المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412636
يتصفح الموقع حاليا : 340

البحث

البحث

عرض المادة

ضرب الأمثال لختم النبوة

الحديث الثاني والعشرون

 عن أبي هريرة t عن النبي r قال: "مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ".

تخريج الحديث:

·     أخرجه مسلم في "صحيحه" في الفضائل، (4/1791/ح2286).

الحديث الثالث والعشرون

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، وأبو عامر، قالا: حدثنا زهير يعني ابن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطُفَيْل بن أُبي بن كعب، عن أبيه t عن النبي r قال: "مَثَلِي فِي النَّبِيِّينَ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَحْسَنَهَا، وَأَكْمَلَهَا، وَتَرَكَ فِيهَا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ لَمْ يَضَعْهَا، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِالْبُنْيَانِ وَيَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: لَوْ تَمَّ مَوْضِعُ هَذِهِ اللَّبِنَةِ، فَأَنَا فِي النَّبِيِّينَ مَوْضِعُ تِلْكَ اللَّبِنَةِ".

تخريج الحديث:

·  أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (35/167/ح 21243)، عن عبد الرحمن بن مهدي، وأبي عامر، ومن طريق الأخير، الترمذي في "سننه" في أبواب المناقب، باب في فضل النبي r(5/586/ ح3613)

·     وعبد بن حميد في "مسنده" (1/9/172)، من طريق موسى بن مسعود.

ثلاثتهم (عبد الرحمن بن مهدي، وأبي عامر، وموسى بن مسعود) عن زُهَيْر بن محمد، به، بمثله.

دراسة الإسناد:

1. عبد الرحمن بن مهدي:  إمام حجة، سبق التعريف به.

2. أبو عامر: هو عبد الملك بن عمرو العَقَدي([1]).

روى عن: زُهَيْر بن محمد، وشعبة، وسفيان الثوري، وغيرهم، وعنه: الإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني

وثقه من الأئمة ابن سعد، ويحيى بن معين، والعجلي، وابن شاهين، والنسائي وقال أبو حاتم: "محله الصدق، وفي حفظه سوء، وكان حديثه بالشام، أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه، فما حدث من حفظه ففيه أغاليط، وما حدث من كتبه فهو صالح".

قال في "الكاشف": "الحافظ"، وقال في "تقريب التهذيب": "ثقة".

والراجح أنه ثقة؛ لتوثيق من ذكرت له، وأما قول أبي حاتم: "صدوق" فهو بمنزلة ثقة عند غير كما مر آنفاً.

توفي سنة: 204ه، وقيل غير ذلك، وروى له الجماعة([2]).

3. زُهَيْر بن محمد: التَمِيمي، أبو المنذر الخُرَاساني.

روى عن: عبد الله بن محمد بن عقيل، عبد الله بن أبي بكر بن حَزْم، وزيد بن أسلم، وغيرهم، وعنه: أبو عامر عبد الملك بن عمرو، وعبد الرحمن بن مهدي، موسى بن مسعود، وغيرهم.

وثقه من الأئمة يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعثمان بن سعيد الدارمي وزاد "له أغاليط"، وقال علي بن المديني: "لا بأس به"، وقال أحمد بن حنبل مرة: "ليس به بأس"  وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به"، وقال يحيى بن معين مرة: "صالح لا بأس به"  وقال أبو حاتم: "محله الصدق، وفي حفظه سوء  وما حدث به من كتبه فهو صالح"  وقال أحمد مرة أخرى: "مقارب الحديث"، وقال النسائي: "ليس بالقوي".

وضعفه أبو زرعة، والعُقَيْلي.

قال في "الكاشف": "ثقة يغرب ويأتي بما ينكر"، وقال في "تقريب التهذيب": "رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها".

تنبيه: ذهب الإمام أحمد، والبخاري، في بعض الروايات، أن زُهَيْر بن محمد الذي انتُقِد في روية أهل الشام، آخر غير زُهَيْر بن محمد هذا، وكان الإمام أحمد بن حنبل يضعف هذا الشيخ- زُهَيْر بن محمد الآخر-ويقول: "هذا شيخ ينبغي أن يكونوا قلبوا اسمه"، وقال الترمذي: "سألت محمداً عن حديث زهير بن محمد هذا، فقال: "أنا أتقي هذا الشيخ، كأن حديثه موضوع، وليس هذا عندي بزهير بن محمد".

