان السختياني البصري ، أحد أئمة الإسلام الكبار ، و من صغار التابعين ، مولده عام توفي ابن عباس t سنة 68 هـ / 687 م ، و لقي أنس بن مالك t ، و كان حافظاً ورعاً ، قال عنه الإمام مالك رحمه الله : ( كان أيوب من العالمين العاملين الخاشعين ) ، توفي سنة 131هـ / 749 م .

انظر ترجمته في:  طبقات ابن سعد 7 / 246 – 251 ، حلية الأولياء 3 / 2 – 14 ، تذكرة الحفاظ 1 / 130 ، سير أعلام النبلاء 6 / 15 – 26 ، تهذيب التهذيب 1/ 397 .

[92]   أثر أيوب ، إسناده صحيح :

أخرجه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " ، ص : 65 ، و الخطيب في " الكفاية " ، ص : 49 ، و الهروي في " ذم الكلام " ( 208 ) من طرق عن الأوزاعي ، عن مخلد بن الحسين ، عنه .

قلت : و هذا إسناد صحيح ، رجاله كلهم ثقات أفاضل .

[93]   الإحكام ، لابن حزم : 2 / 80 .

1   المعتزلة : فرقة كلامية ، رأسها واصل بن عطاء ، و قد سموا بالمعتزلة بعد ان اعتزل واصل مجلس الحسن البصري رحمه الله ، و قوله : ( إن صاحب الكبيرة في منـزلة بين الإيمان و الكفر ) . و من مشائخ المعتزلة القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني ( ت : 415 هـ / 1024 م ) ، و أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي ( ت : 303 هـ / 915 م ) ، و أبو الحسين محمد بن علي الطيب البصري ( ت : 436 هـ / 1044 م ) . و أصول دعوة المعتزلة خمسة يتفق بعضها في الاسم مع ما عند أهل السنة و الجماعة ، و يفترق عنه في المضمون ، و هي التوحيد ، و العدل ، و الوعد و الوعيد ، و المنزلة بيمن المنزلتين ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .

 انظر : الملل و النحل ، للشهرستاني : 1 / 48 و ما بعدها .

2    انظر : شرح الأصول الخمسة ، للقاضي عبد الجبار الهمذاني ( نشر مكتبة وهبة ، القاهرة 1384 هـ /
1965 م ) ، ص : 769 .

3    انظر : الأمين الصادق الأمين : موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية (  الطبعة  الأولى ، مكتبة الرشد ، الرياض 1418 هـ / 1998 م  ) : 1 / 129 ، 130

4    انظر : المرجع السابق ، ص : 126 .

5    انظر : المرجع السابق ، ص : 131 .

1    حديث صحيح ، متفق عليه :

أخرجه البخاري ( 3286 ) في بدء الخلق ، باب : صفة إبليس و جنوده ، و في ( 4548 ) التفسير ، سورة آل عمران ، باب : قوله تعالى ] وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [ ] آل عمران : 36 [ ، و مسلم ( 2366 ) في الفضائل ، باب : فضل عيسى عليه السلام ، و غيرهما من طرق عن أبي هريرة t ، قال : قال رسول الله r :

(( كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولادته ؛ إلا مريم و ابنها )) . و في رواية : (( ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان ، فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم و أمه )) ، ثم قال أبو هريرة t : اقرؤا إن شئتم : ] وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [ ] آل عمران : 36 [ )) .

2    حديث صحيح ثابت :

روي هذا الحديث عن عدد من أصحاب النبي r منهم عائشة أم المؤمنين ، و عبد الله بن مسعود ، و شريك بن طارق y أجمعين :

فأما حديث عائشة رضي الله عنها :

 أخرجه مسلم ( 2815 ) في صفات المنافقين و أحكامهم ، باب : تحريش الشيطان ، و بعثه سراياه لفتنة الناس ، و أن مع كل إنسان قرينا ، و لفظه :

(( أن رسول الله r خرج من عندها ليلا ، قالت : فغرت عليه ، فجاء فرأى ما أصنع ، فقال : مالك يا عائشة ؟! أغرت ؟ " فقلت : و ما لي لا يغار مثلي على مثلك ؟ فقال رسول الله r : أوقد جاءك شيطانك ؟ قالت : يا رسول الله ! أو معي شيطان ؟ قال نعم قلت : و مع كل إنسان ؟ قال : نعم قلت : و معك  يا رسول الله ؟! قال : نعم ، و لكن ربي أعانني عليه حتى أسلم )) .

