المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409182
يتصفح الموقع حاليا : 369

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1628858243487.jpg

من أين جاءت الصوفية

* لإبليس شركان:

الشرك الأول: هو الجنس ولواحقه، يمنع به ابن آدم -ابتداءً- من الدخول في الإسلام، والإسلام هو الدين الذي جاءت به جميع الرسل.

الشرك الثاني: هو الإشراق الصوفي أو التحشيشي، ينصبه إبليس لابن آدم الذي سار في طريق الإسلام، ولم ينغمس في غواية الجنس، فيغريه ويقنعه أن أوهام الإشراق هي الخلد وملك لا يبلى، أو هي المعرفة أو الغوثية أو الحلول أو الاتحاد أو الوحدة، حسب استعداده الثقافي والنفسي، ((فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الأعراف:16].

إن دراسةً لأي وثنية من الوثنيات ترينا الدور الرئيسي الذي يلعبه الإشراق في عقائدها وطقوسها، فالحشيش والأفيون يقدِّم للمبتدئين أو الذين لا يريدون إجهاد أنفسهم من السالكين، والرياضة الصوفية يمارسها الذين يريدون أن يكونوا رؤساء دينيين.

ويلاحظ أن الوثنيات المنعزلة تعتمد أساساً في إشراقاتها على الحشيش أو بعض زمرته (كالأفيون أو فطر المكسيك أو الكوكا أو غيرها) ويقل فيها دور الرياضة الصوفية. وكلما تطورت الوثنية، كلما قل دور الحشيش وزمرته (لكنه لا ينعدم)، وكلما زاد دور الرياضة والمجاهدة وصار أكثر بروزاً.

ولا يكون الكاهن كاهناً إلا إذا وصل إلى الجذبة، وأشرق عليه سناها الخداع.

وأكرر القول: إن دراسة كافية لوثنيات التاريخ تؤكد هذه الظاهرة، مما يجعلنا مطمئنين إلى القول بأن الصوفية وجدت منذ أن نزل إبليس إلى الأرض، أو بعد ذلك بقليل.

وهذا يعني أن الصوفية لو لم تنحدر إلى المسلمين من الأمم السابقة لأوجدها فيهم إبليس باستدراج العبَّاد السذَّج ذوي القلوب الطيبة إلى الجذبة، إما باستعمال المورفين الخارجي (شجر الهلوسة) أو بعض زمرته، أو باستعمال المورفين الداخلي (الإندورفين). وهناك من الواصلين من استُدرج إلى الصوفية بالإندورفين مرضياً، وهو الذي يسمونه (المراد)، لكن هؤلاء يشكلون استثناءً في المسيرة؛ لأن الواقع هو أن الصوفية انحدرت إلى المسلمين من الأمم السابقة:

* أولاً: من عرب الجاهلية:

كانت الصوفية منتشرة في جزيرة العرب قبل الإسلام، وكانت معروفة باسم (الكهانة)، حيث كان في كل قبيلة كاهن.

روى ابن أبي حاتم في تفسير: ((يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)) [النساء:51] عن جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، سئل عن الطواغيت، فقال: إن في جهينة واحداً، وفي أسلم واحداً، وفي هلال واحداً، وفي كل حي واحداً، وهم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين.

وكانوا يسمون الكاهن أيضاً (العراف)، والمعنى واحد؛ لأن معنى كلمة (الكاهن) هو (العارف)، جاء في لسان العرب: ...والعرب تسمي كل من يتعاطى علماً دقيقاً كاهناً، ومنهم من كان يسمي المنجم والطبيب كاهناً...الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار....

ومن أشهر كهان الجاهلية شق بن صعب القسري (من نسله خالد بن عبد الله القسري وأخوه أسد)، ويوحي الاسم (شق) أنه لقب وليس اسماً، وكذلك (سطيح)، واسمه ربيع بن ربيعة المازني الأزدي، ومما تذكره الكتب عنهما، نستطيع أن نظن أنهما، مثل أحمد البدوي، جُذبا جذبة استغرقتهما إلى الأبد.

ومن عارفي الجاهلية الذين دخلوا في صراع مع الإسلام: مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وسجاح.

