المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408921
يتصفح الموقع حاليا : 332

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1628859071682.jpg

الصوفية والسحر

الصوفية هي السحر، والفرق بينهما هو في الادعاء وفي الغاية، فالساحر صادق يعترف أنه ساحر، ويقف عند خرق العادة، والصوفي مخدوع يظن خرق العادة الذي يحدث أمامه من الكرامات، كما أنه يتجاوزه، ويبقى مثابراً على الرياضة حتى يصل إلى الجذبة، ثم يبقى مثابراً حتى يشهد وحدة الوجود، وهذه أقوال من أئمتهم تثبت أن الصوفية هي السحر.

يقول الغزالي (حجة الإسلام):

أما السحر فهو عمل وكلام قد تداولوه بينهم في أوقات معلومة وطوالع معروفة وطلسمات مضروبة، فإذا أردت أن تولد طلمساً يصلح لما تريد، فخذ من كل ثلاثة أحرف حرفاً، فإذا اجتمعت لك في التأليف ثلاثة أحرف من تسعة فهو طلسم يصلح لما تريد، فانظر في الإسطرلاب عند ساعة التأليف، فهو يصلح لما دلت عليه الدقيقة من الساعة، ومثال: أ ب ت ث فتأخذ الجيم، والثاء أليق عوضاً عن الجيم، ج ح خ خذ الصاد، ص ط ظ خذ العين، فيصير عقرباً([1])، لتدوير الحروف، فضع صورتها على خاتم والقمر في العقرب تكف خاصيتها عنك أذى النساء، ترمي الخاتم في الماء فينفع سقياه الملسوع. وتلقي به سوءاً بين من أردت، وترش من مائه على سطح المبغض أو طريقه أو داره فإنه يستضر من سنة...

(ذكر كلمات تفرق بها بين جماعة فاسدة تخافهم) تأخذ أفراداً من شعير حزام، وتقول عليه أربع مرات: (هاطاش ماطاش هطاشنة، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة)، وترميه من حيث لا يشعرون، وتنظر ما يصنع الله...وكثير مثل هذا، وقد حصرناها وشرحناها في كتاب (عين الحياة)، وهو صغير الحجم كثير الفوائد([2])...ومما يقول: واعلم أن هذه الصناعة (صناعة الإكسير) هي صناعة ربانية لا يقدر عليها إلا الأبدال والرجال والأبطال الذين كشف الله الرين عن عيون قلوبهم، وهذه لا تصح إلا للطائع...ونحن نذكر خواصاً دالة مظهرة لبدائعها وصناعتها مذكورة في كتاب (عين الحياة)([3])...

ومما يقول:

من أراد أن لا تبصره ولا تراه العيون، فليزرع الخروع عند بدو زراعة القطن في رأس سنور أسود، فإذا طلع يخيط عليه كيساً، ويربيه حتى يجني القطن، ثم يقطف العنقود كما هو بكيسه، ويشقه حجرة، ويأخذ مرآة بيده، ثم يقطف منه حبة حبة ويضعها في فمه وينظر صورته في المرآة، فأي حبة لم يشاهد فيها نفسه عند نظر المرآة فليمسك عليها.

ولهم الأبهر الضم، وهو نبت في الأرض على صورة ابن آدم، فهذا يصلح لمن علقه على نفسه، لو مر بحجر لتبعه الحجر.

ولهم حشيشة تسمى بحشيشة الراسن، تبخر من أوراقها على اسم من تريد، فيأتيك وإن لم يرد، ولكن بشرط أن تقول هذه الكلمات على البخور، تقول: يا جامع يا جن اجمعوا وقدموا لاق لاق عاجلاً عاجلاً أشروثا أشروثا كبيبا ال صبي، ائتنا كرهاً أو طوعاً، قالتا أتينا طائعين، وليكن في يوم الأحد أو الأربعاء([4])...

ومما يقول.

المقالة الثامنة عشرة في عزائم التسخير:

تقف أول ساعة من يوم السبت مستقبل الغرب بثياب سوداء وزرق بأبخرة مذكورة مثل اللبان والحرمل وقشور الرمان والخردل البري، ثم تقول في وقت سعيد من تثليث أو تسديس مناطٍ إلى شرف، فتقول: أيها السلطان الأعظم، والملك العرمرم، مالك الفلك التابعة له النجوم، الخاسف المزلزل، زحل أنت أشرف الكواكب وسيدها وقائدها ومؤيدها، أسألك أن تعطيني وأن تمنحني ما يصلح منك لي([5])...

