المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412199
يتصفح الموقع حاليا : 321

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1628773853589.jpg

مناقشة الطرق الصوفية

الفصل الأول
مناقشة مفهوم الصوفية للشيخ

عرفنا أن الطرق الصوفية كالقادرية والرفاعية والشاذلية والنقشبندية وغيرها، ما هي إلا مشيخات، ما هي إلا اتباع للشيوخ، فمناقشتها هي مناقشة عقيدة (الشيخ) عندهم.

كما عرفنا أن الطريقة الوحيدة الأممية التاريخية والحالية والمستقبلية هي طريقة (الإشراق).

وأهم ما في الطريقة الشيخ وصحبة شيخ وهي أصل طريقهم فما نبتت أرض بغير فلاحة، كما عرفنا من النصوص السابقة، وهي جرعة من سيل، أنهم يتخذون الشيوخ آلهة يعتقدون أنهم ينفعون ويضرون، وأن بيدهم النجاة.

ومن أقوالهم في ذلك: الدين إطاعة رجل.

كما رأينا من أقوال عارفيهم وأقطابهم وعلمائهم البراهين الكافية الوافية على أنهم يتخذون الشيخ إلهاً من دون الله، أو شريكاً معه يسبغون عليه كل صفات الألوهية. ومن أقوالهم التي مرت قول قائلهم (الغوث): لو كشف عن نور الولي لعبد من دون الله.

ولا بأس على القارئ الكريم من الرجوع إلى تلك الفصول مرة أخرى، ليبعث أقوالهم حية في ذاكرته، ثم يعود لمتابعة المناقشة.

وطبعاً، ستكون المناقشة بعرض أقوالهم وأفعالهم وعقائدهم على القرآن والسنة قبل كل شيء.

1- يقول سبحانه في كتابه العزيز: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) [النساء:59].

واضح من الآية الكريمة كل الوضوح، وبدون لبس أو إشكال أو غموض، أن من يرد ما يُتنازع فيه إلى غير الله ورسوله، فهو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.

وردُّ الشيء إلى الله والرسول، يعني عرضه على الكتاب والسنة، فالقرآن كلام الله، والسنة كلام رسوله الموحى معناه من الله سبحانه.

والصوفية يردون كل شيء إلى شيوخهم، ويطلبون من الآخرين أن يردوه إليهم، ويكفي إيراد قولٍ واحدٍ لأحد أقطابهم: ...وإن قال (قائل) للمريد: إن كلام شيخه معارض لكلام العلماء أو دليلهم، فعليه الرجوع إلى كلام شيخه...وإذا خرج المريد عن حكم شيخه وقدح فيه، فلا يجوز لأحد تصديقه؛ لأنه في حال تهمة لارتداده عن طريق شيخه.

- السؤال: أيها المسلم المؤمن، ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا ومثله؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟

إن الآية الكريمة تضع الجواب الكريم: ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) [النساء:59]، التي يُستنبط منها: إن كنتم لا تؤمنون بالله واليوم الآخر، فردوه إلى الشيخ أو إلى من تريدون.

2- ويقول سبحانه: ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [الشورى:21].

فكل شرع في الدين، كائناً ما كان، لم يأذن به الله فهو شرك.

والشيوخ في الصوفية يشرعون في دينهم كل ما لم يأذن به الله، ونكتفي بإيراد قول قطبهم المدَّرك:

من يذكرالله تعالى بلا شيخ، لا الله حصل ولا نبيه ولا شيخه.

فمن أين أتى بهذا التشريع؟ وما هوحكم من يأخذ بهذا التشريع الوثني؟

ونعود للسؤال؟ ما هوحكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا ومثله؟ أويفعله؟ أو يعتقده؟

والآية الكريمة تقرر الجواب: ((وإن الظالمين لهم عذاب أليم)).

3- يقول سبحانه في وصف أهل الكتاب: (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) [التوبة:31]. يورد ابن كثير: سمع عدي بن حاتم الطائي (وكان نصرانياً فأسلم) هذه الآية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: {إنهم لم يعبدوهم}، فقال صلى الله عليه وسلم ما معناه: {بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم}.

وقد فعل الصوفية ذلك واتخذوا شيوخهم أرباباً من دون الله. ونكتفي بقول لحجتهم الغزالي:

...فالعلم بحدود هذه الأمور (أي: المجاهدات والمقامات)...هوعلم الآخرة، وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة...

وهو كلام واضح صريح، لا يُحتاج معه إلى غيره؛ لأنه كلام من يسمونه (حجة الإسلام)، مع أن غيره يملأ الكتب، على أنهم يحلون ويحرمون ويفرضون الفروض ويسنون السنن.

والسؤال: قل لنا أيها المسلم المؤمن، ما هو حكم الشريعة الإسلامية فيمن يقول مثل هذا؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟

وفي الآية الكريمة الجواب: ((سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [الطور:43].

4- ويقول سبحانه: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ...)) [البقرة:165].

وقد اتخذ المتصوفة من شيوخهم أنداداً يحبونهم كحب الله، بل أشد حباً، حتى كأن الآية أنزلت فيهم خاصة، وهذا قول مر معنا لأحد أقطابهم العظام: (حقيقة حب الشيخ أن يحب الأشياء من أجله ويكرهها من أجله، كما هو الشأن في محبة ربنا عز وجل).

وقول الآخر: الطريق ذكر الله ومحبة الشيخ.

والسؤال: ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟

إن الآية الكريمة تعطينا الجواب الكريم: ((وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)) [البقرة:165].

5- قال ربعي بن عامر لكسرى: [[بعث الله إلينا رسولاً ليخرجنا من عبادة الناس إلى عبادة رب الناس]].

وجاءت الصوفية لتعكس الآية وتعيد الشرك إلى مساره، فتخرج الناس من عبادة رب الناس إلى عبادة المشايخ وعبادة قبور المشايخ!

والسؤال: ما هو حكم الشريعة الإسلامية على هؤلاء؟ بل ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يتوقف في الحكم عليهم؟

6- سيقول لك المتصوفة وشيوخهم وكثير من الغافلين والمغفلين: معاذ الله، الصوفية لا يعبدون الشيوخ، لا يعبدون إلا الله...وقد يقدمون بعض الأمثلة الموهمة والمتداولة بينهم.

فنجيب: لا، بل يعبدون الشيوخ، وهذه أقوالهم وأقوال عارفيهم وأقطابهم الذين يتبركون بالركوع أمام قبورهم ولثم حجارتها والاستغاثة بما فيها من رمم، وأمثلهم طريقة ذلك الذي يعتقد أنهم يقربونه إلى الله زلفى وحسن مآب، وهذه أفعالهم كلها شاهدة عليهم بوضوح كوضوح الشمس في رائعة نهار مشمس، على أنهم يؤلهون الشيوخ ويعبدونهم. ولو جمعت أقوال عارفيهم في تأليه الشيوخ لملأت ألوف الصفحات.

وإنكارهم هذا، يسمى في الشريعة الإسلامية وفي اللغة العربية وفي جميع ما تعارف عليه البشر من أخلاق (الفجور).

- وسيقول بعضهم، متحرفاً لقتال (وفي لغة العصر مناورة): هذا واقع كثير من المتصوفة، وهو من الدخن والانحراف الذي أصاب التصوف كما أصاب غيره من أمور الشريعة. والتصوف الحق بريء من ذلك.

فنقول: (شنشنة نعرفها من أخزم). إن واقع المتصوفة منذ أن وجدت الصوفية وفي كل الأمم، لا في المسلمين وحدهم، هو تأليه الشيخ وعبادته، وهي الطريق التي توصل المريد أو السالك إلى استشعار الألوهية، أما من يصل إلى الجذبة دون شيخ فيسمونه هم: (المراد)، ويعنون بها أن الله أراده فجذبه إليه.

وهذا افتراء على الله الكذب؛ لأن القرآن ينفي على لسان المسيح صلوات الله عليه أن يعرف أحد ما يريده الله: ((إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)) [المائدة:116]، ونقول لهم: هذه صورة من مراوغاتكم (للالتفاف حول الهدف)، أتقنتموها أنتم وأشياخكم تظهرونها وتخفونها حسب الظروف المحيطة، وهي من أساليب التقية الواجبة في عقيدتكم الصوفية كما قال الغزالي:

وإن كان قد صح الخلاف فواجب            على كل ذي عقل لزوم التقية

7- وقد يأتي من لا يستحي من أن يقول: إن كلام العارفين هذا له تأويل!! فنقول له: لقد انتهينا من خرافة التأويل، وأحبولة التأويل، ومغالطة التأويل، وخدعة التأويل، ((يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)) [البقرة:9، 10].

لأنهم إذ يقولون هذا له تأويل، فهم يخادعون ويكذبون ويدجلون ويمكرون لجر المسلمين إلى زندقاتهم.