وعزى ابن عدي الخطأ إلى الشاميين، وليس من زُهَيْر، على اعتبار أنهما واحد حيث قال: "لعل أهل الشام أخطأوا عليه فإن روايات أهل العراق عنه تشبه المستقيمة"، ودافع عنه الحافظ ابن حجر  في "هدي الساري" حيث قال: "واختلفت فيه الرواية عن يحيى بن معين، وهو بحسب أحاديث من روى عنه، وأفرط بن عبد البر فقال إنه ضعيف عند الجميع وتعقبه صاحب الميزان بأن الجماعة احتجوا به وهو كما قال قد أخرج له الجماعة"، فمن ضعفه أو جرحه بسبب رواية أهل الشام عنه وغلطهم عليه، ومن وثقه نظر إلى عامة رواياته وأنها مستقيمة، وهناك من وثقه في حال- رواية أهل العراق- وضعفه في حال آخر- رواية أهل الشام-.

وحاصل أقوال الأئمة في هذا الراوي:

1-    من ضعفه مطلقاً مثل(يحيى بن معين في رواية، أبو زرعة، والعقيلي، والنسائي في رواية).

2-  من وثقه مطلقاً مثل(يحيى بن معين في رواية، وأحمد بن حنبل في رواية، وعلي ابن المديني، وعباس الدُوْري، ويعقوب بن شَيْبة، وموسى بن هارون، والنسائي في رواية أخرى، والطحاوي، وابن عدي)

3-  من توسط، فَعَدَّله في غير الشاميين مثل( الإمام أحمد في رواية، والبخاري والعجلي، وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبي حاتم وأبو أحمد الحاكم، وابن حبان والسَّاجي).

4-  من رأى أن زُهَيْر بن محمد الذي يروي عنه أهل الشام، غير زُهَيْر بن محمد أبو المنذر، فالأول مجهول، والثاني ثقة، مثل(الإمام أحمد، والبخاري، في رواية عنهما)، ونقل البيهقي عن بعض أهل العلم أنه مجهول، ولعله أراد الإمام أحمد، والبخاري.

والذي يترجح أنه ثقة، ويضعف في رواية أهل الشام؛ لأن الذين توسطوا في حاله عندهم زيادة علم في روايته عن الشاميين، وذكر العلة الإمام أبو حاتم، حيث قال ما ملخصه، أنه حدث من حفظه في الشام فكثر غلطه، أما من فرق بين زُهَيْر الشام، وزهير العراق، فلا يختلف الحكم عندهم مع أصحاب القول الثالث الذين ضعفوه في الشاميين  لأن أصحاب القولين متفقين على ضعف رواية زُهَيْر بن محمد الشامية، سواءً اختلف الراويان، أم هما شخص واحد. والله تعالي أعلم.

توفي سنة: 162ه، وروى له الجماعة([3]).

4. عبد الله بن محمد بن عَقِيْل: هو ابن أبي طالب أبو محمد الهَاشمي([4]).

روى عن: عبد الله بن عمر، وجابرy، الطُفَيْل بن أُبي، وغيرهم، وعنه: زهير بن محمد، وسفيان الثوري، وشَرِيك بن عبد الله، وغيرهم.