...فالذي يطلب من زحل، وهو كيوان، مثل المنافع الأرضية، وإظهار الكنوز وشق الأنهار والأشجار، وأما ما يخص الشمس فمثل الملك والملكة، والقمر لائق بالوزارات، والمريخ بالحروب والبأس، وعطارد للكتابة والنقش والحساب والهندسة والعلوم الدقائق والعزائم ومخاطبات الجن، كما سبق ذكره، وأما المشتري فهو للزهد والديانة وحل الطلسمات السماوية، ثم الجمعة للزهرة، قالوا: إنما أمر باجتماع الخلق عند نصف النهار في هيكل العبادات، لاجتماع خواص الأنفاس ليؤثر ذلك في حصول المطالب، لشرف نفسه الفياض منه على تابعيه من قولهم في لحظة واحدة (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)([6]).

ويقول محيي الدين بن عربي (الشيخ الأكبر):

...وإن سألك عن الحرز، فاكتب له هذه الأسماء: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. (...مجموعة [طلاسم] مخطوطة باليد...) ويضاف إليها آيات، أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم،...ويضيف: وخوفي أخوف من خوف مساء أو صباح أصباؤت آل شداي على الأعلى عظيم الأمور إن الله هو التواب الرحيم لسالمين الصالحين اركض برجلك...(...مجموعة [طلاسم] مخطوطة باليد...)...

وإن سألك عن زيادة البخور فاكتب له هذه الأسماء في قرطاس...ثم تبخره ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث ترمي المجمرة وما فيها من الفحم وغيره في مفرق طريق له أربع طرائق، أو تكتب له ذلك أربعة أيام وترمي المجمرة كل يوم في مفرق آخر([7])...

ويقول في نفس الكتاب:

...وإن سألك عن العزيمة فقل له: يحتاج إلى بيضة دجاجة حمراء، ويكتب عليها هذه العزيمة: (يا سما سلمعونة يا القب المدين مدين الاسمين، يا مالك الجن والشياطين يا حي يا قيوم احبس السارق...أهيا شراهيا أدوناي أصباؤت آل شداي الساتر) ثم تدفنها في المطبخ([8])...

...وإن سألك عن العزيمة. فاكتب له هذه العزيمة والأسماء في قرطاس، وعلقها في مهب الريح، فإنه يرجع ما سرقه بإذن الله تعالى، وهذا كتابه: (هطوس هطوس واله قادس ماس ريحان الأطبال آل شداي اسلام أم موسى أهيكلات داود وحرز عظيم فلعلعح العميلع سيرهوه عبوس عبوس كمال الما أجيبوا الله)([9])...

* الملحوظة:

من اطلع على كتب السحر يعرف أن هذا هو السحر نفسه.

وهذه رشفة أخرى من كتابات قطب آخر هو أحمد بن علي البوني، ولكن قبل إيراد بعض أقواله، قد يكون من المفيد أن نعرف مكانته عند القوم ودرجته في التصوف.

يقول يوسف النبهاني، في ترجمته للمذكور:

(أبو العباس أحمد بن علي البوني) من كبار المشايخ ذوي الأنوار والأسرار، وممن أخذ عنه المرسي، فمن كراماته أنه كان مجاب الدعوة...توفي سنة (622هـ)، قاله المناوي([10]).

أظن أن القارئ عرف أن المرسي هو أبو العباس المرسي، قطب الغوث، تلميذ أبي الحسن الشاذلي، وهذه شذرة من كتاب البوني المشهور (شمس المعارف الكبرى):

باب رياضة (قل أوحي) المشهورة:

اعلم أيها الأخ إذا أردت ذلك، صم ثلاثة أيام أولها الثلاثاء ثم الأربعاء والخميس، وهو صيامك عن غير ذي روح، وأنت تبخر بحصا لبان وجاوي ليلاً ونهاراً، وأنت تقرأ السورة الشريفة في مدة ثلاثة أيام ألف مرة في تلك المدة المذكورة...واجتهد أن يكون ختمك من قراءتها ليلة الجمعة الثلث الأوسط من الليل، فإنه يحضر لك خادمها، وهو رجل قصير طويل اليدين، فيجلس قدامك، ويقول لك: السلام عليك، فثبت جنانك، فإن عليه هيبة عظيمة...والعزيمة والدعوة هي السورة الشريفة بتمامها وكذا البخور. واعلم أيها الواصل أنها من الأسرار المختصة وأنها من كتب الأنبياء والأولياء وأسرارهم، وهي هذه، تقول: بسم الله الرحمن الرحيم ((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ)) [الجن:1]، اللهم إني أسألك يا منزل الوحي من فوق سماوات...((إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ...)) [الجن:27] ((...وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا)) [الجن:28]، اللهم إني أسألك بحق المساجد لله وبحق عبادك الصالحين...يا خدام هذه الدعوة الروحانيين...أقسمت عليكم بهذه الدعوة والأسماء والسورة بحق أرقوش، كلهوش، بططهوش، كمطهلوش، بهوش، قانوش، أقسمت عليك يا روقيائيل الملك الموكل بفلك الشمس([11])...