* ثانياً: من الهند:-

حيث يقدَّر أن الهندوسية عرفت هناك منذ حوالي ثمانمائة سنة قبل المسيح، والكهانة الهندوسية هي نفس الكهانة في كل مكان، عقيدة وطريقة، وهي نفس الصوفية، حيث تقوم عقيدتها على وحدة الوجود، وطقوسها هي نفس الطقوس الإشراقية في كل مكان: الخلوة، والجوع، والسهر، والصمت، وتركيز الفكر والبصر والجلسة الثابتة، أو ضبط التنفس حسب إيقاع معين.

* ثالثاً: من فرس الجاهلية:-

وقد كان الفرس قبل الإسلام يدينون بالزرادشتية (المجوسية)، المبنية على وحدة الوجود، منحدرة من اتحاد أو حلول بين انبثاقات صادرة عن إلهين اثنين (النور والظلمة)، وكان مذهب الأكثرية المجوسية يرجع المبدأين (النور والظلمة) إلى كائن أعلى واحد، منه انبثق الوجود، ثم جاءت المانوية متفقة مع الزرادشتية في أصل العقيدة.

* رابعاً: من اليونان:

حيث كانت تسيطر الإيلوسية، التي هي نفس الكهانة الهندوسية ونفس الغنوصية ونفس الصوفية عند المسلمين، مع فوارق يقتضيها اختلاف الظروف والثقافات والإشراقات.

وعندما سيطر اليونانيون بقيادة الإسكندر بن فيليب المكدوني على بلاد الشام ومصر والعراق وفارس وبعض الهند، سيطرت ثقافتهم، بعد أن امتزجت بالثقافة الشرقية([1]) على البلاد، منذ القرن الثالث قبل الميلاد، فانتشرت الإيلوسية وكهانتها وثقافتها، بما في ذلك الأوفاق والزايرجة والطلاسم واستنطاق الحروف واستخدامها وأسرارها، هذه العلوم التي لم تزل علوماً أساسية عند متصوفة المسلمين، والتي هي نفس السحر وأبوابه، والتي انبثقت أصلاً من الكهانة المصرية الفرعونية.

ثم انحدرت الإيلوسية إلى الرومان، وانتشرت في الإمبراطورية الرومانية، حتى إن بعض القياصرة كانوا يحجون إلى إيلوسيس.

وعندما ظهرت المسيحية، حاربت الإيلوسية (شأن دين الإسلام في أي عصر كان)، فتسترت بالكتمان، حتى ظهرت في القرن الثاني الميلادي باسم (الغنوصية)، أي: المعرفة، (باليونانية Gnosis)، ومنها الغنوصي، أي العارف، وانتشرت الغنوصية حيث انتشرت المسيحية، وخاصة في بلاد الشرق: مصر والشام والعراق واليمن وبعض فارس، وهي البلاد التي دخلت في الإسلام قبل غيرها، وكان بين غنوصية سورية وغنوصية الإسكندرية بعض الفوارق، لتأثر الأخيرة بشيء من اليهودية.

* خامساً: من اليهودية:-

مر في الصفحات السابقة أن الصوفية كانت منتشرة بين اليهودية، وكانت تسمى (التنبؤ)، ويسمى الواصل من السالكين فيها (نبياً)، ويسمى شيخها (صوفياً)، وتسمى مراكزها (المسفايات)، واحدها (مسفا).

وكانت التجمعات اليهودية متناثره في كل البلاد التي دخلها الإسلام، وكانت مسفاياتها منتشرة معها، ولعل هذه المسفايات كانت المنطلق الرئيسي للصوفية في المجتمعات الإسلامية.

- وبعث الله سبحانه محمداً، فحارب الأوثان والأوهام، وكانت الكهانة في مقدمة الأوهام الشركية التي حاربها الإسلام: ((فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ)) [الطور:29]([2])، ((وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)) [الحاقة:42]، ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)) [الأنعام:128]، حيث لا يجدي التأويل ولا تزكية النفس ولا ادعاء القربى، ولا افتراء الكذب على الله.

قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن حفصة: {من أتى عرافاً فسأله عن شيء، فصَدَّقَهُ بما يقول، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً}. وفي روايةٍ بِدُوْنِ: (صَدَّقَهُ).