احتج به أحمد، وإسحاق بن رَاْهَوْيَة، والحُمَيْدي، وصحح الحاكم حديثه وقال: "كان أحمد وإسحاق يحتجان بحديثه ولكن ليس بالمتين المعتمد عندهم"، وقال ابن عبد البر: "هو أوثق من كل من تكلم فيه"، قال ابن حجر: "وهذا إفراط"، وقال العجلي: "ثقة جائز الحديث"، وقال الترمذي: "صدوق"، وقال الهيثمي: "حسن الحديث"، وقال الفسوي: "صدوق، في حديثه ضعف"، وقال البخاري: "مقارب الحديث"، وقال أبو حاتم: "لين الحديث، ليس بالقوي، ولا بمن يحتج بحديثه، يكتب حديثه، وهو أحب إلي من تمام بن نجيح"، وقال الدارقطني:  ليس بقوي"، وقال ابن عدي: "روى عنه جماعة من المعروفين الثقات، وهو خير من ابن سمعان، ويكتب حديثه"، وتركه مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان، وقال ابن خزيمة: "لا أحتج به؛ لسوء حفظه"، وقال ابن معين: "ضعيف"، وقال ابن حبان: "ردئ الحفظ، يجئ بالحديث على غير سننه، فوجبت مجانبة أخباره"، قال الذهبي في "المغني في الضعفاء": "حسن الحديث احتج به أحمد واسحاق" وقال في "ميزان الاعتدال": "قلت: حديثه في مرتبة الحسن"، وحسن حاله  العلامة الألباني، والشيخ أبو إسحاق الحويني.

 قال في "تقريب التهذيب": "صدوق وفي حديثه لين ويقال تغير بأخرة".

والذي يظهر لي من حاله هو ما ذكره الحافظ ابن حجر؛ لان هذا المناسب لحاله. والله أعلم.

توفي بعد سنة: 140ه، وقيل غير ذلك، وروى له البخاري في خلق أفعال العباد وأهل السنن سوى النسائي([5]).

5. الطُفَيْل بن أُبَيّ بن كعب الأنصاري.

روى عن: أبيه أُبَيّ بن كعب، عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر y، وغيرهم وعنه: عبد الله بن محمد بن عقيل، إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، سعيد بن عَلاَقَة وغيرهم.

وثقه من الأئمة ابن سعد، والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وعده بعضهم من الصحابةy.

قال في "تقريب التهذيب": "ثقة".

وهذا الأقرب في حاله أنه ثقة كما قال الحافظ ابن حجر؛ لتوثيق ابن سعد والعجلي له ويكفه شرفاً أَنْ عده بعضهم من الصحابة y.

توفي سنة: 81، وقيل 90ه، وروى له البخاري في أفعال العباد، والترمذي، وابن ماجه([6]).

الحكم على الحديث:

الحديث بهذا الإسناد حسن؛ لأن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو صدوق  على الراجح، ويشهد له حديث أبي هريرt السابق في "مسلم"؛ وعليه يرتقي هذا الحديث إلى الصحيح. والله أعلم.

معاني المفردات:

لَبِنَة: الطوبة التي يبنى بها، وفيها لغتان:

إحداهما: فتح اللام، وكسر الباء(لَبِنة)، وجمعها لَبِن.

والثانية: كسر اللام، وسكون الباء( لِبْنة)، وجمعها لِبَن([7]).

زاوية: الأصل فيها رُكن، ويقال زاوية البيت، أي ركن البيت([8]).

الدراسة الموضوعية:

الحديثان السابقان يدلان على أن رسول الله r هو خاتم النبيين، وذلك عن طريق ضرب الأمثال، وقد بوب على الحديث الأول- حديث أبي سعيد- الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم، باب ذكر كونه r خاتم النبيين([9]).

فوائد من الأحاديث:

1. يدل الحديثان السابقان على فضل النبي r، وأنه أفضل الأنبياء، قال الإمام النووي: "فيه فضيلته r وأنه خاتم النبيين"([10])، وقال المباركفوري([11]): "وفي الحديث... فضل النبي  rعلى سائر النبيين، وأن الله ختم به المرسلين وأكمل به شرائع الدين"([12]).

2. وفيه جواز ضرب الأمثال؛ للتوضيح ومزيد الإفهام، قال القاضي عياض([13]): "في هذه الأحاديث كلها جواز ضرب الأمثال في الدين والعلم، وغير ذلك مما شوهد وعرف بقربها للأفهام"([14])، وقال العلامة ابن القيم: " قالوا: فهذه وأمثالها من الأمثال التي ضربها رسول الله r لتقريب المراد، وتفهيم المعنى، وإيصاله إلى ذهن السامع، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثل به، فإنه قد يكون أقرب إلى تعقله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره؛ فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه الأنس التام، وتنفر من الغربة والوحدة وعدم النظير؛ ففي الأمثال من تأنيس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد، ولا ينكره، وكلما ظهرت لها الأمثال ازداد المعنى ظهوراً ووضوحاً، فالأمثال شواهد المعنى المراد، ومزكية له"([15]).