و أما حديث عبد الله بن مسعود t :       =

=   أخرجه مسلم ( 2814 ) في صفات المنافقين ، باب : تحريش الشيطان و بعثه سراياه لفتنة الناس ، و أحمد في " مسنده " 1 / 385 و 397 و 401 و 460 ، و غيرهما ، و لفظه :  قال رسول الله r :

(( ما منكم من أحد إلا و قد وكل به قرينه من الجن )) ، قالوا : و إياك ، يا رسول الله ؟! قال : (( و إياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير )) .

أما حديث شريك بن طارق t :

أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 4 / 239 ، و ابن حبان في " صحيحه " ( 6416 ) ، و البزار
( 2439 ) ، و الطبراني في " الكبير " ( 7222 و 7223 ) من طريقين عن زياد بن علاقة عنه ، و لفظه : قال رسول الله r :

(( ما منكم أحد إلا و له شيطان )) ، قالوا : و لك  يا رسول الله ؟! قال : (( و لي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم  )) .

1    حديث صحيح :

أخرجه مسلم ( 162 ) ( 261 ) في الإيمان ، باب : الإسراء برسول الله r ، و أحمد 3 / 121 و 149 و 288 ، و أبو يعلى في " مسنده " ( 3374 و  3507 ) ، و ابن حبان في " صحيحه " ( 6334 و
6336 ) ، و غيرهم ، من حديث أنس بن مالك t ، قال :

(( إن رسول الله r أتاه جبريل ، و هو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه ، فشق قلبه ، فاستخرج منه علقة فقال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لامه ، ثم أعاده في مكانه ، و جاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني : ظئره – فقالوا : إن محمدا قد قتل ، فاستقبلوه منتقع اللون .

قال أنس t : قد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره r )) .

[102] تفسير المنار ، لمحمد رشيد رضا 3 / 392 .

[103] الفتاوى المعاصرة ، لحسين جوزو ، ص : 48 .

[104] حسين جوزو : الإسلام و العصر ، ص : 160 .

[105] المرجع السابق ، ص : 185 .

[106] المرجع السابق : 153 .

[107] انظر : الفتاوى المعاصرة لحسين جوزو ، ص : 48 .

[108] أحاديث نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان كثيرة و صحيحة ، منها ما هو في الصحيحين أو أحدهما ، و قد عدَّها بعض العلماء من قبيل المتواتر كما فعل الشيخ محمد أنور شاه الكشميري ، الذي جمعها في جزءٍ ، عنوانه ( التصريح بما تواتر في نزول المسيح ) .

[109]  محمود شلتوت : تخرَّج في الأزهر ، و درَّس في القسم العالي بالقاهرة ، ثمَّ عين وكيلاً لكلِّية الشريعة . له عضويَّة في هيئة كبار العلماء بمصر ، و مجمع اللغة العربيَّة بالقاهرة ، تولى مشيخة الأزهر حتى وفاته سنة 1383هـ/ 1963 م . من آثاره : الإسلام عقيدة و شريعة ، و الفتاوى ، و توجيهات الإسلام .

      انظر ترجمته في:  المستدرك على معجم المؤلفين ، لكحالة : ص 774 ، الأعلام للزركلي 7 / 173 .

[110] الشيخ المراغي ، هو : محمد بن مصطفى بن عبد المنعم المراغي ، مفسرٌ و فقيه ، حنفي المذهب ، يأخذ من المذاهب الأخرى ما يناسب العصر و المصلحة ، و لد بالمراغة من صعيد مصر ، و نشأ بها ، ثمَّ انتقل إلى القاهرة و تتلمذ فيها على الشيخ محمد عبده ، اشتغل بالقضاء ، و تولى مشيخة الأزهر حتى و فاته سنة 1364هـ / 1945 م  . من آثاره : بحوثٌ في التشريع الإسلامي ، و تفسير سورة الحجرات .

انظر ترجمته في:  الأعلام للزركلي 7 / 324 ، معجم المؤلفين ، لكحالة :  12 / 34  .

[111] انظر : الفتاوى المعاصرة ، لحسين جوزو ، ص : 48-52 .

[112] انظر : النص العربي للبيان الإسلامي ، تعريب : جميل روفائيل ( جريدة الحياة ، لندن ، عدد 10812 الأربعاء : 19/3/1412هـ/16/9/1992م )  .

