المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409007
يتصفح الموقع حاليا : 290

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1628774364411.jpg

مناقشة وحدة الوجود

مناقشة وحدة الوجود

 

1- يقول سبحانه: ((وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ)) [الزخرف:15].

الآية واضحة كل الوضوح، لا لبس فيها ولا غموض.

فوحدة الوجود تجعل من كل مخلوق جزءاً من الله جل وعلا.

وتقرر الآية الكريمة الحكم على الذين يؤمنون بهذه العقيدة الذين يجعلون من عباد الله (سبحانه عما يصفون) جزءاً منه، تقرر الحكم عليهم بالعبارة: ((إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ)) [الزخرف:15]، التي نفهم منها ما يلي:

أ- قوله: ((إِنَّ الإِنسَانَ)) [الزخرف:15]، يدل على أن المؤمنين بوحدة الوجود هم من بني الإنسان فقط، فلا يوجد بين الجن مثلاً، بل الملائكة، من يؤمن بهذه العقيدة الكافرة.

ب- قوله: ((لَكَفُورٌ)) [الزخرف:15]، على وزن (فعول)، وهي صيغة تدل على المبالغة والاستمرار، تعني: إن المؤمن بوحدة الوجود هو شديد الكفر مستمر عليه، يمتنع رجوعه عنه أو يصعب.

وتعني: إن شدة الكفر واستمراريته الموجودة في نوع الإنسان تجعله يؤمن بمثل هذه العقيدة.

ج- قوله: ((مُبِينٌ)) [الزخرف:15]، أي: مظهر للكفر، مفصح عنه، موضح له، وهذا يعني أن الفكرة واضحة الكفر، والذي يؤمن بها مبين للكفر، الكفر ظاهر له وعليه؛ وذلك لأن الفطرة السليمة (وبعض غير السليمة)، تقشعر رعباً من سماع هذا التطاول على القدسية الإلهية، وترتجف هلعاً من هذا الغرور الغبي الجريء الظالم، لمجرد سماعها ذلك.

2- يقول سبحانه: ((وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)) [الصافات:159].

طبعاً، وحدة الوجود تجعل الجن جزءاً من الله تعالى، وليس بعد هذا النسب ما هو أقوى منه؛ لأنه نسب بعض الذات إلى الذات.

لكن الآية الكريمة تستهجن هذه الفكرة، نفياً لها ودحضاً، وتنزه الله سبحانه وتعالى عما يصفه هؤلاء الواصفون.

والعبارة: ((وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ)) [الصافات:158]، واضحة الدلالة على أن الجن- لو كانوا يتصلون بنسب إلى الله سبحانه- لما جعلهم من المحضرين. وعدم وجود النسب بينه سبحانه وبين الجنة ينفي وحدة الوجود نفياً كاملاً.

3- يقول سبحانه: ((وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)) [مريم:9]، ويقول: ((أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)) [مريم:67].

الآيتان واضحتان كل الوضوح: إن الله سبحانه خلق الإنسان من لا شيء، من العدم، ولو كانت وحدة الوجود واقعة لكان الإنسان شيئاً قبل أن يوجد، كما هو الآن شيء بعد وجوده.

فكون الإنسان خلق من لا شيء، من العدم، ينفي وحدة الوجود جملةً وتفصيلاً، لأن الله تعالى ليس عدماً، إنه الحي القيوم الخالق البارئ المصور.

4- عشرات الآيات في الكتاب الحكيم تقرر أن المخلوق غير الخالق. منها: ((وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) [النحل:73]، إذن فالأصنام والأوثان (وهي خلق) هي من دون الله تعالى، وليست جزءاً منه، ولا هي هو. ((وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ)) [النحل:35].

 ((قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [غافر:66].

 ((إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [يونس:104].

 ((إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)) [الممتحنة:4].

ومنها: ((قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)) [الزمر:64]، طبعاً، كانوا يأمرونه أن يعبد أصنامهم وأوثانهم. والآية الكريمة تقرر أنها غير الله، وبما أنها جزء من الخلق، إذن فالخلق غير الله، والمخلوق غير الخالق.

((إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ)) [البقرة:173]، والذي أُهِلَّ به لغير الله إنما أُهِلَّ به للأوثان والأصنام ولمن يسمونهم (الأولياء)، وهؤلاء كلهم خلق، والآية الكريمة تقرر أنهم غير الله. ومن هذه الآيات: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا)) [النساء:82].

 ((قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) [الأنعام:14].

 ((أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً)) [الأنعام:114]...

هذه الآيات هي بعض من آيات كثيرة غيرها تقرر أن المخلوق هو من دون الله، وغيره، وهي كافية للرد على كل جحود مؤمن بوحدة الوجود، ولو سماها وحدة الشهود.

5- لو كان الخلق هو الحق، كما يفترون، وكانت المخلوقات جزءاً من الله سبحانه تعينت بهذه الأشكال المختلفة، لما بقي أي معنى للأسماء الحسنى: (الخالق، البارئ، الفاطر، بديع السماوات والأرض)، التي تعني كلها (الإيجاد من العدم).

6- لو كانت وحدة الوجود صحيحة، لكان الإنسان جزءاً من الله، ولكانت الآية: ((إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)) [العصر:2] باطلة! ولكان الإنسان في ربح سواءً آمن أم لم يؤمن، وعمل صالحاً أم لم يعمل، وتواصى بالحق والصبر أم لم يتواصَ؟ لأنه جزء من الله.

وبما أن الآية الكريمة لا يمكن أن تكون باطلة، لأنها وحي من عند الله، إذن فعقيدة الصوفية هي الباطلة، إذ لو صحت عقيدتهم لأصبح معنى الآية: ((إن جزءاً من الله لفي خسر)) وهذا واضح البطلان.

7- في القرآن الكريم آيات كثيرة تصبح شتماً لله (تعالى)، لو صحت عقيدة الصوفية بوحدة الوجود، مثل قوله سبحانه: ((وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ)) [هود:60]، لأن عاداً، حسب عقيدتهم الباطلة، هم جزء من الله سبحانه، حيث يصبح معنى الآية الكريمة: (إن جزءاً من الله (تعالى عما يصفون) أُتبع في هذه الدنيا؟؟ ويوم القيامة؟! (وناقل الكفر ليس بكافر).

ومثل هذه الآية كثير في الكتاب والسنة.

8- آيات كثيرة في كتاب الله تفهمنا أن العمل السيئ لا يرضي الله ولا يقود إلا إلى السوأى، وأن الحسنى لا يوصل إليها إلا بالعمل الصالح، من هذه الآيات: ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا)) [النساء:123].

((ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ)) [الروم:10].

 ((فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [القصص:84].

 ((أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا)) [الجاثية:21].

 ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌَ)) [يونس:26].

 ((لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)) [النجم:31]، وغيرها الكثير.