3. في قوله: "كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَاناً فَأَحْسَنَه، وأَجْمَلَه"، جواز تجميل البيوت وتحسينها، وليس هذا من السرف، مالم يصل إلى حد الخيلاء، لأن الحديث في سياق المدح، ولا يتصور أن يضرب رسول الله r مثلاً في أمر محرم، وهو يريد المدح والثناء  والله أعلم.

v     إشكال: قيل المشبه به –رسول الله r-واحد، والمشبه – الأنبياء- جماعة فكيف يصح التشبيه؟!.

الجواب: أجاب عن هذا الإشكال العلامة المباركفوري حيث قال، بعد أن أورده: "وجوابه أنه جعل الأنبياء كرجل واحد لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه إلا باعتبار الكل وكذلك الدار لا تتم إلا باجتماع البنيان. ويحتمل أن يكون من التشبيه التمثيلي، وهو أن يؤخذ وصف من أوصاف المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس، ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت"([16]). والله أعلم.

المبحث الرابع: أسماء وصفات النبي r الدالة على ختم نبوته.

الحديث الرابع والعشرون

عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه t، قال: قال رسول الله r: "لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ".

تخريج الحديث:

·  أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" في المناقب، باب ما جاء في أسماء    رسول الله r (4/185/ح 3532)، واللفظ له.

·  والإمام مسلم في "صحيحه" في الفضائل، (4/1828ح2354)، وفيه زيادة "وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ رؤوفاً رَحِيماً". وهذه الزيادة من كلام الزهري، يبينه ما أخرجه الإمام أحمد وغيره قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر  عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله r يقول: "إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ" قال معمر: قلت للزهري: ما العاقب؟ قال: "الذي ليس بعده نبي r"([17])، أما لفظة" وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ رؤوفاً رَحِيماً"، فقال أبو جعفر الطحاوي: "فكان ما في هذا الحديث من تسمية الله عز وجل إياه رؤوفاً رحيماً إما من كلام جبير وإما من كلام من سواه من رواته"([18])، وهذه الزيادة لم أجد من ذكرها سوى يونس بن يزيد عن الزهري، ولعلها مما أدرجه الزهري أيضاً، ويزيد له نوع اختصاص بالزُهْري- رحمه الله([19])، قال وهذا ما رجحه البيهقي حيث قال: "ويشبه أن يكون ذلك من قول الزُهْري"([20]).

وعلى العموم فهذا الإدراج لا يؤثر؛ لأنه بيان وتوضيح للحديث. والله أعلم.

الحديث الخامس والعشرون

عن أبي موسى الأشعريt  قال: كان رسول الله r يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: "أنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ".       

تخريج الحديث:

·    أخرجه مسلم في "صحيحه" في الفضائل (4/1828/ح 2355).

الحديث السادس والعشرون

قال أبو العباس السَرَّج: حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السَكَن، ثنا حبان بن هلال، ثنا مبارك بن فضالة، حدثني عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة t عن النبي r قال: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ خَبَرَ آدَمُ بَنِيهِ، فَجَعَلَ يَرَى فَضَائِلَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: فَرَأَى نُورًا سَاطِعًا فِي أَسْفَلِهِمْ  فَقَالَ: يَا رَبِّ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ أَحْمَدُ، هُوَ الأَوَّلُ وَهُوَ الآخِرُ، وَهُوَ أَوَّلُ شَافِعٍ".

تخريج الحديث:

·  أخرجه السَرَّاج في "حديث السَرَّاج" (3/236/ح 2628)، ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة" في جماع أبواب وفود العرب إلى النبي r، باب ما جاء في تحديث رسول الله r (5/ 483).

