المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413375
يتصفح الموقع حاليا : 220

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1627125815945.jpg

التقية ما بين أهل السنة والشيعة الإمامية

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمــة 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار .

أما بعد :

فإن من نعم الله تعالى على هذه الأمة أن جعل لها آيات محكمات وأخر متشابهات ، فأما من اتبع سبيل المؤمنين فإن الله تعالى يرشده إلى الآيات المحكمات يعمل بهن ويأمر بالعمل بهن ، وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فيفتنون الناس عن دينهم ، ويزيغون بهم عن الصراط المستقيم ، ولازالت هذه النفوس الزائغة تدعو إلى الباطل وتدافع عنه ، والعجيب أنهم يسخرون الأموال في سبيل ذلك ، ويحشدون جميع إمكانياتهم لنشر عقائدهم ، بينما نرى أهل الحق لا يقومون بواجبهم على أتم وجه بموازاة هذا الباطل ، وربما تعذر البعض منهم بوحدة المسلمين وعدم شق صفهم ، وهم لا يوجهون هذه الدعوة إلى الذين سودوا الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية بأنواع الفتن والشبهات ، والشرك والموبقات ، بل الطعن الصريح في سلف الأمة من صحابة وتابعين .

ومن المواضيع التي تذكر في تلك الصفحات ، موضوع التقية عند الشيعة الإمامية ، ويعد هذا الموضوع من المواضيع المهمة ؛ لأن هذه العقيدة ترتبط في تعامل الإمامية مع الآخر ، وهي في الوقت ذاته من حيث المغزى والمضمون تخفي خلفها كماً هائلاً من التناقضات التي يصعب التوفيق بينها حتى عند فقهاء القوم أنفسهم ، ولذلك حرص علمائهم قديماً وحديثاً على وضع القواعد والأصول لتفسير وتبرير هذه العقيدة في قلوب إتباعهم ، في حين لم أجد مؤلفاً مستقلاً لأهل السنة والجماعة في شرح هذه العقيدة أو في الرد على ما في تلك المؤلفات من شبهات ، هي في واقع الحال أوهى من بيت العنكبوت ، فتوكلت على الله تعالى حيث قمت بكتابة هذه الورقات على شكل بحث بعنوان ( التقية بين أهل السنة والشيعة الإمامية ) ولم أجد له ناشراً في المجلات العلمية على كثرة مراجعتي لها ؛ لا أدري أخشية أم تقية ؟! ، فجلس في مكتبتي بضع سنين ، ثم أرشدني الله تعالى نشره في هذه الوسيلة الحديثة ، عسى الله تعالى أن ينفع به أهل العلم وطلابه .

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

المبحث الأول

التقية عند أهل السنة

 

تعريف التقية :

التقية في اللغة : اسم مصدر من الاتقاء  ، بمعنى استقبل الشيء و توقاه ، يقال : اتقى الرجل الشيء يتقيه ، إذا اتخذ ساتراً يحفظه من ضرره ([1]) ، قال تعالى : ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾ [ غافر : 45 ] ومن ذلك قول النبي e : (( فليتقِ أحدكم النار ولو بشق تمرة )) ([2]) ، قال ابن منظور : (( التقاة تعني أن الناس يتقي بعضهم بعضاً ويظهرون الصلح والاتفاق وباطنهم بخلاف ذلك ))([3]) ، والتقية والتقاة كلها بمعنى واحد .

أما في الاصطلاح فالتقية عندما تطلق غالباً فيراد منها وقاية الناس بعضهم من بعض لسبب ما ، وأصل هذا جاء من قوله تعالى : ] لاَّ يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [ [ آل عمران : 28 ] وقد عرّفها ابن القيـم ( رحمه الله ) فقال : (( التقية أن يقول العبد خلاف ما يعتقده لاتقاء مكروه يقع به لو لم يتكلم بالتقية )) ([4])  ، وعرّفها السرخسي بقوله : (( التقية أن يقي الإنسان نفسه بما يظهره ، وإن كان يضمر خلافه )) ([5]) ، أما الحافظ ابن حجر فقال في تعريفها : (( التقية : الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره )) ([6]) .

 والفرق بين ما تقدم من تعاريف العلماء للتقية أن الاختلاف قد وقع فيها فيما يخص الفعل والقول ، إذ ذهب السرخسي إلى أن التقية تشمل القول والفعل ، في حين اقتصر ابن القيم وابن حجر في تعريفها على القول دون الفعل ، وهو ما نجد النفس أميل إليه ، لأن العلة من التقية هي المحافظة على النفس أو المال من شر الأعداء ، وإذا كان هذا الأمر يحصل غالباً بالقول دون الفعل فهو أليق بحال المسلم ، ويدل آية التقية المتقدمة ، إذ أشارت إلى أن حصول ذلك يمكن أن يكون بالقول غالباً بدليل الآية التي بعدها : ] قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [ [ آل عمران : 29 ] ، قال ابن كثير ( رحمه الله ) في تفسير هذه الآية الأولى : (( فمن خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم [ الكافرين ] فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته )) ([7]) .

 

العمل بالتقية :

لا شك في مشروعية العمل بالتقية عند أهل السنة والجماعة في حالة الضرورة ، إذ الأصل في التقية هو الحضر ولابد من سبب قوي يبيح للمسلم اللجوء إليها ، قال الجصاص : (( وإعطاء التقية إنما هو رخصة من الله تعالى وليس بواجب ، بل ترك التقية أفضل ، قال أصحابنا فيمن أكره على الكفر فلم يفعل حتى قتل : إنه أفضل ممن اظهر )) ([8]) يعني التقية ، والأدلة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على هذا ، حيث امتنع خبيب بن عدي رضي الله عنه عن التقية ، بعد أن أخذه المشركون وحبسوه وخيّروه بين سب النبي صلى الله عليه وسلم ومدح آلهتهم وبين القتل ، فاختار الشهادة ، وأخذ بالعزيمة دون الرخصة ، فروي أن النبي صلى الله علية وسلم قال في حقه : (( هو أفضل الشهداء )) ، وفي رواية : (( هو رفيقي في الجنة )) ([9]) .

واعترض على هذه القصة بقصة عمار بن ياسر رضي الله عنه الذي : (( أخذه المشركون, فلم يتركوه حتى سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير , ثم تركوه , فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام ما وراءك ؟ قال : شر  ، تركوني حتى نلت منك , وذكرت آلهتهم بخير ، فقال عليه الصلاة والسلام : فكيف تجد قلبك ؟ قال : أجده مطمئنا بالإيمان قال : عليه الصلاة والسلام إن عادوا , فعد )) ([10]) ، وفيه نـزل قوله تعالى : ] إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ [ ، وقد أخذ بعض العلماء هذا القول على ظاهره وإطلاقه ، ولا يمكن حمله على ذلك لوجوه عديدة ، الأول أن هذا كان في بداية أمر الإسلام حين كان المسلمون قلة مستضعفون في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس كما وصفهم تبارك وتعالى ، وإليه أشار كل من معاذ بن جبل ومجاهد عندما قالوا : (( كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم )) ([11]) ، والأمر الثاني كما قرر ذلك السرخسي فقال : (( وبعض العلماء رحمهم الله يحملون قوله عليه الصلاة والسلام : (( فإن عادوا فعد )) على ظاهره يعني إن عادوا إلى الإكراه , فعد إلى ما كان منك من النيل مني , وذكر آلهتهم بخير , وهو غلط , فإنه لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأمر أحدا بالتكلم بكلمة الشرك , ولكن مراده عليه الصلاة والسلام , فإن عادوا إلى الإكراه , فعد إلى طمأنينة القلب بالإيمان ؛ وهذا لأن التكلم وإن كان يرخص له فيه , فالامتناع منه أفضل )) ([12]) ، وهذا التقرير منه رحمه الله حسن ، فهو يدل دلالة قطعية على أن الأصل كان إطمئنان القلب ، وليس التكلم ، إذ الامتناع حينها أفضل ، والركون إلى سلامة العقيدة والصبر على الإيذاء من شيم المؤمنين ، ومن هنا حدد ابن عباس رضي الله عنهما التقية في مثل هذه المواطن : (( هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ولا يقتل ولا يأتي مأثما )) ([13]) ، والسبب في التأكيد على سلامة القلب ضروري هنا لئلا يقع المسلم في مخاطر الكفر والشرك .

 والشاهد على ذلك قصة عبيد الله بن أبي سرح فإنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخذه المشركون , وأكرهوه على ما أكرهوا عليه عمار بن ياسر رضي الله عنه أجابهم إلى ذلك معتقدا , فأكرموه , وكان معهم إلى أن فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة , وقد كان من بين الذين أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمهم يوم الفتح ، فجاء به عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يبايعه , قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : (( إن عبد الله بن سعد بن أبي السرح اختبأ عند عثمان بن عفان ، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله بايع عبد الله قال : فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه ، فقال : أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟! فقالوا : وما يدرينا يا رسـول الله ما في نفسك هلا أومأت إلينا بعينك ؟ قـال : إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين )) ([14]) ، ويروى عن أبي عبيدة في سبب نـزول قوله تعالى : ] مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ [ النحل : 106 ] قال : ( من كفر بعد إيمانه ) عمار بن ياسر رضي الله عنه ، وقوله تعالى : ( ولكن من شرح بالكفر صدراً ) عبد الله بن أبي سرح([15]) ، ومن المستبعد برأينا أن تصح هذه الرواية ؛ لأن الآية مكية وقصة ابن أبي سرح مدنية .  

والدليل الآخر على أفضلية العزيمة على الرخصة في حالة التقية ما روي عن الحسن :  (( أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأحدهما : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال : نعم قال : أتشهد أني رسول الله ؟ قال : نعم فخلاه , ثم دعا بالآخر وقال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم قال : أتشهد أنى رسول الله ؟ قال : إني أصم , قالها ثلاثا ; فضرب عنقه , فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما هذا المقتول فمضى على صدقه ويقينه , وأخذ بفضيلة فهنيئا له , وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه )) ([16]) ، ففي هذه القصة – إن صحت - مدح النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الأول ، وشهد له بالصدق واليقين ، وهذه فضيلة له في حين لم يعب على الآخر أخذه بالتقية ، ومن المناسب الإشارة هنا إلى أن هذه الحوادث التي وردت لبعض الصحابة وقعت بين يدي أهل الكفر والشرك ، وليس بين المسلمين ، أو عند غلبة الدين ، فحينئذ لا بد من إظهار كلمة الحق ، والصدع بها كما ثبت من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم : (( سئل أي الجهاد أفضل ؟ قال : كلمة حق عند سلطان جائر )) ([17]) ، وقصة الإمام أحمد بن حنبل مشهورة في إيثاره العزيمة على أن يأخذ برخصة التقية ، رغم سطوة السلطان.

 

حكم التقية :

تقدمت الأدلة في جواز العمل بالتقية عند الضرورة ، وأنها رخصة أقرها الإسلام على من وقع في فتنة في دينه أو ماله أو نفسه ، وقد اختلف العلماء في شروط جوازها والعمل بها ، لأن مقاصد الشريعة جاءت من أجل حماية النفس وصيانتها ، وقد لا تحصل هذه الحماية إلا باللجوء  إلى التقية ، قال تعالى : ] وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [ [ النساء : 29 ] ولكن الحق الذي ذهب إليه جمهور العلماء هو أن يثبت المسلم على ما هو عليه من الحق بظاهره ، كما هو عليه بباطنه([18]) .

وكما هو معلوم فإن الثبات أفضل وأعظم أجراً من الأخذ برخصة التقية ، فقد وردت في القرآن الكريم قصة ( أصحاب الأخدود  ) حيث أمر الملك الكافر لمن آمن منهم أن يفتن بنار عظيمة سجرت في أخدود وقال : (( من لم يرجع عن دينه فاحملوه فيها ، ففعلوا ، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام : يا أمة اصبري فإنك على الحق )) ([19]) ، قال القرطبي في معرض تعليقه على هذه الرواية : (( إن الصبر على البلاء لمن قويت نفسه وصلب دينه أولى ... ولقد أمتحن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل والصلب والتعذيب الشديد فصبروا ، ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك )) ثم أسشهد بحديث أبي سعيد وقصة خبيب بن عدي رضي الله عنه([20]) ، ولا يخفى على مسلم ثناء الله تعالى على هذه الأمة التي ألقيت في النار لإيمانها ولم يردها ذلك العذاب عن هذا الإيمان .

وحكى الله تعالى موقفاً مشابهاً مع أحد الطغاة ، وهم سحرة فرعون الذين قالوا له بعد إيمانهم برب العالمين ، وإنذار فرعون لهم بالعذاب العظيم : ] قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [ ، [ طه : 72 ] قال ابن كثير : (( أي لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين والذي فطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم المبتدي خلقنا من الطين فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت ، فاقض ما أنت قاض أي افعل ما شئت وما وصلت إليه يدك إنما يقضي هذه الحياة الدنيا ، أي إنما لك تسلط في هذه الدار وهي دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار )) ([21]) ، والآيات في هذا الباب كثيرة معلومة .

أما ما جاء في السنة فقد تقدمت بعض الأدلة على جواز التقية منها حادثة عمار بن ياسر ، وفعل الأسيرين عند مسيلمة الكذاب ، وكيف مدح النبي e المسلم الذي ثبت فقُتل : (( مضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضيلته فهنيئاً له )) ، وهذا يدل على التفضيل ، والأمر نفسه ذهب إليه السرخسي في احتجاجه بقصة ثبات خبيب بن عدي على دينه وإيمانه فقال : (( فبهذا يتبين أن الامتناع أفضل )) ([22]) .