وطريق الصوفية تبدأ منذ الخطوة الأولى بالشرك الأعظم، فالمريد عندما يضع رجله في عتبة رحاب الشيخ مريداً له ولطريقه، فقد قبل عبادته وقبله رباً من دون الله، سواء عرف ذلك أم لم يعرف، ثم يسير المريد في الطريق الشركية مضيفاً إليها طقوساً ومجاهدات وثنية، حتى يصل إلى الجذبة التي تشرق عليه بوحدة الوجود.

إذن، فوحدة الوجود ضلال وباطل؛ لأن الطريق إليها ضلال وباطل.

ثم إن الطريق الذي يتبعه المتصوفة للوصول إلى الجذبة هو طريق الشيطان، ((وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)) [النساء:119]، ((وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا)) [النساء:38].

والشيطان لا يقودهم إلى الله كما يتوهمون، بل يضحك عليهم ويوهمهم ويستجرهم، ويعدهم، ويمنيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.

9- يقولون في فريتهم هذه، بالقدرة والحكمة؟

فالقدرة: هي تعيينه سبحانه الخلق من ذاته، وهذا ما يسمونه الحقيقة.

والحكمة -عندهم-: هي ستره سبحانه (الحقيقة) عن خلقه. ويقولون: إن الله سبحانه أرسل الرسل بالشريعة من أجل هذا الستر.

- والجواب:

أ- مقولتهم في القدرة والحكمة هي، على كل حال، من الأمور الغيبية التي لا تُعرف إلا بنص من الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والنص لا وجود له، إذن فمقولتهم كاذبة، يكذبون بها على الله ورسوله، ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)) [الأنعام:21].

ب- بما أن عقيدتهم في (القدرة والحكمة) وفي وحدة الوجود، لا يوجد أي دليل عليها في الكتاب والسنة إلا ما كان من تأويلاتهم الباطلة، لذلك لا يعدو الإيمان بها أن يكون واحداً مما يلي:

- إما اتهاماً لله (سبحانه وتعالى عما يصفون) بالخوف والكذب؟

- أو اتهاماً له (سبحانه وتعالى) بالجهل، وأنهم هم عرفوها (لأنهم عارفون)؟!

- أو اتهاماً للرسول صلى الله عليه وسلم بالخيانة والجبن؟

- أو اتهاماً للدين الإسلامي من أساسه بالبطلان؛ لأنه أُنزل ليحارب، فيما يحارب، هذه العقيدة التي هي أساس العقيدة الوثنية.

10- يفترون على الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه أمر مرة بإغلاق الباب، وسأل أصحابه إن كان فيهم غريب؟ فلما أجابوه بالنفي، بدأ معهم علوم الطريقة...ويقولون: إنه فعل هذا تعليماً لأصحابه على التستر على (حقيقتهم)، وهذا ما يسمونه (الحكمة).

- الجواب على هذه الفرية المجردة من الإيمان ومن الإسلام ومن كل معاني الحياء: الهندوس والبوذيون والطاويون والمجوس (مع اختلاف في الشكل) كلهم يؤمنون بوحدة الوجود ديناً، يعلنونها ويبنون عليها كل فلسفاتهم في كل كتبهم، وهؤلاء كانوا وما زالوا يشكلون أكثر من نصف سكان الأرض.

والسؤال: ما هي هذه الحكمة (الخنفشارية) التي تسمح لأكثر من نصف سكان الأرض أن يعلنوا إيمانهم بوحدة الوجود ويبنوا عليها حياتهم وفلسفتهم ولا يكتموا منها شيئاً! ثم تمنع ذلك على المسلمين وعلى رسول الإسلام فقط؟! فأي حكمة هذه؟ إنها مهزلة وليست حكمة!

وإن من يعتقد صحة هذه الحكمة المفتراة، يحكم ضمناً أن الإسلام غير صحيح، وأن الديانات الوحدوية هي الديانات الصادقة! عرف ذلك أم لم يعرف؟ لأن الجهل أيضاً فنون.

 11- ماذا كان يخشى محمد صلى الله عليه وسلم من إعلان وحدة الوجود، لو كان يؤمن بها؟ ولو أعلنها لاستجاب له الألوف الكثيرة في مدة قليلة؛ لأنها لن تكون غريبة على الأسماع، ولاستراح هو وأصحابه من كثير من الآلام التي عانوها.

12- الهندوس والبوذيون والطاويون والمجوس، كانوا وما زالوا يؤمنون بوحدة الوجود عقيدة وحيدة.

وأهل الكتاب كانوا وما زالوا يؤمنون بخالق في السماء، خلق الخلق من العدم مع شرك وتشبيه، وبعض رشفات من الوحدة (ما عدا متصوفيهم طبعاً). فجاء الإسلام ليعلن كفر أولئك المطلق، ويحرم على المسلمين ذبائحهم والزواج منهم...

بينما وقف من اليهودية والنصرانية موقفاً أخف بكثير، وسماهم (أهل الكتاب)، ووسع حدود التعامل معهم (وخاصة مع النصارى)، وأجاز ذبائحهم وطعامهم ومصاهرتهم...

فلو كان في دين الإسلام من وحدة الوجود ما يفتريه الصوفية، لانعكست الآية، ولصار النصارى هم الأبعدين، ولصار الهندوس والباقون هم الأقربين.

13- عندما انتصر الفرس المجوس على الروم النصارى، كانت عواطف المسلمين مع النصارى، وحزنوا لهزيمتهم لأنهم أقرب إليهم من الآخرين ((غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ)) [الروم:2-4].

فلو كان الصحابة يعرفون أباطيل وحدة الوجود، أو يؤمنون بشيء منها، كما يفتري عليهم المتصوفة، لكانت عواطفهم مع الذين يشبهونهم في العقيدة، مع المجوس الذين يدينون بشكل من أشكال وحدة الوجود، لا مع النصارى الذين يؤمنون أن الله في السماء، وقد خلق الخلق من العدم، (مع شرك عظيم طبعاً).

14- كل الأحاديث التي يرويها المتصوفة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه في موضوع الوحدة هي:

- إما مكذوبة! وهم أنفسهم يعرفون أنها مكذوبة! ومع ذلك يوردونها دون خوف من الله، وكأنهم لم يسمعوا قول رسوله: {من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}. وأسلوبهم أنهم يروونها، ثم يعلقون عليها بعبارة ما، مثل: (تكلموا فيه)، أو: (فيه نظر)، أو ما شابه ذلك، ثم يبنون عليها ما يشاءون من أحكام ظالمة! وكأنهم إذا قالوا عن الحديث المكذوب: (فيه نظر)، أصبح من الأحكام الشرعية، وأصبح العمل به شرعياً؟!

- وإما أن يكون حديثهم صحيحاً؛ لكنهم يلوون عنقه، فيؤولونه، ويعطونه معنى ما أنزل الله به من سلطان! وكذلك يفعلون مع الآيات القرآنية.