8- يدعون حب الله، وما أكثر أقوالهم في ذلك وفي العشق الإلهي. ومن المقامات التي يدعيها بعضهم في السلوك إلى الجذبة ما يسمونه (المحبة والشوق) إلى الله.

والله سبحانه وتعالى يقول آمراً رسوله أن يعلمنا: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) [آل عمران:31]. فالله سبحانه يأمرنا إن كنا نحبه، أن نتبع رسوله، وهذا يعني أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هو الدليل على حب الله، وعدم اتباعه دليل على عدم حب الله، وهؤلاء القوم يتبعون المشايخ الذين يأمرونهم بتأليه الرسول لا باتباعه. فهل هم بعد ذلك صادقون بادعائهم حب الله؟

الجواب: هو ما تقرره الآية الكريمة، بأنهم لا يحبون الله، وهذا هو واقعهم، فهم يحبون الجذبة واللذة التي يجدونها أثناء الجذبة والتي تستغرق كل خلية في كيانهم، وهي لذة تحشيشية جنسية يتوهمون أنها إلهية، ثم بعد أن يقعوا في الجذبة عدداً كافياً من المرات، يصابون بمرض الإدمان، مثل الإدمان الذي يصيب متعاطي الأفيون تماماً، حتى إذا ما امتنعت عليهم الجذبة في بعض الأحيان لسبب ما، أصيبوا بنفس الأعراض التي تصيب مدمن الأفيون عندما ينقطع عنه، من وله قاتل وصداع وما يشبه الجنون. وهذا هو ما يسمونه (العشق الإلهي) الذي يظهر في بولهم.

النتيجة: الذين يتبعون المشايخ لا يحبون الله، إذ لوكانوا يحبونه لاتبعوا رسوله. ويقول سبحانه: ((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ)) [الأعراف:3]، هذا أمر من الله، يكفر من يخالفه.

وهؤلاء القوم يتبعون من دونه المشايخ، يأمرونهم بكل ما لم ينزل به الله سلطاناً فيأتمرون به! يأمرونهم بالركوع للشيخ فيركعون! يأمرونهم بالرابطة التي يسمونها (شريفة) فيطيعون! يأمرونهم بالرقص فيرقصون! يأمرونهم بأوهام كشوفهم في العقائد والعبادات فيأتمرون! فهل يكونون بعد ذلك من أهل القرآن؟!

إن أهل القرآن هم الذين يعملون بأوامره وينتهون عن نواهيه.

- يقول سبحانه: ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا)) [الجاثية:18]. فهل يتبعها هؤلاء القوم؟ طبعاً لا، لأنهم عندما يتبعون مشايخهم فقد خرجوا من اتباع الشريعة. وقد مر معنا قول أقطابهم للخادم: كل ولك أجر صوم شهر، وكل ولك أجر صوم سنة، وموافقة عالمهم القطب القشيري على ذلك.

فهل هذا هو اتباع للشريعة الإسلامية؟ طبعاً لا!

1- رأينا قول أبي مدين المغربي في الشيخ:

ففي رضاه رضا الباري وطاعته                 يرضى عليك فكن من تركها حذراً

وقول عبد القادر الجيلاني: إذا لم تفلح على يدي لا فلاح لك قط.

وقوله: والتحبب إلى الشيوخ من الأولياء والأبدال إذ ذاك سبب لدخوله في زمرة الأحباب.

وغيرها وغيرها من الأقوال التي تملأ ألوف الصفحات. فما هو حكم الإسلام في ذلك؟

يقول سبحانه: ((فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)) [الزمر:2، 3].

إن المتصوفة هم أول من تنطبق عليهم أحكام هذه الآية باتخاذهم أولياء من دون الله ليقربوهم إلى الله زلفى...

- والسؤال: لِمَ -إِذَنْ- يقدسون الشيخ هذا التقديس؟ وما هي فائدته؟

- إن للخضوع الكامل للشيخ ولعبادته وتقديسه فائدتين عظيمتين:

أ- خرق العادة: فمن القواعد المقررة أن الشياطين لا تقدم خدماتها للساحر إلا بعد أن يكفر: ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)) [البقرة:102]، والسحر هو الكهانة، وهي الصوفية؟ فكلما ازداد المريد غلواً في إشراكه الشيخ بالله، كلما ازدادت أمامه الخوارق الشيطانية، التي يسمونها (كرامات)، ويعزونها إلى المدد المفاض عليهم من الشيخ!

ب- التحقق أثناء الجذبة بالفناءات في الله: (الفناء في صفات الله وفي أسمائه وفي ذاته)، أو (التحقق بالألوهية)، وذلك أن المجذوب يرى في أحلام جذبته، صوراً هي خليط من انطباعات قديمة وحديثة مستقرة في أعماق لا شعوره، تختلط مع أماني وطموحات تسربت إلى أعماق نفسه من المحيط الذي يعيش فيه، وهذا هو نفس ما يراه متعاطي الحشيش والأفيون وعقار الهلوسة، وبدون الشيخ تكون رؤى المجذوب مثل رؤى الحشاش، تدور حول الجنس واللهو واللذة أو الحقد والحسد،

لكن الشيخ، بخبرته التي استقاها هو أيضاً من شيخه، يغرس في نفس المجذوب طموح العروج إلى السماوات والعرش والجلوس مع الله (جل الله)، ثم الفناء فيه بحيث يرى نفسه أنه جزء منه (سبحانه)، أو أنه هو هو بكامل أسمائه وصفاته (سبحانه وتعالى عما يصفون)، ويرى في أحلام جذبته أنه يتصرف بالكون، ويقول للشيء كن فيكون. ولا ينجح الشيخ بهذه المهمة إلا إذا كان المريد قد عجن عقله وعواطفه ونفسه كلها بحب الشيخ وتقديسه وطاعته، بحيث تغدو كلمة الشيخ جزءاً من كيان المريد لدى التلفظ بها.

ويجب ألا ننسى أن قوة شخصية الشيخ وجاذبيته تلعبان دوراً هاماً في استقطاب قلوب مريديه وعواطفهم حوله وتساعدان على تهيئتهم لرؤى (تحشيشهم الروحاني) التي يسمونها (الكشف).

وفي هذا يقول الغزالي:

...فكذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه، وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها...فمعتصم المريد بعد تقديم الشروط المذكورة شيخه، فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد([1])...اهـ.

ولذلك قالوا أيضاً: من لا شيخ له فشيخه الشيطان؛ لأن رؤاه تكون مثل رؤى الحشاشين تماماً.

- وأخيراً، لنقرأ قوله سبحانه: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ)) [المؤمنون:1-10].

ولم يقل سبحانه: قد أفلح الذين يتمسكون بالشيخ، أو لا يفلح إلا باتباع شيخ، أو من لا شيخ له فشيخه الشيطان...أو بقية الشركيات.

- وهنا يقف المسلم الصادق أمام أمرين لا ثالث لهما: إما أن يؤمن بالقرآن الكريم ويكفر بهؤلاء القوم وبعقيدتهم، وإما أن يؤمن بهم وبعقيدتهم ويكفر بالقرآن الكريم، وأي طريق آخر لا وجود له إلا بالمراوغة والدجل.

 

 

الفصل الثاني
مناقشة الرياضة (المجاهدة)

لنبدأ المناقشة بقراءة آيات من كتاب الله: ((قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)) [الأنعام:50].

((قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي)) [الأعراف:203].

((قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)) [يونس:15].

((إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)) [الأحقاف:9].

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رسول الله، لا يأتي من عنده بشيء في التشريع مطلقاً، وكل شيء يأمر به وينهى عنه فهو اتباع لما يوحى إليه. ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم:4].

ويأمره الله سبحانه، والأمر موجه لكل من يتبع الرسول: ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا)) [الجاثية:18]. ((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ)) [الأعراف:3].

 ((وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)) [النور:21]. ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ)) [القصص:50].

والآيات كثيرة. والأحاديث كذلك كثيرة. منها: {وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة}. {من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد}.

ومن القواعد الأصولية المقررة: (كل العبادات باطلة إلا ما نزل به نص). فهل يتبع الصوفية آيات الله وأحاديث رسوله، فيما يسمونه افتراءً (السير إلى الله)، وما هو إلا السير إلى الجذبة، وإلى الرؤى العصابية والشيطانية التي يستشعرونها في الجذبة. هل يتبعون آيات الله وأحاديث رسوله؟؟

1- الخلوة:

ليست من العبادات الإسلامية، ولا خلوة في الإسلام، وهي بدعة محدثة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أصحابه وتابعيهم وتابعي تابعيهم.

إنها بدعة محدثة في الإسلام، أما في الأمم الأخرى فهي قديمة قدم الكهانة.

2- الصمت:

وهو مناقض للعبادة في الإسلام، إذ العبادة هي أقوال وأعمال معينة، علمها الرسول للمسلمين ليتبعوها ولا يتبعوا غيرها. (وإلا فما هي الفائدة من رسالته؟).