[113] الشيخ عمر ناكيجفيتش : شيخ جليل ، و مربٍ فاضل ، و قد شرُفتُ بالتدريس في كلية الدراسات الإسلامية بسراييفو بعد أن أجازني لذلك ، و هو ممَّن أوذي في الله فاعتقل و عُذب فصبر سنين عددا ، غير أن إقراري بفضله و جلالة قدره ، لا يبرر التغاضي عمَّا أراه من زلـله و هفواته ، التي أسأله تعالى أن يغفرها له ، و أن يعذره باجتهاده فيها ، لأننا نحب الرجال ، و لكنا نحب الحق أكثر من الرجال . ( الباحث ) .

[114] انظر :  الدكتور عمر ناكيجيفيتش : الشيخ حسن كافي الآقحصاري ، ص :  181 .

[115] انظر :  المرجع السابق ، ص :  184 .

3    الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد : الردود ، ص: 157، 158 .

4    انظر : الصواعق المرسلة ، لابن القيم : 1/  217 .

5   انظر : الدكتور بكر أبو زيد : الردود ، ص : 159 .

[119] الإسلام و العصر ، ص : 161 .

[120] المرجع السابق ، ص : 513 .

[121] المرجع السابق ، ص : 14 .

[122] المرجع السابق : 29 .

[123] انظر : المرجع السابق : 49 و ما بعدها .

[124] تفسير المنار : 4 / 349 – 350 .

[125] حسين جوزو : الإسلام و العصر : 31 .

[126] المرجع السابق ، ص : 50 و ما بعدها .

[127] صحيح : تقدم تخريجه .

[128] الإسلام و العصر ، ص : 14 .

[129] انظر :  عون المعبود : 11/ 386 .

[130] انظر :  حسين جوزو : الإسلام و العصر ، ص :  476  .

قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 277 : ( قد ألحق بعض المصنفين بآخر هذا الحديث " و مسلمة " وليس لها ذكر في شيء من طرقه ، و إن كان معناها صحيحا ) .

قلت : و الحديث بدون هذه الزيادة روي عن عدد من الصحابة ، من طرق كثيرة لا يخلو إسناد منها من ضعف ، فقد نقل المناوي في " فيض القدير " 4 / 267 عن السيوطي قوله : ( جمعت له خمسين طريقا ) .

قلت : و بانضمام هذه الطرق بعضها إلى بعض يرتقي الحديث إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى ، و قد حسنه بعض الأئمة ، و صححه غيرهم ، أذكر عنهم طرفا من ذلك :

قال الذهبي في " تلخيص العلل المتناهية " ( 26 ) : ( روي عن علي و ابن مسعود و ابن عمر و ابن عباس و جابر و أنس و أبي سعيد •y ، و بعض طرقه أولى من بعض ، و بعضها صالح ، و الله أعلم ) .

و قال المزي فيما نقله عنه الزركشي و وافقه في " اللآلئ المنثورة " ص 43 : ( روي من طرق تبلغ رتبة الحسن ) .

و قال العراقي فيما نقله السخاوي في " المقاصد " ص 276 : ( قد صحح بعض الأئمة بعض طرقه ، كما بينته في تخريج الإحياء ) .

و حسنه السيوطي في " الدرر المنتثرة " ص 130 . بل نقل عنه المناوي في " الفيض " 4 / 267 قوله : ( و حكمت بصحته لغيره ، و لم أصحح حديثا لم أسبق إلى تصحيحه سواه ) .

قلت : و في ذلك نظر ، لما نقلناه عن العراقي قبل .

و نقل ابن عراق في " تنزيه الشريعة " 1/258 عن الحافظ العراقي الشافعي قوله :(حديث حسن غريب). =

=   و قال الزرقاني في " مختصر المقاصد " ( 614 ) : ( حسن ، و قيل : صحيح ) .

[131] حسين جوزو : الإسلام و العصر : 266 و ما بعدها .

1    قال ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " ص 132 – 134 : ( السنن عندنا ثلاث : سنة أتاه بها جبريل عليه السلام عن الله تعالى ، كقوله : لا تنكح المرأة على عمتها ... و السنة الثانية : سنة أباح الله له أن يسنها و أمره باستعمال رأيه فيها ، فله أن يترخص فيها لمن شاء على حسب العلة و العذر ، كتحريمه الحرير على الرجال ، و إذنه لعبد الرحمن بن عوف فيه لعلة كانت به ... و السنة الثالثة : ما سنه لنا تأديباً ، فإن نحن فعلناه كانت الفضيلة في ذلك ، و إن نحن تركناه فلا جناح علينا إن شاء الله ، كأمره في العمة بالتحلي ، و كنهيه عن لحوم الجلالة ، و كسب الحجام ) .

  • الاحد PM 03:11
    2021-08-15
  • 2140
Powered by: GateGold