وقد مرت في الفصول السابقة أمثلة كثيرة على ذلك، وهو نماذج لما شحنوا به كتبهم من هذه التحريفات، ومنها على سبيل المثال أيضاً: تفسيرهم لقوله سبحانه: ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)) [آل عمران:191]، بالحضرة الصوفية والرقص. وتفسيرهم لقوله سبحانه: ((فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ...)) [مريم:49] بالخلوة. وتفسيرهم لقوله سبحانه: ((وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) [الأعلى:15]، بأن الذكر بالاسم المفرد (الله الله الله) هو صلاة. وتفسيرهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: {من عادى لي ولياً آذنته بالحرب...}، أن الولي هو الصوفي. وقوله في بقية الحديث: {...فإذا أحببته كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها...} بأنه يعني وحدة الوجود.

وقد أشبع العلماء هذا الحديث بحثاً، ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن نص الحديث ينفي وحدة الوجود! إذ لو كانت وحدة الوجود موجودة، لكان اللهُ (سبحانه عما يصفون) سَمْعَ الإنسان، وبَصَرَه ويَدَه وكُلَّه! سواءً أحبه أم لم يحبه، وقبل أن يحبه وبعد أن يحبه، وفي جميع الأحوال، ولا تكون هناك حاجة لأداء الفروض والنوافل، ولا لأي شيء أبداً لتحقق ذلك.

وكون هذا الوصف: {كنت سمعَه...وبصرَه...} لا يتحقق إلا بعد أداء الفروض والتقرب بالنوافل...ثم بعد أن يحبه الله، يعني بكل وضوح أن هذا لم يكن قبل أن يحبه الله، أي: إن هذه المزية (كون الله تعالى سمع المرء...وبصره...) هي غير متحققة في الإنسان العادي، وبذلك تنتفي وحدة الوجود، وينتفي معها فهمهم الخاطئ.

ويكون معنى الحديث: إن الله سبحانه إذا أحب العبد أعانه إعانة تامة في كل شيء، ولا يكله إلى نفسه أبداً في أي شيء، وطبعاً تكون إعانة الله للعبد كما يريد الله سبحانه لا كما يريد العبد.

15- الصوفية أنفسهم يعلمون علم اليقين أن وحدة الوجود هي كفر وزندقة بالنسبة للشريعة، ولذلك يُتاقون ويكتمونها عن غير أهلها ويتواصون بذلك.

* النتيجة:

وحدة الوجود كفر مبين، ومعتقدها كافر مبين، كافر حسب الشريعة، وكافر حسب الحقيقة الحقة التي هي الشريعة الإسلامية، له في الدنيا عقوبة المرتد عن الإسلام، وله في الآخرة عذاب أليم، إلا أن يتداركه الله سبحانه بلطفه وعفوه.

والصوفي الحق هو الذي يبطن وحدة الوجود، ويظهر التمسك بالشريعة، وهو منافق حقاً، بل هو شر أنواع المنافقين، وليكن مطمئناً (من مقام الطمأنينة) أن مقامه الحقيقي هو في الدرك الأسفل من النار إن لم يتداركه الله برحمته.

والعقيدة الإسلامية هي أن الله جل وعلا خلق الخلق من العدم، وقد مرت الآيات الدالة على ذلك، والمخلوقات هي من دون الله وغيرُه، أي أنها ليست تعينات من ذاته العلية، جل جلاله، وهو سبحانه فوق خلقه: ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ...)) [الأنعام:18]، ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طه:5]، ((أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)) [الملك:16] (والسماء هنا بمعنى: العلو).

وهو سبحانه فوق السماوات، بدليل قول رسوله صلى الله عليه وسلم معقباً على حكم سعد بن معاذ في بني قريظة: {لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أَرْقِعَة}، والأرقعة هي السماوات، واحدتها: رقيع.

وقول زينب رضي الله عنها تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم: [[زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات]] (رواه البخاري).

وغيرها وغيرها من الآيات والأحاديث.

 

 الباطنية

 

- عرفنا من الفصول السابقة أن الصوفية عقيدة باطنية، ولا باطنية في الإسلام.

يقول سبحانه: ((قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) [البقرة:118].

((قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ)) [المائدة:19].

 ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)) [إبراهيم:4].

 ((لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ)) [البقرة:256].

 ((لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [النور:46].

 ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ)) [المائدة:15].

 ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ)) [الحج:49].

 ((قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا)) [النساء:174].

 ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)) [النحل:89]...

والآيات في هذا المعنى كثيرة.

ويقول صلى الله عليه وسلم: {قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها}([1]).

- من هذه النصوص الكثيرة، ومن عشرات غيرها، كلها واضحة جلية، نعرف أن ليس في الإسلام باطن وظاهر بالمعنى الصوفي.

ويكون الإيمان بأن في الإسلام ظاهراً وباطناً كفراً بآيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكذيباً لها.

- كما أن من الحقائق التاريخية، أنه لم يحدث قط وجود عقيدة باطنية في جماعة إلا إذا كانت هذه الجماعة تضمر الشر والكيد للمجتمع الذي تعيش فيه.

ولم تخرج الصوفية على هذه القاعدة، فقد رأيناها كيداً للإسلام ومكراً بالمسلمين.

- ويقول أحد الباحثين: حيثما وجدت الباطنية ففكر باليهودية. وفي الواقع سنرى بعد قليل أن لليهودية دوراً في نشر الصوفية بين المسلمين، وعلى كل: (الحضرة) يمكن أن تكون أثراً من آثارها، ومثلها السماع، وتقديس القبور، وبناء القبب، واستعمال السبحة، والجهر بالذكر، وهز الجذع أثناءه إلى الأمام والوراء، أو إلى اليمين والشمال، كل هذه طقوس وممارسات موجودة في اليهودية كما هي موجودة في كل الوثنيات أيضاً! وهي موجودة في الصوفية! فما هي العلاقة؟؟ مع العلم أن كل هذء الأمور لا أساس لها في الإسلام ألبتة.

ولن نعدم مكابراً يقول: ليس في الصوفية باطنية، لن نعدمه رغم كل كتبهم ورغم كل أقوالهم، ورغم مئات الصفحات المدرجة في هذا الكتاب.

ولا جواب لنا على أمثال هؤلاء إلا أن نشكوهم إلى الله تعالى.

وللباطنية لغة اسمها (التقية)، يتعلمونها فيما بينهم، يخاطبون بها الناس، ويتسترون بها على ضلالاتهم، ويمكرون بها بالمسلمين، ويكيدون بها للإسلام، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فإلى مناقشة التقية.

ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: {قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك} (إلا هالك).

 

 مناقشة التقية

 

من فعل: تاقى، يتاقي، متاقاة، وتقيَّة (بتشديد الياء)، ومُجرَّدُه هو فعل تَقَى يَتْقي تقيَّة، بمعنى اتقى.

التقية هي لغةُ الحركات الباطنية والمجال الذي تتفسح فيه ألسنتها، وفي مقدمتها الصوفية، وقد رأينا أنهم يجعلونها جزءاً من حقيقتهم، وقرأنا مثل قولهم: (التقية: حرم المؤمن)، و(إذا كان قد صح الخلاف، فواجب على كل ذي عقل لزوم التقية)، ومئات الأمثلة غيرها.

