المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412652
يتصفح الموقع حاليا : 317

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1628773590760.jpg

الوصول عند الصوفية

الفصل الأول
الأحوال والمقامات وتوابعها

تردد في أقوالهم وكتبهم كلمات: (الوصول والواصل والواصلون)، فما هو الوصول؟

يبدأ الوصول عادة بخرق العادة، ثم الجذبة، ثم المناظر الجذبية التي يسمونها: الكشف، وقد يصل بعضهم إلى الجذبة بدون المرور بخرق العادة.

ولكنهم، في افتراءاتهم، يدعون أمام أهل الظاهر (أهل الشريعة)، أن غاية التصوف هو الوصول إلى ما يسمونه: (المقامات)، وكثيراً ما يؤكدون هذا في كتبهم، حتى خدع بذلك المخدوعون، بل وخدع به بعضهم، فأخذوا يمارسون وسائل شتى، ليتحققوا بما يتوهمونه من مقامات، فما هي هذه المقامات، وما هي الأحوال؟

التعريف نأخذه من كتاب: (تربيتنا الروحية) لسعيد حوى، وهو التعريف الذي استقر عليه أكثر الصوفية منذ مئات السنين، يقول:

يتحدث الصوفية عن شيء اسمه: (حال)، وعن شيء اسمه: (مقام)، ويعتبرون الحال هو مقدمة المقام، فمثلاً أول ما يبدأ الإنسان يشتغل بالذكر، يصل إلى طمأنينة مؤقتة للقلب لا تلبث أن تزول، فهذا حال فإذا تابع الإنسان الذكر وصل إلى طمأنينة دائمة للقلب، فهذا مقام...([1]).

إذن..

الحال: هو ما يرد على القلب فجأة ودون تعمد، ثم يزول بسرعة، وهو أوائل المقام.

المقام: هو استمرار الحال واستقراره ودوامه بحيث يصبح صفة دائمة لصاحبه.

وهم يختلفون في المقامات- نوعها وعددها- اختلافاً كبيراً!

فهي عند الطوسي في (لمعه) سبعة: التوبة، والورع، والزهد، والفقر، والصبر، والتوكل، والرضا الذي هو آخر المقامات([2]).

وهي عند أبي طالب المكي في (قوت القلوب) تسعة: التوبة، والصبر، والشكر، والرجاء، والخوف، والزهد، والتوكل، والرضا، والمحبة([3]).

وهي عند أبي بكر الكلاباذي في (التعرف لمذهب أهل التصوف) غامضة، فهو يذكر المقام ويُعرفه تعريفاً ينقصه الوضوح: لكل مقام بدء ونهاية، وبينهما أحوال متفاوتة، ولكل مقام علمٌ، وإلى كل حال إشارة، ومع كل مقام إثبات ونفي...، حيث نرى أنه لم يكن للحال والمقام معنى واضح عنده، كما أنه يأتي بمَثَل على المقام (الإيمان والأمانة)، ولم أرهما عند غيره، إلا مقام الإيمان عند السهروردي.

وبعد صفحات يفتح الكلاباذي أبواباً للتوبة والزهد والصبر والفقر والتواضع والخوف والتقوى والإخلاص والشكر والتوكل والرضا واليقين والذكر والأنس والقرب والاتصال والمحبة، وعددها سبعة عشر، لكنه لم يُسمها (مقامات)، وإنما جعل لكل منها باباً مثل بقية أبواب الكتاب، وعليه نستطيع أن نقرر أن المقامات لم تكن واضحة المدلول عند الكلاباذي! ولم يكن يَعْرف ما هي!

والمقامات عند القشيري في (رسالته) غير واضحة كذلك، فبالرغم من أن تعريفه للمقام فيه شيء من الوضوح، لكن ماهية المقامات غير واضحة! فهو يورد أمثلة على النحو التالي: من لا قناعة له لا يصح له التوكل، ومن لا توكل له لا يصح له التسليم، وكذلك من لا توبة له لا تصح له الإنابة، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد..([4]). من هذا النص نستطيع أن نقول: إن المقامات عند القشيري هي: القناعة، والتوكل، والتسليم، والتوبة، والإنابة، والورع، والزهد.

على أنه بعد صفحات، يورد أبواباً مثل بقية أبواب الكتاب للتوبة، والمجاهدة، (والخلوة والعزلة)، والتقوى، والورع، والزهد، (والصمت) والخوف، والرجاء، والحزن، (والجوع وترك الشهوة)، والخشوع، والتواضع، ومخالفة النفس، (والحسد والغيبة)، والقناعة، والتوكل، والشكر، واليقين، والصبر، والمراقبة، والرضا، والعبودية، والإرادة، والاستقامة، والإخلاص، والصدق، والحياء، (والحرية والذكر والفتوة)، وعددها ثلاثون.

ويقول عن التوبة (في باب التوبة): إنها أول المقامات، كما يخلط معها (الحسد والغيبة)، وفي هذا الكثير من الغرابة.

أما الغزالي في إحيائه، فالمقامات عنده مثيرة للاستنكار والتساؤلات!!

فهو يقسِّم إحياءه إلى أربعة أقسام أو (أرباع)، فيجعل الربع الأول للعبادات، ويجعل الربع الرابع (الأخير) للمقامات التي يسميها (المنجيات).

ومن هنا ينبعث الاستنكار والتساؤل!!

لأن من بدهيات الإسلام، وما يُعرف من الدين بالضرورة، أن العبادات هي المنجيات، فنسأل هذا الذي سموه (حجة الإسلام) نسأله: كيف يجعل المنجيات غير العبادات؟! وما هو حكم الإسلام في هذا؟

في واقع الأمر، هذا التقسيم هو عقيدة المتصوفة جميعاً، والدليل على ذلك تقديسهم لكتاب إحياء علوم الدين، وتواصيهم بقراءته وتعلمه وتعليمه، حتى قالوا: (بِعِ اللحيةَ واشتَرِ الإحيا)، وتقديسهم لمؤلفه وتعظيمهم له حتى سموه: (حجة الإسلام). ومقاماته هي: التوبة، والصبر، والشكر، والخوف، والرجاء، والفقر، والزهد، والتوحيد، والتوكل، والمحبة، والشوق، والأنس، والرضا، والنية أو (الإرادة)، والإخلاص، والصدق، والمراقبة، والمحاسبة، وعددها ثمانية عشر. هذه هي المنجيات عند حجة الإسلام!! ونعرف أن مثلها موجود في كل الوثنيات.

ننتقل إلى غيره، فنرى ابن سبعين في (بُد العارف) يقفز بالرقم عالياً، حيث يقول:

...والقسم الأول من القسم الأول([5]) من التصوف، هو الذي أدركه رجال الرسالة القشيرية، واليه أشار ابن العريف في (محاسنه)، و(مفاتح المحقق)([6])، وهو مركب من طريق وسلوك ووصول وفناء عن الوصول، ولواحقه مائة وخمسون؛ كالصبر، والحلم، والعلم، وغير ذلك يطول ذكره، وهو مقام الغزالي، وجميع من تكلم في التصوف بالعلوم الصناعية، غير أنه لم يحققه على ما يجب([7]).

- يحق لنا أن نتساءل أمام هذا النص: من أين أتى ابن سبعين بـ (العدد: مائة وخمسين)؟! لا نعرف. لعله كان عن طريق الكشف!!

على أن الملاحظ أنه لا يهتم (هو نفسه) بالمقامات، بل ويظهر من كلامه أنه ينتقد متصوفة المقامات، ويسمي تصوفهم: (التصوف بالعلوم الصناعية).

ومن الملاحظ أنه لا يجعلها من صميم التصوف، بل يسميها: (لواحق).

كما أن من الملاحظ عند ابن سبعين أنه يصب اهتمامه على المجاهدة، وعلى بدئها بالاعتقاد بوحدة الوجود، والتركيز عليها، وهذا عكس طريقة رجال (الرسالة القشيرية) الذين يُعَرِّفون السالك بوحدة الوجود بعد الجذبة، أو بعد أن يقطع شوطاً كافياً بالمجاهدة.

والمقامات عند ابن البنا السرقسطي واحد وتسعون مقاماً أو أكثر. يقول:

ألقَوا إليه من صفات النفس                  ما كان فيها قبل ذا من لَبْس

وهي إذا أنكرتَها فَلْتعرف           إحدى وتسعين وقيل: نيِّف([8])

يعني بقوله: (صفات النفس)، الصفات المذمومة التي يدعون أنهم يغيرونها بالصفات الحميدة، التي هي المقامات، ويقولون: إن كل صفة مذمومة يقابلها صفة محمودة، وبذلك تكون المقامات عند السرقسطي إحدى وتسعين ونيفاً.

والمقامات عند عمر السهروردي (إمام الوجود)، شيء آخر، يقول: ...وإني بمبلغ علمي وقدر وسعي وجهدي اعتبرتُ المقامات والأحوال، وثمرتها، فرأيتها بجميعها ثلاثة أشياء بعد صحة الإيمان...فصارت مع الإيمان أربعة([9]) وهي: الإيمان، والتوبة، والزهد، والعبودية.

ويضيف: ثم يستعان على إتمام هذه الأربعة بأربعة أخرى، بها تمامها وقوامها...وهي: قلة الكلام، وقلة الطعام، وقلة المنام، والاعتزال عن الناس([10])....

نلاحظ في قول السهروردي البغدادي ما يلي:

1- احتاجت المقامات والأحوال منه أن يبذل وسعه وجهده، بمبلغ علمه، ليعتبرها ويثمرها، وهذا يعني بوضوح أنها مطموسة المعالم، ومجهولة الآثار، لذلك احتاجت منه هذا الجهد ليعتبرها.

2- لم يفرق بين المقامات والأحوال، بل يظهر من قوله أنها عنده شيء واحد.

3- جعل الإيمان مقاماً، ولم أر أحداً شاركه هذه النظرة غير الكلاباذي.

4- جعل قلة الكلام وقلة الطعام وقلة المنام والاعتزال عن الناس مقامات! ولعل القارئ انتبه إلى أن هذه الأربعة هي عناصر الرياضة الصوفية: الصمت، والجوع، والسهر، والخلوة)، أي إن السهروردي جعل عناصر الرياضة الصوفية من المقامات! ولعله ينفرد بهذه النظرة.

- وعند ابن عجيبة هي: المحاسبة، والمراقبة، والمشاهدة، والتحقق بالفناء، والبقاء، وعين اليقين، وحق اليقين، وكذلك التوبة، والورع، والزهد، والتوكل، والرضا، والتسليم، فيكون عددها ثلاثة عشر مقاماً.

- وفي كتاب (الصوفية بن الأمس واليوم) يورد مؤلفه قولاً لأبي سعيد بن أبي الخير يجعل المقامات أربعين: النية، والإنابة،...وآخرها التحقيق، ثم النهاية، ثم التصوف. حيث نرى فيها مقامات يكاد ينفرد بها مثل: (مقام الجهد، والولاية، والوجد، والوصال، والكشف، والخدمة، والتفكر، والتجريد، والتفريد، والانبساط) كما نراه يخلط ما قبل الجذبة بما بعدها، بينما أكثر الآخرين يجعلون المقامات في الطريق إلى الجذبة (أي: قبلها).

- بينما نرى عبد الحليم محمود في كتابه (أبو مدين الغوث) يجعل المقامات خمسة فقط: التوبة، والورع، والزهد، والمحاسبة، والمراقبة.

وفي الطريقة القادرية يجعلون المقامات سبعة تختلف عما رأيناه، وهي: النفس الأمارة والنفس اللوامة، والنفس الملهمة، والنفس المطمئنة، والنفس الراضية، والنفس المرضية، والنفس الكاملة([11]).

ويجعلون الأحوال صفات للمقامات: فالنفس الأمارة حالها الميل، واللوامة حالها المحبة، والملهمة حالها العشق، والمطمئنة حالها الوصلة، والراضية حالها الفناء، والمرضية حالها الحيرة، والكاملة حالها البقاء([12]).

- والمقامات عند عبد القادر عيسى اثنا عشر مقاماً، هي: التوبة، والمحاسبة، والخوف، والرجاء، والصدق، والإخلاص، والصبر، والورع، والزهد، والرضا، والتوكل، والشكر([13])، يذكرها في الصفحة الأولى من الباب الثالث من كتابه.

وبعد خمس صفحات يورد النص الآتي:

قال أبو بكر الكتاني وأبو الحسن الرملي رحمهما الله تعالى: سألنا أبا سعيد الخراز، فقلنا: أخبرنا عن أوائل الطريق إلى الله تعالى؟ فقال: التوبة، وذكر شرائطها، ثم ينقل من مقام التوبة إلى مقام الخوف، ومن مقام الخوف إلى مقام الرجاء، ومن مقام الرجاء إلى مقام الصالحين، ومن مقام الصالحين إلى مقام المريدين، ومن مقام المريدين إلى مقام المطيعين، ومن مقام المطيعين إلى مقام المحبين، ومن مقام المحبين إلى مقام المشتاقين، ومن مقام المشتاقين إلى مقام الأولياء، ومن مقام الأولياء إلى مقام المقربين([14])...

أي: إن عبد القادر عيسى يثبت أن المقامات الخرازية، وعددها عشرة، تختلف عن مقاماته بالكم وبالكيف.

كما نرى أيضاً أن الخراز يذكر مقامات لم يقل بها الآخرون! فمقامات (الصالحين والمريدين والمطيعين والمحبين والمشتاقين...)، ما رأيناها فيما مر معنا من أقوالهم، ولعله ينفرد بها في طريقته.

- كما يلاحظ أن سعيد حوى أثبت مقاماً واحداً (الطمأنينة)، ولم أجده إلا في القادرية والعيدروسية.

في هذه النصوص كفاية، تجنباً للإطالة، ويتبين منها (ومن غيرها) ما يلي:

1- يختلفون في تعريف المقام والحال (وخاصة قرونهم الأولى).

2- يختلفون في عدد المقامات اختلافاً كبيراً.

3- يختلفون في ماهيتها (أي: ما هي المقامات؟) اختلافاً مثيراً للانتباه!

4- بعضهم لا يهتم بها، كابن سبعين (بل كلهم).

5- في واقع الأمر، ليست المقامات من أهداف التصوف، وليس لها دور أو شأن في الوصول إلى الغاية التي هي الجذبة، التي يذوقون فيها الألوهية ويستشعرون وحدة الوجود، وأقوالهم في هذا كثيرة جداً، رأينا بعضها في فصول سابقة، ونضيف إليها قولاً واحداً - تجنباً للإطالة- لعبد القادر عيسى، يقول:

فالانقطاع في الطريق مصيبة كبرى وخسران مبين، وسببه موافقة السالك لشهوات نفسه، وتطلعه للمقامات والكشوفات، وانحرافه عن مقصده الأسمى، فالسالك الصادق المخلص لا يطلب المقامات ولا يقصد المراتب والكرامات، إنما هي منازل يقطعها في طريقه إلى الغاية الكبرى دون انحراف أو التفات.

وكل مقام لا تقم فيه إنه               حجاب فجد السير واستنجد العونا

فلا تلتفت في السير غيراً وكل ما              سوى الله غير فاتخذ ذكره حصنا

ومهما ترى كل المراتب تجتلي                عليك فحُل عنها فعن مثلها حُلنا

وقل ليس لي في غير ذاتك مطلب            فلا صورة تجلى ولا طرفة تجنى([15])

من كل ما تقدم، نستطيع أن نقرر مطمئنين، أن المقامات هي عناوين بلا مواضيع،

أو هي تنطعات دعائية، من تنطعات ذي النون المصري، ونرى ما يشبهها في الجينية والهندوكية والبوذية...

ومع ذلك فقد خُدع بها بعضهم وظنها واقعية! حيث نرى بعضهم يريد أن يصحح حاله في التوكل، وآخر في الصبر...إلخ، لكن الشيوخ كانوا ينبهونه إلى غلطه. وعلى كل حال، يجب أن نعرف أن عندهم مقامات حقيقية غير هذه، نعرفها من وصف القوم لأحوالهم ومشاهداتهم، وهي:

1- مقامان هما نتاج الطريقة، أي إن الطريقة (الإشراقية) تؤدي إليهما، وهما:

أ- مقام الاستخدار: يفقد فيه السالك القدرة على المحاكمة الصحيحة، والفهم المميز للأمور والأشياء، ويظهر عليه ما يُشبه الخبال، ويغدو قابلاً للتأثر بالمخدرات المعروفة (الحشيش والأفيون وزمرتهما) بكمية أقل من الكمية التي كان يتأثر بها عندما كان سليماً، وتقل هذه الكمية كلما زاد رسوخ هذا المقام في كيانه، ولذلك كان الاسم (الاستخدار) اسماً مناسباً لهذا المقام.

وفي هذا المقام يفقد السالك أيضاً اهتمامه بأي أمر آخر من أمور الدنيا والآخرة، ولا يبقى في نفسه من شاغل إلا الوصول إلى المقام الثاني (الجذبة).

ب- مقام الجذبة: ويسمونها أسماء كثيرة مثل: (الغيبة، والصعقة، والمحو، والفناء عن الخلق...)، ويريدون بالاسم (الجذبة) أن الله سبحانة يجذب بها السالك إليه، و(الغيبة) أي عن الإحساس بالموجودات، و(الصعقة) أخذوها من الآية الكريمة: ((وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا)) [الأعراف:143]، ليوهموا أنفسهم ويوهموا الناس أن صعقة موسى صلوات الله عليه هي جذبة مثل جذباتهم، و(المحو) أي عن الشعور والإحساس، وهي تشبه الحالة التي تحصل لمتعاطي المخدرات شبهاً كاملاً، يكون فيها المجذوب نائماً مثل يقظان، أو يقظان مثل نائم، أو كما يصفه القشيري: إذا كان الغالب عليه المحو فلا علم ولا عقل ولا فهم ولا حس([16]).

والجذبة هي الولاية، فكلمة الولي تعني الذي وصل إلى الجذبة، وكلمة الواصل أيضاً تعني الذي وصل إلى الجذبة.

وتبدأ الجذبة بصورة عامة بشكل (حال)، أي تكون سريعة الزوال، بطيئة المنال، ثم مع الدوام على ممارسة الرياضة، تصير (مقاماً)، أي تصير بطيئة الزوال سريعة المنال.

2- مقامان ناتجان عن توجيهات الشيخ وإيحاءاته، ويختصان بالرؤى الهلوسية (أحلام الجذبة) التي يراها المجذوب، ولولا الشيخ وإيحاءاته لكانت هذه الرؤى مثل رؤى الحشاش والأفيوني تماماً، ولذلك قالوا: من لا شيخ له فشيخه الشيطان، وقالوا: وصحبة شيخ وهي أصل طريقهم فما نبتت أرض بغير فلاحة وهاذان المقامان هما:

أ- مقام الجمع، أو الفناء في الله، أو الحضور بالله، أو الوجود، أو الإحسان، أو الحرية (مقابلة مع العبودية)...الخ، تمتاز أحلام الجذبة عموماً، بالجرأة البعيدة، والقفز فوق الواقع، وتكون متناغمة كلها مع عواطف المجذوب وأمانيه ومعلوماته المختزنة، لذلك يعمل الشيخ على حقنه بعواطف وأماني جديدة تدور كلها حول رؤية الأنبياء والملائكة، ثم العروج إلى الله (جل وعلا)، ثم الفناء فيه، أي: التحقق بالألوهية، وهو مقام الجمع الذي تبدأ رؤاه بشكل (حال)، ثم تتطور حتى تصير (مقاماً)، وتعني كلمة (الجمع) أي جمع الخالق والمخلوق في وحدة واحدة.

وفي هذا المقام تنطلق العبارات المخيفة مثل: (أنا الله، سبحاني، لا إله إلا أنا...)، وما شابهها، وهي عبارات تقود قائلها إلى سيف الردة، وتدفع المسلمين للانتفاض على الصوفية والقضاء عليها، مهما كانت غفلتهم، لذلك يعمل الشيخ على إيصال المجذوب إلى مقام البقاء.

ب- مقام البقاء، أو صحو الجمع، أو الفرق الثاني، أو الفرق في الجمع، أو الجمع في التفرقة، أو الإطلاق، أو العبودة، (يجعلون في افتراءاتهم كلمة (عبد) في الآية: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ)) [الإسراء:1] أنها من العبودة).

يبدأ الشيخ بتدريب المريد على العودة إلى الإحساسات العادية والتمييز، ليعترف أمام الناس بالمخلوقية والعبودية مع تحققه بالألوهية، حيث تتحقق حكمتهم أو قانونهم: اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً، وهم يفترون على الأنبياء أنهم كانوا في هذا المقام، وهو عندهم مقام الكمّل.

3- مقام لا علاقة له بالطريقة ولا بالشيخ هو (جمع الجمع)، أو (البقاء في الله)، وقد يسميه بعضهم: (الإطلاق).

وهم يختلفون في تعريفه، فهو عند بعضهم الاستغراق في مقام البقاء، بحيث يصبح الواصل دائم الشعور بالألوهية، وأنه هو الله (جل وعلا)، بكل أسمائه وصفاته، وبنفس الوقت يرى نفسه ويرى الأشياء كما يراها الآخرون.

وهو عند بعضهم الآخر الغيبة الدائمة عن الإحساس، والجذبة المستمرة ليلاً ونهاراً بحيث يفقد الشعور، ومثل هذا يهمل كل شيء من أمور الدين وبعض أمور الدنيا، (مثل أحمد البدوي وغيره). ومنهم من يبقى عرياناً مكشوف العورة أمام الناس، ومنهم من يقبع في مكانٍ ما من الجبال أو البراري فاقد الوعي، (وكشف العورة حالة ملازمة). ومنهم من يأتي البهائم في الشوارع أمام الناس، ويؤولون له ذلك بأن سفينة في البحر على وشك الغرق وهو يسندها لينقذها، إلى آخر القائمة التي تحتوي أمثال هؤلاء المخابيل الذين نراهم في الأسواق، وفي مستشفيات المجانين، وفي مخابئ التحشيش.

4- مقامهم قبل الأخير في الموقف بين يدي الله، ((يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا)) [النبأ:40] هذه هي المقامات الحقيقية، ولا شيء غيرها، إلا دجلياتهم.

مع العلم أن أول من تكلم بمقاماتهم الموهومة، ووضع لها بعض الأسماء هو- كما يقولون- ذو النون المصري، ولعله أراد بذلك الدعاية للتصوف، ولعل الجنيد أراد منافسته فسبقه بأشواط.

وهذه بعض أمثلة من بعض ممارساتهم لبعض مقاماتهم التي يتنطعون بأسمائها:

* من مقام التوبة:

يقول الغزالي في كتاب التوبة، وهو الأول من ربع المنجيات:

...وحُكي عن أبي عمرو بن علوان، في قصة يطول ذكرها، قال فيها: كنت قائماً ذات يوم أصلي، فخامر قلبي هوى طاولته بفكرتي، حتى تولد منه شهوة الرجال، فوقعت إلى الأرض، واسودَّ جسدي كله، فاستترت في البيت، فلم أخرج ثلاثة أيام، وكنت أعالج غسله في الحمام بالصابون، فلا يزداد إلا سواداً، حتى انكشف بعد ثلاث، فلقيت الجنيد، وكان قد وجه إلي فأشخصني من الرقة، فلما أتيته قال لي: أما استحييت من الله تعالى؟ كنت قائماً بين يديه، فساررت نفسك بشهوة حتى استولت عليك برقَّة، وأخرجتك من بين يدي الله تعالى! فلولا أني دعوت الله لك، وتبتُ إليه عنك، للقيت الله بذلك اللون؟ قال: فتعجبت كيف علم بذلك؟ وهو ببغداد وأنا بالرقة([17]). اهـ.

* الملحوظات:

- نلاحظ أنه تاب عن غيره، ويكفي لبيان هذا الضلال آيتان من عشرات الآيات والأحاديث: ((قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)) [الجن:21، 22]

- ونلاحظ أيضاً أنه جعل سواد الجلد في الدنيا عقوبةً من الله! وهذا جهل بالإسلام، إذ لو كان السواد في الدنيا عقوبةً أو سوءاً، لما كان بلال أسود البشرة، كما أن القرآن الكريم يخبرنا أنه ما من أمة إلا وظهر فيها نبي منها ((وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيْهَا نَذِيْرٌ)) [فاطر:24]، ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ)) [إبراهيم:4]، وهذا يعني أن الأمم الزنجية، مثلهم مثل غيرهم، ظهر فيهم أنبياء زنوج، فهل كان هؤلاء الأنبياء مغضوباً عليهم من الله سبحانه بسبب سواد بشرتهم؟!

- ثم لنلاحظ الدور الواضح الذي قامت به شياطين الجن في هذه التمثيلية وأمثالها.

- هذه صورة من مقاماتهم التي يسميها الغزالي (المنجيات).

وصورة أخرى:

* من مقام التوكل:

يقول الغزالي إياه، في إحيائه إياه:

...قال أبو موسى الديلي: قلت لأبي يزيد: ما التوكل؟ فقال: ما تقول أنت؟ قلت: إن أصحابنا يقولون: لو أن السباع والأفاعي عن يمينك ويسارك، ما تحرك لذلك سرك. فقال أبو يزيد: نعم، هذا قريب، ولكن لو أن أهل الجنة في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يعذبون، ثم وقع بك تمييز بينهما، خرجتَ من جملة التوكل([18]) اهـ.

هذه صورة من مقام التوكل عندهم، الذي هو من المنجيات عند الغزالي! ولا أرى حاجة للتعليق عليه، فهو أوضح، بل أقبح، بل أبعد ضلالاً من أن يحتاج إلى تعليق (أهل النار وأهل الجنة سيان!).

وصورة ثالثة:

* من مقامي التوكل والصبر:

يقول الغزالي نفسه:

...والمتوكلون.. على ثلاثة مقامات. الأول: مقام الخواص ونظرائه، وهو الذي يدور في البوادي بغير زاد، ثقة بفضل الله تعالى عليه في تقويته على الصبر أسبوعاً وما فوقه، أو تيسير حشيش له أو قوت، أو تثبيته على الرضا بالموت إن لم يتيسر شيء من ذلك([19]). اهـ.

- لست أدري إلى كم من الصفحات يحتاج التعليق المفصل على هذه الضلالات، لكن بإيجاز الدوران في البوادي بغير زاد ليس من الإسلام، وهو بذلك مَوْزور لا مأجور، وإن مات فهو كالمنتحر.

- وهناك ملحوظة يحسن التنويه بها، وهي ادعاؤهم أن المقامات هي من السلوك ومن الطريقة، ويدعون أن الشيخ يُسَلك مريده في المقامات حتى إذا تحقق بمقام نقله إلى مقام أعلى...وطبعاً؛ هذا أسلوب في الدعاية ناجح.

* قصة للتسلية:

يورد الغزالي في الإحياء:

...فإذا ضيع جميع عمره في إصلاح نفسه فمتى يتنعم بالقرب؟ ولذلك كان الخوّاص يدور في البوادي، فلقيه الحسين بن منصور (الحلاج)، وقال: فيم أنت؟ قال: أدور في البوادي أصْلِحُ حالي في التوكل، فقال الحسين: أفنيت عمرك في عمران باطنك! فأين الفناء في التوحيد؟! فالفناء في الواحد الحق هو غاية مقصد الطالبين ومنتهى نعيم الصديقين([20]). اهـ.

- هذه القصة تتكرر في كتبهم، ونستفيد منها ما يلي:

1- كان الخوّاص من الذين يظنون أن المقامات واقعية، ذات وجود في الطريق، لذلك كان يريد إصلاح حاله في التوكل حتى يصير هذا الحال مقاماً عنده.

2- نبهه الحلاج إلى أن هذا ليس هدفاً، والهدف هو الفناء في التوحيد، (ونعرف الآن ما معنى الفناء في التوحيد).

3- يقرر (حجة الإسلام) أن الفناء في الواحد الحق (أي: استشعار وحدة الوجود باستشعار الألوهية) هو غاية مقصد الطالبين...وهذا يعني أن المقامات ليست هناك.

4- يستشهد الغزالي بالحلاج، ويأخذ عنه الحكم والحكمة في عدة مواضع من الإحياء، وهذا يدل على أنه مزكَّى عنده، وأنه يدين بما كان يدين به، وكل الصوفية مثله.

* خرق العادة:

في غالب الأحيان، وبعد ممارسة طويلة (وقد تقصر في النادر) لما رأيناه من الرياضة الصوفية، يحدث للسالك، أو أمامه، أمور غير عادية لا يُعرف لها سبب، هي خوارق العادة التي يصر المتصوفة إصراراً عجيباً على تسميتها الكرامات حتى جعلوا التصديق بها عقيدة لا يكمل إيمانهم إلا بها:

وأثبِتَنْ للأوليا الكرامة               ومن نفاها، فانبذن كلامه

مع العلم أن الهندوس والطاويين...والكهان في الملل الوثنية، والسحرة الحقيقيين، يفعلون مثلها، وأكثر منها، بل المتصوفة أنفسهم، تكون سرعتهم في الوصول إليها على قدر غلوهم في الشرك بالله في شيخهم.

وفي ما يأتي سنرى نماذج كثيرة من (كراماتهم) هذه، وسنرى أنها ليست كرامات، وإنما هي خوارق شيطانية، يستدرج بها شياطين الجن هؤلاء القوم إلى شباكهم، فيصيدونهم، ثم يجعلون منهم (دودة الفخ) ليصيدوا بهم.

وهم دائماً يتواصلون فيما بينهم، ويوصون مريديهم، ألا يلتفتوا إلى الكرامات لأنها تشغلهم عن الوصول إلى التحقق بالألوهية (أي: مشاهدة السالك أنه هو الله). ومن أقوالهم في ذلك:

اعلم أن المريد الصادق إذا اشتغل بالذكر على وجه الإخلاص، يظهر عليه أحوال عجيبة وخوارق غريبة، وهي ثمرات أعماله من فضل الله تعالى عليه، إما تطميناً لقلبه وتأنيساً، وإما ابتلاءً من الله تعالى وامتحاناً له، فالواجب عليه ألا يلتفت إليها ولا يغتر بها، لئلا ينقطع بها عن مقصوده، ولهذا قال العارفون بالله تعالى: أكثر من انقطع من المريدين بسبب وقوعهم في الكرامات([21])....بل الكرامة العظمى الوقوف على حدود الشريعة الغراء، واتباع السنة الواضحة البيضاء.

- أقول: هذه الجملة الأخيرة هي مغالطة يرددونها بحسن نية، وذلك أن الإشراق (الذي هو الصوفية) يبقى ضلالاً وزندقة ولو مزج بالوقوف على حدود الشريعة الغراء واتباع السنة الواضحة البيضاء.

وخوارق العادة- في الواقع- متنوعة، لكن لا تحدث كلها لأي واحد منهم، بل قد يحدث بعضها لبعضهم، ويلاحظ أنها- كلها- مما يقوم به شياطين الجن استدراجاًً وجراً لهم إلى وهدة الضلال والإضلال.

والخوارق التي يقوم بها متصوفة الهندوس وغيرهم أكثر تنوعاً وأعجب مما يقوم به متصوفة المسلمين، فقد يطيرون في الهواء، ويمشون على الماء، ويدخلون في النار، ويرفع أحدهم يده في الظلام فيخرج منها نور يضيء الغابة وغيرها، وضرب الشيش هو أشهر خوارق متصوفة المسلمين، وهو موجود في الطريقة الرفاعية والجزولية...

وأكرر القول إنها كلها مما يستطيع شياطين الجن تمثيلها أمام أوليائهم.

أما المشاهد الضخمة ذات الأبعاد الواسعة التي تتجاوز حجوم الجن وقدراتهم الطبيعية، كقطع الأرض بخطوة أو خطوات، والصعود فوق جبل قاف، ورؤية النفس أطول من السماوات، أو العروج إليها، ورؤية الله (جل الله وعلا)، والفناء فيه، واستشعار الألوهية (سبحان الله عما يصفون)، وذوق معانيها، فهذا بحاجة إلى الجذبة وأوهامها، وتشويهها لوظائف الدماغ الطبيعية التي طبعها الله عليها. والجذبة هي الوصول، أو هي أول الوصول.

وهي الفتوح، وعندما نسمع من يدعو لآخر بقوله: (الله يفتح عليك) فعلينا من الآن فصاعداً أن نعرف أن معناها: أوصلك الله إلى الجذبة.

فما هي الجذبة؟

* الجذبة:

وأخيراً، وبعد أن اجتزنا الطريق، فإلى أين نصل؟ وإلى أين تقود الطريقة؟

إن الطريقة كلها، بشركها ووثنيتها ونَصَبها وخلوتها وسهرها وجوعها هي من أجل الوصول إلى الجذبة ورؤاها.

والجذبة أو الصعقة أو الغيبة أو المحو أو السكر: هي حالة نفسية يَفْقِد بها المجذوب إحساسه بما حوله وبالواقع، ويرى فيها ويسمع ويحس رؤى وأصواتاً وإحساسات غريبة ومتنوعة، وهي تشبه حالة الغيبة التي تصيب متعاطي المخدرات شبهاً تاماً مظهراً ومخبراً ورؤى وإحساسات.

وعندما يصل سالكهم إلى الجذبة يصبح ولياً، فكلمة الولي تعني أنه وصل إلى الجذبة ليس غير، وهي التي يسمونها: الفتح، أو خرق الحُجب، والكشف هو ما يرونه ويسمعونه فيها.

وهي الهدف الذي يسعون إليه، ويتوهمون أن الله سبحانه يجذبهم بها إليه، وهذه بعض أقوال لبعض أقطابهم وعارفيهم تدل على ذلك:

يقول شهاب الدين السهروردي البغدادي:

...وقد ورد: جذبة مِن جذبات الحق توازي عمل الثقلين([22]).

ويقول الشيخ حماد بن مسلم الدباس([23]):

...وإن قال لك: اعبدْني، قل: وفقني، وإن قال لك: وحِّدني، قل: اجذبني([24]).

- لننتبه إلى ربطه التوحيد بالجذبة، ولنتذكر ماذا يعنون بكلمة (التوحيد).

وكان داوُد الكبير بن ماخلا يقول:

الحال ما جذبك إلى حضرته، والعِلْم ما ردك إلى خدمته([25]).

ويقول الشيخ بهاء الدين المجذوب([26]):

...وذلك أن كل حالة أُخذ العبد عليها، يستمر فيها، ولو خرج عنها يرجع إليها سريعاً، حتى إن من المجاذيب من تراه مقبوضاً على الدوام، لكونه جُذب على حالة قبض؛ ومنهم من تراه مبسوطاً، وهكذا.. وكان الشيخ فرج المجذوب رضي الله عنه لم يزل يقول: عندك رزقة فيها خراج ودجاج وفلاحون، لكونه جُذب وقت اشتغاله بذلك؛ وزمنُ المجذوب من حين يجذب إلى أن يموت زمنٌ فرد، لا يدري بمرور زمان عليه. ورأيت ابن البجائي رضي الله عنه، لم يزل يقول: الفاعل مرفوع والمخفوض مجرور، وهكذا، لأنه جُذب وهو يقرأ في النحو. ورأيت القاضي ابن عبد الكافي رضي الله عنه لما جُذب لم يزل يقول - وهو في بيت الخلاء وغيره -: ولا حق ولا استحقاق ولا دعوى ولا طلب ولا غير ذلك([27]).

ويقول الشيخ عبد القادر الدشطوطي([28]):

...الناس معذورون، يقولون: عبد القادر ما يصلي، والله ما أظن أني تركت الصلاة منذ جُذبت، ولكن لنا أماكن نصلي فيها([29])....

ويقول عبد العزيز الدباغ:

...إن الله تعالى لا يحب عبداً حتى يُعرِّفه به، وبالمعرفة يطلع على أسراره تعالى، فيقع له الجذب إلى الله تعالى([30])...

ويقول عمر بن الفارض في التائية الكبرى:

فمني مجذوب إليها وجاذب                 إليه، ونزعُ النزع في كل جذبةِ

وما ذاك إلا أن نفسي تذكرت                حقيقتها من نفسها حين أوحتِ

فحنَّت لتجريد الخطاب ببرزخ               التًراب، وكلٌّ آخذ بأزِمَّتي

ويقول علي الخواص البرلّسي:

إنما سمي المجذوب مجذوباً لأن العبد لم يزل يتعشق حاله ويألفه ولا ينجذب عنه إلا بما هو أقوى منه، وإذا أراد الله تعالى أن يخلص عبداً ويستخلصه لنفسه، جذبه عما كان واقفاً معه من أمر الدنيا والآخرة، فإذا تعشق بما جذبه الحق إليه ثانياً جذبه به عنه ثالثاً([31])...

ويقول ولي الله الدهلوي:

...وأما طريق وصولهم إلى هذا الكمال المطلق، فهو أنهم ينجذبون إلى الله سبحانه، فيقطعون نور الغيب وغيره، حتى يصلوا إلى ميادين الأسماء...ثم يضمحلون في التجلي الذاتي([32])...

ويقول عبد الله بن أبي بكر العيدروس:

...وحقيقة العارف سائر طائر، ثم السير يستدل بالطير، فالسير يكون في مقامات النفس المطمئنة، والطير يكون في مقامات الروحانية العلوية، ثم يستدل الطير بالجذبات السرية، فالجذبة تبعده عن أنيته وتقربه لهويته، إلى أن تورث الجذبة المشاهدة، فالمشاهدة أحضرته معه وغيبته عنه إلى أن ظهر بالعيان([33])...

ويقول محيي الدين بن عربي في (الباب: 216) من الفتوحات المكية:

...إنما سمي مجذوباً لجذب الحق تعالى له، وأخذه بأعطافه، ولولا أنه كان متعشقاً بحاله، مستحسناً له، ما جذبه الحق تعالى، فكأن سبب هذا الكشف تعشق أحواله الطبيعية، ولولا الجذب العنيف ما ترك ما كان فيه([34])....

ويقول محمد مهدي الصيادي الرواس:

وبويعت في الحضرة: على المباعدة عن أصحاب دعوى الولاية والمحو، الذين تحقق أنهم ليسوا من أهل الانجذاب والغيبة، فإن أولئك من اللصوص والدجالين، وكأنهم المقصودين بسر قوله تعالى: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)) [الصف:7]([35]).

ومن أوراد الشاذلية (مناجاة ابن عطاء الله السكندري).

...حققني بحقائق أهل القرب، واسلك بي في مسالك أهل الجذب...([36]).

ومن الأوراد الخلوتية (من منظومة أسماء الله الحسنى):

ومُنَّ علينا يا ودود بجذبة             بها نلحق الأقوام مَن كان قبلنا

ومن الأدعية التيجانية:

اللهم اجذبني إليك قلباً وقالباً بجواذب عنايتك، وألبسني خلعةَ استغراق أوقاتي في الاشتغال بك([37])...

ويقول الدكتور عبد الحليم محمود:

...إننا لا نتحدث هنا عن طريق الاجتباء، فإنه في حقيقة الأمر ليس طريقاً بالمعنى العادي: إنه جذبة مِن جذبات الحق في لحظةٍ بَعْدَها يتبدل المرء حالاً بعد حال، ويدخل رحاب الحق جل وعلا، عبداً من عباده المخلصين([38])...

ويقول الدكتور سيد حسين نصر:

(يتكلم عن المرشد) إلى أن يقول: مثل هذا الشخص، إما أنه مسافر أدركته البركة الإلهية فهو سالك مجذوب، كان قد عبر أولاً جميع المفاوز والأخاديد التي تعترض الروح...لكنه بمساعدة الجذب الإلهي بعد ذلك عاد من مقامات القلب ومصاعد الروح، وبلغ عالم الكشف واليقين...أو أنه ذاك الذي جذبته البركة الإلهية فسلك الطريق فهو مجذوب سالك، وكان قبلاً قد عبر بمساعدة الجذب الإلهي جميع المقامات، وبلغ عالم الرؤيا والكشف عن الحقائق الإلهية([39])...

- تجنباً لزيادة الإطالة نكتفي بهذه الأقوال الكافية:

إذن، فالجذبة هي الهدف الذي يسعون إليه، وهي الفتوح، وعندما نسمع مَن يدعو لآخر بقوله: الله يفتح عليك، فعلينا منذ الآن أن نعرف أن معناها (أوصلك الله إلى الجذبة).

وأكرر القول بأنها تشبه الحالة التي يقع فيها متعاطي المخدرات (الحشيش أو الأفيون والمورفين والايثير وغيرها..) شبهاً دقيقاً، مظهراً ومخبراً، ورؤىً وهلوسات، مع أخذ الدور الذي يلعبه الشيخ وتوجيهه، وإيحاءات الجو الصوفي، بالاعتبار.

وأكرر أيضاً أنهم يعتقدون أن الله يجذب السالك إليه فتحدث له هذه الحالة، ولذلك يسمونها الجذبة، ويسمون الواصل إليها ولياً.

وهم يعنون بقولهم: (الله) الألوهية التي يعتقدون أنها باطنة في الإنسان، وفي كل شيء، وأنه محجوب عنها، أو عن الإحساس بها بالوهم، (أي: الوهم أنه مخلوق وأنه غير الله).

هذه الألوهية الباطنة فيه تجذبه إليها، فيفقد إحساساته بالظاهر وبالمخلوقية، حيث تتجه تلك الإحساسات إلى باطنه، إلى إلهيته التي كان محجوباً عن الإحساس بها بالوهم، هكذا يعتقدون!

يرى المجذوب أثناء الجذبة رؤىً ومشاهدات، تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والثقافات، واختلاف الرؤى حسب الثقافات تعني أن الرؤى التي يراها المتصوف المسلم، تختلف بعض الشيء عن رؤى المتصوف المسيحي، وهذه تختلف بعض الشيء عنها عند الهندوسي.. وهكذا.

والجذبة- كما رأينا- حالة يفقد فيها المجذوب الشعور بما حوله، ويرى ويسمع أشياء لا وجود لها، وقد تأتيه الجذبة ماشياً أو قائماً أو قاعداً أو مستلقياً أو منفرداً أوفي جماعة إن كان من الكمَّل، ونظرياً يمر الولي (الذي وصل إلى الجذبة) في المراحل التالية:

- تكون الجذبات الأولى قصيرة ومتباعدة وخفيفة، والعكس ممكن.

- مع الاستمرار على ممارسة الرياضة، وبعد زمن قد يطول وقد يقصر، تزداد الجذبات عمقاً وطولاً وتقارباً.

- أما المشاهدات (الكشوف)، فكثيراً ما تتجاوز حدود المقاييس العادية، وحدود المعقول لتتخطاها إلى اللامعقول، فيرى نفسه أطول من السماوات، أو يرى نفسه يعرج فيها من سماء إلى سماء حتى يصل إلى العرش، وطبعاً يراها كما يتوهم أنها هكذا، لا كما هي على حقيقتها.

- وقد يرى مخلوقات ضخمة بأشكال مختلفة، يخال بوهمه، أو بتوجيهات شيخه أنها ملائكة.

- وقد تكون الرؤى في المقاييس العادية، فيرى أشخاصاً يتوهم أنهم أنبياء أو أولياء حسب توجيهات شيخه وطموحاته.

- يستمر السالك على المجاهدة ويزداد إصراراً عليها، لأن كل هذه الرؤى ليست هي غايته، حتى يرى نفسه جالساً مع الله (جل جلاله)، يحادثه ويسامره! وطبعاً هذا كله تابع لتوجيهات الشيخ، ويكون الحضور مع الله (جل الله) بشكل من الأشكال التالية:

* إما أن يرى المجذوب نفسه يعرج في السماوات حتى يصل إلى العرش، وهناك يجتمع مع الله (سبحانه وتعالى عما يصفون).

* أو أن يرى الله (جل وعلا) ينزل إلى جانبه ويحادثه، وقد يرفعه بين يديه ويجوِّله في السماوات.

* أو أن يرى نفسه مجتمعاً مع الله (تعالى) في مكانٍ آخر.

وهذا ما يسمونه (المحاضرة).

وفي كل الحالات يجد لذة عظيمة، ورغم كل ذلك فليس هذا هو الغاية.

- يستمر السالك على المجاهدة، وتتكرر المحاضرات وتتطور حتى يرى المجذوب في إحدى جلساته مع الله (جل وعلا) أن الله سبحانه يدمجه في اسم من أسمائه، أو في مكان ما من ذاته (سبحانه عما يصفون)، وهذا ما يسمونه: (المكاشفة)، ويسمونه: (الفناء في الله)، وقد يسميه بعضهم: (الإحسان).

- ويستمر السالك على المجاهدة، ويتطور الفناء في الله، ويزداد عمقاً ونشوة ولذة، وينتقل من اسم إلى اسم، (وهذا التدرج ليس ضرورياً دائماً)، حتى يصل إلى الفناء في الاسم (الرب) أو (الرحمن) على اختلاف بينهم، وهذا الاسم هو أعلى الصفات الإلهية عندهم، فيكون قد وصل إلى قمة المكاشفة، ومع ذلك فليس هذا هو الغاية، إن الغاية هي التحقق بالاسم (الصمد) أو (الله).

- ومع المثابرة على المجاهدة، يقفز إلى الاندماج في الذات الإلهية كلاً في كل (تعالى الله عما يفترون)، فيرى نفسه أنه هو الله (سبحان الله) بجميع أسمائه وصفاته! وهذا ما يسمونه: (المشاهدة)، أو (الجمع)، أو (الفناء في الاسم الأعظم)؛ الله، الجامع لكل الأسماء والصفات، وعند بعضهم هو (الإحسان)..

وهذه المشاهدات (أو الهلوسات) هي ما يعبرون عنها بمثل قول عمر السهروردي: "ابتُلي بنهضة النفس ووثوبها، أو بمثل قول الغزالي: وبعضهم يدعي أموراً عظيمة في المعرفة بالله عز وجل، أو بمثل قول الجيلاني: هم أبداً في سرادق القرب، فإذا جاءت نوبة الحكم كانوا في صحن الحكم.

ومع استمرار إيحاءات الشيخ وتوجيهاته، وغرس الطموحات الوثابة في نفس الولي، ومع تكرار مشاهدة الاندماج في الله (سبحان الله عما يصفون)، يتعمق الشعور بالألوهية ويترسخ، وقد يدفعه هذا إلى البوح بالسر أثناء صحوه، فيقع في المحذورات التي تجر عليه وعلى طائفته الويل والثبور، لذلك يأخذون بأهون الشرَّين، فإذا فُضِحَ أمره وحَكَم عليه أهل الظاهر (الشريعة) بالكفر، حكموا عليه هم أيضاً بالكفر، وإذا أفتى أهل الظاهر بقتله، أفتوا هم أيضاً بقتله، مع إيمانهم بأنه صديق ولي مقرب، لكن بعض الشر أهون من بعض.

لتخليص الولي من هذا المحذور، ولأن هذا المقام ليس مقام الكمَّل من الرجال والنبيين، لذلك يبدأ شيخه بتدريبه على السيطرة على لسانه وكلماته، ليتحقق بمقام الكمّل الذين يتبعون القاعدة (إياك أن تقول أناه، واحذر أن تكون سواه)، حيث يغدو ولياً كاملاً ومرشداً يحق له إرشاد الناس ودعوتهم، لكنه لا يكون مرشداً كاملاً إلا بمقدار ما يجمع حوله من الأتباع، ولذلك يعتبرون محمداً صلى الله عليه وسلم أكمل الكاملين، لأن أتباعه أكثر الأتباع، وأنه هو الإنسان الكامل الأعلى.

وهذا هو مقام البقاء، أو الفرق الثاني...إلى آخر الأسماء، ولهم في التلميح إليه ووصفه عبارات أدبية يتبارون بالتفنن بها وتنويع أساليبها، مر معنا مئات منها، وفي كتبهم ألوف كثيرة غيرها.

وقد يقرأ القارئ في بعض كتبهم أسماء مثل مقام (قاب قوسين)، أو مقام (أو أدنى)، أو مقام (أنا أنا)، أو غير ذلك، وكلها تعني شدة التحقق بالألوهية مع طول مدتها.

وأكرر التنبيه إلى أن الترتيب المذكور ليس ضرورياً، وقد يختلف عند بعضهم اختلافاً كثيراً، وقد ينعكس في نادرٍ من الأحيان.

وهم يقولون: إن المناظر متنوعة لا تتكرر.

كما يتحدثون عن المريد والمراد.

فالمريد هو الذي يسلك الطريقة الإشراقية من أولها حتى يصل إلى الجذبة.

والمراد هو الذي يُجْذَب دون إرادة منه ودون مجاهدة، أو كما هو الواقع، المصاب بمرض عصبي ممن نراهم في الأسواق من المعتوهين والمخبولين والهائمين على وجوههم في البراري، ومنهم نزلاء مستشفيات المجانين.

ويعنون بالاسم (المراد) أن الله سبحانه أراده فجذبه إليه دون إرادة منه، ويصفون المراد عادة بمثل قولهم: (سائح في حب الله)، ويتبركون به، ويطلبون منه أن يكَبِّسهم، أي يضع يده عليهم لتسيل منه الأسرار عن طريقها وتسري في أجسامهم.

وفي جميع الأحوال، ينتاب المجذوب أحد نوعين من الإحساس:

أ- إما شعور باللذة- وهو الغالب- تختلف شدته من جذبة إلى أخرى، وقد تبلغ في بعض الجذبات- وخاصة في الفناءات في الله- من الشدة بحيث تستغرق كل ذرة من جسمه، وعندما يعود إلى الصحو، يعود حامداً شاكراً، ويذهب إلى صندوق ملابسه ليخرج منه سروالاً يلبسه بدل سرواله الذي امتلأ بالمني.

لكنه إذا كان من المتحققين بمقام الزهد، مسح المبتل من سرواله بالتراب، ومضى إلى حال سبيله.

أما إذا كان متحققاً بمقام التوكل، فيتركه كما هو ولا يلتفت إليه لشدة توكله.

يَعرض الوليُّ أمْرَه هذا على شيخه ومشكاة إمداداته، فيهنِّئه ويبشره بأن هذا دليل على صحة المقام الذي وصل اليه، ويفهمه أن سببه هو بقايا شعور بالبشرية، وأنه سوف يزول عندما يتخلص كلياً منها، أو (من الشعور بالمخلوقية)، ويتحقق بالألوهية تحققاً كاملاً.

ويسمون هذا النوع من الإحساس: (البَسْط)، ويسمون جذباتها: (جمالية)، ويسمون فناءاتها أو تجلياتها التي يشاهدون بها أنفسهم أنهم الله: (التجليات الجمالية)، ويوهمون أنفسهم وتائهيهم أن هذه التجليات هي تحققٌ أو فناءٌ في الصفات الجمالية (عفوٌ غفورٌ ودودٌ رحيمٌ..).

2- وإما أن يشعر المجذوب بالاكتئاب أو الغضب أو ضيق الصدر...ويسمون له هذا الإحساس: (القبض) ويسمون جذبته: (الجلالية)، ويوهمون أنفسهم وتائهيهم أنها تجليات الحق عليهم بصفاته الجلالية، (العزيز الجبار المتكبر القهار...)، ويسمونها: (التجليات الجلالية)، أو (التحقق بالأسماء الجلالية)...

ويصف عبد القادر الجيلاني هاذين الإحساسين بقوله: يُكْشَف للأولياء والأبدال في أفعال الله ما يبهر العقول، ويخرق العادات والرسوم، فهي على قسمين: جلال وجمال، فالجلال والعظمة يورثان الخوف المقلق والوجل المزعج، والغلبة العظيمة على القلب، بما يظهر على الجوارح...أما مشاهدة الجمال فهو تحلي القلوب بالأنوار والسرور والألطاف والكلام اللذيذ والحديث الأنيس، والبشارة بالمواهب الجسام والمنازل العالية([40])...

- وهو معنى قوله أيضاً (الجيلاني) الذي مر معنا: ...وبقلبه ينظر إلى ربه عز وجل، إلى جلاله تارةً وإلى جماله تارةً أخرى. (ومثل هذا تماماً تماماً يحصل لمتعاطي المخدرات، والاختلاف بينهما هو في التفسير).

وهذه بعض أقوال لبعض أقطابهم يصفون بها بعض جذباتهم ومشاهداتهم.

يقول المعرِّف عن نفسه (شيعي من طهران):

إن الفقير الحقير سيد حسين بن الرضا الحسيني الطهراني النعمتللاهي، نال بركة النعمة الإلهية في سنة 1303 للهجرة، ذلك أنني عندما التقيت بالسمح الطاهر، مثال العارفين وقطب الهداية في سلوك الطريق، والمرشد الأمين في ممارسة الصلوات، الشيخ عبد القدوس كرمنشاهي...بفضل البركة الإلهية ومعونة الأئمة الطاهرين عليهم السلام، التقيت هذا الرجل العظيم في الوقت الذي تقدم ذكره قرب إمام زادي زيد([41])، وكان له معي ما كان، وفي غضون أسبوع من الزمان حلت علي بركة وجوده وذلك قرب إمام زادي زيد...وبعد أن أجرى مراسم الندامة والتوبة، أعطاني التعليمات اللازمة، وأدخلني إلى حلقة الذكر وقراءة الأوراد، ودربني على ما ينبغي أن يُعمل ويقال، فامتثلت في ذلك كله، وبعد خمس عشرة ليلة، وهو مدى الخلوة الصغرى، عند الفجر، فيما كنت مستغرقاً في التفكير، رأيت جميع الأبواب والجدران في المكان المظلم الذي وُضِعْتُ فيه تشاركني في مراسم الذكر، فغبتُ عن الوعي، وهويتُ إلى الأرض، وبعد شروق الشمس سارع والدي الجسدي بداعي حبه الشديد لي، إلى استدعاء طبيب، ودعا كذلك بمحضري الأرواح وكاتبي التعاويذ الشافية، ثم إن والدتي الجسدية هي الأخرى عالجتني بكل ما تيسر لها من الأدوات والمنعشات والمغذيات.

وبقيتُ على مثل ذلك عشرين يوماً وأنا لا أقوى على القيام بفرائض الشريعة، ولا أعي لوجوب ممارسة الشعائر والرياضات، ولا أحدث أحداً بذلك. وبعد تلك الفترة عاد إلي الوضع الطبيعي أو كاد، وأصبحتُ طليقاً من حال الجذبة، فذهبتُ إلى الحمام وتوضأت، وشعرت برغبة شديدة في لقاء ذلك الشيخ العظيم، وبقيتُ بضعة أيام هائماً على وجهي كالمعتوه في الطرق والأسواق، ساعياً في طلبه، وأخيراً ظفرتُ به، وقبَّلتُ يده، فأبدى لي لطفه وعطفه.

وأقول موجزاً: إنني سلكتُ الطريق تحت رعايته مدة سنتين، آخذاً نفسي بجميع تعليماته ووصاياه، لذلك تحولت عن العلوم التقليدية تحولاً تاماً، وأقبلت على تفهم مسائل المعرفة، والسير في طريق اليقين، أطعته بكل ما أمرني به دون أن أجيب بنعم أو لا، وإذا بدا لي أن بعض ما سمعتُ أو رأيتُ منه يعارض في ظاهره للشريعة، رددته إلى عيب في سمعي أو تقصير في بصري...أحمد الله أنني بفضل ذلك العالم الكبير، وبفعل إرادته الروحية، استطعت أن أقف على ملابسات الفقر الروحي، ودقائق المعرفة الثابتة، ولطائف الحق اليقين، حتى بلغتُ حال الفناء في الله والبقاء فيه([42])...

* الملحوظة:

ما أنبه إليه بشكل خاص هو تحوله عن العلوم التقليدية تحولاً تاماً، ومن هذا القول، ومن أقوال كثيرة مرت وستمر، نعرف سبب الجهل الذي تتخبط فيه أمتنا.

والملحوظات كثيرة، يمكن للقارئ أن يتسلى بالبحث عنها، والمتكلم شيعي يعرف بـ (شمس العرفاء).

ولننتبه إلى أنه استعمل عبارة (بركة النعمة الإلهية) بمعنى الجذبة، ولعله استعمل عبارة (النعمة الإلهية) انبثاقاً من اسم الطريقة (النعمتللاهية) التي كان شيخه عبد القدوس كرمنشاهي شيخها.

ويقول عبد العزيز الدباغ (الولي الكامل والغوث الحافل):

...وبعد وفاة سيدي عمر بثلاثة أيام، وقع لي والحمد الله الفتح، وعرفنا الله بحقيقة نفوسنا، فله الحمد والشكر، وذلك يوم الخميس الثامن من رجب عام خمس وعشرين ومائة وألف، فخرجنا من دارنا، فرزقني الله تعالى على يد بعض المتصدقين من عباده أربع موزونات([43])، فاشتريت الحوت، وقدمت به إلى دارنا، فقالت لي المرأة:

اذهب إلى سيدي علي بن حرزهم([44]) وأقدم لنا بالزيت لنقلي به هذا الحوت، فذهبت، فلما بلغت باب الفتوح دخلتني قشعريرة، ثم رعدة كثيرة، ثم جعل لحمي يتنمل كثيراً، فجعلت أمشي وأنا على ذلك، والحال يتزايد إلى أن بلغت إلى قبر سيدي يحيى بن علال نفعنا الله به، وهو في طريق سيدي علي بن حرزهم، فاشتد الحال، وجعل صدري يضطرب اضطراباً عظيماً، حتى كانت ترقوتي تضرب لحيتي! فقلت: هذا هو الموت من غير شك، ثم خرج شيء من ذاتي كأنه بخار الكسكاس([45])، ثم جَعَلَتْ ذاتي تتطاول حتى صارت أطول من كل طويل، ثم جعلت الأشياء تنكشف لي وتظهر كأنها بين يدي! فرأيتُ جميع القرى والمدن والمداشر، ورأيتُ كل ما في هذا البر، ورأيت النصرانية ترضع ولدها وهو في حجرها، ورأيت جميع البحور، ورأيت الأرضين السبع وكل ما فيهن من دواب كالبرق الخاطف الذي يجيء من كل جهة، فجاء ذلك النور من فوقي ومن تحتي وعن يميني وعن شمالي وعن أمامي وخلفي، وأصابني منه برد عظيم حتى ظننت أني مت، فبادرت ورقدت على وجهي لئلا أنظر إلى ذلك النور، فلما رقدت رأيت ذاتي كلها عيوناً؛ العين تبصر، والرأس تبصر، والرجل تبصر، وجميع أعضائي تبصر؛ ونظرت إلى الثياب التي علي، فوجدتها لا تحجب ذلك النظر الذي سرى في الذات، فعلمت أن الرقاد على وجهي والقيام على حد سواء؛ ثم استمر الأمر علي ساعة وانقطع([46]).

* الملحوظة: إن كشفه منبثق من المعلومات السائدة في محيطه، ومثل هذا يحدث لمتعاطي المخدرات.

ويقول نفسه: ...فبقي معي سيدي عبد الله البرناوي (صوفي من قرية برنو)، يُرشدني ويسددني ويقويني ويمحو الخوف من قلبي فيما أشاهده، بقية رجب وشعبان ورمضان وشوال وذي القعدة وعشر ذي الحجة، فلما كان اليوم الثالث من يوم العيد، رأيت سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، فقال سيدي عبد الله البرناوي: يا سيدي عبد العزيز، قبل اليوم كنتُ أخاف عليك، واليوم حيث جمعك الله مع رحمته تعالى سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، أمِنَ قلبي واطمأن خاطري([47])...

- ولنسمع إلى العارف القطب عبد الكريم الجيلي، يقدم وصفاً عاماً، يقول:

أما بعد، فإن المناظر الإلهية مَحاضر لجمال العلوم اللدنية، وإن تفصيلها لا يكون إلا عن موهبة ثابتة إلهية، فقد يدرك تلك الموهبة العبد في نفس المناظر العلى إيحاءً إلهياً، أو بحقيقة اتصافٍ من الصفة العلمية...وقد يتأخر عليه تفصيل تلك العلوم إلى نزوله عن تلك المناظر، فيفهم ما كان فيها إلهاماً إلهياً، أو بإعلام شيخ مرب مكاشف بالمناظر الإلهية، فيوفي الوقت الذي هو فيه أدباً به، ولكن فاته أدب تلك المناظر لفواتها، لأن التجلي الواحد لا يبقى زمانين، بل لله تعالى في كل زمان تجل مخصوص، مِن سر قوله: ((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)) [الرحمن:29]. ومن الناس مَن يُجذب إلى بعض المناظر الإلهية، فيخرج منها وهو لا يدري أين كان، ولو سمع بأوصاف المناظر التي كان فيها تعجب وأنكر ما كان عليه، وذلك لضعف علمه وقصور فهمه، فإن الدهش لا يطرأ إلا على الضعفاء. اعلم أن لكل منظر آفة تحجب الداخل فيها عما فوقها وتمسكه عندها، ما لم يعلم تلك الآفة، فإذا اطلع عليها ترقى عن ذلك المنظر إلى غيره([48])...