 ويبدو أن مذهب البخاري ( رحمه الله ) كان في إيثار الثبات على الأخذ بالتقية ، فقد بوب لهذه المسألة بابا بعنوان ( باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر ) أورد فيه حديث خباب ابن الأرت أنه قال (( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة , فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل , فيحفر له في الأرض فيجعل فيه , فيجاء بالمنشار فيوضع على مفرق رأسه فيجعل نصفين , ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه , فما يصده ذلك عن دينه ثم قال صلى الله عليه وسلم والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت , لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه , ولكنكم تستعجلون )) ([23]) ، ويتضح في هذا فقه الإمام البخاري وعمق فهمه لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن في الثبات إعزازاً لأمر الله تعالى واستظهاراً لدينه وإعلاءً لكلمته وإظهاراً لثبات المسلمين وبسالتهم وتثبيت لعامة المسلمين على الحق ، قال الحافظ ابن حجر في بيان غرض البخاري من هذا الباب : (( فالقتل والضرب والهوان أسهل عند المؤمن من دخول النار ، فيكون أسهل إن أختار الأخذ بالشدة )) ([24]) .

ومن الأدلة على ذلك أيضاً ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( دخل الجنة رجل في   ذباب ودخل النار رجل في ذباب قالوا : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئا  ، فقالوا : لأحدهما قرب ، قال  :ما عندي شيء ، قالوا : قرب ولو ذبابا ، فقرب ذبابا ، فخلوا سبيله فدخل النار ، وقالوا للآخر : قرب ، قال :ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل ، فضربوا عنقه فدخل الجنة )) ([25]) ، قال الشيخ سليمان بن عبد الله : (( في هذا بيان عظمة الشرك ولو في شيء قليل وأنه يوجب النار ألا ترى إلى هذا لما قرب لهذا الصنم أرذل الحيوان وأخسه وهو الذباب كان جزاؤه النار ...)) ، ثم قال : (( إنه دخل النار بسبب لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم )) ([26]) .

مما تقدم بيان جلي للأدلة الواردة في الكتاب والسنة في تحديد حكم العمل بالتقية ، ومع ذلك فقد وضع العلماء أحكاماً كثيرة للعمل بها نذكر منها([27]) :

  1. أن التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار , ويخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان , وذلك بأن لا يظهر العداوة باللسان , بل يجوز أيضا أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة , ولكن بشرط أن يضمر خلافه , وأن يعرض في كل ما يقول , فإن التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب ، روى البخاري عن أبي الدرداء قال : (( إنا لنكشر في وجوه أقوم وإن قلوبنا تلعنهم )) ([28]) .
  2. أنه لو أفصح بالإيمان والحق حيث يجوز له التقية كان ذلك أفضل , ودليله ما ذكرناه في قصة خبيب بن عدي وأصحاب الأخدود وسحرة فرعون .
  3. أنها تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والمعاداة , وقد تجوز أيضا فيما يتعلق بإظهار الدين فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنى وغصب الأموال والشهادة بالزور وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين , فذلك غير جائز البتة .
  4. أن ظاهر الآية يدل على أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين إلا أن مذهب الشافعي ( رحمه الله )أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة على النفس([29]) .
  5. التقية جائزة لصون النفس , وهل هي جائزة لصون المال ؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز , لقوله صلى الله عليه وسلم : (( حرمة مال المسلم كحرمة دمه )) ([30]) ولقوله صلى الله عليه وسلم ((من قتل دون ماله فهو شهيد )) ([31]) ولأن الحاجة إلى المال شديدة القدر من نقصان المال , فكيف لا يجوز هاهنا ؟ ، واعترض على ذلك بقصة صهيب الرومي عندما خرج مهاجراً من مكة إلى المدينة فاعترضه رهط من قريش فاشترى نفسه بماله وفيه نزل قوله تعالى : ﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [ البقرة : 207 ] ([32]) ، وهذا هو الذي يترجح لدينا .
  6. قال مجاهد : هذا الحكم كان ثابتا في أول الإسلام لأجل ضعف المؤمنين فأما بعد قوة دولة الإسلام فلا , وروي عن الحسن أنه قال : (( التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة )) ([33]) , وهذا القول أولى , لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان .

 

 

شروط العمل بالتقية :

من المفيد هنا أن نذكر الشروط التي وضعها العلماء لجواز العمل بالتقية ، إذ لا يصح اللجوء إليها إلا بتوفر الأسباب الموجبة لذلك ، وإلا كان فاعلها آثماً لا عذر له في إرتكابها ، والعمل بالتقية عند أكثر العلماء يجب أن يكون محظوراً ولا ينساق خلفه بحيث يكون وسيلة لنيل المحرمات ، كما قال تعالى : ] فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ [ [ البقرة : 173 ] وفسر الباغي  في هذه الآية الكريمة بمن أكل الحرام وهو يجد الحلال , وفسر العادي بمن أكل من الحرام فوق ما تقتضيه الضرورة([34]) ، ولذا وضع العلماء شروطاً لا يجب الخروج عنها في حالة اضطرار العبد إلى التقية وهي([35]) :

  1. يشترط في جواز التقية أن يكون هناك خوف من هلاك النفس أو العرض ، وتردد البعض في المال ، فإن لم يكن هناك خوف ولا خطر لم يجز ارتكاب المحرم تقية ، قال الجصــاص : (( قوله صلى الله عليه وسلم لعمار : (( إن عادوا فعد )) ، إنما هو على وجه الإباحة لا على وجهة الإيجاب ولا على الندب وقال أصحابنا الأفضل أن لا يعطى التقية ولا يظهر الكفر حتى يقتل )) ([36]) ، من هنا يتضح ما قدمنا من أن من قال باستحباب التقية عند القتل قد أبعد وإنما الأمر مباح ، وهو دون المستحب ، وهذا الذي يترجح من قول الجصاص ، وهو الراجح من مذهب الحنابلة ، قال القاضي أبو يعلى : (( الأفضل أن لا يعطى التقية ولا يظهر الكفر حتى يقتل واحتج بقصة عمار وخبيب بن عدى حيث لم يعط خبيب أهل مكة  التقية حتى قتل فكان عند المسلمين أفضل من عمار والله أعلم )) ([37]) .
  2. تدل آية ( التقية ) أن هذا الأمر مخصوص عند غلبة الكفار ، أو غلبة الفسق والفجور والظلم في دار الإسلام ، فلا بأس بالتقية لعصم الدماء ، قال ابن مسعود : (( ما من كلام أتكلم به بين يدي سلطان يدرأ عني به ما بين سوط إلى سوطين إلا كنت متكلماً به )) ([38]) ، وقال السرخسي : (( وإنما أراد بيان جواز التقية في إجراء كلمة الكفر إذا أكرهه المشرك عليها ، فالظالم هو الكافر ، قال تعالى : ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾ [ البقرة : 254 ] )) ([39]) .
  3. أن يعلم أنه إنْ نطق بالكفر ونحوه تقية يترك بعد ذلك ، وهذا الاشتراط منقول عن الإمام أحمد , فقد سئل عن الرجل يؤسر فيعرض على الكفر ويكره عليه , هل له أن يرتد ؟ - أي ظاهراً - فكرهه كراهة شديدة وقال : (( ما يشبه هذا عندي بالذين أنـزلت فيهم الآية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أولئك كانوا يرادون على الكلمة ثم يتركون يفعلون ما شاءوا , وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم )) ([40]) ، وقال ابن مفــلح : (( وكأنه يشير إلى قصة عمار حين أخذه المشركون وأرادوه على الشرك ... )) ([41]) . وعلق ابن قدامة على كلام الإمام أحمد بقوله : (( وذلك لأن الذي يكره على كلمة يقولها ثم يخلى لا ضرر فيها , وهذا المقيم بينهم يلتزم بإجابتهم إلى الكفر المقام عليه واستحلال المحرمات وترك الفرائض والواجبات وفعل المحظورات والمنكرات وإن كان امرأة تزوجوها واستولدوها أولادا كفارا ، وكذلك الرجل ، وظاهر حالهم المصير إلى الكفر الحقيقي والانسلاخ من الإسلام )) ([42]) . ثم احتج بقصة أصحاب الأخدود التي تقدمت ، قال الحسن البصري في الحث على الثبات وعدم الأخذ بالتقية : (( إنما التقية رخصة ، والفضل القيام بأمر الله )) ([43]) ، وخلاصة ما تقدم في هذه الفقرة أن على المسلم المقيم بين ظهراني الكفار إن أجبر على الكفر مرة أن يظهر ذلك تقية ، ولكن هذا الأمر ليس على إطلاقه ، فإن كان هؤلاء يصرون على أجراء أحكام الكفر عليه ، بحيث لا يبقى للإسلام رسم في قلبه ، فعليه حينئذ الهجرة من هذه الدار والهروب من هؤلاء القوم بدينه وإيمانه ، وهذا ما سنبينه في الفقرة الآتية .
  4. ويشترط لجواز التقية أن لا يكون للمكلف مخلص من الأذى إلا بالتقية , وهذا المخلص قد يكون الهرب من القتل أو القطع أو الضرب , وقد يكون التورية عند الإكراه على الطلاق , وعدم الدهشة وهذا عند بعض الفقهاء ويكون ذلك باللسان دون القلب أو اليد كما هو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما([44]) , وقد تكون الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، فإن أمكنته الهجرة لم يكن له موالاة الكفار وترك إظهار دينه لقوله تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [ [ النساء : 97 ] ، قال الآلوسي : (( اعتذروا عن تقصيرهم في إظهار الإسلام وعن إدخالهم الخلل فيه وعن العجز عن القيام بواجبات الدين بأنهم كانوا مقهورين تحت أيدي المشركين , وأنهم فعلوا ذلك كارهين ، فلم تقبل الملائكة عذرهم لأنهم كانوا متمكنين من الهجرة , فاستحقوا عذاب جهنم لتركهم الفريضة المحتومة )) ([45]) ، ومقتضاه أن من كان مقهورا لا يقدر على الهجرة حقيقة لضعفه أو لصغر سنه وسواء أكان رجلا أم امرأة بحيث يخشى التلف لو خرج مهاجرا فذلك عذر في الإقامة وترك الهجرة ، وقد صرحت بهذا المعنى الآية التالية للآية السابقة وهي : ] إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً [ [ النساء : 98 ] وقال الآلوسي أيضا : (( كل مؤمن وقع في محل لا يمكن له أن يظهر دينه لتعرض المخالفين وجب عليه الهجرة إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه , ولا يجوز له أصلا أن يبقى هناك ويخفي دينه ويتشبث بعذر الاستضعاف , فإن أرض الله واسعة ، نعم إن أكـان ممن له عـذر شرعي في ترك الهجرة كالنساء والصبيان والعميان والمحبوسين والذين يخوفهم المخالفون بالقتل أو قتل الأولاد أو الآباء أو الأمهات تخويفا يظن معه إيقاع ما خوفوا به غالبا , سواء كان هذا القتل بضرب العنق أو حبس القوت أو بنحو ذلك , فإنه يجوز له المكث مع المخالف , والموافقة بقدر الضرورة ويجب عليه أن يسعى في الحيلة للخروج والفرار بدينه . وإن كان التخويف بفوات المنفعة أو بلحوق المشقة التي يمكن تحملها كالحبس مع القوت , والضرب القليل غير المهلك فإنه لا يجوز له موافقتهم )) ([46]) .
  5. ويشترط أن يكون الأذى المخوف وقوعه مما يشق احتماله . والأذى إما أن يكون بضرر في نفس الإنسان أو ماله أو عرضه . أو في الغير , أو تفويت منفعة . فالأول كخوف القتل أو الجرح أو قطع عضو أو الحرق المؤلم أو الضرب الشديد أو الحبس مع التجويع ومنع الطعام والشراب . وقال المالكية : أو خوف صفع ولو قليلا لذي مروءة على ملأ من الناس([47]) . أما التهديد اليسير فلا تحل به التقية ولا يجيز إظهار موالاة الكافرين أو ارتكاب المحرم ، بل المنقول عن الأئمة خلافه ، وإن كان يخشى على نفسه الهلاك عند وقوع التهديد العظيم فلا بأس بإظهار التقية عند ذلك ، فقد روى شريح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قـال : (( ليس الرجـل بأمين على نفسه إذا سجن أو أوثق أو عذب )) ([48]) ، وفرق الحنابلة بين هذا وبين الإكراه فمن ضرب ضرباً شديداً أو يسيراً في حق ذي مروءة أو الحبس والقيد الطويلان أو أخذ المال الكثير والإخراج من الديار ، أما إن كان ذلك تهديداً فهو إكراه وهو يختلف كما قرر ذلك القاضي أبو يعلى ، واستحسن هذا القول ابن عقيل([49]) ، أي يختلف باختلاف الأشخاص واختلاف الأمر المكره عليه والأمر المخوف به ، ولكن يمكن القول بأن الأمر على إطلاقه ، وأما خوف فوت المنفعة فقد قال فيه الآلوسي : إنه لا يجيز التقية([50]) . وذلك كمن يخشى إن لم يظهر المحرم أن يفوته تحصيل منصب أو مال يرجو حصوله وليس به إليه ضرورة ، وهذا هو الصواب ويدل عليه من القرآن قوله تعالى : ] وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [ [ آل عمران : 187 ] وفيها ذمهم الله تعالى على الكتمان في مقابلة مصالح عاجلة ، أي من مال أو جاه ؛ لأن  قول الكذب والغيبة والنميمة ونحوها وقول الإنسان بلسانه خلاف ما في قلبه كل ذلك محرم والكاذب مثلا لا يكذب إلا لمصلحة يرجوها من وراء كذبه , ولو سئل لقال إنما كذبت لغرض كذا وكذا أريد تحصيله , فلو جاز الكذب لتحصيل المنفعة لعاد كل كذب مباحا ويكون هذا قلبا لأحكام الشريعة وإخراجا لها عن وضعها الذي وضعت عليه .
  6. شدد بعض العلماء على ضرورة التفريق بين التقية وبين النفاق ، فالنفاق هو أن يظهر الإيمان ويستر الكفر , وقد يطلق النفاق على الرياء ، والتقية هي إبطان الإيمان وإظهار الكفر عند الضرورة كما تقدم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( أساس النفاق الذي بني عليه هو الكذب , وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه , كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم )) ([51]) ، والصلة بين التقية وبين النفاق , أن المنافق كافر في قلبه لكنه يظهر بلسانه وظاهر حاله أنه مؤمن ويعمل أعمال المؤمنين ليأمن على نفسه في المجتمع الإسلامي وليحصل الميزات التي يحصلها المؤمن ، فهو مغاير للتقية , لأنها إظهار المؤمن عند الخوف على نفسه ما يأمن به من أمارات الكفر أو المعصية مع كراهته لذلك في قلبه , واطمئنانه بالإيمان .