وهم يجعلون لها أصلاً قرآنياً في قوله سبحانه: ((...وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)) [آل عمران:28].

لكن الفرق بين التقاة التي يسمح بها الإسلام، وبين تقيتهم هو نفس الفرق بين الإيمان والكفر.

فالتقاة الإسلامية تكون في حالة واحدة هي: ((مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)) [النحل:106]، إذ في حالة الإكراه هذه فقط يمكن للمسلم المؤمن أن يتظاهر بما يرضي القوة التي تكرهه ريثما يفلت منها، مع بقاء قلبه مطمئناً بالإيمان، أي: إنها حالة استثنائية وطارئة تضمر الإسلام وتظهر غيره.

بينما التقية الصوفية هي عكس ذلك، إذ هي أولاً: إبطان وحدة الوجود، أي: إبطان الكفر وإظهار الشريعة الإسلامية، وهذا هو النفاق عينه الذي هو شر أنواع الكفر، وأصحابه في الدرك الأسفل من النار.

وهي ثانياً: قاعدة مستمرة عندهم، وليست استثناء ولا هي حالة طارئة.

إذن فهي مناقضة للإسلام تناقضاً كاملاً واضحاً لا نقص فيه ولا لبس ولا غموض. وأسلوب التقية في الصوفية يتركب من:

الكذب، والتأويل، والمغالطة، والمراوغة، والمخادعة.

* الكذب:-

مر معنا في الفصول السابقة عشرات النماذج من كذبهم، وهي جرع من بحر، وبتأمل هذه النماذج، وغيرها مما في كتبهم، نرى أنها:

كذب على الله سبحانه، وكذب على ملائكته، وكذب على كتبه، وكذب على رسله، وكذب على اليوم الآخر، وكذب على القضاء والقدر (خيره وشره)، وكذب على الصحابة، وكذب على أهل الكتاب، وكذب على التاريخ...

أما الكذب على الجغرافية والفلك والجيولوجيا والفيزياء والكيمياء فهو من علومهم اللدنية التي عرفوها بالكشف الذي هو حق اليقين ونور اليقين وعين اليقين؟!

ويكفي القارئ -إذا لم يرد ترويح النفس بقراءة النصوص الكثيرة- أن يقرأ مثلاً (في فصل: نماذج من حكايات الصوفية...) النص الذي عنوانه: وجعلوا الملائكة معاتيه ومخابيل.

* التأويل:-

للتأويل معنيان:

1- المعنى المعروف في اللغة العربية والواردة به الكلمة في القرآن الكريم، وهو كما في (تفسير ابن كثير): التفسير والبيان والتعبير عن الشيء. وهو أيضاً: حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه.

وبشيء من إمعان النظر في المعنيين، نرى الثاني امتداداً للأول وتكملة له.

ولتوضيح ذلك:

نقرأ في الكتاب الحكيم: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11]، و((إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)) [الإنسان:2].

فالله سبحانه سميع بصير، والإنسان كذلك سميع بصير!

لكننا نعرف -بدهياً- وبدون أي تلكؤ، أن الله سبحانه وتعالى سميع بصير، بالمعنى الكلي الكامل المحيط للكلمتين، فهو سبحانه سميع بصير بلا حدود.

وأن الإنسان سميع بصير، بالمعنى الجزئي الناقص المحدود للكلمتين، فسمعُ الإنسان وبصرُه تحدهما عوامل كثيرة.

ومثلها: الحي، الملك، المؤمن، العزيز، الجبار...إلخ.

ومثلها الأفعال التي يمكن أن تعزى إليه سبحانه، وإلى مخلوقاته، مثل: شاء، أراد، وغيرها.

ومثلها: الأسماء التي يمكن أن تضاف إلى الخالق والمخلوق، مثل: أمر، إرادة، مشيئة... ومنها كلمة (تأويل).

فعندما تضاف كلمة (تأويل) إلى الإنسان، يفهم منها التأويل الجزئي الناقص المحدود.

أما التأويل الذي يعلمه الله سبحانه، فهو تأويل كلي كامل محيط، يشمل التفسير والبيان والتعبير عن الشيء وحقيقته، وما يؤول إليه أمره، وتفصيله الدقيق المحيط...

ومثلاً على ذلك، قوله سبحانه: ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)) [القمر:1].

فنحن نعرف أن تأويل: ((اقْتَرَبَتِ)) [القمر:1]، أو (تفسيرها)، هو: صارت قريبة (ضد بعيدة)، لكن، ما هي مدة هذا الاقتراب؟ كم عدد أيامه وساعاته ودقائقه؟ ما هي تفصيلاته بدقة؟ وكيف يتم؟...إلى آخر الأسئلة، وكلها من تأويل ((اقْتَرَبَتِ)) [القمر:1]، الذي لا يعلمه إلا الله.

ونعرف أن ((السَّاعَةُُ)) [القمر:1]، هي نفخة الصور الأولى! لكن، كيف تقوم الساعة؟ ما هي عواملها بالتفصيل؟ وما هي نتائجها بالتفصيل أيضاً؟ والأسئلة كثيرة، والأجوبة عليها من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله.

هذا هو المعنى اللغوي القرآني لكلمة (تأويل).

ومن هنا نعرف أن معرفتنا بمعاني القرآن الكريم، مهما تعمقت، تبقى ناقصة، وأن المعنى الكامل يبقى غائباً عنا، وهو ما يمكن أن يسمَّى (المعنى الباطن)، وهذا هو التأويل الذي يأتي يوم القيامة: ((وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)) [الأعراف:52، 53]، كما أن دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار هو أيضاً من تأويله.

2- المعنى الاصطلاحي الذي تتبناه الحركات الباطنية، من صوفية وغيرها، والذي هو موضوع بحثنا:

وهو إعطاءُ الكلمةِ معنىً يخالف المعنى اللغوي والشرعي المجمع عليه في كتب اللغة والأصول، ويتفق مع العقيدة الباطنية للمؤولين، يفتشون فيه، أو فيها (في اللفظ أو في الجملة) عن أي شيء يمكن أن يكون رمزاً أو إشارة إلى شيء من العقيدة الباطنية، فيبرزونه، موهمين أنه المعنى الحقيقي.

وفي التقية الصوفية، نواجه نوعين من التأويل:

* تأويل نصوص القرآن والسنة لتتفق مع باطلهم، ويسمونه أيضاً (التفسير الإشاري)، نذكِّر ببعضها:

- (لا إله إلا الله)، تأويلها: لا موجود إلا الله.

- و((إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)) [العلق:8]، تأويلها: إن المخلوقات ترجع إلى ربها الذي صدرت عنه لتندمج فيه.

- ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)) [آل عمران:191]، تأويلها:

عبارة: ((يَذْكُرُونَ اللَّهَ)) [آل عمران:191]، يدخل فيها ترديد كلمة: (الله حي) بتقاطيعها لا بألفاظها.