ولا يوجد أي نص يجعل الصمت من العبادة الإسلامية، فهو بدعة.

وهو موجود في كل الأمم التي بنيت عقائدها على الكشف والإشراق.

3- الجوع:

فرض الله سبحانه صيام رمضان، وسن رسوله صلى الله عليه وسلم صيام أيام أُخَر، وحرم الوصال في الصيام، كما أمر أن يكون الصيام في غير رمضان متقطعاً.

وجوع الصوفية هو صيام أيام كثيرة لا يفطرون فيها مع المغرب، ولا سحور فيها، بل جوع مستمر حسب الأسلوب الكهاني الموجود في الهندوسية والبوذية والجينية والطاوية وغيرها. فهو ليس من العبادات الإسلامية، وليس من الإسلام في شيء، وهو بدعة.

4- السهر:

الوارد في الإسلام هو قيام الليل ضمن الحدود التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: {لا...ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر...فمن رغب عن سنتي فليس مني}([2]). فليس السهر من الإسلام، ولا من عبادات الإسلام، ولا من المعمول به في الإسلام، وقد رأينا قول رسول الإسلام فيه وفي الجوع: {فمن رغب عن سنتي فليس مني}، أي: إن الذين يقومون بهذه الطقوس ليسوا من رسول الله، وبالتالي ليسوا من الإسلام.

5- تعذيب النفس بالضرب (كما كان يفعل الشبلي وغيره)، أو بالوقوف على رجل واحدة طيلة الليل، أو غير ذلك مما هو مستفيض في كتبهم، فهذا واضح البطلان، وهو من تلاعب الشياطين بهم، وليس الله سبحانه بحاجة أن يضربوا أنفسهم ويعذبوها ليرضى عنهم: ((هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) [الحج:78]، إنما يرضى الله عن المؤمنين إذا عبدوه كما أمرهم (لا كما يبتدعونه أو يقلدون به أصحاب الوثنيات)، ويرضى سبحانه عن المؤمن إذا أدى لكل ذي حق حقه.

* ملحوظة هامة:

من أساليب القوم في المغالطة والمخادعة، قولهم: إنهم يتأسون في الخلوة وتوابعها، بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان قبل الرسالة يختلي أياماً كثيرة في غار حراء.

هذه المغالطة، مثل غيرها، فيها جهل غبي، أو تجاهل ماكر؛ لأن الآية الكريمة تقول: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...)) [الأحزاب:21].

ولم يصبح محمدٌ (رسولَ الله) إلا بعد أن نزل عليه الوحي بالرسالة. أما قبلها فقد كان إنساناً كبقية الناس على الإطلاق، لا يمتاز عنهم إلا بأخلاقه الكريمة. يقول سبحانه: ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ)) [فصلت:6]، وهذه الآية واضحة كل الوضوح، لا لبس فيها ولا غموض، بأن الفرق بينه صلى الله عليه وسلم وبين بقية البشر، هو الوحي.

ويقول سبحانه: ((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولاً)) [الإسراء:93]. ويقول: ((قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ...)) [إبراهيم:11]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {أنا فيما لم يوح إلي كأحدكم}. ونعود إلى آية التأسي، إنها تأمرنا أن تكون أسوتنا برسول الله (الذي ينزل عليه الوحي)؛ وذلك لأن (رسول الله) معصوم بالوحي؛ أما قبل الرسالة فلم يكن معصوماً؛ لأنه لم يكن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم.

وفي واقع الأمر، إصرارهم على القول بالتأسي بمحمد قبل الرسالة، منبثق عن:

1- عقيدتهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم وصل إلى النبوة بالمجاهدة والرياضة، وأن النبوة هي فتح مثل فتوحهم، وهم بالتالي، لا يعتقدون أن النبوة فضل من الله سبحانه يجعلها حيث يشاء.

2- منبثق عن عقيدتهم بما سموه (الحقيقة المحمدية) النابعة من (وحدة الوجود)، الباطلة الكافرة.

3- عن إنكارهم للمعنى الشرعي الصحيح لآيات القرآن وأحاديث السنة، وتأويلهم لها لتتفق مع كشفهم، كما صرح بذلك حجتهم الغزالي([3])، وكما نراه معمولاً به في كتبهم.

4- عقيدتهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم معصوم عصمة ذاتية، وليس بالوحي! وأنه أخذ علومه عن طريق الكشف، لا عن طريق جبريل عليه السلام، كما صرح بذلك حجتهم الغزالي([4]) وغيره.

أخيراً..

المجاهدة، أو الرياضة، بكل عناصرها، ليست من الإسلام، ولا من عقيدة الإسلام، ولا من عبادات الإسلام، ولا من سنن الإسلام، ولا من مستحبات الإسلام، ولا من فضائل الإسلام، ولا من ممارسات الإسلام، ولا من عادات الإسلام، ولا من الأعمال المأجورة في الإسلام، ولا من الأعمال المشكورة في الإسلام.

إنما هي طقوس كهانية، مارستها وتمارسها الأمم الوثنية، تقود إلى الجذبة، لا إلى رضا الله تعالى.

* مناقشة الذكر:

لم أعثر في حدود اطلاعي، عند إشراقيي الأمم الأخرى، على وجود ممارسة للذكر بمداه الواسع وشكله الأساسي الموجودين عند متصوفة المسلمين.

ففي الأمم الأخرى، يعتمدون أساساً على الرياضة (الخلوة والجوع والصمت والسهر)، مع تركيز البصر على نقطة ما، مدة طويلة، مع تعذيب النفس في أكثر الأحيان، وهم- أثناء الرياضة- يركزون الفكر ويثبتونه على كلمة ما، فعند الهندوس مثلاً، يأخذ السالك في رياضته إحدى وضعيات اليوغا([5])، ويركز بصره على شيء ما، ثم يركز فكره في كلمة (أوم) التي هي عندهم الاسم المستسر لبراهمان([6])، أو (راهام).

قد تدوم مثل هذه الرياضة مدة طويلة جداً، ومن حين لآخر يعمدون إلى الرقص العنيف والموسيقى الصاخبة المدوية يصاحبها الزعاق، ثم يعودون إلى رياضتهم.

- والخضوع المطلق للشيخ (السامانا) الأكبر هو محور كل مجاهداتهم.

تسبب هذه المجاهدة؛ مع الاستمرار والزمن، إفراغاً لمراكز الوعي والشعور في الجملة العصبية، وهي حالة (الاستخدار) التي تجعلها في استرخاء يفقدها كثيراً من فعالياتها، ويهيؤها للتأثر بكمية من المخدر، أي مخدر، أقل من الكمية المؤثرة في الحالة العادية، كما تدفع الجسم لإفراز المادة المخدرة بكمية أكبر من المعتاد.

لكن هذه الرياضة تحتاج إلى كثير من قوة الإرادة والصبر، كما تحتاج إلى العزلة التامة. على أن متصوفة المسلمين عرفوا أسلوباً سهَّل عليهم الأمر كثيراً.. إنه ترديد كلمة ما، كائنة ما كانت، بشكل مستمر دون انقطاع، ليلاً ونهاراً، وهو ما سموه (الذكر). وهذا الذكر المستمر يساعد كثيراً على الوصول إلى حالة الاستخدار، ثم إلى الخدر (الجذبة) بمدة أسرع.

لكن هل صحيح ما يدعيه متصوفة المسلمين أمام الناس، أن ذكر الله، سواء بالاسم المفرد (الله) أو بالأذكار الإسلامية الأخرى، أو بأذكارهم وصلواتهم التي يبتدعونها، هي التي تقود إلى الجذبة؟

الواقع خلاف ذلك فهاهم أقطابهم وعارفوهم وعلماؤهم، يؤكدون أن ترديد أي كلمة كانت، أو أي جملة، بصورة مستمرة، مئات الألوف من المرات، أو ملايينها، يؤدي إلى الجذبة، بعد مدة قد تطول وقد تقصر.

وهذه أدلة من أقوالهم في ذلك:

يقول ابن عطاء الله السكندري:

...والذكر تختلف أنواعه وتتعدد، والمذكور واحد لا يتعدد ولا يتحدد...([7]).

- لننتبه إلى قوله: (لا يتحدد) وماذا تعني.

ويقول: ...وروي أن أبا القاسم الجنيد رحمه الله تعالى قال لبعض خواص أصحابه: إن اسم الله الأعظم هو (هو)...وذكر أن أهل المعرفة في هذا الاسم على أربعة أصناف أيضاً: فعارف قال: (الله)، وعارف قال: (هو)، وعارف قال: (أنا)، وعارف بهت([8])...

- ما هو معنى قوله: (وعارف بُهت)؟ ولِمَ بُهت؟ أظن الجواب واضحاً، إنه بُهت لأنه عرف أن كل شيء هو اسم الله الأعظم.

