المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413875
يتصفح الموقع حاليا : 274

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1628858073366.jpg

مناقشة التعاريف واشتقاق (الصوفية)

* التعاريف:

كثيراً ما تورد كتب التصوف تعاريف للصوفية.

وكل تعاريفهم ليس فيها شيء من التعريف، إلا لافتات دعائية، هي عبارات مرموزة منمقة لا يفهمها إلا المتمرس بأساليبهم، ومع ذلك فهي بعيدة عن أن تكون تعاريف، وهذه أمثلة منها:

- التصوف: علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية.

- التصوف: استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني.

- التصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالأخلاق، زاد عليك بالتصوف.

- التصوف: علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعاداتهم.

هذه نماذج من تعاريفهم، لو قرأها القارئ ألف مرة وألف مرة وألف مرة لما استطاع أن يتوصل إلى معرفة أي شيء عن الصوفية.

على أن المتمرس بأساليبهم يعرف أن عبارتي (تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق) تعني التخلص من الشعور بالمخلوقية أو (العبودية) وتوابعها. وأن (السعادة الأبدية) تعني ذوق الألوهية أو (استشعار الألوهية، أو الفناء في الله)...وكذلك معنى بقية العبارات.

وبدون إطالة، التعريف الصحيح هو:

الصوفية هي رياضات يقوم بها السالك حتى يصل إلى الجذبة، حيث يرى -بتأثير إيحاءات شيخه المؤله- رؤىً يتوهم في بعضها أنها تحقق بالألوهية، وبالتالي استشعار لوحدة الوجود.

* اشتقاق كلمة الصوفية:

كتبوا وقالوا كثيراً عن أصل الاسم (الصوفية) فكان مما كتبوا:

الصوفية من الصوفة، أي: كالصوفة المطروحة استسلاماً، وقيل: من الصَّفَّة، وقيل: من الصِّفَة، وقيل: من الصفاء، وقيل: من الصفوة، وقيل: من صوفة (لقب رجل في الجاهلية)، وقيل: من الصوف، وقيل: من الصوفانة (بقلة زغباء قصيرة). وهم غير متفقين في شيء منها، بل إن كل واحدة منها مردودة أو مرفوضة من أكثرهم، وهذا يريحنا من مناقشتها، فهي كلها غير صحيحة، وهي كلها عبارات دعائية. ونكتفي بإيراد كلمة للقشيري أوردها ابن خلدون في فصل (علم التصوف) في مقدمته، يقول: لا يشهد لهذا الاسم- أي: التصوف- اشتقاق من جهة العربية ولا قياس، والظاهر أنه لقب..

وقد تحمس بعض الباحثين -منهم زكي مبارك مثلاً- لكلمة (الصوف) وأنهم نسبوا إليه لأنهم كانوا يلتزمون بلبسه.

إن صح هذا الاشتقاق، فقد بنوا بنيانهم على باطل؟ فليس في لبس الصوف فضيلة، وليس في الانتساب إليه شرف! وذلك للأسباب التالية:

أ- عدم التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم:-

في البخاري ومسلم (لباس) عن أنس: كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة.

وجاء في شرحها للحافظ ابن حجر في الفتح:.. وقال ابن بطال: هي من برود اليمن تصنع من قطن....

إذن فقد كان أحب الثياب إلى الرسول ثياب قطن، لا ثياب صوف، والتأسي به صلى الله عليه وسلم يقتضي لبس ثياب قطنية، أو لبس ما يوجد -عدا المحرم- كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، ولبس الصوف ليس من التأسي به، فليس فيه فضيلة.

بل قد أورد ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد): (1/ 144) عن عائشة رضي الله عنها: أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم برداً من صوف، فلبسها، فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها...قال المعلقان على (زاد المعاد): هو أيضاً في سنن أبي داوُد (4074) لباس، ومسند أحمد (6/132 و144 و219 و249)، وإسناده صحيح. وهذا يقلب للصوف ظهر المجن.