- يبين الشيخ هنا أن تفسير الرؤى الكشفية نابع من معلومات مسبقة، أو من إعلام شيخ مرب...

ويقول: منظرا {عبد الله كأنك تراه}:

هو باب المناظر كلها...فيتصور له حضرة الحق تعالى الولي بكبريائه وعظمته، فلا يأتي عملاً وهو مأخوذ عن ذلك العمل، لغلبة حال الدهش على قلبه، ويكون سائر أحواله وأفعاله وأقواله كلها عبادات، لأنه مأخوذ عنها إلى تصور الحضرة الإلهية، فهو شاهد لذلك التصور بحقيقته في سائر أموره، وفي هذا المنظر يُفتح عليه علوم الاصطلام، ويكشف له عن أسرار الحق تعالى في ظواهر المخلوقات، فيقرأ رقوم كتابة أسماء الله تعالى على صفحات وجوه المخلوقات، ويعلم السر الذي أخذ بالعالم إلى مأخذهم فيما هو عليه، فلا يرى قبيحاً في الوجود([49]).

- مع أن عبد الكريم الجيلي واضح العبارة في ما يكتب، إلا أنه في هذا النص يبعد في الإشارة والرمز، ومع ذلك، فبقليل من التروي يتضح كلامه. إنه يقول: إن هذا المنظر هو منظر الدهش، لأنه يرى نفسه إلهاً، ثم تنكشف له علوم الوحدة...

ويقول: منظر الوجود:

يتجلى الحق تعالى في هذا المنظر بأعيان المظاهر، فيكون عين الظاهر، وعين المُظهر، وهذا أول مجالي الصفة الواحدية، ولا يشهد صاحب هذا المشهد لشيء في العالم وجوداً البتة، فلا يبقى للمُحْدَثات عنده أثر...وفي هذا المشهد ينفتح على الداخل فيه علوم تنوعات التجلي، وينكشف له أن العالم كله تجل في تجل، ليس شيء غير ذلك....ويطّلع في هذا المنظر على السر الذي عبدته المخلوقات من دون الله...وفي هذا المشهد يطلع على السر الإلهي، فيكون شافعاً لمن شاء من عبدة الأوثان والمشركين وغيرهم من النحل والملل الماضية، فيحصلون في حقيقة الإيمان قبل الموت أو بعده، ويُحشرون في زمرة الموحدين([50])...

ويصف تجلي الأفعال، فيقول:

فأما تجلي الأفعال، فإن الله تعالى إذا كشف عن بصر بصيرة العبد يتجلى الواحدية في العالم، فإنه أول ما يقع عنده من تفصيل ذلك المحل إرجاع أفعاله إلى الحق، وينسبها إليه سبحانه بعين ما كان ينسبها إلى نفسه، وفي هذا المشهد يسلب فعل العبد وقوته وإرادته، فلا يبقى له فعل ولا قوة ولا قدرة ولا إرادة، بل هو كسائر الجمادات، فهو في هذا المنظر لا فعل له البتة، فلو تكلم وسألته عن كلامه، لقال: لم أتكلم في هذا المشهد، وقد يفوت من الفرائض وغيرها على مَن لم يحفظها الله عليه من أوليائه، وقد يصدر ما يصدر عليه من لسان المعاصي، فيقال: عصى وترك ما وجب عليه من الفرائض، وهو بريء من ذلك مسلوب القوة والقدرة والفعل وإلإرادة...ويكشف له عن اللوح المحفوظ...فيشهد بلا شهود يُنْسَبُ إليه، ويعلم بلا علم، ويرى بلا رؤية، ويفعل بلا فعل يضاف إليه([51])....

ويصف تجلي الصفات فيقول: منظر تجلي الصفات:

وهو في هذا التجلي يشهد صفات الحق تعالى النفسية، فكلما ظهرت لك صفة من صفات النفسية، فنيت صفة من صفاتك، إلى أن تفنى عن جميع صفاتك النفسية، فإذا فني وصفك شهدت وصفه، فتعلم حينئذ أن حياتك وعلمك وإرادتك وقدرتك وسمعك وبصرك وكلامك، جميع ذلك منسوب إليه إلى حدِّ ما كان منسوباً إليك بلا صفة لك، بل تكون صفاتك صفات الله، فتتحقق أن لا حياة لك، بل الحياة حياته، وأن لا علم لك بل العلم علمه، وأن لا إرادة لك بل الإرادة إرادته، وأن لا قدرة لك بل القدرة قدرته، وأن لا سمع لك بل السمع سمعه، وأن لا بصر لك بل البصر بصره، وأن لا كلام لك بل الكلام كلامه، وفي هذا المنظر يجيب الله من دعاه بهذه الصفات، فلا يشهد وقوعَها إلا عليه، فأنت بريء من شهود صفاتك لشهودك أنها الله تعالى كشفاً وعياناً، يفتح عليك في هذا المحل معرفة الوجود الساري، ويكون عندك هذا العلم من علوم التوحيد([52])...

ويقول: منظر اترك نفسك وتعال:

ترك النفس إما هو بجحود الأنية وثبوت الهوية الإلهية، تعرَّ مِن أنيتك فتكون أنت لا أنت، بل هو، بل ما أنت هو، لأنه هو هو. وفي هذا المشهد تضاف أسماء الحق تعالى إليك فتجيب الداعين بها. فإذا قال قائل: يا الله! أجبته: لبيك وسعديك، وما أنت المجيب، بل الله الذي أجاب مَن دعاه، لطيفة إلهية لا يعرفها إلا الواقع فيها ذوقاً وجودياً وكشفاً حقيقياً، وفي هذا المشهد تنزل عليك الأسماء الإلهية اسماً اسماً، والصفات الرحمانية صفةً صفةً، وأنت تقبل بقدر ما يقتضية حالك([53])...

ويقول: منظر التكوين:

هو مشهد ذاتي تتلون فيه بمعاني الأسماء والصفات، فيغلب عليك في كل زمان حكْمُ صفة، فتكون في لونٍ غير ما كنت عليه قبل.. وفي هذا المشهد تجد من اللذة الإلهية ما يسري في جميع أجزائك، إلى أن تكاد تخرج روحك من عالَم التركيب إلى عالَم الأرواح لشدة اللذة المنطبعة فيك، تجدها بحكم الضرورة محسوسة، كما تجد لذة المحسوسات. وقد أخذتْ هذه اللذةُ فقيراً عن محسوساته حتى غاب عن الكون وما فيه، فلما رجع إلى نفسه وجده قد أمنى لما سرت فيه اللذة الروحانية، فعمَّت الروح والقلب، وأضافته على بشرة جسده، فأعطاه الجسد حكْمَ بشريته، وكان ما كان([54])...

ويصف مشهداً آخر، فيقول: منظر اللذة السارية:

يتجلى الله بتجل يكشف فيه للعبد بمكانه من الحقائق الإلهية، فيظهر له من الله ما لم يكن يحتسب...ووجدت كل ذرة من وجودي حاملة من المعارف الكمالية ما لا يمكن شرحه، فأعطتني عوالمي كل اسم وصفة ومعنى ومرتبة لا نهاية لها، فلما وجدت ما وجدت، سرت فيَّ لذة الإلهية حتى ذقت أمراً محسوساً تكاد الروح أن تذهب لوجدانه، فلما رجعت إلى عالم الكون، حدث في حادث، وكنتُ يومئذ متقدماً في هذا الطريق...ولا وَصَل إلى تحقيق تلك (المقام اللذة) إلا بذلك الحادث، فمن لم يحدث به ذلك الحادث، لم يتم له ذلك اللذة، بل ما عنده إلا طرف منها، لأن اللذة المستولية عليه عمت الجسد وأخذت صاحبها، لا يجد بداً من أن يمني([55])...

ويصف مشهداً آخر، فيقول: منظر من أنت:

يتجلى الحق تعالى على العارف، بكشفٍ عن حقيقة ذات العارف، فيقال له في هذا المشهد: من أنت؟ فيقول ما قال الحلاج وأبو يزيد وغيرهما من أهل هذا المقام([56])...

* الملحوظة:

لعلنا نذكر ما قاله الحلاج وأبو يزيد وغيرهما فيما سبق من هذا الكتاب: أنا الحق، سبحاني..، ومتى يقول العارف هذا الكلام في هذا المقام؟؟ إنه يقوله عندما يُكشف له حقيقة ذاته! أي: إن حقيقة ذاته هي الله، يعرفها بالكشف!

منظر من أنا:

يتجلى الحق تعالى في هذا المشهد بتجل يكشف للعبد فيه عن حقيقة الذات المقدسة، فلا يجد العبد ما ثم إلا أنا، وحق ما قال، وصح ما ادعى، ولكن أين مقام العبودية عن مقام الربوبية([57])؟..

منظر الإشارة:

للإشارة منظر جلي، ومشهد علي، ومعنى سني، أنت المراد بها على كل حال، وهو المشار إليه في كل مقال، أنت العين وهو الحُكم، أنت الوجود وهو المشهود، وأنت الجوهر وهو العَرَض، أنت هو وهو أنت، أنت الموصوف وهو الصفة، لكنه الموصوف، وأنت الأثر، وهو الأم وأنت الولد، لكنه الروح وهو الجسد، أنت حاصل كنوزه، أنت مغماز رموزه، أنت صريح لمغموزه، هذا كله منك وفيك، والله تعالى عن الإشارة والعبارة، وهو الكبير المتعال، فأسجد فهمك، وجرِّد همتك، وأفتق ما رتقناه عليك ليسهل فهم ما أشرناه إليك، كلامنا لا يفهم، وحالنا لا يُعلم، أي جان أي دوست،...لأن الكلام عن الحقائق بالإشارة([58])....

منظر ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ)) [الحجر:21]:

يتجلى الله تعالى على العبد بتجل يُكشف له فيه عن مفاتيح الغيب ذاته، فيلج في خزائن الملكوت، ويرى ما أودع الله فيها من أسرار الجبروت، ما لا يدخل تحت الحصر، ولا يعرفها إلا الله تعالى، وحينئذ يقرأ حقيقة قوله تعالى: ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ)) [الحجر:21]، من يتجلى الله عليه في هذا المنظر حلَّ رموز العالم من ذات نفسه، وعلم هيكله بجميع ما فيه، كل ذرة منه روحانية عالم من العوالم الوجودية الشهادية، فإن أراد تدبير ذلك العالم وتحريكه حرك من نفسه ذلك الرمز الذي هو روح ذلك العالم، فتحرك أجزاء ذلك العالم في عالم الشهادة والملك والملكوت بتحريك ذلك الرمز، فإن الجسد تابع للروح...وقد تحققتُ بهذا المشهد في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة([59]).

منظر (كن فيكون):

أول ما يتصف العبد بالتكوين في عالم الغيب، فيكوِّن الأشياء في الملكوت، ولا يستطيع على تكوينها في الملك! فمثله مَنْ يستطيع تصور الخيالات في عقله ولا يقدر عليها في محسوسه، فإذا استقام رجله في هذا المنظر، ثم اتصف حساً بصفتي القدرة والإرادة، يتجلى الله عليه بتجل إلهي يُكسبه نفوذ الأمر في عالم الأكوان جميعاً، الغيبية والشهادة، فحينئذ يقول للشيء كن فيكون، غيباً وشهادة، والناس في هذا المنظر متفاوتون، فمنهم من يظهر أثر أمره على الفور، ومنهم من يتأخر ظهور أثر أمره([60])...

* ملحوظة:

أرجو من القارئ الكريم أن يقرأ في فصل لاحق، مفعول المخدرات ورؤاها، ثم يقارنها بهذه الرؤى والمشاهدات، مع ملحوظة أن رؤى حشاش المخدرات تنبثق من عواطفه وأمانيه الساذجة، أما رؤى حشاش الإشراق فتنبثق من إيحاءات الشيخ وتوجيهاته، والطموحات المسيطرة على الجو الصوفي.

- ولنكتف من هذا الغوث بهذه المشاهد.

- ولنستعرض بعده الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر محيي الدين بن عربي في بعض وصفه لبعض الكشوف، يقول:

...واشتغلْ بالذكر حتى يتجلى لك مذكورك...

ثم بعد هذا يُكشف لك عن عالم سريان الحياة السببية في الأحياء، وما تعطي من الأثر في كل ذات بحسب استعداد الذوات...

فإن لم تقف مع هذا رُفع عنك، ورُفعت لك اللوائح اللوحية([61])، وخوطبت بالمخاويف، وتنوعت عليك الحالات، وأقيم لك دولاب تعاين فيه صور الاستحالات، وكيف يصير الكثيف لطيفاً واللطيف كثيفاً...

فإن لم تقف مع هذا رُفع لك نورٌ متطاير الشرر، فستطلب الستر عنه فلا تخف، ودم على الذكر فإنك إذا دمت على الذكر لم تصبك آفة...

...فإن لم تقف مع هذا رُفع لك عن أرواحٍ مستهلكة في مشهد من مشاهده، هم فيه حيارى سكارى قد غلبهم سلطان الوجد، فدعاك حالهم.

فإن لم تقف لدعوته رُفع لك نورٌ لا ترى فيه غيرك، فيأخذك فيه وجد عظيم وهيمان شديد، وتجد فيه من اللذة بالله ما لم تكن تعرفها قبل ذلك، ويصغر في عينك كل ما رأيته، وأنت تتمايل فيه تمايل السراج([62])...

- وهذا وصف آخر لابن طفيل في أول كتابه: (حي بن يقظان)، يقول: سألتَ أيها الأخ الكريم، الصفي الحميم، منحك الله البقاء الأبدي، وأسعدك السعد السرمدي، أن أبث إليك ما أمكنني بثه من أسرار الحكمة المشرقية([63])....ولقد حرك مني سؤالك خاطراً شريفاً، أفضى بي إلى مبلغ هو من الغرابة بحيث لا يصفه لسان، ولا يقوم به بيان، لأنه من طور غير طورهما، وعالَم غير عالمهما. غير أن تلك الحال، لما لها من البهجة والسرور، واللذة والحبور، لا يستطيع من وصل إليها وانتهى إلى حد من حدودها، أن يكتم أمرها أو يخفي سرها، بل يعتريه من الطرب والنشاط والمرح والانبساط ما يحمله على البوح بها بجملة دون تفصيل، وإن كان ممن لم تحذقه العلوم، قال فيها بغير تحصيل؛ حتى إن بعضهم قال في هذه الحال: سبحاني ما أعظم شأني، وقال غيره: أنا الحق، وقال غيره: ليس في الثوب إلا الله، وأما الشيخ أبو حامد الغزالي، رحمة الله عليه، فقال متمثلاً عند وصوله إلى هذا الحال بهذا البيت:

فكان ما كان مما لست أذكره                 فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر

وإنما أدبته المعارف وحذقته العلوم...

...إلى أن يقول:

...وهذه الحال التي ذكرناها وحركنا سؤالك إلى ذوقٍ منها، هي من جملة الأحوال التي نبه عليها الشيخ أبو علي (أي: ابن سينا)، حيث يقول: ثم إذا بلغت به الإرادة والرياضة حداً ما، عنت له خلسات من اطّلاع نور الحق لذيذة، كأنها بروق تومض إليه ثم تخمد عنه([64])، ثم إنه تكثر عليه هذه الغواشي إذا أمعن في الارتياض، ثم إنه ليوغل في ذلك حتى يغشاه في غير الارتياض، فكلما لمح شيئاً عاج عنه إلى جناب القدس([65])، فيذكر من أمره أمراً، فيغشاه غاش، فيكاد يرى الحق في كل شيء، ثم إنه لَتَبْلُغ به الرياضة مبلغاً ينقلب له وقته سكينة، فيصير المخطوف مألوفاً، والوميض شهاباً بيناً، وتحصل له معارفه مستقرةً كأنها صحبة مستمرة.. إلى ما وصفه من تدرج المراتب وانتهائها إلى النيل، بأن يصير سره مرآةً يحاذي بها شطر الحق، وحينئذ تدر عليه اللذات العلى، ويفرح بنفسه لما يرى بها مِنْ أثر الحق، ويكون له في هذه الرتبة نظر إلى الحق ونظر إلى نفسه، وهو بعدُ متردد، ثم إنه ليغيب عن نفسه، فيلحظ جناب القدس فقط، وإن لحظ نفسه فمن حيث هي لاحظة، وهناك يحق الوصول.

- قبل تكملة المسيرة مع ابن طفيل، أريد أن أنبه إلى أننا يجب أن نفهم العبارات:

يرى الحق في كل شيء وكأنها صحبة مستمرة، ويحاذي بها شطر الحق، فهماً منطلقاً من عقيدة الصوفية التي ترفض الاثنينية وما ينبثق عنها من قول بالحلول أو الاتحاد، وتكفر من يقول بها، أي يجب أن نفهمها انطلاقاً من عقيدتهم بوحدة الوجود، فقط.

ونعود إلى ابن طفيل، يقول بعد فقرات من قوله السابق:

...وظهر بهذا القول أن مطلوبك لم يتعد أحد غرضين:

1- إما أن تسأل عما يراه أصحاب المشاهدة والأذواق والحضور في طور الولاية، فهذا مما لا يمكن إثباته على حقيقة أمره في كتاب، ومتى حاول أحد ذلك وتكلفه بالقول أو الكتب استحالت حقيقته، وصار من قبيل القسم الآخر النظري، لأنه إذا كُسِيَ الحروف والأصوات، وقُرِّب من عالم الشهادة، لم يبق على ما كان عليه بوجه ولا حال، واختلفت العبارات فيه اختلافاً كثيراً، وزلت به أقدام قوم عن الصراط المستقيم، وظُن بآخرين أنها زلت وهي لم تزل، وإنما كان ذلك لأنه أمر لا نهاية له في حضرةٍ متسعة الأكناف، محيطةٍ غير محاط بها.

2- والغرض الثاني من الغرضين اللذين قلنا: إن سؤالك لن يتعدى أحدهما، هو أن تبتغي التعريف بهذا الأمر على طريقة أهل النظر، وهذا- أكرمك الله بولايته- شيء يحتمل أن يوضع في الكتب، وتتصرف به العبارات، ولكنه أعدمُ من الكبريت الأحمر، ولا سيما في هذا الصقع الذي نحن فيه، لأنه من الغرابة في حد لا يظفر باليسير منه إلا الفرد بعد الفرد، ومَن ظفر بشيء منه لم يكلم الناس به إلا رمزاً، فإن الملة الحنيفية والشريعة المحمدية قد قنعت من الخوض فيه وحذرت عنه. اهـ.

- مع الانتهاء من فقرات ابن طفيل، أريد أن أظن أن القارئ الذي تمرس باللغة الصوفية يعرف أن معنى جملة ابن طفيل: وظن بآخرين أنها زلت وهي لم تزل، وإنما كان ذلك لأنه أمر لا نهاية له في حضرةٍ متسعة الأكناف.. هو أن هناك قوماً قالوا العبارات المخيفة: أنا الله، أو سبحاني، أو ما شابهها. وظن أناس بهم أنهم زلوا، وهو ليس كذلك، لأنهم قالوا ذلك وهم مغلوبون بشدة الجذبة.

ويريدون بقولهم: (زلوا)، أي صرحوا بوحدة الوجود في حالة الصحو، أو فاهوا بالعبارات التي تفضحهم، مثل: أنا الله، سبحاني...، أو ما شابه ذلك، وهذا هو البوح بالسر.

وغوث آخر يصف كشوفه:

يقول ابن قضيب البان([66]) في كتابه: المواقف الإلهية:

موقف الإسراء:

...ثم زجني الروح بالشوق إلى جهة الفوق، حتى حللنا الطبقة الثانية، فتلقانا بها أمم سانية، ورأيت في ذلك السوح نبي الله نوحاً يملي على أهل كل صنعة صنعته، ويبكي حتى تجري على خديه دمعته، ورأيت دموعه أصل وجود الشهب لتنوير تلك الحجب، ورأيت هناك أرواح العلماء به حافة، وأقدام الشهداء بين الملائكة صافة.

ورأيت فيها عين ماء جارية إلى فوق، وأرواح أهل الشوق والعشق واقفة في تلك السماء، ورأيت فيها فارساً على فرسه طارداً لا يمل ولا يكل ساعة واحدة، فسألت عنه، فقيل: هو الملك عطارد، كاتب الأخبار، وكل من في تلك السماء كتبة...

- للعلم: عطارد أو (الكاتب)، هو كوكب سيار من المجموعة الشمسية، مثل الأرض، يظهر صباحاً قبيل الشمس في المشرق، أو مساء في المغرب، حيث يغيب بعد الشمس بقليل، والكشف الجاهل، لم يساعد القطب الجاهل، على معرفة عطارد كما لم يساعده على معرفة الشهب.

ويكمل ابن قضيب البان قصة عروجه فيقول:

ثم ارتقينا إلى السماء الثالثة، وهي أعظم دائرة...ورأيت عليها حاجبين موكلين، اسم الواحد (القوة)، والآخر (الحول)، فأخذا بيدي ودارا بي في تلك الأماكن كلها...وفيها رأيت يوسف الصديق جالساً على كرسي من الحسن...ورأيت في ذلك السماء صورة مبتسمة والحياء ظاهر منها، فقال لي الروح: هذا المسيح بن مريم روح الله، ورأيت فيها ملائكة لكل ملك ألف رأس، في كل رأس ألف وجه، في كل وجه ألف فم، في كل فم ألف لسان، وقال لي الروح: هذه الملائكة الذين وكلهم الله بأرزاق أولاد آدم في الأرض، وعليهم ملك أعظمهم اسمه (القاسم).

ثم انتهينا إلى السماء الرابعة، وهي من معدن الفضة، وجنس خلقها منها، لهم أنوار تتلألأ، ورأيت هناك ملكاً على كرسي جالساً، أعظم أهلها هيبةً وهيئةً، والملائكة صافة به، فسألت عنه، فقيل: هو مغناطيس الأرواح وجامعها بعد انبثاثها في الصور...ثم قال لي الروح: اسم هذه السماء: (القدرة الباهرة)، وفيها رأيت إدريس وأكثر أولياء أمة محمد العارفين بالله، وفي هذه السماء انتشت فيَّ الحواس حتى بقيت أدرك بكل حاسة كل ما تدركه الحواس الخمس، وفيها خرق بصري الكون وشاهدت أعلى عليين وأسفل سافلين.

ثم انتهينا إلى السماء الخامسة، وإذا هي من معدن الذهب، ولونها حمراء، وخلق أهلها من جنسها...وهناك رأيت يحيى وزكريا وهارون...

ثم انتهينا إلى السماء السادسة، وهي من لؤلؤة، ونورها أبيض يعطي إلى الصفرة، وخلق أهلها منها، وفيها رأيت موسى بن عمران عليه السلام، وفيها رأيت ملكاً اسمه بلسائيل...وسألته عن أهل الأرض البيضاء وأصل نشئها، فأجاب عنها بأنها خلقت قبل أن يخلق الله تعالى السماوات والأرض بكذا ألف سنة، وذكر أن هذا الليل والنهار والشمس والقمركانوا موجودين في عالم منها، وكذلك الجواري الكنس، فلما خلق الله السماوات نقل كل كوكب إلى سماء منها، وذكر أن الجنة والنار يسمع بهما أهل السماوات من الملائكة وأهل الأرض من الجن ولم يدروا أماكنها...

ثم انتهينا إلى السماء السابعة، وهي درة بيضاء كاللبن، وخلق أهلها من جنسها، وفيها ملك اسمه روحائيل موكل بأهلها...وفيها ملك على كرسي من نور، له أربعة أوجه، وجه على صورة الإنسان، ووجه على صورة الأسد، ووجه على صورة الثور، ووجه على صورة الأسد([67])...وفي هذه السماء رضوان خازن الجنان.. وفيها إسرافيل رئيس عالم الجبروت، وهو الذي بشرني بالقرب والمنزلة الكريمة عند ربي، وبالسعادة في الآخرة والشفاعة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي هذه السماء رأينا إبراهيم الخليل مسنداً إلى البيت المعمور، وتركت عنده الروح الملكوتي، وأخذ بيدي الرئيس للأرواح الجبروتية، إسرافيل، ثم انتهينا إلى بحار سبع، بحر أحمر، وبحر أسود، وبحر أزرق، وبحر أخضر، وبحر أبيض، وبحر أصفر، وبحر لا لون له، ثم انتهينا إلى حجب سبعين، عند كل حجاب من الحجب من أصناف الملائكة ما لا يعلم صنفهم وعددهم إلا الله تعالى، وعرض كل حجاب كما بين المشرق والمغرب هناك، وعمقه كما بين السماء والأرض، ثم انتهينا إلى سبعين حجاباً أخر، منها من ذهب، ومنها من فضة، ومنها من نحاس، ومنها من جوهر، ومنها من ثلج، ومنها من بَرَد، ومنها من نور، ومنها من ظلمة، وكنت كلما دنوت من حجاب تلقاني حاجبه وزجني فيه إلى أعلاه، بعدما يريني عجائبه وصُنع الحق تعالى فيه، ويبشرني بالكرامة من ربي القادر، حتى انتهيت إلى آخر حجاب هناك، وإذا بكرسي من اللؤلؤ منتصبة قوائمه من الجوهر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، فأخذ آخذ بيدي وأجلسني عليه، ثم نزل علي شيء ودخل جوفي من حيث لا أعلم، فقال لي شيء في قلبي: هاقد أكرمك مولاك بالسكينة الربانية...ثم نوديت من مكان قريب، وذلك من جهاتي الست: يا حبيبي ومطلوبي! السلام عليك، فغمضت عيني، وكنت أسمع بقلبي ذلك الصوت حتى أظنه من جوارحي لقربه مني، ثم نوديت:

انظر إلي ففتحت عيني فصرتُ كلي أعيناً، وكأن في باطني ما أراه في ظاهري، وصرت كأني برزخ بين كونين وقاب....ثم سمعت بقارئ يقرأ قوله: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ...)) [البقرة:285]، وإذا بذلك الحجاب قد رفع، وأذن لي بدخوله، ولما دخلته رأيت الأنبياء صفوفاً صفوفاً، ودونهم الملائكة، ورأيت أقربهم إلى الحق أربعة أنبياء، ورأيت أولياء أمة محمد أقرب الناس إلى محمد، وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى، وأقرب إليه أربعة أولياء فعرفت منهم السيد محيي الدين عبد القادر، وهو الذي تلقاني إلى باب الحجاب، وأخذ بعضدي حتى دنوت من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله، فناولني يمينه، فأخذته بكلتا يدي، فلا زال يجذبني ويدنيني حتى ما بقي بيني وبين ربي أحد، فلما حققت النظر في ربي رأيته على صورة النبي، إلا أنه كالثلج أشبه شيء أعرفه في الوجود من غير رداء ولا ثياب، ولما وضعت شفتي على محل منه لأقبله، أحسست ببرد كالثلج سبحانه وتعالى، فأردت أن أخر صعقاً، فمسكني سيدنا محمد صلى الله عليه وآله، وأعادني إلى ورائي، فعدت معه، فتلقاني ثان، فلا زلت القهقرى وأنا شاخص إلى ما أراه، فلم أشعر بنفسي إلا وأنا على الكرسي الأول([68])...

- جاء في حاشية (الصفحة: 172) أن المؤلف (ابن قضيب البان) كان علق في هامش الصفحة التي فيها هذا النص ما يلي: وإذا أنا بالمسجد الحرام من مكة عند المقام، جالس في الحجر، قريب الفجر، فجددت الوضوء، وحضرت الصلاة سنة الألف وكنت مجاوراً بمكة حينئذ، فتمت الواقعة بعد الصبح.

ونترك مناقشة هذا الكلام الرهيب والتعليق عليه للقارئ.

ويقول ابن قضيب البان أيضاً في نفس الكتاب:

موقف سر قيام الحياة بالذات الوجودية:

أوقفني الحق على سر قيام الحياة بالذات الوجودية، فنظرت إلى سريان وحدة الوجود، والتئام شمل كل موجود، ثم حققت بعين الاعتبار، فإذا أنا بمراتب الوصال...ثم أطلعني على أسوار البدء والعود لدوائر الآثار وتنافر الأسماء، ثم كشف لي عن دائرة الكون السفلي...ثم كشف لي عن سر التنزيل والإرسال، وحكمة الوعد والوعيد، وحال الاجتباء والاصطفاء، ومقام الاختبار، ثم أشهدني العمدة في ذلك بعد كشف السُّبحات، فرأيت هناك صورة شاب، وجهه الشمس نوراً، وحوله صُور كالبدور والنجوم حُسناً، وأشعة أنوارهم جاذبة لكل موجود، وبين أيديهم موائد وأوانٍ بفواكه مملوءة، وأثمار معددة، وأشخاص يأخذون من ذلك الفضل، ويفعلون ما يؤمرون؟ وقد أشغلني نظري إليه، وأدهشني حضوري لديه، فنظر إلي نظر داع وشفيق راع، فسمعت صوتاً يقول: أرسل له الأمانة- بعدما هممت بالإقبال عليه، وكان بيني وبينه نحو عشرة صفوف- واذا بشيء حمله ومد به يده إليَّ، فتناولته بكلتا يدي، وهي آنية مملوءة من كل شيء، فابتلعتها لوقتي، وتيقظت لحسي، فإذا أنا بالبيت الحرام طائف، وقد حييت بحق المقام، وفي يدي كأس من زمزم، ما رشفته منه متمم، وحمدت الله على ما شهدته من الخير المقدم([69]).

- ويقول: موقف الأنانية:

أوقفني الحق على بساط الأنانية، ثم كشف لي عن سر قيام النفس الرحماني، والسر الباعث لروح الكشف والانتباه...وهناك أراني سر الحقائق في السعة والمضايق...ثم كشف لي عن أسرار المؤالفة والمتابعة وحال المعاينة، وأسرار الأديان المختلفة بالألقاب، ثم كشف لي عن بيت العزة، وأراني كيفية تنزُّل الصحف والكتب المسطَّرة، وكشف لي عن أمم الحروف العالية، وتنزُّلها في قوالب الكلِمِ المرموقة، فرأيت لكل حرف سبعة أبطن...وكشف لي عن إبطان المعية الذاتية وسريانها في سبق السوابق ولحق اللواحق. وكشف لي عن قيام أسرار حروف الألف، فرأيت قيام امتداد (الهمزة) بكل حقيقة خفية، و(اللام) بكل عالم كوني جلي، و(الفاء) بمعرفة كل معروف عند تعريفه، وقال لي: هذا السر لا يظهر إلا عند أفول قمر البشرية، وتجلي شمس الروحانية (أي: في حالة الجذبة)، ثم قال لي: وفي ظهورها قوة (شين) المشيئة، و(ميم) الكلام، و(سين) السلطان في حجب السبحاتية([70])...(إلى آخرهذه الهذيانات التحشيشية الأفيونية الهلوسية (التحشيش الروحاني).

- ويقول: موقف القطبية:

أوقفني الحق على بساط القطبية، وقال لي: الإنسان الكامل قطب الشأن الإلهي، وغوث الآن الزماني، أول ما أُسلِّم له التصريف في قُطر نفسه حتى يبلغ الأشد، ثم أُسلِّم له ما وافقه من أقطار الأقاليم، ثم أُسلِّم له الأرض، ثم يُسلِّم له الملك، ثم يجمع له الملك والملكوت، وهذا هو النائب الرحماني. وقال لي: القطب يعرفه كل شيء حتى أهل الغيب وعالم المحال وأهل الأرض البيضاء، ويعرض عليه أحوال العوالم، وصور أولي العلم حتى يسميها بطابع الرحمة ويردها بالبصر. وقال لي: القطب قلبه في كِنِّ عالم الأزل، ومخدع الألوهة، وشخصه قبل كل وارد على الله في مركز الوقت على صفة بين كل عالم وبرزخ بين القبضتين والدارين، وبصره في أسرار الوجود ووجوه القلوب، وهو نكتة إنسان العين في الأبد والأزل، وهو المرآة لرؤية وجه الحق، وعنده مقر قاب قوسين، وقيام لواء الحمل. وقال لي: القطب فاروق الوقت، وقاسم الفيض، وإليه مُفَوَّض أَزمَّة الأمور...وقال لي: الكون كله صورة القطب، وأنا ذاته، وبأنفاسه ظهور ألوان الشئون الذاتية، وهو الباب الذي لا دخول ولا خروج إلا منه([71]) (إلى آخر هذه الضلالات الهذيانية الحمقاء).

- ويقول: موقف الغوثية:

أوقفني الحق على مقام غوثية الوجود وسر الإغاثة لكل موجود، عند خروجه من بحر العدم، ثم كشف لي عن المعارف الغوثية وأرواح مشاهدها في الشاهدين، وتحققتُ أسرار الصمدانية عند شهود أنوارها...ورأيت نشر حلل الرضا وكئوس الصفا وهي دائرة على الواردين من أهل الكشف، وفيها شراب النور والرؤية ومخاطبة الأسرار وسماط اللقاء، ومؤيد البقاء على كرسي الارتقاء، فرأيت أعيان حقائق الوجود حافَّة به، ثم رأيت تجلي الوجه الأحدي، ثم رأيت الهوية ومحاسن (إلاَّ هويَّة)([72])من مظاهر الألوهية في حضرة الأنس وحظيرة القدس.. ثم أُتي لي بخلعة الغوثية([73]).

* ملحوظة:

يخبرنا ابن قضيب البان في هذا النص، أنه غوث زمانه، كما يخبرنا أن مقام الغوثية يرافقه، أو يرتبط به شهود أنوار الصمدانية، أو تحقق أسراراها.

وعبارة (تحقق أسرار الصمدانية) أو (شهود أنوار الصمدانية) تحمل نفس معنى العبارة التي تقول: (ذقت من معاني اسمه الصمد).

إذن، فنضيف إلى سؤال سابق سؤالاً جديداً: لِمَ لا تغيث الأمة الإسلامية وتنقذها مما تتردى فيه من ذل ومهانة ودمار في كل مكان، وجهل بالإسلام الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ لِمَ ما دمت غوثاً أو قطباً على الأقل؟!

وللعلم، فإنه لا يكون موجوداً في وقت واحد إلا غوث واحد (هكذا يقررون)، ومع ذلك فلم يَخْلُ زمن من عدة أغواث مثل الجيلاني والرفاعي وأبي مدين مثلاً، ويوجد الآن عدة أغواث، حيث يظهر أن شياطينهم مختلفون فيما بينهم.

وللعلم أيضاً، كل الواصلين منهم يعرجون في السماوات ويتحققون بالفناءات، إلا من لا شيخ له.

والملحوظةالهامة أن رؤاهم كلها تنبثق من عواطفهم وطموحاتهم، وتتحرك في أجواء مأخوذة من معلوماتهم التي استقوها من المعارف الشائعة في عصرهم، بعجرها وبجرها وعامها وخاصها.

ونختم هذا الفصل بكلمة لأبي الهدى الصيادي (المرشد الكامل) عن اللذة في الجذبة، يقول: ...كما أن لهم المناجاة واللذة السارية في جميع وجودهم...([74]). وأقول: إن هذه اللذة هي من الأسباب التي تربطهم بالصوفية، والعشق الإلهي هو -في الحقيقة- الشوق إلى هذه اللذة مع مرض الإدمان.

ولعل أهم ملحوظة يجب أن ننتبه إليها هي هذه الرؤى الكشفية التي وصفوها، والتي تظهر بوضوح أنها منبثقة من معلومات المكاشف وأمانيه المختزنة في لا شعوره، وطبعاً، استقى معلوماته من الوسط الثقافي الذي يحيط به، ومن توجيهات الشيخ. كما نرى أن دور قواه الفكرية اللاشعورية هو التنسيق والتصوير، ولو كانت معلومات المكاشف المختزنة وأمانيه مختلفة لتغيَّرت كشوفه حسب اختلافها.

 

 

الفصل الثاني
نماذج من حكايات الصوفية ومكاشفاتهم وكراماتهم وعلومهم اللدنية

يا مُلّسْلَيْن يا بلّمعَيْن يا منعلهيْ                 يا ما نقول يا تعليميا يا فَوْأَيَسْ واجفر

حكايات الصوفية وكراماتهم ومكاشفاتهم وعلومهم اللدنية، هي بيان واضح كاف لكشف حقيقة الصوفية.

إنها لا تزيد عن كونها خليطاً من المعلومات الخرافية التي كان الناس يظنونها حقيقة، ومن أوهام غرورية بعثتها أماني خرقاء، وطموحات هذيانية قفزت فوق الدين والعقل والفطرة والواقع، ومن رؤى ومسرحيات يضحك بها على أذقانهم خبثاء تلك المخلوقات، التي ترانا ولا نراها والتي هي الجن.

ولنترك حكاياتهم وكراماتهم ومكاشفاتهم وعلومهم اللدنية، لنتركها تتكلم بواقعها كما هي، لأن واقعها أبلغ من كل كلام.

* جبال قاف وكاف وعين وصاد:-

مما يذكره أبو طالب المكي:

...قيل لأبي يزيد (البسطامي): بلغت جبل قاف؟ فقال: جبل قاف أمره قريب، الشأن في جبل كاف وجبل عين وجبل صاد! قيل: وما هذا؟ قال: هذه جبال محيطة بالأرضين السفلى، حول كل أرض جبل بمنزلة جبل قاف المحيط بهذه الأرض الدنيا، وهو أصغرها، وهذه أصغر الأرضين، وقد كان أبو محمد يخبر أنه صعد جبل قاف ورأى سفينة نوح مطروحة فوقه، وكان يصفه ويصفها؟ وقال: لله عبد بالبصرة يرفع رجله وهو قاعد، فيضعها على جبل قاف([75]). اهـ.

* الملحوظة:

النص يبين وضوح ما هو جبل قاف؛ وقد كان الناس يتوهمون صورة غير صحيحة للأرض، والآن عرف سطح الأرض، وعرفت مساحته بدقة، ولم يبق منه أي شيء مجهولاً، حتى قاع البحر، كل ذلك درس طوبوغرافياً وجيولوجياً وفيزيائياً وكيميائياً...والسؤال: أين يقع جبل قاف؟ ولم يكتف القوم بقاف، حتى أضافوا إليها كاف وعين وصاد، ثم إن القرآن الكريم يخبرنا عن سفينة نوح أنها استوت على الجودي، لا على جبل قاف، فهل كان الكشف أصدق من القرآن الكريم؟

لكن ما شأننا نحن؟ فالراوي هو أبو طالب المكي (القطب)، والمكاشف هو قطب أكبر. (وفي كل كشوفاتهم التي سنرى بعضها، تظهر القيمة التافهة لعلومهم اللدنية الجاهلة).

* لا يشرب ولا ينام طيلة سنة كاملة:-

مما يورده أبو طالب المكي وحجة الإسلام الغزالي وغيرهما:

قيل لأبي يزيد البسطامي: حدثنا عن رياضة نفسك في بدايتك؟ فقال: نعم، دعوت نفسي إلى الله، فجمحت علي، فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم! فوفت لي([76])!

- بدون مناقشة أو تعليق.

* قصة بدون عنوان:-

مما يرويه الحجتان، أبو طالب المكي وأبو حامد الغزالي وغيرهما: ...حكي أن أبا تراب النخشبي كان معجباً ببعض المريدين، فكان يدنيه ويقوم بمصالحه، والمريد مشغول بعبادته ومواجدته؛ فقال له أبو تراب يوماً: لو رأيت أبا يزيد، فقال: إني عنه مشغول، فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله: لو رأيت أبا يزيد. هاج وجد المريد فقال: ويحك، ما أصنع بأبي يزيد؟ قد رأيت الله فأغناني عن أبي يزيد! قال أبو تراب: فهاج طبعي ولم أملك نفسي، فقلت: ويلك، تغتر بالله عز وجل! لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة!! قال؛ فبهت الفتى من قوله وأنكره، فقال: وكيف ذلك؟ قال له: ويلك، أما ترى الله تعالى عندك فيظهر لك على مقدارك، وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره، فعرف ما قلت([77])...

- لا يسعنا إلا السكوت الحزين أمام أمثال هذه المكاشفات الضلالية التي أوردها صاحبا: (قوت القلوب)، و(إحياء علوم الدين).

* ومرة أخرى جبل قاف:-

يقول أبو طالب المكي (وهو حجة عند القوم):

إن ولياً لله خطا خطوة واحدة خمسمائة عام، ورفع رجله على جبل قاف والأخرى على جانب الجبل الآخر، فعبر الأرض كلها([78])...

* المناقشة:

محيط الأرض (أربعون ألف كم)، ونصف المحيط أي (عشرون ألف كم) هي أبعد مسافة بين نقطتين عليه، وعندما يتحدثون عن (مسافة خمسمائة عام) فإنهم يعنونها بسرعة القوافل في ذلك الوقت، وكانت سرعتها الوسطى أو (أقل من الوسطى) حوالي (35 كم) يومياً، حيث كانت تقطع في الشهر حوالي (ألف كيلو متر)، وبذلك يكون محيط الأرض حسب حساباتهم (أربعين شهراً) (فقط لا غير)، أي (ثلاث سنوات وثلث)، وتكون مسافة (الخمسمائة عام) أطول من نصف محيط الأرض بـ (300 مرة) على أقل تقدير، بل وأبعد من المسافة بين الأرض والقمر بـ (15 مرة)، ولكن كشفهم يجهل هذه الحقائق، والسؤال يُترك للقارئ اللبيب مع التوكيد على أنهم يرون ذلك بالكشف وكأنه حقيقي.

* إرم ذات العماد:-

يورد أبو طالب المكي نفسه:

...قيل لأبي يزيد: دخلت إرم ذات العماد؟ فقال: قد دخلت (ألف مدينة) لله في ملكه، أدناها ذات العماد، ثم عدد كلها: البيت، وتاويل، وتاريس، وجابلق، وجابرس، ومسك. ولعل قائلاً يقول: فقد قال الله في وصفها: ((الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ)) [الفجر:8]. قيل: فإن معناه في بلاد اليمن، لأنهم خوطبوا في بلادهم...فذات العماد مدينة عاد في اليمن بين أبتر والشحر، يقال: لها سور له (ألف باب)، ما بين البابين فرسخ، مركبة على أعمدة الذهب والفضة والياقوت والزبرجد، فيها (مائة ألف عمود) من ذلك...تجتمع في هذه المدينة طائفة من الأبدال ليالي الجمع وفي الأعياد...وقد كان سهل رحمه الله يزورها في كل جمعة([79])....

* المناقشة:

الهذيان الجاهل واضح لا يحتاج إلى من ينبه عليه، لكن يظهر أن كشفهم أجهل ما يكون في حساب المسافات!! لأن سوراً طوله (ألف فرسخ) كاف لتسوير اليمن كلها بما في ذلك أبتر والشحر، ويبقى منه بقية، ولكنه الكشف والعلم اللدني! فلا تعترض.

* حتى أمر الساعة بيدهم:

يقول الحجتان؛ المكي والغزالي:-

...ولما دخل الزنج البصرة، فقتلوا الأنفس، ونهبوا الأموال، اجتمع إلى سهل إخوانُه، فقالوا: لو سألت الله تعالى دفعهم؟ فسكت. ثم قال: إن لله عباداً في هذه البلدة لو دعوا على الظالمين لم يصبح على وجه الأرض ظالم إلا مات في ليلة واحدة! ولكن لا يفعلون. قيل: لِمَ؟ قال: لأنهم لا يحبون ما لا يحب، ثم ذكر من إجابة الله لهم أشياء لا يستطاع ذكرها، حتى قال: ولو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمها([80])...

يعلق الغزالي (حجة الإسلام) على هذا الهذيان الضلالي بقوله:

وهذه أمور ممكنة في أنفسها، فمن لم يحظ بشيء منها فلا ينبغي أن يخلو عن التصديق والإيمان بإمكانها، فإن القدرة واسعة، والفضل عميم، وعجائب الملك والملكوت كثيرة، ومقدورات الله تعالى لا نهاية لها، وفضله على عباده الذين اصطفى لا غاية له([81])...

* الملحوظات:

لا نستطيع التعليق على هذه القصة ولا على التعليق؟ فالقصة يرويها عملاقان من عمالقة التصوف، والتعليق يقدمه حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار!! لكن إذا كان قوله: (لو سألوه ألا يقيم الساعة لم يقمها) بكل ما فيه من تطاول وضلال يُستطاع ذكره، فما هي الأشياء التي لا يستطاع ذكرها؟! هي ولا شك أكبر بكثير وأضل بكثير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لكنه الكشف والعلم اللدني والولاية، ولا تعترض.

* دعوة إلى الذل والمهانة:

يقول الحجتان نفساهما:

...وعن بعضهم أنه قال: أقلقني الشوق إلى الخضر عليه السلام، فسألت الله تعالى مرة أن يريني إياه ليعلمني شيئاً كان أهم الأشياء علي، قال: فرأيته، فما غلب على همي ولا همتي إلا أن قلت له: يا أبا العباس! علمني شيئاً إذا قلته حجبت عن قلوب الخليقة، فلم يكن لي فيها قدر، ولا يعرفني أحد بصلاح ولا ديانة؟ فقال: قل: اللهم أسبل علي كثيف سترك، وحط علي سرادقات حجبك، واجعلني في مكنون غيبك، واحجبني عن قلوب خلقك. قال: ثم غاب فلم أره، ولم أشتق إليه بعد ذلك؟ فما زلت أقول هذه الكلمات في كل يوم. فحكى أنه صار بحيث يستذل ويمتهن، حتى كان أهل الذمة يسخرون به ويستسخرونه في الطرق يحمل الأشياء لهم لسقوطه عندهم، وكان الصبيان يلعبون به، فكانت راحته ركود قلبه واستقامة حاله في ذلك وخموله([82])...

- يعلق الغزالي (الإمام حجة الإسلام) على هذا فيقول: وهكذا حال أولياء الله تعالى، ففي أمثال هؤلاء ينبغي أن يطلبوا([83])...

- ونحن بدورنا نسأل الغزالي، ونسأل معه المكي قبله: ما معنى قوله تعالى: ((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)) [المنافقون:8]؟ على أن الآية نفسها قدمت الجواب، فقالت: ((وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [المنافقون:8].

وأمثال هذه الدعوة تفسر لنا سبب انحطاط المسلمين وما آل إليه أمرهم.

* لا قيمة للصلاة والصيام في الآخرة:-

يقول حجة الإسلام الهمام، بدر التمام، أبو حامد، بل أبو المحامد، الغزالي (بعد أن يتكلم على المقامات الصوفية):

...فالعلم بحدود هذه الأمور...هو علم الآخرة، وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة (أي: الصوفية)، فالمعرض عنها هالك بسطوة ملك الملوك في الآخرة، كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة هالك بسيف سلاطين الدنيا، بحكم فتوى فقهاء الدنيا([84])...

* الملحوظات:

نجيب على الضلال السافر الملاحظ في هذا النص بما يلي:

1- قوله عن العلم بالمقامات الصوفية: هو فرض عين في فتوى علماء الآخرة، هو تشريع، فنطالبه بالدليل من القرآن والسنة، ونرد عليه بقول الله سبحانه: ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)) [الشورى:21]، ونقول له: هذا تشريع جريء جداً، لم يأذن به الله، وهو شرك عظيم.

2- واضح كل الوضوح أن عبارة (الأعمال الظاهرة) يعني بها: الصلاة والصيام والحج والجهاد...وكل ما ظهر من الأعمال التكليفية، ويقرر (هذا الحجة) أن المعرض عنها هالك بسيف سلاطين الدنيا! أي إنه غير مؤاخذ عند الله! وهذا تكذيب للقرآن والسنة، كما يقرر أنه هالك بفتوى فقهاء الدنيا، أي إن علماء الآخرة (الصوفية) لا يرون فيها شيئاً! وهذا اعتراف بأن الصوفية لا يدينون بأوامر القرآن والسنة.

يكرر (حجة الإسلام) هذا المعنى في عدة مواضع في (إحيائه)، هذا واحد منها، وقد مر بعضها فيما سبق من نصوص، ويُترك الحكم للقارئ اللبيب.

* أذل من الكلب (ضعها في المقام المناسب):-

يورد الحجتان (إياهما):

...روي أن ابن الكُرَيني، وهو أستاذ الجنيد، دعاه رجل إلى طعام ثلاث مرات، ثم كان يرده ثم يستدعيه، فيرجع إليه بعد ذلك، حتى أدخله في المرة الرابعة، فسأله عن ذلك؟ فقال: قد رُضْتُ نفسي على الذل عشرين سنة حتى صارت بمنزلة الكلب يُطرد فينطرد، ثم يُدعى فيُرمى له عظم فيعود، ولو رددتني خمسين مرة ثم دعوتني بعد ذلك لأجبت!

وعنه أيضاً أنه قال: نزلت في محلة، فعُرفت فيها بالصلاح، فشُتِّتَ علي قلبي، فدخلت الحمام، وعدلت إلى ثياب فاخرة، فسرقتها ولبستها، ثم لبست مرقعتي فوقها، وخرجت أمشي قليلاً قليلاً، فلحقوني، فنزعوا مرقعتي وأخذوا الثياب، وصفعوني، وأوجعوني ضرباً، فصرت بعد ذلك أعرف بلص الحمام، فسكنت نفسي([85])...

يعلق الغزالي على هذا العمل الذي لا يمت إلى الإسلام بأي صلة، فيقول: فهكذا كانوا يروضون أنفسهم حتى يخلصهم الله من النظر إلى الخلق، ثم من النظر إلى النفس، فإن الملتفت إلى نفسه محجوب عن الله تعالى (أي: لا يستشعر الألوهية) وشغله بنفسه حجاب له([86])...

- ونجيبه: إن هذا الأسلوب في ترويض النفس متبع في الهندوسية وفي البوذية، وفي الكهانة وفي السحر، والإسلام بريء منه.

ومثل هذا التوجيه المنحرف يفسر لنا سبب ارتكاس الأمة الإسلامية في الدرك الذي تتخبط فيه، وسبب انحراف أبنائها عن المحجة البيضاء.

* الطريق العجيب إلى الولاية العجيبة:

يورد الحجتان نفساهما أيضاً:

...وحكي أن شاهداً عظيم القدر من أعيان أهل بسطام كان لا يفارق مجلس أبي يزيد، فقال له يوماً: أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر ولا أفطر، وأقوم الليل لا أنام، ولا أجد في قلبي من هذا العلم الذي تذكر شيئاً! وأنا أصدق به وأحبه، فقال أبو يزيد: ولو صمت ثلاثمائة سنة، وقمت ليلها، ما وجدت من هذا ذرة! قال: ولم؟ قال: لأنك محجوب بنفسك، قال: فلهذا دواء؟ قال: نعم. قال: قل لي حتى أعمله. قال: لا تقبله. قال: فاذكره لي حتى أعمل. قال: اذهب الساعة إلى المزين، فاحلق رأسك ولحيتك، وانزع هذا اللباس، واتزر بعباءة، وعلق في عنقك مخلاة مملوءة جوزاً، واجمع الصبيان حولك، وقل: كل من صفعني صفعة أعطيته جوزة؛ وادخل السوق، وطف الأسواق كلها عند الشهود وعند من يعرفك وأنت على ذلك! فقال الرجل: سبحان الله، تقول لي مثل هذا! فقال: أبو يزيد: قولك: سبحان الله شرك! قال: وكيف؟ قال: لأنك عظمت نفسك فسبحتها وما سبحت ربك. فقال: هذا لا أفعله، ولكن دلني على غيره؟ فقال: ابتدئ بهذا قبل كل شيء. فقال: لا أطيقه. قال: قد قلت لك إنك لا تقبل([87])...

- يعلق الغزالي على هذا التوجيه الساقط فيقول:

فهذا الذي ذكره أبو يزيد هو دواء من اعتل بنظره إلى نفسه، ومرض بنظر الناس إليه، ولا يُنجي من هذا المرض دواء سوى هذا وأمثاله، فمن لا يطيق الدواء فلا ينبغي أن ينكر إمكان الشفاء في حق من داوى نفسه...([88]).

- وهذا التعليق ينقله الغزالي عن المكي بتصرف.

* الملحوظات:

يلاحظ في هذا النص اعترافٌ من ثلاثة أقطاب، أن طريق الصوفية لا صلة له بطريق الإسلام، فللإسلام طريقه التي أمر الله بها، من صلاة، وصيام،...وبقية الأحكام، وللصوفية طريقها التي ما أنزل الله بها من سلطان. وهذه القصة يوردها أقطاب آخرون في كتبهم شأن كل القصص الأخرى.

أما الملحوظات الأخرى فنتركها للقارئ اللبيب.

* جعلوا الدعاء منسوخاً (من مقام التسليم والرضا):-

يورد الغزالي والمكي قبله:

...وضاع لبعض الصوفية ولد صغير ثلاثة أيام لم يُعرف له خبر، فقيل له: لو سألت الله تعالى أن يرده عليك؟ فقال: اعتراضي فيما قضى أشد عليّ من ذهاب ولدي([89]).

- سؤال موجه إلى صاحبي: (القوت) و(الإحياء): ما معنى قوله سبحانه: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60]؟ وهل نسخهاكشفهم؟!!

* من مقام الفقر:

يورد شهاب الدين السهروردي البغدادي:

...وقال الدراج: فتشت كنف أستاذي أريد مكحلة، فوجدت فيها قطعة، فتحيرت، فلما جاء قلت له: إني وجدت في كنفك هذه القطعة! قال: قد رأيتها؟ ردها، ثم قال: خذها واشتر بها شيئاً. فقلت: ما كان أمر هذه القطعة بحق معبودك؟ فقال: ما رزقني الله تعالى من الدنيا صفراء ولا بيضاء غيرها، فأردت أن أوصي أن تشد في كفني فأردها إلى الله([90])...

* الملحوظة:

لا أظن أن مسلماً عنده شيء من الفهم الإسلامي، يجهل ما في هذا القول من غباء وضلال وتفكير وثني لا يمت إلى الإسلام بصلة؟! يجعل القطعة في كفنه ليردها إلى الله!!

* صدق أو لا تصدق:-

مما يورده أبو نصر الطوسي وابن الملقن:

أن محمد بن علي الكتاني([91]) ختم في الطواف (اثنتي عشر ألف ختمة)([92])!

- كيف تم هذا؟ لا ندري.

* ومن كراماتهم:-

مما يورده عبد الوهاب الشعراني:

...ومنهم عبد الله بن عون رضي الله تعالى عنه...كان يخلو في بيته صامتاً متفكراً، وما دخل حماماً قط([93]).

- ولا تعليق.

* المهدي الذي لا يعرفه الإسلام:

ويورد الشعراني نفسه:

...الشيخ حسن العراقي صاحب الضريح فوق الكوم بقرب بركة الرطلي بمصر، ذكر لي رضي الله تعالى عنه أنه اجتمع بالمهدي إمام آخر الزمان عليه السلام بدمشق، وأقام عنده سبعة أيام، وعلمه ورده كل ليلة (خمسمائة ركعة) وصيام الدهر([94])...

- سؤال: من هو هذا المهدي الساكن في دمشق، والذي سيظهر آخر الزمان؟ ومتى ولد؟ وكم عمره الآن؟ وهل هو حي لا يموت؟...إلى آخر الأسئلة.

وفي حدود ما سمعت، يوجد الآن ثلاثة أقطاب يدّعون المهدوية، قطبان في بلاد الشام، وقطب في الجزائر، وكل واحد منهم ينتظر الإذن بالتحرك! وكم من قطب أخبره كشفه أنه المهدي فكان كشفه كاذباً مثله.

وهنا تتوارد أسئلة كثيرة، أتركها للقارئ ليتسلى بها وبالتعليق على هذه الكشوف والمشاهدات.

ولكن ما يجب قوله: إن المهدية عن طريق الكشف، كانت من الأسباب الرئيسية لتشتت الأمة الإسلامية وتمزقها، وانحرافها عن الطريق المستقيم، ومن قرأ التاريخ عرف هذه الحقيقة الأليمة.

- كرامات؟ كرامات؟ كرامات؟ كرامات؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يقول الشعراني (القطب الرباني والغوث الصمداني):

...وسبب حضوري في مولده (أي: مولد أحمد البدوي) كل سنة، أن شيخي العارف بالله تعالى محمد الشناوي رضي الله عنه، أحد أعيان بيته رحمه الله، قد كان أخذ علي العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه، وسلَّمني إليه بيده، فخرجت اليد الشريفة من الضريح، وقبضت على يدي. وقال سيدي: يكون خاطرك عليه واجعله تحت نظرك، فسمعت سيدي أحمد رضي الله عنه من القبر يقول: نعم نعم. ثم إني رأيته بمصر مرة أخرى هو وسيدي عبد العال، وهو يقول: زرنا بطندتا (طنطا)، ونحن نطبخ لك ملوخية ضيافتك، (وطبعاً المرئي في مصر مع سيدي عبد العال هو أحمد البدوي الميت من قرون)، فسافرت، فأضافني غالب أهلها وجماعة المقام ذلك اليوم، كلهم بطبيخ الملوخية.

ثم رأيته (أي: أحمد البدوي الذي مات منذ قرون) وقد أوقفني على جسر قحافة، تجاه طندتا، فوجدته سوراً محيطاً، وقال: قف هنا، أدخل علي من شئت وامنع من شئت. ولما دخلت بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن وهي بكر، مكثت خمسة شهور لم أقرب منها، فجاءني (أي: أحمد البدوي) وأخذني وهي معي، وفرش لي فرشاً فوق ركن القبة التي على يسار الداخل، وطبخ لي حلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه، وقال: أزل بكارتها هنا، فكان الأمر تلك الليلة.

وتخلفت عن ميعاد حضوري للمولد سنة (948هـ)، وكان هناك بعض الأولياء، فأخبرني أن سيدي أحمد رضي الله عنه، كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح، ويقول: أبطأ عبد الوهاب ما جاء.

وأردت التخلف سنة من السنين، فرأيت سيدي أحمد رضي الله عنه ومعه جريدة خضراء، وهو يدعو الناس من سائر الأقطار، والناس خلفه ويمينه وشماله، أمم وخلائق لا يحصون، فمر علي وأنا بمصر، فقال: أما تذهب؟ فقلت: بي وجع. فقال: الوجع لا يمنع المحب؛ ثم أراني خلقاً كثيراً من الأولياء وغيرهم، الأحياء والأموات من الشيوخ والزمنى بأكفانهم يمشون ويزحفون معه يحضرون المولد، ثم أراني جماعة من الأسرى جاءوا من بلاد الإفرنج مقيدين مغلولين يزحفون على مقاعدهم([95])...

- أقول: المأمول، الآن، من القارئ الكريم أن يكون عارفاً أن هذه كلها هلوسات كشفية، تختلط عند العارف مع الواقع فلا يميز بينهما، وأنها ليست من الإسلام في شيء، وأن الهندوس والطاويين والجبنيين يرون مثلها وأكثر، وكذلك بعض مرضى الأعصاب، ونزلاء مستشفيات الأمراض العقلية، والحشاشين، كما أن المأمول أيضاً أن يكون عارفاً لما فيها من شرك ووثنية، ومخالفات صريحة جريئة للإسلام ولدين الإسلام، ولرسول الإسلام، ولكل ما جاء به الإسلام. (ولكنه الكشف على كل حال).

* كشف:-

...وكان (علي وفا) يقول في قوله تعالى: ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ...)) [آل عمران:96] الآية، المراد به قلب آدم عليه السلام، لأنه أول بيت وضع للرب في البشر، وهو أيضاً بجسده مدفون تحت عتبة هذا البيت، كما أعطاه الكشف، وأما بنيّة البيت فهو مثال مضروب للقاصرين ليتذكروا به المعنى عند رؤية مثاله، فافهم([96]).

- التعليق: هذه صورة من التفسير الإشاري أرجو من القارئ أن ينتبه لها، وتترك الأسئلة للقارئ.