وقال فيما رواه الأربعة وأحمد والبيهقي والحاكم (وقال صحيح على شرطهما) عن أبي هريرة مرفوعاً: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصَدَّقَهُ بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم}.

ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله مرفوعاً.

أقول: لعل هذا الحديث هو الذي جعلهم يستبدلون كلمة العراف، بالعارف.

وفي البزار عن عمران بن الحصين مرفوعاً، والطبراني في (الأوسط) عن ابن عباس: {ليس منا من تَطَيَّرَ أو تُطُيِّرَ له، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له، أو سَحَرَ أو سُحِرَ له}.

وتحرك الكهنة ليدافعوا عن وجودهم، ومن أشهرهم مسيلمة وسجاح والعنسي، فخذلهم الله له المنة، ولزم الكهنة الباقون الصمت واعتصموا بالكتمان.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن توبة العارف متعذرة، أو صعبة جداً على الأقل، لسبب بسيط؛ لأنه يعتقد أن هلوساته الشيطانية هي إشراقات إلهية! وللحق، هي خَدَّاعَةٌ خَدَّاعَة.

ولهذا بقيت الكهانة تسري في غيابات الغرف المظلمة، ووراء الأبواب الموصدة، والكهنة يتحاشون إظهار رءوسهم خوفاً من أن تختطفها سيوف الردة، حتى فطن بعضهم إلى أن تغيير الاسم (الكهانة) يمكن أن يساعدهم على التحرك بحرية، وكانت الترجمات من اليونانية، وانتشرت كلمة (سوفيا) بمعنى الحكمة، ممزوجة بالكلمة (فيلو سوفيا) بمعنى حب الحكمة (أي: الفلسفة)، أو غير ممزوجة، وحدث أن وصل واحد ممن تسلك في (المسفا)، إلى مقام (سوفي)، أي: المرشد، ورأى أحد مثقفيهم أن هذه الكلمة العبرية تتوافق مع الكلمة اليونانية (سوفيا)، بمعنى الحكمة، ورآها مناسبة لمقتضى الحال، ولعله عرضها على شيخه أو مريديه، فحازت القبول، فتبنَّوها ونشروها بين طائفتهم التي كانت محدودة العدد في ذلك الوقت، وسرعان ما خضعت للذوق العربي في لفظ الكلمة، فأصبحت (صوفية)، والمنتسب إليها (صوفي).

ورفعت الكهانة رأسها بعد أن وضعت عنواناً جديداً لها، ولافتات دعائية ذكية، فصارت الصوفية والقربى والإحسان والصديقية...وتحركت لتكون معول الهدم الذي دمر العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، الذين صاروا يأخذون عقائدهم من الهلوسات ومن شياطين الجن، بعد أن كان مصدرها القرآن والسنة لأولي النهى ولقوم يعقلون ويعلمون ويبصرون ويسمعون ويتفكرون. وكانت معول الهدم الذي دمر المجتمعات الإسلامية، لأنها كانت، وما زالت، تنشر الجهل والخرافة والانحراف عن الصراط المستقيم. وكانت معول الهدم الذي أفسد الأمة الإسلامية؛ لأنها مسخت الفرد المسلم الذي تأثر بها، فجعلته جاهلاً خرافياً ذليلاً خانعاً تواكلياً، يعبد الشيخ بدلاً من عبادة الله، ولا يشغل تفكيره إلا الوصول إلى ساعة الصفا والمتعة التي يسمونها: (روحانية وولاية...)، حيث يقضي ساعة أو ساعات متمتعاً بالذهول (مسطولاً) سادراً في هلوساته وأوهامه الجذبية، الإشراقية أو التحشيشية لا فرق.

* وخلاصة الكلام...

عندما جاء الإسلام، كانت الصوفية منتشرة في كل البلاد التي دخلها، بل في كل العالم. كانت منتشرة في جزيرة العرب باسم الكهانة، وكانت منتشرة في الهند وفارس؛ لأن دياناتهم كانت تقوم على أساس الرياضة حتى الجذبة، وما فيها من رؤى ومكاشفات، وكانت منتشرة في النصرانية التي كانت تسيطر على مصر والشام والعراق وجزء من فارس واليمن، وكذلك اليهودية، وكان الشيخ فيها يطلق عليه باللغة العربية اسم (الكاهن والعارف والعراف) أو ما يرادفها في اللغات الأخرى.