ومن النصين نفهم أن الذكر يمكن أن يكون بترديد كلمة (الله الله الله الله)، أو (هو هو هو هو)، أو (أنا أنا أنا أنا)، أو الأشياء التي جعلت العارف يُبهت.

ويقول ابن عطاء الله أيضاً:

...أما المسلوب الاختيار فهو مع ما يرد عليه من الأذكار وما يرد عليه من جملة الأسرار، فقد تجري على لسانه (الله الله الله)، أو (هو هو هو هو)، أو (لا لا لا لا)، أو (آه آه آه آه)، أو صوت بغير حرف، أو تخبط، فأدبه التسليم للوارد. وبعد انقضاء الوارد يكون ساكناً ساكتاً، وهذه الآداب لمن يحتاج إلى ذكر اللسان، أما الذاكر بالقلب فلا يحتاج إلى هذه الآداب([9])...

ويورد عبد الوهاب الشعراني ما يشبه هذا، يقول:

...وقال سيدي يوسف العجمي رحمه الله: وما ذكروه من آداب الذكر محله في الذاكر الواعي المختار، أما المسلوب الاختيار، فهو مع ما يرد عليه من الأسرار؛ فقد يجري على لسانه: (الله الله الله الله)، أو (هو هو هو)، أو (لا لا لا)، أو (آه آه آه)، أو (عا عا عا عا) أو (آ آ آ آ)، أو (هـ هـ هـ)، أو (ها ها ها)، أو صوت بغير حرف، أو تخبيط، وأدبه عند ذلك التسليم للوارد([10]).

ويقول ابن عربي:

...فأغلق بابك دون الناس، وكذلك باب بيتك بينك وبين أهلك، واشتغل بذكر الله بأي نوع شئته من الأذكار، وأعلاها الاسم، وهو قولك: (الله الله الله)([11])...- نفهم معنى قوله: (بأي نوع شئته مق الأذكار) من قول آخر له: (...فما عُبد غير الله في كل معبود...)([12]).

- يعني: أن كل ما عبد من صنم وشجر وبشر وغيره هو الله، ويمكن للذاكر أن يذكر بما يريد من أسماء المعبودات التي عبدت في كل الوثنيات، كأن يردد مثلاً: (هبل هبل هبل هبل..)، أو (جيلاني جيلاني جيلاني..)، أو (جذبة جذبة جذبة جذبة..)، أو (لينين لينين لينين لينين...)، أو (إنتاج إنتاج إنتاج إنتاج..)، أو (مقام مقام مقام مقام..)، أو (ضريح ضريح ضريح ضريح..)، أو (رفاعي رفاعي رفاعي..)، وغيرها.

ويروي ابن عجيبة قصة الششتري فيقول:

...وكذلك قصة الششتري رضي الله عنه مع شيخه ابن سبعين؛ لأن الششتري كان وزيراً وعالماً، وأبوه كان أميراً، فلما أراد الدخول في طريق القوم، قال له شيخه: لا تنال منها شيئاً حتى تبيع متاعك وتلبس قشابة وتأخذ بنديراً وتدخل السوق؛ ففعل جميع ذلك، فقال له: ما نقول في السوق؟ فقال: قل: بدأت بذكر الحبيب، فدخل السوق يضرب بنديره ويقول: بدأت بذكر الحبيب، فبقي ثلاثة أيام وخرقت له الحجب([13])...

- نلاحظ أن ذكره هنا ليس فيه شيء من أسماء الله الحسنى.

وكتب ابن سبعين إلى أحد مريديه (في الرسالة النورية):

...وجميع ما توجه الضمير إليه، اذكره به ولا تبال، وأي شيء يخطر ببالك سمه به، ومَن اسمه (الوجود) كيف يخصص بأسماء منحصرة؟! هيهات! الله لا اسم له إلا الاسم المطلق أو المفروض، فإن قلت: نسميه بما سمى به نفسه أو نبيه، يقال لك: إن من سمى نفسه (الله) قال لك: أنا كل شيء، جميع من تنادي أنا...وبعضهم كان يقول: قد قد قد هذا هذا هذا له له له([14])...

ويقول ابن أنبوجة الشنقيطي في (وصف العارف):

...فهو (أي: العارف) الخليفة الأعظم، إذ لا اسم له يختص به، فإن أسماء الوجود كلها أسماؤه، لتحققه بمراتبها، ولكونه هو الروح في جميع الموجودات، فما في الكون ذات إلا وهو الروح المدبر لها والمحرك والقائم فيها، ولا في كرة العالم مكان إلا وهو حال فيه ومتمكن منه. فبهذا الاعتبار لا اسم له يتميز به عن الوجود([15])...

- نرى في هذا النص أنهم يسبغون على العارف صفات هي نفس ما يسبغونه على الله (تعالى الله عما يقولون)، وعليه يمكن ذكر الله بترديد كلمة: (عارف عارف عارف عارف..) أو (عمر بن الفارض عمر بن الفارض عمر بن الفارض...)، أو (الغزالي الغزالي الغزالي الغزالي..)، أو (الشيخ الشيخ الشيخ الشيخ...)، أو (سيدي سيدي سيدي سيدي..) إلخ.

ويقول أبو الهدى الصيادي الرفاعي:

...والفناء، حقيقة سر الاعتقاد به من سر قوله عليه الصلاة والسلام: لو اعتقد أحدكم على حجر لنفعه([16]).

- الحديث مكذوب، والاعتقاد به كفر، لكن يهمنا أنهم يؤمنون به، ويؤمنون أن الاعتقاد به ينفع، ومنه إن ذكر ذاكر اسم (حجر حجر حجر حجر)، أو (قبة قبة قبة قبة)، أو (صخرة صخرة صخرة صخرة..) نفعه (في الوصول إلى الجذبة طبعاً).

يردد علي نور الدين اليشرطي نفس القول:

...لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه. وقال: ليس الحجر الذي ينفع، إنما هو الاعتقاد([17]).

- طبعاً، إنهما لم يقررا هذا الحكم إلا بعد تجارب، ويجب أن ننتبه إلى أنه ينفع في التصوف والكهانة والسحر فقط، (لأن الصوفية هي نفس الكهانة، والسحر بعضها)، ولا ينفع في شيء غيرها.

ويقول محمد بهاء الدين البيطار:

...فأسماء الله على الحقيقة أعيان العالم وحقائقه، ومظاهر الأسماء هي صور العالم، فلكل اسم إلهي من الصور ما لا يتناهى، فكل ما أمات مثلاً من ثعبان أو سيف أو رصاص أو حجر أو عصا فهو صورة من صور الاسم (المميت)، ومعنى المميت: شأن من شئون الذات الإلهية، وهو عين الذات([18])...

ويقول ابن سبعين في (الرسالة النورية) يخاطب أحد المريدين:

...هذه الكلمات التي نذكرها لك مرموزة مني، غير أن الذاكر ينتفع بها، وهي: عمرش أش عمر صح راهيا إيداحا أيهم اردع صعر عرجم كعلم....فقل إذا وجدت البحر والوجود والحمد: قهوم طمس هوالم صعنج ذلك الله ربكم يا يا يا([19])...

- بدهي أن ابن سبعين لم ينصح مريده بالذكر بهذه الأسماء إلا بعد تجريبها.

- وكما فهمنا من نصوصهم. الذكر يقود إلى الجذبة التي هي الغاية. وفي الطريق قد يحصل للذاكر بعض الخوارق، وينصحونه ألا يهتم بها لأنها تحجبه عن الغاية المنشودة.

والطريق إلى الجذبة قد يقصر وقد يطول، حسب استعداد السالك النفسي والفيزيولوجي. ولعل الذكاء الفطري العالي يبعد الوصول إلى الجذبة! ولعل الغباء الفطري يقصر الطريق إليها.

* وخلاصة لما تقدم:

الذكر بترديد أي كلمة كانت مقرر من كبار عارفيهم، فلا مجال للاعتراض عليه أو الشك فيه، إنهم يقدمونه لمريديهم قاعدة يسيرون عليها في مسيرهم إلى...الجذبة. ومن البدهي أنهم لم ينصحوا به مريديهم إلا بعد تجربة.

ومنه تعلم أن حقيقة ذكرهم ليست مرتبطة بذكر الله سبحانه. وما التزامهم الاسم (الله) أو عبارات الثناء عليه ودعائه إلا أسلوب ذكي لإلباس التصوف رداء الإسلام، وضعه لهم سيدهم الجنيد، وتوسع فيه حجتهم الغزالي، وهو أحد مظاهر الطريقة البرهانية الغزالية، التي يسمونها (التصوف السني).

وذكرهم كله، موضوعه، وشكله، وزمانه، ومكانه، هو بدعة كله، غريب عن الإسلام كله، ومن الردود المفيدة عليه وعليهم، هو رد الإمام النووي رحمه الله.