ب- التشبه بغير المسلمين:

يقول زكي مبارك في كتاب التصوف الإسلامي في الاشتقاق: ...يهمنا أن نقيد في هذا البحث أن لبس الصوف كان من تقاليد النصرانية..

ويقول: والجاحظ يحدثنا أن النصراني يلبس الصوف حين يتنسك، وفي رسائل إخوان الصفا أن راهباً قدم في ثوب من صوف.

ويقول رينولد نيكلسون: كانت الثياب المصنوعة من خشن الصوف علامة على الزهد قبل الإسلام([1]).

ويقول عمر فروخ: كلمة (تصوف) مشتقة من الصوف الذي هو لباس العباد وأهل الصوامع([2])...

إذن فلبس الصوف كان من تقاليد زهاد الديانات الأخرى، الذين كانوا ينقطعون في الصوامع للعبادة والتنسك، وقد أمرنا أن نخالفهم، وألا نتشبه بهم، وخاصة في الأمور التعبدية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من تشبه بقوم فهو منهم}، رواه أبو داوُد (لباس) وأحمد بن حنبل عن ابن عمر، وغيرهما.

والأحاديث كثيرة تأمرنا بمخالفتهم:

ج- الرياء:

عندما كانوا يلتزمون بلباس الصوف فقد كانوا يريدون إشعار الناس أنهم من الزهاد والعباد وغير ذلك، وفي مثلهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من لبس لباس شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله}، ويزيد في رواية ثانية: {ثم تلهب فيه النار}. رواه أبو داوُد (لباس).

وأظن أن القشيري فطن إلى عورات اشتقاق التصوف من الصوف، فرفضه واقترح كلمة (الصفوة) كمصدر آخر للاشتقاق! وهو بعيد كل البعد.

النتيجة: إذا كان التصوف مشتقاً من الصوف؛ لأنهم كانوا يلتزمون بلبسه، فعملهم باطل لأنه مبني على باطل، وهو من الكبائر، وعلى كل حال، النسبة إلى الصوف غير صحيحة.

- إذن، فمن أين جاءت الكلمة (صوفية)؟

الجواب: جاءت من أحد مصدرين، أو منهما مجتمعين. الأول هو كلمة (صوفيا) اليونانية بمعنى (الحكمة) ومنها (حكمة الإشراق)([3]).

والثاني كلمة (صوفي) اليهودية التي كانت تطلق على الشيخ المسلك (المرشد) في حلقات المعارف السرية التي كان يتخرج فيها الأنبياء (الكذبة طبعاً) ويتأكد المصدر الأول (صوفيا) اليونانية بالمعطيات التالية:

1- كون الفرضيات الأخرى مردودة لغوياً، لا تتفق مع قواعد اللغة في الاشتقاق.

2- كون كل فرضية منها مرفوضة من أكثرهم، ويدل على هذا كثرة التعاريف التي وضعوها.

3- وجود من رفضها كلها من علمائهم.

4- الناحية اللفظية:

إذ أن النسبة إلى (سوفيا) المعربة هي (سوفي) للشخص. و(سوفية) للفكرة، لكن عندما انتشرت هذه الكلمة، سرعان ما خضعت للذوق العربي في اللفظ، فأصبحت (صوفي) و(صوفية)، ثم قيل (تصوف) و(متصوف).

وغلط المستشرق تيودور نولدكه عندما قال: إن السيغما (السين اليونانية) تقلب عند التعريب سيناً لا صاداً، فنحن نقول في (فيلوسوفيا) فلسفة، لا فلصفة.

غلط لأن المسألة تتعلق بالذوق العربي في لفظ الكلمة، لا بقاعدة في الترجمة.

5- يدعم قولنا، ما أورده عمر فروخ في حاشية (الصفحة: 24) من كتابه، يقول: إن النصارى الأرثوذكس يسمون فتياتهم (صوفْية) ويكتبونها صاداً ويلفظونها كذلك...على أن ذلك ليس حجة في الفصيح.

نقول: لكنه حجة في الذوق العربي في لفظ الكلمة.