* كرامة.. وكشف عورة:

...ومنهم الشيخ محمد بن هارون رضي الله تعالى عنه ورحمه...وكان سبب خراب بلده سنهور المدينة، أنه كُشف له عن صاعقة تنزل عليها من السماء تحرقها بأهلها، فأمر بذبح ثلاثين بقرة وطبخها، ومدها في زاويته، وقال للنقباء: لا تمنعوا أحداً يأكل أو يحمل، فأكل الناس وحملوا جهدهم، فجاء فقير مكشوف العورة، أشعث أغبر، فقال: أطعموني، فأطعموه حتى عجزوا، فلم يستطيعوا أن يشبعوه، فدفعوه وأخرجوه، فنزلت الصاعقة على البلد، فخرج الشيخ بأهله ومن تبعه، وهلك الناس في أسواقهم وبيوتهم أجمعين، فقال الشيخ للنقيب: يا ولدي: ما هذا الذي فعلته؟ شخص يريد أن يتحمل البلاء عن بلدنا بأكلة تمنعه! فهي إلى الآن خراب، وعمروا خلافها([97])...

سؤال واحد: متى خرج الشيخ مع أهله وأتباعه من المدينة؟ هل كان ذلك قبل الصاعقة أم بعدها؟ وماذا عن كشف العورة؟ والأسئلة والتعليقات كثيرة تُترك للقارئ اللبيب الفاهم للإسلام.

* والآن جاء دور السحلية (حيوان زاحف صغير):

...وحكى لي شيخنا سيدي علي الخواص رضي الله تعالى عنه، أن سيدي محمد بن هارون، سلبه حاله مرة صبي القرَّاد، وذلك أنه كان إذا خرج من صلاة الجمعة، تبعه أهل المدينة يشيعونه إلى داره، فمر بصبي القراد وهو جالس تحت حائط يفلِّي خلقته من القمل وهو ماد رجليه؛ فخطر في سر الشيخ أن هذا قليل الأدب، يمد رجليه ومثلي مار عليه، فسُلب لوقته! وفرت الناس عنه، فرجع فلم يجد الصبي، فدار عليه في البلاد إلى أن وجده في رميلة مصر؛ فلما نظر القراد الكبير إليه وهو واقف، وقد فرغوا، قال له: تعال يا سيدي الشيخ، مثلك يخطر في خاطره أن له مقاماً أو قدراً؟ هذا الصبي سلبك حالك، فله أن يمد رجله بحضرتك لكونه أقرب إلى الله منك! فقال: التوبة، فأرسله إلى سنهور المدينة، إلى الحائط التي كان يفلي ثوبه عندها، وقال له: ناد السحلية التي هناك في الشق، وقل لها: إن قزمان طاب خاطره علي فردي علي حالي، فخرجت ونفخت في وجهه، فرد الله عليه حاله رضي الله عنه([98]).

- عجيب! الولاية، يسلبها صبي القراد وتعيدها سحلية!! وما دامت الولاية بنفخة سحلية، فما معنى قوله سبحانه: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)) [الإسراء:70] و...إلخ.

إن هذه العلوم الخرافية وأمثالها سيطرت على الأمة الإسلامية طيلة قرون طويلة، وسيطر بسببها الجهل بجميع أنواعه وأشكاله حتى وصلت إلى ما هي فيه الآن، ولم تزل هذه العقلية الغنوصية المنبعثة من الرؤى الشيطانية، التي تضحك بها الشياطين على عقول هؤلاء القوم وعلى أذقانهم، وهم يبثونها بين الناس، لم تزل مسيطرة على أفكار جماهير المسلمين، حتى المثقفين منهم، ولكنها تظهر بصور شتى. (وعلى كل حال هي العلوم اللدنية فسلِّم للقوم حالهم).

* تسجد لهم الملائكة:-

يقول عبد القادر الجيلاني (قطب الأولياء الكرام، شيخ المسلمين والإسلام):

...من الأولياء من تسجد الملائكة له، وتكتف أيديها إلى ورائها. آحاد أفراد من الأولياء ترى الملائكة([99])...اهـ.

- وأنا أيضاً أقف هنا مكتوف الأيدي إلى وراء، لا أعرف ماذا أعلق على هذا المستوى من الضلال؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهذا طبعاً من العلم اللدني.

ويقول الجيلاني نفسه:

يا غلام، اقرن بين الدنيا والآخرة، واجعلهما في موضع واحد، وانفرد بمولاك عز وجل عرياناً من حيث قلبك، بلا دنيا ولا آخرة...يا غلام، لا تكن مع النفس ولا مع الهوى، ولا مع الدنيا، ولا مع الآخرة، ولا تتابع سوى الحق عز وجل([100])...

* التعليق:

يأمرنا (سلطان الأولياء) أن نتعرى عن الدنيا والآخرة، ويأمرنا أن نقرن الآخرة بالدنيا، بمعنى أن ننبذ الآخرة كنبذنا للدنيا؟ ويقرن الآخرة مع النفس والهوى والدنيا، فنسأله، ونسأل الذي خدعوا به: ماذا بقي لنا إن تعرينا عن الآخرة وتركناها؟ ولم يعمل العاملون المؤمنون؟ أليس كل عمل المؤمن هو من أجل الآخرة؟

الله سبحانه يعلمنا أن ندعوه: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) [البقرة:201]، فهل نطيع الله أم نطيع الجيلاني؟

عشرات الآيات في القرآن الكريم تأمرنا أن تكون غايتنا هي الآخرة، وأن تكون هي رجاءنا من الله سبحانه، منها مثلاً: ((اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ)) [العنكبوت:36]، فهل وصل (المقام) بالجيلاني إلى مستوى نسخ القرآن؟!

ثم يتساءل المتسائلون: ما دام الإسلام دين الفطرة، فلِمَ انحرف عنه المسلمون وابتعدوا منه بسلوكهم وأخلاقهم وعقائدهم؟ والجواب ماثل أمام الأعين، لكنها لا تعمى الأبصار...

ويقول:..يا جاهل، اترك الدفتر من يدك، وتعال اقعد ههنا بين يدي على رأسك، العلم يؤخذ من أفواه الرجال لا من الدفاتر، يؤخذ من الحال لا من المقال، يؤخذ من الفانين عنهم (أي: عن أنفسهم) وعن الخلق، الباقين بالحق عز وجل([101])...- إنه ينهى عن علم الدفاتر ويأمر بعلم الحال لا بعلم المقال: وطبعاً علم الدفاتر، هو نفسه علم المقال، (الذي يتعلم بالقول واللسان)، وهو كل العلوم الإنسانية بما فيها علم الشريعة الإسلامية من قرآن وحديث وشروحهما وفقههما...إلخ، ثم يتساءلون عن سبب الجهل المتفشي في المسلمين؟

* كرامة فوق الإعجاز والمعجزات:-

...ومنهم الشيخ علي نور الدين المرصفي رحمه الله تعالى ورضي عنه آمين: كان من الأئمة الراسخين في العلم، وله المؤلفات النافعة في الطريق...وذكر لي سيدي أبو العباس رحمه الله أنه قرأ بين المغرب والعشاء خمس ختمات؟! فقال الشيخ: الفقير وقع له أنه قرأ في يوم وليلة ثلاثمائة وستين ألف ختمة؟؟!! كل درجة ألف ختمة([102])...اهـ.

- واإسلاماه! واعقلاه! واإنسانيتاه! واحياءاه؟! ولكنها الولاية؟

إن هذه الرؤى الشيطانية وأمثالها، التي سيطرت على عقول المسلمين، هي التي أفسدت فيهم ما أفسدت من تفكير أصبح غير سليم، لا يفكر إلا بأسلوب خرافي سحري بعيد عن الواقع الصحيح، ومن عقيدة انحرفت عن عقيدة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، ومن سلوك أصبح موجهاً بالخيالات الصوفية الضبابية، والرؤى الكشفية التي تختلط عند الكمَّل مع الواقع فلا يميزون بينهما غالباً.

* كرامات وولاية تمقت الأذان وتحارب الصيام:-

...ومنهم سيدي إبراهيم بن عصيفير رضي الله تعالى عنه آمين...وكان كثير الكشف، وله وقائع مشهورة...وكان بوله كالحليب أبيض، وكان يغلب عليه الحال فيخاصم ذباب وجهه، وكان يتشوش من قول المؤذن (الله أكبر) فيرجمه ويقول: عليك يا كلب نحن كفرنا يا مسلمين حتى تكبروا علينا! وما ضبطت عليه قط كشفاً أخرم فيه...وكان رضي الله عنه يقول: أنا ما عندي من يصوم حقيقة إلا من لا يأكل اللحم الضاني أيام الصوم كالنصارى، وأما المسلمون الذين يأكلون اللحم الضاني والدجاج أيام الصوم فصومهم عندي باطل...وكان يفرش تحته في مخزنه التبن ليلاً ونهاراً، وقبل ذلك كان يفرش زبل الخيل، وكان إذا مرت عليه جنازة وأهلها يبكون، يمشي أمامها معهم ويقول: زلابية هريسة زلابية هريسة، وأحواله غريبة([103])...اهـ. ولا تعليق.

* ولي يمنع خادمه من الصلاة ويضربه إذا صلى:-

...ومنهم سيدي الشيخ شهاب الدين الطويل النشيلي رضي الله تعالى عنه...وكان ينادي خادمه وهو في الصلاة، فإن لم يجبه مشى إليه وصكه ومشى به وقال: كم أقول لك لا تعد تصلي هذه الصلاة المشئومة، فلا يستطيع أحد يخلصه منه([104])...

- وبالطبع فإن الصوفية يرون أن منعه من الصلاة له تأويل!

* جب نفسه تقرباً إلى الله (لعل هذا من مقام الورع!:-

...ومنهم سيدي عبد الرحمن المجذوب رضي الله تعالى عنه (وهو من السلسلة الشاذلية) كان رضي الله عنه من الأولياء الأكابر...وكان مقطوع الذكر، قطعه بنفسه أوائل جذبه، وكان جالساً على الرمل صيفاً وشتاءً، وإذا جاع أو عطش يقول: أطعموه، أسقوه([105]) اهـ.

ولا تعليق.

* تواضع مرحاضي ويدخل الجامع بالكلاب! رضي الله عنه:-

...ومنهم الشيخ أبو الخير الكليباتي رضي الله عنه، كان رضي الله عنه من الأولياء المعتقدين، وله المكاشفات العظيمة مع أهل مصر وأهل عصره...وكان أغلب وقته واضعاً وجهه في حلق الخلاء في ميضأة جامع الحاكم! ويدخل الجامع بالكلاب([106])!!

- لعل هذا من مقام التواضع المرحاضي الممزوج بالكلاب.

* مأمونية حموية:-

وحكى لي خادم سيدي أبي الخير الكليباتي أن شخصاً أتاه وأخبره أنه قال للشيخ:

إن زوجتي حامل، وقد اشتهت مأمونية حموية، ولم أجدها، فقال له الشيخ: ائتني بوعاء، فأتاه به، فتغوط له فيها مأمونية سخنة! فقال الخادم: وأكلت منها لعدم اعتقادي أنها غائط([107])!!

(ولا تعليق).

* يخطب عرياناً ويخرج الريح أمام الناس ويحلف كاذباً رضي الله عنه:-

...ومنهم الشيخ إبراهيم العريان رضي الله تعالى عنه ورحمه...وكان رضي الله تعالى عنه يطلع المنبر ويخطب عرياناً، فيقول: السلطان ودمياط باب اللوق بين القصرين وجامع طيلون الحمد لله رب العالمين، فيحصل للناس بسط عظيم...وكان يخرج الريح بحضرة الأكابر، ثم يقول: هذه ضرطة فلان، ويحلف على ذلك، فيخجل ذلك الكبير منه، مات سنة نيف وثلاثين وتسعمائة([108]).

* ملحوظة هامة:

يظهر أن العري أمام الناس، المحرم في الإسلام، هو من مستلزمات الولاية الصوفية، ولكنه هين أمام المأمونية الحموية.

على كل حال، يجب أن تؤول لهؤلاء القوم ضلالاتهم للتستر عليها، كما يجب أن لا ننسى أنه يحلف كاذباً رضي الله عنه!.

* طبل وزمر:-

ومنهم سيدي إبراهيم المجذوب رضي الله تعالى عنه: كان رضي الله عنه كل فلوس حصلها يعطيها للمطبلين ويقول: طبلوا لي زمروا لي([109])...

* يحمل عن الناس؛ ماذا؟ ويتطور؛ لماذا؟:-

...ومنهم سيدي سويدان المدفون بالخانكه رضي الله عنه...ووقع له وقائع وكرامات، وكان فمه لم يزل فيه نحو الخمسين حبة من الحمص ليلاً ونهاراً، يقال: إنها حملات الناس([110])...

وكان كثير التطور، يدخلون عليه فيجدونه سبعاً تارة وفيلاً أخرى([111]) (وطبعاً دور إبليس واضح).

* رحمة بالجيف والحيوانات الميتة:

ومنهم سيدي بركات الخياط، كان رضي الله عنه من الملامتية، وهو شيخ أخي أفضل الدين، وشيخ الشيخ رمضان الصائغ الذي بنى له الزاوية...وكان دكانه مُنتناً قذراً، لأن كل كلب وجده ميتاً أو قطاً أو خروفاً يأتي به فيضعه داخل الدكان، فكان لا يستطيع أحد أن يجلس عنده([112]). اهـ. (أمام هذه الكرامات أحسن شيء هو الرقص مع النقص).

* يأكل كل يوم زبيبة فقط:-

ومنهم الشيخ مرشد رضي الله عنه: كان رضي الله عنه قادري الخرقة، وكان يطوي الأيام والليالي، وأخبرني أنه مكث نحو أربعين سنة يأكل كل يوم زبيبة واحدة حتى لصق بطنه على ظهره([113])...

- إنه بذلك ابتعد عن هدي الإسلام، والله لا يقبل من العبادات إلا ما أمر به.

* كرامات (فوق الفوق):-

ومنهم سيدي علي وحيش من مجاذيب النجارية رضي الله عنه: كان رضي الله عنه من أعيان المجاذيب أرباب الأحوال...وله كرامات وخوارق...وأخبرني محمد الطنيخي رحمه الله تعالى، قال: كان الشيخ وحيش رضي الله عنه يقيم عندنا في المحلة في خان بنات الخطا، وكان كل من خرج يقول له: قف حتى أشفع فيك عند الله قبل أن تخرج، فيشفع فيه، وكان يحبس بعضهم اليوم واليومين، ولا يمكنه أن يخرج حتى يجاب في شفاعته...وكان إذا رأى شيخ بلد أو غيره ينزله من على الحمارة، ويقول له: أمسك رأسها حتى أفعل فيها، فإن أبى شيخ البلد تسمر في الأرض لا يستطيع يمشي خطوة، وإن سمع حصل له خجل عظيم والناس يمرون عليه، وكان له أحوال غريبة، وقد أخبرتُ عنه سيدي محمد بن عنان رضي الله عنه، فقال: هؤلاء يخيلون للناس هذه الأفعال وليس لها حقيقة([114])! (ولا تعليق).

* من ولايتهم الزنا والمواخير:-

...ووقع للشيخ زون بهار المدفون بالقرافة بالقرب من سيدي يوسف العجمي رضي الله عنه، أنه كان يصعق في حب الله تعالى، فتضع الحوامل ما في بطونها من صعقته! فحول الله تعالى ذلك إلى حب امرأة من البغايا، فجاء إلى الصوفية، ورمى لهم الخرقة، وقال: لا أحب أن أكذب في الطريق، إن واردي تحول إلى حب فلانة؛ ثم صار يحمل لها العود، ويُركبها، ويمشي في خدمتها، إلى أن تحول الوارد إلى محبة الحق بعد عدة شهور، فجاء إلى الصوفية، فقال: ألبسوني الخرقة، فإن واردي رجع عن محبة فلانة؛ فبلغها ذلك فتابت ولزمت خدمته([115])...(ولا تعليق).

* قصة في القصص:-

...وأخبرني شيخ الإسلام الشيخ نور الدين الطرابلسي الحنفي، والسيد الشريف الخطابي المالكي النحوي رحمهما الله تعالى، قالا: سمعنا سيدي عثمان رضي الله عنه يقول: لما حججت مع سيدي أبي بكر (الدقدوسي) سألته أن يجمعني على القطب فقال: اجلس هاهنا، ومضى فغاب عني ساعة، ثم حصل عندي ثقل في رأسي، فلم أتمالك أحملها حتى لصقت بعانتي، فجلسا يتحدثان عندي بين زمزم والمقام ساعة، وكان من جملة ما سمعت من القطب يقول: آنستنا يا عثمان، حلت علينا البركة، ثم قال لشيخي: توص به فإنه يجيء منه، ثم قرأا سورة الفاتحة وسورة قريش، ودعوا وانصرفا، ثم رجع سيدي أبو بكر رضي الله عنه فقال: ارفع رأسك. قلت: لا أستطيع. فصار يمرجني ورقبتي تلين شيئاً فشيئاً حتى رجعت لما كانت عليه، فقال: يا عثمان هذا حالك وأنت ما رأيته! فكيف لو رأيته([116])؟

- فما هذا القطب الرهيب الثقيل؟!

* عجائب وغرائب، والإله هو إبليس عليه الصلاة والسلام:-

ومنهم الشيخ محمد الحضري رضي الله تعالى عنه؛ المدفون بناحية نهبا بالغربية، وضريحه يلوح من البعد من كذا وكذا بلداً، كان من أصحاب جدي رضي الله عنهما، وكان يتكلم بالغرائب والعجائب من دقائق العلوم والمعارف ما دام صاحياً، فإذا قوي عليه الحال (أي: الولاية) تكلم بألفاظ لا يطيق أحد سماعها في حق الأنبياء وغيرهم، وكان يُرى في كذا وكذا بلداً في وقت واحد، وأخبرني الشيخ أبو الفضل السرسي أنه جاءهم يوم الجمعة، فسألوه الخطبة، فقال: بسم الله؛ فطلع المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ومجده، ثم قال: وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام، فقال الناس: كفر. فسل السيف ونزل، فهرب الناس كلهم من الجامع، فجلس عند المنبر إلى أذان العصر وما تجرأ أحد أن يدخل الجامع، ثم جاء بعض أهل البلاد المجاورة، فأخبر أهل كل بلد أنه خطب عندهم وصلى بهم، قال: فعددنا له ذلك اليوم ثلاثين خطبة، هذا ونحن نراه جالساً عندنا في بلدنا...وكان يقول: لا يكمل الرجل حتى يكون مقامه تحت العرش على الدوام. وكان يقول: الأرض بين يدي كالإناء الذي آكل منه، وأجساد الخلائق كالقوارير أرى ما في بواطنهم، توفي رضي الله عنه سنة سبع وتسعين وثمانمائة رضي الله عنه([117]).

* تعليق على ما مضى:

هذه الكشوف والكرامات والعلوم اللدنية، تكشف لنا عن سبب النكسة التي أصيبت بها الأمة الإسلامية، بعد أن بعثها الله تلك البعثة الرائعة، لتكون سيدة التاريخ، ولتقيم شريعة الله في الأرض، حتى إذا ظهرت الصوفية وانتشرت، ضربت على الأمة غشاءً كثيفاً من الجهل والضلال والانحراف عن الإسلام...وسيقول لك المتصوفة: هذه القصص والكرامات والعلوم اللدنية لها تأويل. فنجيبهم: هذه خدعة باطلة ماكرة، تدل على أن القوم يكيدون للإسلام ويضمرون له الشرور.

* ما هو معنى (لا إله إلا الله)؟ يقول حجه الإسلام:

...والأنبياء هم الكحالون، وقد جاءوا داعين إلى التوحيد المحض، وترجمته قول (لا إله إلا الله)، ومعناه: أن لا يرى إلا الواحد الحق([118])!! لنتذكر بيت شعر مجدد الألف الثاني.

- (لا إله إلا الله) هي المدخل إلى الإسلام، وهاهم قد حرفوا معناها! فماذا بقي لهم من الإسلام؟

* العصا إنسان، والبحر في إبريق، (والعقل والإيمان في سبات عميق):-

ومنهم الشيخ محمد الشربيني رحمه الله تعالى، شيخ طائفة الفقراء بالشرقية، كان من أرباب الأحوال والمكاشفات...ولما ضعف ولده أحمد، وأشرف على الموت، وحضر عزرائيل لقبض روحه، قال له الشيخ: ارجع إلى ربك فراجعه فإن الأمر نُسخ؟ فرجع عزرائيل وشفي أحمد...وكان رضي الله عنه يقول للعصا التي كانت معه: كوني إنساناً، فتكون إنساناً، ويرسلها تقضي الحوائج ثم تعود كما كانت...وكان من عادته أنه يأمر مريديه بالشحاتة على الأبواب دائماً في بلده...وكان الشيخ محمد بن عنان وغيره ينكرون عليه لعدم صلاته مع الجماعة، ويقول: نحن ما نعرف طريقة تقرب إلى الله تعالى إلا ما درج عليه الصحابة والتابعون...له ذرية بأرض الغرب، وذرية في بلاد العجم، وذرية في بلاد الهند، وذرية في بلاد التكرور، فكان في ساعة واحدة يطوف على عياله في هذه البلاد ويقضي حوائجهم، وكل أهل بلاد يقولون: إنه مقيم عندهم، ولتبدله في هذه الصور، وتصرفه في هذه الأشكال، كان ربما أنكر عليه بعض الفقهاء ترك الجمعة...وكان إذا أراد أن يعدِّي في البحر يقول له المعدِّي: هات كراء...فقال الشيخ: (ها الله)، وطأطأ الإبريق، فأخذ ماء البحركله فيه!! ووقف المركب على الأرض، فاستغفر المعدِّي وتاب، فصب الإبريق في البحر، ورجع الماء كما كان([119])...

- لنلاحظ في هذه القصة تلاعبات الشياطين في المناظر الوهمية الموهمة.

* واقف تجاه المارستان دائماً ولا يتغوط:-

ومنهم الشيخ علي الدويب رحمه الله تعالى آمين...وكان رضي الله عنه يمشي على الماء في البحر...وكان لم يزل واقفاً تجاه المارستان بين القصرين من الفجر إلى صلاة العشاء وهو متلثم وبيده عصاً مِنْ شوم.. كان لا يدخل بيت الخلاء لقضاء الحاجة إلا في كل نحو ثلاثة أشهر مرة واحدة([120]).

* يشفع بالملائكة ويقوم للكلب!!:-

ومنهم أبو محمد عبد الرحيم المغربي القناوي رضي الله تعالى عنه: هو من أجلاء مشايخ مصر المشهورين وعظماء العارفين، صاحب الكرامات الخارقة والأنفاس الصادقة، له المحل الأرفع من مراتب القرب والمنهل العذب...وحُكي أنه نزل يوماً في حلقة الشيخ شبَحٌ من الجو، لا يدري الحاضرون ما هو، فأطرق الشيخ ساعة، ثم ارتفع الشبح إلى السماء! فسألوه؟ فقال: هذا مَلَك وقعت منه هفوة، فسقط علينا يستشفع بنا، فقبل الله شفاعتنا فيه، فارتفع!! وكان الشيخ إذا شاوره إنسان في شيء يقول له: أمهلني حتى أستأذن لك فيه جبريل عليه السلام، فيمهله، ثم يقول له: افعل أو لا تفعل، على حسب ما يقول جبريل...ومر مرة عليه كلب فقام له إجلالاً، فقيل له في ذلك؟ فقال: رأيت في عنقه خيطاً أزرق من زي الفقراء([121])...(هكذا وإلا فلا).

لئلا نتهم هؤلاء القوم الأبرار يجب أن نؤول كلامهم: فالمَلَك الذي نزل ليستشفع بالشيخ تأويله: إن الشيخ كان يرقص السماح في الحضرة، واستئذانه جبريل عليه السلام، فجبريل هذا هو أحد الأولياء المعاصرين للشيخ، واسمه: جبريل عليه السلام، والكلب الذي قام إجلالاً له هو أحد الأقطاب، والخيط الأزرق هو الدليل والبرهان. (ودور إبليس واضح).

* يكتحل بالملح والميل المحمي بالنار:-

ومنهم أبو بكر جحدر الشبلي رضي الله عنه...وكان رضي الله عنه يقول: اكتحلت بالملح كذا وكذا ليلة، لأعتاد السهر، ولا يأخذني النوم، فلما زاد علي الأمر حميت الميل واكتحلت به([122])...

- ولعل القارئ يدرك جيداً أن هذا كان قبل وصول الشبلي إلى الجذبة التي يسمونها (ولاية)، ونسأل: هل عمله هذا من الإسلام أم من الهندوسية؟

* والكلب أيضاً ولي:-

ومنهم سيدي يوسف العجمي الكوراني رضي الله تعالى عنه: وهو أول من أحيا طريقة الجنيد رضي الله عنه بمصر...ولقد وقع بصره يوماً على كلب، فانقادت إليه جميع الكلاب، إن وقف وقفوا، وإن مشى مشوا، فأعلموا الشيخ بذلك، فأرسل خلف الكلب، وقال: إخسأ، فرجعت عليه الكلاب تعضه حتى هرب منها. ووقع له مرة أخرى أنه خرج من خلوة الأربعين، فيقع بصره على كلب، فانقادت إليه جميع الكلاب، وصار الناس يُهرعون إليه (إلى الكلب) في قضاء حوائجهم، فلما مرض ذلك الكلب، اجتمع حوله الكلاب يبكون ويظهرون الحزن عليه، فلما مات أظهروا البكاء والعويل، وأَلْهَمَ الله تعالى بعض الناس فدفنوه، فكانت الكلاب تزور قبره حتى ماتوا([123])...(ونترك التعليق للقارئ).

* بوضوء واحد سبع عشرة سنة:-

ومنهم سيدي عيسى بن نجم، خفير البرلُّس رضي الله عنه، كان من العلماء العاملين، وله المجاهدات العالية في الطريق؛ وسمعت سيدي علياً المرصفي رضي الله عنه يقول: مكث سيدي عيسى بن نجم بوضوء واحد سبع عشرة سنة! فقلت: يا سيدي، كيف ذلك؟ فقال: توضأ يوماً قبل أذان العصر، واضطجع على سريره، وقال للنقيب: لا تمكن أحداً يوقظني حتى أستيقظ بنفسي، فما تجرأ أحد يوقظه، فانتظروه هذه المدة كلها، فاستيقظ وعيناه كالدم الأحمر، فصلى بذلك الوضوء الذي كان قبل اضطجاعه، ولم يجدد وضوءاً؛ وكان في وسطه منطقة، فلما قام وحلها تناثر من وسطه الدود رضي الله عنه([124]).

* تنبيه:

هذا الكلام له تأويل (اجتناباً لاتهام العارفين بالضلال والجهل والغباء)، فسبع عشرة سنة (بفتح السين)، تأويلها: سبع عشرة سنة من النوم (بكسر السين)، مقدار كل سنة من النوم ثانيتان، فيكون المجموع أربعاً وثلاثين ثانية، (أي: أكثر من نصف دقيقة)، وأما السنة من النوم (بكسر السين)، فتأويلها أنه كان يقرأ ((لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)) [البقرة:255]. والدود تأويله (طووووووط).

ويجب أن لا ننسى أن سيدي عيسى من العلماء العاملين، وسيدي علياً المرصفي كان من الأئمة الراسخين في العلم، والراوي هو القطب الرباني والغوث الصمداني. وتُترك للقارئ المناقشة.

* قصة؛ لعلها من مقام المراقبة:

- ومنهم أبو سعيد القلوري رضي الله عنه، هو من أكابر العارفين والأئمة المحققين، صاحب الأنفاس الصادقة، والأفعال الخارقة، والكرامات والمعارف...ودُعي مرة إلى طعام هو وأصحابه، فمَنَعَهُم من أكل ذلك الطعام وأكله وحده، فلما خرجوا قال لهم: إنما منعتكم من أكله لأنه كان حراماً؟ ثم تنفس فخرج من أنفه دخان أسود عظيم كالعمود! وتصاعد في الجو حتى غاب عن أبصار الناس، ثم خرج من فمه عمود نار، وصعد إلى الجو حتى غاب عن النظر، ثم قال: هذا الذي رأيتموه هو الطعام الذي أكلته عنكم([125]).

* توضيح:

هذه القصة إما أنها من أكاذيبهم، أو أنها من التمثيليات الشيطانية التي تضحك بها الشياطين على أذقانهم وعقولهم، وتستجرهم إلى ما أوصلوا الأمة إليه من زيغ وانحراف في العقيدة والسلوك.

* زغاريد.. والقذارة طريق لولايتهم.. قاق قاق:-

ومنهم الشيخ محمد السروي رحمه الله تعالى آمين، المشهور بأبي الحمائل، أحد الرجال المشهورة في الهمة والعبادة، وكان يغلب عليه الحال، فيتكلم بالألسن العبرانية والسريانية والعجمية، وتارة يزغرد في الأفراح والأعراس كما تزغرد النساء... وجاءه الشيخ علي الحديدي يطلب منه الطريق، فرآه ملتفتاً لنظافة ثيابه، فقال: إن كنت تطلب الطريق فاجعل ثيابك ممسحة لأيدي الفقراء، فكان كل من أكل سمكاً أو زفراً يمسح في ثوبه يده مدة سنة وسبعة شهور، حتى صارت ثيابه كثياب الزياتين أو السماكين...فلما رأى ثيابه، لقنه الذكر، وجاء منه في الطريق...

وكان يغلب عليه الحال ليلاً فيتكلم بألسنة غير عربية من عجم وهند ونُوبة وغيرها، وربما يقول: (قاق قاق) طول الليل، ويزعق ويخاطب قوماً لا يُرَون، وإذا قال شيئاً في غلبة الحال نفذ([126])...

* التعليق:

قيق قيق... ثم يتساءلون عن سبب فساد الأمة الإسلامية، وهو أوضح من الوضوح، لكن يبقى سؤال: كيف عرفوا أنه يتكلم العبرانية والسريانية والعجمية والهندية؟؟ لعلهم عرفوا ذلك عن طريق الكشف! (كشوف فوق كشوف فوق كشوف، ظلمات بعضها فوق بعض).

* يتطور في الخلقة، ويجر السفينة بخصيتيه، ويعيش بلا طعام، وعجائب أخرى:-

ومنهم الشيخ حسين أبو علي رضي الله عنه ورحمه؛ كان هذا الشيخ رضي الله عنه من كُمَّل العارفين، وأصحاب الدوائر الكبرى، وكان كثير التطورات، تدخل عليه بعض الأوقات تجده جندياً، ثم تدخل فتجده سبعاً، ثم تدخل فتجده فيلاً، ثم تدخل فتجده صبياً، وهكذا. مكث نحو أربعين سنة في خلوة مسدود بابها، ليس لها غير طاقة يدخل منها الهواء...وكان الشيخ عُبيد أحد أصحابه الذي هو مدفون عنده الآن، مثقوب اللسان لكثرة ما ينطق به من الكلمات التي لا تأويل لها، وأخبرني بعض الثقات أنه كان مع الشيخ عُبيد في مركب فوحلت، فلم يستطع أحد أن يزحزحها، فقال الشيخ عبيد: اربطوها في بيضي بحبل وأنا أنزل أسحبها، ففعلوا، فسحبها ببيضه حتى تخلصت من الوحل([127]).

مكث في خلوة بغيط خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرب، وباب الخلوة مسدود، وليس له إلا طاق يدخل منه الهواء...مات في مصر بعد سنة (790هـ).

- نسأل فقط عن كشف العورة، وترك الآخرين يمسكونها ليربطوا بها الحبل؟ ونترك الباقي للقارئ اللبيب.

* يديران الوجود كيف يشاءان (من مقام الحرية):-

ومنهم سيدنا ومولانا شمس الدين الحنفي رضي الله تعالى عنه ورحمه، كان رضي الله عنه من أجلاء مشايخ مصر وسادات العارفين، صاحب الكرامات الظاهرة، والأفعال الفاخرة، والأحوال الخارقة، والمقامات السنية.. صاحب الفتح المؤنق والكشف المخرق، والتصدر في مواطن القدس...وكان رضي الله عنه يأمر من يراه من أصحابه عنده شهامة نفس بالشحاتة من الأسواق وغيرها...وكان سيدي علي بن وفا رضي الله عنه يوماً في وليمة، (فاستأذن عليه الشيخ محمد الحنفي فقام له وأجلسه جانبه)، فدار الكلام بينهما، فقال سيدي علي: ما تقول في رجل رحى الوجود بيده، يدوِّرها كيف شاء؟ فقال له سيدي محمد رضي الله عنه: فما تقول فيمن يضع يده عليها فيمنعها أن تدور؟! فقال له سيدي علي: والله كنا نتركها لك ونذهب عنها! فقال محمد رضي الله عنه لجماعة سيدي علي: ودعوا صاحبكم فإنه ينتقل قريبآ إلى الله تعالى. فكان الأمر كما قال...وكان يتطور في بعض الأوقات حتى يملأ الخلوة بجميع أركانها، ثم يصغر قليلاً قليلاً حتى يعود إلى حالته المعهودة...ومرضت زوجته فأشرفت على الموت، فكانت تقول: يا سيدي أحمد يا بدوي، خاطرك معي! فرأت سيدي أحمد رضي الله عنه في المنام، وهو ضارب لثامين...وقال لها: كم تناديني وتستغيثي، وأنت لا تعلمين أنك في حماية رجل من الكبار المتمكنين، ونحن لا نجيب من دعانا وهو في موضع أحد من الرجال! قولي: يا سيدي محمد يا حنفي، يعافيك الله تعالى، فقالت ذلك، فأصبحت كأن لم يكن بها مرض!!

ودخلت على الشيخ يوماً امرأة أمير، فوجدت حوله نساء الخاص تكبِّسه، فأنكرت بقلبها عليه، فلحظها الشيخ بعينه وقال لها: انظري. فنظرت، فوجدت وجوههن عظاماً([128])...

...حتى قال: بلغنا عن الشبلي رحمه الله تعالى أنه دخل يوماً خربة يقضي فيها حاجته، فوجد فيها حمارة، فراوده الشيطان عليها، فلما أحس الشبلي رضي الله عنه ذلك، رفع صوته وصاح: يا مسلمون يا مسلمون، الحقوني وأخرجوا عني هذه الحمارة، فإني أعرف ضعف نفسي عن سلوك طريق الصيانة...ولما دنت وفاته (أي: وفاة محمد الحنفي) بأيام، كان لا يغفل عن البكاء ليلاً ولا نهاراً، وغلب عليه الذلة والسكون والخضوع حتى سأل الله تعالى قبل موته أن يبتليه بالقمل، والنوم مع الكلاب، والموت على قارعة الطريق، وحصل له ذلك قبل موته! فتزايد عليه القمل حتى صار يمشي على فراشه، ودخل له كلب فنام معه على الفراش ليلتين وشيئاً، ومات على طرف حوشه والناس يمرون عليه في الشوارع!! وإنما تمنى ذلك ليكون له أسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام([129])!!

- السؤال: نسأل من عرف مبادئ الإسلام وبدهياته، ما هو حكم الإسلام والعقل في مثل هذا: ادعاء التصرف في الكون، والاستغاثة بغير الله، ونساء أجنبيات يكبسن الولي! ومراودة النفس على حمارة، والنوم مع الكلاب!! ويجعلون هذا تأسياً بالأنبياء!! ثم يتساءل المتسائلون عن سبب انحطاط المسلمين؟!

كما يجب أن نلاحظ الأدوار الخبيثة التي تمثلها شياطين الجن، وتضحك بها على ذقونهم، فتخدعهم وتخدع بهم.

* يبيع الجنة بثلاثين ديناراً ويأخذ من المرأة كل ما تملك:-

ومنهم الشيخ مدين بن أحمد الأشموني رضي الله تعالى عنه...كان من أكابر العارفين، وانتهت إليه تربية المريدين في مصر وقراها، وتفرعت عنه السلسلة المتعلقة بطريقة أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه...وجاءته رضي الله عنه امرأة فقالت: هذه ثلاثون ديناراً وتضمن لي على الله الجنة! فقال لها الشيخ رضي الله عنه مباسطاً لها: ما يكفي، فقالت: لا أملك غيرها، فضمن لها على الله دخول الجنة! فماتت، فبلغ ورثتها ذلك، فجاءوا يطلبون الثلاثين ديناراً من الشيخ، وقالوا: هذا الضمان لا يصح، فجاءتهم في المنام وقالت لهم: اشكروا لي فضل الشيخ، فإني دخلت الجنة! فرجعوا عن الشيخ([130]). اهـ.

- ونحن بدورنا ننقل هذا الخبر للمسلمين، لعلهم يسرعون ويفتشون عن هؤلاء الأولياء ويشترون منهم ما يبتغون من عَرَصات الجنة، كما نرجو من كرم هؤلاء الأولياء أن يراعوا خواطر الفقراء. (ونذكر أيضاً بأن أحمد الرفاعي باع قصراً في الجنة).

* يدفع عنه الموت...ويمنع زوجته من الزواج بعده:-

ومنهم سيدي محمد الشويمي...كان من أرباب الأحوال العظيمة...ومرض سيدي مدين (الأشموني) رضي الله عنه مرة، وأشرف فيها على الموت، فوهبه من عمره عشر سنين!! ثم مات في غيبة الشويمي رضي الله عنه، فجاء وهو على المغتسل، فقال: كيف مت؟ وعزة ربي لو كنت حاضراً ما خليتك تموت!!

...وقد بلغنا أن زوجة سيدي محمد الشويمي مات عنها وهي بكر، وقال لها: لا تتزوجي بعدي أحداً فأقتله!! فاستفتت العلماء في ذلك، فقالوا لها: هذه خصِّيصي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجي وتوكلي على الله، فعقدوا لها على شخص، فجاءه تلك الليلة وطعنه بحربة فمات من ليلته، وبقيت بكراً إلى أن ماتت وهي عجوز([131])...

ويترك التعليق للقارئ اللبيب.

* القيء إكسير الولاية:-

محمد المسمى بقمر الدولة؛ أحد أكابر أصحاب سيدي أحمد البدوي، ولم يصحب سيدي أحمد زماناً طويلاً، إنما جاء من سفرٍ في وقت حر شديد، فطلع يستريح في طندتا (طنطا)، فسمع بأن سيدي أحمد رضي الله عنه ضعيف، فدخل عليه يزوره...فوجد سيدي أحمد قد شرب ماء بطيخة وتقيأه ثانياً فيها، فأخذه سيدي محمد المذكور وشربه!! فقال له سيدي أحمد: أنت قمر دولة أصحابي([132]) اهـ. ولا تعليق (لكن القيء خير من المأمونية الحموية).

ومنهم سيدي الشيخ أبو بكر الدقدوسي رضي الله تعالى عنه...وكان له صاحب يبيع الحشيش بباب اللوق، فكان الشيخ رضي الله عنه يرسل إليه أصحاب الحوائج فيقضيها لهم! قال سيدي عثمان (الحطاب) رضي الله عنه: فسألته يوماً عن ذلك، وقلت: المعصية تخالف طريق الولاية، فقال: يا ولدي ليس هذا من أهل المعاصي، إنما هو جالس يتوِّب الناس في صورة بيع الحشيش، فكل من اشترى منه لا يعود يبلعها أبداً([133])...(دستور دستور).

- ومن هنا نستطيع أن نعرف سبب انتشار الحشيش في مصر.

* إجلالاً للكلب (من مقام التواضع):-

ومنهم شيخي وقدوتي إلى الله تعالى، العارف بالله تعالى سيدي محمد الشناوي رحمه الله تعالى، كان رضي الله تعالى عنه من الأولياء الراسخين في العلم...وكان رضي الله عنه يحكي عن الشيخ عبد الرحيم القناوي رضي الله عنه أنه رأى مرة في عنق كلب خرقة من صوف، فقام له إجلالاً للخرقة الصوف([134])...

- مر معنا تأويل مثل هذه الحالة، فليرجع القارئ إليه ليتدرب على التأويل والتضليل مثل هؤلاء البهاليل.

* يراود الأمرد عن نفسه ويحسس على مقعدته رضي الله عنه:

ومنهم الشيخ علي أبو خوذة...وكان من أرباب الأحوال ومن الملامتية، وكان يتعاطى أسباب الإنكار عليه قصداً...وكانت خوذة سيدي علي من الحديد، وكان زنتها قنطاراً وثلثاً، لم يزل حاملها ليلاً ونهاراً...وما رآه أحد يصلي مع الناس إلا وحده، وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة أو أمرد راوده عن نفسه وحسس على مقعدته، سواء كان ابن أمير أو ابن وزير، ولو كان بحضرة والده أو غيره ولا يلتفت إلى الناس([135])...(دستور دستور ودساتير كثيرة).

- لكن يجب أن نعرف أن هذا له تأويل! لئلا نتهم الأولياء الأبرياء بالجهل والغباء والكفر والزندقة وقلة الحياء.

 * ولاية.. ولواطة.. والنهي عن المنكر جريمة:-

إبراهيم النبتيتي([136])، المجذوب الصاحي... من كراماته... قال الحمصاني: وقفت أصلي في جامع المرأة، فدخل علي رجل من الجند ومعه أمرد، وقصد به جهة المراحيض، فتشوشتُ في نفسي، وقلت: ضاقت عليه الدنيا وما وجد إلا الجامع! ولم أنطق بذلك، فقال لي إبراهيم المذكور: ما فضولك؟ وما أدخلك يا كذا وكذا؟ وسبني وشتمني! وقال: لا تتعرض! وما لك وذاك؟ إلى غير ذلك([137])...

* التعليق: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ...)) [المائدة:78] ((كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) [المائدة:79].

* يعلم ما في الأرحام (من مقام العلم):-

أحمد بن جعد الأبيني([138]).. وأتته امرأة وقالت: ادع لي أن يرزقني ولداً ذكراً، فقال: ستُرزقين ذلك! فوضعت أنثى، فقالت له فيه، فقال: والله ما قلت لك إلا بعد ما مسستُ ذكره بيدي هذه، ولكن أراد أن يُكذِّب هذه اللحية([139])!!

* يعلم ما في الأرحام...وزيادة:-

جاكير الكردي([140]) قدس الله روحه...مرت بقرات بالشيخ جاكير الكردي، فأشار إلى إحداهن، وقال: هذه حامل بعجل أحمر أغر، صفته كذا، وعيَّن يوم ولادته، وأنه نذر له، وعيَّن من يذبحه من الفقراء...واستأذن رجل واسطي الشيخ جاكير في ركوب بحر الهند بتجارة، فقال: إذا وقعت في شدة فناد باسمي...وكان الشيخ جاكير يقول: ما أخذت العهد قط على مريد حتى رأيت اسمه مكتوباً في اللوح المحفوظ([141])...

- السؤال: ما معنى قوله سبحانه: ((وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ)) [لقمان:34]؟ وقوله: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5]؟

* لا تنظر إلى فروجهم، فكشف الفرج ولاية:-

علي نور الدين بن العظمة([142])، كان من كبار الأولياء المجاذيب... ومن كراماته: ما حكاه حشيش الحمصاني، أنه مر عليه يوماً، فجرى في خاطره الإنكار عليه لعدم ستر عورته، فما تم له هذا الخاطر إلا وقد وجد نفسه بين إصبعين من أصابعه يقلبه كيف شاء، ويقول له: انظر إلى قلوبهم ولا تنظر إلى فروجهم([143]).

- بهذه الكشوف والعلوم اللدنية وصلت أمتنا إلى ما هي عليه الآن من ذل وهوان وجهل وضياع.

* كشف، وجبل قاف أيضاً، والرجراج، وغيرها:-

علي بن أحمد بن خضر المطوعي([144])، المشهور بين الناس بحشيش الحمصاني...

أحد أكابر الأولياء العارفين...وأخبر بأنه اطلع على بحر الظلمات (أي: المحيط الأطلسي)، وأن به بلداً لا تبصر أهلها إلا في الظلمة!! وأنه رأى خلف جبل قاف أرضاً تتحرك بنفسها تسمى الرجراج، ليس بها ساكن، وأنه رأى إرم ذات العماد، وأنه اجتمع بالخضر عليه السلام فوجده يظهر في صُوَر مختلفة، وبالقطب فوجده يلبس كل يوم لباساً غير لون الآخر([145]). اهـ.

- وعلى الإسلام والعقل والحقيقة السلام.

* أسرع من الصاروخ:-

علي البدوي الشاذلي، تلميذ سيدي ياقوت العرشي، قال رضي الله عنه: وكثيراً ما كان الشيخ ياقوت يوجهني في الحاجة من إسكندرية إلى بلاد الأندلس، فأذهب إليها وأرجع في يوم واحد، بسرعة خطاي، من غير أن تطوى لي الأرض([146])...

* حدث نسيه التاريخ:-

مسلمة بن نعمة السروجي، شيخ المشايخ وسيد الأولياء ورئيس الأصفياء...قال السراج: إنه لما قصد الكفرةُ من الفرنج والأرمَن مدينةَ سروج، وقتلوا وأسروا، ثم قصدوا زاويته، وصل الخبر إلى مريديه، فقالوا: يا سيدي جاءنا العدو، فقال: اصبروا، ثم كرروا القول إلى أن قالوا: بيننا وبينهم قدر رشقة حجر، فخرج، وأشار بيده الكريمة برجوعهم، فرجعت بهم الخيل قهراً لا يستطيعون ردَّها بوجه، فقُتل منهم خلق عظيم، وكذلك من الخيل، وتكسرت العدد، وصاروا بأسوأ حال([147]).

* التعليق:

دماء المسلمين التي أريقت لا قيمة لها، ولم تثر همة الشيخ ومريديه إلا الزاوية فقط.

هذا بغض النظر عن كون قصتهم هذه أكذوبة صغيرة من أكاذيبهم.

* سوط عجيب:-

شيخنا الشيخ علي العمري([148])، الشاذلي الطرابلسي، أشهر أولياء هذا العصر وأكثرهم كرامات وخوارق عادات... ومن كراماته رضي الله عنه ما أخبرني به الحاج إبراهيم المذكور (إبراهيم الحداد من اللاذقية)، قال: دخلت في هذا النهار إلى الحمام مع شيخنا الشيخ علي العمري، ومعنا خادمه محمد الدبوسي الطرابلسي، وهو أخو إحدى زوجات الشيخ، ولم يكن في الحمام غيرنا، قال: فرأيت من الشيخ كرامة من أعجب خوارق العادات وأغربها، وهي أنه أظهر الغضب على خادمه محمد هذا وأراد أن يؤدبه، فأخذ الشيخ إحليل نفسه بيديه الاثنتين من تحت إزاره، فطال طولاً عجيباً بحيث إنه رفعه على كتفه وهو زائد عنه، وصار يجلد به خادمه المذكور، والخادم يصرخ من شدة الألم، فَعل ذلك مرات ثم تركه، وعاد إحليله إلى ما كان عليه أولاً، ففهمت أن الخادم قد عمل عملاً يستحق التأديب، فأدَّبه بهذه الصورة العجيبة. ولما حكى لي ذلك الحاج إبراهيم، حكاه بحضور الشيخ، وكان الشيخ واقفاً، فقال لي الشيخ: لا تصدقه وانظر، ثم أخذ بيدي بالجبر عني، ووضعها على موضع إحليله، فلم أحس بشيء مطلقاً، حتى كأنه ليس برجل بالكلية، فرحمه الله ورضي عنه ما أكثر عجائبه وكراماته([149]).

* الملحوظات:

يلاحظ في هذا النص ما يلي:

1- كشف العورة واللعب بها.

2- الكذب؛ إما أن يكون الخادم كاذباً، أو أن يكون الشيخ كاذباً، وذلك عندما قال: لا تصدقه.

3- جعل الآخر يلمس مكان عورته.

* ولي يُحيي الموتى ويخالف الشرع:-

عبد الرحمن بن أحمد الجامي([150])...ومن كراماته...أنه جلس في زمن الربيع على شاطئ نهر ملآن، وإذا بقنفذة ميتة قد أقبلت على وجه الماء، فأخذها مولانا الجامي، ومسح بيده ظهرها، فظهر أثر الحياة فيها، ثم لما توجهنا جهة المدينة أقبلت تسعى خلفنا. ومنها أن مولانا سيف الدين أحمد قدم لمنزل العلوي ومعه جملة من المدرسين، فعمل له ضيافة، وعزم على الجامي، فأقاموا الذكر بالدفوف والمنشدين على العادة، فقال بعض الحاضرين للشيخ: يا مولانا! كيف استماع الغناء والطرب بالدفوف والرقص! ما هو خلاف الشرع؟ فحول الشيخ وجهه إليه، وتكلم في أذنه خفية، فظهر منه صوت عجيب، وحصل له وجد بالسماع وضرب الدف([151])...(الرجاء الانتباه إلى دور الشياطين).

* يبلع المتاليك ويتغوطها دنانير والناس ينظرون إليه:-

الشيخ حسن سكر الدمشقي([152])...(قالوا له): لا بد أن تظهر لنا كرامة، فقال: هاتوا لي مائة من المتالكات([153])، وهي قطع صغيرة من الفضة المغشوشة، فجاءوا له بمائة متاليك، فأخذها وألقاها في فمه وابتلعها، وفي الحال جلس بصورة مَن يقضي حاجة الإنسان، فأخرجها من أسفله دنانير من الذهب، فأخذوها، وكانت هي السبب في غنى أبي لبدة المذكور([154])...

- السؤال: ما هو حكم الشرع والذوق بجلوسه جلسة التغوط وكشف عورته أمام الآخرين؟ ومن أين جاءت شياطينه بالذهب؟

* ولي يقف عرياناً بين الناس ولا يصلي:-

حسن قضيب البان الموصلي([155])، قال السراج: عن الشيخ العارف أبي الحسن علي القرشي رحمه الله قال: دخلت على الشيخ حسن قضيب البان ببيته بالموصل، فرأيته ملء البيت، فهالني ما رأيت من نموه الخارق، فخرجت ثم عدت، فرأيته في زاوية من زوايا البيت مثل العصفور، فخرجت ثم عدت، فرأيته كالعادة...وقال المناوي: خرج أبو النجاء المغربي يريد المشرق ومعه أربعون ولياً، فكان كل بلد جاءه يستوعب ما فيه من الرجال، حتى وصل الموصل، فخرج إليه الرجال، وإذا بقضيب البان خرج بأطماره وشعثه، فقال: أين الشيخ؟ فقالوا: خرج. قال: يتشيطن! فغضبوا. وقال أحدهم: كذب شيطانك، فتغيظ ورمى أطماره، ووقف عرياناً على جنب بركة يصب الماء على يده بيده، وإذا بالشيخ جاء، فأخبروه، قال: صدق، كنت مع إمام الموصل، ينافقني وأنافقه؛ ثم قال قضيب البان: أخبرني بكل رجل رأيته من بلادك، فذكر رجالاً وقضيب البان يقول في كل رجل: وزنه كذا، ربع رجل، ونصف رجل، وهذا وازن، وهذا كامل، وهذا وإن ملأ صيته ما بين الخافقين لا يساوي عند الله جناح بعوضة.

وسئل الشيخ عبد القادر الجيلاني فقال: هو ولي مقرب ذو حال مع الله تعالى وقدَمِ صدقٍ عنده، فقيل له: ما نراه يصلي، فقال: إنه يصلي من حيث لا ترونه، وإني أراه إذا صلى بالموصل أو بغيرها من آفاق الأرض يسجد عند باب الكعبة!! وقال بعضهم: كان قضيب البان من الأبدال، واتهمه بعض من لم يره يصلي بترك الصلاة وشدد النكير عليه، فتمثل له على الفور في صور مختلفة، وقال: في أي هذه الصور رأيتني ما أصلي([156])!! اهـ. ولا تعليق، لأن التعليق أحياناً إضاعة للوقت، لكن الذي يورد هذه القصص هو عالم من علمائهم.

* فتوى لم تمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

رسالة للحافظ السيوطي سماها (المنجلي في تطور الولي)، نقلتها من كتابه (الحاوي في الفتاوي)، وهذه هي: قال رحمه الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، توقع إلي سؤال رجل حلف بالطلاق، أن ولي الله الشيخ عبد القادر الدشطوطي بات عنده ليلة كذا، فحلف آخر بالطلاق أنه بات عنده في تلك الليلة بعينها، فهل يقع الطلاق على أحدهما أم لا؟ فأرسلت قاصداً إلى الشيخ عبد القادر، فسألته عن ذلك، فقال: ولو قال أربعة إني نمت عندهم لصدقوا، فأفتيت بأنه لا يحنث واحد منهما([157]).

* التعليق:

السيوطي هذا كان يعد نفسه مجدداً، وهذه هي فتوى يصدرها هذا المجدد؟! وسلام على الشرع والعقل وعلى إنسانية الإنسان.

* الزبل خير من الغائط (المأمونية الحموية) على كل حال:-

شجاع الكرماني...حضر ليلة موسم بمسجد بقلعة الصبية بإيناس([158]) يعرف بالشيخ محمد السلطي، فقال الجماعة: نريد أن نأكل حلوى دمشقية، فأخذ الجوالق والمجارف وخرج مع جماعة إلى المزبلة، فيها زبل وشقف وحجارة وغير ذلك، فملئوا الجوالق، وأتوا المسجد وهم يضحكون، ففرغه بين أيديهم، فإذا هو من أصناف أطايب الحلوى، فأكلوا وازدادوا إيماناً([159])...(ازدادوا إيماناً بأن كهانتهم هي الإسلام).

* كلا النقيضين صحيح، صدق أو لا تصدق، لكن لا تعترض فتنطرد:-

شعيب، أبو مدين المغربي، أحد أعاظم أئمة الطريق المجمع على جلالتهم وولايتهم الكبرى...قال: ...قامت الحرب مرة بالمغرب بين المسلمين والفرنج، وكان الظهور للفرنج، فأخذ شيخنا أبو مدين سيفه وخرج إلى الصحراء، مع نفر من أصحابه، وجلس على كثيب، فإذا بين يديه خنازير قد ملأت الصحراء، فوثب حتى صار بينهم، وعلا بالسيف رءوسهم حتى قتل كثيراً منهم، وولوا هاربين، فسألناه؟ فقال: هؤلاء الفرنج وقد خذلهم الله تعالى، فأرخناه، فجاء الخبر بكسرتهم في الوقت بعينه! وجاء المجاهدون وأكبوا عليه يقبلون قدميه، وأقسموا أنه لو لم يكن الشيخ بين الصفين لهلكوا...

* التعليق:

ما دامت لهؤلاء الأولياء هذه الكرامات! فلم أصبح المسلمون أذل من على وجه الأرض؟؟ ولم خسروا قبل ذلك الأندلس مع وجود هؤلاء الضراغم؟؟

...وروي أن أمير المؤمنين بالمغرب، المسمى يعقوب، رأى مرائي وأحوالاً من أحوال المريدين، وسببه أنه قتل أخاه غيرة على الملك، فندم على قتل أخيه ندماً أورثه توبة أثرت في باطنه أحوالاً حسنة، وتغير عليه من نفسه ما لا يعهده لثمرة التوبة، فما كان أبركه عليه ذنباً؛ فشكا ما يجده لمريدة كانت تدخل قصره، فقالت: هذه أحوال المريدين، فقال: كيف أعمل بنفسي ومن يعرفني ويداويني؟ فقالت له: الشيخ أبو مدين سيد هذه الطائفة في هذا الزمان؛ فبعث يعقوب إلى الشيخ أبي مدين، وطلبه طلباً حثيثاً، والتجأ إليه، فاقتضى إجابة الشيخ أبي مدين له، فقال: قوموا له نطع الله عز وجل سبحانه وتعالى بطاعته، وأنا ما أصل إليه، بل أموت بتلمسان، وكان الشيخ يومئذ في بجاية، فلما وصل إلى تلمسان، قال لرسل يعقوب: سلموا على صاحبكم، وقولوا له: شفاؤك على يد أبي العباس المريني، ومات الشيخ أبو مدين...فمشى (أي: أبو العباس المريني) إليه (إلى يعقوب) واجتمع به، ففرح يعقوب بذلك، ثم أمر بذبح دجاجة، وخنق أخرى، وأن يطبخ كل منهما على حدة، وقدمهما بين يدي الشيخ، فأمر الشيخ الخادم برفع المخنوقة، وقال: هذه جيفة، وأكل من الأخرى، فسلم يعقوب نفسه له، وأنزل نفسه منزلة الخادم، وفتح له على يده، وترك الملك وسلمه لابنه، واشتغل مع الشيخ، وثبت قدمه في الولاية ببركة الشيخ أبي العباس وإشارة الشيخ أبي مدين.

- وبعد صفحتين فقط، يورد النبهاني هذه القصة بالشكل التالي:

...وكان (أبو مدين) استوطن بجاية، ويقول: إنها معينة على طلب الحلال؛ ولم يزل بها يزداد حاله على مر الليالي رفعة ترد عليه الوفود وذوو الحاجات من الآفاق، ويخبر الوقائع والغيوب، إلى أن وشى به بعض علماء الظاهر عند يعقوب المنصور، وقال له: إنا نخاف منه على دولتكم، فإن له شبهاً بالإمام المهدي، وأتباعه كثيرون بكل بلد، فوقع في قلبه وأهمه شأنه، فبعث إليه في القدوم عليه ليختبره، وكتب لصاحب بجاية بالوصية...وارتحلوا به على أحسن حال حتى وطئوا به حوز تلمسان...فلما وصل وادي نسر اشتد به المرض ونزلوا به هناك...وكانت وفاته سنة 580 هـ، فحمل إلى العباد مدفن الأولياء والأوتاد، وسمع أهل تلمسان بجنازته، فكانت من المشاهد العظيمة...وعاقب الله السلطان فمات بعده بسنة أو أقل([160])...

- السؤال:

أ- أي الروايتين نصدق، وفيهما ما فيهما من التناقض؟!

ب- ألم يساعدهم كشفهم على معرفة الحق في هاتين الروايتين؟!

ونترك الباقي للقارئ، مع التنبيه إلى مدى الغفلة التي تسببها الصوفية!

* أين هذه الجزيرة السادسة وفي أي بحر محيط:-

...وقال الشيخ عمر القيسي: خدمت الشيخ عدياً رضي الله تعالى عنه سبع سنين، وشهدت له خارقات، فقال لي يوماً: اذهب إلى الجزيرة السادسة في البحر المحيط تجد بها مسجداً، فادخله، تر فيه شيخاً، فقل له: يقول لك عدي: احذر الاعتراض ولا تختر لنفسك أمراً فيه إرادة؛ ودفعني بين كتفي، فرأيت المكان والشيخ، وأخبرته، فبكى، ودعا له، وقال لي: إن أحد السبعة الخواص الآن في النزع، وقد طمحت إرادتي أن أكون مكانه، ثم دفعني فوجدت نفسي في الزاوية([161]).

* توضيح:

مثل هذه الحالات يرونها في أحلام الجذبة (الكشف)، وكثيراً ما تختلط عندهم بالواقع، فلا يميزون بينهما! وفي جميع الحالات يعتبرونها عين اليقين وحق اليقين!

* يحيون الموتى (والويل لمن لا يصدق):-

وقال الشيخ عمر: كنت عند الشيخ عدي بن مسافر رضي الله عنه يوماً، فجاء جماعة من الأكراد والبوزية زائرين، وكان فيهم رجل يدعى (الخطيب حسين)، فقال له الشيخ: يا حسين! قم أنت والجماعة حتى نقلب أحجاراً ونعمل حائطاً للبستان، فنهض الشيخ ونهض معه الجماعة، وصعد الشيخ إلى سطح الجبل، وجعل يقطع أحجاراً ويدحرجها وهم ينقلونها إلى مكان العمل؛ فأصاب حجر رجلاً، فاختلط لحمه بعظمه وألصق بالأرض، فمات من ساعته؟ فنادى الخطيب حسين: مات فلان إلى رحمة الله تعالى، فانحدر الشيخ من سطح الجبل، وأتى الرجل المصاب، ورفع يديه إلى السماء، ودعا له، فقام الرجل بإذن الله تعالى كأنه لم يصبه شيء([162]).

* التعليق:

عدي بن مسافر هذا له أتباع، هم اليزيديون عبدة الشيطان، المقيمون في سنجار وما حوله، وقد مضى على المسلمين قرون وهم يتخبطون في ظلمات هذه الأوهام الشيطانية أو الهذيانية، ولما يزل هؤلاء الكهان يُعملون كهانتهم وسحرهم لإبقاء هذه الأمة بعيدة عن إسلامها وعن وعيها. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

* الفقير بما يعملون بصير:-

وقال الشيخ إسماعيل التونسي رحمة الله عليه: خرجت أنا وجماعة من التونسية إلى زيارة الشيخ عدي رضي الله عنه، فلما وصلنا سلمنا عليه وجلسنا نتحاور في كرامات الأولياء ودرجاتهم، فقال الشيخ: كل شيخ لا يعلم مريده كم ينقلب في الليل قلبةً ما هو شيخ، ولو أنه في مشرق الأرض أو مغربها؛ فقلت في نفسي: هذا أمر صعب، أنا أجامع زوجتي، والشيخ ينظر إلي؟! فلما رجعت إلى بيتي، هجرت زوجتي شهراً كاملاً، فعلم الشيخ عدي بما أنا عليه، فوصى جماعة من الفقراء المجاورة أنكم إذا توجهتم إلى منازلكم، يتوجه أحدكم إلى التونسية، ويقول لإسماعيل: يجيء إلى عندي...فلما وصلت وسلمت عليه زجرني وانتهرني، وقال: يا إسماعيل! أيما أحب: الشيخ يبصر مريده على حلال أو على حرام؟ لا تعد إلى مثلها؛ فقابلت أمره بالسمع والطاعة وانصرفت راجعاً([163]).