وعبارة: ((قِيَامًا وَقُعُوداً)) [آل عمران:191]، تشير إلى القفز، وبذلك تكون الآية مشيرة إلى الحضرة الصوفية! وينسون طبعاً أو يتناسون عبارة: ((وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)) [آل عمران:191]!

-...((قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)) [الإسراء:85]: معنى كونه ربانياً أنه من أسرار علوم المكاشفة ولا رخصة في إظهاره إذ لَمْ يظهره رسول الله صلى الله عليه وسلم([2])..

- ونزيد في التأكيد بإضافة نص للغزالي في (إحيائه)، مر في مكان سابق من هذا الكتاب. يقول:

...ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه، نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أولوه([3])..

إذن، فهم يؤولون نصوص القرآن والسنة التي تخالف كشفهم! وهذا يعني:

أ- لا يؤمنون إلا بكشوفهم وهلوساتهم كمصدر للاعتقادات والعبادات.

ب- ينكرون المعنى الصحيح للنص القرآني أو السني، ويرفضونه.

ج- يخافون من إعلان هذا الرفض؛ لأنه يجرد عليهم سيف الردة (سيف الحلاج).

د- لذلك يتظاهرون بالإيمان بنصوص القرآن والسنة المخالفة لكشوفهم، ولكنهم يقولون: إن لها معنى باطناً، هو معناها الصحيح.

هـ- يفتشون في النص عن أي شيء يمكن أن يروا فيه إشارة أو رمزاً لما يعتقدون.

و- يسلطون الأضواء على هذا الشيء ويبرزونه، وكأنه المعنى الحقيقي للنص!

ز- وإذا لم يستطيعوا إقناع الآخرين لقبول تأويلاتهم، عمدوا إلى خدعة أخرى؟ فقالوا عن المعنى الصحيح للنص: إنه المعنى الظاهر! وقالوا عن تأويلهم الباطل: إنه المعنى الباطن!

والنتيجة:

تأويل نصوص القرآن والسنة، هو كفر صراح بالنصوص، وأسلوب للتخلص من عقوبة هذا الكفر، وخداع للمسلمين لجرهم إلى ضلالات التصوف.

* النوع الثاني من التأويل الذي يمارسه المتصوفة في كل مناسبة هو تأويل ضلالاتهم، وتأويل نصوصهم الدالة على ضلالاتهم لإظهارها وكأنها لا تخالف الشريعة الإسلامية. يفعلون ذلك لأهداف:

أ- التستر على باطلهم، والتظاهر بأنهم لا يخالفون القرآن والسنة!

ب- الضحك على أذقان المغفلين لئلا يتهموهم بالكفر والزندقة.

ج- خداع المسلمين لإقناعهم أن الصوفية من الإسلام، ثم جرهم إليها.

د- خداع الذين لا يقتنعون بضلالات الصوفية، ليتركوا تلك النصوص تسري بين المسلمين بهدوء ليستطيعوا هم أن ينصبوا شباكهم بهدوء، ويصيدوا بها فرائس جديدة بهدوء. وبهذه الفرائس الجديدة يزيد مدد الشيخ وتستمر مسيرة الكهانة. وبهذه الفرائس الجديدة تزداد قناعة المجاذيب بأن جذباتهم التحشيشية الإشراقية هي فتوحات إلهية، وبأن هلوساتهم هي نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين.

وغفلة المسلمين جعلت المتصوفة يتمادون بالقول بالتأويل! فكلما جئتهم بنص من نصوصهم الضلالية، قالوا لك: هذا له تأويل! فنقول:

إن هذا التأويل، والقول بهذا التأويل، هو كفر وزندقة وردة، وهو كيد للإسلام ومكر بالمسلمين، وضحك على ذقون المغفلين لجرهم إلى أحضان الشياطين، ثم إلى جهنم وبئس المصير.

  • الخلاصة:

للكفر مدخلان:

1- رفض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بصراحة. وهذا كفر فيه صدق ووضوح.

2- تأويل ما جاء به محمد، أو بعض ما جاء به. وهذا رفض متستر، وهو كفر فيه خبث ومكر وكيد وخداع، فهو شر من الكفر الأول.

* المغالطة والمراوغة والمخادعة:-

سنورد صوراً سريعة من مغالطاتهم ومراوغاتهم ومخادعاتهم، حيث يأتي في قمتها أمران:

- الطريقة البرهانية الغزالية، أي: مزج الإسلام بالتصوف، وهو ما اعتادوا على تسميته بالتصوف السني.

- التأويل الاصطلاحي.

وتكاد كل خدعهم ومغالطاتهم ومراوغاتهم أن تكون فروعاً لهاذين الأصلين، منها:

- لو قال قائل: إن الصوفية كفر، لسمع أجوبة كثيرة مثل: الذي يصلي ويصوم ويقرأ القرآن... هل هو كافر؟

الجواب: إن الصلاة والصيام وقراءة القرآن ليست من الصوفية، بل هي من الإسلام الذي مزج به التصوف. والخمر لا يصير طيباً ولا حلالاً إذا مزج بالماء أو بالعسل، بل يبقى خبيثاً ومحرماً. وكذلك الصوفية تبقى زندقةً وكفراً ولو مزجت بالصلاة والصيام وقراءة القرآن والزكاة والقتال مع المجاهدين في سبيل الله...

- من المغالطات أن نسمع من يتظاهر بنقد التصوف، ويقول برزانة: إنهم يبالغون في التعبد، والمبالغة في التعبد ليست حراماً، ولكنها قد تثير الملل عند بعضهم...

- مما يرددونه دائماً وبعناد قولهم عن الآية: ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)) [آل عمران:191]، تعني الحضرة الصوفية!

الجواب: لا تساعد اللغة العربية على هذا الفهم، كما لم يفهمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، ولا التابعون ولا تابعوهم. ومعنى الآية هو أن يذكر المسلم الله في جميع الحالات.

- لو عرضت عليهم أحد النصوص الصوفية المشحونة بالكفر والزندقة، فسترى الجواب حاضراً: (هذا له تأويل)!!، أو يقولون: (هذا مدسوس).

- وهذه صورة من أساليبهم في المراوغة، يتسلى القارئ بتحليلها، يقول ابن عجيبة:

...ولذلك كان النظر في الكتب يضعف المسالك لتشعبها وكثرتها عند اختلاف الهمم، لا سيما من جُبلت طبيعته على علم الظاهر، فإنه أبعد الناس عن الطريق ما لم يدَّاركه الله بفتح منه؛ لأن التشريع كلُّ حكمة منها تحتها حِكَم، مَن لم يفهمها فبستانه مزهر غير مثمر، ومن هنا وقع الإنكار، حتى امتحن الله كثيراً من الصوفية على أيدي علماء الظاهر عندما نسبوهم للكفر والزندقة والبدعة والضلال! وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة، ((سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)) [الفتح:23].. ((وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ)) [الأنعام:9]. وما هلكت الأمم السابقة إلا بقولهم: ((إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)) [الزخرف:23]. فتحصل أن الإنسان إذا جال مع النفس في ميدانها فجاهدها حتى هذبها وطهرها من الأوصاف الحاجبة لها، رجعت نفسه حينئذ إلى أصلها، وهي الحضرة التي كانت فيها، إذ لم تكن بينها وبين الحضرة إلا الحجب الظلماتية، فلما تخلصت منها رجعت إلى أصلها نوراً مشرقاً([4])...