ثم إن كل الذين كانوا يتناقلون هذه الكلمة (سوفية، أو سوفية) كانوا لا يعرفون أصلها ولا من أين أتت- إلا أفراداً قلائل- فمن الطبيعي جداً أن يتصوروا أن لها أصلاً عربياً يكون قريباً من لفظها، وهو كلمة (صوفية، وصوفي) ثم يلفظونها كذلك دون انتظار.

6- قال بهذا الاشتقاق عدة باحثين، منهم أبو الريحان البيروني المتوفى سنة (440هـ)، أي: إنه كان قريباً بعض الشيء من زمن ذيوع الكلمة، وكان أيضاً يتقن أكثر من لغة أجنبية، يقول: ومنهم (أي: من قدماء اليونانيين) من كان يرى الوجود الحقيقي للعلة الأولى فقط...والحق هو الواحد الأول فقط، وهذا رأي السوفية، وهم الحكماء،

فإن (سوف) باليونانية الحكمة، وبها سمي الفيلسوف (بيلاسوبا) أي: محب الحكمة، ولما ذهب في الإسلام قوم إلى قريب من رأيهم سُمّوا باسمهم([4]).

وممن قال بهذا الاشتقاق المستشرق فون هامر، وتعصب له الأديب عبد العزيز الإسلامبولي، والأستاذ محمد لطفي جمعة([5])...وغيرهم.

7- الزمن:

يلاحظ أن هذا الاسم (الصوفية) ظهر بعيد حركة الترجمة النشطة من اليونانية في القرن الثاني الهجري وهذا له دلالته القوية.

8- المكان:

كانت مراكز الترجمة هي بغداد وبعض المدن حولها، وخاصة في فارس. وفي هذه الأماكن ظهر أوائل الذين عرفوا بهذا الاسم (المتصوفة) ممن مر معنا بعضهم في هذا الكتاب. بينما لم يعرف هذا الاسم في جنوب العالم الإسلامي ومغربه إلا بعد ذلك بمدة ملحوظة.

وهذا له دلالته أيضاً.

9- التشابه في العقيدة والطريقة:

ظهر في اليونان القديمة فلسفات ونحل متعددة، من أشهرها: أسرار إلوسيس، وإلوسيس مدينة يونانية كانت تعبد الإلهة (ديمثير) التي كانت إلهة الخصب والزراعة والخلود.

ما إن جاء القرن الخامس قبل الميلاد، حتى كانت هذه النحلة قد غزت العالم، فصارت المدينة طوال العصر القديم مزاراً يتقاطر إليه اليونان والرومان، ويحج إليه بعض أباطرة الرومان (إلى معبد ديمثير في المدينة).

تقوم العبادة في هذه النحلة على أسطورة غامضة ظلت سراً مكتوماً ألف عام، وكان المريدون يمثلون قصة ميثولوجية لكي يبعثوا في نفوسهم العواطف التي انفعل بها الإله أو الآلهة، ويتلون عبارات مبهمة، ويرقصون ويصيحون على صوت موسيقى صاخبة، لكي يحققوا حالة الجذب أو الاتحاد بالآلهة([6]).

وفلاسفة اليونان الأقدمون (الأيوينون طاليس([7]) وتلامذته: انكسيمندريس وأنكسيمانس وهرقليطس) كانوا يؤمنون بوحدة الوجود. فمن كلام هيرقليطس، مثلاً: أنه كان يرى أن النار هي المبدأ الأول الذي تصدر عنه الأشياء وترجع إليه، لا النار التي ندركها بالحواس، بل نار إلهية لطيفة للغاية؛ أثيرية، نسمة حارة حية عاقلة أزلية أبدية. هي حياة العالم وقانونه (لوغوس)([8])... (ترجمت عبارة لوغوس فيما بعد بالكلمة).

والرواقيون كانوا يؤمنون بوحدة الوجود.