* التعليق:

يرى ويبصر عبر المسافات والحواجز، ويرى مريده وهو يجامع زوجته، ولكنه يبصره على حلال؟! دستور دستور دستور، لكن على كل حال يجب ألا ننسى سلاح التأويل البتار الذي يجعل كتاب الإحياء بحراً من البحار.

* العري، العري، العري، وضع عقلك وإيمانك في ثلاجة:-

قال أبو البركات: دخل يوماً على عمي الشيخ عدي ثلاثون فقيراً، فقال عشرة منهم: يا سيدي، تكلم لنا في شيء من الحقيقة، فتكلم لهم، فذابوا، وبقي موضعهم حومة ماء؛ وتقدم العشرة الثانية، فقالوا له: تكلم لنا في شيء من حقيقة المحبة، فتكلم فماتوا، ثم تقدم الآخرون وقالوا: يا سيدنا تكلم لنا في شيء من حقيقة الفقر، فتكلم لهم، فنزعوا ما كان عليهم من الثياب، وخرجوا عرايا إلى البرية([164]).

* الملحوظة:

على مدى قرون كان أمثال هؤلاء أسوة المسلمين، حتى وصل المسلمون إلى ما هم عليه.

* الصوفي يعز من يشاء ويذل من يشاء:-

عزاز بن مستودع البطائحي: كان من أجلاء المشايخ وأكابر العارفين وأعيان الصالحين ورؤساء المقربين، له الآيات الصادقة...والتمكين التام والتصريف العام (أي: التصرف في الكون عامة)...ومما روينا أن الشيخ عزازاً سأله الخليفة المقتدي بأمر الله القدوم إلى بغداد ليتبرك به، فلما اخترق دهاليز القصر، ما نظر إلى ستر مرخي إلا تمزق قطعاً؛ ثم قال للخليفة: سيقصدك ملك العجم في جيش لا قبل لك به، وقد مَلَّكتُ جيشك رقاب جيشه، وملَّكتك عنقه، فكان كما قال، وأُسر الملك واعتقل ببغداد أياماً، ثم افتدي بأموال عظيمة([165])...

* صوفي مكشوف العورة، ولا يصلي.. وهو مع ذلك ولي:-

علي الكردي: أحد أكابر الأولياء أصحاب التصريف العظيم والكرامات الكثيرة، منها: ...ولما جاء العارف الكبير الإمام شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي صاحب كتاب (عوارف المعارف) إلى دمشق في رسالة الخليفة إلى الملك العادل بالخلعة والطوق وغير ذلك، قال لأصحابه: أريد أزور علياً الكردي، فقال له الناس: يا مولانا لا تفعل، أنت إمام الوجود، وهذا رجل لا يصلي، ويمشي مكشوف العورة أكثر أوقاته؛ فقال: لا بد من ذلك، قال: وكان الشيخ علي الكردي مقيماً أكثر أوقاته في الجامع، حتى دخل عليه مولَّه آخر يقال له: ياقوت، فساعة دخوله من الباب، خرج الشيخ علي من دمشق وسكن جبانتها بالباب الصغير، وما دخلها بعد ذلك إلى أن مات- وياقوت فيها يتحكم- فقالوا للشيخ شهاب الدين: هو في الجبانة، فركب بغلته، ومشى في خدمته من يعرِّفه موضعه، فلما وصل إلى قريب من مكانه، ترجل وأقبل يمشي إليه؟ فلما رآه علي الكردي وقد قرب منه كشف عورته! فقال الشيخ شهاب الدين: ما هذا شيء يصدنا عنك، ونحن ضيفانك؛ ثم دنا منه، وسلم عليه، وجلس معه، وإذا بحمالين قد جاءوا ومعهم مأكول متبر([166])...اهـ.

نقول: وهكذا غاص المجتمع الإسلامي في كلمات الضلال والجهل؛ لا يصلي ويسير مكشوف العورة وهو يتحكم ويتصرف بالوجود، ويزوره إمام الوجود، وما أدراك من هو هذا الإمام، إنه إمام في تدمير عقائد هذه الأمة وسلبها إسلامها ودفعها إلى ظلمات الضلال والشرك والأخلاق البذيئة...لكن هذا كله له تأويل عند القوم، يضحكون به على أذقان المغفلين والسذج وعلى الذين ماتت فيهم الغيرة على الإسلام.

* ونسخت أحكام القرآن وسنن الله في كونه:-

سيدي أبو الحسن علي الشاذلي رضي الله عنه، السيد الشريف، زعيم الطائفة الشاذلية، وإمام الأولياء والصوفية، وأحد مفاخر الأمة المحمدية، قال: جعت مرة ثمانين يوماً، فخطر لي أن قد حصل لي نصيب من هذا الأمر، فإذا أنا بامرأة خارجة من مغارة، كأن وجهها ضياء الشمس حسناً وهي تقول: منحوس منحوس، جاع ثمانين يوماً، فأخذ يدل على الله بعمله، وأنا لي ستة أشهر لم أذق فيها طعاماً([167])؟

- ولا تعليق، لكن تذكير: وصال الصيام محرم في الإسلام، ولن تعدم من يقول لك: هذا له تأويل! أو يقول: هذا للخواص لا للعوام؟ فنجيبه: التأويل تضليل، والإسلام دين الحياة للخواص مثل العوام.

* كرامة فوق السنن...ولا حياء بالحلال:-

أبو عمرو عثمان بن مروزة البطائحي رحمه الله، أحد أعيان المشايخ وأكابر الرجال، وأصحاب الكرامات والأحوال...فبينما هو ليلة يتهجد، إذ طرقته منازلة من الجناب الأعظم، وتبدت له أنوار، فوقف سبع سنين واقفاً شاخصاً إلى السماء دون غذاء ولا إحساس بحاله، ثم عاد إلى بشريته (أي: كان في كل هذه المدة إلهاً ثم عاد إلى البشرية)، فقيل له: اذهب إلى قريتك، وجامع أهلك فقد آن ظهور ولد منك؟ فطرق بابه وأخبر أهله بحاله، فقالت زوجته: لئن فعلت وقضيت تحدث الناس في؛ فصعد السطح ونادى: يا أهل القرية، أنا فلان، اركبوا فإني سأركب([168]).

* الملحوظات:

الملحوظات كثيرة، ومنها: ما ذنب هذه الزوجة التي ترملت مع وجود زوجها! وهل يسمح الإسلام بهذا الشذوذ؟؟ أما (اركبوا فإني سأركب)، فهذه تحتاج إلى حضرة، ورقص بنقص، وإلى (ترلم ترلم).

* جبل قاف أيضاً:-

قال سيدي محيي الدين (أي: ابن عربي): وأخبرني عنه (أي: عن موسى السيدراني) شيخي أبو يعقوب الكومي، أنه وصل جبل قاف المحيط بالأرض، فصلى الضحى بأسفله، وصلى العصر على ذروته، وسئل عن ارتفاعه في الهواء، فقال: مسيرة ثلاثمائة سنة، وأخبر أن الله طوق هذا الجبل بحية اجتمع رأسها بذيلها([169]).

- وهكذا كل كشوفهم، جهل في جهل في غباء، والكذب زيادة.

ودخل موسى هذا أرضاً رأى النمل فيها على قدر المعز عجيبة الخلق، ورأى عجوزاً خراسانية واقفة على البحر والأمواج تصطفق بين ساقيها وهي تسبح الله وتقدسه([170])...- أين هي هذه الأرض؟ وهذا النمل؟ و.. و.. و.. وما أكثر الواوات والأينات؟

لكن أيها القارئ! سلم تسلم، لا تعترض فتنطرد! فهل تفهم أنت أكثر من الكشف؟! كشف! كشف دمر الأمة الإسلامية.

ويقول عبد الحليم محمود: إن كلام القوم رموز!

فنجيبه: الرموز عكاكيز الدجاجلة.

* بين السيقان، في خان بنات الخطا، تتقدس أسرارهم (دستور من خاطرهم):-

(حسن الخلبوصي)، قال الشعراني: حكى الشيخ يوسف الحريثي رحمه الله، قال: لما حججت، سهرت ليلة في الحرم خلف المقام، وكانت ليلة مقمرة، فلما راق الليل، دخل جماعة يخفق النور عليهم، فطافوا وصلوا خلف المقام، وجلسوا يسيراً، فجاءهم شخص، وقال: يعيش رأسكم بالشيخ علي. فقالوا: رحمه الله تعالى. قال: من يكون موضعه؟ فقالوا: حسن الخلبوصي بناحية زفتى بالغربية. فقال: أناديه؟ فقالوا: نعم. فقال: يا حسن! فإذا هو واقف على رءوسهم عليه ثوب معصفر ووجهه مدهون بالدقيق وعلى كتفه سوط، فقالوا له: كن موضع الشيخ علي. فقال: على الرأس والعين، وذهب، فلما رجعت إلى بلادي قصدته بالزيارة في خان بنات الخطا، فوجدت واحدة راكبة على عنقه، ويداها ورجلاها مخضوبتان بالحناء وهي تصفعه في عنقه، وهو يقول لها: برفق فإن عيناي موجوعتان! فأول ما أقبلت عليه قال مبادراً: يا فلان، زغلت عيناك وغرك القمر، ما هو أنا، فعرفته أنه هو، وأمرني بعدم إشاعة ذلك([171]). * التعليق: يتساءل المتسائلون عن سبب فساد الأمة الإسلامية وهو واضح أمام الأعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

* العورة.. العورة:-

الشيخ عبد الكريم القاوي([172]) الدمشقي: كان من أصحاب الكرامات الباهرات...فأراد الوالي أن يرى منه شيئاً من ذلك، فقال له الشيخ عبد الله (ابن الشيخ سعيد الحلبي): هل تقدر أن تشرب جميع ما في هذه البركة من الماء؟ فقال: لا أفعل، فقال: نحن نفعل ذلك، فقال: افعلوا، فأمر بعضهم سراً بأن يظهر بأنه يشرب من البركة، وأمر آخر بأن يفتح مجراها من جهة أخرى، ففعلا ذلك، فبعد قليل فرغت البركة؛ فلما ظهر للشيخ القاوي أن ذلك الرجل شرب البركة قال: وأنا أشربها أيضاً فاملئوها؟ فتركوها حتى امتلأت، فقام الشيخ القاوي، وأخذه حال عجيب، ووضع فمه في البركة فصار يشرب والماء يخرج من إحليله، ولم يزل كذلك يدخل الماء من فمه ويخرج من إحليله إلى أن فرغت البركة؟ وهي من أعظم كراماته، فاعتقده الوالي وغيره اعتقاداً عظيماً([173])...

- السؤال: هل كانوا يرون إحليله والماء يخرج منه؟ وهل؟ وهل؟ على أن كشف العورة عندهم شيء مثير للانتباه!

* قاف أيضاً! فأين هذا القاف؟!:-

حماد بن مسلم الدباس([174])...وروي أن الشيخ حماداً مر ببعض قرى بغداد، فرأى بعض أمراء الدولة المستظهرية راكباً سكران، فأنكر عليه، فسطا الأمير على الشيخ، فقال الشيخ: يا فرس الله خذيه، فعدت فرسه كالبرق الخاطف، يسبق البصر، ولم يعلم أين ذهب! وبعث الخليفة الخيل وراءه فلم يقف له على أثر، قال تاج الدين أبو الوفاء: وعزةِ مَن له العزة، لم يستقر به فرسه دون بر ولا بحر ولا سهل ولا جبل حتى ذهبت به إلى وراء جبل قاف([175])...

- فيا ناس، خبرونا أين هذا القاف؟ هذا مع غض النظر عن الكذب الخالي من الحياء.

* يعلم ما في الأرحام، وقاف أيضاً؟!:-

عبد الرحمن الشبريسي: روي أن أبا الفتح شمس الدين محمد المري السكندري المولود في إسكندرية سنة (818 هـ)، لما حملت به والدته، دخل والده الشيخ بدر الدين العوفي على الشيخ الإمام العارف بالله الشيخ عبد الرحمن الشبريسي، وسأله لها الدعاء، فقال له: إن زوجتك آمنة معها ولدان، أحدهما يموت بعد سبعة أيام، والآخر يعيش زمناً طويلاً، وسمِّه أبا الفتح، وسيكون له فتح من الله تعالى، وتوكل على الله، يعيش سعيداً ويموت شهيداً، ويخرح من الدنيا كيوم ولدته أمه، يضع قدمه على جبل قاف، يسوح زمانه، وينال من الله أماناً([176])...

- نسأل: ما معنى قوله سبحانه في آخر سورة لقمان: ((وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ)) [لقمان:34]، ونعود للسؤال: أين جبل قاف المحيط بالأرض هذا؟! لكن لا اعتراض على الكشف!

* ومثل شيخه، يجر السفينة بخصيتيه وينزل الغيث:-

عُبيد أحد أصحاب الشيخ حسين أبي علي، كان له خوارق مدهشة، ومن كراماته:

أنه كان يأمر السحاب أن يمطر فيمطر لوقته، وكل من تعرض له بسوء قتله بالحال في الحال؛ دخل مرة الجعفرية، فتبعه نحو خمسين طفلاً يضحكون عليه، فقال: يا عزرائيل إن لم تقبض أرواحهم لأعزلنك من ديوان الملائكة، فأصبحوا موتى أجمعين! وقال له بعض القضاة: اسكت، فقال له: اسكت أنت، فخرس وعمي وصم؛ وسافرَ في سفينة فوحلت ولم يمكن تعويمها، فقال: اربطوها بخيط في بيضي، ففعلوا، فجرها حتى خلَّصها من الوحل([177])...

* التعليق: لا يحتاج هذا الكفر والهذيان للتعليق (ولا للتقريق)، ولكن هذا التلازم بين الصوفية وكشف العورة مثير للانتباه.

* الطريق إلى الوثنية:-

(أبو الحسن علي بن عمر بن الحسين بن عيسى بن أبي النهى) كان فقيهاً صالحاً...وكان غالب أكله من الأشجار...وظهرت له كرامات كثيرة...وتُربته من التُّرَب المشهورة بالبركة واستجابة الدعاء، وقال: ومن أعجب بركتها ما أخبرني به الثقات، أنه كان على قبره شجرة سدر، يأخذ أصحاب الحُمِّيَّات من ورقها، يطلون به رءوسهم فيبرءون من الحمى، واستفاض ذلك حتى كان يؤتى لها من الأماكن البعيدة، قال: وكان من عادة أهل إب في غالب الأعياد أن يحصل بينهم وبين أهل باديتهم حروب كثيرة، فحصل بينهم في بعض الأعياد حرب انتصر فيه أهل البادية على أهل المدينة حتى أدخلوهم البيوت، فقال بعضهم: اقصدوا بنا هذه الشجرة التي يعبدونها فلنعقرها عليهم؛ فنهاهم بعض عقلائهم، فلم يقبلوا، وأسرع إليها بعض الجهال، وقطعها حتى أوقعها على الأرض؟ فأنف أهل المدينة من ذلك، وخرجوا نحوهم، فهزموهم هزيمة شديدة، وقتلوا منهم طائفة، وكان أول قتيل الذي قطع الشجرة. وكرامات الفقيه من هذا القبيل كثيرة([178])...

- السؤال: إن لم يكن هذا شركاً فما هو الشرك؟ وإن لم يكن وثنية فما هي الوثنية؟ وإن لم يكن ضلالاً فما هو الضلال؟ لكن هذا وأمثاله يفسر لنا الجهل والذل والتخبط الذي ابتليت به الأمة الإسلامية.

* يتصرف في الكون! لعله مساعَدة لله (سبحانه):-

(الشيخ جلال الدين التبريزي) كان من كبار الأولياء وأفراد الرجال...يذكر ابن بطوطة قصصاً من كرامات الشيخ التي رآها حين لاقاه...حتى يقول: ولما كان يوم دخولي إلى الشيخ، رأيت عليه فرجية مرعز، فأعجبتني، وقلت في نفسي: ليت الشيخ أعطانيها؛ فلما دخلت عليه للوداع، قام إلى جانب الغار، وجرد الفرجية، وألبسنيها مع طاقية من رأسه، ولبس مرقعة، فأخبرني الفقراء أن الشيخ لم تكن عادته أن يلبس تلك الفرجية، وإنما لبسها عند قدومي، وأنه قال لهم: هذه الفرجية يطلبها المغربي، ويأخذها منه سلطان كافر ويُعطيها لأخينا برهان الدين الصاغرجي...(ويذكر ابن بطوطة سفره بعد ذلك، وكيف أخذ الفرجية منه سلطان الصين، ثم ذهابه عند الشيخ الصاغرجي حتى يقول): فقصدت زاوية الشيخ برهان الصاغرجي، فوجدته يقرأ والفرجية عليه بعينها...فقال لي: هذه الفرجية صنعها أخي جلال الدين برسمي، وكتب إلي أن الفرجية تصلك على يد فلان...وعجبت من صدق يقين الشيخ، وأعلمته بأول الحكاية؛ فقال لي: أخي جلال الدين أكبر من ذلك كله، هو يتصرف في الكون([179])!!

* تعليق: كشفهم أضل منهم وأجهل! فقد جهل أن الحبكة في هذه القصة من ترتيب شياطين الجن.

* موكل بأهل البرزخ (بالوكالة عن الله تعالى)؟:-

(زين العابدين بن عبد الرءوف المناوي! ابن شارح الجامع الصغير؛ من أكابر الأولياء وأعيان الأصفياء...حدث الحمصاني، وهو أحد المشايخ العارفين، قال: رأيت طعيمة الصعيدي المصري، وهو من أكابر الأولياء في علم الأرواح، وأمامه إنسان كالنور، أو نور كالإنسان، قلت: ما هذا؟ قال: زين العابدين المناوي، قد وكل بأهل البرزخ([180]).

ملحوظة: أرجو من القارئ الكريم أن يقارن بين هذا الكلام وبين ما يشبهه في الوثنية اليونانية.

* هل يجيز الإسلام نصب الخيمة على القبر وتعليق القناديل؟:-

ومن كراماته (أي: زين العابدين المناوي)، أنه كان على قبره خيمة، فسقط عليها حائط بجانبها، فتقطعت الخيمة قطعاً قطعاً، وكان قد علق فيها ثريا من القناديل، فوجدت تحت الخيمة لم تنكسر، وهذا بالمشاهدة([181]).

- الجواب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج}.

وهكذا نرى أن كرامات الصوفية ما هي إلا شيطانيات تنحرف بالإسلام لتغرقه في أعمق أعماق الوثنية والجهل، وعدم كسر القناديل برهان ملموس على شيطانية الحادثة.

* النهي عن المنكر جريمة! وسلام على الإسلام:-

(ريحان بن عبد الله العدني)([182])...قال المناوي: من كراماته ما حكاه اليافعي عن بعض الثقات، أن بعض أهل عدن رآه يفعل بعض المنكرات، فأنكر عليه وقال: هذا الذي يدَّعي الصلاح يقدم على هذا! فاحترق بيته بالنار تلك الليلة([183])!!

سؤال: ما معنى قوله سبحانه: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) [آل عمران:110]؟

* ومن الولاية القمل:-

...وحُكي عن إبراهيم بن أدهم رضي الله تعالى عنه أنه قال: ما سُررتُ في إسلامي إلا ثلاث مرات: ...والثالثة: كنت بالشام، وعليَّ فرو، فنظرت فيه، فلم أميز بين شعره وبين القمل لكثرته، فسرني ذلك([184])! (دستور من خاطره).

* والبول يطهر الأولياء:-

وفي حكاية أخرى عنه أيضاً قال: ما سُررت بشيء كسروري يوماً كنت جالساً، فجاء إنسان وبال عليَّ([185])! (أما الآن فدساتير كثيرة، دستور دستور...).

* ولهم في المزابل مراتع إليها يحنون:-

يقول عبد الله اليافعي (الغوث) من قصيدة:

أحن ارتياحاً للمزابل لا إلى           قصور وفرش بالطراز توشح([186])

- أما أنه لا يحن إلى القصور والفرش، فلا غبار عليه، وأما أن يحن إلى المزابل (فهذا عليه غبار وعليه زبالة أيضاً)!

* افتروا على الله سبحانه فجعلوه يفضل الأبيض على الأسود (من مقام التوبة):

...وكذلك القضية المشهورة للأستاذ سيد الطائفة الجنيد رضي الله تعالى عنه في توبته عن المريد الذي اسود جسمه بمجرد نظر وحديث نفس صدر منه في الصلاة، فابيض جسمه لما تاب عنه، وكان المريد في بلاد بعيدة، فلما قدم على الجنيد قال له: لولا أني تبت عنك لبقيت بذلك السواد إلى أن تلقى الله([187]).

- سؤال: ما معنى قوله سبحانه: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) [النجم:39]، وقول الرسول مخاطباً أهله: {.. فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً}؟ ثم من جهة ثانية، نرى من الواضح أن دور شياطين الجن في هذه اللعبة واضح.

* الصوفي، يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء وعنده أم الكتاب:-

...وقد قال بعضهم: لا يكون الشيخ شيخاً حتى يمحو خطيئة تلميذه من اللوح المحفوظ! وقال آخر منهم منكراً لهذا القول المذكور: لو كان شيخاً ما غفل عن تلميذه حتى وقع في الخطيئة([188])!!

الجواب: ((كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)) [الكهف:5]. وعلى كل حال، يجب أن نعرف أنهم يعتقدون لمثل هذه الاعتقادات بناءً على رؤى يرونها فعلاً؟ وما هي إلا ألاعيب شياطين الجن يضلونهم بها، والكشف.

* يستحيي من الله أن يدخل المسجد (من مقام الحياء):-

ومن حكايات أهل الحياء ما حكي أنه رؤي رجل خارج المسجد، فقيل له: لم لا تدخل المسجد فتصلي؟ فقال: أستحيي منه أن أدخل بيته وقد عصيته([189])!!

- الجواب: أخلاق تدمر الدين والأخلاق! وهذا يفسر سبباً من أسباب جهل المسلمين بدينهم ودنياهم. ومع ذلك فلن تعدم من يقول لك: هذا للخواص لا للعوام!! فنجيبه: يا سلام.

* سلِّم تسلم، فللشيوخ التصرف التام:-

...ورووا عن بعض الأولياء الكبار أنه طلب منه بعض الناس أن يدعو له الله تعالى أن يرزقه ولداً ذكراً، فقال له: إن أحببت ذلك فسلم للفقراء مائة دينار، فسلم إليه ذلك، ثم جاء بعد ذلك بمدة، وقال له: يا سيدي، وعدتني بولد ذكر وما وضعت امرأتي إلا أنثى؛ فقال له الشيخ: الدنانير التي سلمتها ناقصة؛ قال: يا سيدي، ما هي ناقصة إلا شيئاً يسيراً، فقال له الشيخ، ونحن أيضاً ما نقصناك إلا شيئاً يسيراً، فإن أحببت أن نوفي لك فأَوْفِ لنا!! فقال: نعم يا سيدي، ثم ذهب وعاد إليه بتوفية ذلك النقصان، فقال له الشيخ: اذهب فقد أوفينا لك كما أوفيت لنا؟ فرجع إلى منزله، فوجد الولد غلاماً بقدرة الله تعالى وإكرامه لأوليائه عز وجل([190])!!

* تنبيه: هذه القصة الكافرة، يرويها غوث من أغواثهم وحبر من أحبارهم، في كتاب هو مرجع من مراجعهم!!

* ما هو ذنب الصبي الصغير:-

وروي مسنداً في كتاب مناقب الإمام شيخ الإسلام...الشيخ عبد القادر (الجيلاني)...فأتاه بعد ذلك جمع من الرافضة بقفتين مخيطتين وقالوا له: قل لنا ما في هاتين القفتين؟ فنزل من الكرسي الذي يتكلم عليه، ووضع يده على إحداهما، وقال: في هذه صبي مقعد، وأمر بفتحها، ففتحت، فإذا فيها صبي مقعد، فأمسك بيده، وقال له: قم، فقام يعدو بإذن الله تعالى، ووضع يده على الأخرى، وقال: وفي هذه صبي لا عاهة به، وأمر بفتحها، وإذا فيها صبي، فقام يمشي، فأمسك بناصيته، وقال له: اقعد، فأقعد([191])...

وإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد أتى على المسلمين مئات السنين، وهؤلاء القوم ومريدوهم وأشياعهم هم مُثُلهم العليا وموجهوهم في الدين والدنيا، حتى وصل المسلمون إلى ما هم عليه من الجهل والفساد.

* أمر الشمس بالوقوف فوقفت:-

ومن جملة المستفيضات ما اشتهر في بلاد اليمن بين الفقهاء وغيرهم، وربما تواتر عن الفقيه إسماعيل الحضرمي...رضي الله تعالى عنه، أنه قال يوماً لخادمه وهو في سفر يقول للشمس تقف حتى يصل إلى منزله، وكان في مكان بعيد، وقد قرب غروبها، فقال لها الخادم: قال لك الفقيه إسماعيل (قفي له)، فوقفت حتى بلغ مكانه، ثم قال للخادم: ما تطلق ذلك المحبوس؟ فأمرها الخادم بالغروب، فغربت وأظلم الليل في الحال([192]).

ولا تعليق، ولا سؤال، ولا جواب، ولا ملحوظة، ولكن نقول فقط: إن كشفهم خانهم! إذ لتأخير غياب الشمس يجب أن يأمر الأرض أن تقف، فدوران الأرض هو الذي يسبب الليل والنهار، ووقوف الشمس لا يؤخرشيئاً ولا يقدم في غروبها.

* الولاية تنسخ القرآن والحديث والإسلام:-

قال الفقيه إسماعيل الحضرمي رضي الله تعالى عنه: قيل لي: يا فقيه إسماعيل: إنا مشتاقون إليك، فهل أنت مشتاق إلينا؟ أو قال: فما هذا التخلف؟ فقلت: يا رب عوقتني الذنوب. فقال: قد غفرنا لك ولأهل تهامة من أجلك([193])!!

- السؤال: هل نُسخت الآية: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) [النجم:39]؟ وغيرها من الآيات والأحاديث المعروفة؟! لكن أيها القارئ الكريم، لو عرضت هذا الكلام على صوفي جليل، لقال لك: هذا الكلام له تأويل، فنجيبه: التأويل تضليل، ومكر، وأحابيل.

* ثم قاف (يا ناس)!:-

قال الشيخ أبو العباس أحمد بن أبي الخير اليمني المشهور بالصياد رضي الله تعالى عنه: خطر بقلبي الاعتزال عن الخلق والسكنى بجبل قاف، فسمعت قائلاً يقول: يا صياد! أنت لنا أو لنفسك؟ فقلت: بل لكم، فقال: إن كنت لنا فقف هاهنا، ولك أجر رجلين من أهل جبل قاف([194]).

- يا ناس، دلونا على من يدلنا على هذا القاف، ولكم أجر كل أهل جبل قاف.

* نصير الدين الطوسي (رضي الله عنه!!):-

يقول عبد الله اليافعي (قطب الغوث)، والغوث كما تعلمون يتصرف في الكون، ويعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى! وطبعاً يعلم ذلك بالكشف! يقول: وقال الإمام نصير الدين الطوسي رضي الله تعالى عنه في كتابه في (قواعد العقائد): والفعل الخارق الذي يظهر على أحد من غير تحد يسمى الكرامة([195])...إلخ.

- وللعلم، نصير الدين الطوسي هذا، هو وزير هولاكو، شاركه في قتل ثلاثة ملايين مسلم ومسلمة، وهو شيعي، فهل الكشف خان الغوث؟ أم أن دمار الإسلام هو رسالة التصوف؟

* يعرف الجنة قصراً قصراً، ورأى الشمس في العجلة يجرها ملكان!:-

 (أبو العباس أحمد بن أبي الخير الصياد)...وقال في وقت: والله إني لأعرف الجنة قصراً قصراً، وأعرف النار حانوتاً حانوتاً، وأعرف أصحابها في الدنيا واحداً واحداً. وقال أيضاً: كشف لي عن الشمس، فرأيت ملكين عظيمين يجرانها على العجلة في الفلك، من المشرق إلى المغرب، ومن المغرب إلى المشرق، قال الراوي: فقلت له: صف لي الملكين. فقال: ملكان عظيمان لهما كذا وكذا من مخلب، لو نظر إليهما أهل الأرض لماتوا...([196]).

- لم يسعفه كشفه وهو قطب، وكذلك الذي نقل هذه الكرامه، وهو غوث أيضاً، وهو عبد الله اليافعي، الذي لم يسعفه كشفه ولا غوثيته ليعرف أن الشمس تسير، لكن ليس من الشرق إلى الغرب، ولا من الغرب إلى الشرق، وأن الأرض هي التي تدور حول نفسها من الغرب إلى الشرق، وكذلك كذب عليهما شيطانهما عندما قال لهما: إن الشمس محمولة على عجلة، وفي فصل لاحق سنرى مثل هذا الكشف عند حشاش فطر المكسيك، وأما معرفة الجنة قصراً قصراً والنار حانوتاً حانوتاً، ومعرفة أصحابها، فنترك مناقشتها لغير الضالين المضلين، ((وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ)) [الأحقاف:9].

* العري أيضاً، ولكن مواساة للفقراء:-

وحكي أنه دخل بعضهم على بشر بن الحارث رضي الله تعالى عنه في يوم شديد البرد، وقد تعرى من الثياب، وهو ينتفض، قال: فقلت له: يا أبا نصر، الناس يزيدون في مثل هذا اليوم من الثياب، وأنت قد نقصت؟ فقال: ذكرت الفقراء وما هم فيه ولم يكن لي ما أواسيهم به، فأردت أن أواسيهم بنفسي([197])!!

* الملحوظات:

1- ماذا يستفيد الفقراء إن تعرى وانتفض من البرد؟ وإن مرض؟ وإن مات؟

2- هل يؤجر على هذا العمل أم يأثم؟ وهل العري فضيلة؟ عجيب!

3- إن كان يريد حقاً مواساة الفقراء، فلم لم يفتش على عمل ثم يدفع أجرته لهم؟

* أعذار أقبح من ذنوب (من مقام الإخلاص والورع):-

...ولا يزالون يتعاطون ما يؤدي إلى إساءة الظن بهم وسقوطهم من قلوب الخلق ورميهم لهم بالعظائم، لا يحتفلون بمدح الخلق ولا بذمهم استجلاباً لكمال الإخلاص، واستبراءً للنفس من شوائب الشرك الخفي الذي لا يسلم منه إلا الخواص، لا يبالي أحدهم بكونه بين الخلق زنديقاً إذا كان عند الله صديقاً؛ فبعضهم يوهم الناس أنه لا يصلي ولا يصوم وهو يصلي ويصوم في الباطن فيما بينه وبين الله تعالى، وقد شوهد منهم كثير يصلون في الخلوات ولا يصلون بين الناس! وبعضهم إذا نام عند الناس يوهمهم أنه نائم، ويخرج إلى بعض المزابل يوهمهم أنه يبول، وليس به بول ولا نوم، بل يصلي الصبح بوضوء العشاء! وبعضهم يصلي بين الناس، ولكن لا يُرى في الصلاة، بل يحتجب عن الناس بحاله، إخفاء للمحاسن كما تقدم! وبعضهم يكشف عورته بين الناس! وبعضهم يشتم الناس بالألفاظ القبيحة! وبعضهم يجعل قصبته بين رجليه ويعدو عليها كأنها فرسه! وبعضهم يشتمل ببعض الحرف الدنيئة! وبعضهم جاء بعض الملوك يزوره في عسكره، فاستدعى بطعام وجعل يأكل أكلاً بشيعاً شنيعاً، فانصرف عنه الملك لما رأى ذلك! وبعضهم يأخذ شيئاً للناس حتى ينسبوه إلى اللصوصية ويزول عنه شهرة الصلاح([198])!! اهـ.

- هذا الكلام يذكره قطب غوث، وما أدراك ما قطب الغوث! فنسأله: لا يصوم، أي: يأكل أمام الناس (وطبعاً هذا في رمضان)، فكيف يأكل أمام الناس، بينما هو يصوم في الباطن؟؟ هذا كلام لا يصدر إلا عن مجنون أو زنديق. ثم الذين يصلون في الخلوات ولا يصلون أمام الناس، فهل نسخت ولايتهم فرض صلاة الجماعة؟! وهل التظاهر بالزندقة يجوز في الإسلام أم هو زندقة بحد ذاته؟! والعري العري ثم العري، لعله من مستلزمات التصوف؟! على كل حال، هذا هو كمال الإخلاص الذي يدعون إليه، وهذا هو استبراء النفس من شوائب الشرك الخفي، وهذا ما يعلمونه للناس، وهذا هوسبب فساد الأمة وسبب انهيارها، وسبب الجهل والذل اللذين يخيمان عليها.

* رآه وهو في ظهر أبيه:-

...وروينا عنه (الشيخ أبي عبد الله القرشي) قال: سألني الشيخ أبو الربيع عن بعض ما كنت أرى؟ فأخفيت عنه شيئاً. فقال: أعلي تتستر؟ والله لقد رأيتك في ظهر أبيك قبل ظهورك([199])...اهـ.

- وطبعاً خانه الكشف، فقد كان موزعاً بين أبيه وأمه، حيث نتج من حيوان منوي من هذا، ومن بويضة من هذه، وهكذا نرى أن كشفهم لا يظهر منه إلا الجهل.

* كشف، ودعوة إلى الجهل:

يقول أحمد الفاروقي السرهندي، مجدد الألف الثاني:

...ومن علومهم (أي: الفلاسفة) علم الهندسة، وهو لا يغني شيئاً...وعلم الطب وعلم النجوم وعلم تهذيب الأخلاق...وهؤلاء الأشقياء أخرجوا رقابهم عن ربقة التقليد، وصاروا في صدد الإثبات بالدلائل، فضلوا وأضلوا. ولما وصلت دعوة عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى أفلاطون، وكان هو أكبر هؤلاء الخذلة، قال: نحن قوم مهديون لا حاجة بنا إلى من يهدينا، ما أسفهه وما أشقاه، حيث أدرك شخصاً يحيي الأموات ويبرئ الأكمه والأبرص([200])...

- أترك التعليق للقارئ، ولكني أنبه إلى أن أفلاطون مات قبل ميلاد عيسى بـ(347 سنة)، فأين الكشف؟ مع العلم أن السرهندي يعترف أن الكشف قد يخطئ.

* صورة من مقام التواضع.. ثم من مقام الخوف:-

كان الشيخ الفقيه عبد الرحمن بن سعيد من الفقهاء والعلماء العاملين، بينما هو يمشي في يوم شاتٍ كثير الطين، فاستقبله كلب يمشي على الطريق التي كان عليها، قال من رآه: رأيت الشيخ قد لصق بالحائط، وعمل للكلب طريقاً، ووقف ينتظره ليجوز، فلما قرب منه الكلب، ترك مكانه الذي كان فيه ونزل أسفل، وترك الكلب يمشي فوقه! قال: فلما جاوزه الكلب وصلت إليه فوجدته وعليه كآبة! فقلت له: يا سيدي رأيتك الآن صنعت شيئاً استغربته! كيف رميت بنفسك في الطين وتركت الكلب يمشي في الموضع النقي؛ فقال لي: بعد أن عملتُ له طريقاً، تفكرت وقلت: ترفعت على الكلب وجعلت نفسي أرفع منه، بل هو والله أرفع مني وأولى بالكرامة، لأني عصيت الله وأنا كثير الذنوب...وأنا الآن أخاف من الله ألا يعفو عني لأني رفعت نفسي على من هو خير مني([201])...

* نسخ لآية قرآنية:

...وقيل للواسطي([202]): لم لا تسأل الله شيئاً؟ فقال: أخشى أن يقال: إن سألتنا الذي لك عندنا فقد اتهمتنا، وإن سألتنا ما ليس لك عندنا فقد أسأت الأدب معنا، وإن سلمت الأمر لنا ونظرت بنظرنا أجرينا لك الأمور على مقتضى الموافقة([203]).

السؤال: ما معنى قوله سبحانه: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60]؟ وهل نسختها ولايتهم؟

- وما معنى قوله سبحانه: ((فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)) [غافر:14]؟

- وماذا بقي للقرآن من قيمة ما دام هوس هؤلاء المهووسين، يتحكم بآيات الله فيقررها أو ينسخها؟! لكنه العلم اللدني فلا تعترض. ولننتبه إلى الآية التي تقرر أن الذين يكرهون الدعاء هم الكافرون.

* علم لدني:-

يقول عبد العزيز الدباغ الغوث، إجابة على سؤال:

...الجواب والله الموفق للصواب بمنه، أن الثلج ماء عقدته الرياح، وأصله -غالباً- من ماء البحر المحيط، وماء البحر المحيط مخصوص بثلاث خصال لا توجد في غيره: البرودة إلى النهاية، لمجاورته للرياح وبعده من حر الشمس، ولذلك ينعقد بأدنى سبب، والصفاء إلى النهاية، لأنه ماء باقٍ على أصل خلقه، لم يمتزج بشيء من جواهر الأرض، فإنه بحر محمول على القدرة الأزلية، وليس هو على الأرض ولا على شيء، والبعد إلى النهاية، فإن المسافة التي بيننا وبينه في غاية البعد([204])...

- نترك التعليق لغير أهل الطريق، مع ملحوظة أن كشفه منبثق من معلوماته المستقاة من محيطه.

* علم لدني آخر:-

ويجيب عبد العزيز الدباغ، الغوث، على سؤال عن سبب الخسف فيقول:

...إن الأرض محمولة على الماء، والماء محمول على الريح، والريح تخرج من حيز عظيم بين السماء وطرف الماء، أعني ماء البحر المحيط، وذلك أنا لو قدرنا رجلاً يمشي ولا ينقطع مشيه، فإنه يبلغ لمنقطع الأرض، ثم يرى البحر المحيط، فإذا فرضناه يمشي عليه ولا ينقطع مشيه، فإنه لا يزال يمشي فوق الماء إلى أن ينقطع، وعندئذ لا يبقى بينه وبين السماء إلا الجو الذي تخرج منه الريح، فيرى رياحاً لا تكيف ولا تطاق، وهي بإذن الله الحاملة للماء والأرض، والماسكة للسماء، ثم هي خدامة دائماً لا تسكن لحظة، ومرتفعة نحو السماء، فإذا أراد الله تعالى أن ينزل المطر على قوم أمر شيئاً من تلك الرياح فانعكس إلى جهة الأرض، وعبر على متن البحر المحيط أو غيره، فيحمل ما أراد الله تعالى من الماء إلى الموضع الذي يريده عز وجل، وكم مرة أنظر إلى طرف الماء المُوالي للجو الذي فيه الرياح، فأرى فيه جبالاً من الثلج لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز وجل، فإذا رجعت من الغد، وجدت تلك الجبال نُقلت إلى طرف الماء الموالي لجبل قاف، وإذا الرياح المنعكسة هي التي حملتها والله تعالى أعلم. وإذا أراد الله أن يخسف بقوم، دخلت الرياح في منافس وتقويرات في الأرض، بينها وبين الماء، فإذا دخلت الريح فيها، وقع في الأرض انحلال ينشأ عنه الخسف، وفي آخر الزمان تكثر المنافس في الأرض، ويكثر انعكاس الرياح إلى جهة الأرض، فتكثر الخسوفات، حتى يختل نظام الأرض، وكل ذلك بفعل الله تعالى وإرادته والله أعلم([205])...

- أرجو من القارئ الكريم أن يعرف أن قائل هذه الهذيانات الخرافية هو قطب الواصلين الولي الكامل الغوث الحافل، الصوفي الباهر، نجم العرفان الزاهر، صاحب الإشارات العلية، والعبارات السنية، والحقائق القدسية، والأنوار المحمدية، والأسرار الربانية، والهمم العرشية، مُنشئ معالم الطريقة...ومبدي علوم الحقائق([206])...

كما أرجو من القارئ أن يعرف أن الذي سجل هذه المعارف (أو المخارف) التي جرت على لسان نجم العرفان هذا، هو نجم عرفان آخر، وهو الحافظ سيدي أحمد بن المبارك، جمعها في كتابه الشهير (الإبريز)، ومما وُصف به هذا الإبريز قول أحدهم:

دع ما يريبك إن ظفرتَ بمنهل                صاف وهذا منهل الأبرار

لله ما يحويه ذا الإبريز يا            لَلَّه ما يحوي من الأسرار

جمعَ المحاسن فهو جنات أتت             من كل صنف يانع الأزهار([207])

ومن جملة ما يقول نجم العرفان الحافظ أحمد بن المبارك عن نجم العرفان سيدي عبد العزيز الدباغ: ...ولو سألته رضي الله عنه ورحمه عن هذه الأسئلة (أسئلة ذكرها عن غيبيات) لخرجت في أجوبتها علوم غيبية، فإنه رضي الله عنه لا يجيب إلا عن عيان...([208]).

- أي: إن تلك الهذيانات التي ذكرها. صادرة عن عيانٍ شاهده عبد العزيز الدباغ بنفسه، وهذا دليل واضح كامل على أن رؤاهم ومشاهداتهم ما هي إلا أوهام، كانوا يظنونها حقائق، وقد شغلت- كعلوم- حيزاً من قناعاتهم، فظهرت في رؤاهم الكشفية، ولنلاحظ قوله: إن الأرض محمولة على الماء...وإن هذا الماء بعيد إلى النهاية، الذي يُظهر مدى جهل الكشف وغبائه أيضاً! لأن الآية الكريمة تقول: ((وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا)) [النازعات:30، 31]، أي: إن ماء الأرض خرج من الأرض، فيكون محمولاً عليها وليس العكس، وكذلك قوله: لو قدرنا رجلاً يمشي...فإنه يبلغ لمنقطع الأرض، الذي يدل على أن كشفهم (وعرفانهم) لم يستطع أن يفهم معنى قوله سبحانه: ((وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا)) [الحجر:19]، أي: إن الرجل الماشي، سيبقى يسير، وستبقى الأرض، ومعها البحر ممدودة أمامه لا تنقطع، لأنها كروية، ولكن الكشف جهول؟ ولننتبه أيضاً إلى قوله: وكم مرة أنظرُ إلى طرف الماء الموالي للجو...، الذي يبين بوضوح كامل أن هذه الأمور شاهدها بنفسه (بالكشف طبعاً)، وهذا دليل واضح على أن الكشف هو انبثاقات للمعلومات المختزنة في عقل المكاشف، وبالتالي، يدل هذا أيضاً على أن الصوفية ليست ولاية (ولا يحزنون)، وإنما هي حالة نفسية تشبه ما يحدث لمتعاطي المخدرات شبهاً تاماً. كما يجب أن ننتبه إلى اعتقادهم بواقعية الكشف.

* كشف فلكي فيزيائي كيميائي:-

(ياقوتة): سألت شيخنا رضي الله عنه عن محل التغيير والاستحالة من العالم. فقال رضي الله عنه: محل ذلك ما دون فلك القمر!...فقلت له: فهل الاستحالة عامة في كل كثيف ولطيف فيما تحت فلك القمر؟ فقال رضي الله عنه: نعم. ألا ترى النار تستحيل هواء، والهواء يستحيل ماء، والماء يستحيل هواء، والهواء يستحيل ناراً، والنار تتصل بالهواء وآخرها يتصل بالنور، فأول طرف الهواء متصل بالماء وآخره متصل بالنار، وأول الماء متصل بالتراب وآخره متصل بالهواء، فمن جهة طرفه الأعلى يتصل بما فوقه، ومن طرفه الأدنى يتصل بما دونه ويستحيل؛ فقلت له: فما العلة في الاستحالة والتغيير؟

فقال: لتُجزى كل نفس بما كسبت وتعاقب بما جنت([209]).

* التعليق:

يقول: إن الاستحالة (أي: الحوادث الكيميائية والفيزيائية) لا تجري فوق فلك القمر! أي: لو كنا في المريخ مثلاً، فأي عملية كيميائية أو فيزيائية لا يمكن أن تجري هناك!! كما يقرر (بل يقرران) أن ما فوق فلك القمر لا يوجد فيه تراب، إن التراب هو الذي نراه تحتنا فقط!!

- هذا الكلام يعني أن العارف (بل العارفين) الكامل المحقق لم يستطع أن يعرف أن الاستحالة والتغيير تجري فوق فلك القمر وفي النجوم البعيدة، كما تجري على الأرض، كما أنه لم يعرف (أو لم يعرفا) أن الأرض ومعها قمرها تدور مع بقية الكواكب السيارة حول الشمس، ولم يعرف كذلك أن النجوم شبيهة بالشمس لها توابع أو رفاق، تدور حولها أو معها، وتسري عليها سنن الله التي تسري على الأرض، ولم يعرف أيضاً أن العلة في الاستحالة والتغيير ليست كما قال: ((وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)) [الجاثية:22]، وأنه لا علاقة بينهما ألبتة، وإنما هي سنن الله في خلقه، كانت كما أرادها أن تكون.

وكل هذا يعني أن الكشف لم يعطه أكثر من المعارف المختزنة في مخازن دماغه والتي استقاها من المعلومات التي كانوا يتوهمونها، والتي جاءت بدورها من مكاشفات أولياء سابقين تراكمت بعضها فوق بعض، وكان الأقطاب المدركون والكباريت الحمر، يضيف كل واحد منهم إلى الركام ما يتجسد له في كشفه، مما يتوهمه من نظريات خرافية. والجدير بالذكر أن مثل هذا تماماً يحدث مع الذين يتعاطون المخدرات التحشيشية، فهم يرون في كشوفهم المعلومات المختزنة في عقولهم، يضاف إليها أمانيهم وطموحاتهم. وهكذا كل كشوف العارفين، ما عدا الطلسميات والمعميات والغيبيات التي لا يمكن أن يوجد عليها أي دليل، والتي ليس لها أي قيمة في ميزان العلم والمعرفة الحقة. ولإتمام الفائدة، نفيد القارئ علماً أن السائل هو القطب الرباني والغوث الصمداني سيدي عبد الوهاب الشعراني، وأن المسئول هو الشيخ الكامل المحقق صاحب الكشوفات الربانية والمعارف اللدنية، سيدي علي الخواص...وكان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والإثبات([210])!!

- أقول: لو كان كلامهم هذا صحيحاً، ولو كانت كشوفاتهم ربانية محلها اللوح المحفوظ، لتنزهت عن الغلط- مجرد الغلط- فكيف بها وهي كلها- كما نرى- هذيان في هذيان، وجهل في جهل؛ وبالتالي، تكون فناءاتهم وإشراقات وحدة الوجود فيها هذيانات من هذه الهذيانات.

* كشف من الغيبيات (للتسلية):-

يقول أحمد بن المبارك:

سمعت الشيخ (عبد العزيز الدباغ) رضي الله عنه يقول: في ذات كل ملك خمسة رءوس، لكل رأس يمينٌ وشمالٌ وفوقٌ سبعة، فله فوق تسعةُ أفواه، مجموع ذلك ثلاثة وستون فماً في كل رأس، فإذا ضربت عدد الرءوس الخمسة في عدد الأفواه السابقة، كان الخارج ثلاثمائة فم وخمسة عشر فماً، والفم يكون فيه ثلاثة ألسن، وقد يكون فيه خمسة ألسن، وقد يكون فيه سبعة ألسن؟ فإذا كان فيه ثلاثة، فالخارج من ضربها في عدد الأفواه تسعمائة وخمسة وأربعون لساناً، وإن كان فيه خمسة كان الخارج ألف لسان وخمسمائة لسان وخمسة وسبعون لساناً، وإن كانت سبعة كان الخارج ألفي لسان ومائتي لسان وخمسة ألسن؛ وإذا تكلم الملَك بكلمة خرج صوته بها من هذه الألسن كلها، فسبحان الملِك. الخلاق العظيم([211])...اهـ.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهكذا نرى أن كشوفهم ما هي إلا هذيانات وهلوسات وصور لما كانوا يعتقدونه عن الكون، وكلها خرافية، بالإضافة إلى الألاعيب الشيطانية.

* ثم قاف أيضاً:-

...سمعنا الشيخ أبا أحمد البطايحي رضي الله عنه غير مرة يقول: دخلت على شيخنا الشيخ عبد القادر رضي الله عنه ببيته يوماً، فوجدت عنده أربعة ما رأيتهم قبل! فوقفت مكاني، فلما قاموا من عنده قال لي الشيخ: الحقهم واسألهم أن يدعوا لك، فلحقتهم في صحن المدرسة قبل أن يخرجوا، وسألتهم الدعاء، فقال لي أحدهم: لك البشرى، أنت خادم رجل يحرس الله تعالى الأرض ببركته، سهلها وجبلها، برها وبحرها، وبدعوته تُرحم الخليقةُ برها وفاجرها، ونحن وسائر الأولياء في حضرة أنفاسه وتحت قدميه وفي دائرة أمره؟ ثم خرجوا من المدرسة فلم أرهم؛ فرجعت إلى الشيخ متعجباً، فقال لي قبل أن أخبره بشيء: يا عبد الله! لا تُعلِمْ أحداً بما قالوا لك يا أخي. قلت: يا سيدي مَن هؤلاء؟ قال: رؤساء رجال جبل قاف، وهم الآن في مواضعهم بجبل قاف([212])...

- السؤال: أين هذا القاف؟! أفيدونا يا رجال الغيب، ويا رجال الشهادة، ولكنهم كانوا يرون هذا فعلاً بالكشف! فما هو هذا الكشف؟!

* ماذا بقي للألوهية:-

يقول عبد القادر الجيلاني:

أنا من وراء أمور الخلق، أنا من وراء عقولهم، كل رجال الحق إذا وصلوا إلى القَدَر أمسكوا إلا أنا، وصلت إليه وفتح لي منه روزنة، فأولجت فيها، ونازعت أقدار الحق بالحق للحق، فالرجل هو المنازع للقدر لا الموافق له([213]).

ويقول: طوبى لمن رآني، أو رأى من رآني، أو رأى من رأى من رآني، وأنا حسرة على من لم يرني([214]).

الجواب هو قوله سبحانه: ((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) [النجم:32]. وقوله: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:49، 50]، وقوله مخاطباً رسوله: ((وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ)) [الأحقاف:9]، وقوله: ((قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)) [الجن:21، 22]، وغيرها الكثير، فهل نؤمن بالقرآن أم بالجيلاني؟؟

* لا يلبس القميص تقرباً إلى الله تعالى (لعله من مقام المحاسبة):-

...وكان لأبي سعيد الخراز ابنٌ مات قبله، فرآه في المنام، فقال له: بُني أوصني.

فقال: لا تعامل الله على الجبن...فقال: زدني. فقال: لا تجعل بينك وبين الله قميصاً! قال: فما لبس القميص ثلاثين سنة([215])...

- فما شأن القميص؟! وهل يشكل القميص حاجزاً بين الإنسان وبين ربه؟!

* الكشف يجهل أن الإكسير خرافة:-

لما مات إسحاق بن أحمد، دخل سهل بن عبد الله صومعته، فوجد بها سفطاً فيه قارورتان في واحد منهما شيء أحمر، وفي الأخرى شيء أبيض، ووجد شوشقة ذهب وشوشقة فضة، قال: فرمى بالشوشقتين في الدجلة وخلط ما في القارورتين بالتراب، وكان على إسحاق دَيْن، قال ابن سالم: قلت لسهل: إيش كان في القارورتين؟ قال: إحداهما لو طرح منها وزن درهم على مثاقيل من النحاس صار ذهباً! والأخرى لو طرح منها مثقال على مثاقيل من الرصاص صار فضة! فقلت: وإيش عليه لو قُضي منه دينه؟

فقال: أي: دوست، خاف على إيمانه([216]).

- دوست: كلمة فارسية معناها صاحب. ولعل القارئ يعرف أن الشيء الأحمر والشيء الأبيض اللذين كانا في القارورتين هما ما يسمونه (الإكسير) وهو محض خرافة لا وجود له. ولكن كشفهم الذي يقولون عنه إنه عين اليقين وحق اليقين لم يسعفهم على معرفة اليقين، وظهر أكثر جهلاً منهم.

أما إنه أبقى الدِّين على نفسه لأنه إن قُضي دينه خاف على إيمانه!! فهذا منطق لا يفهمه إلا المكاشفون العارفون.

* الشريعة تابعة لحقيقتهم:-

...سمعت أبا بكر الدقاق يقول: كنت ماراً في تيه بني إسرائيل، فخطر ببالي أن علم الحقيقة مباين للشريعة، فهتف بي هاتف من تحت شجرة: كل حقيقة لا تتبعها الشريعة فهي كفر([217]).

- إذن! فالشريعة تابعة لحقيقتهم! وهذا مثل قول الغزالي الذي مر في مكان سابق، وهو يعني: إن العبارة إن لم تكن موهمةً أن وراءها نصاً شرعياً فهي كفر (أي: في نظر أهل الشريعة).

* صيامٌ نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

...سمعتُ الفتاحي صاحب سهل بن عبد الله يقول: كان سهل يصبر عن الطعام سبعين يوماً، وكان إذا أكل ضعف، وإذا جاع قوي. وكان أبو عبيد البسري إذا كان أول شهر رمضان يدخل بيتاً ويقول لامرأته: طيِّني عليَّ الباب وألقي إليَّ كل ليلة من الكوة رغيفاً، فإذا كان يوم العيد، فتح الباب، ودخلت امرأته البيت، فإذا بثلاثين رغيفاً في زاوية البيت، فلا أكل ولا شرب ولا نام ولا فاتته ركعة من الصلاة([218])..

* التعليق:

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصل في الصيام، وأمر بتعجيل الفطور، وأمر بالسحور، وأمر بتأخيره. وبذلك يكون هذا (الولي) موزوراً بعمله هذا لا مأجوراً، ولكن حقيقتهم تناقض الشريعة الإسلامية (على طول الخط)، وهذا عدا تركه صلاة الجمعة والجماعة.

* كذب على الله ورسوله:-

قال خير النساج: قص موسى بن عمران صلوات الله عليه على قوم قصة، فزعق واحد منهم، فانتهره موسى، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، بطيـبي فاحوا، وبحبي باحوا، وبوجدي صاحوا، فلِمَ تنكر على عبادي([219])؟

- الجواب: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)) [الأنعام:21].

والكذب على رسول الله موسى، كالكذب على رسول الله محمد صلى الله عليهما وسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم: {من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}.

* من خشوع الأولياء في الصلاة:-

...أحمد بن مقاتل العكي يقول: كنت مع الشبلي في مسجدٍ ليلة من شهر رمضان، وهو يصلي خلف إمام له وأنا بجنبه، فقرأ الإمام: ((وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)) [الإسراء:86]، فزعق زعقة قلت طارت روحه، وهو يرتعد ويقول: بمثل هذا يخاطب الأحباب! يردد ذلك كثيراً([220]).

- نقول (متناسين تزكية النفس): لعل من مقام الإحسان الزعق في الصلاة؟ فهذه علوم لدنية كشفية يجهلها المحجوبون. وهذا يكشف دور إبليس في التصوف.

* يستبدل القرآن بالغناء! ولا تعترض:-

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: خرجت إلى مرو في حياة شيخي الأستاذ أبو سهل الصعلوكي؛ وكان له قبل خروجي، أيام الجمعة بالغدوات، مجلس دور القرآن والختم؟ فوجدته عند رجوعي قد رفع ذلك المجلس، وعقد لأبي الغفاني في ذلك الوقت مجلس القول! فداخلني من ذلك شيء، فكنت أقول في نفسي: قد استبدل مجلس الختم بمجلس القول! فقال لي يوماً: يا أبا عبد الرحمن! إيش يقول الناس في؟ فقلت: يقولون: رفع مجلس القرآن ووضع مجلس القول! فقال: من قال لأستاذه (لِمَ) لم يفلح أبداً([221])...اهـ.

- فهم القارئ كاف، ولكن ينبغي أن نشير إلى أن هذه الضلالات والتفاهات تدرَّس في مساجد المسلمين، وعليها ينشأ كثير من أبناء المسلمين! ثم يتساءلون عن سبب فساد المسلمين!!

* الصوفي إله! يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء بيده الخير:-

...أن شقيقاً البلخي وأبا تراب النخشبي قدما على أبي يزيد (البسطامي)، فقدمت السفرة وشاب يخدم أبا يزيد؛ فقالا له: كل معنا يا فتى. فقال: أنا صائم. فقال أبو تراب: كل ولك أجر صوم شهر! فأبى. فقال له شقيق: كل ولك أجر صوم سنة!! فأبى. فقال أبو يزيد: دعوا من سقط من عين الله تعالى!! فأخذ ذلك الشاب في السرقة بعد سنة فقطعت يده([222]).

* التعليق: عندما يصل الضلال بأهله إلى هذا المستوى، فالسكوت خير من الكلام.

* يرفضون أن يكون آخر كلامهم (لا إله إلا الله):-

...عن أبي محمد الهروي أنه قال: مكثت عند الشبلي الليلة التي مات فيها، فكان يقول طول ليله هاذين البيتين:

كل بيت أنت ساكنه                غير محتاج إلى السرج

وجهك المأمول حجتنا              يوم يأتي الناس بالحجج([223])

وقيل للشبلي عند وفاته: قل: لا إله إلا الله، فقال:

قال سلطان حبه             أنا لا أقبل الرشا

فسلوه بحقه                 لِمَ بقتلي تحرشا؟([224])

وقال بعضهم: كنت عند ممشاد الدينوري عند وفاته، فقيل له: كيف تجد العلة؟ فقال: سلوا العلة عني كيف تجدني؟ فقيل: قل: لا إله إلا الله، فحول وجهه إلى الجدار، وقال: أفنيتُ كلي بكلك، هذا جزاء مَنْ يحبك([225])؟

وقيل لأبي محمد الدبيلي وقد حضرته الوفاة: قل: لا إله إلا الله، فقال: هذا شيء قد عرفناه وبه نفنى، ثم أنشأ يقول:

تسربل ثوب التيه لَمَّا هويته                  وصد ولم يرض بأن أك عبده([226])

...سمعت بعض الفقراء يقول: لما قربت وفاة أحمد بن نصر رحمه الله تعالى، قال واحد: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، فنظر إليه وقال: لا تترك الحرمة (بالفارسية: بي حرمتي مكن)([227]). وحُكي أنه قيل له (لأبي الحسين النوري): قل: لا إله إلا الله، فقال: أليس إليه أعود([228])؟

- وغيرهم وغيرهم، ولا تعليق، ولا سؤال، لكن هكذا تقتضي حكمة الإشراق.

* من أجل نملتين (من مقام التقوى):-

...ومِثْل أبي يزيد، اشترى بهمذان حب القرطم، ففضل منه شيء، فلما رجع إلى بسطام رأى فيه نملتين، فرجع إلى همذان فوضع النملتين([229])!!

* الأسئلة:

1- هل أعاد النملتين إلى نفس قريتهما([230])؟ طبعاً لا. وعندما تبتعدان عن قريتهما فلا فرق عندهما بين بسطام وبين همذان، ولكن كشفه لا يفهم ذلك؟

2- عندما ذهب إلى همذان ورجع، فكم نملة مرت تحت رجله فداسها وقتلها دون أن يشعر؟ كم نملة قتل في سبيل إعادة نملتين؟ فكيف قصر علمه اللدني عن علم هذا الأمر البدهي.

* من مقام الزهد:-

...سمعت الجنيد يقول: سمعت السري يقول: وإن نفسي تطالبني منذ ثلاثين سنة أو أربعين سنة أن أغمس جزرة في دبس فما أطعتها([231])!

- ليس لنا أمام هذا الزهد البارد إلا الدسترة: دستور دستور دستور.. ودساتير كثيرة.

* وأيضاً بلا عنوان:-

...سمعت أبا عبد الله الصوفي يقول: سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول: ربما كنت أقرأ في ابتداء أمري في ركعة واحدة عشرة آلاف مرة: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1]، وربما كنت أقرأ في ركعة واحدة القرآن كله، وربما كنت أصلي من الغداة إلى العصر ألف ركعة([232])!!