ونص آخر:

 (فصل): تكتب هذه الأسماء في وسادة للمتباغضين من الزوجين، وهي أسماء أم موسى، يوم الجمعة عند جلوس الإمام على المنبر، أو شرع في الأذان الأول، بالزعفران وماء الورد والطيب والقرنفل مفروكاً في ماء ورد، ثم اطو الكتاب وتصمغه بالغالية، وتجعل الكتابة في جوف الوسادة التي ينامان عليها، فإنهما يتحابان، وهذا ما تكتب: (طسوم، عيسوم، علوم، كلوم، حيوم، قيوم، ديوم،..)([12]).

- أقول: إن هذا هو السحر نفسه، والذي لا يصدق يستطيع أن يلقي نظرة على كتب السحر.

- وهذه أسانيد علوم البوني، يقول:

...(وأيضاً سندي بعلم الحروف) إلى الشيخ الإمام أبي الحسن البصري، وهو أخذ عن([13]) حبيب العجمي وهو أخذ عن الشيخ داوُد الجيلي وهو أخذ عن الشيخ معروف الكرخي، عن الشيخ سري الدين السقطي، عن شيخ الوقت والطريقة معدن السلوك والحقيقة الشيخ الجنيد البغدادي، عن الشيخ حماد الدينوري، عن الشيخ أحمد الأسود، عن الشيخ محمد الغزالي، عن الشيخ أبي النجيب السهروردي وهو لقن الشيخ العارف الفاضل أصيل الدين الشيرازي، وهو لقن الشيخ عبد الله الباياني، وهو لقن الشيخ قاسم السرجاني، وهو لقن الشيخ السيرجاني، وهو لقن الشيخ الإمام العارف الصمداني والهمام النوراني جلال الدين عبد الله البسطامي، وهو لقن شمس وصلتي وبدر قلبي طود الحقائق الشامخ وجبل المعارف الراسخ شمس العارفين وسر الله في الأرضين أبا عبد الله شمس الدين الأصفهاني.

 (وأيضاً سندي بعلم الأوفاق)...وأخذ منه أيضاً عن الشيخ الإمام العلامة سراج الدين الحنفي، وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين القدسي، وهو أخذ عن الشيخ شمس الدين الفارسي، وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين الهمداني، وهو أخذ عن الشيخ قطب الدين الضيائي، وهو أخذ عن الشيخ محيي الدين بن عربي، وهو أخذ عن الشيخ أبي العباس أحمد بن التوريزي، وهو أخذ عن الشيخ أبي عبد الله القرشي، وهو أخذ عن الشيخ أبي مدين الأندلسي.

 (وأيضاً) أخذت هذه الرواية عن الشيخ محمد عز الدين بن جماعة الشافعي، وهو أخذ عن الشيخ محمد بن سيرير، وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين الهمداني، وهو أخذ عن قطب الدين أيضاً، وهو أخذ عن الشيخ محيي الدين بن عربي.

 (وأيضاً) سندي بعلم الحروف والوفق إلى الشيخ الإمام العالم العلامة الفقيه الثقة مساعد بن سادي بن مسعود بن عبد الله بن رحمة الهواري الحميري القرشي، وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين أحمد الشاذلي، وهو أخذ عن الشيخ تاج الدين عطاء المالكي الشاذلي، وهو أخذ عن الشيخ أبي العباس أحمد بن عمر الأنصاري المرسي.

و (أيضاً) سندي بعلم الحروف والوفق إلى الشيخ الإمام العلامة أبي العباس أحمد بن ميمون القسطلاني، وهو أخذ عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد القرشي، عن الشيخ الإمام العلامة أستاذ العصر وأوحد الدهر أبي مدين شعيب بن حسن الأنصاري الأندلسي رأس السبعة الأبدال وواحد الأربعة الأوتاد([14])...إلخ.