لقد اتصل الإمام النووي في أول وصوله إلى دمشق، وهو صغير، بالمتصوفة، وسار في طريقهم، وعندما اتسعت معارفه وفهم الإسلام، ترك الصوفية بدون ضجيج، ورد عليهم بكتابين:

1- رياض الصالحين، يبين فيه بالنصوص الصحيحة (إلا قليلاً منها) طريق الصلاح، وحيث يتبين طريق الصلاح، فكل الطرق من دونه ضلال.

2- الأذكار: يبين فيه الأذكار الإسلامية، نصوصها، وأوقاتها، وأماكنها، كل ذلك بأسانيد أكثرها صحيح، وإذ يتبين ذلك، يتبين أن الذكر الصوفي الذي يستعمله السالكون إلى الجذبة، ليس من أذكار الإسلام.

- من جهة ثانية:

كل عبادة في الإسلام لها شروط وأركان.

ويوجد شرط مشترك لكل العبادات الإسلامية (مر معنا في بحث البدعة)، وهو: (كل العبادات باطلة إلا ما ورد به نص)، وبصيغة أخرى: (لا عبادة بدون نص). والذكر عبادة، فهو يحتاج إلى النص، وإلا فلا يكون عبادة.

وذكر الصوفية من حيث الشكل واللفظ إذا كان بالاسم المفرد أو (بما شئت من الأذكار) الواردة آنفاً، لا نص فيه. والنصوص التي يقدمونها، إنما يلفقونها بالتأويل والترقيع، إذن، فهو ليس عبادة.

كما أن للذكر في الإسلام أركاناً: نجدها في الآية الكريمة: ((وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)) [الأعراف:205].

يهمنا في بحثنا هنا قوله سبحانه: ((فِي نَفْسِكَ)) [الأعراف:205]...((وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)) [الأعراف:205]، فعبارة ((فِي نَفْسِكَ)) [الأعراف:205]، تعني ألا تسمع نفسك، وعبارة: ((وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)) [الأعراف:205]، تعني ألا يسمعك جارك؛ لأن الجهر هو ما يستطيع سماعه الجار.

إذن، فيجوز في الذكر أن يُسمِع الإنسان نفسَه وأن لا يُسمعها.

وأما الجهر، فمنهي عنه بأكثر من آية وأكثر من حديث.

مع ملحوظة أن هناك حالات نص عليها الشارع، يجب فيها رفع الصوت بالذكر أو يجوز، كما في التلبية بالحج، وقبل صلاة العيدين، وفي التعليم، والحالة العفوية، ولتذكير الغافلين (حيث يجهر بعبارة الذكر مرة أو مرتين فقط)، وليس تفصيل هذه الأمور داخلاً في موضوعنا.

وكل محاولة أو مراوغة لاختراق الحدود التي رسمها الشارع من أجل التوسع بمدلول النص لتبرير الأساليب المبتدعة، هي محاولة باطلة، وهي بدعة وهي ضلالة، ((وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)) [الطلاق:1].

وتعرف الحدود الشرعية من النص، أو من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن فعل أصحابه. والأذكار التي يستعملها الصوفية في الخلوة أو السياحة وفي الحضرة وفي مجلس الذكر أو مجلس الصلاة على النبي أو بعد الانتهاء من الصلاة، كلها فاقدة لشرط وركن معاً، أو لأحدهما على الأقل، لذلك فهي باطلة، وهي بدعة، وهي ضلالة.

والباطل لا يقود إلا إلى باطل. وإن كلمة قالها الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهي كافية لحسم هذا الموضوع. قال: [[كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تَعَبَّدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً]].

- هذا إن كان الذكر بالأسماء الحسنى أو بعبارات الثناء على الله.

أما إن كان بغيرهما مما يقرره كهانهم من أسماء حجارة أو أوثان أو قبور أو غيرها فهي واضحة الزندقة بينة الكفر، وهي من الوثنية التي جاء الإسلام ليحاربها باعتبارها المصدر الرئيسي لكل الشرور، وهي السحر وهي الكهانة.

* قصة مرسلة:-

مستشار في محاكم الاستئناف في مدينة حلب، كانت تجمعه الصلاة في المسجد مع بائع شراب متجول، وفي ذات مرة، طلب إليه البائع أن يجرب أن يقرأ بعد كل وقت من أوقات الصلاة، الكلمات: (بطدٍ زهجٍ واحٍ ياحي ياهٍ) مائة مرة، وبعامل الفضول، صار المستشار يرددها بعد كل صلاة...

بعد ثلاثة أيام، بينما كان جالساً على قوس المحكمة يفصل في قضايا الناس، إذا به يرى أمامه بيته وأهله يقومون بأعمالهم حسب المعتاد، وعندما رجع إليهم بعد الظهر، سألهم عما كانوا يفعلونه في ذلك الوقت؟ فكان في بعض ما رآه بعض ما كانوا يفعلونه. وصارت مثل هذه الحالة تتكرر أمامه كلما كرر تلاوة الأسماء([20]).

* فقرة من كتاب صوفي:-

...ولحرف الباء خلوة، وخادمه مهيائيل، فإذا أردت استخدامه اكتب الحرف وضعه في رأسك بعد الرياضة، واتل الدعوة والقسم دبر كل صلاة 31 مرة، واتل العزيمة والرياضة 40 يوماً، فإن الملك يحضر ويقضي حاجتك، ومهما أردته تبخر وتقول: أجب يا خادم حرف الباء، فإنه يحضر([21])...

- إن كتب التصوف المحض، والتي لم تؤلف للخداع والتضليل والمراوغة، ملأى بمثل هذه الفقرة، وهي واضحة كل الوضوح في أن التصوف هو السحر، والفرق بينهما أن الصوفي مخدوع مراوغ، والساحر صادق.

ويكفي للدلالة على أن الصوفية هي السحر، الرجوع إلى كتاب (شمس المعارف الكبرى) للبوني([22])، وكتاب (مجموع ساعة الخير) لابن عربي، و(المضنون به على غير أهله) للغزالي، و(صفحات من بوارق الحقائق) للمهدي الصيادي، وغيرها..

لكن أقطاب التصوف العارفين بالله يتواصون فيما بينهم بتأليف الكتب الموهمة أنها من الإسلام، ذات المظهر الإسلامي الخداع؛ لأن الحكمة تقتضي ذلك، وطبعاً هم يفعلون ذلك عن إخلاص وإيمان بما يفعلون، شأن أي متدين مخلص لدينه ومؤمن به.

- وقبل الانتقال إلى البحث التالي، يجدر الانتباه إلى أن المتصوفة قد يستعملون الأذكار الإسلامية حسب المنهج الإسلامي، ويكون هذا منهم عملاً صحيحاً؛ لكنه لا يكون أبداً تبريراً لأذكارهم الصوفية حسب المنهج الصوفي.

* مناقشة الحضرة:

عرفنا أن الحضرة تكون: جالسة صامتة، أو جالسة صائتة، أو راقصة (بنقص أو بدون نقص).

1- الجالسة الصامتة:

في الرد عليها يكفي حكم عبد الله بن مسعود، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (كما يرويه الحافظ الذهبي في التذكرة): {خذوا عهدكم عن ابن أم عبد}.

نجد حكم عبد الله بن مسعود هذا في (سنن الدارمي):

...عن عمر بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، قال: [[كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة (أي: الفجر)، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج عليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً. قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه.. رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة مرة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة مرة، فيهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة مرة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله، لا أدري، لعل أكثرهم منكم...]].

- الرجاء ملحوظة أن الجلسة النقشبندية هي مثل هذه الجلسة.

2- الحضرة الجالسة الصائتة:

في الرد عليها نذكر ما يلي:

- الآية الكريمة: ((وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ...)) [الأعراف:205]، وهؤلاء يجهرون بذكرهم، كما يخلو ذكرهم من التضرع والخيفة.

- الحضرة بجميع أنواعها، ومثلها هذه، بدعة تنطبق عليها كل الأحاديث الواردة في البدعة، والتي رأيناها قبل قليل.

- حديث ابن مسعود السابق هو رد عليها كما هو رد على الجالسة الصامتة.

- قول حذيفة بن اليمان: [[كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تعبدوها]]، رد عليها وعليهم.

وبالتالي، هذه الحضرة (الجالسة الصائتة) هي مثل غيرها، بدعة، فهي مردودة عليهم.

3- الحضرة الراقصة (وكلها صائتة):

إن جميع الردود على البدعة وعلى أساليبهم في الذكر، وعلى الجالسة الصامتة، وعلى الجالسة الصائتة، هي ردود على الحضرة الراقصة، يضاف إليها:

- هي نفس صلاة اليهود!