- نترك للقارئ التسلية بتحليل ما فيها من المخادعات والمغالطات، لكن ننبه إلى نقطة واحدة فقط، هي قوله: (حتى امتحن الله كثيراً...وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة، ((سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ...)) [الفتح:23]، فنقول له: هذا افتراء على الله الكذب، فأكثر من نصف سكان الأرض يؤمنون بسر الخصوصية، هذا الذي تدعيه، ولم يمتحنوا لا هم ولا كهانهم، فالأيونيون والرواقيون والإيلوسيون والغنوصيون والهنادكة والبوذيون والطاويون وغيرهم، كلهم كانوا وما زالوا يحترمون كهانهم الذين تحققوا بسر الخصوصية ويبجلونهم، ولم يُمتحن أصحاب هذا السر إلا في الإسلام!

لذلك، فإما أن يكون أصحاب سر الخصوصية كفاراً زنادقة، أو يكون الإسلام غير صحيح، ولا ثالث لهاذين الاحتمالين.

- ومن مغالطاتهم، قول محمد المهدي الصيادي (الرواس): ومما لا يلتفت إليه التشدق بما أبهمه وأوهمه المبتدعة أهل الوحدة المطلقة([5])....

هذا القول هو مثل قولهم: علومنا مقيدة بالقرآن والسنة، ومثل قول قائلهم: لا يكون الصديق صديقاً حتى يشهد له في حقه سبعون صديقاً أنه زنديق؛ لأن الصديق يعطي الظاهر حكم الظاهر والباطن حكم الباطن، ويحمل نفس معنى العبارة: اجعل الفرق في لسانك موجوداً والجمع في جنانك مشهوداً، وأترك تحليلها للقارئ، مع التذكير بأن أهل الوحدة المطلقة هم الذين يصرحون بوحدة الوجود ولا يقيدون عباراتهم بالرمز واللغز.

- ومن أساليبهم في المغالطة قول عبد الكريم الجيلي:

...فلا بد لمن يقصد معرفة علمنا هذا.. أن يقيس العلوم الواردة إليه على الأصول المشروعة التي قد ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع؟ فما وجده من تلك العلوم موافقاً للشريعة فيقصده ويتجلى به، وما وجده مخالفاً توقف عن استعماله إلى أن يفتح الله على ما يؤيده من الشريعة، فيستعمله حينئذ([6])...

لملحوظة المغالطة هنا يجب أن ننتبه إلى قوله: وما وجده مخالفاً توقف عن استعماله إلى أن يفتح الله على ما يؤيده من الشريعة.

إذن، فما يخالف القرآن والسنة ليس كفراً، ولا يجب تركه ونبذه، وإنما يتوقف فقط عن استعماله ريثما يفتح الله عليه (تعالى الله عن الخداع)، بنص يمكن تأويله بما يوافق المخالفة.

- ومن مغالطاتهم ومراوغاتهم قول الجيلي نفسه:

...ثم قال الإمام الأكمل: كل حقيقة لا يؤيدها شريعة فهي زندقة، يريد أن كل علم يَرِدُ عليك من الحقائق التي لا تؤيدها الشريعة، فاستعمال ذلك العلم زندقة منك؛ لأنك تفعل خلاف الشرائع؛ لأن الحقائق فيها زندقة، إذ ليس في الحقائق مسألة إلا وقد أيدها الكتاب والسنة([7])...

أرجو من القارئ أن ينتبه إلى قوله: فاستعمال ذلك العلم زندقة منك...، وأن يحلل بنفسه المغالطة والمراوغة في هذه العبارة وفي النص كله.

- ومن أشهر مغالطاتهم قولهم بالدس عليهم، وهذا مثل منها:

يقول عبد الوهاب الشعراني:

...وكان (ابن عربي) متقيداً بالكتاب والسنة... وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه، كما أخبرني بذلك سيدي الشيخ أبو الطاهر المغربي نزيل مكة المشرفة، ثم أخرج لي نسخة (الفتوحات) التي قابلها على نسخة الشيخ التي بخطه، في مدينة قونية، فلم أر فيها شيئاً مما كنت توقفت فيه وحذفته حين اختصرت (الفتوحات)([8]).

- جوابنا: لم يبين لنا القطب الرباني شيئاً من هذه المدسوسات. ثم إن كل ما في (الفتوحات) يدور حول وحدة الوجود، إما تصريحاً، أو بالعبارة الصوفية، ولو حذفناها لما بقي من (الفتوحات) شيء! فما الذي يمكن أن يدس عليها؟ وهل يحتاج البحر الميت إلى دس الملح عليه ليغدو ملحاً؟؟ ثم إن الفتوحات لا يطبعها إلا المتصوفة وأقطابهم، ولا يهتم بدراستها إلا المتصوفة وأقطابهم، فلِمَ لا يحذفون هذا المدسوس؟... والأسئلة كثيرة.

- ويتمم الشعراني مراوغاته:

وقد دس الزنادقة تحت وسادة الإمام أحمد بن حنبل في مرض موته عقائد زائغة، ولولا أن أصحابه يعلمون منه صحة الاعتقاد لافتتنوا بما وجدوه تحت وسادته.

وكذلك دسوا على شيخ الإسلام مجد الدين الفيروزأبادي صاحب (القاموس) كتاباً في الرد على أبي حنيفة وتكفيره، ودفعوه إلى أبي بكر الخياط اليمني البغوي، فأرسل يلوم الشيخ مجد الدين على ذلك، فكتب إليه الشيخ مجد الدين: إن كان بلَغَك هذا الكتاب فأحرقه فإنه افتراء من الأعداء، وأنا من أعظم المعتقدين في الإمام...

الجواب على هذا الكلام (مع غض النظر عن صدقه أو كذبه):

عرف أصحاب أحمد بن حنبل العقائد الزائفة المدسوسة فنبذوها، ولم يبق لها أثر، فلِمَ لا تفعلون مثل ذلك وتنبذون ما في كتب المتصوفة من وحدة الوجود وأساليب التقية، وخداع المسلمين؟؟ لِمَ لا تفعلون ذلك؟ إذ لو فعلتم ذلك لأصبحت كتب الصوفية شبه بيضاء.

- يتمم:

وكذلك دسوا على الإمام الغزالي عدة مسائل في كتاب (الإحياء)، وظفر القاضي عياض بنسخة من تلك النسخ فأمر بإحراقها.