- ولا تعليق أيضاً، لكن أطلب من القارئ اللبيب أن يقوم بعملية حسابية بسيطة، ومع ذلك فلن نعدم من يقول لنا هذه الأمور من مقامات الخواص! فنجيبهم: وكذلك الرقص مع النقص والموسيقى والسماع.

* فقرة معترضة بلا مناقشة ولا ملحوظة ولا تنبيه:-

قال أحمد التجاني: لو بحت بما علمه الله لي لأجمع أهل العرفان على قتلي([233]).

* من أجل زبيبة (لعلها من مقام المراقبة أو المحاسبة):-

يقول أبو بكر الكلاباذي (تاج الإسلام):

...قال أبو عثمان: كنت عند أبي حفص، وبين يديه زبيب، فأخذت زبيبة ووضعتها في فمي، فأخذ بحلقي وقال: يا خائن، تأكل زبيبتي؟ فقلت: لثقتي بزهادتك في الدنيا وعلمي بإيثارك أخذت الزبيبة. فقال: يا جاهل، تثق بقلب لا يملكه صاحبه([234])؟!

- للعلم: هذه القصة المخجلة هي من باب: (توقي القوم ومجاهداتهم)، ومن ذلك:

كان أبو المغيث لا يستند ولا ينام على جنبه، وكان يقوم الليل، وإذا غلبته عينه قعد ووضع جبينه على ركبتيه فيغفو غفوة([235]).

- السؤال: وماذا لو نام، وهل في عدم اضطجاعه فضل؟ أي فضل؟ لقد نام خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء، وخير البشر من بعدهم صحابة رسول الله، والنوم على الجنب هو من الفطرة، والإسلام دين الفطرة، فمن أين هذا التوقي والمجاهدة؟؟ {من رغب عن سنتي فليسى مني}. وطبعاً هي حكمة الإشراق.

* ومن توقيهم البارد:-

قالوا: إن أبا عمرو الزجاجي أقام بمكة سنين كثيرة لم يحدث في الحرم، كان يخرج من الحرم للحدث، ثم يعود إليه وهو على الطهارة([236]).

- وماذا لو أحدث في الحرم؟ هل هو يفهم ما كان يجهله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟؟

* خرابات وقمامات ولا يكلم الناس:-

ويقول أيضاً (أبو بكر الكلاباذي):

...سمعت فارساً يقول: كان أبو عبد الله المعروف بشكثل لا يكلم الناس، وكان يأوي إلى الخرابات في سواد الكوفة، وكان لا يأكل إلا المباح والقمامات([237])...

* التعليق:

هل هذا من الإسلام في شيء؟؟ لكن ما علينا إلا العودة إلى الدسترة.. دستور! دستور! دستور! ويظهر أن هناك علاقة باطنية بين التصوف وبين القاذورات.

* ودستور آخر (لعله من مقام التقوى):-

...سمعت الحسين المغازلي يقول: رأيت عبد الله القشاع ليلةً قائماً على شط دجلة وهو يقول: يا سيدي أنا عطشان، يا سيدي أنا عطشان، حتى أصبح، فلما أصبح قال: يا ويلتي، تبيح لي شيئاً وتحول بيني وبينه، وتحظر علي شيئاً وتخلي بيني وبينه، فإيش أصنع؟ ورجع ولم يشرب منه([238]).

جوابنا: ألم يعلم هذا الجاهل أنه في عمله هذا إن لم يكن آثماً فهو على الأقل غير مأجور؟ أوَلا يعلم أيضاً، هو وطائفته، أن مثل هذا موجود في دين الهندوسية لا في دين الإسلام؟ ثم ماذا لو شرب؟ وما هي الحسنة في عدم شربه؟ لكن بمثل هذه التفاهات وصلت حالة المسلمين إلى ما نراه الآن.

* الصراخ والتعري من مستلزمات الصوفية:-

...ثم صرخ (عبد القادر الجيلاني) وقام إليه خلق كثير يتوبون صارخين باكين، إذ جاء عصفور فقعد على رأسه، فحنى رأسه له، ومكث كذلك وهو على رأسه والناس على درج الكرسي، والصراخ حوله وهو لا يبرح حتى مد يده بعض أصحابه نحوه، فطار، ثم دعا، وضج الناس بالبكاء والدعاء والتوبة، فنزل وخرج على حاله إلى جامع الرصافة، وتبعه خلق كثير بالبكاء والصراخ والوجد والتعري عن الثياب، ثم قال رضي الله عنه: هذا آخر الزمان([239])...

* الملحوظة: هكذا هي التربية الصوفية التي دمرت المجتمع الإسلامي: عري وصراخ وغوغائية...

* مشورة الكتاب والسنة غير ملزمة (لعلها للتسلية فقط):-

...فانظر إلى وزيريك، الكتاب والسنة، خذ مشورتهما، فإن أفتياك توقف، لا تستعجل، لا تُشِرْ، استفتِ نفسك وإن أفتاك المفتون، النفس إذا جاهدتها وخالفتها انسكبت مع القلب، صارا شيئاً واحداً([240])...

- للعلم: قائل هذا الكلام هو عبد القادر الجيلاني (وما أدراك...) وهو يقرر أن عليك ألا تلتزم بالقرآن والسنة، وإنما تستشيرهما فقط، ثم تعود إلى مشورة قلبك؟ وأرجو من القارئ أن يبحث عن حكم الإسلام في هذا.

وكان (عبد القادر الجيلاني) رضي الله عنه يقول: أيما امرئ مسلم عبر على باب مدرستي يخفف الله عنه العذاب يوم القيامة([241])!.. (يا سلام ويا بلاش).

* دعاء غير الله واستعانة بغيره:-

بسم الله الرحمن الرحيم

يا سلطان العارفين، يا تاج المحققين، يا ساقي الحميا، يا جميل المحيا، يا بركة الأنام، يا مصباح الظلام، يا شمس بلا أفل، يا در بلا مثل، يا بدر بلا كلف، يا بحر بلا طرف، يا باز الأشهب، يا فارج الكرب، يا غوث الأعظم، يا واسع اللطف والكرم، يا كنز الحقائق، يا معدن الدقائق، يا واسط السلك والسلوك، يا صابح الملك والملوك، يا شمس الشموس، يا زهرة النفوس، يا هادي النسيم، يا محيي الرميم، يا عالي الهمم، يا ناموس الأمم، يا حاجة العاشقين...يا خزانة الأسرار، يا سيدي جمال الله، يا نائب رسول الله...يا راحم الناس، يا مذهب الباس، يا مفتح الكنوز، يا معدن الرموز، يا كعبة الواصلين، يا وسيلة الطالبين...يا قوي الأركان، يا حبيب الرحمن...يا فاتح المغلقات.. يا حائط الأشياء.. يا منتهى الأمل حين يتقطع العمل....يا ضياء السماوات والأرضين...يا فرجاً في الشدائد...يا غافر الأوزار...يا ذا الأحوال العظيمة...يا كاشف الغمة...يا مقبول رب الجنات، يا جليس الرحمن...يا شاه يا سر إلهي...يا سيدي يا سندي يا مولاي يا قوتي يا غوثي يا غياثي يا عوني يا راحتي يا قاضي حاجتي يا فارج كربتي يا ضيائي يا رجائي يا شقائي...يا نور السرائر يا صاحب القدرة يا وهاب العظمة...يا شاهد الأكوان بنظرة، يا مبصر العرش بعلمه، يا بالغ الغرب والشرق بخطوة، يا قطب الملائكة والإنس والجن، يا قطب البر والبحر، يا قطب المشرق والمغرب، يا قطب السماوات والأرضين، يا قطب العرش والكرسي واللوح والقلم...يا من يبلغ لمريده عند الاستعانة ولو كان في المشرق...يا صاحب التصرف في الدنيا وفي قبره بإذن الله...يا غوث الأعظم، أغثني في كل أحوالي، وانصرني في كل آمالي([242])...

- للعلم: هذا الدعاء ليس موجهاً لله تعالى، وإنما هو موجه لعبد القادر الجيلاني!!

وهو ورد أساسي من أوراد الطريقة القادرية التي يتعبدون بها ويتقربون إلى الله؟!

- وجوابنا: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5].

* رجال الغيب كما ذكرها في (الغنية):-

اعلم أن رجال الغيب والأرواح المقدسة قدَّست أرواحهم، في اليوم السابع والرابع عشر والثاني والعشرين والتاسع والعشرين متوجهون إلى المشرق، واليوم السادس واليوم الحادي والعشرين والثامن والعشرين بين المشرق والشمال، واليوم الثالث والخامس عشر والثالث والعشرين والثلاثين منه متوجهون إلى طرف الشمال، واليوم الخامس والثالث عشر والتاسع والسابع والعشرين منه متوجهون إلى المغرب، واليوم الثاني والعاشر والسابع عشر والخامس والعشرين منه متوجهون بين المغرب والقبلة، واليوم الثامن والحادي عشر والثامن عشر، والسادس والعشرين والرابع والعشرين منه متوجهون بين المشرق والقبلة، فيا أخي إذا علمت جهات سيرهم وطريقتهم ينبغي أن تلتجئ إلى الله وإليهم بعد قراءة الأوراد، تقول: حصلوا مرادي ومقصدي. ويسمي لهم الطالب مقصودَه ومرادَه([243])...

- هذا العلم اللدني معرفته شرط من شروط المنتسب إلى الطريقة القادرية، بل وجميع الطرق دون استثناء.

ونسألهم ونسأل غيرهم: لو فتشنا ودرسنا الديانات الوثنية كلها، فهل نجد فيها شركاً أكثر من هذا؟ أو تفاهة (أنقى) من هذه التفاهة؟

* علم لدني آخر:-

...وأعلى الأمكنة، المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك، وهو فلك الشمس، وفيه مقام روحانية إدريس عليه السلام، وتحته سبعة أفلاك، وفوقه سبعة أفلاك وهو الخامس عشر، فالذي فوقه: فلك الأحمر (أي: المريخ)، وفلك المشتري، وفلك كيوان (زحل)، وفلك المنازل (منازل القمر)، والفلك الأطلس فلك البروج، وفلك الكرسي،. وفلك العرش، والذي دونه: فلك الزهرة، وفلك الكاتب، وفلك القمر،

وكرة الأثير، وكرة الهوى (الهواء)، وكرة الماء، وكرة التراب، فمن حيث هو قطب الأفلاك هو رفيع المكان([244])...

* التعليق: هذا العلم اللدني الناتج عن الكشف الذي هو حق اليقين، ظهر وإذا به انبثاق لمعلومات اقتنع بها المكاشف وكانت موجودة في عصره، مع غيرها طبعاً، وهذا العلم اللدني والكشف العظيم هو من كشوف الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر محيي الدين بن عربي. وكل كشوفهم وعلومهم اللدنية من هذا القبيل!!

* الكشف يقرر لاهوت عيسى:-

يقول ابن عربي في (مناجاة قاب قوسين):

...فسمعت كلاماً مني، لا داخلاً فيَّ ولا خارجاً عني، وهو يقول:

لله در عصابة سارت بهم           نجب الفناء بحضرة الرحمن

قرعوا سماء الروح لما آنسوا                 جسماً ترابياً بلا أركان

فبدا لهم لاهوت عيسى المجتبى            روحاً بلا نفس ولا جثمان([245])

- إذن، فعيسى عليه السلام إله، ولا تعترض فهو العلم اللدني. وهذا الكلام الذي لا داخلاً فيه ولا خارجاً عنه، عندما يسمعه الواصل وهو في حال استشعار الألوهية هو ما يسميه ابن عربي (الفهوانية).

* الكشف يقرر التثليث:-

ويقول ابن عربي أيضاً:

...فقام أصل التكوين على التثليث، أي: من الثلاثة...فهذا أيضاً قد ظهر حكم التثليث في إيجاد المعاني التي تقتنص بالأدلة؟ فأصل الكون التثليث، ولهذا كانت حكمة صالح عليه السلام التي أظهر الله في تأخير أخذ قومه ثلاثة أيام وعداً غير مكذوب([246]) إلخ.

ويشرح عبد الرزاق القاشاني (في شرحه على الفصوص) هذا الكلام، ومن جملة ما يقول:

...أي: ثم لما كان التثليث سبباً لفتح باب النتائج في التكوين والإيجاد، سرى ذلك التثليث في جميع مراتب الإيجاد حتى إيجاد المعاني بالأدلة، وكما أن التثليث الأول مرتب ترتيباً متقناً: بكون الذات فيه مقدماً، والإرادة متوسطة بينه وبين القول، لا يكون إلا كذلك، فلذلك يكون الدليل مرتباً على نظام مخصوص([247])...(أي: على التثليث). - النتيجة من هذا الشرح التبريري (العلمكلامي) هي: عيسى إله، والكون قائم على التثليث، وبالتالي يكون دين النصرانية صحيحاً والإسلام غير صحيح..

- وهذا الكلام الوارد في (فصوص الحكم) يؤمن به كل الصوفية؛ لأنهم يؤمنون بأن ابن عربي هو ولي الأولياء وصديق الصديقين ومقرب المقربين والشيخ الأكبر والكبريت الأحمر. وكتابه فصوص الحكم هو أعظم مؤلفاته كلها قدراً وأعمقها غوراً وأبعدها أثراً، وقد شرحه شراح كثيرون من أئمة الصوفية وكبرائهم، حتى صارابن عربي يعرف بـ(صاحب الفصوص).

ويقول ابن عربي نفسه عن كتاب الفصوص ما يلي:

أما بعد: فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مُبشَّرةٍ أُريتها في العشر الأخير من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة، بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم، خذْه واخْرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع والطاعة...وجرَّدت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدَّه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان([248])...

* تعليق:

على القارئ ألا يظن أن ابن عربي كان نصرانياً؛ لأنه يؤمن بألوهية المسيح وبالتثليث، لا، لم يكن نصرانياً، وإنما كان صوفياً، وإيمانه بألوهية المسيح وبالتثليث جاء من صوفيته، ولفهم ذلك نقرأ الأبيات التالية من ديوانه (ترجمان الأشواق)، يقول:

لقد صار قلبي قابلاً كل صورة                 فمرعى لغزلانٍ ودير لرهبان

وبيتٌ لأوثانٍ وكعبة طائفٍ            وألواح توراةٍ ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت                 كتائبه فالحب ديني وإيماني

ولنلاحظ أن ابن عربي كان يقول هذا الكلام عندما احتل الصليبيون القدس للمرة الثانية بعد أن حررها المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي. وبقوا فيها أربعة عشر سنة، وكان المسلمون يتنادون من كل حدب وصوب داعين للجهاد لتحرير القدس، بينما يقف ابن عربي ليقول: ...ودير لرهبان...وألواح توراة...أدين بدين الحب...!!

أما قصة تناوله كتاب فصوص الحكم من الرسول صلى الله عليه وسلم فنترك التعليق عليها، من حيث العقيدة ومن حيث الواقع، للقارئ اللبيب. بعد تذكيره بالآية الكريمة: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي...)) [المائدة:3]

* علوم لدنية؟!

يقول الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر الإمام العالم المحقق المتبحر...ابن عربي:

...فأقول على مفهوم من اللسان العربي بالحساب القمري من تقديم الليل على النهار، أن ليلة الأحد سلخ الله منها نهار الأربعاء، فالشأن الذي هو فيه في ليلة الأحد هو في نهار الأربعاء! وسلخ من ليلة الإثنين نهار الخميس، والشأن كالشأن، وسلخ من ليلة الثلاثاء نهار الجمعة...فالليالي منها للتحت والشمال والخلف، والنهار منها للفوق واليمين والأمام....والحكم لأول ساعة من الليل ولأول ساعة من النهار([249])...

ويقول أيضاً:

...ونبتدئ بيوم الأحد تبركاً بالاسم، فإنه من صفات الحق وله الأولية وله القلب...

...فاعلم أن ليلة الأحد الإيلاجي([250]) مركبة من الساعة الأولى من ليلة الخميس والثامنة منها والثالثة من يوم الخميس والعاشرة منها والخامسة من ليلة الجمعة والثانية عشرة منها والسابعة من يوم الجمعة والثانية من ليلة السبت والتاسعة منها والرابعة من يوم السبت والحادية عشرة منها والسادسة من ليلة الأحد؟ فهذه ساعات ليله.

وأما ساعات نهاره من أيام التكوير كما قلنا، فالساعة الأولى من يوم الأحد من أيام التكوير والثامنة منه والثالثة من ليلة الإثنين والعاشرة منه والخامسة من يوم الإثنين والثانية عشرة منه والسابعة من ليلة الثلاثاء، والثانية من يوم الأربعاء، والتاسعة منه، والرابعة من ليلة الأربعاء والحادية عشرة منها والسادسة من يوم الأربعاء، فهذا يوم الأحد الإيلاجي الشأني، قد كمل بأربع وعشرين ساعة كلها كنفس واحدة؛ لأنها من معدن واحد([251]) (ويتمم أيام الأسبوع حسب هذا الهذيان).

ويقول: ...والسماوات والأرض لا تزال، والأيام دائمة لا تزال، فمِن مُقعَّر تلك الكواكب الثابتة إلى المركز نازلاً، لا تزال الأيام دائرة فيها أبداً بالتكوين، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها، فالكون والفساد فيها دائم مستمر، والتسعة عشر عليها طالعة وغاربة، ومُقعَّر هذا الفلك هو سقف النار، نعوذ بالله منه، وسطح هذا الفلك هو أرض الجنة، والعرش سقفها، وهو روح هذه الأيام([252])...

- الجواب على هذه الهذيانات: ترلم ترلم ترلم...ترلم ترلم ترلم....

* أمنى من لذة الألوهية:-

يقول عبد الكريم الجيلي (الغوث):

منظر التكوين: هو مشهد ذاتي تتلون فيه بمعاني الأسماء والصفات، فيغلب عليك في كل زمان حكم صفة... وفي هذا المشهد تجد من اللذة الإلهية ما يسري في جميع أجزائك، إلى أن تكاد تخرج روحك من عالم التركيب إلى عالم الأرواح لشدة اللذة المنطبعة فيك، تجدها بحكم الضرورة محسوسة كما تجد لذة المحسوسات، وقد أخذت هذه اللذة فقيراً عن محسوساته حتى غاب عن الكون وما فيه، فلما رجع إلى نفسه وجده قد أمنى لما سرت فيه اللذة الروحانية فعمت الروح والقلب([253])...

ولا تعليق، لكن سؤال: هل عليه الغسل من الجنابة أم لا؟ مع العلم أن حشاشي الأفيون والحشيشة يحصل لهم مثل هذا.

* أفحم الله بسبع كلمات (تعالى الله علواً كبيراً):-

...قيل للفقيه حسن بن أبي السرور: لو كشفنا للخلق عنك لرجموك! فقال: ولو كشفت لهم عن رحمتك لما عبدوك، فقيل: يا حسن حسنوه، لا تقول ولا نقول([254])!!

أما نحن فنقول:

- جاء في التلمود أن أحد الحاخامات بقي يجادل الله ثلاثة أيام حتى أفحمه واعترف له الله بخطئه (تعالى الله)، ولكن حسن بن أبي السرور استطاع أن يفحم الله بسبع كلمات في ثانيتين!! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

- وفي هذا النص اعتراف من القوم بكفرهم وزندقتهم (لو كشفنا.. لرجموك).

* ومن كشوفهم وعلومهم اللدنية:-

يقول عبد الكريم الجيلي الغوث([255]):

اعلم أن الله تعالى خلق دور فلك سماء الدنيا مسيرة أحد عشر ألف سنة، وهو أصغر أفلاك السماوات دوراً، فيقطع القمر دور هذا الفلك في أربع وعشرين ساعة معتدلة، أعني مستقيمة، فيقطع في كل ساعة مسيرة أربعمائة وثمانية وخمسين سنة ومائة وعشرين يوماً، وقطر هذا الفلك مسيرة أربعة آلاف سنة وخمسمائة عام؛ ثم إن للقمر فلكاً في نفس الفلك...بخلاف الكواكب السيارة فإن كل كوكب منها يقابل نور الشمس في جميعها، فمثلها مثل البلورة الشفافة، إذا وقع فيها النور سرى في ظاهرها وباطنها؟ بخلاف القمر، فإنه كالكرة المعدنية المصقولة لا تقبل النور إلا في مقابلة الشمس......والكوكب اسم للجرم الشفاف المنير من كل سماء...

وأما السماء الثانية، فإنها جوهر شفاف لطيف ولونها أشهب، خلقها الله تعالى من الحقيقة الفكرية، فهي للوجود بمثابة الفكر للإنسان، ولهذا كانت محلاً لفلك الكاتب وهو عطارد، جعله الله تعالى مظهراً لاسمه القدير...جعل الله دور فلك هذه السماء مسيرة ثلاث عشرة ألف سنة وثلاثمائة سنة وثلاثاً وثلاثين سنة ومائة وعشرين يوماً، يقطع كوكبها، وهو عطارد، في كل ساعة مسيرة خمسمائة سنة وخمس وخمسين سنة وخمس أشهر وعشرين يوماً، فيقطع جميع فلكه في مضي أربع وعشرين ساعة معتدلة، ويقطع الفلك الكبير في مضي سنة كاملة...

وأما السماء الثالثة فلونها أصفر، وهي سماء الزهرة، جوهرها شفاف...خلق الله دور فلك هذه السماء مسيرة خمس عشرة ألف سنة وستة وثلاثين سنة ومائة وعشرين يوماً، يقطع كوكبها، وهو الزهرة، في كل ساعة مسيرة ستمائة سنة وإحدى وثلاثين سنة وثمانية عشر يوماً وثلث يوم، فيقطع الفلك في مضي أربعة وعشرين يوماً، وملائكة هذه السماء تحت حكم الملك المسمى صورائيل...ورأيت ملائكة هذه السماء مؤتلفة، لكن على أنواع مختلفة، فمنهم من وكله الله بالإيحاء إلى النائم إما صريحاً وإما بضرب مثل يعقله العالم....

وأما السماء الرابعة فهي الجوهر الأفخر، ذات اللون الأزهر، سماء الشمس الأنور، وهو قطب الأفلاك، خلق الله تعالى هذه السماء من النور القلبي...جعل الله هذا الكوكب الشمسي في هذا الفلك القلبي مظهر الألوهية ومجلس لمتنوعات أوصافه المقدسة النزيهة الزكية، والشمس أصل لسائر المخلوقات العنصرية، كما أن الاسم (الله) اسم لسائر المراتب العلية...ثم اعلم أن الله تعالى جعل الفلك الشمسي مسيرة سبع عشرة ألف سنة وتسعاً وعشرين سنة وستين يوماً، فيقطع جميع الفلك في مضي أربع وعشرين ساعة معتدلة، ويقطع الفلك الكبير في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وربع يوم وثلاث دقائق...(ويمضي الجيلي هكذا حتى يصل إلى السماء السابعة) ثم يقول:

...الفلك الأطلس، هو عرصة سدرة المنتهى...ويسكن سدرة المنتهى الملائكة الكروبيون، رأيتهم على هيئات مختلفة لا يحصي عددهم إلا الله...ورأيت منهم مائة ملك مقدمين على هؤلاء جميعهم، بأيديهم أعمدة من النور...يرهبون بها من دونهم من الكروبيين ومن بلغ مرتبتهم من أهل الله تعالى، ثم رأيت سبعة من جملة المائة متقدمة عليهم يسمون قائمة الكروبيين، ورأيت ثلاثة مقدمين على هذه السبعة يسمون بأهل المراتب والتمكين، ورأيت واحداً مقدماً على جميعهم يسمى عبد الله. وكل هؤلاء عالون ممن لم يؤمروا بالسجود لآدم، ومن فوقهم كالملك المسمى بالنون والملك المسمى بالقلم، وأمثالهما أيضاً عالون، وبقية ملائكة القرب دونهم وتحتهم مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وأمثالهم، ورأيت في هذا الفلك من العجائب والغرائب ما لا يسعنا شرحه. واعلم أن جملة الأفلاك التي خلقها الله تعالى في هذا العالم ثمانية عشر فلكاً: الفلك الأول: العرش المحيط- الفلك الثاني: الكرسي- الفلك الثالث: الأطلس، وهو سدرة المنتهى- الفلك الرابع: الهيولى- الفلك الخامس: الهباء- الفلك السادس: العناصر - الفلك السابع: الطبائع- الفلك الثامن: المكوكب وهو فلك زحل ويسمى فلك الأفلاك- الفلك التاسع: فلك المشتري- الفلك العاشر: فلك المريخ- الفلك الحادي عشر: فلك الشمس- الفلك الثاني عشر: فلك الزهرة- الفلك الثالث عشر: فلك عطارد- الفلك الرابع عشر: فلك القمر- الفلك الخامس عشر: فلك الأثير، وهو فلك النار- الفلك السادس عشر: فلك الهواء- الفلك السابع عشر: فلك الماء- الفلك الثامن عشر: فلك التراب والبحر المحيط الذي فيه (البهموت) وهو حوت يحمل الأرض على منكبيه...ثم لكل موجود في العالم فلك وسيع يراه المكاشف ويسبح فيه ويعلم ما يقتضيه...

أما الطبقة الأولى من الأرض: فأول ما خلقها الله تعالى كانت أشد بياضاً من اللبن، وأطيب رائحة من المسك، فاغبرت لما مشى آدم عليه السلام عليها بعد أن عصى الله تعالى، وهذه الأرض تسمى أرض النفوس...دور كرة هذه الأرض مسيرة ألف عام ومائة عام وستة وستون عاماً ومائتا يوم وأربعون يوماً...

...ثم سَلَك (الإسكندر) الجانب الجنوبي، وهو الظلمات، حتى بلغ يأجوح ومأجوج، وهم في الجانب الجنوبي من الأرض...لم تطلع الشمس على أرضهم أبداً...ثم سلك الجانب الشمالي حتى بلغ محلاً منه لم تغرب الشمس فيه، وهذه الأرض بيضاء على ما خلقها الله تعالى عليه، هي مسكن رجال الغيب، وملكها الخضر عليه السلام...وهي قريبة من أرض بلغار، وبلغار بلدة في العجم لا تجب فيها صلاة العشاء أيام الشتاء، لأن شفق الفجر يطلع قبل غروب شفق المغرب فيها...وهذه الأرض أشرف الأراضي وأرفعها قدراً...لأنها محل النبيين والمرسلين والأولياء الصالحين، وأما الطبقة الثانية من الأرض، فإن لونها كالزمردة الخضراء، تسمى أرض العبادات، يسكنها مؤمنو الجن...لا يزال أهلها قاطنين فيها حتى تغيب الشمس عن أرض الدنيا، فيخرجون إلى ظاهر الأرض يتعشقون ببني آدم تعشق الحديد بالمغناطيس...دورة كرة هذه الأرض ألفا سنة ومائتا سنة وأربعة أشهر.

...ولقد رأيت جماعة من السادات، أعني طائفة من متصوفي هذا الزمان، مقيدين مغلغلين، قد قيدهم جن هذه الأرض...

وأما الطبقة الثالثة من الأرض: فإن لونها أصفر كالزعفران، تسمى أرض الطبع، يسكنها مشركو الجن، ليس فيها مؤمن بالله...يتمثلون بين الناس على صفة بني آدم، لا يعرفهم إلا أولياء الله تعالى، لا يدخلون بلدة فيها رجل من أهل التحقيق...دورة كرة هذه الأرض مسيرة أربعة آلاف سنة وأربعمائة سنة وسنتين وثمانية أشهر...

 (وهكذا حتى الأرض السابعة التي يقول عنها):

...يسكنها الحيات والعقارب وبعض زبانية جهنم، دور كرة هذه الأرض مسيرة سبعين ألف سنة وأربعمائة سنة...وحياتها وعقاربها كأمثال الجبال وأعناق البخت([256])...(إلى آخر هذا الهذيان الجاهل وهذه الخرافات الساذجة).

* التعليق:

نتركه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. لكن علينا أن ننتبه جيداً إلى أنه رأى كل هذه الهذيانات بالكشف الذي هو عين اليقين وحق اليقين ونور اليقين!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإلى الله المشتكى، فقد دمروا بكشوفهم الهذيانية المجتمعات الإسلامية.

ويقول الجيلي أيضاً:

...وهذا الأمر الذي جعله الله لداوُد وسليمان عليهما السلام غير محصور فيهما ولا مقصور عليهما...وإلا فكل واحد من الأفراد والأقطاب له التصرف في جميع المملكة الوجودية، ويعلم كل واحد منهم ما اختلج في الليل والنهار فضلاً عن لغة الطيور. وقد قال الشبلي رحمه الله تعالى: لو دبت نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء ولم أسمعها لقلت إني مخدوع أو ممكور بي. وقال غيره: لا أقول: ولم أشعر بها؛ لأنه لا يتهيأ لها أن تدب إلا بقوتي وأنا محركها، فكيف أقول: لا أشعر بها وأنا محركها([257])...

سؤالنا: إن لم يكن هذا كفراً وشركاً وزندقةً فما هو الكفر والشرك والزندقة، أضف إليه كونه تفاهة فكرية وغباء، أو مرضاً عصبياً من نوع الجنون، ثم مجموعة من التصورات الوهمية التي كانوا يتصورونها عن الكون، وهي محض خرافة، وهكذا كل كشوفهم.

* وهذه أوهام مثلها:-

يقول ابن سبعين:

...والنار جسم نير، يحيل الأجسام إلى طبيعته...والهواء جسم لطيف شفاف سيال...والماء جسم سيال حول الأرض...وهو المتوسط بين الوسط وإلى الذي من الوسط...والأرض جسم غليظ في مركز العالم، أو هو الوسط ونقطة العالم الطافي على الماء والكثافة المطلقة...والأركان الأربعة: النار والأرض والماء والهواء، والأخلاط أربعة: الصفراء والسوداء والبلغم والدم([258])...

- فأين الكشف؟ مع العلم أن ابن سبعين هو قطب دائرة الورثة، ومظهر آثار النبيين والمرسلين!!

ويقول: ...ونبدأ بكلام المقرب...فنقول: فائدة النفس لم تتحصل ولا تخلصت فيما تقدم على التمام...ونبين أن الخير في علمها والوقوف على كنهها غاية المطلوب والمرغوب...وأن واجب الوجود لا يعلم إلا إذا علمت، وأن معرفتها شرط في معرفته([259]) اهـ.

1- عبارة (واجب الوجود) التي جعلوها اسماً من أسماء الله، لم ترد في كتاب ولا سنة.

2- عبارة (لا يعلم إلا إذا علمت) يمكن أن تقرأ بصيغة البناء للمعلوم، فتكون كفراً بيناً، كما يمكن أن تقرأ بصيغة البناء للمجهول، وبشيء من المناقشة يبين كفرها، ومثل ذلك عبارة (معرفتها شرط في معرفته).

3- وهكذا نرى أن كشوفهم التي يصفها الغزالي بأنها نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ما هي إلا جهل في جهل في وهم في هذيان.

* يكذبون القرآن:-

يقول البوصيري في البردة (الشريفة):

وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من             لولاه لم تخرج الدنيا من العدم

ويقول:

فإن من جودك الدنيا وضرتها                  ومن علومك علم اللوح والقلم

- الشطر الثاني من البيت الأول، يمكن أن يُفهم بأحد شكلين: إما أن الدنيا خلقت لأجل محمد صلى الله عليه وسلم وهذا مناقض للآية: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56]، وبالتالي هو كفر. وإما أنها خرجت إلى الوجود بأمره صلى الله عليه وسلم، وهذا يوافق معنى البيت الثاني، وكلاهما يعني أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الله، أو هو التجلي الأعظم للذات الإلهية، أو هو المركز الفعال فيها، وطبعاً هذا قمة الكفر.

* وينسخون القرآن:-

من كرامات أحمد الرفاعي:

أنه في العام الذي توفي فيه رضي الله تعالى عنه، حج وزار قبره صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل من الجنة، بل من العرش والكرسي! ولما وقف تجاه القبر الشريف يريد الوداع أنشد:

إن قيل زرتم بما رجعتم               يا أشرف الرسل ما نقول؟

فخرج صوت من القبر الشريف سمعه كل من حضر في ذلك الروض المعطر، وهو يقول:

قولوا رجعنا بكل خير               واجتمع الفرع والأصول([260])

- الجواب: يقول سبحانه: ((وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ)) [يس:69]، فهل نُسخت الآية كرامةً لأحمد الرفاعي؟! وهذه الحادثة إن لم تكن من أكاذيبهم، فدور إبليس واضح فيها. ثم قوله (وقولهم: إن قبره أفضل من الجنة ومن العرش والكرسي)، فنغضُّ النظر عما فيه من الكفر الصارخ ومن تأليه محمد صلى الله عليه وسلم ونسألهم: هل عندهم دليل على هذا من قرآن أو سنة صحيحة؟ أم على الله يفترون؟!

* ويبيع الجنة (سباقاً مع الكنيسة):-

...وأراد (أحمد الرفاعي) شراء بستان، فأبى صاحبه أن يبيعه إلا بقصر في الجنة، فارتعد وتغير واصفر، ثم قال: قد اشتريت منك بذلك، قال: اكتب لي خطك، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما ابتاع إسماعيل من العبد أحمد الرفاعي، ضامناً على كرم الله له قصراً في الجنة، يحف به حدود: الأول لجنة عدن، الثاني لجنة المأوى، الثالث: لجنة الخلد، الرابع: لجنة الفردوس، بجميع حوره وولدانه وفرشه وأشربته وأنهاره وأشجاره، عوضاً عن بستانه في الدنيا، والله شاهد على ذلك وكفيل؛ فلما مات إسماعيل دُفنت معه الورقة، فأصبحوا وإذا مكتوب على قبره: ((قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّاً)) [الأعراف:44]([261])...

* التعليق:

لا تعليق، لكن إلى الله نشكو هذا البلاء، الذي أوصل الأمة إلى ما هي عليه من ذل وجهل.

* ونُسخت العبادة! ونُسخ القرآن والسنة! ونسخ الإسلام:-

قال الفقيه محمد بن الحسين البجلي رضي الله عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: {يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: وقوفك بين يدي وليٍّ لله كحلب شاة أو كشي بيضة خير لك من أن تعبد الله حتى تتقطع إرباً إرباً!! فقلت له: حياً كان أو ميتاً؟

فقال: حياً كان أو ميتاً}([262])!!

ولا تعليق، لكن سؤال: ماذا بقي من الوثنية؟! ومن الكفر؟! ومن الضلال؟!

* حياء مدهش:-

إبراهيم الأعزب (أحد خلفاء أحمد الرفاعي): ...وكان حياؤه من الله تعالى في مرتبة أنه ما رفع رأسه إلى السماء أربعين سنة([263])...

- سؤال: وماذا لو رفع رأسه إلى السماء؟ وهل في عدم رفعه حياء؟ وهل حجب عن الله سبحانه عندما لم يرفع رأسه؟ إنهم يقولون إن كل شيء هو الله! إذن فسواء رفع رأسه أم لم يرفعه فهو في جميع الحالات واحد. وهل يعرف ما لم يكن يعرفه رسول الله؟!

على كل حال: هذه صورة من (مقام الحياء)، ومثلها بقية مقاماتهم.

* لا تنهوا عن المنكر، فالنهي عن المنكر منسوخ، وعلى الإسلام السلام:-

أحمد البدوي (أحد الأقطاب الأربعة المتدركين): ...ثم حصلت له جمعية على الحق فاستغرق إلى الأبد...وأكثر أوقاته شاخص ببصره نحو السماء وعيناه كالجمرتين...واجتمع به ابن دقيق العيد، فقال له: إنك لا تصلي! ما هذا سنن الصالحين؟ فقال له: اسكت وإلا طيرتُ دقيقك، ودفعه فإذا هو بجزيرة متسعةٍ جداً، فضاق ذرعه حتى كاد يهلك؛ فرأى الخضر، فقال له: لا بأس عليك، إن مثل البدوي لا يُعترض عليه، اذهب إلى هذه القبة وقف ببابها، فإنه سيأتيك العصر ليصلي بالناس، فتعلق بأذياله لعله أن يعفو عنك؟ ففعل، فدفعه، فإذا هو ببابه([264])..

- السؤال: لم فرضت صلاة الجماعة؟ وجُعلت علنية؟ هل كان ذلك من أجل أن يصليها المقربون خفية عن الناس؟ وأين تقع هذه الجزيرة التي كان يصلي فيها البدوي؟ ولِمَ؟ وما هو دور القبة في الإسلام؟ وهل؟ وهل؟ وهل؟

وللعلم: في الديانات الوثنية، يبنون القبة ليضعوا تحتها الوثن على أنه إله في سمائه.

* فتش عن عنوان:-

...عن يعقوب (أحد تلامذة أحمد الرفاعي) قال: دخلت على سيدي أحمد في يوم بارد وقد توضأ، ويده ممدودة، فبقي زماناً لا يحرك يده، فتقدمت إلى تقبيلها فقال (أي: يعقوب): شوشت على هذه الضعيفة! قلت: من هي؟ قال: بعوضة كانت تأكل رزقها من يدي فهربت منك!! قال: ورأيته مرة يتكلم ويقول: يا مباركة ما علمتُ بك، أبْعدتُكِ عن وطنك! فنظرتُ، وإذا جرادة تعلقت بثوبه وهو يعتذر إليها رحمة لها([265])!!

- جوابنا: ماذا يكون لو قلد الناس الرفاعي فتركوا جسومهم مرعى للبعوض؟؟ والأسئلة كثيرة وكذلك الأجوبة (لكنك ستسمع: هذا من أعمال الخواص ص ص ص ص).

* أيضاً بلا عنوان (للتفتيش):-

...وكان (أحمد الرفاعي) يبتدئ من لقيه بالسلام، حتى الأنعام والكلاب! وكان إذا رأى خنزيراً يقول له: أنعم صباحاً؟ فقيل له في ذلك فقال: أعود نفسي الجميل([266]).

- السؤال: هل من الجميل أن يسلم على الكلب والخنزير والأنعام؟ وما هو الجميل فيها؟ وهل تفهم الحيوانات عليه؟ إلى آخر الأسئلة، وهل كان الرسول وأصحابه يسلمون على الحيوانات، بل الكلاب والخنازير؟!

* السمك، وعودة إلى قاف! وهس س س س س س لا تعترض:-

...ومن كراماته (أحمد الرفاعي) أنه كلما خرج متنزهاً إلى الصحراء تخرج الأسماك من بطن بحر البصرة لالتماس بركاته، وتزدحم على أقدامه الشريفة كازدحام الإبل على موارد الماء([267])...

...ومنها أنه صلى الصبح في مكة المكرمة، والظهر في المدينة المنورة، والعصر في بيت المقدس، والمغرب في بعلبك في مقام نبي الله نوح عليه السلام، والعشاء وراء جبل قاف([268])!

* وقافات أيضاً؟ قافات:-

...وكان السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه مرة يتحدث في المجلس، فذكر القاف، فقال الشيخ يعقوب له: إيش بعد القاف؟ قال: قاف، فأعاد السؤال، فقال: قاف! وهو يسأل، وهو يقول: قاف! حتى عد عشر قافات! فقال للشيخ يعقوب، وهو يقول تلك القافات: أي يعقوب، أرض بيضاء، ما عُصي ربنا فيها طرفة عين، فيها خلق عظيم لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، ما سمعوا خلق آدم ولا لعنَ إبليس! فقال الشيخ يعقوب: يقدر أحد يقول ما لم يتحققه، قال: لا، أي يعقوب، ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) [ق:18] ؛ ثم قال السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه: إلا إذا كنا، ثم دعا وقام من المجلس؟ وكان بعض الفقراء يحسن الظن في الشيخ يعقوب ويعتقده، فلما رأى كلامه للسيد أحمد الرفاعي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين هكذا، ظن وتصور أن السيد أحمد الرفاعي لم يتحقق هذه الأخبار، واعترض عليه، ويقول في شأنه على الاستهزاء أحياناً، فأذن الشيخ يعقوب في يوم من الأيام، وجلس في الأول، وجاء السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه وجلس في المحراب، وأدخل رأسه في قميصه، وفعل الشيخ يعقوب مثل ذلك، حتى مضى من وقت كثير، وكان الشيخ يعقوب إذا أذن لا يقدر أحد أن يقول له شيئاً حتى يفرغ من الصلاة؟ فقام ذلك الفقير المعتقد في شأنه، المعترض على السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه، ومد يده إلى الشيخ يعقوب وحركه، فلم يجد غير قميصه وعمامته! فتعجب من ذلك وأعلم الفقراء به! فلما كان بعد ساعة طويلة، رفع الشيخ يعقوب رأسه وقام، فقال السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه للشيخ يعقوب: أي يعقوب، تعبت، وتعبك عليَّ شديد؟ ثم قال الرجل المعترض للشيخ يعقوب: ما شاهدت؟ فقال له: ما خليتمونا من فضولكم، حتى أخذنا السيد أحمد الرفاعي بهذه اللحى البيض، ودار بنا المواضع التي ذكرها بأجمعها، حتى لا يبقى منها قليل ولا كثير([269]).

- أين هذا القاف؟ وتلك القافات؟ وكيف يخرج السمك من الماء ليتبرك بالسيد، وماذا يحصل للسمك بهذا التبرك؟ هل يدخل الجنة؟ أم ماذا...؟...؟

* سبع مداين؟ ووحي لم يمر على محمد صلى الله عليه وسلم:-

قال السيد إبراهيم الأعزب قدس سره: كنت نائماً في بعض الليالي في موضع هناك للسيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، فأيقظني وقال: أي إبراهيم، ألا أخبرك؟ أظهرني الله سبحانه في هذه الساعة على سبعة مداين، كل مدينة منها بقدر هذه الدنيا سبع مرات، وهي مملوءة من الخلق، ليسوا من الجن ولا من الإنس، وما فيهم من يذكر الله تعالى، وكل ليلة عند غروب الشمس يأمر الله تعالى الملائكة، فيأخذون ذنوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم وينفضونها على تلك المدائن السبعة، وكل من أصاب منهم ذنباً فهو من أهل الجنة([270]).

- أين هذه المدائن؟ وأهم من ذلك، أن المذنب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا ذنب عليه ولا وزر؛ لأن الملائكة تأخذ ذنبه وتلقيه على تلك المدائن فيدخلون الجنة بسببها!! إذن ما على الإنسان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن يكثر من الذنوب؛ لأنها تُرفع عنه مع المساء، ويدخل بسببها مخلوقات كثيرة الجنة، ثم سلام على الإسلام وعلى الإيمان وعلى الأخلاق وعلى المعاملة وعلى إنسانية الإنسان.

* الفقير إله:

قال السيد إبراهيم الأعزب قدس سره، حضرت في بعض الأيام عند السيد أحمد الرفاعي...قال: أي فقراء، الشيخ عثمان السالم آبادي قدس سره، يصعد كل يوم عند غروب الشمس إلى ديوان الربوبية، وينظر ديوان ذريته، فما يجد من سيئة يمحها ويكتب عوضها بلا معارضة!! قال السيد إبراهيم الأعزب: فأخذتني الغيرة من ذلك، فالتفت إليَّ السيد أحمد الرفاعي وقال: أي إبراهيم، لا يكون الرجل مُمَكِّناً في سائر أحواله حتى يُعرض عليه عند غروب الشمس جميع أعمال أصحابه وأتباعه وتلامذته بالقرب والبعد، فيمحو منها ما يشاء ويثبت فيها ما يشاء بكرم الله ولطفه؛ أي إبراهيم، قل عن هذا العبد الفقير الحقير البائس المسكين، معدن الذل والانكسار (يعني نفسه): لا يكون الشيخ شيخاً كاملاً في سائر أموره وأحواله وأقواله وأفعاله، ولا يصلح له الجلوس في المخدة، حتى يحضر عند تلميذه في أربع مواضع: عند خروج روحه من جسده، وعند مسألة منكر ونكير له، وعند جوازه على الصراط، وعند الميزان([271])...

- نسأل هؤلاء المخدوعين: ما هو الشرك الذي يزيد عن هذا الشرك؟ ثم إن محمداً صلى الله عليه وسلم، وهو خير البشر، لا يغني عن أحدٍ شيئاً، أما هؤلاء القوم فقد تجاوزوا كل حدود الدين والإسلام والإيمان والعقل، ووصلوا إلى القدرة الإلهية، يفعلون ما يشاءون؟! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

* وجعلوا الملائكة معاتيه ومخابيل:-

 (يكذبون على الله وملائكته ورسله! ويناقض كشفهم بعضه) وبلغنا عن أبي عبد الله المغربي رضي الله عنه أنه قال: أهل السماع (أي: الغناء والموسيقى) خلقهم الله من نور بهائه، وخلق مثلهم سبعين ألف ملك من الملائكة المقربين، قد أقامهم الله تعالى بين العرش والكرسي في حضرة القدس، لباسهم الصوف الأخضر، ووجههم كالقمر ليلة تمامه، لهم شعور كشعور النساء، وهم قيام متواجدون والهون منذ خلقهم الله تعالى إلى أن ينفخ في الصور، يَسمَعُ بكاءهم وأنينَهم وفجعَهم وحنينَهم أهلُ السماوات السبع والأرضين، فهم أهل السماء، وينهدلون من العرش إلى الكرسي، ومن الكرسي إلى العرش، شبيه السكارى، لما بهم من شدة التوله، إسرافيل قائدهم ومرشدهم، وجبريل عليه السلام رئيسهم، والله تعالى مليكهم وجليسهم وأنيسهم، وهم إخواننا في النسب وأصحابنا في أهل السماء. ونقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض بكى ثلاثمائة سنة، فأوحى الله تعالى إليه، يا آدم، مم بكاؤك؟ ومم جزعك؟ فقال: يا رب، لست أبكي شوقاً إلى جنتك ولا خوفاً من نارك، وإنما بكائي شوقاً إلى الملائكة الصوفية المتواجدين حول العرش، سبعين ألف صف، جرد مرد يرقصون ويتواجدون حول العرش يدورون، يد كل واحد منهم بيد صاحبه وهم يقولون: جَلَّ المَلِكُ ملِكُنا، لولا الملِكُ هلكنا، مَن مثلُنا وأنت إلهنا، ومَن مثلُنا وأنت حبيبنا ومستغاثنا ومستفزنا، وذلك دأبهم إلى يوم القيامة، قال: فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم ارفع رأسك وانظر إليهم؟ قال: فرفع رأسه إلى السماء، فنظر إلى الملائكة وهم يرقصون حول العرش، وجبرائيل رئيسهم، وميكائيل قوالهم، فلما رآهم سكن روعه وأنينه وبكاؤه وحنينه([272])...

* التعليق:

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب..؟

ثم إن هذا الكشف يناقض كشف الجيلي المار سابقاً! فمن هو الكاذب؟

* ولم يبق عندهم لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم قيمة ولا معنى:-

...الشيخ محيي الدين عبد القادر (الجيلاني) رضي الله عنه كان يقول على الكرسي ببغداد: مكثت خمساً وعشرين سنة متجرداً سايحاً في براري العراق وخرابه، وأربعين سنة أصلي الصبح بوضوء العشاء، وخمس عشرة سنة أصلي العشاء ثم أستفتح القرآن وأنا واقف على رجل واحدة، ويدي في وتد مضروب في حائط خوف النوم، حتى أنتهي إلى آخر القرآن عند السحر؛ وكنت ليلة طالعاً في سلم، فقالت لي نفسي: لو نمت ساعة ثم قمت، فوقفت موضع خطر لي هذا، وانتصبتُ على رجْلٍ واحدة واستفتحتُ القرآن حتى انتهيت إلى آخره وأنا على هذه الحالة، وكنتُ من الثلاثة أيام إلى الأربعين يوماً لا آكل([273])...

- سؤال: ماذا حدث لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {...أما أنا فأقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني}.

- وقد رغب هؤلاء القوم عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا يكونون؟

* الأنبياء وقوف بين يدي الصوفي:-

...ورأى بعض الفقراء الشيخ عبد الله بن أبي جمرة المدفون بقرافة مصر رضي الله تعالى عنه، وهو جالس على كرسي، وعليه حلة خضراء، والأنبياء كلهم واقفون بين يديه! فأشكل ذلك عليه، فعرضه على بعض العارفين، فقال: وقوف الأنبياء إنما هو أدبٌ مع مَن ألبس الخلعة فيكون ذلك من باب التعريف للأحكام الشرعية، لا شرعاً جديداً([274])!!

السؤال: ما هي هنا الأحكام الشرعية التي يعرفون بها؟؟ لا يوجد إلا الزندقة، وهذا هو دأبهم في كل زندقاتهم، يعطونها تأويلاً هو أقبح من الكفر، ثم يقولون لك: إنه موافق للشرع، وعليك أن تلغي إيمانك وعقلك وتسلم.

* الصوفي يجيب الدعاء:-

...ومن مدايحه (محمد وفا بن محمد الرفاعي الحلبي) فيه (في أحمد الرفاعي) مدحة يتداولها الناس في الأذكار بحلب وهي:

كل الأنام عيالٌ              عليك يا ابن الرفاعي

يا بحر كل المزايا           ويا مجيب الدواعي([275])

إذن؟ فأحمد الرفاعي يجيب الدواعي! ولا تعليق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

* التمسوا مدد الصوفي واستمطروا نعمه:-

يقول أحمد الرفاعي (الغوث):-

لي همة بعضها تعلو على الهمم             ولي هوى قبل خلق اللوح والقلم

أنا الرفاعي طبولي في السما ضُربت                  والأرض في قبضتي والأوليا خدمي

كل المشايخ يأتوا باب زاويتي               وفوق هاماتهم حاز العلا علمي

ولي لواءٌ على الكونين منتشر                وكل أهل العُلا ما أنكروا هممي

فالجأ بأعتاب عزي والتمس مددي                    وطف ببابي وقف مستمطراً نعمي([276])

* التعليق:

أولاً: يجب أن نعلم أن أهل الطريقة الرفاعية كلهم يؤمنون بمضمون هذا الشعر، بل وكل الصوفية، وعلماؤهم هم الذين يطبعون الكتاب وينشرونه.

ثانياً: ننبه إلى قوله: والأرض في قبضتي، فالجأ بأعتاب عزي والتمس مددي، وقف مستمطراً نعمي، ننبه إلى هذا، ونسأل: ما هو الفرق بينه وبين الله سبحانه وتعالى عما يصفون؟ وماذا بقي من الكفر المبين؟ والشرك العظيم؟ اللهم نشكو إليك هذه الفئة الضالة المضلة.

* ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5]، نُسخت:-

...مَن ضاق حاله لمهمة أو لحاجة، أو عسر عليه مقصد، أو كان عليه دَين، أو كان في سجن أو بغى عليه ظالم، فليتوضأ ويصلي لله ركعتين، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة، ويكون ذلك العمل في بيتٍ خال، ويقرأ الفاتحة للنبي وآله وأصحابه أجمعين، ويتوجه قائماً للشرق، لبر البصرة، لفلاة أم عَبيدة، محل مرقد الغوث الحسيني سيدي السيد أحمد (الرفاعي) وينادي بالاعتقاد والانكسار:

...يا وسيلة الطالبين، يا كعبة الطائفين...يا غوث الخلق، يا باب الحق...

يا أشجع الفوارس...يا أبا المدد...يا مصدر الطلاب، يا معجزة الرسول، يا سر الله، يا درة الغيب، يا سيف القدرة، يا نائب النبي الجليل، يا خليفة إبراهيم الخليل...يا مظهر الحضرتين، يا طويل الجناحين...يا أبا العلمين، يا شيخ الكل في مسند الكلية...يا صاحب النوبة الأولى، يا صاحب الصوت الأعلى...يا صاحب الموكب المرعب، يا مبرد النار...يا مبدل السموم، يا معنى عناية الحي القيوم...يا باب الله المفتوح، يا بدل الأبدال، يا سيد الرجال، يا نجيب الأنجاب...يا موصل كل أعرج...يا قطب الأقطاب المتصرفين، يا مظهر سر حضرة القدس في كل مكان وزمان، يا صاحب الآيات الباهرة...يا كنز العنايات، يا صاحب التصرف في الحياة والممات، يا إشارة الكاف...يا متكلماً بلسان الله...يا قطب الفرد، يا قطب الأعظم، يا قطب الغوث، يا غوث الأكبر، يا بحر الله الكبير، يا صاحب السرير...يا ترجمان الحضرة المحمدية...يا أمين سر أهل العبا، يا جليل الحضرة...يا وجه الرشد الأينس، همتك حاضرة، وعنايتك باهرة، وأسرارك ظاهرة بحق جدك المصطفى وبحرمة أبيك علي المرتضى وبكرامة والدتك فاطمة الزهرا، أغثني، وتوجه لجدك خير الأنام، وقوموا بقضاء حاجتي...أدركني يا أحمد الأولياء، رضي الله عنك، أغثني([277]). - يذكرنا هذا الدعاء بالدعاء المقدم إلى عبد القادر الجيلاني، وهذا الدعاء مثل ذاك مستعملان حالياً في الطريقتين الرفاعية والقادرية، وكل طريقة لها دعاؤها المشابه. والشرك فيهما أوضح من الوضوح، وإلى الله المشتكى، ونسأله سبحانه أن يفتح بصائر المسلمين ويوقظ عقولهم لعلهم يستطيعون تقليص خطر هذا الطاعون الفتاك.

* شفقة صوفية:-

...وكان (أحمد الرفاعي) إذا رأى رضي الله تعالى عنه فقيراً يقتل قملة أو بعوضة، يقول له: لا واخذاك الله، أَسَكَن غضبك منها؟ وذَكَرَ سيدي عبد الوهاب الشعراني في مننه أن السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه كان يدور وراء الكلاب المدودين ليداويهم فربما هرب منه الكلب، فيمشي وراءه ويتعطف بخاطره ويقول: أي مبارك، إنما أريد مداواتك([278])..

- السؤال: لِمَ يعطف على القمل الذي على الفقراء، ولا يعطف على الدود الذي على الكلاب؟ هل لأن القمل أفضل من الدود؟ أم لأن الكلاب أفضل من الفقراء؟

- وطبعاً نعلم الآن أن كلمة (فقير) تعني عند القوم (الصوفي).

* كشف؟:-

يقول محمد مهدي الرواس:

...وتصدر على منصة البروز من بطون الغياب سيدي الإمام الحجة المهدي (المنتظر) عليه الرضوان والسلام، فرَجَفت فرائصي لرؤيته...ثم قال من لسان الحال: (يا مُلَّسْلَين يا بَلَّمعَيْن يا مَنْعَلْهَيْ يا ما نقول يا تعليمليا يا فَوْأَيَسْ واجَفْر) كلمات فهمت منهن كل المقصود وحمدت الله وشكرته([279])...اهـ.

الجواب: طوط عرفوط بلعوط وِزكِز قاق؛ لأن جواب الكشف من جنس الكشف، ولا يفهمه إلا أهل الكشف.

* وجوب استعمال العبارة الملغزة التي تقبل التأويل:-

يقول الرواس:

وبويعت في الحضرة على التباعد عن أناس ابتُلوا بالانتقاد والاعتراض على أولياء الله تعالى، وذلك فيما يقبل التأويل([280])...

- نسأل: وأي شيء لا يقبل التأويل؟! إن باستطاعة الصوفي الشاطر أن يؤول قول عارفهم عندما يقول عن نفسه: (أنا الله) بأنه يعني بها جبل صنين في لبنان المطل على رابغ في طريق مكة! وكل ما مر معنا من زندقات وكفر يؤولونه ويجعلونه ولاية عظمى وصديقية كبرى! ولعل القارئ الكريم انتبه إلى أن عبارة (فيما يقبل التأويل) إنما هي توجيه للصوفي أن تكون عباراته قابلة للتأويل ليمكن خداع أهل الشريعة والتمويه عليهم بذلك!

* الكشف كذب وجهل:-

يقول ابن عجيبة:

...وكذلك قضية ابن الجوزي، كان يقرأ ببغداد اثني عشر علماً، فخرج يوماً لبعض شئونه، فسمع قائلاً يقول:

إذا العشرون من شعبان ولت                   فواصلْ شُرب ليلك بالنهار

ولا تشرب بأقداحٍ صغارٍ              فقد ضاق الزمان على الصغار

فخرج هائماً على وجهه إلى مكة، فلم يزل يعبد الله بها حتى مات رحمه الله([281]).

- الجواب: هذا لم يحدث وابن الجوزي توفي في بغداد وفي بيته في حي (قطفتا) في الجانب الشرقي من بغداد عام 597 هـ. ولكن الكشف قادر على كل جهل وكذب وتزوير.

* يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

يقول ابن عجيبة وشهاب الدين السهروردي البغدادي قبله، وغيرهما:

...وعن أنس: {كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نزل عليه جبريل فقال: يا رسول الله، فقراء أمتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، وهو نصف يوم، ففرح، فقال: أفيكم من ينشدنا؟ فقال بدْري: نعم يا رسول الله، فقال: هات، فأنشد البدري يقول:

قد لسعت حية الهوى كبدي                  فلا طبيب لها ولا راقي

إلا الحبيب الذي شُغلتُ به                    فعنده رقيتي وترياقي

فتواجد عليه السلام، وتواجد أصحابه معه، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فلما فرغوا آوى كل واحد إلى مكانه، فقال معاوية: ما أحسن لعبكم يا رسول الله! فقال: مهْ مهْ يا معاوية، ليس بكريم من لم يهتز عند ذكر الحبيب! ثم اقتسم رداءه مَن حضرهم بأربعمائة قطعة}([282])...

- الجواب هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}، ثم يدعون الولاية، وادعاؤهم نفسه إثم مبين! وقد مرت حقب طويلة كانت فيها أكاذيبهم وخرافياتهم وضلالياتهم وغبائياتهم هي ثقافة المجتمعات الإسلامية، حتى أوصلوا الأمة الإسلامية إلى ما هي عليه.

* ومن العلم اللدني (رسالة إلى الغوث أحمد التجاني):-

...أما بعد، فالمطلوب من كمال فضل سيدنا الذي أسدى الله فضلاً ورحمة ومدداً إلينا، أن يتفضل علينا سيدنا بما وعدنا بخط يديه الكريمتين إلينا، كما هو معهود من فضل سيدنا من غير استحقاقٍ منا، بل محض فضل وإكرام وامتنان علينا من سورة (...مجموعة [طلاسم] مخطوطة باليد...) بما لها من الأسرار والعلوم والوقت، وما لها من اللزوم، ودفع عوارضها من الشرور والهموم، وإعطاء ما لديها من الأسرار والعلوم، وأن يديم عليها بحوْل الله على عدد الدهر والعموم، وكذلك (...مجموعة [طلاسم] بخط اليد...) الكتاب أيضاً على ما يليق بالحال ويزيل الإشكال([283]).. إلخ

- أقول: بما أن جواب الكشف يكون من جنس الكشف، فقد خانني الكشف عن الجواب على هذا الهراء.

* ومن نفس الرسالة المرفوعة إلى الغوث أحمد التجاني:-

...وإن ظهر لسيدنا أمر آخر، فهو أدرى بحالنا، ولا نستحق شيئاً على سيدنا، إنما ذلك فضلٌ منه علينا؛ وأطلبُ منك سيدي الضمان الذي ضمنت لي بخط يديك من مقام مولانا الهمام الشيخ الأكبر أبي عبد الله سيدي محمد بن العربي الحاتمي...

...وأطلب منك سيدي أيضاً أن يدفع الله عني جميع العوارض التي تقطعني عن جميع الخيرات...وأما تنوير باطني واستقامته، وإظهار فضلك ومددك عليَّ وحصول الخيرات لديَّ ظاهراً وباطناً، فلا أَقبل فيه عذراً من سيدي من الآن إلى حصول المقام، وبعد حصول المقام ما لا عين رأت ولا أذن سمعت...وأن أكون مأموناً من السلب (أي: من سلب الولاية) إلى دخولي منزلي في الجنة([284]) إلخ.

- على القارئ أن يعرف أن هذا الدعاء موجه إلى أحمد التجاني الغوث من خليفته الأكبر سيدي الحاج علي حرازم برادة! وأن هذا الدعاء ليس موجهاً إلى الله جل وعلا!

وإلى الله نشكو هذا السرطان الخبيث الذي يدمر الأمة الإسلامية بهدوء وإصرار.