من خلال ما تم عرضه يتبين مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة التقية ، والأصل فيها الحضر ولا يجوز اللجوء إليها إلا عند الضرورة القصوى ، مع أن بعض العلماء فضل الأخذ بالعزيمة والثبات على الأخذ بها ، علماً بأن جمهور العلماء قال بإباحتها عند الضرورة كإباحة الميتة والخنـزير عند الخشية من هلاك النفس من الجوع ، وأنت ترى أن فقهاء أهل السنة عدوها من فروع الدين وليس من أصوله فبحثوها في كتب الفقه والتفسير ، وليس في كتب أصول الدين والعقيدة ، وفي هذا تعضيد لعمق نظرهم وعظيم فهمهم .

 

المبحث الثاني

التقية عند الإمامية

عقيدة التقية :

لابد من الإشارة منذ البداية أن التفسير اللغوي للتقية ليس فيه اختلاف بين أهل السنة والجماعة والشيعة الإمامية ، إلا أن الاختلاف يبدأ من المدلول الاصطلاحي للتقية ، وهي تتخذ خصوصية أكثر بهذا الاتجاه ، إذ أن لها أكثر من مدلول ومغزى يتأرجح ما بين الفقه والأصول والكلام ، وقد يختلف مفهومها باختلاف هذه المباحث في كتب القوم ، ورغم أن علماء هذه الفرقة يدعون أن هذه المفاهيم متقاربة ومتجانسة ، إلا أنها بواقع الحال تفقد مثل هذا التقارب عند الغور في معانيها المختلفة نظراً لوضعها محوراً من محاور العقيدة الأساسية في كتبهم ومؤلفاتهم ، وبالتالي اعتمادهم الكلي عليها في تعليق وتأويل ورفض روايات كثيرة ثابتة في كتبهم عن الأئمة بسبب موافقتها لروايات أهل السنة .

إن أهم التعاريف التي يقدمها علمـاء الشيعة الإمامية للتقيـة ويبدءون بها كلامهـم هو تعريف ( المفيد ) الذي قال فيه : ((كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدنيا والدين )) ([52])  ، وهو من أشهر العبارات التي يعتمدها الإمامية في تعريفهم للتقية ، ومع ذلك فقد عرفها مرتضى الأنصاري بقوله : (( المراد منها التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق ))([53]) ، ومن كلام المعاصرين من علمائهم في تعريفها قول الشهرستاني : (( التقية إخفاء أمر ديني لخوف الضرر من إظهاره )) ([54]) ، وما قاله أيضاً حسن البجنوري في بيانها : ((هي عبارة عن إظهار الموافقة مع الغير في قول أو فعل أو ترك فعل يجب عليه حذرا من شره الذي يحتمل صدروه  بالنسبة إليه أو بالنسبة إلى من يحبه مع ثبوت كون ذلك القول أو ذلك الفعل أو ذلك الترك مخالفا للحق عنده )) ([55]) .

وأقرب هذه التعاريف إلى قلوب الإمامية والمعتمد والمرجح في كتبهم هو تعريف (المفيد)؛ الذي حدد فيه حدود التقية بقوله ( مكاتمة المخالفين ) ويعني بالمخالفين هنا كل من خالف عقيدة الإمامية في إقرارهم بالأئمة الاثني عشر ، كما أوضح ذلك شيخ الإمامية الأول ابن بابويه الذي يسمونه ( الصدوق ) في معرض كلامه حول قوله تعالى :  ] الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [ [ البقرة : 3 ] حيث قال : (( لا يصح إيمان المخالفين بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب ... ولا يكون الإيمان صحيحاً من مؤمن إلا من آمـن بالمهـدي القائم عليه السلام والأئمة عليهم السـلام )) ([56]) ، والمـراد بكلمـة ( المخالفين ) في كتب الإمامية هم أهل السنة الذين يخالفون عقيدتهم وأصولهم ، قال المفيد فيما نقله عنه تلميذه الطوسي : (( إن المخالف لأهل الحق كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار )) ([57]) ، وهذا الحكم يمكن إطلاقه على الصحابة فمن دونهم من أهل السنة ، بل ويطلقونه أيضاً على الشيخين ، قال المجلسي في تقرير عقيدة الإمامية بالشيخين رضي الله عنهما : (( ... وقع التصريح باسم صنمي قريش وشيخي المخالفين الذين كانوا يقدمونهما على أمير المؤمنين u ... )) ([58]) فصنمي قريش تسمية مشهورة عند الإمامية للشيخين رضي الله عنهما، قال المجلسي في مكـــان آخر : (( وصنمي قريش أبا بكر وعمر )) ([59]) ، ولا نظير لكلمة أخرى يمكن أن يتستر بها الإمامية من أجل مداراة تقيتهم عن أهل السنة والجماعة إلا كلمة ( المخالفين ) التي تحتمل وجوهاً ، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أنهم يعنون بها أهل السنة وغيرهم من فرق المسلمين ممن لا يقرون بعقيدة الإمامة .

وربما وردت في كتبهم روايات من هذا القبيل في ذم ( المخالفين ) وعدم الصلاة خلفهم والاقتداء بأئمتهم ، فقد روى الكليني وغيره عن ثعلبة بن ميمون قال : (( سألت أبا جعفر u عن الصلاة خلف المخالفين ؟ فقال : فما هم عندي إلا بمنـزلة الجدر )) ([60]) ، قال مرتضى الأنصـاري ( وهو من علمائهم العارفين بأصولهم ) في تعليقه على هذه الرواية : (( إن وجود الإمام المخالف لا يتفاوت مع عدم الإمام أصلاً ، ولا يترتب على وجوده في نظر الشارع حكم شرعي )) ([61]) ، وبعبارة أخرى أن وجود ( الإمامي ) بين جماعة المصلين من أهل السنة  لا يترتب عليه أي حكم شرعي لأنه يصلي مع ( مخالفين ) له في عقيدته واعتقاده ، ونظير هذا كما قرره الأنصاري صلاته خلف رجل ثم اتضح أنه يهودي ! لأن التقية عند الإمامية لا تفرق بين الكافر الأصلي وبين ( المخالف ) ، قال الشيرازي في تقرير عقيدة التقية عند أصحابه وفق هذا المفهوم : (( ومن الواضح أنه ليس في شيء من ذلك اختصاص بالمخالفين ، بل لا فرق في ذلك بينهم وبين الكافرين ... )) ([62]) .

وقد يسأل متسائل عن مغزى تسمية الإمامية لمن لا يشاطرهم عقيدتهم بـ ( المخالفين ) ، وماذا يجب أن يعتقد الإمامي تجاهه ؟ ، ولا نريد أن نذهب بعيداً ونبحر بالأدلة الأصولية والعقلية لبيان هذه التساؤلات ، إذ أن روايات الإمامية تجيب عن هذه التساؤلات وغيرها مما يكشف لنا مضون التقية بأغلب معانيها :

من ذلك ما رواه حمران بن أعين قال : (( قلت : لأبي عبد الله u إنهم يقولون : لا تعجبون من قوم يزعمون أن الله يخرج قوماً من النار فيجعلهم من أصحاب الجنة مع أوليائه ، فقال : أما يقرؤن قول الله تبارك ] وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [ [ الرحمن : 62 ] إنها جنة دون جنة ونار دون نار إنهم لا يساكنون أولياء الله ، وقال : بينهما والله منـزلة ولكن لا أستطيع أن أتكلم ، إن أمرهم لأضيق من الحلقة ، إن القائم لو قام لبدأ بهؤلاء )) ([63]) ، وقال المجلسي في تعليقه على هذه الرواية وبيان ما خفي من معانيها رافعاً لستار التقية عن قلمه : (( بيان قوله u : ( إن أمرهم ) أي : المخالفين ، ( لأضيق مـن الحلقة ) أي : الأمر في الآخرة مضيق عليهم لا يعفى عنهم كما يعفى عن مذنبي الشيعة ، ولو قام القائم لبدأ بقتل هؤلاء قبل الكفار ، فقوله لا أستطيع أن أتكلم في تكفيرهم تقية ، والحاصل أن المخالفين ليسوا من أهل الجنان ولا من أهل المنـزلة بين الجنة والنار وهي الأعراف، بل هم مخلدون في النار )) ([64]).

ولا ريب أن في كلام المجلسي هذا يرفع اللثام عن عقيدة الإمامية ومغزى مصطلح التقية، إذ في كلامه تفريق واضح بين ( المخالفين ) والكفار ، لأن ( المخالفين ) في نظره ونظر قائمه أسوء حالاً من الكفار الأصليين ، حيث يبدأ أولاً بقتلهم وسفك دمائهم قبل قتل اليهود والنصارى والبوذيين والهندوس ، ثم إن هؤلاء ( المخالفون ) خالدون مخلدون في النار ، وهذا ما يعتقده الإمامية بعيداً عن ستار التقية أو المداراة ، وفيه يتضح الفرق الجذري والواضح بين مفهوم التقية عند أهل السنة والجماعة ومفهومها عند الإمامية ، وكيف حرّف الإمامية معناها الموجه للكفار الأصليين ، إلى المسلمين ( المخالفين ) لهم من أهل السنة والذين لا يدينون بدينهم ، ولا يعتقدون بأئمتهم الاثني عشرية ، وكل ما يرد في كتب القوم غير هذا الكلام فاعلم أنه ( تقية ) .

فالتقية قريبة إلى واقع الإمامية نظراً لما حملوه في قلوبهم من إخفاء لعقائدهم بعد أن ازاد اضطهاد الناس لهم بسبب سوء اعتقادهم ولعنهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفيرهم المخالفين كما هو مشهور عنهم ، ومن الصعب عند علماء الإمامية بيان المغزى الحقيقي من وراء هذه العقيدة ، إذ يتخبطون في تبريرها فيفسرونها أحياناً بكونهم قلة مستضعفة وسط بيئة متسلطة ، قال الشيرازي : (( إن التقية ديدن كل أقلية يسيطر عليهم الأكثرون ولا يسمحون لهم بإظهار عقائدهم أو العمل على وفقها فيخافون على أنفسهم )) ([65]) ، ويتجاهل الشيرازي في كلامه هذا سبب إخفاء مثل هذه العقيدة أو سبب بغض المسلمين لها ، ولماذا لا يتقبل الاكثرون هذه العقيدة ؟ ، والجواب عن مثل هذا السؤال لا بد أن يكمن في نفوس هؤلاء القوم الذين يحملّون أنفسهم أوزاراً فوق أوزارهم ، قال عالم آخر من علمائهم المعاصرين : (( ومن المعلوم أنّ الإمامية وأئمّتهم لاقوا من ضروب المحن، وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقهِ أيّة طائفة أو أُمَّة أُخرى فاضطرّوا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقيّة بمكاتمة المخالفين لهم، وترك مظاهرتهم، وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصة بهم عنهم )) ([66]) .

إن التقية التي يعنيها المظفر هنا ليست هي عمل الأئمة ، فالقاصي والداني يعرف أن أئمة أهل البيت كانوا أبعد الناس عنها ، كما هو مذكور في كتب الشيعة الإمامية أنفسهم ، وإنما الذي يعنيه هنا أن كثرة الكذب الذي نسبه رواة الشيعة الإمامية إلى أئمة أهل البيت هو الذي دفعهم للتخفي ووضع شعار التقية ملاذاً لهم من أذى الناس كافة ، وهذا الأمر يقر به الإمامية قبل غيرهم ، ولذا فمن الطبيعي أن يعود المظفر فيقر ويعترف أن هذه الصفة تخصهم دون سائر الخلق ، وتعني عقيدة المفارقة لسبيل المؤمنين حيث قال : (( وما زالـت سمة تُعرف بها الإماميـة دون غيرهـا من الطوائف والأمم ))([67]).

 

حكم التقية :

بعد أن بينا عقيدة التقية عند الإمامية ، وما حواه مضمونها من أقوال علمائهم ، لا بد أن نوضح حكم التقية على وفق الأصول التي يسير عليها الإمامية في معتقدهم ، والملفت للنظر تخبط علماء الإمامية في تقرير وجوبها أو عدمه ، ففي حين قال ( المفيد ) : (( والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم عليه السلام ، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية ، وخالف الله ورسوله والأئمة عليهم السلام )) ([68]) ، فإن الطبرسي قيد وجوبها بالخوف على النفس عندما قال : (( والتقية عندنا واجبة عند الخوف على النفس ، وقد روى رخصة في جواز الإفصاح بالحق عندها )) ثم أورد قصة الرجلين مع مسيلمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم لهما ، وعلق عليها بقوله : (( فعلى هذا تكون التقية رخصة والإفصاح بالحق فضيلة )) ([69]) ، وقد نشأ هذا الاختلاف بين الإمامية في حكم التقية من تناقض الروايات – على كثرتها – عن الأئمة في جواز العمل بها أو عدمه، على أن الراجح من أصولهم بلا شك هو وجوبها عموماً ، وجواز تركها أحياناً .