* الملحوظة:

لو رجع القارئ الكريم إلى كتب السحر لوجد أن علم الحروف وعلم الأوفاق (أو الوفق) هما بابان من أبواب السحر. ولنلاحظ أن رجال الأسانيد من أقطاب الصوفية.

ومن أقوال ابن سبعين في الرسالة النورية:

...ومن فضيلته (أي: الذكر) أنه ينفع في سبع خواص من السيمياء.. ومن أراد استعمال قوى الكواكب بحسب صناعة أهل العلم الرياضي لا بد له من الذكر، وذلك بعد الدستورية، أعني أن يكون الكوكب في بيته أو شرفه في الوتد وينظر الكوكب إليه من بيته أو شرفه من الوتد، كالزهرة في الميزان في الطالع، وزحل في الجدي أو في الميزان، والمريخ في الجدي، واعلم أن الكوكب إذا كان في الحيز أو البرج أو الدستورية كان أظهر فعلاً وأقوى تأثيراً، ثم يعمد إلى اتخاذ الصورة والاسم والبخور والأفعال، مثال ذلك برج الثور: تستعمل صورة إذا كان في الوجه الثاني ويريد الحكيم أن يخدم أمره، يتخذ صورة ثور مضروب الوسط ويناديه: (لهرلرل)، وينجر بذنب الفأرة، ويفعل الأمور المهلكة بإذن الله، ويقول في جميع خدمته: يا حمرلايل يا ديرلايل يا جبرلايل، ومفهوم ذلك: يا ملك القوى السارية في الأجسام الفلكية والطبيعية والذرات العارفة لك والتي فوقها يا نور النور([15])..

ويقول في فصل آخر:

...وهذه السيمياء تنقسم إلى خمسة أقسام: الكاذبة منها الذي يذكرها مسلمة المجريطي صاحب (رسائل إخوان الصفا)([16])، والمشكوك منها الذي يزعم ابن مسرة أنه وصله، والصحيح منها الذي إذا وصف للفقيه سماه كرامة، وإذا ذكر للحكيم سماه تصريفاً، وإذا ذكر للمقرب المحقق سماه فتنة([17])...

- أظن أن القارئ الكريم يعرف أن السيمياء هي السحر.

ويقول عبد الوهاب الشعراني مدافعاً عن الصوفية:

...فإن قيل: إن هذه الكرامات تشبه السحر، فإن سماع الإنسان الهواتف في الهواء، وسماع النداء في بطنه، وطي الأرض له، وقلب الأعيان، ونحو ذلك غير معهود في الحس أنه صحيح، إنما يظهر ذلك من أهل السيمياء والنارنجات؟ فالجواب ما أجاب به المشايخ العارفون والعلماء المحققون في الفرق بين الكرامة والسحر، أن السحر يظهر على أيدي الفساق والزنادقة والكفار الذين هم على غير شريعة، وأما الأولياء رضي الله عنهم فإنهم وصلوا إلى ذلك بكثرة اجتهادهم واتباعهم للسنة([18])...

* الملحوظة:

إنه يجعل الصوفية متبعين للسنة بكثرة اجتهادهم، وهذا غير صحيح، إذ أنهم يصلون إلى خرق العادة بالرياضة الصوفية التي لا تمت إلى السنة ولا إلى الإسلام بأية صلة.

كما أن الساحر أيضاً يصل إلى خرق العادة بنفس الأسلوب تماماً. والشيخ هنا يعترف أن خوارق المتصوفة وخوارق السحرة هي شيء واحد.

ويقول أحمد بن محمد المالكي الصاوي في حاشيته على (شرح الخريدة البهية):

...سيدي محمد الخلوتي... أخذ عن الشيخ دمرداش فأحبه وقربه وشغله بالطريق وأخلاه (أي: أدخله الخلوة) مراراً، وظهرت نجابته وجد واجتهد واشتهر وتلقى عنه علم الأوفاق والحرف والزايرجا والرمل، فأتقن ذلك([19])...

- أظن أن القارئ الكريم يعرف أن الأوفاق والحرف والزايرجا والرمل هي من أبواب السحر، ولعله يعرف أيضاً أن أحمد الصاوي كان شيخ الطريقة الخلوتية.