* ومما يجيب به الغوث أحمد التجاني على هذا الشرك قوله: ...وأما ما طلبتَ من الضمان في المعرفة بالله، من كونها صافيةً من اللبس، ممزوجةً حقيقتُها بالشريعة، فإن أمرها لا يكون إلا كذلك لا غير...وأنا لك ضامن أن لا تُسلب ما دمتَ في محبتنا، وكل ما دونه، من دخول الجنة بلا حساب، إلى ما وراءه وما قبله، وسامحتك فيما لا تعمله مما مُقتضاه سوء الأدب؟ وأما السورة فتداومها 11000 مرة كل يوم أو كل ليلة، مختلياً وحدك وقت ذكرها فقط، وبدؤها أن تقرأ الفاتحة مرة، وصلاة الفاتح لما أُغلِق مرة، وتهدي ثوابها لأهل النَّوْبة في ذلك اليوم من الأولياء الأحياء، ثم تقوم وتقف مستقبلاً وتنادي: ح دستوريا أهل النّوْبة، جبهتي تحت نعالكم ح. ثم تقرأ الفاتحة مرة وتهدي ثوابها لروح الشيخ عبد القادر والشيخ أحمد الرفاعي وجميع الأولياء الغائبين والحاضرين، ثم تقرأ الفاتحة مرة وتهدي ثوابها لروح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تسأل المدد([285])...

- أرجو أن يعلم القارئ أن هذا الشرك والزندقة صادران من قطب غوث إلى خليفته، وهو غوث أيضاً...ثم يتساءل المتسائلون: ما هو سبب فساد المسلمين؟!

* يحضر بعد موته لقراءة الوظيفة:-

...(سيدي عيسى بن خراز) حدثه أنه رأى صاحب سيدنا رضي الله عنه سيدي ابن المشرى الأشهب بعد موته خارجاً من الزاوية المباركة بعدما قرئت الوظيفة، فقال له: أو تحضر الوظيفة بعد الموت؟ فقال له: نعم، ثم سأله عن والده صاحب سيدنا رضي الله عنه سيدي العربي بن الأشهب؟ فقال له: إن مرتبتة عالية وأنا دونها فلم أعرف ما اشتملت عليه لشفوفها وعلوها([286])...

* التعليق:

لم يَعُدْ محمد صلى الله عليه وسلم إلى الحياة ليحكم بين المسلمين في خلافاتهم التي أريقت بها الدماء، وكانوابأمس الحاجة له! ويعود هذا الصوفي من أجل قراءة الوظيفة مع أمثاله!! إنه الشيطان طبعاً يتلاعب بهم.

* بلا عنوان:-

يقول محمد بهاء الدين البيطار:

سأل مريد أستاذه عن الاسم الأعظم؟ فضربه بحصاة، فكان الضرب هو الجواب، يشير له: إنك أنت الاسم الأعظم([287])...

* ملحوظة ليست من موضوع الكتاب:-

محمد بهاء الدين الييطار هو والد أستاذنا، عالم الشام، داعية الحق والهدى الشيخ محمد بهجت البيطار، رحمه الله وأجزل ثوابه، وشكر جهاده.

* الصوفي يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير:-

ويقول: ...فإن الكامل في وقته مَظْهر هذه الأسماء الثلاثة التي هي: الله والرحمن والرحيم، بل مَظْهر أسماء الله على الكمال القائم بحقيقة الجمال والجلال، قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أحيي وأميت وأنا على كل شيء قدير([288])...

- ولا تعليق، ولا سؤال، ولا جواب، لكنه تفسير لما تتخبط به الأمة الإسلامية من فساد وضياع.

* يترك التصرف بالكون تظرفاً:-

ويقول: ...وكان هذا مقام أبي السعود تلميذ الغوث الجيلاني، فإنه قيل له: هل أعطاك الله التصرف في العالم؟ فقال: نعم، منذ خمس عشرة سنة، وتركته للحق تعالى تظرفاً! قال الشيخ الأكبر: ونحن تركناه أدباً ومعرفة([289])...

- ولا تعليق، لكنه ألَمٌ وسؤال: ما الذي أوصل الأمة الإسلامية إلى ما هي عليه الآن؟

* الشبلي هو محمد صلى الله عليه وسلم:- ويقول البيطار نفسه:

...ولما انجلى هذا المشهد لمريد الشبلي في صورة الشبلي، قال له أستاذه الشبلي رضي الله عنه: أتشهد أني محمد رسول الله؟ فقال: نعم([290])!...

- ولا تعليق، بل نعيد نفس الأسئلة السابقة.

* والكلب والخنزير جاء دورهما:-

ويقول أيضاً:

...حتى انْسَحَب على الوجود (أي:على الله) الضحك والفرح والعجب والمكر والكيد والاستهزاء والسخرية والظمأ والمرض والجوع والنسيان والشك، حتى قال بعض من غلبه الشهود من أرباب الأحوال:

وما الكلب والخنزير إلا إلهنا                   ا الله إلا راهب في كنيسة

وما ذاك إلا من انصباغ تلك الأحكام الثابتة بنور الوجود المطلق([291])...

ولا تعليق أيضاً، ولكن بكاء وحزن على ما حل بهذه الأمة من هذه الطائفة التي تُعْمِل بها معاولها بإصرار وتكرار، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.

* البدوي، قطب الأقطاب ولا يصلي:-

يقول أحمد الصاوي:

...وأما جمع الجمع، فهو مقام أعلى من مقام البقاء، وهو أن يأخذه الحق بعد بقائه، فيُسكره في شهود ذاته تعالى، فيصير مستهلكاً بالكلية عما سوى الله تعالى، فمنهم مَن يبقى بهذه السكرة إلى الموت كالسيد البدوي رضي الله عنه، ولذلك قال العارفون: إنه جُذب جذبة استغرقته إلى الأبد، ومنهم من يُرَدُّ إلى الصحو عند أوقات الفرائض، والقيام بأمور الخلق، كالسيد الدسوقي، وأضرابه، والمؤلف([292])، (أي:أحمد الصاوي)...

- ولا تعليق أيضاً، لكن تعريف، فالذي يذكر هذا الكلام هو الذي قرر في كتاب له أن ظاهر القرآن من أصول الكفر، كما يظهر من سياق كلامه أن أحمد البدوي كان لا يصلي.

* حتى الوحي ينكرونه:-

يقول الغزالي (حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام):

...والمدْرك الثاني: الوحي للأنبياء والإلهام للأولياء، ولا تظن أن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم لأمور الآخرة ولأمور الدنيا تقليد لجبريل عليه السلام، فإن التقليد ليس بمعرفة صحيحة، والنبي صلى الله عليه وسلم حاشاه الله من ذلك، بل قد انكشفت له الأشياء وشاهدها بنور البصيرة، كما شاهد المحسوسات بالعين الظاهرة([293])...

- في هذا النص، نتعرف على أحد الأساليب الخبيثة التي يستعملونها في الكيد للإسلام والمكر به؟ فهو هنا يستعمل عبارة (تقليد لجبريل)، بدلاً من كلمة (الوحي) لتكون مقبولة.

- وواضح أن قوله: (لأمور الآخرة ولأمور الدنيا) يعني به الشريعة الإسلامية، وهذا الأسلوب يبين مدى المكر الذي يكيدون به الإسلام.

- ثم لم يكتف هؤلاء المخدوعون بأحابيل الشياطين وخدعهم (في خرق العادة وفي الجذبة وما يوسوسون لهم فيها) حتى أرادوا أن يجعلوا محمداً صلى الله عليه وسلم من زمرتهم، ويجعلوا الإسلام صورة عن هذياناتهم.

* صيام جديد أو دين جديد:-

يقول الطوسي (في اللمع) وشهاب الدين السهروردي (في عوارف المعارف) وغيرهما:

...وحكي عن بعض الصادقين من أهل واسط أنه صام سنين كثيرة، وكان يفطر كل يوم قبل غروب الشمس إلا في رمضان.

يعلق السهروردي على هذا بقوله: ...ولكن أهل الصدق لهم نيات فيما يفعلون، فلا يُعارضون، والصدق محمود لعينه كيف كان([294])...

- السؤال: ما الفائدة من تعاليم الإسلام؟ وأين ذهبت؟ وما فائدة الرسل؟؟؟

* الكشف جهل في جهل:-

ويقول السهروردي أيضاً (شيخ الطريقة السهروردية):

...قال سهل بن عبد الله: للقلب تجويفان، أحدهما باطن وفيه السمع والبصر، وهو قلب القلب وسويداؤه.

...ومثل العقل في القلب مثل النظر في العين، وهو صقالٌ لموضعٍ مخصوص فيه، بمنزلة الصقال الذي في سواد العين، ومنه تنبعث الأشعة المحيطة بالمرئيات، فهكذا تنبعث من نظر العقل أشعةُ العلوم المحيطة بالمعلومات([295]).

* المناقشة:

أولاً: للقلب أربعة تجاويف لا تجويفان.

ثانياً: السمع والبصر مركزهما الدماغ لا القلب.

ثالثاً: لا تنبعث الأشعة المحيطة بالمرئيات من سواد العين، إنما تنبعث من ضوء الشمس أو القمر أو السرج...وتسقط على المرئيات ثم تنعكس إلى كل الجهات، والأشعة التي تصطدم بسواد العين تدخله، وتكون الرؤية.

رابعاً: لا يوجد تشابه بين العقل في القلب والنظر في العين.

خامساً: مِن هنا، ومن غير هنا، نعرف أن الكشف لا يزيد عن كونه صوراً لمعلومات اقتبسها العارف عن المعارف السائدة في مجتمعه، بالإضافة إلى هذيانات وثرثرات ووسوسات إبليسية.

* جهل في كذب:-

يقول أبو الهدى الصيادي الرفاعي:

...بلغنا أن الإمام علياً رضي الله تعالى عنه كان يقول في خطبته على رءوس الأشهاد: أنا نقطة (بسم الله) أنا جنب الله الذي فرطتم، فيه وأنا اللوح وأنا القلم وأنا اللوح المحفوظ، وأنا العرش وأنا الكرسي وأنا السماوات السبع والأرضون. فإذا صحا وارتفع عن تجلي الوحدة في أثناء الخطبة يعتذر ويقر بعبوديته وضعفه وانقهاره تحت الأحكام الإلهية([296]).

* تنبيه:

جهل كشفهم، ففي زمن علي بن أبي طالب لم يكن لـباسم الله " نقطة؛ لأن التنقيط لم يكن قد اخترع بعد، وكفركشفهم في الباقي. وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يقل هذا الهذيان؛ لأنه كان مسلماً مؤمناً ولم يكن من الضالين.

* أين الإيمان؟ وأين العقل والحياء؟:-

يقول أبو الهدى الصيادي:

قال الشيخ شرف الدين أبوبكربن عبد المحسن: ...كنا مع السيد أحمد الصيادي قدس سره...وكنا كلما مررنا على نهرماء استقبله السمك من النهرإلى الشاطىء وازدحم على قدميه...وكذلك الدواب والهوام والغزلان في البر الأقفر، حتى إن الحيوانات نراها تقف له على حافتي الطريق...ومات أحد إخوانه فجأة فجاءت إليه أم الميت وهوساجد في صلاة الضحى، فتأخرفي سجوده، فقالت: وحقك لوبقيت إلى يوم القيامة ساجداً لما تركتك إلا بولدي، فرفع رأسه الشريف باكياً، وإذا بالمريد قد قام حياً! فسجد شكراً لله على نعمته التي أنعمها عليه. وذكرالمناوي أنه سجد سجدة واحدة فامتد سجوده سنة كاملة ما رفع رأسه حتى نبت العشب على ظهره([297])..

خير جواب على مثل هذه التمثيليات التي تنصبها شياطين الجن شركاً للضلال والإضلال هو: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم إليك نشكو مكر شياطين الجن بأوليائهم الذين خُدعوا بتمثيلياتهم فضلوا وأضلوا وأصروا على تدمير المسلمين.

* حوار مع الله (سبحانه وتعالى)، ويعرض الله عليه ملكه وملكوته، وحديث لم يمر على رسول الله ولا عرفه جبريل:

يقول ابن عربي:

(وصية إلهية) حدثنا … قال لي علي بن الخطاب الجزري بالجزيرة، وكان من الصالحين؛ رأيت الحق في النوم فقال لي: يا ابن الخطاب تمنَّ، قال: فسكتُّ، فقال لي: يا ابن الخطاب تمنَّ، فسكتُّ. قال ذلك ثلاثاًَ، ثم قال لي في الرابعة: يا ابن الخطاب أعرض عليك ملكي وملكوتي وأقول لك تمنَّ، وتسكت، فقال: قلت: يا رب، إن نطقتُ فبك، وإن تكلمت فبما تجريه على لساني، فما الذي أقول؟ فقال: قل أنت بلسانك، فقلت: يا رب قد شرَّفْتَ أنبياءك بكتب أنزلتها عليهم، فشرفني بحديث ليس بيني وبينك فيه واسطة، فقال: يا ابن الخطاب، مَنْ أحسنَ إلى من أساء إليه فقد أخلص لله شكراً، ومَنْ أساء إلى مَن أحسنَ إليه فقد بدَّل نعمة الله كفراً، قال: قلتُ: يا رب زدني، فقال: يا ابن الخطاب حسبك حسبك([298]).

* التعليق: إنها الشياطين تضحك على ذقونهم وتتلاعب بعقولهم، فتضلهم وتضل بهم.

* التجرؤ على الله سبحانه:-

نقرأ في النفحات الأقدسية قوله:

… فهم ممَّن يحرفون الكلم عن مواضعه بتأويلهم الفكري الذي يحكمون به على الله، ويقولون هو منزه عن كذا، والله ما نزَّه نفسه هذا التنزيه البارد، ولا نزهه رسوله صلى الله عليه وسلم، بل أخبر رسول الله أن الله يعجب ويفرح ويضحك ويكذب ويشتم ويؤذي ويصبر على الأذى، فبُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، أي أخلاق الله، فكذب وشتم وأوذي وجاع وظمي ومرض واستقرض، وكل ذلك واردٌ في حق الله تعالى، فانطبق اسم الله عليه على الكمال والتمام([299])..

- أيها القارئ، ألا تشعر بالحمى من سماع هذا الكلام؟ الله يكذب! ورسوله يكذب! واسم الله ينطبق على رسوله على الكمال والتمام! أي إن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الله؟! وماذا يستطيع مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقوله أمام هذا القول المرعب؟ ثم يتساءلون عن سبب فساد المسلمين؟ والأمر أوضح من نار على علم.

* وأحاديث لم تمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

...ومن تآليفه (أي: ابن عربي) أيضاً: كتاب الأحاديث القدسية، ذكر فيه أنه لما وقف على الحديث المروي في فضائل الأربعين، بمكة المكرمة، سنة 599 هـ، جمعها بشرط أن تكون من المسندة إلى الله تعالى، ثم أَتْبعها أربعين عن الله تعالى مرفوعة إليه، غير مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أردفها بأحد وعشرين حديثاً، فجاءت واحداً ومائة حديث إلهية([300])...

- ونضيف إلى هذا الضلال أن هناك أحاديث منامية منتشرة بين المتصوفة نورد منها مثلاً واحداً للتفكهة: حدث أحد الصوفيين المعروفين في دمشق على المنبر في خطبة جمعة فقال: حدثني شيخي (فلان) قال: حدثه شيخه (فلان) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت له: يا رسول الله! حدثني حديثاً أحدث به الناس، فقال: {ما تزال الملائكة تصلي على العبد ما دام في فمه طعم البُنِّ!! قال له: زدني...} إلخ. وكان مريدو هذا الشيخ يكتبون هذا الهراء باهتمام وكأنهم وقعوا على كنز، وحفظوه! وطبعاً، هم لا يحفظون شيئاً من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد علق الشيخ بعد إيراده هذا الهذيان، وتفاهتين أخريين معه أقبح منه، علق فقال: هذه أحاديث صحيحة لأن رواتها كلهم ثقات.

- أما نحن فنقول: اللهم إليك نشكو ما حل بالأمة الإسلامية من زيغ في الإيمان وجهل وذل وتخبط بسبب هذه الطائفة المارقة التي دمرت الإيمان والعلم والعقل والحياء.

* قصة مرسلة:

أخبره الكشف أنه المهدي المنتظر، وأخبر بذلك المقربين من مريديه، وأخذوا يعدون العدة لليوم العظيم، يوم يأتيه الإذن من الكشف: (اصدع بما تؤمر).

اشترى الحصان (أو اشتري له) من سلالة معروفة، وهيأ له في بلدة مجاورة اصطبلاً يناسب المقام، مقام حصان المهدي المنتظر، ووكل به سائساً خاصاً لخدمته، يطعمه اللوز والبندق والفستق الحلبي، ويتعهد نظافته وراحته آناء الليل وأطراف النهار، وهل يوجد من هو أحق بالخدمة والاعتناء من حصان المهدي المنتظر.

ومن أمناء سره وموضع ثقته شاب ملأ الإيمان قلبه؟ الإيمان بأن الشيخ وصل إلى أعلى درجات القدوسية، وتحقق بكامل الأسماء والصفات الإلهية؟ عين له الشيخ يوماً يخرجان به بعد صلاة الفجر، هذا يركب حصانه؟ حصان المهدي، وذاك يركب حصانه؟ حصان وزير المهدي، إلى مكان منعزل، حيث يمضيان ساعات في التدرب على النزال والطعان بالسيف والترس والسنان؛ لأن سنن الله في خلقه سوف تتبدل، فتخرس البنادق والمدافع، ويفقد البارود والمتفجرات خاصية انفجارها، وإن حدث وانهمر الرصاص وتساقطت القذائف، فبضربة من سيف المهدي تتحول إلى هباء منثور.

كان البدء منذ حوالي خمس عشرة سنة، وهو حتى الآن ينتظر الإشارة.

وعندما يخرج للعباد، وتنقاد له البلاد، سوف ينزل المسيح، وهو إسرائيلي من فلسطين، حيث يرفضه الناس لإسرائيليته، لذلك، وتسهيلاً لمهمته (مهمة المسيح)، فقد هيأ منشوراً مهدوياً في درج كبير سوف ينشره على الناس يقدمه به إليهم، ويزكيه ليقبلوه!!!

- ولنعد إلى كشوفاتهم الفلكية:

مما يورد ابن عربي في: الفتوحات المكية (3/424):

صورة الفلك المكوكب وقباب السماوات وما تستقر عليه، وهو الأرض، والأركان الثلاثة، والعمد الذي يمسك الله به القبة، والمعدن والنبات والحيوان والإنسان.

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وأترك التعليق للقارئ الذي اطلع على شيء من علم الفلك، ليعرف مدى جهل كشفهم الذي يسمونه نور اليقين وحق اليقين وعين اليقين، والذي يقول الغزالي إنهم يعرضون عليه السمع والألفاظ لتصحيحها!!

 

ويورد أيضاً في الفتوحات المكية (3/425):

صورة أرض المحشر وما يحوي عليه من الأعيان والمراتب وعرش الفصل والقضاء وحملته وصفوف الملائكة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وهناك خرائط أخرى لم أرودها اكتفاءً بهذا.

وللعلم: ظهر في مدينة ليون بإسبانيا في أوائل القرن السادس الهجري كتاب لأحد أقطاب طريقة صوفية يهودية (الكابالا).

واسم الكتاب (زوهار) أي: (الإشراق) وفيه صورة للمراتب الروحانية تشبه ما عَرَفه ابن عربي بالكشف وسجله في فتوحاته المكية، مع فارق، هو أن الشكل المرسوم في الزوهار يتلاءم بشكله وأسمائه مع الديانة اليهودية، بينما خرائط ابن عربي معدلة حسب المفاهيم الإسلامية؟ وقد كان هذا الكتاب منتشراً في الأندلس في عصر ابن عربي!

- فما هي العلاقة؟ لا جواب! لكن يجب ألا ننسى الكشف والعلم اللدني.

* كل المعبودات حق (والأوثان حق):-

يقول ابن عربي (الشيخ الأكبر):

...فمن عناية الله بنا، لما كان المطلوب من خلقنا عبادته، أن قرب علينا الطريق، بأن خلقنا من الأرض التي أمرنا أن نعبده فيها، ولما عَبَدَ منَّا مَن عبد غيرَ الله، غار الله أن يعبد في أرضه غيره، فقال: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه؛ أي: حكم، فما عَبَدَ مَن عَبَد غير الله إلا لهذا الحكم، فلم يُعْبَد إلا الله وإن أخطئوا في النسبة، إذ كان لله في كل شيء وجه خاص به ثبت ذلك الشيء، فما خرج أحد عن عبادة الله([301])؟

- معنى هذا الكلام أن أصنام الهندوس هي الله وأوثان اليونان هي الله، وأن اللات والعزى وغيرها كلها هي الله!

وإياك أيها القارئ أن تعترض، فتنطرد! لأنه الكشف الكشف الكشف.

* ووصل الكشف بأهله إلى تكفير القرآن:-

في حاشية الصاوي على الجلالين، في شرح آية الاستثناء في سورة الكهف: ((وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)) [الكهف:23، 24] جاء قوله: (أي: قول الصاوي):

لا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية!! فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل، وربما أداه ذلك للكفر، لأن الأخذ بظاهر الكتاب والسنة من أصول الكفر([302]) اهـ.

* التعليق:

الكشف على كل ضلال قدير، وبالكشف الباطل حقاً يصير!!

إن من أبسط بدهيات الإسلام، وما يُعلم من الدين بالضرورة، أن القرآن والسنة هما مصدر الإسلام، وكل ما خالف القرآن والسنة فهو الكفر والزندقة والضلال. ومن البدهيات في الإسلام، أن كلمة (كفر) تعني مخالفة القرآن والسنة، لكن عندما يأتي قطب غوث كالصاوي أحمد ليقول: إن الأخذ بظاهر القرآن والسنة من أصول الكفر، فلا يبقى منطق ولا يبقى عقل ولا يبقى دين ولا يبقى علم ولا يبقى معلوم ولا يبقى فهم ولا يبقى مفهوم ولا يبقى فكر ولا يبقى بحث ولا يبقى إسلام ولا يبقى إيمان...ولا يبقى إلا الجذبة والفناء عن كل ما وهبه الله للإنسان من مواهب، ولا يبقى إلا الهذيان والكشف عن الجهل والغباء. ومع ذلك، سلِّم تسلم، ولا تعترض فتنطرد!! لأن هؤلاء القوم عرفوا الأمور بنور اليقين وعينه وحقه، وسلام على الإسلام والعقل واليقين. وعلى كل حال، يجب ألا ننسى أبداً أن الهنادكة والبوذيين واليهود...يرون أن ظاهر القرآن والسنة من أصول الكفر. وهذا القول يعطينا صورة صغيرة، لكنها واضحة، عن دور الصوفية في تشويه الرسالات السماوية.

* حتى البول تظهر فيه القداسة:-

أورد الغزالي في (إحيائه):

...حُكي عن الجنيد أنه قال: مرض أستاذنا السري رحمه الله فلم نعرف لعلته دواء، ولا عرفنا لها سبباً، فوصف لنا طبيب حاذق، فأخذنا قارورة مائه، فنظر إليه الطبيب وجعل ينظر إليه ملياً، ثم قال لي: أراه بول عاشق، قال الجنيد: فصُعقت وغشي علي ووقعت القارورة من يدي، ثم رجعت إلى السري فأخبرته، فتبسم ثم قال: قاتله الله ما أبصره، قلت: يا أستاذ، وتبين المحبة في البول؟ قال: نعم([303])...

- لعل القارئ فطن إلى أن المحبة هنا هي محبة الله! وللعلم، يحدث مثل هذا تماماً لمدمني الأفيون والمهلسات.

* دين عجيب:-

يقول شهاب الدين السهروردي البغدادي:

...وحُكي عنه (عن إبراهيم الخواص) أنه قال: مكثتُ في البادية أحد عشر يوماً لم آكل، وتطلعتْ نفسي أن آكل من حشيش البر، فرأيت الخضر مقبلاً نحوي، فهربت منه، ثم التفت فإذا هو رجع عني، فقيل: لِمَ هربت منه؟ قال: تشوقتْ نفسي أن يغيثني([304])!

ويعلق السهروردي على هذه القصة بقوله: فهؤلاء الفرارون بدينهم!

- السؤال: أي دين هذا الذي فر به؟ إنه ليس الإسلام على كل حال! لأن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال في الصيام، وقال: {من رغب عن سنتي فليس مني}.. إذن، فهؤلاء القوم ليسوا من أتباع رسول الله! فإلى من ينتمون؟

* كل شيء عجيب حتى ورعهم (من مقام الورع):-

يقول الغزالي:

...فقد امتنع طائفة منهم (من الصوفية) عن الحلال المحض خيفة أن يشغل قلبه؛ وقد حُكي عن واحد منهم أنه احترز من الوضوء بماء البحر وهو الطهور المحض([305])؟!

- سؤال: ماذا فعل إذن؟ لعله تيمم بالتراب؟ وهو غير مجزئ، والتراب أولى من ماء البحر أن يحترز منه، إذ قد يكون سقطت عليه نجاسة، أو يكون ملكاً لأحد فلا يبقى إلا إلغاء الوضوء، وإلا، فماذا فعل؟ هل صلى بدون وضوء؟ أو لعله توضأ بماء الغيب، ثم صلى بأرض الغيب، الواقعة في جزيرة الغيب، التي هي إحدى جزائر بحر الغيب، وصلى معه رجال الغيب، في أوقات الغيب من أيام الغيب وشهور الغيب، وإلا فماذا؟

على كل حال، هذا الكلام لا يجوز أن يُناقش؛ لأن راويه هو حجة الإسلام، رواه في كتابه (إحياء علوم الدين) اسمان يصمان السمع ويثقبان الآذان.

* بلا عنوان ولا تعليق ولا مناقشة:-

قال أحمد التجاني:

ليس لأحد من الأولياء أن يُدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب إلا أنا وحدي، ولو بلغوا ما بلغوا من الذنوب وعملوا ما عملوا من المعاصي، وأما سائر سادتنا الأولياء رضي الله عنهم فيُدخلون الجنة أصحابَهم بعد الحساب والمناقشة([306])...(إِحِمْ).

* كشفهم يكذب عليهم:-

يقول عبد الوهاب الشعراني:

...قال الجلال السيوطي رحمه الله: واعلم أنه ما كان كبيرٌ في عصر قط إلا كان له عدوٌّ من السفلة، إذ الأشراف لم تزل تُبتلى بالأطراف، فكان لآدم عليه السلام إبليس...وكان لعيسى في حياته الأولى بختنصر وفي الثانية الدجال([307])...

هذا القول يقوله قطب، هو جلال الدين السيوطي، ويرويه عنه قطب الغوث الرباني، سيدي عبد الوهاب الشعراني، وكشف القطبين لم يساعدهما على معرفة أن بختنصر كان قبل عيسى صلوات الله عليه بأكثر من ستمائة سنة! ولكنه العلم اللدني الذي ينسخ آيات القرآن! فهل كثير عليه إن نسخ حقائق التاريخ؟

* يفطر في رمضان تقرباً إلى الله:-

يقول محمود أبو الفيض المنوفي:

...ومنها أن أحد الملامتية من الأولياء دخل بلداً، فأخذ الناس في تعظيمه، فسأل الله أن يصرفهم عنه، وكان ذلك في رمضان بالنهار، وهو صائم، ولما دعا الله، فأُلهم أنَّ بجيبه بلحة، فتناولها، فانصرف الناس عنه قائلين: إن الشيخ قد أفطر!! فشكر الله على أَن أَخْلَوْا ما بينه وبين ربه([308]).

- يعلق محمود أبو الفيض المنوفي (قطب الغوث) على هذا الضلال بقوله: وهو وإن كان أفطر، ورأى القارئ أن الكفارة تلزمه! قلنا: إن مثل هذا يقضي ثلثي عامه صائماً قط؛ فإذا احتسب صوم بعض أيامه من الصوم كفارة للفطر، فلا مانع عنده. (ولا تعليق، ولا تقريق، ولا تبويق) لأنه العلم اللدني اللدني اللدني اللدني...

* لصوصية الولي ولصوصية السارق:-

يقول الغوث عبد العزيز الدباغ:

...الفرق بين أخذ الولي صاحب التصرف متاع الناس، وبين أخذ السارق واللص له، الحجابُ وعدمُه، فالولي شاهدٌ لربه عز وجل، مأمورٌ من قِبَلِه بالأخذ، قال الله تعالى: ((وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)) [الكهف:82].. ولقد دخل سيدي منصور القطب رضي الله عنه إلى مولانا إدريس نفعنا الله به، فوجد سيدي أبا يعزى بن أبي زيان البكاري يزور، فأخذ بُلْغَتَه (نوع من الأحذية) وخرج، فقلت للشيخ رضي الله عنه في ذلك، فقال: الفرق بين أخذ الولي والسارق الحجابُ وعدمُه، فسيدي منصور لكونه قطباً مشاهداً البُلْغة له، ورآها في اللوح المحفوظ مِن قِسْمَته، وسمع الأمر من الحق سبحانه بأخذها، يحل له الأخذ كيف أمكنه، والسارق محجوب غافل عن ربه...

يعلق نجم العرفان سيدي أحمد بن المبارك على هذه اللصوصية بقوله:

أعاذنا الله من سوء الانتقاد على الكمَّل من العباد([309])...اهـ) أي: لا تعترض عليهم فيما يفعلون!

* وهكذا وصلنا إلى (اللصوصية المقدسة):-

ويقول عبد العزيز الدباغ نفسه:

...إن الولي صاحب التصرف يمد يده إلى جيب من شاء فيأخذ منه ما شاء من الدراهم، وذو الجيب لا يشعر! قلت: (القائل هو أحمد بن المبارك): لأن اليد الذي يأخذ بها الولي باطنية لا ظاهرية([310])...

أقول: هذه اللصوصية تعطينا صورة صغيرة، لكنها واضحة، عن سبب فساد المجتمعات الإسلامية.

* والمعاصي كلها مباحة للولي! (مكراً بالأشقياء الذين يعترضون على الأولياء):-

يقول الدباغ:

وإذا أراد الله شقاوة قوم وعدم انتفاعهم بالولي، سخرهم الحق فيما هم فيه من قبح ومخالفة، فيظنون أنه على شاكلتهم، وليس كذلك، حتى إنه يُتصور في طور الولاية أن يقعد الولي مع قوم يشربون الخمر، وهو يشرب معهم، فيظنون أنه شارب الخمر، وإنما تصورتْ روحه في صورة من الصور، وأظهرت ما أظهرت، وفي الحقيقة لا شيء، وإنما هو ظل ذاته تحرك فيما تحركوا فيه، مثل الصورة التي تظهر في المرآة([311])...اهـ. (الآت رقص من دون نقص، ترلم ترلم، ترلم ترلم).

* عودة إلى كشف العورة:-

يقول الدباغ نفسه: إن غير الولي إذا انكشفت عورته نفرت منه الملائكة الكرام؛ لأن الحياء يغلب عليهم، والمراد بالعورة العورة الحسية، وهي ظاهرة، والعورة المعنوية التي تكون بذكر المجون وألفاظ السَّفَه، وأما الولي فإنها لا تنفر منه إذا وقع له ذلك؛ لأنه إنما يفعله لغرضٍ صحيح، فيترك ستر عورته لما هو أولى منه؛ لأن أقوى المصلحتين يجب ارتكابه، ويؤجر على ستر عورته وإن لم يفعله، لأنه ما منعه من فعله إلا ما هو أقوى منه، ولولا ذلك الأقوى لفعله، فكأنه فعلهما جميعاً فيؤجر عليهما معاً([312])...

- سؤال: ما هي المصلحة من كشف العورة؟ أي مصلحة؟ سواء كانت أقوى أو أضعف أو مساوية أو موازية؟ أو أو.

- جواب: لعل كشف العورة مقام من مقاماتهم، التي هي (المنجيات)! وإلا فماذا؟؟

* من أساليب تبرير الفساد والمعاصي:-

ويقول عبد العزيز الدباغ أيضاً: إن الولي الكبير فيما يظهر للناس يعصي وهو ليس بعاصٍ، وإنما روحه حجبت ذاته، فظهرت في صورتها، فإذا أخذت في المعصية فليست بمعصية؛ لأنها إذا أكلت حراماً مثلاً، فإنها بمجرد جعلها في فيها فإنها ترميه إلى حيث شاءت، وسبب هذه المعصية الظاهرة شقاوة الحاضرين والعياذ بالله([313]) (انتهى).

- وهذا يفسر سبب فساد الأمة الإسلامية، وخاصة إذا علمنا أن العارفين ألف والمتكلم واحد.

* يتنازلون عن مزاحمة الله في تصرفه حياءً من الله وزهداً بالألوهية:-

قال أبو طالب المكي:

...وفوقها (فوق مقامات ذكرها قبل هذا الكلام) ما لا يصلح رسمه في كتاب من مكاشفات الصديقين ومشاهدات العارفين، منها: أنه أعطاهم (كن) بإطلاعه إياهم على الاسم، فزهدوا في كون (كن) لأجل (كان) توكلاً عليه وحياءً أن يعارضوه في قدرته ويرغبوا عن تقديره، أو يضاهوه في تكوينه([314])..

- الجواب: نشكوهم إلى الله، فقد دمروا على المسلمين إيمانهم وعقولهم (أبو طالب المكي حجة عند القوم، وقوته حجة أيضاً) ولا تعترض.

* التسول والكسل فضيلة (من مقامات التوكل والزهد):-

ويقول أبوطالب المكي أيضاً (ومعه الغزالي أيضاً):

قد يفضل التارك للتكسب شغلاً بالعبادة، عن المتكسب، من حيث فضل المتقدمون الزاهدون في الدنيا على كاسب المال حلالاً ومنفقه في سبيل الله. وسئل الحسن عن رجلين، أحدهما محترف والآخر مشغول بالتعبد، أيهما أفضل؟ فقال: سبحان الله! ما اعتدل الرجلان، المتفرغ للعبادة أفضلهما([315])!!

- السؤال: ما نفعل بقوله سبحانه: ((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)) [الملك:15]؟ وما نفعل بأحاديث رسوله التي يجعل بعضُها العملَ للتكسب بمرتبة الجهاد؟

الجواب: دعوتهم هذه- وكل عارفيهم يدعون لها- تفسر سبب انحطاط المسلمين.

* ويقدمون الحكايات لتشجيع التواكل والكسل والتسول:-

يقول أبو طالب المكي أيضاً والغزالي معه:

وحكي أن بعض العلماء صلى خلف رجل، فلما انفتل الإمام، نظر إليه في زي غير مكتسب، فقال: يا شيخ، مِنْ أين تأكل؟ فقال: اصبر حتى أعيد الصلاة التي صليتها خلفك ثم أجيبك([316])!

- عجيب والله! أصبح الأمر بالمعروف مبطلاً للصلاة؟! ثم يتساءل المتسائلون عن سبب فساد المسلمين!

ويقولان أيضاً (هو وهو):

وحدثونا في معناه عن آخر، أنه لزم العكوف في المسجد، ولم يكن ذا معلوم من عيش، فقال له الإمام الذي يصلي بالناس: لو تكسبت وتعيشت كان أفضل لك، فلم يجبه، فأعاد عليه وقتاً آخر نحو ذلك، فقال: يهودي في جوار المسجد قد ضمن لي كل يوم رغيفين، فقنعت بذلك، وتركتُ التكسب، فقال الإمام: إن كان صادقاً في ضمانه فإن عكوفك في المسجد خير لك، فقال له الرجل: يا هذا أنت لو لم تكن إماماً للمسلمين تقوم بينهم لنقص توجهك([317])....

* تعليق هام جداً:-

من هذه النصوص وما سبقها نستطيع أن نعرف سبب تأخر المسلمين وابتعادهم عن الإسلام ومصيرهم الحالي، حيث هم الآن (أذل أمة في الأرض).

* ويجعلون التشريع مستمراً، ولتنسخ الآية الكريمة:-

يقول محمد بن عبد الله بن حسنين الطصفاوي (التجاني):

واعلم أن من المقرر عند العلماء والأعلام، أنه يُعمل بجميع ما يتلقاه العارفون منه عليه الصلاة والسلام، سواء في اليقظة أو المنام، ما لم يصادم شيئاً من النصوص القطعية، أو يؤد إلى انخرام قاعدة شرعية([318])...

- سؤالان: الأول: أي شيء في الصوفية لا يصادم النصوص القطعية (سواء في المجمل أو التفصيل)؟

- الثاني: يقول: ما لم يصادم شيئاً من النصوص القطعية! أفلا تصادم قاعدتكم هذه قوله سبحانه: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)) [المائدة:3]؟ أوَليست هذه الآية نصاً قطعياً؟ إن لم تكن كذلك، فهل بقي أمامكم نص يمكن أن يكون قطعياً؟!

* المتصوفة يفقهون الإسلام أكثر من الصحابة:-

يقول مولانا العارف بالله الشيخ محمد أمين الكردي (النقشبندي):

...وعن العارف الوفائي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي عن نفسه الشريفة: لست بميت، وإنما موتي عبارة عن تستري عمن لا يفقه عن الله، وأما من يفقه عن الله فهاأنذا أراه ويراني([319])...

الجواب: هذا الكلام هو إنكار للآية الكريمة: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)) [الزمر:30]، التي هي نص قطعي، ورغم كل شيء يقولون: إن علومهم اللدنية وكشوفهم لا تصادم النصوص القطعية؟! وكلها مؤيدة بالقرآن والسنة؟!

* كيف يثبتون علومهم:-

...كان سيدي أحمد (ابن إدريس صاحب الطريقة الإدريسية) يقول: أملى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحزاب (أي: الأوراد) من لفظه.

وكان يقول: أخذنا العلم من أفواه الرجال كما تأخذون، ثم عرضناه على الله والرسول، فما أثبته أثبتناه وما نفاه نفيناه.

وقال (واصفاً الصلوات الإدريسية التي مر بعضها في فصل سابق): هذه الصلوات قد استوت على عرش الأنوار، وأرجلهن متدليات على كرسي الأسرار، تصلين في كتاب الكمالات المحمدية، بقرآن الحقائق الأحمدية، قد طلعت في سماوات العلا شمسها، وارتفع عن وجه الكمال المحمدي نقابها، وبحرها في الحقائق الإلهية زاخر، ولهن في القسمة من المعارف المحمدية حظ وافر، خذهن إليك يا من أراد أن يسبح في كوثر النور المحمدي، وجُلْ في عجائب معانيها يا من يبتغي الاغتراف من البحر الأحمدي، تتلو عليك من كتاب الحقائق المحمدية محكم الآيات([320])...إلخ.

- يترك التعليق على هذا الضلال للقارئ، مع الرجاء أن يعود إلى الصلوات الإدريسية، وأن ينتبه إلى دور الشياطين في المسرحية.

* يتيمم على شط دجلة!:-

...وعن أحمد الدورقي قال: قعد معروف الكرخي على شط دجلة، فتيمم! فقيل له: الماء قريب منك، فقال: لعلي لا أعيش حتى أبلغه([321])!

- القول على هذا الفعل:

1- صلاته باطلة لأنها دون طهارة، وإذا حضر الماء بطل التيمم، وكشفه كان أجهل منه.

2- من أي باب من أبواب المقامات الصوفية يمكن أن يكون هذا العمل؟ هل هو من مقام الفقر؟ أم الزهد؟ أم الورع؟ أم الخوف؟ أم التوكل؟ أم ماذا؟ ولا يسعنا إلا أن نقول له ولهم: مرحباً يا تقي، مرحباً يا ورع، مرحباً يا زهد، مرحباً يا معروف الكرخي، مرحباً يا أبا نعيم الأصفهاني (الذي أورد هذه القصة) وعلى الإسلام السلام، وعلى العقل السلام.

وللعلم: راوي هذه القصة (وكثير من أمثالها) هو أبو نعيم الأصفهاني في الحلية.

* فرعون صادق بادعائه الربوبية:-

قال سهل بن عبد الله (التستري):-

...وسئل عن سر النفس؟ فقال: النفس سر، ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلا على فرعون؟ ((فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)) [النازعات:24]، ولها سبع حجب سماوية، وسبع حجب أرضية، فكلما يدفن العبد نفسه أرضاً أرضاً، سما قلبه سماءً سماءً، فإذا دفنت النفس تحت الثرى، وصلت بالقلب إلى العرش([322]).

- السؤال: أليس هذا تكذيباً لآيات القرآن الكريم؟؟ وماذا بقي من الإسلام؟ يا ناس أجيبونا. ورغم ذلك يقولون: إن علومهم مؤيدة بالقرآن والسنة! فجورٌ عجيب والله!

* يستطيع أن يحرق العرش والكرسي:-

قال الطوسي في اللمع (الكتاب الأم):

...حُكي عن الشبلي أنه أخذ من يد إنسان كسرة خبز فأكلها، ثم قال: إن نفسي هذه تطلب مني كسرة خبز، ولو التفت سري إلى العرش والكرسي لاحترق. أو كما قال([323]).

- النقش على هذا الفقش: شر البلية شيئان:

أولاً: ما يضحك. ثانياً: عبارة (أو كما قال)!

ويقول الطوسي أيضاً:

...شهدوا على أبي الحسين النوري أنه سمع أذان المؤذن فقال: طعنة وشم الموت! وسمع نباح كلب، فقال: لبيك وسعديك([324])...

* ملحوظة:-

مر مثل هذا الضلال في مكان سابق، ولن تعدم زنديقاً أو جاهلاً يقول لك: هذا له تأويل.

وقال أيضاً:

سمعت أبا عبد الله بن جابان يقول: دخلت على الشبلي في سنة القحط، فسلمت عليه، فلما قمتُ على أن أخرج من عنده، فكان يقول لي ولمن معي، إلى أن خرجنا من الدار: مرُّوا، أنا معكم حيثما كنتم، أنتم في رعايتي وفي كلاءتي. قلت: أراد بقوله ذلك: إن الله تعالى معكم حيثما كنتم وهو يرعاكم ويكلؤكم وأنتم في رعايته وكلاءته.

فالمعنى في ذلك أنه يرى نفسه مَحْقاً فيما غلب على قلبه من تجريد التوحيد وحقيقة التفريد. والواجد إذا كان وقته كذلك، فإذا قال: أنا، يعبر عن وجده، وعن الحال الذي قد استولى على سره([325])...إلخ.

- ولا تعليق، ولا نقش ولافقش، حتى ولا رقص، لا مع النقص ولا بدون نقص.

لكن ما أكثر الزنادقة والجهلة، الذين يقولون: هذا له تأويل أو هذا مدسوس، ونقول لهم: إنه غير مدسوس، ومعناه أنه كان في ذلك الوقت متحققاً بالألوهية، فقال كلامه ذلك بصفته أنه الله (جل وعلا).

* بالِمْ سلطان:-

.. باليم سلطان، أي: سلطان العسل (توفي سنة 922 هـ) وهو مجدد البكتاشية، وأمه أميرة مسيحية بلغارية، وأبو بكتاشي هو مرسل بابا، وقد حملت منه بأن تناولت الأميرة عسلاً، تناولته من يد الشيخ مرسل بابا، ولذلك سمي باليم سلطان([326]).

- نقش على هذا الفقش: الذين يدعون الألوهية ليس بكثير عليهم أن يدعوا لأنفسهم ولادة كولادة المسيح. أما سبب الحمل فعلمه عند الله.

وللتذكير: البكتاشيون الآن، يحلون الخمور، ويعترفون بخطاياهم للشيخ فيغفر لهم، وأشياء أخرى.

* يسجدون للشيخ (ولا تعترض):-

نعمة الله([327])، الولي العلوي الحلبي...استقر في ماهان من كرمان. كان مريدوه يسجدون له، ويرون أنه المعني بالآية: ((يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)) [النحل:83]([328]). (انتهى). (هس س س س س، لا تعترض).

* عبادة من نوع عجيب:-

يقول عبد الكريم القشيري:

قال بعضهم: وُصِف لي ذاكرٌ في أجمة، فأتيته، فبينما هو جالس، إذا سبع عظيم ضربه واستلب منه قطعة (أي: قطعة من لحمه)، فغشي عليه وعليَّ، فلما أفاق قلت: ما هذا؟ فقال: قيض الله هذا السبع عَلَيَّ، فكلما دخلتني فترة عضني عضة كما رأيت([329]).

1- هذا الذاكر هو أحد رجلين:

أ- إما أنه أهدى من محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن محمداً لم يأت بمثل هذا الذكر ولا مثل هذه العبادة، ولا عرفها أصحابه.

ب- أو أنه سائر في إحدى متاهات الضلال البعيد..

2- ما هي نتائج العضات وقطع اللحم التي كان السبع ينهشها من جسمه؟

3- ما أكثر الزنادقة والمغفلين الذين يقولون: إن هذا مدسوس، فنجيبهم: ألا لعنة الله على الكاذبين.

* الصوفية يحاربون الشريعة والعلم:-

يقول ابن عجيبة:

...وقال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه: الجلوس مع العارفين أفضل من العزلة، والعزلة أفضل من الجلوس مع العوام، والجلوس مع العوام أفضل من الجلوس مع المتفقرة الجاهلين، قلت (القائل هو ابن عجيبة): والجلوس مع علماء الظاهر أقبح في حق الفقير من جميع ما تقدم، والله ما رأيت فقيراً صحبهم فأفلح في طريق القوم أبداً، فلا قاطع أعظم منهم([330])...

- من أمثال هذه النصوص ندرك سبب بعد المسلمين عن إسلامهم، وسبب جهلهم به، وبالتالي سبب انحدارهم إلى مستوى الجهل والذل الذي يتخبطون فيه.

- لكن.. هل تفرد ابن عجيبة في هذا التوجيه؟

- الجواب: لا، فهو يسير في طريق القوم، وقد مرت أمثلة، وهذه أخرى: يقول شهاب الدين السهروردي البغدادي (إمام الوجود).

...قال أبو سليمان الداراني: ثلاث من طلبهن فقد ركن إلى الدنيا، من طلب معاشاً أو تزوج امرأة أو كتب الحديث([331])!!

ويقول الغزالي (حجة الإسلام) (داعياً للجهل والتنبلة):

...وقال الجنيد رحمه الله: أحب للمريد المبتدئ ألا يشغل قلبه بثلاث، وإلا تغير حاله، التكسب وطلب الحديث والتزوج. وقال (أي: الجنيد): أحب للصوفي ألا يكتب ولا يقرأ؛ لأنه أجمع لهمه([332])...

ويقول الطوسي في اللمع (داعياً للجهل):

...وقال بعضهم: إذا رأيت الفقير قد انحط من الحقيقة إلى العلم، فاعلم أنه قد فسخ عزمه وحل عقده([333])...

وقال أيضاً (داعياً للجهل):

قال الجنيد: إذا لقيت الفقير فالقه بالرفق ولا تلقه بالعلم، فإن الرفق يؤنسه والعلم يوحشه([334]).

وقال أيضاً (من مقام التوكل):

سمعت أحمد بن علي الوجيهي يقول: سمعت بعض المشايخ يقول: حج حسن القزاز الدينوري رحمه الله اثنتي عشرة حجة حافياً، مكشوف الرأس، فكان إذا دخل في رجله الشوك يمسح رجله بالأرض ويمشي ولا يطأطئ رأسه إلى الأرض من صحة توكله([335]).

- سؤال: صحة توكله هذه من أين جاء بها؟ وما هو دليله عليها من قرآن أو سنة أو عمل صحابة؟؟ نعم، يمكن وجود الدليل في الهندوسية والبوذية.

* دعوة إلى الكسل:-

يقول أبو نصر الطوسي في اللمع (الكتاب الأم في تاريخ التصوف الإسلامي):

وسمعت الذَّقِّي يقول: أقمت بمكة تسع سنين، وكنتُ اعتقدت ألا أصلي صلاتين في موضع واحد، فكان يمر بي من الجوع ما إذا رأيت جنازة أقول: ليتني كنت مكان هذا الميت، قال: وكان يقع في قلبي في الوقت: يا هذا أليست هذه الفاقة التي لك لا يعلم بها أحد غير الله، فكنت أشتغل بذلك، ويذهب عني ما أجد من الجوع([336]).

* الملحوظات:-

1- هو آثم وليس مأجوراً؛ لأن الجوع والكسل والصيام الموصول ليس من تعاليم الإسلام.

2- هذه القصة وغيرها تدلنا على سبب انتشار (التنابل) في العالم الإسلامي حتى زمن قريب، حيث لم نزل نسمع بتنابل التكايا، مثل: (تنابل اصطنبول، وتنابل بغداد، وتنابل دمشق، وغيرهم من التنابل الذين كانوا منتشرين في التكايا المنتشرة في طول البلاد وعرضها).

3- كان اعتقد أنه لا يصلي صلاتين في موضع واحد! وماذا في هذا الاعتقاد من الفضل؟ وماذا لو صلى في أي مكان ييسره الله له؟ وهل هو مأجور على اعتقاده هذا؟ وهل؟ وهل؟....وماذا فعل بصلاة الجماعة؟!

* يزهدون في الدنيا والآخرة! فماذا يريدون؟:-

ويقول الطوسي أيضاً (من آداب الحج):

فإذا دفعوا مع الإمام إلى المزدلفة، فأدبهم أن يكون في قلوبهم العظمة والإجلال لله تعالى، فإذا دفعوا مع إمامهم جعلوا الدنيا والآخرة وراء ظهورهم([337])؟!

- الجواب على هذا الضلال نجده في آيات كثيرة، نكتفي بواحدة منها: ((اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ)) [العنكبوت:36].

إنه سبحانه يأمرنا أن نعبد الله ونرجو اليوم الآخر، فما بال علومهم اللدنية تأبى إلا أن تكون مخالفة للقرآن الكريم؟ وقد رأينا مثل هذا القول في النصوص السابقة، ولا بأس من الرجوع إليها لجلاء الذاكرة...ورغم كل ذلك، يقولون: إن علومهم مؤيدة بالقرآن والسنة!

* عودة إلى الجهل:-

يقول الطوسي نفسه في كتابه (اللمع) نفسه:

قال أبو يزيد البسطامي: صحبت أبا علي السندي، فكنت ألقنه ما يقيم به فرضه، وكان يعلمني التوحيد والحقائق صرفاً([338]).

- السؤال: لِمَ لَمْ يعلمه كشفه ما يقيم به فرضه؟ وما هو هذا التوحيد والحقائق مع كل هذا الجهل؟

* عودة إلى القمل:-

...سئل المرتعش النيسابوري رحمه الله عن الفقير فقال: الذي يأكله القمل ولا يكون له ظفر يحك به نفسه([339]).

ولا تعليق، لكن القارئ يعلم الآن أن معنى كلمة (الفقير) أي: الولي الصوفي.

* تأديب النفس على طريقة الهندوس:-

يقول أبو نصر الطوسي عن أبي نصر الروذباري:

...وذكر عن ابن الكرَيني، وكان أستاذ الجنيد رحمه الله، أنه أصابته الجنابة ليلة من الليالي، وكانت عليه مرقعة ثخينة غليظة...فجاء إلى الشط ليلة، وكان برد شديد، فحرفت نفسه عن الدخول في الماء لشدة البرد، قال: فطرح نفسه في الماء مع المرقعة، ولم يزل يغوص في الماء مع مرقعته ثم خرج من الماء، وقال: اعتقدت ألا أنزعها من بدني حتى تجف عليّ، قال: فلم تجف عليه شهراً كاملاً؛ وأراد بذلك تأديباً لنفسه؛ لأنها حرنت عند الائتمار لما أمر الله تعالى به([340]).

- سؤالنا: ما هذا الدين الذي يدين به هؤلاء القوم؟ إنه ليس الإسلام على كل حال؟! وما هذه الغبائيات الجاهلة الحمقاء؟ لكن هذا وغيره يفسر لنا سبب انحطاط الأمة الإسلامية وضياعها التاريخي العجيب بعد تلك النهضة العجيبة.

ويقول الطوسي أيضاً:

وحكي عن إبراهيم بن شيبان أنه قال: كان أبو عبد الله المغربي رحمه الله يدخل البادية وعليه إزار ورداء أبيض، وفي رجله نعل طاق كأنه يمشي في السوق، فإذا دخل مكة وفرغ من الحج أحرم من تحت الميزاب، ويخرج من مكة، وهو محرم، ويقيم على إحرامه إلى أن يرجع إلى مكة([341]).

- الجواب: كل العبادات باطلة إلا ما نزل به نص. فعبادته هذه باطلة وهو فيها بدعي آثم. ونرد عليه وعلى أمثاله من المبتدعين بالآية الكريمة ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)) [الشورى:21].

ولعل القارئ الكريم عرف أن العبادة المبتدعة هنا هي إحرامه طيلة السنة عند خروجه من الحرم إلى بيته حتى عودته إلى الحرم، ولعل القارئ يرى التفاهة الفكرية والانحراف في العقيدة في مثل هذه البدع التي يخيل لهم شيطانهم أنها ولاية لله، وما هي إلا ولاية للشيطان.

* طريقان ينبت فيهما الذهب والفضة! أين هما؟:-

يقول الطوسي نفسه:

وحكي عن إبراهيم الخواص رحمه الله أنه قال: أعرف في البادية تسعة عشر طريقاً غير الطريق الذي يسلكه الناس والقوافل. طريقان منهما ينبت فيهما الذهب والفضة([342])!

- جوابنا مثل جواب سابق: ترلم ترلم ترلم.

ويقول القشيري في (الرسالة القشيرية) (وفي الإعادة إفادة):

...وقال الواسطي: ادعى فرعون الربوبية على الكشف، وادعت المعتزلة على الستر، تقول: ما شئت فعلت([343])...

- إذن ففرعون هو رب فعلاً؛ لأنه ادعى الربوبية على الكشف الذي هو نور اليقين، وحق اليقين، وعين اليقين! فنسأل أهل الذكر: ما هو الكفر؟

ويقول القشيري أيضاً في رسالته:

...ولقد قيل للجنيد: العارف يزني يا أبا القاسم؟ فأطرق ملياً ثم رفع رأسه وقال: وكان أمر الله قدراً مقدوراً([344]).

- إذن فالزنا لا يضر شيئاً بالولاية، وطبعاً يحل للولي كل شيء.

ويقول نفسه:

...كان يقال للنصراباذي كثيراً: إن علياً القوال يشرب بالليل ويحضر مجلسك بالنهار؟ وكان لا يسمع فيه ما يقال، فاتفق أنه كان يمشي يوماً ومعه واحد ممن يذكر علياً بذلك، فوجد علياً مطروحاً في موضع وقد ظهر عليه أثر السكر وصار بحيث يغسل فمه، فقال الرجل: إلى كم نقول للشيخ ولا يسمع! هذا علي بالوصف الذي نقول، فنظر إليه النصراباذي وقال للعذول: احمله على رقبتك وانقله إلى منزله، فلم يجد بداً من طاعته فيه([345])...

* التعليق:

لعلهم يرون أن الله سبحانه قد غلط عندما أنزل الحدود، وعندما قال: ((تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا)) [البقرة:229]، وقال: ((وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) [البقرة:229]، فجاء هؤلاء المكاشفون ليصلحوا غلطه! فألغوا حد شارب الخمر، وأكرموه! فعلوم الأولياء فوق علوم الأنبياء! ورغم ذلك يقولون: إن علومهم الكشفية لا تصادم النصوص القطعية، بل هي مؤيدة بها!

* تنبيه:

يفرض الإسلام على هؤلاء أن يقدموا السكير إلى القضاء ويشهدوا عليه بما رأوه، والقاضي هو الذي يقيم عليه الحد.

* عودة إلى الدعوة إلى الجهل:-

يقول القشيري (إياه) في رسالته (إياها) داعياً إلى الجهل:

...وقال الخضري: وأصولنا في التوحيد خمسة أشياء: رفع الحدث، وإفراد القدم، وهجر الإخوان، ومفارقة الأوطان، ونسيان ما علم وجهل([346]).

ويقول أيضاً داعياً إلى الجهل:

قال الجنيد: التوحيد الذي انفرد له الصوفية هو إفراد القدم عن الحدث، والخروج عن الأوطان وقطع الصحاب وترك ما علم وجهل([347])...

ويقول أيضاً داعياً إلى الجهل:

وحكي عن أبي القاسم بن مروان النهاوندي قال: كنت أنا وأبو بكر الوراق مع أبي سعيد الخراز نمشي على ساحل البحر نحو صيدا، فرأى شخصاً من بعيد، فقال: اجلسوا. لا يخلو هذا الشخص أن يكون ولياً من أولياء الله، قال: فما لبثنا أن جاء شاب حسن الوجه وبيده ركوة ومعه محبرة وعليه مرقعة، فالتفت أبو سعيد إليه منكراً عليه لحمله المحبرة مع الركوة([348])...

* التعليق:

إنكارهم على الناس حمل المحبرة (أي: الاشتغال بالعلم)، وطلبهم إليهم نسيان ما علم وما جهل هو جزء من رسالة التصوف التي ينشرونها في المجتمع الإسلامي، وهذا يفسر لنا سبب انحطاط الأمة الإسلامية إلى ما هي فيه من الجهل والبعد عن الإسلام وسبب كل ما تتخبط فيه مما يلمسه كل من فيه شيء من الإدراك.

- وفي قول الجنيد ملحوظة هامة جداً! هي قوله: (التوحيد الذي انفرد به الصوفية)، والذي يدل بوضوح واضح وصراحة صريحة وبيان مبين أن توحيدهم هو غير توحيد المسلمين، (إنهم انفردوا به). والإقرار أعلى الأدلة.

وأرجو من القارئ أن يتسلى بتحليل عبارة: (إفراد القدم عن الحدث)، ومثلها: (رفع الحدث وإفراد القدم).

- ومن الملحوظات الكثيرة التي يمكن تسجيلها على هذه النصوص نشير إلى واحدة هي قول الخراز عن الشخص: (لا يخلو أن يكون ولياً من أولياء الله) وقد ورد في ثنايا الكتاب بعض الآيات والأحاديث التي ترد على مثل هذا الافتراء على الله.

* عودة إلى نبذ الآخرة والزهد فيها:- يقول القشيري (إياه) في رسالته (إياها):

...وقيل: إن إبراهيم بن أدهم قال لرجل: أتحب أن تكون لله ولياً؟ فقال: نعم، فقال: لا ترغب في شيء من الدنيا والآخرة وفرغ نفسك لله تعالى([349])...

- الأجوبة كثيرة على من لا يريد الآخرة، منها قوله سبحانه: ((مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)) [آل عمران:152]، فمن أي صنف هؤلاء القوم؟ وهم لا يريدون الدنيا ولا يريدون الآخرة، ويقول سبحانه: ((يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ)) [آل عمران:176]، وواضح أن هذا هو العقاب الشديد، وهؤلاء رفضوا حظ الآخرة سلفاً! فماذا بقي لهم؟

لعلهم يعلِّمون الله سبحانه ما لم يعلم؟! ويقول سبحانه: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ)) [الشورى:20]، وهؤلاء لا يريدون حرث الآخرة، ويقول سبحانه: ((كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ)) [المدثر:53]، وهؤلاء لا يخافون الآخرة ولا يرجونها...والآيات والأحاديث كثيرة. ثم يقولون- ويا لهول ما يقولون، ويا للفجور والكيد والمكر فيما يقولون-: إن علومهم وكشوفهم لا تصادم النصوص القطعية؟! وكلها مؤيدة بالقرآن والسنة.

* يحرفون الكلم من بعد مواضعه:-

يقول القشيري في رسالته التي يدرسها علماؤهم في مساجد المسلمين الغافلين:

...وكذا أصحاب الحقائق يكونوا محواً عن نعوت الخلائق، قال الله تعالى: ((وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ)) [الكهف:18]([350])...

- لا جرم أن القارئ الكريم غدا الآن على معرفة تامة بمعنى العبارة: (محواً عن نعوت الخلائق)، ومع ذلك فلا بأس من شرحها؟ يقول: إن أصحاب الحقائق، أي: الذين عرفوا الحقيقة وتحققوا بها، يكونون قد انمحت عنهم صفات الخلق، لقيامهم بصفات الحق، فظاهرهم مخلوقات؛ ولكن حقيقتهم هي الألوهية بنعوتها وصفاتها. ويجعل الآية الكريمة: ((وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ)) [الكهف:18] مشيرة إلى ضلالهم هذا. وهذه صورة من تحريفهم لمعاني الآيات الكريمة. ثم يقولون: إن علومهم وكشوفهم مؤيدة بالقرآن والسنة؟!

* ومن الولاية الصياح وتمزيق الثياب واللطم والرقص:-

يقول القشيري في رسالته:

...وقيل: السماع فيه نصيب لكل عضو، فما يقع إلى العين تبكي، وما يقع إلى اللسان يصيح، وما يقع إلى اليد تمزق الثياب وتلطم، وما يقع إلى الرجل ترقص([351])...