أما علماء الإمامية المعاصرون فإن نظرتهم للتقية لا تختلف عن نظرة أسلافهم ، إذ يترجح وجوبها عموماً عندهم قال البجنوري : (( لا شك في جواز الحكم التكليفي للتقية ، بل وجوبه في بعض الأحيان ، وجوازه من القطعيات واليقينيات )) ([70]) ، ولم يكن هذا التمييع لحكم التقية من باب الاجتهاد واختلاف الآراء فحسب ، بل من تخبط علماء الإمامية في استيعاب المصطلحات وعدم التفريق بين وقوع الجرم من جهة والتهديد بفعله من جهة أخرى ، بعبارة أدق عدم التفريق بين الإكراه والتقية قال الشيرازي : (( إن الحق عدم التفريق بين العنوانين الإكراه والتقية من حيث الملاك والمغزى ... )) ([71]) ، ولا يصح هذا الاستدلال في عدم التفريق بين الأمرين إذ من المعروف أن للإكراه أحكام أخرى لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال في محل التقية ، ويختلف مدلول كل منها كما هو مشهور بين أهل الأصول عند الفريقين  وقد مر في المبحث الأول تفريق أهل السنة – خاصة الحنابلة -  بين الأمرين ، وهو الحق بأذن الله .

 ولا يمكن لنا الإحاطة بحكم التقية عند الشيعة الإمامية إلا بالاستعانة بالروايات التي ينسبونها لأئمة البيت ، والتي فيها حث عظيم للشيعة بالأخذ بالتقية على كل حال وعند كل الأفعال ، اللهم إلا في المسائل التي تتفق مع أهل السنة والجماعة ، والتي سنأتي على بيانها إن شاء الله .

فمن ذلك ما رواه الكليني وغيره عن أبي عمر الأعجمي قال : (( قال لي أبو عبد الله u : يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ، ولا دين لمن لا تقية له )) ([72]) ، وروى الكليني أيضاً عن أبي بصير قال : (( قال أبو عبد الله u : التقية من دين الله ، قلت : من دين الله ؟! قال : أي والله من دين الله )) ([73]) ، وروى أيضاً عن حبيب بن بشر قال : (( قال أبو عبد الله u سمعت أبي يقول : لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب من التقية ! ، يا حبيب من كان له تقية رفع الله ، يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله )) ([74]) ، والروايات في كتب الإمامية كثيرة لا يمكن أن نوردها هنا ، وما هذه الروايات إلا أنموذج لها ، قال البجنوري : (( أما الروايات ففوق حد الاستفاضة بل لا يبعد تواترها معنى  وقد عقد في ( الوسائل ) أبوباً لها )) ([75]) ويعني به ( وسائل الشيعة ) للحر العاملي([76])  .

لا يجوز ترك العمل بالتقية عند الإمامية إلا عند خروج صاحب الزمان الذي يؤمنون بخروجه، فإذا خرج فحينئذ ترفع التقية وتعود الأشياء إلى أصلها ! ، فقد روى ابن بابويه القمي عن الحسين بن خالد قال : (( قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام : لا دين لمن لا ورع له ، ولا إيمان لمن لا تقية له ، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية ، فقيل له : يا ابن رسول الله إلى متى ؟ قال : إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت ، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا )) ([77]) ، قـال الشيرازي في تعليقه على هذه الرواية : (( وفيها دليل على أن التقية من أعظم القربات وأشرف أخلاق الأئمة )) ([78]) .

مما تقدم من الروايات تعطينا دليلاً على أن التقية هي فعل واجب في أعمال الإمامي ما دام معتقداً بهذا المعتقد ، ومن تركها كان كتارك الصلاة ، روى ابن شعبة الحراني وغيره عن علي بن محمد الهادي ( الإمام العاشر عند الإمامية ) أنه قال : (( لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً )) ([79]) ، وقد استنبط علمائهم من هذه الروايـــات وغيرها عن ( المعصوم ) بأن من ترك التقية فهو كافر ، قال ( المفيد ) : (( اعتقادنـا في التقية : أنها واجبة ، مـن تركها كان بمنـزلة من ترك الصلاة )) ([80]) ، فلا فرق في منـزلتها عن منـزلة الصلاة التي هي عمود الدين ، ومن قال بجواز تركها من علماء الإمامية ، فإن ذلك من باب المداهنة والمداراة لا من باب تقرير الحقيقة والمعتقد ، فهي أصل الأعمال ومحور الأفعال ، نسأل الله تعالى العصمة من الزلل وسوء العمل .

 

العمل بالتقية :

إن العمل بالتقية عند الشيعة الإمامية لا يتوقف عند صون النفس وحفظها ، أو ما يتعلق بها من الأموال والأعراض ، بل قد يكون ذلك للتدليس على المسلمين وجلب المحبة ودفع الضغائن إذ هناك أسباب وجيهة تدفعهم لإخفاء عقيدتهم ، قال الشيرازي بهذا الخصوص : (( وغير خفي أن التقية باجمعها تشترك في معنى واحد وملاك عام وهو إخفاء العقيدة وإظهار خلافها لمصلحة أهم من الإظهار .. )) ([81]) ، إن هذا الإطار العام الذي يضعه الشيعة الإمامية لنطاق التقية عندهم يشمل نواحي الدين بأركانه كافة ، ولا يمكن أن يكون هذا الإخفاء إلا من باب استجلاب المصالح ودرأ الغلو عن أذهان المسلمين بأن هذا الفعل هو جائز شرعاً رغم معارضته للأدلة الشرعية ، حتى اعترف الطبرسي المسمى عندهم بـ ( أمين الإسلام ) بأن التقية لا يمكن أن تكون إلا خداعاً فقال في تفسير قوله تعالى : ] يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [  [ البقرة : 9 ] قال : (( أي يخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم قالوا آمنا وهم غير مؤمنين أو بمجالستهم ومخالطتهم إياهم حتى يفشوا إليهم أسرارهم فينقلوها على أعدائهم ، والتقية أيضاً تسمى خداعاً فكأنهم لما أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر صـارت تقيتهم خداعاً )) ([82]) ، ومن الواضح في عبارة الطبرسي هذه التخبط بين الإمامية في وضع إطار عام لحدود العمل بالتقية ، وفي حقيقة الأمر هي تشمل كل شيء في دينهم ومعتقدهم ، فهي لا حدود لها ، وإن وضعوا لها حدوداً فهي حدود وهمية سرعان ما تزول .

والأصل في الأعمال عند الإمامية التقية إلا في ثلاثة أمور هي قتل النفس والمسح على الخفين ومتعة الحج ، وهذه تدخل في باب مخالفة أهل السنة والجماعة أكثر من كونها ابتعاد عن التقية ، بعبارة أخرى تدخل في باب معارضة المخالفين وعدم التشبه بهم في دار التقية ، وعموم الروايات عن الأئمة في كتب الإمامية تدل على هذا ، فروى بابويه وغيره عن ابن أبي يعفور عن  أبي جعفر قال : (( لا إيمان لمن لا تقيــة له )) ([83]) ، قال الشيرازي في تنظيره لهذه الرواية والروايات القريبة منها : (( فهي تدل على وجوب التقية إجمالاً في مواردها وأنها من أهم مسائل الدين )) ([84]) ، وقد أعطت هذه الروايات بعداً غير متناهٍ للتقية بحيث لا يمكن معرفة تقية الإمامية من ثباتهم وعزيمتهم ، ولا يقتصر ذلك على معاملاتهم مع ( المخالفين ) وإنما انتقل إلى معاملاتهم وعلاقتهم فيما بينهم ، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان معرفة عمل التقية من عدمه حتى بين أفراد هذه الطائفة نفسها ؛ لأنها تعد من ضروريات المذهب التي لا غنى عنها .

وقد وردت الروايات في كتب الإمامية تعضد ما ذهبنا إليه من أن الأصل هو العمل بالتقية وما عداه فهو من باب الرخصة ، فقد روى ابن بابويه وغيره عن أبي عمر الأعجمي عن أبي عبد الله قال : (( التقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين )) ([85]) ، وروي أيضاً عن زرارة قــال : (( قلت لأبي عبد الله u : في المسح على الخفين تقية ؟ فقال : ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج ، قال زرارة ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحداً )) ([86]) ، ودلالة هذه الروايات في كتب الإمامية هي مخالفة أهل السنة والجماعة ( المخالفين ) في الأحكام الشرعية ، وعدم التشبه بأعمالهم التعبدية حتى لو كانت موافقة للكتاب والسنة ، وقد اعترف البنجوري بهذا التقرير عندما قال : (( إن هذه الروايات الكثيرة التي هي فوق حد الاستفاضة على الأذن والرخصة في امتثال الواجبات موافقة للمخالفين تقية ... )) ([87]) ، ولم يستبعد البعض من علمائهم التقية في هذه الأمور أيضاً إن كانت هناك مصلحة في ارتكابها : (( لأن المسح على البشرة أو متعة الحج ليس أهم من جميع الأحكام الإسلامية حتى ينفرد بهذا الاستثناء )) ([88]) .

إن ما تقدم من كلام يعطينا دلالة قاطعة على أن العمل بالتقية عند الإمامية لا يتوقف عند حد من الحدود المحرمة حتى لو كانت في شرب الخمر والمسح على الخفين المحرم بزعمهم ، لأن ما يصدر منهم من قول أو فعل يمكن حمله على التقية ، فلا يمكن أن تلزمهم بشيء أصلاً، أو تعتمد على ما يصدر منهم من أفعال ، وهذا الأمر مشهور بينهم منذ ظهورهم ، قال الشهرستاني : (( فكل ما أرادوا تكلموا به فإذا قيل لهم في ذلك إنه ليس بحق وظهر لهم البطلان قالوا إنما قلنـاه تقية وفعلناه تقية )) ([89]) ، وقد واجهت هذه المعضلة شيخ الإسلام ابن تيمية عندما كتب رداً على ابن المطهر الحلي المعروف عندهم بـ ( العلامة ) ، ونبه على ذلك : (( حيث يقولون ديننا التقية وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه وهذا هو الكذب والنفاق ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة )) ([90]) ، ووافقه الغزالي في هذا الحكم فقال : (( وكل زنديق مستتر بالكفر يرى التقية دينا ويعتقد النفاق وإظهار خلاف المعتقد عند استشعار الخوف حقا )) ([91]) ، وهذا الكلام يعطينا صورة واضحة لحكم العمل بالتقية دون ضرورة ملحة وحاجة شديدة ، كما وتؤدي إلى انتشار النفاق بين من يعتقد بالتقية عقيدة ومنهجاً .

 

أهل البيت والتقية :

يدعي الإمامية بأن التقية بدأت مع الأئمة منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك عندما اختار المسلمون قاطبة ، بما فيهم أهل البيت أبا بكر الصديق خليفة للمسلمين ، وهذا الإدعاء لا يمكن أن يثبتوه حتى بالروايات المدونة في كتبهم على غرابتها وتناقضها وكثرتها ، فلم ترد في كتبهم رواية تصرح تصريحاً واضحاً بأن علياً أو أبنائه قال بالتقية ، بل الروايات الواردة عنهم في هذا الباب من أقوال وأفعال تناقض هذه العقيدة في الغالب ، بعبارة أخرى لم نرَ رواية تحث على الأخذ بالتقية صراحة للأئمة الخمس الأوائل الذين تدعي الإمامية اتباعهم ، وإنما الروايات المشهورة في كتب القوم أكثر ما نقلت عن جعفر الصادق ومن جاء بعده ، وأما والده محمد الباقر فقد وردت عنه بضع روايات وقع فيها التصريح بالتقية .

والسؤال الذي يطرح نفسه : متى ظهرت هذه العقيدة بشكلها الحالي عند الشيعة الإمامية؟.

بطبيعة الحال سنحاول تحقيق هذه المسألة بالاعتماد على الروايات الواردة في كتب الإمامية ؛ لأن هذا كما هو معروف مهم في إلزامهم بالحجة البالغة والدليل الدامغ ، فهم لا يؤمنون إلا بما في هذه الكتب ، ويرفضون أي رواية أخرى وردت في كتب المسلمين .

لا بد أن نقرر منذ بداية التاريخ الذي بدأت فيه روايات الإمامية تتخذ منحى التقية سبيلاً لها ، وإشاعة هذه العقيدة على ألسنة أئمتهم ، فمن المؤكد أن التقية قد ظهرت بين الإمامية في حياة الإمام زيد بن علي ( ت 121هـ ) ، إذ روى الطبري وغيره أن زيداً عندما أراد الخروج على بني أمية خرج معه سواد عظيم من أهل الكوفة ، كان معظمهم من الشيعة ، فطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فامتنع من ذلك وترضى وترحم عليهما ، فرفضه الســواد الأعظم منهم ، (( فقـال : اذهبوا فأنتم الرافضة ))([92]) ، وهذا يدل على أن هؤلاء القوم لم يكونوا قد اعتنقوا عقيدة ( التقية ) بعد ، بل إنهم لم يعرفوها أصلاً وإلا لكانوا قد خرجوا معه ؛ لأن زيد بن علي بشهادة جعفر الصادق كان هو وعلى بين أبي طالب بمنـزلة واحدة .

الرواية التي نعني هي هذه الرواية ، التي تثبت في الوقت نفسه ، صحة خروج زيد بن علي على بني أمية بشهادة حفيده الصادق ، فمن ذلك ما رواه الكليني عن الأحول([93]) : (( أن زيداً بن علي بعث إليه وهو مختف ، قال : فأتيته ، فقال : يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منا ، أتخرج معه ..؟ ، قال : فقلت له إن كان فهو أباك أو أخاك ، خرجت معه ؛ فقال لي : أريد أن أخرج فأجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي ، فقلت : لا أفعل جعلت فداك ، فقال : أترغب بنفسك عن نفسي ، فقلت : إنما هي نفسٌ واحدة ، فإن كان لله في الأرض حجةً ، فالمتخلف عنك والخارج معك سواء ؛ فقال : يا أبا جعفر كنت اجلس مع أبي في الخوان ، فيلقمني البضعة السمينة ، ويبرد لي اللقمة حتى تبرد شفقةً عليّ ، ولم يشفق عليّ حرّ النار إذ أخبرك ولم يخبرني ، فقال : فقلت : خاف عليك أن لا تقبل فتدخل النار ، واخبرني فإن قبلت نجوت ، وإن لم اقبل لم أبال أن أدخل النار ))([94]) ، ولا يمكن للمتتبع لروايات الإمامية إلا أن يتعجب من تلك الثقة المطلقة التي ألقيت على روايات الأحول ، مقارنة بما قاله الإمام زيد بن علي ، بل أن الإمامية يمكن أن يكذبوا زيداً على حساب تصديق الأحول ، ولا يخفى على القارئ سذاجة رد الأحول على زيد بن علي .