والغنوصية (من gnosis في اليونانية = المعرفة)، وكان المريدون يتناقلونها سراً ويزعمون أنها وحي أنزله الله منذ البدء. وهي هي الصوفية ظاهراً وباطناً، بطريقتها وعقيدتها، وهي نحلة إلوسيس نفسها (مع اختلاف في الأسماء فقط)، وكانت تعدو على الأديان والمذاهب بالتأويل والتحوير، مدعية تحويلها إلى معنى أعمق، فعلت ذلك مع جميع الأديان حتى وصلت إلى الإسلام، وسميت فيه (الصوفية) أو (المعرفة) أو (الإشراق) وهي نفس العبارات والأسماء التي كان كهانها يستعملونها دائماً([9]).

إن هذا التشابه في العقيدة والطريق إليها بين الفلسفات اليونانية، وخاصة الإلوسية والغنوصية، وبين الصوفية- مضافاً إلى الأدلة السابقة- يجعل اعتقادنا أن الاسم (الصوفية) انزلق إلى المجتمعات الإسلامية من اليونانية قريباً من اليقين.

1- يضاف أيضاً إلى ما سبق، اعتقاد بعض العلماء من كبارهم أن الصوفية وصلت إلى المجتمعات الإسلامية عن طريق اليونان بصورة رئيسية، وأن فلاسفة اليونان كانوا الشيوخ الأوائل المعروفين.

فمثلاً، يقول السهروردي المقتول: إنه رأى أستاذه أرسطو في النوم، فسأله رأيه عن أقطاب التصوف الذين يستشهد بهم وبآرائهم كل من كتب في التصوف أو تكلم فيه من مثل أبي يزيد البسطامي وسهل التستري وذي النون المصري والحسين بن منصور الحلاج([10])؟

ويقول أيضاً:

...وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة، فخميرة الفيثاغوريين وقعت إلى أخي أحميم (أي: ذي النون المصري) ومنه نزلت إلى سيارتستر وشيعته (أي: سهل التستري)([11]).

ويورد ابن سبعين في الرسالة النورية أقوالاً لسقراط وأفلاطون وأرسطو يعبرون بها عن وحدة الوجود وعن أحوالهم وأذواقهم في معرفتها والتحقق بها([12]).

والششتري يجعل سقراط وأفلاطون وأرسطو من مشايخ المعرفة ويذكر إلى جانبهم الحلاج والشبلي والنقري والشوذي والسهروردي وغيرهم، وذلك في قصيدته التي مطلعها:

أرى طالباً مني الزيادة بالحسنى              بفكر رمى سهماً فعدَّى به عدنا([13])

11- يضاف أيضاً إلى ما سبق، أن هذا الاسم (الصوفية) ظهر في فترة تفشت فيه ظاهرة استعارة الكلمات اليونانية واستعمالها في مختلف الفنون، حيث نقرأ مثلاً: الفلسفة، الفيلسوف، الموسيقا، الموسيقار، الأرثماطيقي، الإسطرلاب، البركار، الهيولى، السفسطائية، المجسطي، الماليخوليا، الأقراباذين، الأسطقسات...إلخ. وعليه فليس مستهجناً ولا غريباً أن يستعيروا كلمة "سوفيا" للتسمي بها، بل كان مثل هذا قاعدة متبعة.

12- في واقع الأمر وحقيقته، وإذا أردنا أن نكون موضوعيين، فإن كل مصطلح ظهر في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وأردنا معرفة مصدره، فعلينا أن نفتش قبل كل شيء عن أصل له في اليونانية، إما عن طريق الترجمة أو الاستعارة والتعريب، فيما عدا مصطلحات أصول الفقه والفقه والحديث واللغة.

إن هذه المعطيات مجتمعة، تشكل برهاناً قوياً على أن كلمة (صوفية) لها أصل يوناني.

- ويتأكد المصدر الثاني (صوفي) اليهودية بالمعطيات التالية:

1- إن المعطيات (1 و2 و3 و4 و9) السابقة، هي أيضاً معطيات لهذا المصدر.

2- يقول البروفيسور عبد الأحد داوُد([14]):

وكان الرجل الذي ينظر أو يرقب من البرج (المصفا أو المسفا) يسمى (صوفي SOPHI)([15]).