وكذلك دسوا علي أنا في كتابي المسمى بـ(البحر المورود) جملة من العقائد الزائفة وأشاعوا تلك العقائد في مصر ومكة نحو ثلاث سنين، وأنا بريء منها...

- نقول: بمثل هذا يخادعون الذين آمنوا ويغالطونهم ويستجرونهم إلى ظلمات التصوف، أو على الأقل يوهمونهم أن المتصوفة مظلومون مكذوب عليهم. والقول بأنهم دسوا على الغزالي مسائل في (الإحياء) هو كذب. وقوله: إنهم دسوا عليه في (البحر المورود) هو كذب، ومثل هذا الكذب يدل على أن قائله لا يخاف الله ولا يرجو اليوم الآخر، مع العلم أن كتاب (الإحياء) الذي أمر القاضي عياض بإحراقه هو نفس هذا المتداول بين الأيدي الآن.

- ومن أبشع مغالطاتهم ومخادعاتهم في كتبهم التي يترجمون فيها لأعيانهم، أنهم يوردون قبل كل شيء أسماء كبار الصحابة على أنهم من أولياء الله المتصوفة، ثم يوردون أسماء كهانهم، ويخلطون معهم علماء أجلاء مثل ابن حنبل أو الشافعي أو الثوري أو العز بن عبد السلام أو ابن الجوزي أو غيرهم، فيوهمون الغافلين ويستجرونهم إلى أحضان إبليس.

- وهذا نص من كتاب حديث العهد، قد يزيد عدد الأكاذيب فيه عن عدد سطوره: ولما كان أهل الله هم أهل الرحمة الواسعة، وهم أهل الفتوة والشفقة على عباد الله عامة، فما بالك بمن وقع فيهم من الأمة المحمدية خاصة، سواء كان هذا الوقوع منهم عن قصدٍ أو خطأ في الاجتهاد، فإلى الإمام ابن تيمية ومقلديه من أصحاب سوء الظن بعباد الله، أنقل هذه العبارة من (الفتوحات المكية) (الجزء: الأول) (الصفحة: 616): يقول الشيخ الأكبر: إن من فتوة أهل هذا الطريق ومعرفتهم بالنفوس أنهم إذا كان يوم القيامة، وظهرما لهم من الجاه عند الله، خاف منهم من آذاهم هنا في الدنيا...

- للقارئ أن يتسلى بتحليل هذا النص، لمعرفة ما فيه من افتراءٍ على الله سبحانه، ومخادعةٍ ومراوغةٍ ومناقضةٍ للقرآن والسنة، وتَعَالُمٍ بالغيب.

لكن هذا الإصرار على الكيد للإسلام والمكر بالمسلمين، بأسلوبه العميق الهادئ الأملس المتلوي الذي يحشو زعاف السم في برشامات جميلة المظهر مكتوب عليها: أهل الله، أهل الرحمة، الشفقة على عباد الله..، هذا الإصرار بهذا الأسلوب الخبيث يجعلنا نتوجه إلى الله سبحانه بقلوبنا وكل حواسنا سائلين إياه أن يهدي هذه الطائفة الضالة المضلة، أو أن يكبتها فيقف كيدها ومكرها بالإسلام والمسلمين.

- ومن الملحوظات: يتحدث عن أهل الله الذين هم أهل الرحمة...والجواب:

نعم يوجد في بني آدم من هم من أهل الله ومن أهل الرحمة...ولكن ما هو برهان هذا الدعي أنهم هم المتصوفة؟ وهل تكفي وسوسات إبليس للبرهنة على ما يدعيه؟!

- ثم هو يهاجم بأسلوب فيه نعومة أولئك الذين يسميهم: أصحاب سوء الظن بعباد الله..، والجواب:

إن الذين يحكمون على التصوف بأنه مستنقع الكفر والزندقة والضلال، إنما يعتمدون في ذلك على النصوص المبينة من القرآن والسنة، وعلى مخالفة الصوفية الواضحة وضوح الشمس في رائعة نهار مشرق لهذه النصوص، جملةً وتفصيلاً، وعلى التزام المتصوفة بالكذب الفاجر الذي لا حدود له، عندما يقولون دون خوف من الله تعالى ولا خجل من عباده: إنهم ملتزمون بالقرآن والسنة! بينما هم في الحقيقة ملتزمون بهلوسات الجذبة التي يسمونها الكشف.

فهل المسلمون الذين يبينون للناس هذا المنكر الماحق، هم من أصحاب سوء الظن بعباد الله؟!

إن إحسان الظن واجب عندما يتعلق الأمر بمسائل شخصية بحتة.

أما إن كان يمس دين الإسلام وأمة الإسلام، فإحسان الظن والسكوت هما دخول في لعنة الله: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) [المائدة:79]. وواجب المسلم العمل على إزالة المنكر، وواجب أصحاب المنكر أن يسرعوا في ترك المنكر مع التوبة والاستغفار، فإن أصروا على منكرهم وعلى الدعوة إلى منكرهم! فهل يستطيع مسلم يخاف الله ويرجو اليوم الآخر أن يحسن الظن بهم؟!

- ثم يورد المؤلف قول شيخه الأكبر: إن من فتوة أهل...وظهر ما لهم من الجاه عند الله، خاف منهم من آذاهم...

والجواب:

أ- إن تزكية النفس هي من كبائر الإثم: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:49، 50].

 ((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) [النجم:32].

 ((وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)) [الأحقاف:9].

ب- قوله هذا هو، على كل حال، أمر غيـبي لا يُعرف إلا بنص من القرآن والسنة، ونصوص القرآن والسنة تحكم عليهم أنهم من أضل عباد الله.

- وهذا نص آخر من نفس الكتاب الذي قد يزيد عدد الأكاذيب فيه عن عدد سطوره، يقول:

وكان الشيخ أبو مدين...إذا قيل له: قال فلان عن فلان عن فلان، يقول: ما نريد نأكل قديداً، ائتوني بلحم طري، وفي رواية: أطعمونا لحماً طرياً، كما قال الله تعالى: ((لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيَّاً)) [النحل:14]، لا تطعمونا قديداً.

يعلق المؤلف فيقول: أي لا تنقلوا إلينا إلا ما يُفتح به عليكم في قلوبكم، لا تنقلوا إلينا فتوح غيركم...

- الجواب: نستطيع أن نعرف المغالطة في هذا الأسلوب والمخادعة، إذا عرفنا أنهم يعتقدون أن الوحي الذي كان ينزل على محمد هو فتوح مثل فتوحهم.

- وكل كتبهم هي من مخادعاتهم ومراوغاتهم، وفي مقدمتها: (اللمع) ولو أنصف لسماه (الظلم)، و(إحياء علوم الدين) ولو صدق لسماه (إحياء علوم الكهانة)، و(الرسالة القشيرية) (رسالة الضلال والدجل)، و(الحكم العطائية) التي هي (نقم ضلالية كفرية)، مروراً بكل كتبهم حتى الوصول إلى الحديث منها، وإلى ما سيؤلَّف في آتٍ من الزمن.