 ومع ذلك إن نحن سلمنا جدلاً بصحة ما قاله الأحول هنا ، فكيف يمكن أن نترك ما قاله فيما بعد جعفر الصادق ، الذي غالباً ما تنسب التقية إلى رواياته ، ويؤول بها أكثر كلامه ، ونعني به ما رواه فضيل قال : (( كنت مع زيد بن علي في الطريق عند مسيره للمحاربة مع عسكر هشام([95]) الطغاة ، وبعد شهادة زيد رضي الله تعالى عنه ، ذهبت إلى المدينة واجتمعت بالإمام جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه ، فسألني وقال : يافضيل أكنت مع عمي حاضراً في قتال أهل الشام ..؟! ، قلت : بلى ، فهناك سألني عن عدد من قتلت منهم ، قلت : ستة ، فقال : لا تشك في إباحة قتل هؤلاء ، وحل دمائهم ..؟ ، فقلت : لو كان لي شك في استباحة دمائهم لم اقتلهم ، فسمعته يقول : أشركني الله تعالى في تلك الدماء والله زيد عمي هو وأصحابـه شهيداً ، مثل ما مضى على علي بن أبي طالـب وأصحابـه رضي الله تعالى عنهم ))([96]) ، فلماذا لم يتستر زيد بن علي بالتقية في هذا الموقف ؟ ولماذا لم يحمل علماء الإمامية هذه الرواية على التقية ؟ ، بطبيعة الحال لا يمكنهم ذلك ؛ التقية لم تكن قد ذاعت وانتشرت كما في الأزمنة التالية ، بل أرجح أن هذه العقيدة لم تظهر في زمن جعفر الصادق نفسه ، وإنما نسبت إلى زمنه ممن جاء من بعده من رواة الإمامية ، قال الآلوسي : (( ففي هذا التشبيه الذي في كلام الإمام جعفر الصادق الناطق بالحق أنه أعتقد أن حال الإمام زيد ، وحال الأمير كرم الله وجهه بمرتبة واحدة ومن باب واحد ، فلزم من ذلك إن زيداً في جميع اعتقاداته على الحق ، وإن خروجه أصالة لا نيابة صواب ، وإلا فلا يسوغ الحكم عليه بالشهادة ، وتشبيهه بحال الأمير )) ([97]) .

ومن خلال ذلك يمكن أن نقرر أن مصطلح الرفض كان سابقاً لمصطلح التقية ، وبتقديرنا فإن التقية ظهرت بعد قتل الإمام زيد بن علي ، أي بعد عام 121هـ ؛ وليس قبل هذا التاريخ ، لما قدمناه من روايات ، ويعضد ما ذهبنا إليه عدم وجود رواية – حتى في كتب الشيعة نفسها – عن علي بن الحسين المشهور بزين العابدين ( وهو الإمام المعصوم الرابع عند الإمامية ) تصرح بالتقية ، بل الوارد عكس ذلك ، كما رواه الإمامية عنه في داعائه المشهور، والذين كان يترضى فيه على الصحابة والتابعين بدون استثنـــاء لأحدٍ منهم، فكان يقول : (( اللهم واوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمونا ، خير جزائك الذين قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا على قفوا آثارهم والائتمار بهداية منارهم )) ([98]) ، ومن دعائه لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : (( اللهم وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة الذين احسنوا الصحبة وابلوا البلاء الحسن واسرعوا في نصره وسابقوا إلى دعوته واستجابوا لهم حيث فارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به وكانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته )) ([99]) ، ولا يمكن أن يكون الإنسان يتاقي في دعائه وهو بينه وبين ربه ، وعلي بن الحسين مشهور عند الفريقين بحسن عبادته وكثرة سجوده حتى لقب رحمه الله بالسجاد([100]) .

وهذا ابنه محمد المشهور بالباقر حاله حال أبيه في تركه للتقية بين أعوانه وأنصاره ، وكان يجهر بترضيه على الشيخين ، فمن ذلك ما روي عنه أن جماعة خاضوا عنده في أبي بكر وعمر وعثمان فقال لهم : (( وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم : ] وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِْيمَانِ .. [ [ الحشر : 10 ] )) ([101]) .

فالتقية لم يقلها الأئمة ولم يعملوا بها وإنما نسبها الرواة إليهم ، وقد حرّف علماء الإمامية معظم معاني الأخبار ونصوص الروايات الواردة في كتبهم وصرفوا دلالتها إلى التقية بدعوى أن الأئمة كانوا يتاقون خشية من خلفاء بني أمية وبني العباس ، ولكن مثل هذه الدعوى لا يمكن أن تصمد كثيراً إذا رجعنا مرة أخرى إلى رواياتهم ، فقد روى الأردبيلي : (( أنه سئل الإمام أبي جعفر عن حلية السيف هل تجوز ؟ فقال : نعم قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة فقال الراوي : أتقول هكذا فوثب الإمام عن مكانه ، فقال : نعم الصديق ، نعم الصديق نعم الصديق ، فمن لم يقل له الصديق ، فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة )) ([102]) ، وفي رواية يرد بها الباقر على من قال إن كلامه هذا تقية عند سئل عن الشيخين : (( قال : إني أتولاهما ، فقيل له : إنهم يزعمون أن ذلك تقية ؟ فقال : إنما يخاف الأحياء ولا يخاف الأموات ، فعل الله بهشام بن عبد الملك كذا وكذا )) ([103])، قــــال ابـن حجـر الهيتمي : (( فانظر ما أبين هذا الاحتجاج وأوضحه من مثل هذا الإمام العظيم المجمع على جلالته وفضله بل أولئك الأشقياء يدعون فيه العصمة فيكون ما قاله واجب الصدق ومع ذلك فقد صرح لهم ببطلان تلك التقية المشؤومة عليهم واستدل لهم على ذلك بأن اتقاء الشيخين بعد موتهما لا وجه له إذ لا سطوة لهما حينئذ ثم بين لهم بدعائه على هشام الذي هو والي زمنه وشوكته قائمة أنه إذا لم يتقه مع أنه يخاف يخشى لسطوته وملكه وقوته وقهره فكيف مع ذلك يتقي الأموات الذين لا شوكة لهم ولا سطوة وإذا كان هذا حال الباقر فما ظنك بعلي الذي لا نسبة بينه وبين الباقر في إقدامه وقوته وشجاعته وشدة بأسه وكثرة عدته وعدده وأنه لا يخاف في الله لومة لائم )) ([104]) .

ولم يكن استنكار الأئمة للتقية مقصدوراً على المتقدمين منهم ، بل هناك أكثر من رواية عن المتأخرين ممن تدعي الإمامية عصمتهم واتباعهم فيها ذم شديد وتقريع عظيم لتفريطهم بأمور الدين بحجة التقية ، فقد روى ابن بابويه في التفسير المنسوب إلى الحسن بن علي العسكري أن جماعة من الشيعة أتوا الرضا فاستأذنوا بالدخول فقال علي بن موسى الرضا لحاجبه بعد انتظار طويل : (( ائذن لهم ليدخلوا ، فدخلوا عليه، فسلموا عليه ، فلم يرد عليهم ، ولم يأذن لهم بالجلوس ، فبقوا قياماً ، فقالوا : يا ابن رسول الله ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب ، أي باقية تبقي منا بعد هذا ؟ فقال الرضا u : اقرؤا ] وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [ [ الشورى : 30 ] ، ما اقتديت إلا بربي عز وجل فيكم ، وبرسول الله صلى الله عليه وسلم وبأمير المؤمنين عليه السلام ومن بعده من آبائي الطاهرين عليهم السلام عتبوا عليكم ، فاقتديت بهم ، قالوا : لماذا يا ابن رسول الله ؟ قال لهم : لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب u ، ويحكم شيعته الحسن والحسين عليهما السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر ، الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره ولم يرتكبوا شيئاً من فنون زواجره ، فأما أنتم إذا قلتم أنكم شيعته ، وأنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون ، مقصرون في كثير من الفرائض ومتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله وتتقون حيث لا تجب التقية ، وتتركون التقية حيث لا بد من التقية ... )) ([105]) وفي هذه الرواية يتضح معناة الأئمة من هؤلاء الاتباع بسبب تهاونهم في أداء شعائر الإسلام ، ولا يمكن أن يدعي الإمامية أن هذه تقية ، لأن الرضا هنا بين شيعته وخاصته حيث لا مجال للتقية أو المداراة .

والشاهد على هذه الرواية ما أخرجه ( شيخ الطائفة ) الطوسي عن أبي حمزة الثمالي قــال : (( قال أبو عبد الله u لطائفة من شيعته : وايم الله لو دعيتم لتنصرونا لقتلتم لا نفعل إنما نتقي ! ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم ولو قام القائم ما احتاج إلى مسائلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم حد النفاق )) ([106]) ، لأن جعفر الصادق كان على علم بأن الشيعة يتاقون الناس في كل شي ، ويسرفون في استعمال التقية حتى تقاعسوا عن نصرة الدين والحق ، فأي شيعة هؤلاء الذين ذمهم أئمتهم في كتبهم ، وأي تقية تلك التي يقام على أثرها حد النفاق ؟.

فهؤلاء سادة أهل البيت الذين تدعي الشيعة الإمامية اتباعهم لم يكونوا يتاقون ، وكان الناس يأخذون الحديث عنهم كما يأخذون عن غيرهم ، والتقية إنما أشاعها رواة الإمامية بين اتباعهم ونسبوها لأئمتهم حيث بدؤا يتقولون على أهل البيت ما لم يقولوه وينسبوا إليهم أفعالاً لم يعملوها ، فلم يجدوا غير التقية لتمرير مثل هذه الأقوال والأفعال في أذهان السذج من بني جلدتهم ، ويدل على ذلك ما رواه الكليني عن الحسن بن أبي خالد قال : (( قلت لأبي عبد الحسن الثاني [ علي الهادي ] u  : جعلت فداك إن مشائخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة فكتمـوا كتبهـم فلم تروَ عنهم فلـما ماتوا صارت الكتب إلينا ، فقال : حدثوا بها فإنها حق )) ([107]) .

 فأمثال هؤلاء الرواة الذين كانوا لا يميزون بين الغث والسمين ، ولا يتورعون عن الكذب على أئمة أهل البيت هم الذين نقلوا هذه الروايات وجعلوها في كتبهم ، ثم جاءت طائفة أخرى من علمائهم لترجح بين المتناقض من هذه الروايات المنسوبة لأئمة أهل البيت خاصة الباقر والصادق ، وهي أخبار متعارضة متناقضة ، وبعضها يوافق الأخبار الواردة عند أهل السنة والجماعة ، فلم يجدوا حلاً أفضل من تفسيرها  بعذر التقية ، وهذا ما أقر به واعترف شيخ الطائفة ( الطوسي ) حيث قال في معرض بيان تناقض أخبار قومه : (( وقد وقع فيها الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبازائه ما يضاده ، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا )) ([108]) ، وقد ألف الطوسي كتابه المشار إليه ( تهذيب الأحكام ) للتوفيق بين هذه الأخبار المتضادة والمتنافرة بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، ففسر أكثرها بالتقية ، وقد أحصيت في كتابه هذا ما يقارب الخمسمائة رواية عن أئمة أهل البيت فسرها بالتقية ، وهي تعادل خمس روايات الكتاب، وهذا يبين لك سوء معتقد هؤلاء القوم في رفضهم لروايا أهل البيت حتى لو كانت في كتبهم المعتمدة ، وسبيلهم الوحيد في ذلك عقيدة التقية التي أبتدعوها وزينوها وساروا على نهجها .

وخلاصة ما يمكن أن نقوله إن الشيعة الإمامية قد أتخذوا عقيدة التقية جزءاً لا يتجزأ من دينهم ، وهو الأساس الذي تعتمد عليه علاقتهم مع أهل السنة والجماعة ، إذ الأصل عندهم هي التقية، وما شذ عنها فهو من باب الشذوذ عن القاعدة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( إن أساس النفاق الذي بنى عليه الكذب وهو أن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه ، كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية )) ([109]) ، ولذا من الصعب أن تأخذ شيئاً من هؤلاء القوم يمكن أن تعتمد عليه وتستند إليه ، وهو الأمر الذي يجب أن يعرفه من يحاول أن يتقرب منهم ، نسأله تعالى أن يحفظنا من الشرك والنفاق والزلل.

 

المبحث الثالث

الإكراه والتقية

 

الإكراه :

لا بد من الإشارة إلى أن الشيعة الإمامية لم يفرقوا في مباحثهم العقدية والفقهية بين مصطلحي التقية والإكراه ، بل إن التقية عندهم لها صلتان ، فعليها تبنى فروعٌ كثيرة ، وعلى أساسها تأصل العقائد وأصول الدين([110]) ، ولهذا السبب كثر تخبطهم في معظم المسائل التي تداخل بين هذين المصطلحين ، على الرغم من أن الفرق بينهما واضح يعتمد على تعريف الفقهاء وأهل الأصول للإكراه ، الأمر الذي نرى من الضروري بيانه هنا :

الإكراه في اللغة جاء من الفعل : ( كَرَهَ ) ، والاسم : ( الكَرهُ ) ويراد به كل ما أكرهك غيرك عليه ، بمعنى : أقهرك عليه ، وأما (الكُرْه ) فهو المشقـة ، يُقال : قمت على كُرْهٍ ، أي : على مشقة([111]) ، وحكمه في اللغة : (( عبارة عن حمل إنسان شيء يُكْرَه ، يقال : أكرهت فلان إكراهاً أي حملته على أمرٍ يكرهه )) ([112]) .