دراسة الإسناد:

1. أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السَكَن([21]): هو يحيى بن محمد بن السَكَن بن حبيب القُرَشِي، أبو عبيد الله، ويقال: أبو عبيد، ويقال: أبو عبدالله البَزْار.

روى عن: حَبَّان بن هِلال، ويحيى بن كثير، ومحمد بن جَهْضَم، وغيرهم.

وعنه: محمد بن إسحاق السَرَّج، والبخاري، وأبو داود، والنسائي وغيرهم.

وثقه من الأئمة النسائي، وقال مرة: "ليس به بأس"، وقال صالح جَزَرَه: "لا بأس به"، وذكره ابن حبان في "الثقات".

قال في الكاشف: " ثقة"، وقال في" تقريب التهذيب": " صدوق".

والراجح أنه ثقة؛ لتوثيق النسائي له، وعدم وجود من طعن فيه.

توفي سنة: 251، وقيل 260ه، وروى له البخاري، وأبو داود، والنسائي([22]).

2. حَبّان([23])بن هِلال: أبو حبيب البصري.

   روى عن: مُبَارك بن فُضَالة، ومَعْمَر بن راشد، وحماد بن سلمة، وغيرهم، وعنه: يحيى بن محمد بن السَكَن، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وعبد بن حميد، وغيرهم.

أجمع الأئمة على توثيقة.

قال في "الكاشف": "حافظ"، وقال في "تقريب التهذيب": "ثقة ثبت".

توفي سنة: 216ه، وروى له الجماعة([24]).

3. مُبَارك بن فَضَالة: ابن أبي أُمَيَّة، أبو فَضَالة البصري.

روى عن: عبيد الله بن عمر، وبكر بن عبد الله ، وثابت البُنَاني، وغيرهم.

وعنه: حَبّان بن هلال، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحيم بن عبد الرحمن الـمُحَاربي([25])، وغيرهم.

اختلفوا في أمره اختلافاً كبيراً، على خمسة أقوال:

1) من وثقه مطلقاً، وهم: هُشَيْم بن بشير، وعَفَّان، ويحيى بن معين في أكثر ما روي عنه، وابن شاهين، والحاكم، والهيثمي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وأضاف: "وكان يخطئ".

2) من وثقه إذا صرح بالسماع، وهم: يحيى بن سعيد القطان في رواية، وعبد الله بن المبارك، وأبو زرعة، وأبو داود، وابن حجر.

3) من توسط في أمره فأنزله عن مرتبة الثقة، مع اختلاف ألفاظهم، وهم: يحيى بن معين في رواية، والعجلي، والبزار، وابن عدي، والذهبي.

4) من احتج به إذا صرح بالتحديث عن الحسن البصري فقط، وهم: يحيى بن سعيد القطان في رواية، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل في رواية.

5) من ضعفه مطلقاً، وهم: ابن سعد، ويحيى بن معين في رواية، وأحمد بن حنبل والدارقطني، والعُقَيلي، وابن الجَارود.

قال في "تقريب التهذيب": "صدوق يدلس ويُسَوّي"([26]).

في مثل هذا الاختلاف، قد يحتار الباحث في محاولة الجمع أو الترجيح.

الذي يظهر أن الأقرب في حاله أنه صدوق يدلس، فلا يُقْبل حديثه إذا عنعن  حتى يصرح بالسماع؛ لأن هذا هو الرأي الوسط، ولأن الأكثر على تعديله، قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "هو حسن الحديث، ولم يذكره ابن حبان في الضعفاء، وكان من أوعية العلم".

أما التدليس، فقد وضعه الحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من مراتب التدليس التي يلزم فيها التصريح بالسماع. والله أعلم

توفي سنة: 165ه، وروى له البخاري تعليقاً، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه([27]).

4. عبيد الله بن عمر: هو ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القُرَشي العُمَري، أبو عثمان المدني.

روى عن: خاله خُبَيْب بن عبد الرحمن، وثابت البُنَاني، وحُمَيْد الطَويل، وغيرهم.

وعنه: مُبَارَك بن فَضَالة، وجَرير بن حازم، وجَرير بن عبد الحميد، وغيرهم.