ولما جاء الإسلام، اختبأت وراء الأسوار، حتى قُدر لكهانها أن يجدوا صيغة ملائمة استطاعوا أن يظهروا بها أمام الناس ويدعوهم إليها.

وقد عرف هذه الحقيقة بعض علمائهم القدامى، (إن لم يكن أكثرهم)، فهذا شهاب الدين يحيى بن حبش السهروردي يقول:

...وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة، فخميرة الفيثاغوريين وقعت إلى أخي أحميم (أي: ذي النون المصري)، ومنه نزلت إلى سيار تستر وشيعته...وأما خميرة الخسروانيين في السلوك، فهي نازلة إلى سيار بسطام (أبي يزيد)، ومن بعده إلى فتى بيضاء (الحلاج)، ومن بعدهم إلى سيار آمل وخراقان (أبي الحسن الخراقاني)([3]).

ونسي السهروردي كهان الحجاز ونجد! وله الحق، فقد كان أكثرهم أدعياء مقلدين، كما يظهر من قراءة أخبارهم، كما نسي اليهود؛ لأنهم كانوا يعملون بصمت وتكتم.

ولعل من المفيد إيراد فقرة للسهروردي نفسه وردت قبل كلامه هذا مباشرة، فقد روى أنه رأى أستاذه أرسطو في النوم، فسأله عن رأيه عن أقطاب التصوف الذين يستشهد بهم وبآرائهم كل من كتب في التصوف أو تكلم فيه، من مثل أبي يزيد البسطامي وسهل التستري وذي النون المصري والحسين بن منصور الحلاج. فقال فيهم: أولئك هم الفلاسفة والحكماء حقاً، ما وقفوا عند العلم الرسمي، بل جاوزوا إلى العام الشهودي، وما اشتغلوا بعلائق الهيولى، فلهم الزلفى وحسن مآب.

- وهذا ابن سبعين يثبت مشيخة فلاسفة اليونان في التصوف، فيقول في إحدى رسائله:

...والأقدمون منهم (أي: من الفلاسفة) في الإلهيات أنبه، غير أنهم يغلطون، وهم أقرب إلى الأنبياء وإلى الإيمان بهم من غيرهم، وأرسطو ذكر أمرهم في (نيقوماخيا)، وهذا الرجل كان جليل القوم في المهنة؛ لأنه في القوى والأحوال الإلهية مثل غيره، وملك بعض الأسرار الطبيعية والإلهية وكتمها، وأفلاطون في التجرد والتوجه وفهم الأحوال الإلهية أثبت، وإن كان أرسطو أجل منه على الإطلاق، فإنه توجه، وكان حاله في سره([4])... (ثم يذكر بعد ذلك جملة من العبارات التي يقول: إنهم كانوا يرددونها).

ويورد ابن سبعين أيضاً في الرسالة النورية:

...وكان سقراط يقول في كل صباح: أنا الدليل بالذات، وأنت العزيز بالذات، فلا تجعلني بعزتك من السعداء بالغرض، يا من هو صورة كل شيء، وقياس هذا العالم، ووجوده القريب...وكان يكثر قول: أنت أنت أنت...

وكان أفلاطون يقول: يا نور العالم، يا سبب الكل...كم ذا نتجرد ونعود إلى هذا الجسم، ونرجع في عالم العقل إليه، قوني بحيث أَثْبُتُ عندك ولا نعود، فإن صرفتني إلى هذا الهيكل فأشغلني بك وألهمني بالرجوع إلى حالتي التي انصرفت من حضرتها الشريفة...

وكان أرسطو يقول: يا علة العلل، يا أزل الأزل، يا سبب أول([5])...

- إن ابن سبعين يورد هذه الأقوال على أنها تتضمن وحدة الوجود (وهي كذلك)، ليدلل على أنهم كانوا من شيوخ الصوفية القدماء.