جاء في (المزمور:149) (عدد:3): (ليسبحوا اسمه برقص، بدف وعود، ليرنموا له..).

وفي (المزمور: 150): (سبحوه بدف ورقص، سبحوه بأوتار ومزمار، سبحوه بصنوج التصويت، سبحوه بصنوج الهتاف...).

- وثنيو إفريقيا السوداء (الفيتيشيون) عباداتهم كلها رقص وسماع.

- الهندوس، صلاتهم لأصنامهم مثل الحضرة الراقصة، يتوسطهم الكاهن أمام الصنم، يرقصون ويهزجون، أي: إن صلاتهم هي رقص وسماع وقرع أجراس.

* الخلاصة:-

الحضرة الصوفية بجميع أشكالها، بدعة، ونقض للآيات والأحاديث، وتشبه كامل بالطقوس اليهودية والوثنية، (فيتيشية وهندوسية وجينية وطاوية...).

- أما كونها بدعة، فهي ضلالة، وكل ضلالة في النار.

- وأما كونها نقضاً للآيات والأحاديث، فهي كفر وزندقة وردة.

- وأما كونها تشبه الطقوس الوثنية واليهودية، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من تشبه بقوم فهو منهم}.

ولا حاجة للزيادة.

* مناقشة السماع:

إن كل النصوص الواردة في السماع، حلاله وحرامه، وكل بحوث العلماء (وأقول: العلماء)، هي نصوص وبحوث فيه على أنه أمر دنيوي، ودنيوي فقط، لا علاقة له بعبادة ولا بتقرب إلى الله.

ولم يرد فيه نص (علمي) قط، بتحليل أو تحريم، إلا على أنه أمر دنيوي يمارس في الأعياد والأعراس والحرب أو في التسلية واللهو والطرب.

أما أن يكون طقساً تعبدياً، كما هو عند المتصوفة، فهذا شيء ما عرفه التشريع الإسلامي، ولا تكلم فيه عالم؛ لأنه بدهياً، غير وارد في العبادات الإسلامية.

أما المتصوفة، فيتخذون السماع طقساً تعبدياً روحانياً يسهل عليهم ما يسمونه ظلماً وعدواناً (السير إلى الله). وهنا يكمن الداء، ويعشعش البلاء.

إن السماع عند المتصوفة عبادة، وفي الغالب يكون مصحوباً بالآلات، وهذا كله:

1- بدعة، وذلك بين لا يحتاج إلى دليل، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

2- تشبه بالوثنيين وأهل الكتاب، يقول سبحانه في وصف صلاة المشركين: ((وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)) [الأنفال:35].

وجاء في التوراة (الحالية) في (المزمور: 144) (عدد: 9): (يا الله، أرنم لك ترنيمة جديدة..).

وفي (المزمور:146) (عدد:2): (أسبح الرب في حياتي وأرنم لإلهي ما دمت موجوداً). وفي (المزمور: 149) (عدد: 3): (ليسبحوا اسمه برقص، بدف وعود، ليرنموا له..). وكذلك هو في الديانات الوثنية طقس تعبدي.

إذن فالصوفية يتشبهون بالسماع بالوثنيين وأهل الكتاب، و{من تشبه بقوم فهو منهم}.

* ملحوظة هامة جداً:

من العجب العجاب، مغالطتهم، في كل مقولاتهم عن السماع، في كل كتبهم (ابتداءً من أمهات كتبهم (اللمع)، (التعرف)، (قوت القلوب)، (الرسالة القشيرية)، (إحياء علوم الدين) إلى بقية ما كتبوا وما دونوا)، حيث يبدءون بمناقشة السماع حسب الشرع والنصوص المزور بعضها، وطبعاً كل النصوص الشرعية في السماع إنما تتكلم عنه على أنه أمر دنيوي يمارس للتسلية واللهو، لكن الصوفية يتوسعون في التحليل حسب طريقتهم في التزوير، ثم يطبقون ذلك على سماعهم التعبدي الذي يجعلونه قربى يتقربون به إلى الله.

ولعل الأمثلة التالية يمكنها توضيح مدى الفساد والضلال في أسلوبهم هذا:

- يبيح الشرع أكل الشاورما، فهل يصبح أكل الشاورما بهذه الإباحة طقساً يعرج به إلى الله؟

- يبيح الشرع البصاق الذي ليس فيه أذى، فهل يجوز بناءً على ذلك، أن نجعل البصاق طقساً تعبدياً في (السير إلى الله)!

لا يعترض الشرع على أحد إذا خطر له أن يحك أذنه بإبهام رجله، فهل يصح، بناءً على هذا، أن يكون حك الأذن بإبهام القدم طقساً تعبدياً يمارس تنشيطاً على (العروج إلى الله)؟!

عجيب أمر هؤلاء القوم، هل هم لا يكادون يفقهون حديثاً؟ أم ((يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)) [البقرة:9، 10]؟

وغاية الطريقة الإشراقية هي الوصول إلى الجذبة التي هي الولاية (كما يتوهمون)، وهي حالة خدرية تشبه الحالة التي يقع فيها متعاطي الحشيش والأفيون ورفاقهما شبهاً تاماً.

* النتيجة:

هذه هي طريقة الإشراق، كلها كفر وضلال وزندقة، إنها ليست مجرد بدع ساذجة أو انحرافات بسيطة، بل هي الطقوس الوثنية (وأقول: الطقوس) التي تعبدت بها كل وثنيات التاريخ (في الحال والماضي والاستقبال)، والعقائد الوثنية التي دانت بها أو حامت حولها كل وثنيات التاريخ في ماضي الزمان وحاضره، إنها ليست مجرد اجتهادات شاذة في الفروع أو في الأصول، أو حتى في العقائد؟ إنها طقوس وممارسات وعقائد غريبة عن الإسلام كل الغرابة، بعيدة عن الإسلام كل البعد، أُقحمت على الإسلام ومزجت به بأساليب إبليسية لتشكل ما يسمونه (الطريقة البرهانية) ولو أنصفوا لسموها (الديانة البرهانية).

 

 

الفصل الثالث
مناقشة الطريقة البرهانية (الغزالية)

 (ويسمونها عادة التصوف السني)

رأينا في النصوص السابقة أن الطريقة البرهانية ليست إلا الطريقة الإشراقية مزجوها بالإسلام.

إن أول من اشتُهر عنه هذا الأسلوب هو الجنيد، الذي كان يتستر بالفقه([23]) على مذهب أبي ثور، تلميذ الشافعي، وهو أول من نادى به وطالب المتصوفة بتطبيقه.

ورأينا قول أبي الحسين النوري عندما خاطب الجنيد قائلاً: يا أبا القاسم، غششتَهم فأجلسوك على المنابر، ونصحتُهم فرموني على المزابل.

لقد غشهم الجنيد بتكلمه عليهم بالفقه! ونصحهم النوري بعرضه عليهم الحقيقة الصوفية!

وكانت تجربة الجنيد ناجحة، سار المتصوفة على خطاها، وهذه التجربة مضاف إليها تحبيره مصطلحات الصوفية، وإيجاده أسلوب (العبارة الصوفية) بإشاراتها ورموزها وألغازها، كل هذا جعل منه سيد الطائفة بلا منازع؛ لأنه رسم لهم الطريق التي يسيرون فيها بأمان، ويستطيعون بواسطتها نشر عقيدتهم الإشراقية في المجتمعات الإسلامية من دون ضجة.

وسار المتصوفة على خطاها، ومَن شذ عنها واجه سيف الردة والتكفير، فقُتل مَن قُتل، وطُرد مَن طُرد، واستُتيب مِن الكفر مَن استُتيب.

ومِن أبرز مَن أصَّل طريقة الجنيد بعده، هو أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب الذي بدأه بعرض بعض آيات من القرآن الكريم، انتقاها بحيث يمكن أن يكون لها (بعد لَيِّ عنقها) علاقة بالتصوف، وجاء بشيء من الأحاديث في الأوراد وما دار حولها، ثم دخل في علم الباطن وأتبعه بفقه العبادات، وحشا ذلك كله بما يستهوي قلب القارئ نحو التصوف.

ولا يستبعد أن يكون هذا هو منهج الطريقة السالمية التي تخرج فيها أبو طالب؟

وجاء من بعده حجتهم الذي سموه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، فألف في الفقه على مذهب الشافعي، وألف في علم الأصول، ومواضيع أخرى، ثم وضع عشرات الكتب فيما سماه (العلم المضنون به على غير أهله) في قمتها كتابه المشهور إحياء علوم الدين، ولو أنصف لسماه (إعياء علوم الدين)، أو (إحياء علوم الكهانة). وبسبب هذا الكتاب، نسبت الطريقة البرهانية إلى الغزالي.

فلنلق عليه نظرة عابرة لنصطدم بما يلي:

1- تقسيم الكتاب: قسم الغزالي إحياءه إلى أربعة أرباع: ربع العبادات، وربع العادات، وربع المهلكات، وربع المنجيات.