إن كل كتاب جديد يؤلف في التصوف، إنما هو أسلوب جديد في المخادعة والمراوغة والدجل يقدمه مؤلفه ليدعم به مسيرة الكهانة في الأمة الإسلامية.

ومثلاً منها: كتاب من كتبهم الحديثة التي يقتنونها بنشاط، نرى عناوين فصوله كما يلي:

- التعريف: نقرؤه فلا نجد فيه شيئاً من التعريف، وإنما نجد جملاً دعائيه يزينون بها الصوفية للقارئ ليخدعوه ويضللوه.

- الاشتقاق: نقرؤه فلا نجد فيه أي بحث علمي صحيح عن الاشتقاق إلا جملاً للدعاية للصوفية.

ثم نقرأ - كما في كل كتبهم- فصولاً عما يسمونه المقامات، مثل التوبة والزهد والورع والتوكل...إلى آخر ما هنالك، وهي كما رأينا، لا علاقة لها بالطريقة ولا بالحقيقة، وإنما هي أساليب دعائية يزينون بها الدعاية للصوفية بأسلوب ماهر ذكي يخدعون به القارئ الذي يجهل ما هي الصوفية.

- ومن أساليبهم الناعمة في المغالطة، إيرادهم قصصاً عن بعض شيوخهم تظهر تمسكهم بالإسلام أو ببعض سننه، وكيف أنهم ينفرون من الإخلال بالآداب الإسلامية، ويجعلون هذا دليلاً على صحة الصوفية.

والجواب: إن التمسك بالتعاليم الإسلامية وسننها وآدابها هو من الإسلام وليس من الإشراق، والتمسك بالإسلام وآدابه لا يجعل الإشراق إحساناً، ولا الزندقة إيماناً، وهم عندما مزجوا الإشراق بالإسلام أساءوا إلى الإسلام ولم يغيروا شيئاً في الإشراق.

- ومن أساليبهم الناعمة في المغالطة: ذكرهم لبعض الطرق التي عمل بعض أتباعها أو مشايخها على نشر الإسلام بين غير المسلمين، أو قاتلوا الاستعمار وجاهدوا لإعلاء كلمة الإسلام.

والجواب على هذا مثل الجواب على سابقه، هو أن العمل على نشر الإسلام والجهاد في سبيل الله هو من تعاليم الإسلام ولا علاقة له بالإشراق، ويبقى الإشراق زندقةً وكفراً ولو جاهد أصحابه في سبيل الله، ويبقى مزج الإشراق بالإسلام ضلالاً بعيداً وإساءةً كبرى للإسلام وتدميراً للعقيدة في نفوس المسلمين. وهل يصبح الزنا (مثلاً) ولاية إذا مزجه مازجٌ بالإسلام؟!

* الوحدة المطلقة:

الوحدة المطلقة هي التصريح بوحدة الوجود بالعبارة المطلقة، أي غير المقيدة بالإشارة والرمز واللغز، وهذا هو الكفر والزندقة عندهم؛ وهم لا يعنون بالكفر والزندقة الخروج من الولاية والصديقية، لا، وإنما يعنون بها أنها كفر وزندقة بالنسبة للشريعة (التي هي الظاهر) لا بالنسبة للحقيقة، إذ هي عندهم، بالنسبة لحقيقتهم، ولاية وصديقية وقرب ومعرفة، لكن يجب أن تبقى مكتومة وألا يعبر عنها إلا بالعبارة الصوفية، وهم في واقع الأمر يستعملون عبارة (الوحدة المطلقة للخداع والتضليل والتهرب من سيف الحلاج).

وقد مر معنا قول قائلهم: إن الجنيد والشبلي أفتيا بزندقة الحلاج وبقتله، وهما يعلمان أنه ولي الله حقاً، كما رأينا قول عارفهم الغوث: وبويعت في الحضرة على التباعد عن أناس ابتُلوا بالانتقاد والاعتراض على أولياء الله تعالى، وذلك فيما يقبل التأويل! وهو يعني بهذا أن العبارة الصوفية يجب أن تكون قابلة للتأويل ليمكن بذلك خداع المسلمين! أما إن لم تكن قابلة للتأويل فالذنب ذنب الصوفي عندئذ؛ لأنه سيكون من أهل الوحدة المطلقة، الذين لا يقيدون عبارتهم بالإشارة والرمز واللغز التي تجعل التأويل ممكناً، والتي هي مجن الطريقة البرهانية الغزالية التي تترست به، فاستطاعت أن تخدع المسلمين وعلماء المسلمين طيلة تسعة قرون أو تزيد، واستطاعت بذلك أن تصل إلى غاية إبليس من ورائها بتحريف العقيدة الإسلامية في النفوس، ودفعها إلى التخبط في ظلمات بعضها فوق بعض، وإيصال المجتمعات الإسلامية إلى ما هي عليه من فساد وضياع.

ومثال ممن يقولون عنهم إنهم من أهل الوحدة المطلقة (ابن سبعين) لمثل قوله:

كم ذا تموه بالشعبين والعلم                   والأمر أوضح من نار على علم

فهو يطلب ترك التمويه بالإشارة والرمز (كم ذا تموه بالشعبين والعلم)، ويدعو إلى الصدع بحقيقتهم التي هي في نظره أوضح من نار على علم. وقولهم عنه إنه من أهل الوحدة المطلقة لا يعني مطلقاً أنهم لا يعتقدون بولايته العظمى وقطبيته، هذا إن لم يكونوا يعتقدون بغوثيته.

ومثله عمر بن الفارض، لمثل قوله:

وصرح بإطلاق الجمال ولا تقل               بتقييده ميلاً لزخرف زينة

وكلنا يعلم أن عمر بن الفارض عندهم هو سلطان العاشقين، حتى قال فيه شاعرهم:

لم يبق صيب مزنة إلا وقد                   وجبت عليه زيارة ابن الفارض

ومن المشيخات الصوفية التي يجعلونها من أهل الوحدة المطلقة (الطريقة السبعينية)،

لأن ذكرهم كان: (ليس إلا الله) بدلاً من: (لا إله إلا الله)؛ لأن عبارة: (ليس إلا الله) تصرح بوحدة الوجود، ولا تقيدها بالإشارة والرمز واللغز.

وأعيد القول: إنهم يعنون بعبارة (الوحدة المطلقة) أي: الوحدة غير المقيدة بالإشارة والرمز واللغز.

 

 *********************************

 

([1]) سنن ابن ماجة، المقدمة، (حديث: 43).

([2]) إحياء علوم الدين: (3/243).

([3]) إحياء علوم الدين: (1/92).

([4]) إيقاظ الهمم، (ص:349).

([5]) فصل الخطاب، (ص:203).

([6]) المناظر الإلهية، (ص:9).

([7]) المناظر الإلهية، (ص:9).

([8]) اليواقيت والجواهر: (1/6).

  • الخميس PM 04:19
    2021-08-12
  • 1819
Powered by: GateGold