- ولا تعليق، ولكن هذا يذكرنا بأشياء؟ منها: (نحلة إلوسيس)، وكهانة الهندوس.

* ويكذبون على رسل الله وعلى الله تعالى:-

ويقول القشيري:

...وقال خير النساج: قص موسى بن عمران صلوات الله عليه على قوم قصة، فزعق واحد منهم، فانتهره موسى، فأوحى الله إليه: يا موسى! بطيبي فاحوا، وبحبي باحوا، وبوجدي صاحوا، فلم تنكر على عبادي([352]).

- السؤال: من أين عرفوا هذا الافتراء؟ والجواب: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)) [الصف:7]، ((انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:50]...ثم إن الكذب على رسل الله هو من الأسباب الرئيسية التي جعلت الأقوام يخرجون من دين الله.

* لا صوفية دون محاربة العلم:-

ويقول القشيري (إياه):

سمعت منصوراً المغربي يقول: رأى بعضهم الخضر عليه السلام، فقال له: هل رأيت فوقك أحداً؟ فقال: نعم، كان عبد الرزاق بن همام يروي الأحاديث بالمدينة والناس حوله يستمعون، فرأيت شاباً بالبعد منهم، رأسه على ركبتيه، فقلت: هذا عبد الرزاق يروي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلِمَ لا تسمع منه؟ فقال: إنه يروي عن ميت، وأنا لست بغائب عن الله عز وجل، فقلت له: إن كنت كما تقول فمن أنا؟ فرفع رأسه وقال: أنت أخي أبو العباس الخضر. فعلمت أن لله عباداً لم أعرفهم([353]).

- الجواب:

1- الخضر توفي في زمنه، وكذب الذين يقولون: إنه حي، وضلوا وهم جاهلون.

2- هذا الذي يتراءى لهم هو شيطان، يضحك على ذقونهم، أو هو في غالب الأحيان صورة كشفية يراها العارف الكامل الذي وصل إلى مقام لا يميز فيه بين الكشف والواقع في أحيان كثيرة.

3- عبد الرزاق بن همام لم يحدث بالمدينة، وإنما حدث باليمن، فكشفهم جاهل.

4- من رسالتهم في الحياة محاربة العلم باسم العلم اللدني، الذي يقولون فيه: حدثني قلبي عن ربي! وهذه الجهالات والضلالات التي بين أيدينا هي نماذج من علومهم اللدنية.

5- هذا بعض من كثير مما يدل على أن التصوف هو الذي دفع الأمة الإسلامية إلى حضيض الجهل الذي مرت به، وإلى الفساد الذي لا تزال تتخبط فيه.

* عودة إلى الكذب على رسل الله عليهم السلام:-

يقول القشيري:

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: لما قال إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك. قال: يا أبت هذا جزاء من نام عن حبيبه، ولو لم تنم لما أمرت بذبح الولد([354])... (وهكذا الكذب وإلا فلا).

* وكذب على محمد صلى الله عليه وسلم:-

يقول القشيري أيضاً:

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى بن مريم عليه السلام: لو ازداد يقيناً لمشى في الهواء، قال رحمه الله تعالى: إنه أشار بهذا إلى حال نفسه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، لأن في (لطائف المعراج) أنه قال: {رأيت البراق قد بقي ومشيت}([355]).

- الجواب: قال صلى الله عليه وسلم: {من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}.

* يرغبون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

ويقول القشيري أيضاً:

...وحكي عن بعضهم أنه قال: رأيت في بعض الأسفار شيخاً كبيراً قد طعن في السن، فسألته عن حاله فقال: إني كنت في ابتداء عمري أهوى ابنة عم لي وهي لي كذلك تهواني، فاتفق أنها زوجت مني، فليلة زفافها قلنا: تعالي حتى نحيي هذه الليلة شكراً لله تعالى على ما جمعنا، فصلينا تلك الليلة ولم يتفرغ أحدنا لصاحبه، فلما كانت الليلة الثانية قلنا مثل ذلك؟ فمنذ سبعين أو ثمانين سنة نحن على تلك الصفة كل ليلة، أليس كذلك يا فلانة؟ فقالت العجوز: كما يقول الشيخ([356]).

الجواب على هذه القصة: يقول صلى الله عليه وسلم: {من رغب عن سنتي فليس مني}.

* وكذب على رسل الله:-

يقول القشيري إياه:

...وقيل: إن داوُد عليه السلام كان يستمع لقراءته الجن والإنس والطير والوحش إذا قرأ الزبور، وكان يُحمل من مجلسه أربعمائة جنازة ممن قد مات ممن سمعوا قراءته([357]).

- ماذا يمكن أن يقال عن مثل هذا المقال؟ هل يقال: يا سلام، أم يا حرام، أم يا كذب، أم يا غباء، أم يا ضلال؟! يُحمل من مجلسه أربعمائة جنازة كلما قرأ؟! ثم يتساءلون: ما سبب فساد المسلمين؟

- وللعلم: الرسالة القشيرية تدرس في مساجد البلاد الإسلامية! وينصح شيوخهم وعلماؤهم بقراءتها! على أنها - والحق يقال- من الكتب المشجعة على السير في طريق الكهانة، هي والكتاب الذي سمي- زوراً وبهتاناً- (إحياء علوم الدين)، وما هو إلا إحياء علوم الكهانة، وكذلك النقم الضلالية الكفرية التي سموها (الحكم العطائية)، وبقية كتبهم.

* مشاهد مرسلة (والكلام منقول بدقة):-

حدث الشيخ (ع) فكان مما حدث:

...ثم دخلت الزاوية...فقابلتني أمي فاطمة الزهراء، فطلبت منها الإذن بأن تسمح لي بتقبيل قدميها، فسمحت، فقبلتهما، ثم قبلت كفيها، ثم خديها، ثم جبينها ورأسها، ثم رضعت من بزَّيْها حتى رويت، ثم أخذت أقبلها، ثم تركتها، فقالت: ما لك؟ قَبِّل. قلت: إني أخاف من أبيك يزعل عليَّ، فقالت: إن أبي لا يزعل عليك، إنه يحبك كثيراً جداً، قبِّل، فعدت أقبلها لما علمت أنها أمي حقيقةً، فمن هذا المقام علمت أن جدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمي فاطمة، وأن أبي علي المرتضى...اهـ. (الرجاء ملحوظة قناعته أن الكشف أمر واقع).

وقال: حصل لي في الخلوة بواسطة شيخي، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، حيث إن الله تعالى أجلسني بين يديه وقال لي: تمن عليَّ ما تريد...فقلت له: لا أريد شيئاً إلا أنت. فقال لي: إذن اذهب إلى الجنة، فأي قصر أعجبك أو أي شيء أعطيكه. فقلت: الله، يا رب لا أريد شيئاً إلا أنت...ثم حضر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد أن جلس عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى لي: افْنَ به، ففنيت به فوراً، ثم قال لسيدنا محمد: افن باسمي (اللطيف)، ففني عليه الصلاة والسلام به، ثم فني اسمه اللطيف في اسمه (الله)، ثم فني اسمه (الله) في ذاته العلية المقدسة؛ ثم قال الله تعالى لي: إن حظك عظيم...اهـ. (سؤال للقارئ: هل تستطيع معرفة اسم الشيخ من هذه النصوص؟).

وحصل لي فتح آخر:

حيث اصطفاني الله تعالى، حيث قال لي: أنت يا (ع) حبيبي، إني اصطفيتك من أصفى أصفيائي، فمقامك الآن في سويداء قلبي، فحمدت الله تعالى وشكرته وأثنيت عليه الثناء الجميل.

وفضيلة عظيمة حصلتُ عليها:

...فتح الله تعالى علي، ثم صعدت إلى السماء السابعة، وأنا مواظب على الذكر، فأهدى لي ربي اسمه الأعظم، فقلت له: ابن لي هنا قصراً عظيماً، فبنى لي قصراً عظيماً، فقلت له: ضع عليه كرسي الربوبية، فوضع عليه كرسي الربوبية، فقالت الملائكة: اجلس، فقلت لهم: حاشا لله تعالى، إن هذا لله وحده؟ فأخذت الملائكة تردد أخلاقاً محمدية، أخلاقاً محمدية، فقلت: الحمد لله رب العالمين.

وفي يوم من أيام رمضان المبارك:

كنت أصلي الضحى، تجلى الله تعالى علي وأخذ يحدثني حديثاً قلبياً ألذ من كل لذيذ، قال: أعلمك يا (ع) أنك الآن صرت عبداً خالصاً مخلصاً مقدساً لسويداء قلبي، ليس لك عنه بواح...وأنا أساعدك بكل ما تحتاج إليه من علم وحكمة وقدرة وجميع ما يلزم...وأذكُر لما كان ربي جل جلاله متجلياً علي قبلت فمه المقدس تقبيلاً لله محبة وشوقاً ولذة فوق وصف الواصفين، له الحمد.

وفي عام (1402هـ) في ليلة (يعينها):

ذكرت الله كثيراً حتى صار كل شيء نوراً، وقد ذبت وسحقت في الله، بل صرت الله بجميع ذاته وصفاته وأسمائه، وبقيت تقريب الساعتين، والعالمين في بهجة وسرور وطبل وزمر وموسيقى وأذكار وأناشيد وصلوات على النبي، ثم انتهت وأنا في غاية السرور حامداً وشاكراً.

وحديث آخر يحدث به شيخ آخر (الشيخ م) يقول:

رأيت مناماً، أن أصابعي هم سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الكفوف (جمع كف) وما فوق هي الله تعالى. وإن الذين لا يؤمنون بذلك، بل يكذِّبون، هم كالبصقة تغلبني، لكني أبصقها في النهاية، وما بقي منها أبلعه، فيذهب ويمتزج مع الغائط ويخرج إلى حيث...اهـ.

- هاذان القطبان غير مثقفين، ولم يتقنا المكر أو لم يتعلماه، فقالا ما رأيا بصدق وبراءة، دون تهذيب ولا تنميق! لذلك ظهرت هلوسات الغرور المرهَق بالذكر الإرهاقي، والموجه بالقناعات والطموحات المسبقة، ظهرت واضحة في رؤاهما وأقوالهما، أما غيرهما من المثقفين والأدباء، فإنهم يحذفون ما لا يحسن إظهاره، أو يكتمونه أو يزوّرون فيه بالرمز واللغز، حتى يظهر مقبولاً بعض الشيء، ومع ذلك؟ فمن المتعذر أن تنقلب الزندقة إيماناً مهما أُلبست من تأويلات وتزويرات.

* دعوة إلى الجهل والفسوق:-

يقول سيدي محمد وفا (قطب غوث):

وبعد الفنا في الله كن كيفما تشا              فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر

فصاحب هذا الوصف يقال له في اصطلاح القوم: (في حضرة الإطلاق)، ويقال له: من الأحرار، لكونه مطلوقاً من طبائعه ومن كل ما سوى مولاه...وتارة تضاف حضرة الإطلاق إلى الله تعالى([358])...

- إذن، وكما يقرر هذا الغوث، بل كلهم يقررون أن السالك عندما يصل في الجذبة إلى الفناء يغدو ذا علم لا جهل فيه وإن كان أجهل الجهلاء ويغدو فعله، مهما كان فعله، لا وزر فيه (ولو جمع كل الأوزار).

وهذا مما يفسر لنا سبب الجهل والفساد الخلقي الذي تتخبط فيه الأمة الإسلامية.

* النهي عن العلم شعار يلتزمونه:-

ويقول محمد محمد أبو خليل:

...وكان شيخنا (الغوث محمد أبو خليل) رضي الله عنه ينهانا عن قراءة الكتب، ويقول: من اجتهد في عبادة الله، نور الله بصيرته، وعرف ما في الكتب وما ليس في الكتب بطريق الإلهام والكشف([359])..

الجواب:

 1- رأينا علومهم وكشوفهم ومعارفهم، ورأينا ما فيها من جهل وتفاهة وهذيان وهلوسات تحشيشية.

2- كل هذا يفسر لنا سبب انحطاط المسلمين، وسبب ترديهم فيما يتخبطون فيه من جهل وفساد.

3- صدق الله سبحانه: ((اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)) [العلق:3، 4]، وكذبوا وضلوا؛ لأن الله سبحانه علم بالقلم، ولم يعلم بالكشف ولا بالعلم اللدني ولا بالفتوح ولا بالتحشيش ولا بالأَفْيَنَة ولا بأي مهلس من المهلسات.

* حكم عربية حاتمية أكبرية:-

...وقال بعضهم: إنما يتوكل عليه من يرى غيره. وقال بعضهم: عجبت لمن عرف الله كيف أطاعه. وقال بعضهم: لا تغتروا بدخول إبليس النار، فإنه تعالى يقول: ((لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ)) [ص:85].

وقال بعضهم: رجال الله كالسراب.

وقال بعضهم:

الشرع أمانة والحقيقة أمن. وقال بعضهم: لا يصام إلا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (أي: الذي كان في أول البعثة). وقال بعضهم: رسل الله الله.

وقال بعضهم: المطيع يسيء الظن بربه، والعاصي يحسن الظن بربه. وقال بعضهم: المحجوب من اتسعت معارفه، والعالي من قلت معارفه. وقال بعضهم: العلم للخلق والحقيقة للحق([360]).

* الملحوظة:-

الكلام واضح الضلال، لكن الدعوة إلى الجهل أوضح، وأوضح منه الدعوة إلى التحلل من الدين.

* من التفسير الصوفي:-

يقول ابن عربي، الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، من تفسيره لسورة الروم: ((الم. غُلِبَتِ الرُّومُ)) [الروم:1،2]: الذات الأحدية مع صفتي العلم والمبدئية، كما ذكر أن روم القوى الروحانية تكون مغلوبة في أقرب موضع من أرض النفس، الذي هو الصدر؛ لأن فيض المبدأ يوجب إظهار الخلق واحتجاب الحق به، فكل ما كان أقرب إلى الحق، كان مغلوباً بالذي هو هو أقرب إلى الخلق...

((أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ)) [الروم:8]: سماوات الغيوب السبعة وأرض البدن وما بينهما من القوى الطبيعية والملكوت الأرضية والروحانية، والملكوت السماوية والصفات، والأخلاق وغيرها، إلا بالحكمة والعدل وظهور الحق في مظاهرهم بالصفات على حسب استعداد قبولها لتجليه...((وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ)) [الروم:8]: لاحتجابهم عنه، فيتوهمون أنه لا يكون إلا بالمقابلة الصورية في عالم آخر، باندراج الهوية في الهوية...

 ((اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ)) [الروم:11]: بإظهار الفرس على الروم، ((ثُمَّ يُعِيدُهُ)) [الروم:11]: بإظهار الروم على الفرس، ((ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) [الروم:11]: بالفناء فيه، ((وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ)) [الروم:12]: بوقوع القيامة الصغرى، ((يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ)) [الروم:12]: عن رحمة الله...أو القيامة الكبرى بظهور المهدي عم، وقهرهم تحت سطوته وحرمانهم من رحمته...((فَسُبْحَانَ اللَّهِ)) [الروم:17]: أن يكون غيره في الوجود والصفة والفعل والتأثير، ((حِينَ تُمْسُونَ)) [الروم:17]: بغلبة ظلمة الفرس على نور الروم، ((وَحِينَ تُصْبِحُونَ)) [الروم:17]: عند ظهور نورهم على ظلمة الفرس، ((وَلَهُ الْحَمْدُ)) [الروم:18]: بظهور صفات كماله وتجليات جماله في سماوات الغيوب السبعة وقت إصباح غلبة نور الروحانيات على ظلمات النفسانيات...

- يجعل ابن عربي كلمة (الروم) تشير إلى نور الروحانيات (ويعني بها: استشعار الجمع)، كما يجعل كلمة (الفرس) تشير إلى ظلمة النفسانيات (ويعني بها استشعار الفرق).

وللقارئ أن يناقش هذا التفسير حسب مقتضيات اللغة وأصول التفسير وكليات العقيدة الإسلامية وجزئياتها. كما عليه أن يعرف أن تفسير ابن عربي هو كتاب مقدس عند الصوفية، وكله يجري على هذا النمط.

* كشفهم لا يساعدهم:-

قال الشريف حسن (أخو أحمد البدوي، وكانوا يقيمون في مكة):

فأقمت أنا وإخوتي، وكان أحمد أصغرنا سناً وأشجعنا قلباً، وكان من كثرة ما يتلثم لقبناه بالبدوي...ثم إنه في شوال سنة ثلاث وثلاثين وستمائة رأى في منامه ثلاث مرات قائلاً يقول له: قم واطلب مطلع الشمس، فإذا وصلت إلى مطلع الشمس فاطلب مغرب الشمس وسر إلى طندتا (طنطا) فإن بها مقامك أيها الفتى! فقام من منامه، وشاور أهله وسافر إلى العراق، فتلقاه أشياخها، منهم سيدي عبد القادر وسيدي أحمد بن الرفاعي، فقالا: يا أحمد، مفاتيح العراق والهند واليمن والروم والمشرق والمغرب بأيدينا فاختر أي مفتاح شئت منها، فقال لهما سيدي أحمد رضي الله عنه: لا حاجة لي بمفاتيحكما، ما آخذ المفتاح إلا من الفتاح. قال سيدي حسن: فلما فرغ سيدي أحمد من زيارة أضرحة أولياء العراق كالشيخ عدي بن مسافر والحلاج وأضرابهما، وخرجنا قاصدين إلى ناحية طندتا([361])...

* الملحوظات:-

1- كان مقيماً في مكة، والعراق بالنسبة لمكة ليس مطلعاً للشمس.

2- عندما ولد أحمد البدوي كان عبد القادر وأحمد بن الرفاعي قد شبعا موتاً من زمان، فكيف استقبلاه؟ طبعاً، إنه رأى ذلك بالكشف، وهؤلاء الكمل يتساوى في إحساسهم الكشف مع الواقع، وفي كثير من الأحيان لا يستطيعون التمييز بينهما.

3- أما مفاتيح المشرق والمغرب ووثنية القبور فنشكوها إلى الله سبحانه.

* بدون عنوان (لعلها من مقام النفس الراضية):-

(أحمد المدعو حمدة) المجذوب الصاحي، له كشف لا يكاد يخطئ...قال المناوي (شارح الجامع الصغير): أخبرني الولد (أي: ولده سيدي زين العابدين الولي الكبير): ما تلبست بحال إلا كاشفني به وهو مقيم عند بعض النساء البغيات بباب الفتوح...([362]).

- ويتساءلون: ما سبب فساد الأمة الإسلامية؟ ونتساءل: لم حرم الله الزنا؟ وفَرَض حد الزاني والزانية؟

* وبدون عنوان كذلك:-

مما يورده يوسف النبهاني:

...وقال العارف النابلسي (عبد الغني) في شرح الطريقة المحمدية: قال القسطلاني: وأخبرني شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف أنه كان يقرأ خمس عشرة ختمة في اليوم والليلة([363])...

- وكذلك لا تعليق، لكنها على كل حال أهون من ثلاثمائة وستين ألف ختمة!

* عودة إلى الجيلاني (قطب الأولياء):-

يقول: ...تدري كم عنده (أي: عند الله) من الطاعات والصوم والصلاة لا يعبأ بها، إنما مراده منك قلب صاف من الأقدار والأغيار([364])...

- إذن، وحسب تقرير الجيلاني، الله سبحانه لا يعبأ بالطاعات (ويجب أن ننتبه إلى أن الطاعات هي الشريعة الإسلامية وما فيها من عبادات وأخلاق ومعاملات)، ويقرر أن الله لا يريد إلا البلاهة الصوفية والعته الذي يقودهم إلى الجذبة ثم إلى شهود وحدة الوجود (صاف من الأقدار والأغيار).

أوَليس هذا التقرير هو افتراء على الله الكذب، وهو ضلال موغل في الضلال.

لكن، أيها القارئ الكريم، إنك لن تعدم مخادعاً أو مغفلاً يقول لك: هذا الكلام له تأويل! فنقول له: التأويل ضلال وتضليل، وكذب وأحابيل، ومكر بالمسلمين لإخراجهم من النور إلى الظلمات. أو يقول لك: هذا مدسوس، فنجيبه:

أولاً: ألا لعنة الله على الكاذبين.

ثانياً: هذه هي عقيدة القوم ومشربهم والغاية التي يسعون إليها، فلماذا تكون مدسوسة؟ ومن يفكر يدسها؟

ثالثاً: إن كانت مدسوسة فلِمَ لا يحذفونها من كتبهم، وعلماؤهم وأبدالهم هم الذين يشرفون على طبع كتبهم.

* الجنة بالمجان (بالبلاش):-

(فائدة جليلة)، قال سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه: ذكر ليلة الجمعة مائةً من صلاة الفاتح لما أغلق، بعد نوم الناس، يكفر ذنوب أربعمائة سنة([365]) اهـ.

- نص صلاة الفاتح لما أغلق: اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم.

- تكملة: يظهر أن هذا الحكم قد نسخ، فقد ورد في كشف الحجاب:

...وإن المرة الواحدة منها فدية من النار، وإن من ذكرها مرة واحدة يغفر الله له ذنوبه ولو كانت في عمره مائة ألف سنة، وإن المرة الواحدة منها بأربعمائة غزوة كل غزوة بأربعمائة حجة. وإن ذاكرها يعطى ثواب كل ذاكر في الكون بأضعاف مضاعفة قل أو كثر. وإن المرة الواحدة منها تعدل ستمائة ألف صلاة من مطلق الصلوات من صلاة كل ملك وصلاة كل إنس وصلاة كل جان. وقال (أي: أحمد التجاني) -رضي الله عنه-: ما أعد الله تعالى لذاكر صلاة الفاتح لما أغلق من الفضل لا يحل لي ذكره، ولا يظهر إلا في الدار الآخرة([366]).

- سؤال: ذكر كل ما ذكر من عظائم (صلاة الفاتح)، ومع ذلك يقول: إن هناك من الفضل ما لا يحل له ذكره! فما هو هذا الذي لا يحل ذكره؟ وهل هناك أكبر وأفظع مما ذكر؟ ونترك التعليق والمناقشة لكل من كان عنده ذرة من إيمان من ذرة من عقل مع ذرة من حياء.

* كرامة من جملة الكرامات وصوم أيضاً (من مقام المجاهدة):-

و.. (ومنهم أبو عبد الله بن خفيف)...وبقي في بدايته أربعين شهراً يفطر بكف باقلاء (أي: فول) حتى جف دمه، ويقرأ القرآن في كل ركعة، ويصلي كل يوم ألف ركعة، ودخل بغداد وبقي بها أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب([367])...

- فلنتناس هنا- من أجل خاطرهم- حكم الشريعة الإسلامية على هذه البدع وما فيها من ورع هندوسي. ولننتبه فقط إلى أنه يصلي كل يوم ألف ركعة، ويقرأ في كل ركعة القرآن كله؟ أي: إنه يختم في اليوم ألف ختمة. ثم لنسكت شاكين إلى الله ما حل بهذه الأمة من هذه الطائفة.

يقول شاعرهم:

قلوب العارفين لها عيونٌ              ترى ما لا يراه الناظرونا

هذا توضيح للرؤى الكشفية، فالمكاشف يرى أشياء لا وجود لها! يراها كما نرى الأشياء الموجودة أمام أعيننا، ويعزون ذلك إلى قوة في القلب يسمونها (السر)، ويقولون: إن السر بالنسبة للقلب كالروح بالنسبة للجسد، وطبعاً، هذا كله وهم في وهم، وفي فصل لاحق سنرى كيف تحدث الرؤى الكشفية، مع العلم أن مثلها تماماً يحدث لمن يتعاطى المخدرات التحشيشية الأفيونية وتلك الزمرة.

* كشوف يجهلها الواقع:-

قطب الغوث علي وفا كان يقول:

العلقة التي حول حبة القلب هي الحية المطوقة حول العرش من الملكوتي، والحية المطوقة بعين الحياة من الجبروتي، والحية المطوقة بقاف من الملكي، وكان رضي الله عنه يقول: البطن الأوسط من الدماغ المسمى بالدودة هو الذي قوته تنشئ حرير أهل الجنان...([368]).

- إذن، فالقلب هو العرش؟ ولكن أين هي عين الحياة والحية التي تطوقها، وكذلك جبل قاف وحيته؟؟ لكن الكشف هو حق اليقين يرى ما لا يراه الناظرونا، وعندما يقول الكشف: إن هناك عين الحياة، وجبل قاف، و...، و...فيجب أن نصدقه؛ لأنه كشف! وكشف على من؟ على أولياء صديقين أقطاب أغواث.

فصدق أيها القارئ، وسلم تسلم، أما عقلك وبصرك وسمعك فادفنها في أي مكان يعينه الكشف، وحسبك الكشف، أما القرآن والسنة فيجب عرضهما على الكشف- كما يقول حجة الإسلام الإمام الهمام- فما وافق الكشف قرروه، وما خالف أولوه...

* من أحوال ومقامات (انتشار الحشيش في مصر) والإفطار في رمضان:-

ومنهم سيدي الشريف المجذوب رضي الله تعالى عنه ورحمه؛ كان رضي الله عنه ساكناً تجاه المجانين بالمارستان المنصوري، وكان له كشف ومثاقلات للناس الذين ينكرون عليه، وكان رضي الله عنه يأكل في نهار رمضان، ويقول: أنا معتوق أعتقني ربي، وكان كل من أنكر عليه يعطبه في الحال!!...وكان رضي الله عنه يتظاهر ببلع الحشيش، فوجدوها يوماً حلاوة، وكان قد أعطاه الله تعالى التمييز بين الأشقياء والسعداء في هذه الدار...([369]) ترلم ترلم...

- يفطر في رمضان رضي الله عنه! ويبلع الحشيشة متظاهراً، رضي الله عنه!

السؤال البسيط: ما هي الفائدة الدينية والدنيوية والشرعية والعقلية والمنطقية والصبيانية والغوغائية والجنونية والغبائية والذكائية...و...؟ ما هي الفائدة، أية فائدة من التظاهر ببلع الحشيش؟ وهل يريد الله سبحانه من أوليائه أن يفطروا في رمضان ويتظاهروا بالخبائث؟! لكن ما شأننا نحن؟ فهؤلاء هم المقربون وكفى! ثم يتساءل المتسائلون: ما هو سبب فساد هذه الأمة؟ ويتساءلون: ما هو سبب انتشار الحشيش؟

* ولايته تجمده:-

ومنهم سيدي علي الدميري المجذوب رضي الله تعالى عنه: كان رضي الله عنه جالساً ليلاً ونهاراً على دكان بياع الرقاق تجاه حمام المارستان، وكان رضي الله عنه لا يتكلم إلا نادراً، وكان مكشوف الرأس ملفوفاً في بردة كلما تتقطع يبدلونها له بأخرى، أقام على هذه الحالة نحو عشرين سنة!! وكان كلما رآني تبسم، مات رضي الله عنه سنة خمس وعشرين وتسعمائه، ودفن بالمسجد الذي بقرب باب النصر اليشبكي، وقبره ظاهر يُزار رضي الله عنه([370])!!

- السؤال: ما هو قول القارئ بأمة تقدس المجانين ومرضى الأعصاب والحشاشين والأفيونيين؟!

* الصوفي يصور ما في الأرحام كيف يشاء:-

يقول عبد الله اليافعي (الغوث):

...وروي عن بعض الأولياء الكبار أنه طلب منه بعض الناس أن يدعو له الله تعالى أن يرزقه ولداً ذكراً، فقال: إن أحببت ذلك فسلم للفقراء مائة دينار، فسلم إليه ذلك، ثم جاء بعد ذلك بمدة وقال له: يا سيد وعدتني بولد ذكر وما وضعت امرأتي إلا أنثى، فقال له الشيخ: الدنانير التي سلمتها ناقصة. قال يا سيدي! ما هي ناقصة إلا شيئاً يسيراً. فقال له الشيخ: ونحن أيضاً ما نقصناك إلا شيئاً يسيراً، فإن أحببت أن نوفي لك فأوف لنا. فقال: نعم يا سيدي، ثم ذهب وعاد إليه بتوفية ذلك النقصان، فقال له الشيخ: اذهب فقد أوفينا لك كما أوفيت، فرجع إلى منزله، فوجد غلاماً بقدرة الله تعالى وإكرامه لأوليائه عز وجل([371]).

ويقول (مزهداً بالعلم):

ورُوي أن جماعة من أهل العلم قصدوا زيارة بعض الشيوخ، فلما أتوه وجدوه يَلْحَن في قراءته في الصلاة، فتغير اعتقادهم فيه، فلما ناموا تلك الليلة أجنبوا كلهم، فخرجوا ليغتسلوا في بركة ماء، فوضعوا ثيابهم ودخلوا في الماء، فجاء الأسد وجلس على ثيابهم، فلم يقدروا يخرجون، فلاقوا شدة من شدة البرد، فجاء الشيخ، وزجر الأسد، وقال له: ما قلت لك لا تتعرض لضيفاني، فبصبص وذهب، ثم قال لهم الشيخ: أنتم اشتغلتم بإصلاح الظاهر فخفتم الأسد، ونحن اشتغلنا بإصلاح الباطن فخافنا الأسد([372]).

* الملحوظة:

التزهيد بالعلم والدعوة إلى الجهل هي من الواجبات الأولى للمتصوفة.

* الكعبة تذهب لتطوف حولهم:-

ويقول اليافعي أيضاً:

...وأعظم من ذلك وأفضل طواف الكعبة المعظمة بكثير منهم، وكل ذلك مشهور مذكور بالأسانيد الصحيحات([373])...

* تعليق:

قيل مرة (بل مرات كثيرة جداً): الحج هذه السنة هو حج أكبر؛ لأن الكعبة كانت، كل سنة، تأتي إلى شيخنا لتطوف حوله، أما هذه السنة فقد جاء الشيخ ليطوف هو حولها، فهنيئاً لحجاج هذا العام! وفي الحقيقة إنهم يرون هذا في أحلام الجذبة.

- ثم يتساءلون عن سبب فساد الأمة؟ وسيطرة الجهل والتفكير الضبابي والخرافي عليها، مما سبب لها هذا العقم القاتل، والضياع الذهولي في مسارح التمثيليات الإبليسية.

* من أقوال جلال الدين الرومي:-

من ناحية تبريز أشرقت شمس الحق، فقلت لها: نورك مقترن بالأشياء، وهو في الوقت نفسه مفارق لها. إن شمس محيا (شمس الدين) بهاء الأفق، لم تشرق يوماً على ما هو فانٍ إلا وهبته طبيعة البقاء([374])...

- يعني بشمس الحق أستاذه شمس الدين، ووحدة الوجود ظاهرة في النص.

* من التفسير الصوفي:-

يقول ابن عربي في (تفسيره): ((ق)) [ق:1]: إشارة إلى القلب المحمدي، الذي هو العرش الإلهي المحيط بالكل...

- والتعليق للقارئ، مع التنبيه إلى عقيدتهم في الحقيقة المحمدية.

* من تفسيرهم أيضاً:-

للشيخ الأكبر والكبريت الأحمر نفسه:

((ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)) [القلم:1]: ((ن)) [القلم:1]: هو النفس الكلية، ((وَالْقَلَمِ)) [القلم:1]: هو العقل الكلي، والأول من باب الكناية بالاكتفاء من الكلمة بأول حروفها. والثاني (أي: القلم) من باب التشبيه...

- هذا تفسير يظهر ارتباط المتصوف بقناعاته المسبقة، وأن كشفه تابع لتلك القناعات.

* من كذبهم على الأنبياء:-

يقول الغزالي في (الإحياء):

...وروي أن عيسى عليه السلام مكث يناجي ربه ستين صباحاً لم يأكل، فخطر بباله الخبز، فانقطع عن المناجاة، وإذا شيخ قد أظله، فقال له عيسى: بارك الله فيك يا ولي الله، ادع الله تعالى لي فإني كنت في حالة فخطر ببالي الخبز، فانقطعت عني، فقال الشيخ: اللهم إن كنت تعلم أن الخبز خطر ببالي منذ عرفتك فلا تغفر لي، بل كان إذا حضر لي شيء أكلته من غير فكر وخاطر([375])...

* الملحوظات:

الكذب على رسول الله عيسى، وتعظيم أمر الجوع على الطريقة الهندوسية المحرمة في الإسلام، وذلك لتبرير رياضتهم الصوفية، ثم جَعْلُ الولي أفضل من النبي، حيث إن عيسى عليه السلام قصَّر عن شأو الولي!! وكل هذه الثلاثة هي من الكبائر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

* حِكَم بدون تعليق:-

يقول الغزالي في (إحيائه): ...ثانياً: أن يكون مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع، من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة، فهذا شخص قيَّده معتقده عن أن يجاوزه، فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده، فصار نظره موقوفاً على مسموعه، فإن لمع برق على بُعْد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعَه حمل عليه شيطان التقليد حملة وقال: كيف يخطر هذا ببالك وهو خلاف معتقد آبائك؟ فيرى أن ذلك غرور من الشيطان، فيتباعد منه ويحترز عن مثله، ولمثل هذا قالت الصوفية: إن العلم حجاب، وأرادوا بالعلم العقائد التي استمر عليها أكثر الناس بمجرد التقليد أو بمجرد كلمات جدلية حررها المتعصبون للمذاهب وألقوها إليهم؛ فأما العلم الحقيقي الذي هو الكشف والمشاهدة بنور البصيرة فكيف يكون حجاباً وهو منتهى الطلب([376])..

وأترك التعليق لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؛ لكن أرجو الانتباه إلى الدعوة إلى الجهل.

ويقول الطوسي:

...قال أبو بكر الكتاني: قال أبو حمزة: دخلت على سري، فجاءني بفتيت، فأخذ يجعل نصفه في قدح، فقلت له: أيش هو ذا تعمل؟ أنا أشرب هذا كله في مرة. فضحك وقال: هذا أفضل لك من حجة([377]).

- يا سلام! شرب الفتيت أفضل من حجة! نسأله: ما هو دليله؟ لعله الكشف؟ لا نعرف.

* نصوص يتسلى القارئ بتحليلها وفك رموزها (بهدوء):-

قيل لابن عطاء: ما يفعل الذكر بالسرائر؟ فقال: ذكر الله تعالى إذا ورد على السرائر بإشراقه أزال البشرية في الحقيقة برعوناتها([378]).

وقال الشبلي: الأرواح تلطفت، فتعلقت عند لدغات الحقيقة، فلم تر معبوداً يستحق العبادة عن أن تتقرب إلى ذلك الشاهد بغير ذلك المشاهد، وأيقنت أن الحدث لا يدرك القديم بصفته المعلولة([379]).

- تسهيلاً للتحليل: يعني بـ (صفته المعلولة) أي: صفته على أنه غير الله، التي هي صفة معلولة وليست صحيحة.

وقال الشبلي أيضاً: كل إشارة أشار الخلق بها إلى الحق، فهي مردودة عليهم، حتى يشيروا إلى الحق بالحق، ليس لهم إلى ذلك طريق([380]).

وسئل الجنيد مرة عن الإخلاص، فقال: إخراج الخلق من معاملة الله تعالى، والنفس أول الخلق([381]).

سئل الزقاق عن المريد، فقال: حقيقة المريد أن يشير إلى الله تعالى، فيجد الله مع نفس الإشارة([382]).

...وقال قوم: السر سران: سر للحق، وهو ما أشرف عليه بلا واسطة؛ وسر للخلق، وهو ما أشرف عليه الحق بواسطة. وقال: سر من السر للسر، وهو حق لا يظهر إلا بحق، وما ظهر بخلق فليس بسر([383]).

- لتيسير التحليل: كل العبارات السابقة تشير إلى وحدة الوجود، وكذلك اللاحقة.

* من رسالة من الجنيد إلى أحدهم (يأمره بالتقية وكتم السر والتظاهر بما عليه الناس):-

...فعليك رحمك الله بضبط لسانك، ومعرفة أهل زمانك، وخاطب الناس بما يعرفون، ودعهم مما لا يعرفون، فقلَّ مَن جهل شيئاً إلا عاداه...واخرجْ إلى الخلق من حالك بأحوالهم، وخاطبهم من قلبك على حسب مواضعهم([384])...

كتب أبو سعيد الخراز إلى أبي العباس أحمد بن عطاء: يا أبا العباس، تعرف لي رجلاً قد كملت طهارته، وبرئ من آثار نفسه عنه به له، موقوت مع الحق بالحق للحق، من حيث أوقفه الحق، حيث لا له ولا عليه، فالحق يعلله امتحان([385]) له، وامتحان للخلق به؟ فإن عرفت لي هذا فدلني عليه([386]).

وكتب الجنيد إلى أحدهم: آثرك الله يا أخي بالاصطفاء، وجمعك بالاحتواء، وخصك بعلم أهل النهى...وتمم لك ما تريد منك له، ثم أخلاك منك له ومنه له به، ليُفْرِدَك في تقلبه لك، بما يُشهدك، من حيث لا يَلْحقك شاهد من الشواهد يخرجك، فذلك: أول الأول الذي محا به رسوم ما ترادف مما غيَّبه به عنك بعلوِّ ما استأثر به منه له، ثم أفردك منك لك، في أول تفريد التجريد، وحقيقة كائن التفريد، فكذلك إذا انفرد بذلك أباد، وأفنى الإبادة ما سلف من الحق من الشاهد، بعد إفناء محاضر الخلق، فعند ذلك يقع حقيقة الحقيقة من الحق للحق، ومن ذلك: ما جرى بحقيقة علم الانتهاء إلى علم التوحيد على علم تفريد التجريد، فقد عززه الله وحجبه عن كثير ممن ينتحله ويدعيه، ويتحققه ويصطفيه([387]).

وكتب الجنيد أيضاً: أكرمك بطاعته، وخصك بولايته، وجلَّلك بستره...وألزمك بابه، وكلفك خدمته، حتى تكون له موافقاً، ولكأس محبته ذائقاً، فيتصل العيش بالعيش، والحياة بالحياة، والروح بالروح، فتتم النعمة([388]).

يقول أبو نصر الطوسي واصفاً أقوال الجنيد هذه: ...فيها إشارات لطيفة، ورموز خفية، تعبر عن الحقائق المشكلة، وتنبئ عن السرائر والخصوصية التي تفرد بها هذه العصابة في تجريد التوحيد، وحقيقة التفريد([389]).

- انتبه إلى العبارة: (الخصوصية التي تفرد بها هذه العصابة في تجريد التوحيد وحقيقة التفريد.

ومن رسالة بعثها أبو سعيد بن الأعرابي لآخر: أماتك الله عنك، وأحياك به، وأيدك بالفهم، وفرغ قلبك من كل وهم، وأفناك بالقرب عن المسافة، وبالأنس عن الوحشة([390]).

ومن رسالة لأبي سعيد الخراز بعثها إلى آخر: عصمك الله بذكره عن نفسك، وكاشفك بشكره عن وصفك...وأنا أسأل الله تعالى أن يجمع لك من نفسك ما فرق، ويبين عنك منها ما جمع، إنه الولي لذلك والقادر عليه([391]).

* التنبيه:

من نظر في هذه النصوص فليتأمل، وليحاول فهمها بهدوء، وليرجع إلى النصوص السابقة في الكتاب وخاصة فصل (المدخل إلى فهم النصوص الصوفية).

* تعريف الكشف:-

يقول مصطفى بن محيي الدين نجا([392]):

...والكشف لغةً رفع الحجاب، وفي اصطلاح أهل الحقيقة، هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الخفية وجوداً وشهوداً، وليس هو كما يُكْشف الغطاءُ عن الآنية والستر عن الباب، بل هو أمر إذا ظهر يرى العبد أن ذلك لم يكن مستتراً بشيء، وإنما الإدراك كان قاصراً عن الوصول، فقواه الحق تعالى، فأدرك ما كان ظاهراً([393]).

* كل المعبودات حق:-

يقول ابن عربي (الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر):

...فمن عناية الله بنا، لما كان المطلوب من خلقنا عبادته، أن قرَّب علينا الطريق بأن خلقنا من الأرض التي أَمَرَنا أن نعبده فيها، ولما عبد منا من عبد غير الله، غار الله أن يُعبد في أرضه غيره، فقال: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)) [الإسراء:23]، أي حكم، فما عبد من عَبَد غير الله، إلا لهذا الحكم، فلم يُعبد غير الله وإن أخطئوا في النسبة، إذ كان لله في كل شيء وجه خاص، به ثبت ذلك الشيء، فما خرج أحد عن عبادة الله([394]).

- إذن فالأوثان والأصنام وكل ما عبد من إنسان وشجر وقبر، كله هو الله. وقد مرَّ معنا في النصوص السابقة أمثلة كثيرة من نفس المعنى.

يقول الغزالي في الإحياء:

.. قال سهل: من طعن على التكسب فقد طعن على السنة، ومن طعن على ترك التكسب فقد طعن على التوحيد([395]).

- نقول: هذا اعتراف من القطب سهل (ابن عبد الله التستري) ومن الحجة الغزالي أن الصوفية ليست من الإسلام. إذ يجعل (بل يجعلان) التوحيد مخالفاً للسنة في التكسب. وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من رغب عن سنتي فليس مني}، إذن فهم ليسوا من رسول الله.

ويقول الغزالي أيضاً:

...قال أبو سعيد الخراز: دخلت البادية بغير زاد، فأصابتني فاقة، فرأيت المرحلة من بعيد، فسُررت بأن وصلت، ثم فكرت في نفسي أني سكنت واتكلت على غيره (أي: على غير الله)، وآليت أن لا أدخل المرحلة إلا أن أُحمل إليها! فحفرت لنفسي في الرمل حفرة وواريت جسدي فيها إلى صدري، فسمعت صوتاً في نصف الليل عالياً: يا أهل المرحلة، إن لله تعالى ولياً حبس نفسه في هذا الرمل فالحقوه([396])..

- التعليق: هذا شيطان يضحك على ذقنه وذقونهم ليدفعهم إلى التوغل في الضلال والزندقة؛ لأن خروجه هكذا ليس من الإسلام في شيء، بل هو من الهندوسية، وادعاؤه الولاية هو افتراء على الله الكذب ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:49، 50].

* الكذب على أنبياء الله ووصفهم بما لا يوصف به إلا المجانين:-

يقول الغزالي نفسه:

...قال يحيى بن أبي كثير: بلغنا أن داوُد عليه السلام كان إذا أراد أن ينوح، مكث قبل ذلك سبعاً لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يقرب النساء، فإذا كان قبل ذلك بيوم، أُخرج له المنبر إلى البرية، فأمر سليمانَ أن ينادي بصوت يستقري البلاد وما حولها من الغياض والآكام والجبال والبراري والصوامع والبيع، فينادي فيها: ألا من أراد أن يسمع نوح داوُد على نفسه فليأت، قال: فتأتي الوحوش من البراري والآكام، وتأتي السباع من الغياض، وتأتي الهوام من الجبال، وتأتي الطير من الأوكار، وتأتي العذارى من خدورهن، وتجتمع الناس لذلك اليوم، ويأتي داوُد حتى يرقى المنبر، ويحيط به بنو إسرائيل، وكل صنف على حدته، محيطون به، وسليمان عليه السلام قائم على رأسه، فيأخذ في الثناء على ربه، فيضجون بالبكاء والصراخ، ثم يأخذ في ذكر الجنة والنار، فتموت الهوام وطائفة من الوحوش والسباع والناس، ثم يأخذ في أهوال القيامة، وفي النياحة على نفسه، فيموت من كل نوع طائفة، فإذا رأى سليمان كثرة الموتى قال: يا أبتاه، مزقت المستمعين كل ممزق...ثم إذا أفاق داوُد، قام ووضع يده على رأسه، ودخل بيت عبادته، وأغلق بابه، ويقول: يا إله داوُد، أغضبان أنت على داوُد؟ ولا يزال يناجي ربه، فيأتي سليمان ويقعد على الباب، ويستأذن ثم يدخل ومعه قرص من شعير، فيقول: يا أبتاه، تقو بهذا على ما تريد...

وقال يزيد الرقاشي: خرج داوُد ذات يوم بالناس يعظهم ويخوفهم، فخرج في أربعين ألفاً، فمات منهم ثلاثون ألفاً، وما رجع إلا في عشرة آلاف. قال: وكان له جاريتان اتخذهما، حتى إذا جاءه الخوف وسقط فاضطرب، قعدتا على صدره وعلى رجليه مخافة أن تتفرق أعضاؤه ومفاصله فيموت([397])...اهـ.

- أرجو من القارئ الكريم، رجاءً حاراً، أن يصدقني، وإن لم يصدقني فإني مستعد لتأدية اليمين، أن هذه القصص ليست من هذيانات صبي في أحلام اليقظة! وليست من ثرثرات حشاش تناول نصف رطل من الأفيون، وليست من خبالات مجنون في ثورة جنونه...وإنما هي دعوة غزالية إلى الأخلاق الغزالية، وإلى المقامات الصوفية، يقذف بها حجة الكهانة (وأقطابه السابقون واللاحقون)، يقذفون بها حمماً وسموماً ومخدرات، دمرت عقل المسلم وقتلت منطق المسلم وخدرت نفسية المسلم، وأوصلت المجتمعات الإسلامية إلى ما تتخبط فيه الآن من رؤى ضبابية لكل الأمور، في دينها ودنياها، حتى أصبح المسلمون ألعوبة بيد كهان الشيوعية يقذفونهم يميناً وشمالاً كما يتقاذفون الكرة بينهم، يقيمونهم ببعض الشعارات ويقعدونهم ببعض آخر.

وهذه القصص هي قبل كل شيء كذب على رسل الله. كما أنها تذكرنا بالتمثيليات الوثنية التي كان يمثلها الكهنة الوثنيون في أعيادهم الوثنية ليبعثوا بها في الأذهان الوثنية، صوراً وثنية، يتصورون أنها حدثت لآلهتهم الوثنية، في أزمنتها الوثنية الأولى. وهي أنموذج لما يسميه الغزالي (المنجيات)!!

* من مقامات الصبر، أو الجوع:-

...سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي رحمه الله يذكر بإسناده أن أبا عقال المغربي أقام بمكة أربع سنين لم يأكل ولم يشرب إلى أن مات([398]).

- الجواب على هذا وأمثاله هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم في (صحيح مسلم):

قال: {إن أحب الصيام إلى الله صيام داوُد...كان يصوم يوماً ويفطر يوماً}. وفي حديث آخر: {...ولا يفر إذا لاقى}.

وقال صلى الله عليه وسلم: {لا صام من صام إلى الأبد، لا صام من صام إلى الأبد، لا صام من صام إلى الأبد}.

وقال: {...ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر...فمن رغب عن سنتي فليس مني}.

هذه الأحاديث تخرج هذا (الولي) من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي تخرجه (وزمرته معه أيضاً) من الإسلام، ومع ذلك تدرَّس الرسالة القشيرية في مساجد المسلمين على أنها كتاب إسلامي، والمشتكى إلى الله.

* صورة من حالات الجذبة:-

يقول القشيري:

...دخل بعض الفقراء على أبي عقال، فقال له: سلام عليكم. فقال له أبو عقال: وعليكم السلام. فقال: أنا فلان. فقال أبو عقال: أنت فلان، كيف أنت وكيف حالك؟ وغاب عن حالته؛ قال هذا الرجل: فقلت له: سلام عليكم، فقال: وعليكم السلام. كأنه لم يرني قط! ففعلت مثل هذا غير مرة! فعلمت أن الرجل غائب فتركته وخرجت من عنده([399]).

- هذه الصورة تساعد على فهم الحالة التي يكون فيها المجذوب أثناء جذبته، وهي تشبه تماماً حالة الحشاش أثناء تحشيشه.

* علم الصوفي، الشيخ، مثل علم الله تماماً:-

...وأما شيخنا سيدي علي الخواص، فسمعته يقول: لا يكمل الرجل عندنا حتى يعلم حركات مريده في انتقاله في الأصلاب وهو نطفة، من يوم: ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)) [الأعراف:172]، إلى استقراره في الجنة أو في النار([400])...

- العجب العجاب، إن كشفهم يجهل مثلهم كل شيء، ولا يفهم مثلهم أي علم، ثم يدعون العلم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه، وهي صورة من الإحساسات الخداعة، التي يحس بها المكاشف أثناء الجذبة، يحدث مثلها لمن يتعاطى المخدرات التحشيشية.

* محاربة العلم:-

يقول ابن عربي (الشيخ الأكبر):

لطيفة - من قال لك: لا تبرح من العلم، فقد قتلك بسيف الأبد.

إشارة - قالت طائفة: العلم حجاب. وذلك لأنه يعمر منك ما ينبغي أن تفرغه للرؤية (أي: لرؤية الله)، فلا تتعلم، أي: لا تقف مع العلم.

إشارة - العلم ليل لا صبح له، ومن قطع المفاوز في الظلمات وهو غير حِرِّيت، زاد تيهاً على تيه([401]).

* المناقشة:

الجهل ومحاربة العلم هي دعوة المتصوفة في كل زمان ومكان. وإذا عرفنا أن العارفين ألفٌ، وأن المتكلم واحد- كما يقول عبد القادر الجيلاني- عرفنا مدى الدور الرهيب الذي لعبته الصوفية في فساد الأمة الإسلامية وجهلها وانحطاطها وابتعادها عن الإسلام.

* ودائماً محاربة العلم:-

يقول ابن الملقن:

وروي عنه (محمد بن علي الكتاني) أنه قال: كنت وأبو سعيد الخراز وعباس بن المهتدي، وآخر لم يذكره، نسير بالشام على ساحل البحر، وإذا شاب يمشي ومعه محبرة، فظننا أنه من أصحاب الحديث، فتثاقلنا به، فقال أبو سعيد: يا فتى على أي طريق تسير؟ فقال: ليس أعرف إلا طريقين، طريق الخاصة، وطريق العامة، أما طريق العامة فهذا الذي أنتم عليه، وأما طريق الخاصة، فباسم الله، وتقدم إلى البحر، ومشى حيالنا على الماء، فلم نزل نراه حتى غاب([402]).

- أما محاربة العلم في هذه القصة فظاهرة. وأما الشاب الذي مشى على الماء فهو أحد أمرين لا ثالث لهما: إما أنه شيطان تراءى لهم ليزيدهم غلواً في ضلالهم. أو هو إنسان صوفي استحوذ عليه شيطانه واتخذه شركاً يوقع به الناس في الضلال أو يزيدهم به غلواً فيه.

* مقام! لعله من مقام المجاهدة:-

...سمعت أبا الطيب العكِّي يقول: ذكر لي أن سحنون كان جالساً على شاطئ الدجلة، وبيده قضيب يضرب به فخذه، حتى بان عظم فخذه وساقه، وتبدد لحمه، وهو يقول:

كان لي قلب أعيش به              ضاع مني في تقلبه

رب فاردده عليّ فقد                ضاق صدري في تطلبه

وأغث ما دام بي رمق               يا غياث المستغيث به([403])

ويترك التعليق هنا لكل من يريد التعليق، مع التذكير بأن مدمن الأفيون عندما ينقطع عنه مدة يصاب بمثل هذه الحالات.

* بدون عنوان:-

عبد الله بن علوي ابن الأستاذ الأعظم([404])....من كراماته: أن رجلاً أنشد أبياتاً تتعلق بالبعث والحساب، فتواجد صاحب الترجمة وخر مغشياً عليه، فلما أفاق قال للرجل: أعد الأبيات. فقال الرجل: بشرط أن تضمن لي الجنة. فقال: ليس ذلك إلي، ولكن اطلب ما شئت من المال، فقال الرجل: ما أريد إلا الجنة، وإن حصل لنا شيء ما كرهنا؛ فدعا له بالجنة، فحسنت حالة الرجل وانتقل إلى رحمة الله، وشيعه السيد عبد الله المذكور، وحضر دفنه، وجلس عند قبره ساعة فتغير وجهه ثم ضحك واستبشر، فسئل عن ذلك، فقال: إن الرجل لما سأله الملكان عن ربه، قال: شيخي عبد الله باعلوي، فتعبت لذلك، فسألاه أيضاً، فأجاب بذلك، فقالا: مرحباً بك وبشيخك عبد الله باعلوي.

قال بعضهم: هكذا ينبغي أن يكون الشيخ، يحفظ مريده حتى بعد موته([405]).

* الملحوظات على هذا الشرك وما يرافقه من هذيانات واضحة، لكن ألفت النظر فقط إلى دور شياطين الجن في المسرحية (هذا إن كان الشيخ صادقاً في قوله).

* من مقام الغوثية (التصرف في الكون):-

ومنهم الشيخ عبد الله، أحد أصحاب سيدي عمر النبتيتي.. كتب لي أنه رآني بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أَلْبِسْ عبد الوهاب (الشعراني) طاقيتي هذه وقل له يتصرف في الكون، فما دونه مانع([406])...

- الجواب: ((كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)) [الكهف:5]؛ لكن يجب ألا نظن أنه يكذب في ادعائه الرؤية، بل هو صادق رأى ما رأى بالكشف وفي اليقظة؟

* من تلاعبات الشياطين بعقولهم:-

عبد الرحمن بن الأستاذ الأعظم... وكان لبعض الأولياء الأموات قنديل يسرج كل ليلة في مسجد بني علوي (في بلدة تريم في حضرموت)، فانكسر القنديل فتركوا تسريجه، وكان صاحبه لا يعرفه أحد، فرأى السيد عبد الرحمن المذكور صاحب القنديل (أي: الميت) وهو يقول: أنا صاحب القنديل وتركتمونا بلا سراج، فقال له: قنديلك انكسر، فقال: في هذا الثقب درهم، وأشار إلى ثقب في داره، فلما أصبح أتى تلك الدار، ورأى الثقب، وإذا فيه درهم، وجاء إلى بائع القناديل، فقال: لم يبق شيء، فقال السيد عبد الرحمن: انظروا وراء الزير فإن فيه قنديلاً؟ ونظر فإذا قنديل لم يكن رآه قبل ذلك([407]).

* التعليق:

لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتخذ السرج على القبور، فالمتخذون السرج على القبور هم من الملعونين ومن أولياء الشيطان، وليسوا من أولياء الرحمن، ودور شياطين الجن واضح في مثل هذه المسرحيات.

* فرعون صادق في ادعائه الربوبية وكل إنسان هو الرب:-

يقول حجة الإسلام الغزالي (وفي الإعادة إفادة):

...ولذلك قال بعض مشايخ الصوفية: ما من إنسان إلا وفي باطنه ما صرح به فرعون من قوله: ((أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)) [النازعات:24]؛ ولكنه ليس يجد له مجالاً، وهو كما قال([408])...

* التعليق: مر هذا في مكان سابق، ونعيده لاختلاف اللفظ، مع الرجاء أن ينتبه القارئ إلى قوله: (ما من إنسان..).

يقول عبد الغني النابلسي معارضاً من قصيدة:

وما الكل إلا صورة مستحيلة                 كماء له موج وفيه فواقع([409])

- السؤال: ما معنى هذا البيت؟ وما هو بيت الشعر الذي يعارضه به؟ ولمن؟

ويقول عبد الغني نفسه من موشح:

كل شيء عقد جوهر               حلية الحسن المهيب

ويقول:

هذه الأكوان أجمعها                  شمة من وردة الأزل

أرجو من القارئ الكريم أن يتسلى بتفسير هاذين البيتين.

* من (الصلاة الكبرى) لسيدنا عبد القادر الجيلاني:-

...اللهم صل على محمد حتى لا يبقى من صلاتك شيء، وارحم محمداً حتى لا يبقى من رحمتك شيء، وبارك على محمد حتى لا يبقى من بركاتك شيء([410])...

- أرجو من القارئ أن ينتبه إلى قوله: (حتى لا يبقى من صلاتك شيء.. وحتى لا يبقى من رحمتك شيء.. وحتى لا يبقى من بركاتك شيء)، وما فيها من تجرؤ على الله وانتقاص لرحمته وبركاته، وما فيها من جهل بالعقيدة الإسلامية وانحراف عن النهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

وللعلم: هذه الصلوات هي من (الصلاة الكبرى) للشيخ عبد القادر الجيلاني، التي شرحها الشيخ عبد الغني النابلسي، ونقلها يوسف النبهاني من ذلك الشرح، وكلهم أقطاب مكاشفون. وهي واردة أيضاً في الكتاب المقدس (دلائل الخيرات) الذي يتخذونه بعد القرآن الكريم.

  • الصوفية والجنون:-
  • (أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد المستعجل) الرفاعي، كان من أكابر الرجال وأعيان الأولياء وسادات الأصفياء...

قال السراج: ...وروينا أن هذا الشيخ شمس الدين تاب على يديه بعض الأغنياء وقال: أعطني جنوناً، ومد يديه، فحثى له الشيخ حثيات في الهواء، وسماه أرطالاً معلومة، فصار مولهاً لوقته، وترك دنياه وأهله وخرج إلى نهر، ووقف في الماء إلى عنقه مدة سنة أو أكثر، فجاء جيرانه وأصحابه يسألون الشيخ رده إلى حاله الأول وعقله الدنيوي، فرسم بطلبه، فلما حضر حكى له قولهم، فقال: بالله يا سيدي لا تفعل ولكن زدني كذا وكذا من أرطال الجنون؟ فزاده؟ وذهب إلى مكانه وبقي فيه حتى مات([411]).

* الملحوظات:-

في واقع الأمر، إن ما يحصل للصوفي هو نفس ما يحصل للمجنون من خدر في مراكز الوعي والضبط في الدماغ، مع فارق، أن ما يحصل للصوفي هو شيء شبه مرضي، لا مرضي، ولا يكون مرضياً مثل الجنون تماماً إلا عند الذين يستولي عليهم الجذب، والذين يقولون عنهم إنهم في مقام جمع الجمع.

وكثيراً ما سمعنا ممن يقول عن مجنون أو معتوه إنه سائح في حب الله. وهذا مما يفسر حالة الضياع والجهل والهوان التي تتخبط فيها الأمة الإسلامية منذ القرون التي سيطرت فيها عليها الصوفية.

* كشف:-

 (أحمد بن عبد الله البلخي)، قال بعضهم: رأيت الغوث أحمد بن عبد الله البلخي عند مكة سنة خمس عشرة وثلاثمائة على عجلة من ذهب والملائكة يجرون العجلة في الهواء بسلاسل من ذهب، فقلت: إلى أين تمضي؟ فقال: إلى أخ من إخواني اشتقت إليه([412])...

* الملحوظة:

ما أشبه هذه الرؤية بالرؤية التي رآها حشاش فطر المكسيك، والتي سنراها في فصل لاحق. وقد مر في صفحات سابقة كثير من أمثال هذه الرؤى التي تؤكد التشابه التام بين جذبة الصوفية وكشوفها، وبين جذبة المهلسات (الحشيش والأفيون وأشباهها) وكشوفها.

* أي الكشفين كذاب:-

أورد مؤلف بهجة الأسرار في كتابه المذكور عدة روايات بأسانيدها، هذه إحداها:

...أخبرنا أبو محمد عبد السلام بن محمد...قال: أخبرنا الشيخ الشريف أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن المنصوري ببغداد سنة إحدى وثلاثين وستمائة قال: أخبرني الشيخ العارف أبو محمد علي بن أبي بكر بن إدريس اليعقوبي بها سنة إحدى عشرة وستمائة قال: قال سيدي عبد القادر (أي: الجيلاني) رضي الله عنه: قدمي هذه على رقبة كل ولي لله([413]).

ويورد بعد صفحةٍ أسماءَ الأولياء الذين حنوا رأسهم عندما قالها، يوردها بالأسانيد، ومن جملتها: ...

...(الشيخ سيدي أحمد بن الرفاعي) رضي الله عنه: أخبرنا أبو محمد سالم بن علي بن عبد الله بن سنان الصوفي.. أخبرنا.. أخبرنا.. قالوا: أخبرنا أبو الفرج عبد الرحيم وأبو الحسن علي ابنا أخي الشيخ القدوة أبي العباس أحمد الرفاعي...قالا: كنا عند شيخنا الشيخ أحمد بن الرفاعي بزاويته بأم عبيدة فمد عنقه وقال: على رقبتي، فسألناه عن ذلك فقال: قد قال الشيخ عبد القادر الآن ببغداد: قدمي هذه على رقبة كل ولي لله([414])...

ثم يورد أسانيد أخر للرفاعي وغيره ممن حنوا رقابهم.