...ففي الأصل كانت (المسفا) (مكان ينصب فيه صفاة، أي حجر) مجرد نصب أو مزار على مكان منعزل مرتفع في (جلعاد) حيث كان يعيش المراقب (SOPHI) مع أسرته، ولحق بعد فتح إسرائيل لأرض كنعان واحتلالها ازداد عدد (المسفايات)، وسرعان ما أصبحت مراكز دينية عظيمة، وتطورت إلى معاهد للتعليم والجمعيات الدينية. ويبدو أنها تشبه الجماعات الصوفية والإسلامية مثل المولوية والبكداشية والنقشبندية وغيرها، وكل واحدة منها كانت تحت إشراف شيخها ومرشدها، وكانت هناك مدارس ملحقة بالمسفا حيث كان يجري تدريس الشريعة والدين والأدب العبري وغير ذلك من فروع المعرفة، ولكن فوق هذا العمل التعليمي، كان الصوفي رئيس جماعة الداخلين في هذه المجموعة، وقد اعتاد أن يدرسهم ويلقنهم الدين السري الذي يعرف الآن بالصوفية. والواقع أن من نعرفهم الآن باسم الصوفية كانوا يسمون عندئذ (نبييم NBIYIM) أو أنبياء([16])...اهـ.

انطلاقاً من هذا النص ومما تورده كتب التاريخ، يمكن وضع النقاط التالية:

- كانت الصوفية (الدين السرى) منتشرة في اليهودية وكانت (المسفايات)([17]) هي مراكز التسلك فيها.

- كان الشيخ المسلك (المرشد) في المسفاة يسمى (صوفي SOPHI)([18]).

- كان الواصل من غير (صوفي) يسمى (نبي) وهي كلمة عبرية معناها (ناطق)، وهؤلاء هم الأنبياء الكذبة، وكان بنو إسرائيل يعظمونهم ويقدسونهم، بينما يقتلون الأنبياء الحقيقيين! ويتبع متصوفة المسلمين سننهم في ذلك؟ فهم يقدسون مشايخ الصوفية ودعاتهم، بينما يحاربون من يدعو إلى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم! وهذا من مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: {لتتبعن سنن من كان قبلكم...}.

- كان في بغداد- شأن أكثر المدن الإسلامية- جالية يهودية تعرف باسم (الجالوت)، ومن البدهي أن ذلك الدين السري كان منتشراً بينهم، وأن الشيخ المرشد في كل مسفاة كان يسمى (صوفي SOPHI)، لأنه لم يحدث في اليهودية ما يمكن أن يغير ذلك.

- في القرنين الأول والثاني الهجريين ظهر في البلاد الإسلامية عدد ممن ادعى النبوة، ومما لا شك فيه أن أكثر هؤلاء المدَّعين -إن لم يكن كلهم- كانوا من خريجي تلك المسفايات التي كانت معاهد لإعداد الأنبياء، وكانت تجري على أيديهم الخوارق، ولعل أشهرهم الحارث الدمشقي، وكان نصيبهم القتل أو التوبة.

- إن سلوكَ هؤلاء والخوارقَ التي تحدث على أيديهم تدل على أنهم سلكوا طريق الإشراق ومارسوا رياضته حتى وصلوا. وتسميتُهم أنفسَهم أنبياء تدل على أنهم أخذوا الطريقة في مسفاة من المسفايات اليهودية وتسلكوا على يد شيخها (صوفي)، وذلك لأن اليهود هم وحدهم الذين كانوا يسمون الإشراقي (نبياً)، بينما كان غير اليهود يسمونه الكاهن أو العراف أو القديس. وهذا يعني أن من المسلمين من كان ينضم إلى حلقات الإشراق اليهودية ويتسلك على يد صوفيها مستَجَرَّاً بما كان يجري على يده من خوارق.

- إن أول من عرف باسم (صوفي) في المجتمع الإسلامي هو (أبو هاشم الصوفي) المتوفى قبيل منتصف القرن الثاني الهجري.