وقد مر معنا قول الدكتور عبد الحليم محمود:

...فإن الصوفية جميعاً، وفلاسفة الإشراق منذ فيثاغورس وأفلاطون إلى يومنا هذا، يعلنون منهجاً محدداً يقرونه جميعاً ويثقون فيه ثقة تامة... وهو منهج معروف أقرته الأديان جميعها، واصطفته مذاهب الحكمة القديم منها والحديث...([6]).

- والششتري في نونيته المشهورة يجعل فلاسفة اليونان شيوخاً في التصوف، ويضمهم، أو يضم إليهم، متصوفة المسلمين، يقول:

وتيم ألباب الهرامس كلهم                   وحسبك من سقراط أسكنه الدنا

وجرد أمثال العوالم كلها            وأبدى لأفلاطون في المثل الحسنى

وهام أرسطو أو مشى من هيامه              وبث الذي ألقي إليه وما ضنَّا

وكان لذي القرنين عوناً على الذي                    تبدَّى له وهو الذي طلب العينا

ويفحص عن أسباب ما قد سمعتم                    وبالبحث غطى العين إذ ردَّه غينا

وذوَّق للحلاج طعم اتحاده                  فقال: أنا من لا يحيط به معنى

فقيل له: ارجع عن مقالك. قال: لا،                  شربتُ مداماً كل من ذاقه غنَّى

وأنطق للشبلي بالوحدة التي                 أشارَ بها لما امَّحى عنده الكونا([7])

...إلى أن يذكر جملة من متصوفة المسلمين.

* النتيجة:

للتصوف عند المسلمين جذور يونانية وكسروية ويهودية، وهندية وعربية جاهلية.

إن التصوف عند المسلمين انحدر إليهم من التصوف في الأمم الأخرى، الذي كان يسري فيها منذ أزمنتها البعيدة، وسيبقى ما دام إبليس وجنوده بالمرصاد للإنسان.

وهذه طريقة الإشراق                  كانت وتبقى ما الوجود باقي

وفي الفصل التالي، نصوص إشراقية وحدوية من أديان مختلفة، نوردها زيادة في التأكيد والتوضيح.

وقبل ذلك نورد نبذة عن الحارث الدمشقي، وهو كاهن ظهر في زمن عبد الملك بن مروان، وسمى نفسه نبياً، وكانت الشياطين تُخرج رجليه من القيد وتمنع السلاح أن ينفذ منه، وكانت الرخامة تسبِّح إذا مسحها بيده، وكان يُري الناس رجالاً وركباناً على خيل في الهواء ويقول: هم الملائكة. وعندما حكموا بقتله ضربوه فلم يؤثر فيه السلاح، حتى قال أحدهم: (باسم الله)، ثم طعنه، فنفذ فيه الرمح، وقتله.

وفي ظاهرة الحارث هذه ثلاث معطيات، أو استدلالات:

1- الخوارق التي كانت تجري على يديه تدل على ممارسته الرياضة الإشراقية.

2- تسميته نفسه (نبياً) تدل على أنه وصل إلى الجذبة في (مسفا) يهودي، إذ اليهود فقط هم الذين كانوا يسمون الواصل إلى الجدبة (نبياً).

3- نفوذ الرمح فيه عند ذكر اسم الله، يدل على شيطانيات خوارقه.

وهذا كله من الأدلة على أن الكهانة لم تنقطع، بل بقيت تتابع مسيرتها في الخفاء (وهذا هو المعقول).

 

 

 

([1]) يطلق المؤرخون على هذه الثقافة اسم (الهيلينيسية)، أي: (اليونانية الشرقية).

([2]) الجذبة الإشراقية أو التحشيشية هي صورة مخففة من الجنون، وعندما تزداد كمية الإندورفين زيادة كافية يصبح المجذوب مجنوناً ويقولون عنه: إنه في مقام جمع الجمع، أو الاستغراق، أو الإطلاق.

([3]) ولاية الله والطريق إليها، (ص:171).

([4]) رسائل ابن سبعين، (ص:268).

([5]) رسائل ابن سبعين، (ص:162).

([6]) المرسي أبو العباس، (ص:10).

([7]) روضة التعريف بالحب الشريف، (ص:609)، ويعني بذي القرنين الإسكندر بن فيليب، وهذا خطأ.

  • الجمعة PM 03:37
    2021-08-13
  • 1099
Powered by: GateGold