وفي كتاب بوارق الحقائق نرى القطب الغوث الفرد المتمكن العارف بالله...بهاء الدين محمد مهدي الشيوخي الشهير بالرواس...الرفاعي الصيادي...نراه يقول فيمن قصيدة يمدح فيها أحمد الرفاعي:

لم يجهل العز من عالي تحجبه              عن قادة القوم إلا كل محجوب

على أرسلان والجيلي قد ضربت            خيامه بعد عزاز ومهيوب

وكان سبعون فرداً تحت رايته                   غير المحاذين من دان ومحبوب

العرش والفرش والأكوان تعرفه                  أنعم بسطرٍ بلوح القدس مكتوب

تكبكبت همم الأقطاب وانجمعت            به بتمكين عزم غير مسلوب([415])

إنه يجعل شيخه الأكبر، أحمد الرفاعي، فوق كل الأقطاب، ويجعل خيامه مضروبة على عبد القادر الجيلاني ومعه أرسلان الدمشقي وبقية الأقطاب والأغواث.

ويقول أبو الهدى الصيادي (المرشد الكامل):

...وأما الواردات الثقيلة التي كانت ترد عليه (أي: على الجيلاني) قدس سره وتأخذه من حال إلى حال، فينطق بكلمات تتجاوز حد الصحو، فإنها حالة بداية لا تضر بمقامه العالي، ولا تحجب نور إرشاده المتلالي، وهي كقوله حالة غيبته: قدمي هذه على رقبة كل ولي لله([416])...

وبعد صفحة، يقول: ...فليس لنا إلا التأويل لهذه الألفاظ أدباً مع القوم، وباب التأويل واسع، فإنا نؤول...وأول من رواها ودون لها كتاباً صاحب البهجة (أي: بهجة الأسرار) الشيخ علي الهمداني...فإن صح الخبر عن الشيخ رضي الله عنه، فحالة شطح لا تفيد أمراً ولا غيره([417])..

ولن أناقش هذه الأقوال، بل أتركها للقارئ، ليناقشها ويتأكد بنفسه أن كشوفهم كلها هذيانات؛ لأن رواة هذه الخرافات السمجة كلهم أغواث، وبما أن كشفيهما متناقضان، لذلك، فإن كان أحدهما صادقاً كان الآخر كاذباً، والحق أنها كلها من تلبيسات الكشف.

* ملحوظة ثانية:-

يقول الوارث المحمدي الغوث محمد مهدي الصيادي الرفاعي:

...عبارات القوم لا تشير إلا إلى دولهم مع الله تعالى، ولا دخل لها بجيفة هذه الدنيا، ويؤيد ذلك أن هذا الإمام- أعني السيد الرفاعي (أحمد) سلام الله ورضوانه عليه - مضى على إرث قلوب الخلق، وفي ذلك مملكة ربانية مصرحة بأن دوام القطبية الجامعة (أي: الغوثية) في البيت الأحمدي محقق لا ينفصم عنهم ذلك بإذن الله تعالى.

ومثل هذا ما نصه الولي الصالح عبد الوهاب الشعراني في (مننه)، وكثير من كتبه بروايته عن العارف السلماباذي وغيره كلهم يقول لسيدنا أحمد الرفاعي: ...والدولة لك ولذريتك إلى يوم القيامة.

ومثل هذا نقل العارف بالله صاحب (أم البراهين) في كتابه، وابن جلال اللاري الحنفي في (جلاء الصدا) وغير واحد([418]).

* التعليق: هؤلاء الأغواث والعارفون يقررون أن الغوثية دائمة في ذرية أحمد الرفاعي.

وقد رأينا ابن قضيب البان يقرر أنه غوث زمانه، وهو ليس من سلالة أحمد الرفاعي. ويقول ابن العماد الحنبلي عن أبي بكر بن عبد الله باعلوي: هو قطب زمانه كما شهد به العارفون بالله تعالى شرقاً وغرباً، ولم يمتر في ذلك ذو بصيرة من أهل الطريق([419]). وأبو بكر باعلوي هذا ليس من سلالة الرفاعي ولا من طريقته.

ويقررون أن عبد الله اليافعي كان غوث زمانه، ولم يكن من سلالة الرفاعي ولا من طريقته.

وقرر أحمد التجاني، ويقرر أصحابه معه، أنه غوث زمانه، ولم يكن من سلالة الرفاعي ولا من طريقته.

وقرر علي اليشرطي، وقرروا معه، أنه غوث زمانه، ولم يكن من سلالة الرفاعي ولا من طريقته.

وقرر وقرروا أن محيي الدين بن عربي الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر هو غوث زمانه، ولم يكن رفاعياً...إلى آخر القائمة.

فمن منهم الصادق؟ ومن الكاذب؟ أما الواقع فهو الكشف ورؤاه.

يورد الدكتور سيد حسين نصر لمن سماه (الشيخ العلوي):

...وحده كان الله وليس معه أي شيء- وهو الآن كما كان، آخراً مثله أولاً.

- من الأزل واحد هو، ليس معه أي شيء.

- مستتر باطناً وبيِّن ظاهراً.

- لا أول له ولا نهاية لوجوده.

- وكل ما تعلم منه إنما هو وجوده.

- وحدة مطلقة بلا استدراك ولا استثناء.

- كيف يمكن أن تحبس ذات الله في حجاب.

- وليس ثم من حجاب سوى نوره الغامر([420]).

هذا النص لتذكير القارئ ببعض العبارات الصوفية ومعناها الذي صرح به الشاعر.

يقول حافظ (شاعر إيراني):

إن صوت المولى الحكيم ما زال في أذني من قبل الأزل

ونحن باقون على مثل ما كنا، وكذلك سنبقى أبد الدهر([421])

الرجاء من القارئ أن يتسلى بتحليل هاذين النصين، وهما من العبارات الواضحة.

* قصة مرسلة:-

الشيخ (ج) من الواصلين الذين حظوا بزيارة الرسول لهم في اليقظة. حدَّث أمام جماعة خدعوه فوثق بهم، قال: زارني الرسول في اليقظة، وكان يلبس برنساً، فخلعه، وبقي عارياً تماماً، فنظرت إلى قُبُلِه فلم أر له شيئاً، ووجدت مكتوباً هناك كلمة (الله) - تعالى الله- ثم سجد الرسول، فنظرت إلى دبره وإذا بها أشد ضوءاً من الشمس.

- ولا تعليق، لكن تأكيد أن هذه (الكرامة) قد حدثت للشيخ فعلاً في اليقظة لا في المنام، ولم يكن فيها كاذباً، وقد حصلت له بالكشف، وقد ناقشه فيها جماعة، فأصر وأكد أنها صحيحة وأنه يعتز بها. ومثل هذا يوضح لنا دور الكشف.

من قصيدة لنور بخش (مترجمة عن الفارسية):

منذ اليوم الذي استجليت فيه طلعة حبيبي             غدوت متميزاً من الخلائق أجمعين

وذلك أني صرت مبرأ من العقيدة والمذهب           والملة كلية وأصبحت ولا دين لي([422])

ولا تعليق ولا غيره.

* أبو بكر الطرابلسي (نسبة إلى طرابلس الغرب):-

الطالب الأجل، الولي الصالح، المجذوب السايح. قال العلامة المؤرخ الشيخ محمد بن جعفر الكتاني الفاسي في كتابه سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس فيمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس: كان رحمه الله في أول أمره من الطلبة القاطنين بالمدرسة الصباحية...حتى صار مجذوباً هائماً في الأسواق، ولا يشعر بحر ولا برد، ولا يبالى بوسخ ولا بغيره، ولا يكلم أحداً من الناس إلا قليلاً، ثم صار يحمل معه في ثوبه قلاليس القطران والزيت والسمن والشحم وأحجاراً وحدائد، ويحمل ذلك على عنقه يطوف به في الأسواق...وهو من جملة الصلحاء الذين لقيهم العارف الأكبر مولاي العربي الدرقاوي وتبرك بهم، وقد أورده في رسائله قائلاً ما نصه: كنت أعرف سيدي أبا بكر الطرابلسي...وكان من المجاذيب الكبار، غائباً عن حسه دائماً، وقد شربت بوله يوماً لشدة تصديقي بولايته... توفي بفاس سنة 1180هـ، وكانت له جنازة عظيمة حضرها الخاص والعام([423]).اهـ.

- الرجاء الانتباه إلى شرب بوله، وإلى موجبات الولاية عندهم، وإلى أن الخاص والعام حضر جنازته.

* معجزة لا تدرك إلا بالكشف:-

يقول القطب الرباني والغوث الصمداني سيدي عبد الوهاب الشعراني في ترجمته لأبي الحسن الشاذلي:

كان كبير المقدار علي المنار...فوق ابن تيمية سهمه إليه فرده عليه([424])...اهـ.

- أقول: لمعرفة المعجزة المعجزة في هذا الخبر، علينا أن نعرف أن أبا الحسن الشاذلي توفي سنة 656 هـ، وأن ابن تيمية ولد سنة 661 هـ، أي بعد موت أبي الحسن بخمس سنوات.

* قصة يرويها شاهدها:-

(كُبَّة كُبَّة) معتوه يعرفه أهل حلب في العقدين الأخيرين من القرن الرابع عشر الهجري، يدور في الشوارع مكشوف العورة، يبول على ساقيه، أكثر تواجده في حي (باب أنطاكية)، يعتقد ولايته الكثيرون.

حدثنا شاهد قال: كنت ماراً في شارع، وإذا بكبة كبة جالس على الرصيف يستمني بيده أمام المارة من رجال ونساء، فانتهرته وأردت طرده من المكان، وإذا بعالم معروفٍ يطل من نافذة بيته القريبة منا، ويصيح عليَّ بلهجة تأنيبية شديدة وانفعال، قائلاً: اتركه يا رجل، العمى على قلة الفهم! أنت تعرف ماذا يفعل؟ هذه صواريخ يقذفها على إسرائيل! الله أعلم كم يقتل منهم كل صاروخ!!.. (أو كما قال).

* قاف:-

يقول أبو العباس المرسي (قطب الغوث):

والله ما سار الأولياء والأبدال من قاف إلى قاف إلا حتى يلتقوا مع واحد مثلنا([425]).

* التعليق:

1- أين هذا القاف؟

2- ما معنى قوله سبحانه: ((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ)) [النجم:32]، و((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ...)) [النساء:49] ((انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:50]؟

3- المرسي غوث يتصرف بالكون من العرش حتى الفرش، وعارف بالله، أفلم يسعفه كل هذا على معرفة أن جبل قاف لا وجود له، وأنه محض خرافة كشفية؟

4- نفس السؤال يطرح على القطب الرباني والغوث الصمداني الذى أورد هذا الكلام؟ وعلى كل حال يجب أن نعرف أنهم كانوا يرون جبل قاف بالكشف، فهم لا يكذبون، لكن كشفهم هو الكذاب.

* من قبَّل قدمه دخل الجنة:-

مما يرويه عبد الله اليافعي في نشر المحاسن الغالية:

...ومن ذلك ما روي واشتهر واستفاض وتواتر في بلاد اليمن وما قرب منها أن الفقيه الإمام عالي المقام وصاحب الكرامات العظام الولي الكبير العارف بالله تعالى الشهير أبا الذبيح إسماعيل بن محمد الحضرمي رضي الله تعالى عنه قال: من قبل قدمي دخل الجنة، ولم يزل يقبل قدمه كل من رآه من الأكابر والأصاغر من المشايخ والعلماء وغيرهم من كل باد وحاضر.

ومن ذلك ما اشتهر عن السيد الجليل إمام الطريقة ولسان الحقيقة العارف بالله تعالى أحمد بن الجعل اليمني رضي الله تعالى عنه أنه التزم الشفاعة لمن رآه ومن رأى من رآه([426])...

- والسؤال: هل يوجد ضلال يزيد عن هذا الضلال؟ مع العلم أن هاتين الفقرتين هما بعض من كثير.

ومما ينسبونه لرابعة العدوية:

اللهم إني لا أعبدك طمعاً في جنتك، ولا خوفاً من نارك؟ وإنما أعبدك لأنك أهل للعبادة.

أقول: سمعنا هذه الجملة مرات كثيرة يطلقها الخطباء فوق المنابر، أو يلقي بها (العلماء) في حلقات الوعظ، ولا يهمنا إن كانت صحيحة النسبة إلى رابعة أم لا؟ كما لا يهمنا إن كانت شخصية رابعة حقيقية أم لا؟

إن الذي يهمنا هو أن الصوفية يؤمنون بها، وقد انزلق إيمانهم هذا إلى غير الصوفية، وقد سمعناها كثيراً ممن يهاجمون التصوف! بله المتصوفة.

وهذه الجملة شطرها الأول كفر، وشطرها الثاني نقص؟

فعبارة: (اللهم إني لا أعبدك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك)، تناقض ما أمر الله سبحانه به في عشرات الآيات وكثير من الأحاديث أن تكون عبادة المسلم (أو الإنسان) طمعاً في الجنة وخوفاً من النار، مر بعضها في فصول سابقة. وهذا التناقض يجعل العبارة كفراً وزندقة.

وعبارة: (إنما أعبدك لأنك أهل للعبادة) هي عبارة ناقصة؛ لأنها لا تنفي أهلية العبادة عما عُبد من غير الله.

وهي صورة من الذين يقرءون القرآن فلا يجاوز تراقيهم (وقد مر الحديث).

من (المنظومة على سفينة النجاة لسيدي أحمد زروق):

وملكت أرض الغرب طراً بأسرها               وكل بلاد الشرق في طي قبضتي

فملكنيها بعض من كان عارفاً                  وخلفني فيها بأحسن سيرة

فأرفع قدراً ثم أخفض منصباً                   بأرفع مقدار وأرفع همة

وأعزل قوماً ثم أولي سواهم                    وأعلي مقام البعض فوق المنصة

وأبسط أرواحاً وأقبض أنفساً                   وأحيي قلوباً بعد موت القطيعة

وأجبر مكسوراً وأشهر خاملاً                   وأرفع موضوعاً بأرفع عمتي

وأقهر جباراً وأدحض ظالماً           وأنصر مظلوماً بسلطان سطوتي

فإن كنت في كرب وضيق وشدة             فنادِ أيا زروق آتي بسرعة

فكم كربة تجلى إذا ذكر اسمنا                وكم كربة تجلى بإفراد صحبتي([427])

- السؤال: ما هي الوثنية؟ وهل في الوثنيات أكثر من هذا؟ وما معنى ما نقرأه في كل ركعة من صلاة: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5]؟ وما دام هؤلاء الأغواث يملكون هذه القدرة الإلهية فلم لا يغيثون هذه الأمة ويخلصونها من سرطانهم القاتل الذي أوصلها إلى ما هي عليه من ضياع وتشتت؟ وعلى كل حال يجب أن نعرف أنه يقول ما يراه في الكشف، فهو لا يكذب على الكشف، لكن الكشف هو الكذاب.

* يبيع الجنة:-

...وكان ابن أبي حاتم رضي الله عنه زاهداً ورعاً خاشعاً لا يكاد يرفع طرفه إلى السماء، وجاءه رجل وهو في الدرس فقال: إن سور طرسوس قد انهدم منه جانب واحتيج في عمارته إلى ألف دينار، فقال الشيخ للحاضرين: من يعمره وأنا أضمن له على الله قصراً في الجنة؟ فقام رجل أعجمي وجاء بألف دينار، وقال: اكتب لي ورقة بهذه الضمانة، فكتب له الشيخ، ثم إن العجمي مات، ودفنت معه الورقة، فحملها الريح حتى ألقاها في حجر الشيخ رضي الله عنه، فإذا مكتوب في ظهرها: قد وفينا ما ضمنته ولا تعد([428])...

- أقول: القصة مكذوبة، لكن المهم فيها هو أنهم يؤمنون بأن الأولياء يدخلون الجنة ويضمنون على الله وغير ذلك! مع سؤال: ما هو الفضل؟ أي فضل في عدم رفع طرفه إلى السماء؟ وملحوظة أن مثل هذا الورع والخشوع الذي جعلته الصوفية مثلاً أعلى في المجتمعات الإسلامية هو الذي أوصل هذه المجتمعات إلى الجهل والضياع والتخبط التي مرت بها.

* من مقام الورع:-

...وكان الشيخ عبد الرحمن الأنباري النحوي رضي الله عنه لا يوقد قط في بيته سراجاً لعدم صفاء ثمن ما يشتري به الزيت، وكان تحته حصير قصب وعليه ثوب خلق وعمامته من غليظ القطن، فيصلي فيها الجمعة، ما يفرق الناس بينه وبين الشحاتين في رثاثة الهيئة، وكان لا يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة([429])...

- السؤال: هل هذا من هدي الإسلام؟ والباقي للقارئ.

* ومن مقام الورع أيضاً ومعه مقام الزهد:-

...كان الشيخ عبد الرحمن الداوُدي البوشنجي رضي الله عنه عالماً زاهداً لم يأكل اللحم منذ أربعين سنة من حين نهبت التركمان البهائم! وكان لا يأكل السمك، فحكى له شخص أن بعض الجند أكل على شاطئ النهر الذي يصاد له منه ونفض سفرته في النهر تأكله السمك، فلم يأكل بعد ذلك منه سمكاً، وكان له أرض ورثها من آبائه يزرع فيها ما يقوته، وله فيها بقرة وبئر ماء، فمطرت يوماً، فأطلقت البقرة إلى أرض جاره ثم رجعت وفي حافرها وحل، فاختلط في أرضه، فترك تلك الأرض للناس وخرج منها ولم يزرع بعد ذلك فيها شيئاً إلى أن مات، وكان له فرن يخبز فيه في داره، فجاء فقراء يزورونه، وكان غائباً، فوجدوا باب فرنه قد انهدم منه جانب، فعجنوا طيناً وأصلحوه، فامتنع من الخبز فيه، وبنى له خلافه، لكون من ليس على قدمه في الورع بناه([430])...

- ويترك التعليق للقارئ، مع ملحوظة هامة هي أن هذا الورع، وهذا الزهد كانا من المثاليات التي تجتهد نخبة المجتمع على تطبيقها!! إلا من رحم ربك، ومن هنا تتوضح لنا الطريق التي سارت فيها الأمة حتى وصلت إلى الضياع الذي تخبطت فيه زمناً، وهي الآن تحاول التخلص منه، لكن شد الصوفية الشديد يمنعها من ذلك، مع بلاء شديد جديد، هو الشيوعية بأساليبها المبنية على قوانين علم النفس وعلم الاجتماع والدعاية والإشاعة والكذب، حتى تحول كثير من المسلمين الآن إلى آلات أو جرافات تفتح الطريق للشيوعية وهم يحسبون أنهم يجاهدون في سبيل الله ويعملون لإقامة دولة الإسلام!

وننهي هذا الفصل الذي لو بقينا مسترسلين معه لاحتجنا إلى ألوف الصفحات، ننهيه بكلمات لابن عطاء الله السكندري صاحب الحكم المشهورة التي يقارنونها بالقرآن الكريم، يقول: ...فما سوى الله عند أهل المعرفة لا يتصف بوجود ولا بفقد، إذ لا يوجد غيره معه، لثبوت أحديته؛ ولا فقد لغيره لأنه لا يفقد إلا ما وجد، ولو انتهك حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان، ولأشرق نور الإيقان فغطى وجود الأكوان([431]). ويقول: ...لأن من استرسل من إطلاق التوحيد، ورأى أن الملك لله وأن لا ملك لغيره معه، ولم يتقيد بظواهر الشريعة، فقد قُذف به في بحر الزندقة، وعاد حاله بالوبال عليه، ولكن الشأن أن يكون بالحقيقة مؤيداً، وبالشريعة مقيداً، وكذلك المحقق، فلا منطلقاً مع الحقيقة، ولا واقفاً مع ظاهر إسناد الشريعة، وكان بين ذلك قواماً. فالوقوف مع ظواهر الإسناد شرك، والانطلاق مع الحقيقة من غير تقييد بالشريعة تعطيل، ومقام أهل الهداية فيما بين ذلك([432])...اهـ.

- سؤال: هل مقام أهل الهداية هو الذي بين ذلك، أم مقام أهل الضلال البعيد؟!

* الملحوظات:-

- وحدة الوجود واضحة تماماً في النص الأول، ويجب أن نفهم العبارات التالية انطلاقاً منها.

- نفهم من العبارات: (إطلاق التوحيد)، و(رأى أن الملك لله)، و(أن لا ملك لغيره معه) استناداً إلى ما سبق أنها تشير إلى وحدة الوجود، وهي تذكرنا بعبارات كثيرة مرت في فصول سابقة، مشابهة لهذه، وتوضح لنا رموزها وإشاراتها، مثل: (الوحدة المطلقة) و(لا فاعل إلا الله) و(إن المنعم هو الله) و(هو المخوف والمرجو وعليه التوكل والاعتماد)، وغيرهما مما مرَّ وكلها تشير إلى وحدة الوجود.

- قوله: (ولا واقفاً مع ظاهر إسناد الشريعة)، فما هو إسناد الشريعة؟ إنه القرآن والسنة، وطبعاً يمكنهم تأويل كلمة (إسناد) بأنها تعني (رواة الحديث)، رغم أن النص لا يحتمل مطلقاً هذا التأويل. فقوله: (ظاهر إسناد الشريعة)، تعني بوضوح: (ظاهر القرآن والسنة)، لأننا عندما نورد سند أي نص كان بقولنا: رواه فلان عن فلان. فليس في هذا الإسناد ظاهر وباطن، وليس فيه إلا أسماء الرواة.

- ثم لننتبه إلى قوله: (الوقوف مع ظواهر الإسناد شرك)، التي تعني: (الوقوف مع ظواهر القرآن والسنة شرك)، وهو مثل قول الصاوي الذي مر في مكان سابق: إن ظاهر القرآن والسنة من أصول الكفر، ويعني بقوله: الوقوف مع ظواهرالإسناد شرك أن ظاهر القرآن والسنة يقرر أن المخلوق غير الخالق، وبالتالي، هناك موجود آخر في هذا الوجود غير الله (طبعاً أوجده الله سبحانه من العدم، لا من ذاته) وهذا هو الشرك في عقيدة الصوفية لأنه يشرك مع الله وجوداً غيره.

- وفي النص ملاحظات أخرى، يستطيع القارئ أن يتسلى بتحليلها (مثلاً: قوله: قذف به في بحر الزندقة؟).

- أزيد: أردت أن أنهي هذا الفصل بكلمات ابن عطاء الله الآنفة، وأمامي في الكتب مئات الأمثلة من المضحكات المبكيات التي تستحق التسجيل ليطلع عليها المسلم الذي تهمه معرفة السبب الذي أوصل المجتمعات الإسلامية إلى ما وصلت إليه. وهذه الأمثلة بالإضافة إلى كونها من المضحكات المبكيات هي أيضاً مسليات ومحزنات، وأراني مدفوعاً لتسجيل بعضها.

مما يورده ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب:

وفيها (أي: سنة 909 هـ) أبو الخير الكليباتي (أي: توفي)، قال النجم الغزي: الشيخ الصالح الولي المكاشف الغوث المجذوب، كان رجلاً قصيراً يعرج بإحدى رجليه، وله عصاً فيها حلق وخشاخيش، وكان لا يفارق الكلاب في أي مجلس كان فيه حتى في الجامع والحمام، وأنكر عليه شخص ذلك، فقال: رح وإلا جرسوك على ثورٍ دائرَ مصر، فشهد ذلك النهار زوراً، فجرسوه على ثورٍدائرَ مصر، وأنكر عليه بعض القضاة ذلك، فقال: هم أولى بالجلوس في المسجد منك، فإنهم لا يأكلون حراماً ولا يشهدون زوراً ولا يستغيبون أحداً...وكان كل من جاءه في ملمة يقول له: اشتر لهذا الكلب رطل شواء وهو يقضي حاجتك، فيفعل، فيذهب ذلك الكلب ويقضي تلك الحاجة، قال الشعراوي (أي: الشعراني): أخبرني سيدي علي الخواص أنهم لم يكونوا كلاباً حقيقية، وإنما كانوا جناً سخرهم الله تعالى له...وقال الحمصي بعد ترجمته بالقطب الغوث كان صالحاً مكاشفاً...وكان يصحو تارة ويغيب أخرى، وكان يسعى له الأمراء والأكابر فلا يلتفت إليهم، وتوفي ثالث جمادى الآخرة وحمل جنازته القضاة والأمراء ودفن بالقرب من جامع الحاكم بالقاهرة وبني عليه عمارة وقبة.

- التعليق يترك للقارئ، وكذلك التساؤلات، وأنبه فقط إلى أنه حمل جنازته القضاة والأمراء، وبني عليه عمارة وقبة.

- كما أنبه أيضاً إلى أن القبة شعار وثني كانت تُبنى فوق الصنم المعبود على أنه إله في سمائه، وكانت القبة الكبرى تبنى من أجل الصنم الأكبر.

ويقول القطب الرباني والغوث الصمداني:

ومنهم الشيخ الصالح عبد القادر السبكي رحمه الله تعالى، أحد رجال الله تعالى، كان من أصحاب التصريف بقرى مصر رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه كثير التلاوة للقرآن...وكان كثير الكشف لا يحجبه الجدران والمسافات البعيدة من اطلاعه على ما يفعله الإنسان في قعر بيته...وخطب مرة عروساً فرآها فأعجبته، فتعرى لها بحضرة أبيها، وقال: انظري أنت الأخرى حتى لا تقولي بعد ذلك بدنه خشن، أو فيه برص، أو غير ذلك، ثم مسك ذكره وقال: انظري هل يكفيك هذا؟ وإلا فربما تقولي هذا ذكره كبير لا أحتمله أو يكون صغيراً لا يكفيك، فتقلقي منه وتطلبي زوجاً أكبر آلة مني. وكان له بنت يحملها على ظهره أي موضع ذهب حتى كبرت وهو يحملها على كتفه وهو يقول: خوفاً من أولاد الزنا، وكان ربما ذهب ليغسل لها ثوبها في البركة، فيحفر لها الأرض ويردم التراب عليها حتى ينشف ثوبها([433])...

- وأترك التعليق لغير أهل الطريق.

* يتركون العبادة مرضيين:-

يقول مجدد الألف الثاني أحمد الفاروقي السرهندي:

...فما تكون نسبة الآخرين لهؤلاء الأكابر؟ وربما تصدر العبادة عن الآخرين وتكون غير مرضية، وهؤلاء الأكابر يتركون العبادة في بعض الأحيان ويكون ذلك الترك مرضياً. فكان تركهم أفضل عند الحق جل وعلا من فعل غيرهم، والعوام حاكمون بخلاف ذلك يعتقدون ذلك عابداً وهذا مكاراً أو معطلاً([434])...

- أقول: من مثل هذا يتبين لنا دور الكشف في تزوير عقول الأمة؛ لأن هذا القطب المجدد عرف هذا الحكم عن الله الذي هو هو، أثناء إحدى فناءاته، وهو طبعاً، يعتقد أن هذا هو حق لاريب فيه.

ومما يورده القطب الرباني والغوث الصمداني:

...وكذلك وقع للإمام اليافعي التميمي رضي الله عنه، فحكى في كتابه (المنهاج) أنه مكث خمس عشرة سنة في نزاع، فخاطر يدعوه إلى الاشتغال بالعلم على طريق العلماء، وخاطر يدعوه إلى الاشتغال بما عليه الصوفية، قال: وكان الفقهاء يأمرونني بموافقتهم ويقولون: طريقنا يتضمن طريق غيرنا وطريق غيرنا لا يتضمن طريقنا، فقلت في نفسي بتوجه تام: اللهم بين لي أي الطريقين أقرب إليك، فبينما أنا أمشي في شارع من شوارع زبيد، إذ لقيني شخص من أرباب الأحوال وقال: إلى متى تشك في طريق القوم؟ اسلك منها فإنها أقرب الطرق إلى الله تعالى. قال: فقلت له: أريد البيان. فقال: نعم. فدخل زاويته وقال؛ أرسلوا لنا خلف العالم الفلاني، ممن لا يرى الشيخ إذ ذاك رد السلام عليه إذا سلم، فخرج النقيب إليه، فقال الشيخ للجماعة: لا أحد يرد عليه السلام إذا جاء ولا يقوم له ولا يفسح له، فقالوا: سمعاً وطاعة. فلما حضر قال: السلام عليكم. فلم يرد أحد عليه السلام، فقال: حرام عليكم. فجلس فلم يفسحوا له، فقال: خالفتم السنة، فقال الشيخ: الفقراء في أنفسهم منك شيء، فقال: وأنا في نفسي منهم أشياء، وأشار بأصابع كفه كلها. فقال الشيخ: انظر يا يافعي ما أثمره علم هذا. ثم قال للنقيب: أرسل وراء الفقير الفلاني، وأمرهم أن لا يردوا عليه السلام ولا يقوموا له ولا يفسحوا له، ففعلوا ذلك، فصار يبتسم ويقول: أستغفر الله تعالى، ثم وقف عند النعال، وأخذ النعال على رأسه وبكى، فلم يلتفت أحد إليه، فقال له الشيخ: الفقراء في نفوسهم منك شيء، فقال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقال الشيخ لليافعي: انظر ما أثمره صحبة الفقراء([435])...

- الملحوظات كثيرة، منها: العالم الفلاني، لم يتصرف إلا حسب توجيهات الإسلام، حيث لم يزد أن أمر بمعروف أو نهى عن منكر.

ونلاحظ أن الفقراء احتقروا هذا السلوك الإسلامي، واستحسنوا سلوك الفقير المزري، واللا إسلامي، وهكذا يتوضح لنا سبب انحطاط المسلمين، فالصوفية هي التي قادتهم إلى ما هم عليه.

- وأخيراً، وبعد قراءة هذا الفصل بهدوء، أظن أن القارئ الكريم توضحت لديه الرؤية، وأصبح على معرفة تامة بسبب انحطاط المسلمين. وفي فصل آت سوف نرى ما هو أكبر.

وفي هذا العصر أضيف إلى الصوفية التي سلبت من المسلمين سلامة التفكير، وأصبحوا لا يفكرون ولا يناقشون الأمور إلا بفهم سحري وإسقاط سحري لما يتوهمونه، على ما يتوهمونه، أضيف إليها بلاء جديد، هو الماركسية، التي وصلت إلى القمة في فن الجاسوسية؛ لأن العبادة عند اليهود هي الجاسوسية منذ (1900 سنة)، واليهودية هي الماركسية، أو بتعبير آخر، الماركسية هي التطبيق العملي لأسطورة الشعب المختار.

وقد استطاعت الماركسية أن تجعل من المسلمين أبواقاً للدعايات التي تخدم الماركسية، وتجعل كثيراً منهم أحجاراً في مقاليعها، أو قنابل في يدها ترمي بهم أعداءها وكل من يقف سداً في سبيلها، وكان أكبر مساعد لها على النجاح في هذا الميدان هو الأسلوب الصوفي في التفكير، الذي وصل إليه المسلمون، فالصوفية حرثت، والماركسية تزرع وتحصد، والماركسية هي هي اليهودية.

وهذا ورد من أوراد الطريقة الشبكية التي هي فرع من البكتاشية:

إن حقيقة كل الوجود علي جل جلاله، ملك العالي والداني علي جل جلاله، إذا تحررت من الكائنات أولها وآخرها فلن يبقى سوى علي جل جلاله، إن حارس جماعة الوالهين في حالتي الصحو والسكر علي جل جلاله، إن كنت تعبد الله فلا تدعوني مشركاً، فالله الذي تعبده علي جل جلاله، لا تكسر القلوب المنكسرة فإذا كسرتها فاعلم أن في القلب الذي كسرته علي جل جلاله، اعتصم بحبل علي واصعد إلى الذروة فسترى علياً جل جلاله بعد أن تحرر من القيود([436])...

* الملحوظة:

تتضح الروح الصوفية في هذا النص من العبارات: (تحررت من الكائنات أولها وآخرها، جماعة الوالهين، حالتي الصحو والسكر، اصعد إلى الذروة، تحرر من القيود).

وفي الختام:

هذه هي الكشوف الصوفية والعلوم اللدنية والكرامات، كلها جهل وضلال ووأد للعقل الذي كرم الله به بني آدم، ولو كانت إلهية لتنزهت عن الغلط (مجرد الغلط)، ولو كانت الصوفية سيراً إلى الله وعروجاً إليه، كما يدعون، لما كان كل هذا التخبط والضياع عن مبادئ الإسلام، وعن أبسط مقومات الوجود الإنساني.

وقد فطن بعض متأخريهم إلى هذا الخبط والخلط، فاعتذروا عنه بقولهم: قد يخطئ الكشف. وهو عذر أقبح من الكشف، والصحيح هو أن نقول: قد يصدق الكذوب، وقد يحسن الشرير، وقد يصيب الكشف.

ولعل أهم ما يجب أن نلاحظه في كشوفهم أنها لا تزيد شيئاً عن معلومات المكاشف وأمانيه المسبقة إلا ما يقتضيه التصوير والتنسيق الموجهين بثقافته أيضاً، وطبعاً يستقي المكاشف معلوماته وأمانيه من الوسط الاجتماعي والوسط الصوفي الذي يتقلب فيهما، ولذلك لا نرى فيها أي شيء يزيد عن ثقافة مجتمعه، إلا بعض التخيلات التافهة.

 

 

 

([1]) تربيتنا الروحية، (ص:191).

([2]) اللمع، (ص:68 - 80).

([3]) قوت القلوب: (1/178).

([4]) الرسالة القشيرية، (ص:32).

([5]) نسبة إلى تقسيم سابق لهذا الكلام.

([6]) كتابان لابن العريف: (محاسن المجالس)، (مفاتح المحقق).

([7]) بد العارف، (ص:128).

([8]) من قصيدة (المباحث الأصلية).

([9]) عوارف المعارف في هامش الإحياء: (4/261).

([10]) عوارف المعارف: (4/262).

([11]) الفيوضات الربانية: (ص:37).

([12]) الفيوضات الربانية، (ص:37).

([13]) حقائق عن التصوف، (ص:269).

([14]) حقائق عن التصوف، (ص:274).

([15]) حقائق عن التصوف، (ص:277، 278)، والأبيات من قصيدة للششتري.

([16]) الرسالة القشيرية، (ص:35).

([17]) الإحياء: (40/48)، ونشر المحاسن الغالية، (ص:68) وغيرها.

([18]) الإحياء: (4/227).

([19]) الإحياء: (4/230).

([20]) الإحياء: (4/368).

([21]) السعادة الأبدية فيما جاء به النقشبندية، (ص:37).

([22]) عوارف المعارف في هامش الإحياء: (2/91).

([23]) أحد العلماء الراسخين في علوم الحقائق، صحب الشيخ عبد القادر الجيلاني، وانتمى إليه معظم صوفية بغداد.

([24]) طبقات الشعراني: (1/135).

([25]) طبقات الشعراني: (1/194).

([26]) من أكابر العارفين، مات في القاهرة بعد سنة (920هـ).

([27]) طبقات الشعراني (2/139).

([28]) من أكابرهم، كف بصره، مات في القاهرة بعد سنة (930هـ).

([29]) طبقات الشعراني (2/139).

([30]) الإبريز، (ص:217).

([31]) طبقات الشعراني: (2/156).

([32]) الخير الكثير، (ص:102).

([33]) الكبريت الأحمر والإكسير الأكبر، (ص:77).

([34]) اليواقيت والجواهر: (1/136).

([35]) فصل الخطاب، (ص:137).

([36]) النفحة العلية في أوراد الشاذلية، (ص:24).

([37]) ميزاب الرحمة الربانية، (ص:23).

([38]) ذو النون المصري، (ص:49).

([39]) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:75، 76).

([40]) فتوح الغيب، (ص:22).

([41]) مزار أحد الأولياء في طهران.

([42]) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:77، 78، 79).

([43]) عملة مغربية كانت متداولة آنذاك.

([44]) هو شيخ أبي مدين المغربي، والزيت من النذور التي تقدم للمقام.

([45]) أكلة مغربية معروفة تسمى في الشرق، باسم (المغربية) أو (المفتول).

([46]) الإبريز، (ص:9).

([47]) الإبريز، (ص:10).

([48]) المناظر الإلهية، (ص:7، 8).

([49]) المناظر الإلهية، (ص:11).

([50]) المناظر الإلهية، (ص:14 و15).

([51]) المناظر الإلهية، (ص:16).

([52]) المناظر الإلهية، (ص:17).

([53]) المناظر الإلهية، (ص:18)، وفي الكتاب أخطاء مطبعية أو نسخية، منها: (الأينية) بدلاً من (الأنية)،، (عرض أينيتك) بدلاً من (تعرَّ من أنيتك).

([54]) المناظر الإلهية، (ص:22).

([55]) المناظر الإلهية، (ص:56).

([56]) المناظر الإلهية، (ص:76).

([57])المناظر الإلهية، (ص:76، 77).

([58]) المناظر الإلهية، (ص:76، 77). وكلمة جان فارسية معناها: (ابن) ودوست معناها: (صاحب).

([59]) المناظر الإلهية، (ص 78، 79).

([60]) المناظر الإلهية، (ص:79).

([61]) اللوحية نسبة إلى اللوح المحفوظ.

([62]) رسالة الأنوار، (ص:8- 12).

([63]) يستعمل ابن طفيل عبارة (المشرقية) بدلاً من (الإشراقية) تقليداً لابن سينا.

([64]) هذا هو ما يسمونه البوارق أو اللوامع أو اللوامح أو البوادة... إلخ.

([65]) يعني بعبارة (جناب القدس) الألوهية.

([66]) عبد القادر بن محمد بن أبي الفيض السيد الأفضل أبو محمد، يتصل نسبه بقضيب البان الموصلي، ولد بحماة سنة (971هـ)، وتوفي في حلب سنة (1040هـ).

([67]) صورة هذا الملاك الذي يقدمها هذا القطب، تذكرنا بصورآلهة الهندوس في الهند.

([68]) الإنسان الكامل في الإسلام، (ص:166- 172.).

([69]) الإنسان الكامل في الإسلام، (ص:186، 187).

([70]) الإنسان الكامل في الإسلام، (ص:187، 188).

([71]) الإنسان الكامل في الإسلام، (ص:189، 190).

([72]) (إلا هوية) مأخوذة من (إلا هو) في قولهم: (لا هو إلا هو).

([73]) الإنسان الكامل في الإسلام، (ص:194).

([74]) قلادة الجواهر، (ص:112).

([75]) قوت القلوب (2/69).

([76]) قوت القلوب (2/70)، وإحياء علوم الدين: (4/304).

([77]) القوت: (2/70)، والإحياء: (4/305).

([78]) قوت القلوب: (2/70).

([79]) قوت القلوب: (2/70).

([80]) قوت القلوب (2/71)، والإحياء: (4/305).

([81]) الإحياء: (4/305).

([82]) القوت: (2/73)، والإحياء: (4/306).

([83]) الإحياء: (4/306).

([84]) الإحياء: (1/19). وهذا المعنى يتكرر في الإحياء، انظر: (4/183، 184).

([85]) القوت: (2/74)، والإحياء: (4/306). وتعزى قصة لص الحمام في القوت إلى مجهول، بينما تعزى في كتاب (نشر المحاسن الغالية) لليافعي إلى إبراهيم الخواص (مات في الري سنة 291هـ).

([86]) الإحياء: (4 /306).

([87]) القوت: (2/74، 75)، والإحياء: (4/306).

([88]) الإحياء: (4/307).

([89]) القوت: (2/43)، والاحياء: (4/299).

([90]) عوارف المعارف في هامش الإحياء: (4/310).

([91]) الكتاني بغدادي مات في مكة سنة (322هـ).

([92]) اللمع، (ص:225)، وطبقات ابن الملقن، (ص:148).

([93]) طبقات الشعراني (1/64).

([94]) الأنوار القدسية في الآداب، هامش الطبقات: (1/5).

([95]) طبقات الشعراني: (1/186).

([96]) طبقات الشعراني: (2/31).

([97]) طبقات الشعراني: (2/3)، وجامع النبهاني: (1/210)، والنبهاني (يوسف بن إسماعيل) من إجزمْ شمالي فلسطين، درس في الأزهر وعمل في القضاء وتوفي في بيروت سنة (1350هـ).

([98]) طبقات الشعراني: (2/3)، وجامع النبهاني: (1/211).

([99]) الفتح الرباني: (ص:370).

([100]) الفتح الرباني، (ص:14، 15).

([101]) الفتح الرباني، (ص:214).

([102]) طبقات الشعراني: (2/128)، وجامع النبهاني: (2/367)، وذكرها الشيخ عبد الغني النابلسي في (شرح الطريقة المحمدية).

([103]) طبقات الشعراني: (2/140).

([104]) طبقات الشعراني: (2/141).

([105]) طبقات الشعراني: (2/141).

([106]) طبقات الشعراني: (2/143)، وجامع النبهاني: (1/454).

([107]) الأنوار القدسية في القواع: (2/44).

([108]) طبقات الشعراني: (2/142)، وجامع النبهاني: (1/412).

([109]) طبقات الشعراني: (2/142).

([110]) طبقات الشعراني: (2/144).

([111]) جامع النبهاني: (2/100).

([112]) طبقات الشعراني: (2/144).

([113]) طبقات الشعراني: (2/148).

([114]) طبقات الشعراني: (2/150)، وجامع النبهاني: (2/515).

([115]) طبقات الشعراني: (2/154)، وجامع النبهاني: (2/77)، وقد ورد الاسم فيها (روز بهار) بدلاً من (زون بهار).

([116]) طبقات الشعراني: (2/106)، وجامع النبهاني: (2/294).

([117]) طبقات الشعراني: (2/107)، وبعضها في جامع النبهاني: (1/286).

([118]) إحياء علوم الدين: (4/75).

([119]) طبقات الشعراني: (2/136)، وجامع النبهاني: (1/296، 297).

([120]) طبقات الصوفية: (2/136)، وجامع النبهاني: (2/366).

([121]) طبقات الشعراني: (1/157)، وجامع النبهاني: (2/165).

([122]) طبقات الشعراني: (1/104).

([123]) طبقات الشعراني: (2/66)، وجامع النبهاني: (2/535).

([124]) طبقات الشعراني: (2/107)، وجامع النبهاني: (2/428، 429).

([125]) طبقات الشعراني:) 1/148 (، وجامع النبهاني:) 1/459 (. وقد ورد اسمه في الجامع (القيلري) بدلاً من القلوري.

([126]) طبقات الشعراني: (2/126)، وجامع النبهاني: (1/299).

([127]) طبقات الشعراني: (2/87)، وجامع النبهاني: (2/46).

([128]) طبقات الشعراني: (2/88، وما بعدها)، وجامع النبهاني: (1/261، وما بعدها).

([129]) طبقات الشعراني: (2/89، وما بعدها)، وجامع النبهاني: (1/261، وما بعدها).

([130]) طبقات الشعراني: (2/102)، وجامع النبهاني: (2/463).

([131]) طبقات الشعراني: (2/103)، وجامع النبهاني: (1/284).

([132]) جامع النبهاني: (1/284).

([133]) طبقات الشعراني: (2/105)، وجامع كرامات النبهاني: (1/437).

([134]) طبقات الشعراني: (1/132).

([135]) طبقات الشعراني: (2/135)، وجامع النبهاني: (2/372).

([136]) مات في مصر سنة (1019هـ).

([137]) جامع النبهاني: (1/414).

([138]) من اليمن، مات سنة (690هـ).

([139]) جامع النبهاني: (1/523).

([140]) عراقي مات قرب سامراء سنة (550هـ).

([141]) جامع النبهاني: (2/3، 4).

([142]) مات في مصر في أوائل القرن الحادي عشر الهجري.

([143]) جامع النبهاني: (2/378).

([144]) من صوفية القرن العاشر الهجري في مصر.

([145]) جامع النبهاني: (2/379).

([146]) جامع النبهاني: (2/349).

([147]) جامع النبهاني: (2/470).

([148]) مات في طرابلس سنة (1322هـ).

([149]) جامع النبهاني: (2/396).

([150]) مشهور باسم (منلا جامي)، مات في هراة سنة (898هـ).

([151]) جامع النبهاني: (2/154).

([152]) مات في دمشق سنة (1307هـ).

([153]) المتليك عملة عثمانية صغيرة القيمة.

([154]) جامع النبهاني: (2/42).

([155]) مات في الموصل سنة (570هـ).

([156]) جامع النبهاني: (2/24).

([157]) جامع النبهاني: (2/25).

([158]) هكذا هي الجملة في الأصل.

([159]) جامع النبهاني: (2/114).

([160]) جامع النبهاني: (2/118، 120).

([161]) جامع النبهاني (2/297).

([162]) جامع النبهاني: (2/297).

([163]) جامع النبهاني (2/299).

([164]) جامع النبهاني: (2/299).

([165]) جامع النبهاني: (2/302، وما بعدها).

([166]) جامع النبهاني: (2/331، 332)، ونشر المحاسن الغالية، (ص:307).

([167]) جامع النبهاني: (2/341).

([168]) جامع النبهاني: (2/288).

([169]) جامع النبهاني (2/498).

([170]) جامع النبهاني: (2/498).

([171]) جامع النبهاني: (2/38).

([172]) توفي في دمشق عام (1283هـ).

([173]) جامع النبهاني: (2/221، 222).

([174]) توفي عام (525هـ).

([175]) جامع النبهاني: (2/54).

([176]) جامع النبهاني: (2/155).

([177]) جامع النبهاني: (2/286).

([178]) جامع النبهاني: (2/328).

([179]) جامع النبهاني: (2/10)، وقد نقلها عن رحلة ابن بطوطه.

([180]) جامع النبهاني: (2/84).

([181]) جامع النبهاني (2/84).

([182]) يمني مات قبل (700هـ).

([183]) جامع النبهاني: (2/78).

([184]) نشر المحاسن الغالية، (ص:269)، والرسالة القشيرية، (ص:70).

([185]) نشر المحاسن الغالية، (ص:270)، وتقريب الأصول، (ص:261)، والرسالة القشيرية، (ص:70)، وإيقاظ الهمم، (ص:345)، وغيرها.

([186]) نشر المحاسن الغالية، (ص:270).

([187]) نشر المحاسن الغالية، (ص:68)، وإحياء علوم الدين: (4/48)، وغيرهما.

([188]) نشر المحاسن الغالية، (ص:68).

([189]) نشر المحاسن الغالية، (ص:203).

([190]) نشر المحاسن الغالية، (ص:22).

([191]) نشر المحاسن الغالية، (ص:30).

([192]) نشر المحاسن الغالية، (ص:33).

([193]) نشر المحاسن الغالية، (ص:390).

([194]) نشر المحاسن الغالية، (ص:390).

([195]) نشر المحاسن الغالية، (ص:13).

([196]) نشر المحاسن الغالية، (ص:76).

([197]) نشر المحاسن الغالية، (ص:231).

([198]) نشر المحاسن الغالية، (ص:303).

([199]) نشر المحاسن الغالية، (ص:50).

([200]) المنتخبات من المكتوبات، (ص:74).

([201]) إيقاظ الهمم، (ص:337، 338).

([202]) يزيد بن هارون الواسطي، مات سنة (286هـ).

([203]) إيقاظ الهمم، (ص:269).

([204]) الإبريز، (ص:145).

([205]) الإبريز، (ص:148).

([206]) الإبريز، (ص:2).

([207]) من أبيات مكتوبة على الغلاف الداخلي للكتاب.

([208]) الإبريز (ص:149).

([209]) كتاب الجواهر والدرر على هامش الإبريز، (ص:151).

([210]) الجملة الأخيرة من طبقات الشعراني: (2/150).

([211]) الإبريز، (ص:153).

([212]) بهجة الأسرار ومعدن الأنوار، (ص:19).

([213]) بهجة الأسرار ومعدن الأنوار، (ص:23).

([214]) بهجة الأسرار ومعدن الأنوار، (ص:23).

([215]) الرسالة القشيرية، (ص:180).

([216]) الرسالة القشيرية، (ص:164).

([217]) الرسالة القشيرية، (ص:164).

([218]) الرسالة القشيرية، (ص:165). واللمع، (ص:217).

([219]) الرسالة القشيرية، (ص:157).

([220]) الرسالة القشيرية، (ص:155).

([221]) الرسالة القشيرية، (ص:150).

([222]) الرسالة القشيرية، (ص:151).

([223]) الرسالة القشيرية، (ص:137).

([224]) الرسالة القشيرية، (ص:138).

([225]) الرسالة القشيرية، (ص:138).

([226]) الرسالة القشيرية، (ص:138).

([227]) الرسالة القشيرية، (ص:138).

([228]) الرسالة القشيرية، (ص:138).

([229]) الرسالة القشيرية، (ص:52).

([230]) القرية هي عش النمل.

([231]) الرسالة القشيرية، (ص:72).

([232]) الرسالة القشيرية، (ص:29).

([233]) كشف الحجاب، (ص:373).

([234]) التعرف (ص:147).

([235]) التعرف، (ص:148).

([236]) التعرف، (ص:148).

([237]) التعرف، (ص:148).

([238]) التعرف، (ص:148).

([239]) الفتح الرباني، (ص:369).

([240]) الفتح الرباني، (ص:370).

([241]) الغنية (ترجمة المؤلف)، (ص:4).

([242]) الفيوضات الربانية، (ص:191، وما بعدها).

([243]) الفيوضات الربانية، (ص:199)، ولا أعرف في أي مكان من كتاب الغنية هي موجودة (المؤلف).

([244]) فصوص الحكم (كلمة إدريسية)، (ص:75).

([245]) رسائل ابن عربي، كتاب الإسرا، (ص:51).

([246]) فصوص الحكم، (ص:116، 117)، وشرح القاشاني على الفصوص (ص:169، 170).

([247]) شرح القاشاني، (ص:171).

([248]) فصوص الحكم للعفيفي، (ص:47)، وشرح القاشاني، (ص:9).

([249]) رسائل ابن عربي، كتاب أيام الشأن، (ص:10).

([250]) كلمة الإيلاجي، من: ((يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)) [الحج:61].

([251]) الرسائل، كتاب الشأن، (ص:11، وما بعدها).

([252]) الرسائل، كتاب الشأن، (ص:16).

([253]) المناظر الإلهية، (ص:21، 22).

([254]) المناظر الإلهية، (ص:21، 22).

([255]) المناظر الإلهية، (ص:44). وحسن بن أبي السرور مات سنة 770 تقريباً.

([256]) الإنسان الكامل: (2/97- 112).

([257]) الإنسان الكامل: (1/122).

([258]) بد العارف، (ص:114).

([259]) بد العارف، (ص:357).

([260]) قلادة الجواهر، (ص:104، 109).

([261]) حاشية العلامة الصاوي، (ص:144)، وجامع الكرامات للنبهاني: (1/492).

([262]) قلادة الجواهر، (ص:277).

([263]) قلادة الجواهر، (ص:329).

([264]) حاشية الصاوي، (ص:146).

([265]) قلادة الجواهر، (ص:65).

([266]) قلادة الجواهر، (ص:148).

([267]) قلادة الجواهر، (ص:102).

([268]) قلادة الجواهر، (ص:103).

([269]) قلادة الجواهر، (ص:191، 192).

([270]) قلادة الجواهر، (ص:193).

([271]) قلادة الجواهر، (ص:193).

([272]) قلادة الجواهر، (ص:185).

([273]) قلادة الجواهر، (ص:458).

([274]) قلادة الجواهر: (ص:111).

([275]) قلادة الجواهر: (ص:427).

([276]) قلادة الجواهر، (ص:233).

([277]) قلادة الجواهر، (ص:237، وما بعدها).

([278]) قلادة الجواهر، (ص:63).

([279]) بوارق الحقائق، (ص:319).

([280]) بوارق الحقائق، (ص:287).

([281]) إيقاظ الهمم، (ص:262).

([282]) الفتوحات الإلهية، (ص:275)، وعوارف المعارف في هامش الإحياء: (2/254)، وغيرها.

([283]) كشف الحجاب، (ص:84، 85).

([284]) كشف الحجاب، (ص:85، 86).

([285]) كشف الحجاب، (ص:89).

([286]) كشف الحجاب، (ص:395).

([287]) النفحات الأقدسية، (ص:6).

([288]) النفحات الأقدسية، (ص:6).

([289]) النفحات الأقدسية، (ص:7).

([290]) النفحات الأقدسية، (ص:341).

([291]) النفحات الأقدسية، (ص:338).

([292]) الأسرار الربانية والفيوضات الرحمانية، (ص:126).

([293]) الكشف والتبيين للغزالي، (ملحق تنبيه المغترين)، (ص:210).

([294]) اللمع، (ص:220)، وعوارف المعارف هامش الإحياء: (3/233).

([295]) عوارف المعارف في هامش الإحياء: (4/247).

([296]) قلادة الجواهر، (ص:112).

([297]) قلادة الجواهر، (ص:340).

([298]) الوصايا لابن عربي،) (ص:217 (.

([299]) النفحات الأقدسية، (ص:16).

([300]) الفتوحات المكية: (4/555).

([301]) الفتوحات المكية: (3/248).

([302]) تنزيه السنة والقرآن، (ص:11).

([303]) إحياء علوم الدين: (4/290).

([304]) عوارف المعارف، هامش الإحياء: (2/95).

([305]) إحياء علوم الدين: (2/95).

([306]) كشف الحجاب، (ص:373، 374).

([307]) الكبريت الأحمر، هامش اليواقيت، (ص:12، 13).

([308]) معالم الطريق إلى الله، (ص:348، 349).

([309]) الإبريز، (ص:207).

([310]) الإبريز، (ص:205).

([311]) الإبريز، (ص:231).

([312]) الإبريز، (ص:233).

([313]) الإبريز، (ص:232).

([314]) قوت القلوب: (2/9).

([315]) قوت القلوب: (2/29)، والإحياء: (4/232).

([316]) قوت القلوب: (2/15)، والإحياء: (4/232).

([317]) قوت القلوب: (2/15)، والإحياء: (4/232).

([318]) الفتح الرباني فيما يحتاج إليه المريد التجاني، (ص:99).

([319]) تنوير القلوب، (ص:45).

([320]) أفضل الصلوات على سيد السادات، (ص:172، 173).

([321]) حلية الأولياء، (معروف الكرخي).

([322]) اللمع، (ص:299)، والإحياء: (4/61). والرسالة القشيرية، (ص:5)، مع اختلاف الألفاظ، وأيضاً إحياء علوم الدين: (3/243).

([323]) اللمع، (ص:479).

([324]) اللمع، (ص:492).

([325]) اللمع، (ص:478).

([326]) الفكر الشيعي والنزعة الصوفية، (فصل البكتاشية).

([327]) من أتباع ابن عربي، مؤسس الطريقة النعمتللاهية، أوسع الطرق انتشاراً في إيران.

([328]) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:119).

([329]) الرسالة القشيرية، (ص:103).

([330]) الفتوحات الإلهية، (ص:330).

([331]) عوارف المعارف على هامش الإحياء: (2/165).

([332]) إحياء علوم الدين: (4/206).

([333]) اللمع، (ص:233).

([334]) اللمع، (ص:233).

([335]) اللمع، (ص:223).

([336]) اللمع، (ص:225، 226).

([337]) اللمع، (ص:228، 229).

([338]) اللمع، (ص:235).

([339]) اللمع، (ص:152).

([340]) اللمع، (ص:198).

([341]) اللمع، (ص:224).

([342]) اللمع، (ص:224).

([343]) الرسالة القشيرية، (ص:5)، واللمع، (ص:299)، والإحياء: (4/61) مع اختلاف في الألفاظ.

([344]) الرسالة القشيرية، (ص:160).

([345]) الرسالة القشيرية، (ص:105).

([346]) الرسالة القشيرية، (ص:135).

([347]) الرسالة القشيرية، (ص:136).

([348]) الرسالة القشيرية، (ص:167).

([349]) الرسالة القشيرية، (ص:118).

([350]) الرسالة القشيرية، (ص:118).

([351]) الرسالة القشيرية، (ص:157).

([352]) الرسالة القشيرية، (ص:157).

([353]) الرسالة القشيرية، (ص:166).

([354]) الرسالة القشيرية، (ص:176).

([355]) الرسالة القشيرية، (ص:84).

([356]) الرسالة القشيرية، (ص:82).

([357]) الرسالة القشيرية، (ص:153).

([358]) الأسرار الربانية والفيوضات الرحمانية، (ص:81).

([359]) المربي، (ص:417).

([360]) رسائل ابن عربي، كتاب الأعلام، (ص:7).

([361]) طبقات الشعراني: (1/183).

([362]) جامع الكرامات للنبهاني (1/555).

([363]) جامع الكرامات: (1/411).

([364]) الفتح الرباني، (ص:357).

([365]) غاية الأماني، (ص:97).

([366]) كشف الحجاب، (ص:375).

([367]) حاشية العروسي: (2/6).

([368]) طبقات الشعراني: (2/34).

([369]) طبقات الشعراني: (2/150).

([370]) طبقات الشعراني: (2/150).

([371]) نشر المحاسن الغالية، (ص:22).

([372]) نشر المحاسن الغالية، (ص:31، 32).

([373]) نشر المحاسن الغالية، (ص:33).

([374]) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:73، 74).

([375]) إحياء علوم الدين: (3/72).

([376]) الإحياء: (1/255).

([377]) اللمع، (ص:242).

([378]) اللمع، (ص:290).

([379]) اللمع، (ص:293).

([380]) اللمع، (ص:295).

([381]) اللمع، (ص:290).

([382]) اللمع، (ص:295).

([383]) اللمع، (ص:303).

([384]) اللمع، (ص:312).

([385]) يجب أن تكون: (امتحاناً له).

([386]) اللمع، (ص:305).

([387]) اللمع، (ص:313).

([388]) اللمع، (ص:313).

([389]) اللمع، (ص:314).

([390]) اللمع، (ص:315).

([391]) اللمع، (ص:315).

([392]) من تلاميذ نور الدين اليشرطي.

([393]) كشف الأسرار لتنوير الأفكار، (ص:125).

([394]) الفتوحات المكية: (3/248).

([395]) الإحياء: (4/232).

([396]) الإحياء: (4/233).

([397]) الإحياء: (4/158، 159).

([398]) الرسالة القشيرية، (ص:35).

([399]) الرسالة القشيرية، (ص:35).

([400]) الكبريت الأحمر هامش اليواقيت والجواهر: (2/3).

([401]) رسائل ابن عربي (كتاب التراجم)، (ص:58).

([402]) طبقات ابن الملقن، (ص:147).

([403]) طبقات السلمي، (ص:197).

([404]) مات سنة: (731هـ).

([405]) جامع النبهاني: (2/244، 245).

([406]) جامع النبهاني: (2/275).

([407]) جامع النبهاني: (2/147).

([408]) الإحياء: (3/243)، (4/61).

([409]) الرمز الشعري عند الصوفية، (ص:247).

([410]) أفضل الصلوات على سيد السادات، (ص:174).

([411]) جامع الكرامات للنبهاني: (1/510).

([412]) جامع الكرامات للنبهاني: (1/485).

([413]) بهجة الأسرار ومعدن الأنوار، (ص:11).

([414]) بهجة الأسرار ومعدن الأنوار، (ص:13).

([415]) بوارق الحقائق، (ص:25).

([416]) قلادة الجواهر، (ص:113).

([417]) قلادة الجواهر، (ص:114)، ومؤلف بهجة الأسرار، هو علي بن يوسف بن جرير اللخمي الشطنوفي.

([418]) فصل الخطاب، (ص:184، 185).

([419]) شذرات الذهب، حوادث سنة (914هـ)، وأبو بكر هذا من مدينة تريم في حضرموت، مات سنة (914هـ)، ويقول ابن العماد: لعله هو مبتكر القهوة أو شخص آخر بنفس الاسم ومن نفس المدينة، مات سنة (909هـ).

([420]) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:42).

([421]) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:44).

([422]) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:340).

([423]) أعلام ليبيا، (ص:34، 35).

([424]) طبقات الشعراني: (2/4).

([425]) طبقات الشعراني: (2/14).

([426]) نشر المحاسن الغالية، (ص:298).

([427]) النفحة العلية في أوراد الشاذلية، (ص:27).

([428]) الطبقات الكبرى، (2/189).

([429]) الطبقات الكبرى: (2/189).

([430]) الطبقات الكبرى: (2/189).

([431]) التنوير في إسقاط التدبير، (ص:306).

([432]) التنوير في إسقاط التدبير، (ص:284).

([433]) طبقات الشعراني: (2/184).

([434]) المنتخبات من المكتوبات، (ص:152).

([435]) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية: (2/36، 37).

([436]) الشبك، (ص:80).

  • الخميس PM 04:06
    2021-08-12
  • 15634
Powered by: GateGold