- ومن غير المستبعد، بل من المقبول، أن يكون أبو هاشم هذا قد تسلك في (مسفا) (سرية طبعاً) في بغداد، ووصل إلى الإشراق (الجذبة) على يد صوفيها، وبتوجيهه تطور في المشاهد والكشوف والعلوم اللدنية (نبي ثم رائي ثم بصير) وأخيراً وصل إلى مقام الإرشاد، وأسس مسفاً إسلامية (سرية طبعاً)، فاستحق بذلك لقب (صوفي)، وصارت له حلقته التي يلقن فيها الدين السري (الإشراق). وبما أنه مسلم فمن البدهي أن تضم حلقته مريدين مسلمين، هذا إن لم يكونوا كلهم مسلمين، ومن البدهي أن يتخرج في حلقته واحد على الأقل يستحق لقب (صوفي)، أي: مرشد ورقيب.

وهكذا كان انطلاق النبرات الأولى للاسم (صوفي).

وجاءت الترجمات عن اليونانية، وانتشرت معها، فيما انتشر، كلمة (صوفيا) بمعنى الحكمة، وانتبه بعض مثقفي الإشراقيين إلى التشابه اللفظي بين (صوفي) و(صوفيا)، كما انتبهوا إلى التوافق المعنوي، ثم انتبهوا إلى أن هذا الاسم سيصرف عنهم الحاجة إلى التسمي بأحد الأسماء السابقة (نبي أو كاهن أو عراف أو قديس) التي تقطر سيوفها دماً، ولعله عرض هذه الفكرة (وهذا هو المعقول) على شيخه وإخوانه فأعجبتهم، وبدءوا يستعملون الاسم (الصوفية) حتى انتشر.

- هذا بالنسبة لاشتقاق الاسم، أما الصوفية ذاتها، عقيدتها وطريقتها، فقد كان لها طرق إضافية.

 

 

 

([1]) في التصوف الإسلامي وتاريخه، (ص:48).

([2]) التصوف في الإسلام، (ص:24).

([3]) حكمة الإشراق كتاب للسهروردي الحلبي.

([4]) الفلسفة الهندية، (ص:32).

([5]) التصوف الإسلامي، زكي مبارك (الاشتقاق).

([6]) تاريخ الفلسفة اليونانية، (ص:6).

([7]) ولد سنة 624 ق.م، ومات سنه 546 ق.م.

([8]) تاريخ الفلسفة اليونانية، (ص:18).

([9]) تاريخ الفلسفة اليونانية، (ص:244) بتصرف.

([10]) ولاية الله والطريق إليها، (ص:175).

([11]) ولاية الله والطريق إليها، (ص:170).

([12]) روضة التعريف بالحب الشريف، (ص:609).

([13]) روضة التعريف بالحب الشريف، (ص:609).

([14]) كان اسمه القسيس دافيد بنجامين الكلداني وهو من كبار علماء اللاهوت المسيحي، أسلم سنة 1904م، أو بعدها بقليل، وتسمى عبد الأحد داوُد، وقد كان حياً حتى بعد الحرب العالمية الأولى، ولم أقف على تاريخ وفاته، وهو من أورميا بفارس.

([15]) محمد في الكتاب المقدس، (ص:72).

([16]) محمد في الكتاب المقدس، (ص:72، 73)، وهؤلاء الأنبياء هم الأنبياء الكذبة.

([17]) الصفاة كلمة سامية معناها (الحَجَر)، فيكون المعنى الأساسي لكلمة (مسفا) هو المحجرة، والمعنى الأساسي لكلمة (صوفي) هو الحَجَري أو الحجَّار، ثم تطورت لتأخذ معناها الاصطلاحي.

([18]) الصفاة كلمة سامية معناها (الحَجَر)، فيكون المعنى الأساسي لكلمة (مسفا) هو المحجرة، والمعنى الأساسي لكلمة (صوفي) هو الحَجَري أو الحجَّار، ثم تطورت لتأخذ معناها الاصطلاحي.

  • الجمعة PM 03:34
    2021-08-13
  • 1399
Powered by: GateGold