أما في الاصطلاح فقد عرفه المناوي بأنه : (( حمل الغير على ما يكرهه بالوعيد الشديد )) ([113]) ، وعرفه البركتي بأنه : (( إجبار أحد على أن يعمل عملاً بغير حق من دون رضاه بالإخافة )) ([114]) ، أما السرخسي فقد عرف الإكراه بقوله : (( الإكراه اسم لفعل يفعله المرء بغيره فينتفي به رضاه أو يفسد به اختياره )) ([115]) ، ومن خلال هذه التعاريف يبدو أن المعنى فيها متقارب من حيث إن المكلف يضطر إلى الفعل بسبب ضغط لا يقوى على رده ، بعبارة أخرى أن الأمر المشترك بين العبارات المتقدمة تقيد الإكراه بوجود مؤثر خارجي يلجئ من خلاله الفرد إلى فعل شيء لا يريد فعله ، فإذا زال هذا المؤثر، فلا بد أن يعود المكلف إلى أصل العمل ، ولذا قال الفقهاء بأن فعل المُكرَه لا ينسب إليه وإنما ينسب للمُكرِه([116]) .

وقد وردت الإشارة إلى الإكراه في القرآن الكريم قال تعالى : ] لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [ [ البقرة : 256 ] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : (( أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً )) ([117]) ، وقوله تعالى أيضاً : ] وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [ [ النور : 33 ] ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الإكراه وبين حكمه عندما قال : (( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) ([118]) ، ويروى أن صفوان الطائي كان نائماً مع امرأته وأخــذت المرأة سكيناً وجلـست على صدره ، وقالـت : (( لأذبحنك أو تطلقني فناشدها بالله فأبت ، فطلقها ثلاث ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا قيلولة في الطلاق )) ([119])

وعند العودة إلى ما قدمناه من تعاريف للتقية سواء الواردة عند أهل السنة أو عند غيرهم خاصة الشيعة الإمامية نلاحظ فروق جوهرية بينها ، يمكن أن نستعرضها بالآتي :

  1. إن الإكراه هو فعل يقع تحت تهديد شخص معين ، وغالباً ما يكون مصحوباً بالوعيد الشديد بالأذى ، في حين أن التقية هي فعل المكلف عمله باختياره مظنة وقوع التهديد ، ولذا فإن فعل المكرَه لا ينسب إليه ولكن ينسب للمكرِه ، في حين أن أحداً لم يقل بأن فعل المتقي ينسب لغيره من أهل الإسلام .
  2. التقية عند أهل السنة في مفهومها العام رخصة عند غلبة الكفار على المسلمين ، في حين أن الإمامية لا يعتدون بذلك ، بل التقية وفق تعريفهم كما تقدم هي ( مكاتمة المخالفين ) ، ويعنون بهم من لا يعتقد عقائدهم من المسلمين ، وهذا فيه فرق واضح .
  3. إن التقية عند الإمامية لا يعتبر فيها إكراه أو تعذيب ، بل يكفي فيها خوف الضر على النفس أو ما يتعلق به ، وإن لم يكن هناك مكرِه . وتعضد هذه القاعدة عندهم روايات كثيرة منها ما رووه عن جعفر الصادق أنه قال : (( التقية جنة المؤمن )) ([120]) ، وفي رواية أخرى عنه أيضاً : (( التقية ترس المؤمن )) ([121]) ، وهنا فقد التعريف شرطاً مهماً اتفق عليه العلماء وهو ركن من أركان الإكراه .

ولا شك في أن أحكام الإكراه ومضامينه اللغوية والشرعية تختلف اختلافا عظيماً ؛ خاصة في أثر الأعمال الواقعة من قبل المكلف ، لأنه لا يمكن الاعتداد بها وإلزام فاعلها بنتائج فعلها كما تقدم ، لذا فإن محاولة الخلط بين التقية والإكراه من الصعوبة بمكان حتى في عرف الإمامية أنفسهم ، لأنها تختلف من حيث الملاك والمغزى ، كما هو موضح أدناه .

 

أنواع الإكراه وشروطه :

اختلف العلماء في بيان أنواع حالات الإكراه التي تقع على المكلف ، وهذا الأمر أدى إلى اختلافهم في تفاصيل المسائل الفقهية التي يقع الإكراه فيها ، قال الكاساني : ((ما يقع عليه الإكراه في الأصل نوعان : حسي وشرعي ، وكل واحد منهما على ضربين : معين ومخيّر فيه  ، أما الحسي المعين في كونه مكرها عليه فالأكل والشرب والشتم والكفر والإتلاف والقطع عينا ، وأما الشرعي : فالطلاق والعتاق والتدبير والنكاح والرجعة واليمين والنذر والظهار والإيلاء والفيء في الإيلاء والبيع والشراء والهبة )) ([122]) ، ومن خلال هذا الكلام نلاحظ أن تقسيم الإكراه كان بحسب ما يقع عليه الفعل ، وهو قريب من تقسيم ابن حزم له .

إلا أن التقسيم الأشهر ما قرره فقهاء الحنفية في بيان أنواع الإكراه هو([123]) :

  1. الإكراه الملجئ : وهو نوع يوجب الإلجاء والاضطرار ، كالقتل والقطع والضرب الذي يخشى فيه تلف النفس أو العضو ، وقد يسمى إكراهاً تاماً .
  2. الإكراه غير الملجئ : وهو لا يوجب الإلجاء والاضطرار كالحبس القصير والقيد والضرب .

من الواضح أن هذا التقسيم قد أخذ فعل المكلف محوراً ، واعتمده في تقرير نتائج الإكراه ، مع الأخذ بعين الاعتبار وقوع التهديد الفعلي دون غلبة الظن في ذلك ، فلا يعتد بالحكم على فعل معين بأن له أحكام الإكراه إلا إذا توفرت أركان الإكراه وهي : المكرَه وهو الذي وقع الفعل منه ، والمكرِه : وهو من يصدر منه التهديد والوعيد على المكرَه بشرط يقين الأخير من كونه قادر على إيقاعه به لا محالة ، والركن الثالث هو : المكرَه به : وهو نوع المكره المتوعد به ، وأخيراً المكرَه عليه : وهو الفعل الذي يراد تنفيذه .

 وهنا تقسيم آخر للإكراه ، فقد قسم ابن حزم الظاهري الإكراه إلى قسمين الأول هـــو : (( إكراه الكلام ، ولا يجب به شيء ، وإن قاله المكرَه ، كالكفر والقــذف والإقرار والنكاح ... الخ )) ([124]) ودليل ابن حزم في ذلك أنه حاكٍ للفظ ، وذلك لا يترتب عليه أذى لمعين ، كما أنه في الوقت نفسه لا يلزم نفسه بشيء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ مـا نوى )) ([125]) ، قال ابن حزم : (( فصح أن كل من أكـره عـلى قولٍ ولم ينوه مختاراً فإنه لا يلزمه )) ([126]) .

أما النوع الثاني من الإكراه عند ابن حزم فهو إكراه الفعل ، وهو بدوره ينقسم إلى قسمين أيضاً : (( إحدهما - كل ما تبيحه الضرورة , كالأكل والشرب فهذا يبيحه الإكراه ; لأن الإكراه ضرورة , فمن أكره على شيء من هذا فلا شيء عليه ; لأنه أتى مباحا له إتيانه ، والثاني - ما لا تبيحه الضرورة , كالقتل , والجراح , والضرب , وإفساد المال , فهذا لا يبيحه الإكراه , فمن أكره على شيء من ذلك لزمه القود والضمان ; لأنه أتى محرما عليه إتيانه )) ([127]) ، ولكن ابن حزم لا ينس أن يقرر ضرورة وقوع الإكراه فعلاً على المكرَه ، ويقين الأخير بأن الضرر واقع عليه لا محالة ، وغير ذلك لا يمكن أن يسمى إكراهاً لأن الإكراه بنظره : (( هو كل ما سمي في اللغة إكراها , وعرف بالحس أنه إكراه كالوعيد بالقتل ممن لا يؤمن منه إنفاذ ما توعد به , والوعيد بالضرب كذلك أو الوعيد بالسجن كذلك , أو الوعيد بإفساد المال كذلك , أو الوعيد في مسلم غيره بقتل , أو ضرب , أو  سجن , أو إفساد مال )) ([128]) .

ولم يجعل العلماء هذه التقسيمات هي القول الفيصل ، وإنما وضعوا شروطاً للإكراه كأساس في وقوعه وتتمثل بالآتي([129]) :

  1. قدرة المكرِه على تحقيق ما هدد به بولاية أو تغلب أو فرط هجوم .
  2. عجز المكرَه عن دفعه بهرب أو استغاثة أو مقامة .
  3. ظنه أنه إن امتنع عما أكره عليه أوقع به المتوعد .
  4. كون المتوعد مما يحرم تعاطيه على المكرِه ، فلو قال ولي القصاص للجاني : طلقها وإلا اقتصصت منك ، لم يكن إكراهاً.
  5. أن يكون عاجلاً ، فلو قال : طلقها وإلا قتلتك غداً ، فليس بإكراه .
  6. أن يكون معيناً ، فلو قال : اقُتلْ زيداً أو عمراً ، فليس بإكراه .
  7. أن يحصل بفعل المكره عليه التخلص من المتوعد به ، فلو قال : اقُتلْ نفسك وإلا قتلتك ، فليس بإكراه .
  8. يشترط في الإكراه على كلمة الكفر طمأنينة القلب بالإيمان ، فلو نطق معتقداً بها كفر.

ووفق هذا الاعتبار فإن الإكراه مقيد بهذه الأمور ، يزول بزوالها ولا يبقى مرافقاً لفعل المكلف في الظروف الاعتيادية والطبيعية ، على عكس ما يعتقده الإمامية بالتقية ، بكونها هي أصل العمل والمحور الذي تدور عليه أفعال المكلف ؛ لأن الإكراه بنظرهم يمكن اللجوء إليه بمجرد مظنة الضرر ، أي قبل وقوع التهديد لأن أصل العمل عند غلبة ( المخالفين ) هو التقية ، وهذا الكلام مردود لاعتبارات عديدة أهمها أن أياً من أئمتهم لم يحدد حدوداً يمكن أن تقف عندها التقية ، وإنما شروط التقية عندهم مفتوحة .

 

أنواع التقية وشروطها عند الإمامية :

 عند مقارنة ما قدمناه بما كتبه علماء الشيعة الإمامية في موضوع التقية في مؤلفاتهم ، نجدها تختلف اختلافاً عظيماً من حيث المغزى والمضمون ، بل أنها تختلف حتى في أنواعها وأركانها ، أما من حيث الشروط ، فنحن لا نجد أثراً لها في كتبهم ، فالأمر عندهم مفتوح ، و فقد روى الكليني عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله أنه قال : (( كلما تقارب هذا الأمر كان أشد للتقية )) ([130]) ، فعلى وجه العموم من الصعب الإحاطة بمثل هذه الشروط ، ولكن يمكن أن نبين أن التقية تنقسم عند الإمامية إلى أكثر من قسم بالنظر إلى غرضها وغايتها:

أولاً : التقية من حيث حكمها الوضعي وهل أن العمل المأتي به تقية يوجب الإجزاء أم لا ؟ ، وفيه قرر فقهاء الإمامية بأن العبادات فيها صحيحة إلا في ثلاثة أشياء في شرب الخمر والمسح على الخفين والمتعة ، فلا تقية فيه ! ، ولهم أكثر من رواية تفيد ذلك في كتبهم ، منها ما رواه زرارة عن أبي عبد الله أنه قال : (( ثلاثة لا اتقي فيهن أحداً شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج )) ([131]) ، وبناء على هذه الرواية وغيرها ، جعل الإمامية للتقية ملاذاً واسعاً للعمل في غير ما ورد في هذه الرواية ، بحيث عدوا كل الأعمال مجزأة في حال التقية ، وإن اختلفوا في مسألة الإفطار في رمضان ، ولكن رجح محمد النجفي وغيره من فقهاء الإمامية الإجزاء ([132]) .

ثانياً : التقية من حيث حكمها التكليفي ، وتنقسم حسب الأعمال ، فمنها ما هو واجب ومنها ما هو حرام ومنها ما هو راجح ومنها ما هو مرجوح ، ومنها ما يتساوى طرفاه جوازاً ([133]) ، ورغم أن هذه التقسيمات التي تبدو لأول وهلة بأنها تختلف عن الأخرى ، لكنها بواقع الحال قريبة منها ، فمثلاً التقية المحرمة يعنون بها ما تقدم من حرمة التقية في المسح على الخفين ومتعة الحج وشرب الخمر ، والروايات في كتب القوم تفيد هذا المعنى ، بل تحث عليه ،وتعده من أفضل القربات فقد روى ابن بابويه عن أبي عبد الله أنه قال : (( من استعمل التقية في ديـن الله فقـد تسنم الذروة العليا من القرآن  )) ([134]) ، وفي هذه الرواية إشارة إلى أن التقية مرغب فيها عند الإمامية على كل حال ، ولذا أدخل علمائهم معظم الروايات الواردة في هذا الباب تحت قسم المستحب([135]) .