ومن كتاب (النفحة العلية في أوراد الشاذلية):

(فصل) في ذكر الدائرة والخاتم والحرز والسيف، وكلها أسماء بمسمى واحد، وفي كيفية وضعها وما فيها من الخواص قراءةً وحملاً، وضبط أسمائها المعجمة وغير ذلك. اعلم أن الرواية في هذه الدائرة من طريقين، أحدهما: عن سيدي الإمام أحمد أبي العباس المرسي، والثانية: عن سيدي الإمام شهاب الدين ولد الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهم.

أما خواصها؛ فمنها ما رواه سيدي الإمام شهاب الدين عن والده قال: هذه الدائرة ورثتها عن آبائي وأجدادي الكرام، ويريد آباءه في الطريق، قال: وكان الشيخ يكتب هذه الدائرة بالسند، وقال: من كانت هذه الدائرة على رأسه لا يموت (أي: ما دامت على رأسه)([20])..

وهذه هي الدائرة: طهورٌ، بَدْعقٌ (وفي رواية بالمثناة)، مَحْبَبَهٌ، صورهٌ (وفي رواية بالسين) سقغاطيس (وفي رواية: سبقاطيس)، سقاطيم (وفي رواية: سفاطيم)، أحونٌ، قافٌ، أَدُمَّ، حَمَّ، هاءٌ، أمينٌ أو (آمين).

...اعلم أن هذه الأسماء هي من أسماء الله تعالى، ليست بلسان من ألسنة عالم الملك ولا عالم الملكوت، ولا بلغةٍ من لغات العالمين، وإنما هي أسماء جبروتية يذكر الله تعالى بها في روضة من رياض جبروته...فاعلم أن الله قد جمع في هذه الأسماء علوم الأولين والآخرين([21])...(ثم يرسم صورتها التي تكتب بها في الحرز، وهي مربع داخله ست دوائر مكتوب على دائرته الكبرى الطلسم نفسه، وعلى بقية الدوائر آيات قرآنية)، ثم يقول:

هذه على وفق العبارة المتقدمة، ورأيتها بخط شيخنا حفظه الله تعالى، وقال في الحاشية من نسخته: وينبغي أن تكون الدائرة الكبرى ملاقيةً للخطوط الأربعة (أي: أضلاع المربع) لا خارجة عنها ولا داخلة.

وقد وضع صورتها الشيخ اليافعي في كتاب (الدر النظيم في خواص القرآن العظيم) على كيفيتين رواهما من طريقتين، الأولى عن الشيخ أبي العباس المرسي.. والرواية الثانية عن سيدي الإمام تقي الدين عن أبيه سيدي الإمام شهاب الدين عن أبيه الشيخ أبي الحسن الشاذلي([22])...(يرسم الصورتين وهما مختلفتان عن الصورة الأولى)...إلى أن يقول: وذكر أنها أيضاً تكتب في حريرة بيضاء بمسك وزعفران وماء ورد في رابع عشر من رمضان، وتلف في رق غزال. وهو سيف الشاذلية وفيه اسم الله الأعظم وسره الأفخم. فتدبره فهو الكبريت الأحمر وبعضه من الدرياق الأكبر([23])...

- الدرياق معربة من كلمة (تارياك) التي تعني (الأفيون).

وكل من اطلع على فنون السحر يعرف أن هذا الذي ذكروه (الدائرة والأسماء والحريرة ورق الغزال..) هو من أبواب السحر.

ومما يورده أحمد أبو كف في (أعلام التصوف الإسلامي):

يقول ابن عطاء الله السكندري عن علم أبي العباس (أي: المرسي): هو الجامع بين علم الأسماء والحروف والدوائر...([24]) اهـ.

وطبعاً، علم الأسماء والحروف والدوائر هو من أبواب السحر.

- نكتفي بهذه النصوص، وهي كافية للدلالة على أن الصوفية هي السحر.

ولا بأس من توضيح الطريقة التي يتبعها المريد ليكون من السحرة، وقبل ذلك نقول للقارئ: اتق الله واعلم (أنها فتنة فلا تكفر) ولا تسر في هذا الطريق تحت أي عذر، كان ما كان هذا العذر؛ لأنها طريق إلى الهاوية. وهذه هي الطريقة:

وصحبة شيخ وهي أصل طريقهم              فما نبتت أرض بغير فلاحة

فالشيخ الساحر الكامل ضروري، فهو الذي يوجه مريده حسب خبراته وتجاربه السابقة.

والطريقة هي نفس الطريق الإشراقية، خلوة وجوع وسهر وصمت وجلسة من جلسات اليوغا وتركيز الذهن على الأمر المراد تحقيقه مع تركيز البصر على شيء يختاره الشيخ.