حيث نرى في هذا التقسيم الظالم أنه جعل المنجيات غير العبادات، وجعل العبادات غير منجيات.

ونترك الحكم على هذا التقسيم لكل إنسان عرف بدهيات الدين الإسلامي، بل وبدهيات الأديان جميعها من أولها إلى آخرها، ولكن نسأل: كيف يكون المروق من الإسلام؟

2- لم يكن هذا التقسيم صادراً من الغزالي عن غفلة أو عن غلط أو عن غير قصد؟ بل كان مقصوداً عن وعي وتصميم واعتقاد، وقد مر معنا قوله (بعد أن تكلم عن المقامات الصوفية): فالعلم بحدود هذه الأمور...هو علم الآخرة، وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة (أي: الصوفية)، فالمعرض عنها هالك بسطوة ملك الملوك في الآخرة، كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة (أي: العبادات) هالك بسيف سلاطين الدنيا، بحكم فتوى فقهاء الدنيا (أي: علماء الشريعة). وقد تكرر هذا المعنى في الإحياء في أكثر من موضع، مر بعضها في الفصول السابقة.

وهذا الكلام هو -تماماً- مثل قول عبد القادر الجيلاني الذي مر في فصل سابق: (تدري كم عنده من الطاعات والصوم والصلاة لا يعبأ بها، إنما مراده منك قلب صاف من الأقدار والأغيار)، والفرق بين العبارتين هو الفرق بين المهارتين في استعمال الإشارة والرمز واللغز.

وهذا يعني أن هذه العقيدة هي عقيدة كل الصوفية، لأن الرجلين عندهم في قمة التقديس.

- المهم، أن الغزالي يقرر في (إحيائه) أن العبادات لا قيمة لها عند الله؛ لأنها لإرضاء السلاطين والفقهاء فقط.

3- مر معنا في ثنايا الكتاب النصوص الكثيرة المنقولة من (الإحياء)، والمشحونة بالكفر والزندقة، وهي بعض من كثير.

4- يضاف إليها أكثر من أربعمائة حديث موضوع ومكذوب. يقول الحافظ العراقي (مخرج أحاديث الإحياء)، عن قسم منها: لم أجده، أو: لم أجد له أصلاً، مما يجعلنا نظن أن الواضع لها، أو لبعضها على الأقل، هو الغزالي نفسه، أو كشفه. (أما إذا أردنا الحق، فيبقى الغزالي متهماً بوضعها كلها، حتى يثبت العكس).

5- يضاف إليها أكثر من هذا العدد من الأحاديث الضعيفة. وبذلك يكون مجموع الأحاديث الموضوعة والضعيفة قريباً من نصف مجموع أحاديث الكتاب، إن لم تكن أكثر.

وموقف الإسلام من هذا وذاك هو قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: {من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}، وقوله: {من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين}.

أما الذين يبتغون الهدى في مثل هذا الكتاب الذي يحتوي على مثل هذا العدد الضخم من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، فحكم الإسلام فيهم هو قوله سبحانه: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء:48]، لأن الأخذ بالأحاديث الموضوعة هو من أعظم الشرك، إلى جانب كون الذي يحدث بها أحد الكاذبين. أما الأخذ بالأحاديث الضعيفة فطريق إلى التهلكة؟ وذلك لأن ضخامة عددها في الكتب المختلفة هي دليل على أن أكثرها من الموضوعات. وهذا يجعل خطر الأخذ بها كبيراً جداً، أكبر من أية فائدة متوهمة.

ومن أعاجيب المتصوفة في المغالطة، أنهم عندما يقول لهم قائل: إن كتاب الإحياء مشحون بالأحاديث الموضوعة والضعيفة. يكون الجواب الذي سمعناه مراراً: لقد خرجها الحافظ العراقي وانتهى الأمر!! أو ما يدور حول هذا المعنى! فنقول:

- يا هؤلاء، اتقوا الله واخشوا يوماً تقفون فيه بين يديه، حيث لن تنفعكم جذباتكم ولا شياطين الجن التي تمسرح لكم مشاهداتكم في جذباتكم، ولا شيوخكم الذين يوصلونكم إلى جذباتكم.

- يا هؤلاء! إن الأخذ جهلاً بالحديث الموضوع، يمكن أن يكون معه عذر الجهل، أما الأخذ به بعد تخريجه، ومعرفة وضعه، فهو الشرك الأعظم!

والأخذ بالأحاديث الضعيفة بعد معرفة ضعفها هو طريق يؤدي في النهاية إلى الضلال.

ولا بأس من إيراد كلمة في وصف الإحياء لأبي بكر الطرطوشي([24])، يقول: شحن أبو حامد الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أعلم كتاباً على بسيطة الأرض أكثر كذباً منه.

- نقول: إن قول أبي بكر الطرطوشي هذا، كان قبل تأليف كتب المتصوفة الأخرى.

6- يضاف إلى ما سبق، تفسير آيات القرآن الكريم تفسيراً لا تعرفه اللغة العربية، ولا أصول التفسير، وما عرفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من اتبعهم بإحسان، وقد مرت نماذج منها في الفصول السابقة، منها على سبيل المثال: ((إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)) [العلق:8]، و((وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى)) [النجم:42]، التي يجعلها إشارة إلى وحدة الوجود.

والغزالي لا يتفرد بهذا الأسلوب، بل كلهم في كل كتبهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه، وما أكثر الأمثلة التي مرت في هذا الكتاب، وهي بعض من كل.

7- يضاف إليها: أخبار غيبية عن الله سبحانه وتعالى، وعن الملائكة واللوح المحفوظ، وعن الرسل، وهي أخبار لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق الوحي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يرد فيها أي دليل من هذا الوحي، ولعل الغزالي عرفها بالكشف؟! وقد رأينا نماذج منها.

وهي بالتالي كذب على الله، وكذب على ملائكته، وكذب على رسله، وكذب على اليوم الآخر، وكذب على القضاء والقدر (خيره وشره)، وكذب على الصحابة، وكذب على التاريخ، وكذب، وكذب، وكذب.

8- يضاف إليها دعوة إلى أخلاق غريبة؟ فالتواضع هو الذل والمهانة، والورع هو التفاهة والبلاهة، والتوكل هو الاستسلام تطوعاً للجوع والعطش والعري والمرض، والزهد هو التسول وأكل القمامات وروث الحيوانات، وقد رأينا نماذج منها.

9- يضاف إليها تعطيل أحكام الإسلام بحجج فيها الكثير من المكر؟ فهذا لم يغير منكراً أو لم ينه عنه، أو لم يقم بعمل خير خوفاً من أن يكون عمله رياء، وذاك لم يأمر بمعروف خوفاً من أن يكون داخلاً في حكم الآية: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ)) [البقرة:44]، وذلك لم يتضرع إلى الله ولم يسأله خوفاً من أن يكون دعاؤه اعتراضاً على قضاء الله، ورابع لم يتزوج خوفاً من أن يكون الزواج ركوناً إلى الدنيا، وآخر ينهى عن طلب الحديث والعلم لأنه طلب للرئاسة، وآخرون ينهون عن تعلم القراءة والكتابة لأنه أجمع لهمة المريد...إلى آخر ما مر وما لم يمر مما أفسد المسلم في دينه ودنياه.

10- يضاف إليها علم الكلام الذي أنكره نظرياً واستخدمه عملياً في كل كتبه، وخاصة في (الإحياء)، استعمله بمهارة ولباقة، وأدخله في أصول العقائد والعبادات، حيث جاء إلى الاعتقادات الغيبية التي لا يمكن معرفتها إلا عن طريق الوحي، فأخذ يستنبطها بأساليب علم الكلام، ليبرر تلقيها عن الكشف، بعد أن كانت لا تؤخذ إلا من نصوص القرآن وصحيح السنة.

واستعمله بمهارة ولباقة، فأقحم به الصوفية على الإسلام، حتى جعل المتصوفة هم (الخصوص)، وجعل أقطابهم (خصوص الخصوص)، وجعل أهل الشريعة هم العامة.

واستعمله بمهارة ولباقة، فجعل العبادات غير منجيات، وجعل المنجيات هي مقاماتهم الصوفية التي تدمر الأخلاق والإيمان والإسلام.

11- يضاف إليها مجموعة وافرة من المعلومات الخرافية المبثوثة في الكتاب، والتي شكلت جزءاً هاماً من المعارف والثقافة عند المسلمين طيلة القرون، وكانت سبباً لما وصلت إليه المجتمعات الإسلامية من ضياع وتفتت، وقد مرت صور منها في الفصول السابقة.

- وهناك ملحوظة جديرة بالاهتمام، وهي أن قسماً من إحيائه هو نصوص منقولة حرفياً من قوت القلوب للمكي، وبعضاً من اللمع للطوسي...