ثالثاً : هناك تقسيم آخر للتقية عند الإمامية ، فهي عندهم يمكن أن تقسم إلى : التقية الخوفية والتقية التحبيبة ، والتقية لمصالح آخر ، ومثّل الإمامية للأولى بما أوردناه في المبحث الثاني من كونها من دين الله عز وجل ، ولا دين لمن لا تقية له ، أما التقية التحبيبي : فيعنون بها القيام بالأعمال التي تقربهم إلى أهل السنة والجماعة من أجل التحبب إليهم لاستجلاب المنافع ودفع المضار ، ومثّل لها بما رواه ابن بابويه عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله أنه قال : (( ما منكم أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة تقية وهو متوضأ إلا كتب الله له بها خمساً وعشــرين درجة ، فارغبوا في ذلك )) ([136]) ، وفي هذه الرواية تأكيد على أن صلاة الإمامي مع أهل السنة تقية مرغب فيهم عندهم ، بل هي من أقسام المستحب والمندوب ، وهذا الأمر له دلالة خطيرة  في كونهم لا يعتدون بتلك الأعمال ، بل ينبغي لمن أراد الصلاة مع أهل السنة أن يصلي قبلها أو بعدها .

أما النوع الثالث فهو ما يعرف عندهم بالتقية لمصالح آخر ، وقد أورد الإمامية روايات عن أئمتهم تعضد ما ذهبوا إليه ، منها ما روي عن أبي عبد الله جعفر أنه قال : (( عليكم بالتقية ، فإنه ليس منا من لم يجعلها شعــاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجية مع من يحذره )) ([137]) .

رابعاً : هناك بعض علماء الإمامية من يجعل لها قسماً أخراً ، وهو ما يقابل الإشاعة وإذاعة السر ويعبر عنها بأنها تعني : (( وجوب كتمان عقيدة الحق أو إظهار غيره في الموارد التي تكون من الأسرار التي يجب كتمانها عن غير أهلها )) ([138]) ، والروايات في كتب الإمامية في هذا الباب كثيرة ، منها ما روي عن أبي عبد الله أنه قال : (( ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ ولكن قتل عمد )) ([139]) ، وكذلك ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله أنه تـلا هـذه الآيـة : (( ] ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ الأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ [ [ آل عمران : 112 ] قال : والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا واعتداء ومعصية )) ([140]) .

أما من حيث الشروط ، فلا وجود لها في تحديد التقية عند الإمامية ، وإنما هي تترك لاجتهاد الفرد وتقديره ، وربما تجاوزت الحدود الشرعية في معظم الأحيان ؛ لأنها وفق الروايات التالية تتعدى فهم أهل السنة والجماعة للتقية والإكراه على حد سواء ، وهذه الأمور تتمثل بالآتي : 

  1. إن التقية جائزة في كل أمر من أمور الدين بل هي الدين عينه ، كما في روايات الشيعة الإمامية المنسوبة إلى الأئمة ، وقد تقدم بعضها ، منها ما رواه صاحب الشرائع عن أبي عبد الله قـال : (( إن التقية دين الله عز وجل ، قلت : من دين الله عز وجل ؟ قال : أي والله من دين الله )) . وفي رواية أخرى عنه أيضاً أنه قال : (( لا إيمان لمن لا تقية له )) .
  2. إن التقية هي من أعظم الفرائض ، وهي بمثابة الرأس من الجسد ، وأنها من أحب الأعمال إلى الله تعالى من ذلك ما رواه حبيب بن بشير قال : (( قال أبو عبد الله u : سمعت أبي يقول : لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب من التقية )) ([141]) .
  3. إن أكثر الشيعة كانوا يتركون العشرة مع غيرهم من المسلمين لأنهم إن أظهروا عقيدتهم ربما وقعوا في الخطر العظيم وجلب البغضاء والعداوة ، وإن أخفوه كانوا مقصرين في أداء ما عليهم من الحق مرتكبين للأكاذيب كما يقول الشيرازي([142]) .
  4. إن التقية تسد الأبواب أمام المخالفين فلا يستطيعون الوصول إلى حقيقة الدين ومذهب الإمامية ، ففي التفسير المنسوب إلى العسكري في قوله تعالى : ] فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [ [ الكهف : 97 ] قال : (( إن هذا هو التقية ، فإنها الحصن الحصين بينك وبين أعداء الله إذا عملت بها لم يقدروا على حيلة )) ([143]) .
  5. لا ينحصر دور التقية عند الإمامية في إخفاء العقيدة وإظهار خلافها ، وإنما أيضاً من أهم أغراضها جلب المحبة ودفع عوامل الشقاق والبغضاء عن طريق إخفاء عقيدتهم التي ربما أثارت النفور الاستهجان في قلوب المسلمين ، وبهذا فسّر الإمامية الروايات الواردة في كتبهم ، مثل ما روي عن الصادق أنه قال : (( من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان )) ([144]) ، وهذه الرواية فيها تناقض عجيب ؛ لأن روايات الأئمة إذا حبست فكيف يعلم الناس حقيقة مذهب أهل البيت الذي يدعي الإمامية اتباعه ؟.

 

لكننا نتساءل هنا : أين شروط الإكراه وأركانه ؟ بل أين مقومات الرخصة في كل ما تقدم ؟. والإجابة عن هذين السؤالين وغيرهما ليس بالأمر الصعب ، فقد تبين أن أحكام الإكراه لا تبنى على الظن أو الشك ، بل يجب أن يغلب على المكرَه بأن التهديد واقع لا محالة ، قال الكاساني في تقرير هذا المبدأ : (( أن يقع في غالب رأي المكرَه وأكثر ظنه لأنه لو لم يجب إلى ما دعي إليه تحقق ما وعد به ؛ لأن غالب الرأي حجة ... )) إلى أن قال : (( فإن تحقق عنده أن المكرِه لا يحقق ما أوعده لا يثبت الحكم شرعاً )) ([145]) ، وقال في مكان آخر ( رحمه الله ) : (( وإن كـان الإكراه ناقصاً لا يحـل له الإقدام عليه ولا يرخص أيضاً ؛ لأنه لا يفعله للضرورة بل لدفع الغم عن نفسه ، فكانت الحرمة بحكمها قائمة )) ([146]) .

إن هذا الاستدلال الذي تضمن نفي حكم الظن في أحكام الإكراه مهم لنا في هذا الباب ؛ لأن أغلب أحكام التقية عند الشيعة الإمامية مبينة على الظن : ] وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا [ [ النجم : 28 ] بل لازال علمائهم لهذه اللحظة يذكرون ما تعرض أسلافهم المزعومين على يد بني أمية وبني العباس من أذى واضطهاد ، بعد مضي أكثر من ألف عام على ذلك ، وظهرت لهم أكثر من دولة ، وانتشرت سطوتهم في أكثر من بلاد ، وقد أدى ذلك إلى استنكار الإمامية أنفسهم لمثل هذا الأمر ، حتى أصبحت أخبارهم أعظم من أخبار بني إسرائيل وأشد تناقضاً وكل ذلك بسبب عقيدة التقية المزعومة والمنسوبة زوراً إلى أهل البيت ، كـما روى الصفار عن زرارة قال : (( قال أبو جعفر u : حدث عن بني إسرائيل ولا حرج ، فقلت : جعلت فداك في حديث الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم ؟ قال : فأي شيء هو يا زرارة ؟ قال : فاختلس من قلبي فمكثت ساعة لا أذكر ما أريد ، قال : لعلك تريد التقية ؟ ، قلت : نعم ، قال : صدّق بها فإنها حق )) ([147]) .

فمن خلال هذه الروايات يتبين أن التقية عند الإمامية غير مرهونة بشرط الإكراه ، بل قد تكون هي أصل العمل ومدار عبادة المكلف ، وهناك أكثر من رواية في كتب القوم ترجح ما ذهبنا إليه من كون المكلف عندهم يمكن أن يعمل التقية في ( دار التقية ) على كل حال ، وإن كان الإمامية قد اختلفوا في الاعتداد بهذه العبادات التي قد تكون مرهونة بالاضطرار لا بالتقية ، بعبارة أخرى أن العمل مرهون بتقدير المقلد باحتمال وقوع الأذى عليه من عدمه ، وإن كان هذا الاحتمال ضعيفاً ، فإن هذا بواقع الحال لا يشكل مانعا من العمل بالتقية ، ويعضد كلامنا هذا رواية القوم في كتبهم عن الصادق أنه قال : (( إن التقية في كل ضرورة )) ([148]) ، وفي رواية أخرى عنه أيضاً : (( التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له )) ([149]) ، وأنت ترى أن لا استثناء في الرواية الأخيرة ، ولا حدود للتقية ، وهذا قول مردود لأن أفعال القلوب لا إكراه فيها ، كما هو الحال هنا ، وقد نقل السيوطي الإجماع على ذلك([150]) .

والمطلع على روايات الإمامية في كتبهم يجد تناقضاً عجيباً بين هذه الروايات في صحة العبادات التي قام بها المكلف تقية ، وإن كان الراجح منها – على قول فقهاء القوم أنفسهم – الاكتفاء بأدائها في حال التقية وعدم إعادتها عند زوالها ، إلا أننا نعرض بعض هذه الروايات من أجل بيان أن التقية بعيدة بعد المشرق والمغرب عن الإكراه عند أهل السنة ، لأننا بينا شروط الإكراه سلفاً ويمكن أن تقيس أنت على ذلك .

فقد روى ابن بابويه وغيره عن حماد عن أبي عبد الله أنه قال : (( من صلى في منـزله ثم أتى مسجداً من مساجدهم فصلى معهم خرج بحسناتهم )) ([151]) وفي رواية أخرى عن إسحاق بن عمار قال : (( قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا إسحاق أتصلي معهم فـي المسجد ؟ قلت : نعم ، قال : صلِ معهم فإن المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله )) ([152]) ، قـال الشيرازي : (( وظاهر هذه الأحاديث رجحان الصلاة معهم مع نية الاقتداء بهم كما أن ظاهرها جواز الاكتفاء بها وعدم وجوب إعادتها )) ([153]) .

ومن ذلك رواه سماعة قال : (( سألت عن رجل يصلي فخرج الإمام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة الفريضة ، قال : إن كان إماماً عدلاً فليصل أخرى وينصرف ويجعلها تطوعاً وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو ، وإن لم يكن إمام عدل فليبنِ على صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى ويجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثم ليتم صلاته معه على قدر ما استطاع ، فإن التقية واسعة ، وليس في شيء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها )) ([154]) ، ففي هذه الرواية أمر الإمام هذا الرجل بإتمام صلاته مع غير عدلٍ وليبني عليها ، ولم تشر الرواية إلى أمر الإمام هذا الرجل بإعادة الصلاة دلالة على صحتها ، من جهة أخرى نفهم من هذه الخبر بأن هذا الرجل لم يكره على أداء الصلاة مع هذا الإمام ، وإنما دخل بإرادته واختياره ، وليس في الرواية وعيد أو ترهيب من هذا الإمام كما يفهم من عباراتها ، فأين الإكراه في هذه الرواية ؟ ، بل لا نرى شرطاً واحداً من شروطه .

ومنها ما رواه الكليني وغيره عن زرارة قال : (( سألت أبا عبد الله عن المسح على الخفين تقية ؟ فقال : ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً شرب الخمر والمسح على الخفين ومتعة الحج . قال زرارة : ولم يقل الواجب عليكم ألا تتقوا فيهم أحداً )) ([155]) ، فيفهم من كلام الإمام أن التقية في كل العبادات سوى ما استثنى منها ، ولم يذكر هنا الإكراه شرطاً لعمل المكلف بها ، بل فهم الإمامية من كلام الإمام هنا – كما هو حال زرارة بن أعين راوي الخبر – بأن التقية في هذه الأشياء جائزة أيضاً ، إذ هي واجبة على الإمام وليست عليكم ، فعلى هذا الأساس فإن التقية مرافقة لعمل المكلف مطلقاً حتى في شرب الخمر !.

يمكن أن نقرر في ختام هذا المبحث أن مدلول الإكراه لا يمكن أن ينطبق على معاني التقية لا من حيث الجوهر أو المضمون ، وإنما التقية عند الإمامية هي أصل العمل وغايته ، باعتبارها عقيدة تُعتمد في سائر الأعمال ، وأصل من أصول الدين ، لذا فهي تتخذ حيزاً أكبر بكثير مما يمكن أن يتصوره القارئ ، وقد أثبتنا بشيء لا يقبل الشك - والفضل لله وحده – الفرق بينها وبين الإكراه  من حيث الدلالة والمغزى ؛ لأن الإكراه عند أهل السنة له شروطه وحالاته الخاصة ، كما يجب أن نشير إلى أن الإكراه هو من فروع الدين عند أهل السنة لا من أصوله كما يدعيه الإمامية ، وبهذا يمكن أن تتضح الصورة واضحة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..

 

مصادر الشيعة الإمامية([156]) :

ابن إدريس ، أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد الحلي ( ت 895هـ ) :

  1. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، ( مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، 1410هـ ) .

ابن بابويه ، أبو جعفر محمد بن علي بن موسى القمي ( الصدوق ) ، ( ت 381هـ ) :

  1. تفسير العسكري ( منسوب له ) ، ( مؤسسة الإمام المهدي ، قم ، 1409هـ ) .
  2. عقائـد الصدوق ، تحقيق : هبة الله الشهرستاني ( دار الكتاب الإسلامي ، بيروت ، 1403هـ/ 1983م ) .
  3. كمال الدين وتمام النعمة ، تحقيق علي أكبر الغفاري ( قم ، 1395هـ ) .
  4. من لا يحضره الفقيه ( طبعة طهران ) .

الحر العاملي ، محمد بن الحسن بن علي بن محمد الحسين ( ت 1033هـ ) :

  1. وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة ( مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، بيروت ) .

السجاد ، علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( ت 94هـ ) :

  1. الصحيفة السجادية ( منسوبة له ) ، ( مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، 1413هـ / 1992م ).

الطوسي ، ( شيخ الطائفة ) أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي ( ت 460هـ ) :

  1. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة ، ( طبعة طهران ، 1390هـ/ 1970م ) .

العياشي ، أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش السمرقندي ( ت 340هـ ) :

  1. تفسير العياشي ( طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية ) .

الكليني ، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الأعور ( ت 329هـ ) :

  1. الكافي ( طبعة دار الكتب الإسلامية ، طهران ) .

المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان ( ت 413هـ ) :

  1. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ( شيراز ، طبعة عربية وبهامشها ترجمة فارسية ) .
  2. تصحيح الاعتقاد بصواب الاعتقاد أو شرح عقائد الصدوق ، تحقيق هبة الله الشهرستـاني ( دار الكتاب الإسلامي ، بيروت ، 1403هـ / 1983م ) .

-------------------------------------------

 

([1])  لسان العرب ، مادة وقى : 25/402 ؛ الموسوعة الفقهية : ج 28 ، مادة : ( التقية ) .    

([2])  الحديث أخرجه البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه ، الصحيح ، كتاب الزكاة ، باب الصدقة قبل الرد : رقم 1347 ؛ مسلم ، الصحيح ، كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة ، رقم 1016 .    

([3])  لسان العرب ، مادة وقى : 25/402 .    

([4])  أحكام أهل الذمة : ص 1038 .    

([5])  المبسوط : 24/45 .    

([6])  فتح الباري : 12/314 .    

([7])  تفسير ابن كثير : 1/358 .    

([8])  أحكام القرآن : 2/290 .    

([9])  كذا ورد في كتب الفقهاء ، قال الحافظ ابن حجر : (( ولم أجده بكلا اللفظين )) . الدراية : 2/197 .   

([10])  الحاكم ، المستدرك : 2/389 وقال : (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين )) ؛ البيهقي ، السنن الكبرى : 8/389 قال الحافظ ابن حجر : (( وإسناده صحيح )) . الدراية : 1/197 .    

([11])  القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن : 4/57 .    

([12])  المبسوط : 24/44 .    

([13])  المصدر نفسه .    

([14])  أبو داود ، السنن ، كتاب الجهاد ، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام : 3/59 ، رقم 2683 ؛ النسائي ، السنن ، كتاب تحريم الدم ، باب حكم المرتد : 7/106 ، رقم 4067 .    

([15])  ابن سعد ، الطبقات : 3/250 .    

([16])  مصنف ابن أبي شيبة : 6/476 .    

([17])   الحديث أخرجه الإمام أحمد ، المسند : 3/19 ؛ الترمذي ، السنن : 4/471 ؛ ابن ماجة ، السنن : 2/1329 ؛ أبو داود ، السنن : 4/124 ؛ النسائي ، السنن : 7/161 .‌

([18])  الموسوعة الفقهية : مادة ( التقية ) .    

([19])  مسلم ، الصحيح ، كتاب الزهد والرقائق ، باب قصة أصحاب الأخدود : 4/2300 ، رقم 3005 .    

([20])  الجامع لأحكام القرآن : 19/293 .    

([21])  تفسير ابن كثير : 3/160 .    

([22])  المبسوط : 24/45 .    

([23])  صحيح البخاري ، كتاب الإكراه : 6/2546، رقم 6544 .    

([24])  فتح الباري : 13/268 .    

([25])  أخرجه ابن أبي شيبة من حديث سلمان الفارسي ، المصنف : 6/473 ؛ البيهقي ، شعب الإيمان : 5/485 ؛ ابن أبي عاصم ، السنة : ص 15 ؛ أبو نعيم ، الحلية : 1/203 .    

([26])  تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد : ص 161 .    

([27])  الموسوعة الفقهية ، مصدر سابق .    

([28])  صحيح البخاري : 5/2271.    

([29])  الجصاص ، أحكام القرآن : 2/290 .    

([30])  أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن مسعود ، المسند : 1/446 ؛ الدارقطني ، السنن : 3/26 ؛ الطبراني ، المعجم الكبير : 10/159 ، والحديث حسنّه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ( رقم 3596 ) .

([31])  أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما : 2/877 ، رقم 2348 .    

([32])  تفسير ابن كثير : 1/248 .    

([33])  ابن أبي شيبة ، المصنف : 6/474 .    

([34])  القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن : 5/15 .    

([35])  الموسوعة الفقهية ، مصدر سابق .    

([36])  أحكام القرآن : 5/13 .    

([37])  القواعد والفوائد الأصولية : ص 49.    

([38])  ابن أبي شيبة ، المصنف : 6/474 .    

([39])  المبسوط : 24/47 .    

([40])  المغني : 9/31 .    

([41])  المبدع : 7/256 .    

([42])  المصدر نفسه : 9/31 .    

([43])  مصنف ابن أبي شيبة : 6/474 .    

([44])  مصنف ابن أبي شيبة : 6/474 .    

([45])  روح المعاني : 5/126 .    

([46])  روح المعاني : 3/121 .    

([47])  التاج والإكليل : 4/45 .    

([48])  مصنف ابن أبي شيبة : 6/474 .    

([49])  المبدع : 7/256 .    

([50])  مختصر التحفة : ص 288 .    

([51])  منهاج السنة النبوية : 2/46 .    

([52])  ينظر في تعريف الإمامية : المفيد ، تصحيح الاعتقاد : ص 137 ؛ حسين كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها : ص 315 .    

([53])  القواعد الفقهية : 1/288 .    

([54])  في تعليقه على كتاب أوائل المقالات : ص 96 .    

([55])  القواعد الفقهية : 5/43 .    

([56])  كمال الدين : ص 18 .    

([57])  تهذيب الأحكام : 1/335 .    

([58])  بحار الأنوار : 20/133 .    

([59])  المصدر نفسه : 52/284 .    

([60])  الكافي : 3/373 ؛ الطوسي ، تهذيب الأحكام : 3/266 .    

([61])  صلاة الشيخ : ص 280 .    

([62])  القواعد الفقهية : 1/459 .    

([63])  بحار الأنوار : 8/259 .    

([64])  بحار الأنوار : 8/266 .    

([65])  القواعد الفقهية : 1/287 .    

([66])  محمد رضا المظفر ، عقائد الإمامية : ص 120 .    

([67])  المصدر نفسه : ص 119 .    

([68])  الاعتقادات : ص 81 .    

([69])  مجمع البيان : 1/430 .    

([70])  القواعد الفقهية : 5/44 .    

([71])  القواعد الفقهية : 1/394 .    

([72])  الكافي : 2/217 ؛ فقه الرضا : 338 .    

([73])  الكافي : 2/217 ؛ بحار الأنوار : 5/391 ؛ البرهان : 2/285 .    

([74])  الكافي : 2/217 ؛ الحر العاملي ، وسائل الشيعة : 16/206 .    

([75])  القواعد الفقيهة : ص 5/44 .    

([76])  يمكن النظر إلى الكتاب المشار إليه : 1/107 فما بعدها و 16/203 فما بعدها .    

([77])  كمال الدين : ص 371 ؛ المجلسي ، بحار الأنوار : 75/396 .    

([78])  القواعد الفقهية : 1/398 .    

([79])  الحراني ، تحف العقول : ص 483 ؛ ابن إدريس ، السرائر : 3/484 .    

([80])  الاعتقادات : ص 81 .    

([81])  القواعد الفقهية : 1/411 .    

([82])  مجمع البيان : 1/20.    

([83])  الكافي : 2/219 ؛ ابن بابويه ، من لا يحضره الفقيه : 3/363 .    

([84])  القواعد الفقهية : 1/389 – 399 .    

([85])  الخصال : ص 22 – 23 ؛ الحر العاملي ، وسائل الشيعة : 16/215 .    

([86])  وسائل الشيعة : 16/216 .    

([87])  القواعد الفقهية : 5/49 .    

([88])  الشيرازي ، القواعد الفقهية : 1/422 .    

([89])  الملل والنحل : 1/160 .    

([90])  منهاج السنة النبوية : 1/68 .    

([91])  فضائح الباطنية : ص 160 .    

([92])  تاريخ الطبري : 4/204 ؛ المنتظم : 7/211 .

([93]) هو جعفر بن عثمان الرواسي الكوفي الأحول ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال روى عن الأعمش وغيره روى عنه محمد بن الحسن الشيباني وبنهم بن بهلول وقال علي بن الحكم كان جليل القدر عند العامة . لسان الميزان : 2/119 .

([94])  الكليني ، الكافي : 1/257 .

([95]) هو هشام بن عبد الملك بن مروان ، أبو الوليد ، الخليفة الأموي القرشي ، ولد سنة 72هـ ، وأصبح خليفة في سنة 105هـ ، قال ابن سعد عن سحبل بن محمد : ما رأيت أحداً من الخلفاء أكره إليه الدماء ، ولا أشد عليه مثل هشام ، وقد دخله من مقتل زيد بن علي وابنه يحيى أمر شديد ، حتى قال :" وددت لو كنت افتديتهما " ؛ مات سنة 125هـ . طبقات ابن سعد : 5/326 ؛ تاريخ الطبري : 4/111 وما بعدها ؛ سير أعلام النبلاء : 5/351.

([96])  أمالي الصدوق : ص 349 ؛ المجلسي ، بحار الأنوار : 46/171 .

([97])  سعادة الدارين بشرح حديث الثقلين منشورة في مجلة الحكمة العدد : 20 .

([98])  الصحيفة السجادية : ص 48.

([99])  المصدر نفسه : ص 48 .

([100])  أما فيما يخص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والسبطين رضي الله عنهم ، فأن أمرهم أشهر من أن يذكر هنا ، وهم سادة أهل البيت في أقوالهم وأفعالهم ، ويمكن مراجعة نقض التقية عن أعمالهم وأقوالهم  فيما أورده الآلوسي ( رحمه الله ) من روايات في مختصر التحفة الاثني عشرية : ص 290 وما بعدها .

([101])  أبو نعيم الحلية : 3/137 ؛ الطبري ، الرياض النضرة : 1/298 .

([102]) كشف الغمة عن معرفة الأئمة : 2/148 . وأخرجه من أهل السنة أبو نعيم ، حلية الأولياء : 3/185 ؛ وعزاه ابن حجر الهيثمي إلى الدارقطني كما في الصواعق المحرقة : ص 79 . 

([103]) الصواعق المحرقة : ص 179 . 

([104]) المصدر نفسه : ص 180 . 

([105])  تفسير العسكري : ص 312 – 313  . 

([106])  تهذيب الأحكام : 6/172. 

([107])  الكافي : 1/53 . 

([108])  تهذيب الأحكام : 1/2 . 

([109])  منهاج السنة النبوية : 2/46 .    

([110])  مكرم الشيرازي ، القواعد الفقهية : 1/386.

([111])  لسان العرب ، مادة كره : 12/80  .    

([112])  البحر الرائق : 8/79 .    

([113])  التعريفات : ص 84 .    

([114])  القواعد الفقهية : ص 188.    

([115])  المبسوط : 24/38 .    

([116])  المصدر نفسه : 24/39 .    

([117])  تفسير ابن كثير : 1/311 .    

([118])  أخرجه ابن ماجة ، السنن ، كتاب الطلاق ، باب طلاق المكره والناسي : 1/659 ، رقم 2043 ؛ الحاكم ، المستدرك : 2/216 ، رقم 2801 ؛ البيهقي ، السنن الكبرى : 6/84 .    

([119])  قال الحافظ ابن حجر لفظ : (( لا قيلولة في الطلاق ذكره ابن أبي حاتم في ( العلل ) عن أبي زرعة وأنه واهٍ جداً )) . تلخيص الحبير : 3/217 .    

([120])  الكافي : 2/220 ؛ وسائل الشيعة : 16/204 .    

([121])  الكافي : 2/221 ؛ وسائل الشيعة : 16/205 .    

([122])  بدائع الصنائع : 7/176 .    

([123])  رد المختار :6/128 ؛ بدائع الصنائع : 7/175 .    

([124])  المحلى : 8/329 .    

([125])  .    

([126])  المحلى : 8/230 .    

([127])  المصدر نفسه : 8/230 .    

([128])  المصدر نفسه : 8/230 .    

([129])  السيوطي ، الأشباه والنظائر : ص 209 .    

([130])  الكافي : 2/220 ؛ تهذيب الأحكام : 1/362 .    

([131])  تهذيب الأحكام : 9/114 ؛ من لا يحضره الفقيه : 1/48 .    

([132])  جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام : 16/262 .    

([133])  الشيرازي ، القواعد الفقهية : 1/389 .    

([134])  معاني الأخبار : ص 386 ؛ المجلسي بحار الأنوار : 13/135.    

([135])  الشيرازي ، القواعد الفقهية : 1/412 .    

([136])  من لا يحضره الفقيه : 1/382 .    

([137])  الحر العاملي ، الوسائل : 16/212 ؛ المجلسي ، بحار الأنوار : 75/395 .    

([138])  القواعد الفقهية : 1/491 .    

([139])  البرقي ، المحاسن : ص 256 ؛ الكافي : 2/370 .    

([140])  البرقي ، المحاسن : ص 257 ؛ الكافي : 2/371 .    

([141])  الكافي : 2/217.

([142])  القواعد الفقهية : 1/408 .

([143])  تفسير العياشي : 2/351 ؛ وسائل الشيعة : 16/213 .

([144])  الكافي : 2/363 .    

([145])  بدائع الصنائع : 7/176 .    

([146])  المصدر نفسه : 7/177 .    

([147])  بصائر الدرجات : ص 240 ؛ المجلسي ، بحار الأنوار : 2/237 .    

([148])  الكافي : 2/219 ؛ من لا يحضره الفقيه : 3/363 .    

([149])  الكافي : 2/220 .    

([150])  الأشباه والنظائر : ص 208.    

([151])  الكافي : 3/380 ؛ تهذيب الأحكام : 3/270 .    

([152])  الكافي : 2/621 ؛ تهذيب الأحكام : 5/496 .    

([153])  القواعد الفقهية : 1/452 .    

([154])  الطوسي ، تهذيب الأحكام : 3/380 .    

([155])  الكافي : 3/32 .    

([156])  اقتصرنا هنا على مصادر الشيعة الإمامية ؛ لأن مصادر أهل السنة متداولة معروفة .    

  • السبت PM 02:23
    2021-07-24
  • 1669
Powered by: GateGold