يبقى المريد مثابراً على هذه الرياضة مدة قد تقصر وقد تطول، حسب مهارة الشيخ واستعداد المريد، حتى يتحقق الأمر المراد تحقيقه، فيستريح المريد مدة يقررها الشيخ، وهي لا تزيد على أيام على كل حال، ثم يعيد الكرة حتى يتحقق نفس الأمر ثانية، ثم يعيد...وهكذا حتى يصل إلى أن يتحقق هذا الأمر له بسهولة كبيرة، وهذه الرياضة صالحة لبعض الخوارق، وخاصة منها ما يتصل بالتأثير على نفوس الآخرين، أو بالاتصال عن بعد (التلباثي).

أما الطريقة الجامعة فهي الخلوة والجوع والسهر وترديد عبارة معينة خاصة بخرق معين يعرفها الشيخ ويلقنها لمريده، وقد يضاف إليها البخور لتسريع الوصول، وهذه الطريقة يستعملها السحرة المسلمون.

يثابر المريد على هذه الرياضة التي قد تقصر وقد تطول، حتى يحصل خرق العادة المطلوب، فيستريح أياماً، حسب توجيه الشيخ، ثم يعاود الكرة حتى يحصل الخرق من جديد، ثم يعاود، وهكذا حتى يصبح الحال عنده مقاماً، حيث يحصل الخرق أمامه بترديد العبارة المعينة (الطلسم) مرات قليلة، وعندئذ يكون قد أتقن عملية سحرية واحدة.

ثم يلقنه الشيخ طلسماً آخر خاصاً بخرق عادة آخر، فيعود إلى الرياضة من جديد بهذا الطلسم الجديد كما فعل في رياضة الخرق الأول، حتى يصبح الخرق الثاني له مقاماً، فيكون قد أتقن عمليتين سحريتين، وهكذا..

ويتفاضل السحرة بينهم بعدد العمليات السحرية التي يتقنها كل واحد منهم، ومن يريد الوصول إلى الجذبة منهم ثابر على طلسم واحد لا يغيره ولا يستريح حتى يصل إليها.

وقد يمكن الاستغناء عن الشيخ لأفراد نادرين عندهم استعداد نفسي، أو فيزيولوجي أو تشريحي خاص، كما يمكن الاستغناء عن الخلوة والجوع والسهر لأفراد مماثلين.

أي: إن السحر هو نفس الصوفية بطريقته ونتائجه، والفرق بينهما هو في الادعاء والتوجه. ثم يأتي بعد ذلك دور الطلاسم والأقسام التي يسميها المتصوفة (الأوراد والأذكار) وهي وإن اختلفت ألفاظها لكن النتيجة واحدة، وكذلك بقية الأبواب.

 

 

 

([1]) جصع أو ثصع لها شكل العقرب إذا قلبت إلى الأعلى.

([2]) سر العالمين: (2/65، 66).

([3]) سر العالمين: (2/68).

([4]) سر العالمين: (2/71).

([5]) سر العالمين: (2/73).

([6]) سر العالمين: (2/75).

([7]) مجموعة ساعة الخبر (ص:6).

([8]) مجموعة ساعة الخبر، (ص:6).

([9]) مجموعة ساعة الخبر، (ص:7).

([10]) جامع النبهاني: (1/508).

([11]) شمس المعارف، (ص:122، 123، 124).

([12]) شمس المعارف الكبرى، (ص:213).

([13]) يجب أن تكون: هو أخذ عنه حبيب العجمي، وهو أخذ عنه الشيخ داوُد...وهكذا حتى: عنه الشيخ أبي النجيب.

([14]) شمس المعارف الكبرى، (ص:530، وما بعدها).

([15]) رسائل ابن سبعين، (ص:160، 161).

([16]) المشهور أن رسائل إخوان الصفا من تأليف جماعة من البصرة، وقول ابن سبعين هذا يحتاج إلى تحقيق.

([17]) رسائل ابن سبعين، (ص:253، 254).

([18]) طبقات الشعراني: (1/14).

([19]) حاشية العلامة الصاوي على شرح الخريدة البهية، (ص:149).

([20]) النفحة العلية، (ص:191).

([21]) النفحة العلية، (ص:203، 204).

([22]) النفحة العلية، (ص:206، 207).

([23]) النفحة العلية، (ص:208).

([24]) أعلام التصوف الإسلامي، (ص:63).

  • الجمعة PM 03:51
    2021-08-13
  • 3681
Powered by: GateGold