كما أنه يأخذ أفكاره وفلسفاته وأقواله في التربية والنفس والمجتمع، من أفكار وفلسفات إخوان الصفا، وقد انتبه إلى هذا كثيرون منهم ابن سبعين([25]) والمازري([26]) والذهبي([27]) وغيرهم.

لقد استطاع الغزالي، بهذه الأساليب، أن يمزج التصوف بالإسلام، ويجعل الآخرين يعتقدون أنهما شيء واحد.

وتبعه مثقفو المتصوفة على هذا النهج، وشيئاً فشيئاً، فَشَا هذا في الأمة، إلا من رحم ربك، وشيئاً فشيئاً، أصبح الإشراق وعلم الكلام آلة لاستنباط العقائد والعبادات في الإسلام، وشيئاً فشيئاً، جعلوا التصوف قمة الإسلام، وقبلوا تسميته (الإحسان)!

ولهذا السبب، أطلقوا على الغزالي لقب حجة الإسلام، وما هو إلا حجة الكهانة.

ولهذا السبب، جعلوا كتابه: (إحياء علوم الدين)، كتاباً مقدساً، ففي كل بلاد المسلمين، نرى من يسمعون العلماء وأتباعهم، يقرؤون القرآن للتبرك، ولترديد كلمة (الله)، عندما يقف القارئ على الآي، يمطونها ويكررونها! وكأنهم لم يقرؤوا قوله سبحانه: (( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )) [الأعراف:204] كما يقرؤون صحيح البخاري في المساجد جماعة إذا حزبهم أمر، بينما يقرؤون: (الإحياء) و(الرسالة القشيرية) و(الحكم العطائية)، وغيرها من كتبهم ليطبقوها ويتخذوها منهجاً طاغوتياً من دون القرآن والسنة، وأحسنهم طريقة من يشرك كتب التصوف بالوحي المحمدي، يأخذ منها اعتقاداته وعباداته.

هذه هي الطريقة البرهانية بإيجاز، وهي لا تزيد عن كونها أسلوباً ذكياً لاستدراج المسلمين وجرهم إلى نقمة حكمة الإشراق، إلى ضلالات الكهانة والكهان؛ إلى تلبيسات الخوارق الشيطانية وتفاهات العلوم اللدنية، إلى الوهم الممسرح الذي سموه معرفة، والكفر المموه الذي سموه توحيداً، إلى الصوفية التي سموها (الإحسان).

ويجب أن لا ننسى الجهود، التي نشكوها إلى الله، والتي قدمها في خدمة التصوف كثير من شيوخ الجامع الأزهر، عبر تاريخ الجامع الأزهر، حيث كان طلاب العلم يأتونه من مختلف البلاد الإسلامية، فيتعلمون فيه العلوم الإسلامية ممزوجة بالتصوف وعلم الكلام (أي: الطريقة البرهانية الغزالية) ثم يعودون إلى بلادهم لنشرها في مجتمعاتهم التي كانت تحترمهم وتأخذ عنهم لأنهم خريجوا الجامع الأزهر (!).

وهكذا صار التحشيش الإشراقي المتستر بالإسلام، وجذبات التحشيش الإشراقي المتلفعة بالإسلام، وهلوسات التحشيش الإشراقي الممزوجة بالإسلام، هي الموجه الحقيق للمجتمعات الإسلامية طيلة القرون الطويلة، حتى وصلت المجتمعات الإسلامية إلى ما هي عليه من جهل وتخبط وذل وانحطاط وتمزق.

وأعود فأذكر أن المتصوفة وعلى رأسهم شيوخهم وأقطابهم هم من أوائل المخدوعين والمضللين، فهم قبل غيرهم، يعتقدون أنهم على منهج الإسلام، وأن الإسلام كذلك! لأنها لا تعمى الأبصار.

وهم عندما يخادعون ويراوغون ويغالطون، فإنما يعتقدون أن هذا من الحكمة وأن الله سبحانه يريد منهم ذلك، وأن الرسل كلهم أرسلوا من أجل ستر الحقيقة التي هي وحدة الوجود.

وهذا الحكم صحيح بالنسبة للذين أخذوا التصوف ممزوجاً بالإسلام أو (لغالبيتهم العظمى)، أما أوائل المتصوفة في الإسلام، الذين أخذوا الصوفية عن كهانها غير ممزوجة بشيء، فأولئك كانوا خلاف ذلك؛ لأنهم هم الذين وضعوا لأخلافهم قواعد المكر والكيد حينما مزجوا الإسلام بالتصوف وأوصوا بالتقية ووضعوا العبارة الصوفية.

وماذا يُنتظرمن مجتمعات تتعبد الله بمثل هذا منذ أكثر من تسعة قرون، إلا من رحم ربك؟ أليس ما وصلت إليه هذه المجتمعات هو نتيجة منطقية لهذا؟

ولا ننسى ملحوظة هامة، وهي أنهم نادراً ما يستعملون عبارة (الطريقة البرهانية) أو (الطريقة الغزالية)، وإنما يستعملون في العادة عبارة (التصوف السني) وقد يعبرون عنها أيضاً بمثل قولهم: (حقيقتنا مقيدة بالقرآن والسنة)، أو (طريقتنا سلفية وحقيقتنا صوفية)، وغيرها من العبارات التي مرت في هذا الكتاب والتي لم تمر.

ونختم هذا الفصل بفقرة لابن الطفيل، يقول:

وأما كتب الشيخ أبي حامد الغزالي، فهو بحسب مخاطبته للجمهور، يربط في موضع ويحل في آخر، ويكفر بأشياء ثم ينتحلها، ثم إنه من جملة ما كفر به الفلاسفة في كتاب (التهافت) إنكارهم لحشر الأجساد، وإثباتهم الثواب والعقاب للنفوس خاصة، ثم قال في أول كتاب الميزان: إن هذا الاعتقاد هو اعتقاد شيوخ الصوفية على القطع، ثم قال في كتاب المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال: إن اعتقاده هو كاعتقاد الصوفية، وإن أمره إنما وقف على ذلك بعد طول البحث. وفي كتبه من هذا النوع كثير يراه من تصفحها وأمعن النظر فيها. وقد اعتذر عن هذا الفعل في آخر كتاب ميزان العمل، حيث وصف أن الآراء ثلاثة أقسام:

1- رأي يشارك فيه الجمهورفيما هم عليه.

2- ورأي يكون بحسب ما يخاطب به كل سائل ومسترشد.

3- ورأي يكون بين الإنسان وبين نفسه لا يطلع عليه إلا من هو شريكه في اعتقاده([28]).

- نقول: إن ما أورده ابن طفيل هنا، وارد في كتاب الإحياء، وقد مرت نصوصه في الفصول السابقة، ورغم هذا كله وغير هذا كله، يسمون الغزالي حجة الإسلام؟!

 

 

 

([1]) إحياء علوم الدين: (3/65).

([2]) صحيح مسلم، كتاب النكاح.

([3]) انظر المدخل إلى فهم النصوص الصوفية.

([4]) انظر فصل: (نماذج من حكايات الصوفية).

([5]) اليوغا رياضة تعبدية هندوكية.

([6]) براهمان الإله الخالق عند الهندوك.

([7]) القصد المجرد، (ص:82).

([8]) القصد المجرد، (ص:56).

([9]) مفتاح الفلاح، (ص:30، 31).

([10]) الأنوار القدسية في معرفة القواعد: (1/39).

([11]) رسالة الأنوار، (ص:6).

([12]) فصوص الحكم، (ص:72).

([13]) إيقاظ الهمم، (ص:28).

([14]) رسائل ابن سبعين، (ص:184).

([15]) ميزان الرحمة الربانية، (ص:115).

([16]) قلادة الجواهر، (ص:292).

([17]) نفحات الحق، (ص:229).

([18]) النفحات الأقدسية، (ص:5).

([19]) رسائل ابن سبعين، (ص:182).

([20]) لم يتيسر استئذانه لذكر اسمه.

([21]) شمس المعارف الكبرى، (ص:401).

([22]) أحمد بن علي البوني من بونة في الجزائر، واسمها الآن عنابة، مات سنة (622هـ).

([23]) نشر المحاسن الغالية، (ص:422)، وطبقات الشعراني: (1/161)، وغيرها.

([24]) محمد بن الوليد بن محمد...القرشي الفهري الأندلسي، ويقال له أيضاً: ابن أبي رندقة، توفي في الإسكندرية سنة (520هـ)، وله كتاب في الرد على إحياء علوم الدين، لم أقف عليه.

([25]) بد العارف، (ص:145).

([26]) نرى هذا في فصل لاحق.

([27]) نرى هذا في فصل لاحق.

([28]) حي بن يقظان، (ص:113، 114).

  • الخميس PM 04:10
    2021-08-12
  • 1667
Powered by: GateGold