أجمعوا على توثيقه، وهو أحد الفقهاء السبعة([28]).

قال في "الكاشف": "الفقيه الثبت"، وقال في "تقريب التهذيب": "ثقة ثبت".

توفي سنة: 144و قيل 145ه، وروى له الجماعة([29]).

5. خُبَيب([30])، ابن عبد الرحمن: هو ابن خُبَيب بن يَسَاف الأنصاري الخزرجي      أبو الحارث المدني.

روى عن: حَفْص بن عاصم، وعبد الله بن محمد بن مَعَن، وأبيه عبد الرحمن بن خبيب، وغيرهم. وعنه: عُبَيد الله بن عمر، وشُعْبة بن الحَجَاج، وعبد الله بن عمر غيرهم.

وثقه من الأئمة ابن سعد، ويحيى بن معين، وابن شاهين، والنسائي.

وقال أبو حاتم: "صالح الحديث".

قال في "تقريب التهذيب": "ثقة".

والصواب أنه ثقة؛ لتوثيق الأئمة له، أما قول أبي حاتم: "صالح الحديث" فهو من المتشددين رحمه الله.

توفي سنة: 132ه، وروى له الجماعة([31]).

6. حَفْص بن عاصم: هو ابن عمر بن الخطابt.

روى عن: أبي هريرة، و عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبي سعيد الخدري y وغيرهم، وعنه: عمر بن حفص بن عاصم، وعمر بن محمد بن زيد، وعيسى بن حفص بن عاصم، وغيرهم.

مجمع على توثيقه.

قال في "الكاشف"، وفي "تقريب التهذيب": "ثقة".

توفي سنة: 91، وقيل100ه، وروى له الجماعة([32]).

الحكم على الحديث:

هذا الحديث بهذا الإسناد حسن؛ لأن فيه مُبَارك بن فَضَالة، وهو صدوق على الصحيح، وإن كان يدلس فقد صرح بالسماع في هذا الإسناد. والله أعلم.

الحديث السابع والعشرون

قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر، عن عاصم، عن أبي وائل قال: قال حذيفة t قال: بينا أنا أمشي في طريق المدينة إذا رسول r فسمعته يقول: "أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ".

تخريج الحديث:

الحديث مداره على عاصم ابن أبي النُجُود، واختلف عليه على وجهين:

·     الوجه الأول: عاصم عن أبي وائل عن حذيفة t.

·     الوجه الثاني: عاصم عن زِرْ بن حُبَيْش عن حذيفة t.

v    راوي الوجه الأول:

 أبو بكر بن عياش: هو ابن سالم الأسدي الكوفي المقرئ، اختلف في اسمه الأول وقيل عبد الله، قيل شعبة، وقيل غير ذلك ورجح ابن حبان، والمزي، وابن حجر أن اسمه كنيته، قال أبو حاتم الرازي: سألت إبراهيم بن أبي بكر بن عياش عن اسم أبيه فقال: اسمه وكنيته واحد.

روى عن: عاصم بن بَهْدلة، وحَبيب بن أبي ثابت، وحُميد الطويل، وغيرهم.

وعنه: الأسود بن عامر، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم.

وثقه من الأئمة، ابن سعد، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، والعجلي، وقال أحمد بن حنبل مرة: "صدوق" وزاد في بعض الروايات "وربما غلط"، وقال ابن عدي: "وهو في رواياته عن كل من روى عنه لا بأس به"، وقال ابن أبي حاتم: "قلت لأبي: أبو بكر بن عياش وعبد الله ابن بشر الرقى؟ قال: أبو بكر اوثق منه واحفظ"، قال بن حبان: "كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه"، وضعفه محمد بن عبد الله بن نمير.

قال في "تقريب التهذيب": "ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح".

والراجح كما قال الحافظ ابن حجر؛ وذلك لتوثيق الأئمة له مع ذكرهم لوهمه، أما رأي يحيى بن سعيد القطان، وعلي بن المديني فقد ذكر السبب ابن حبان حيث قال:    "وكان يحيى القطان، وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه؛ وذلك أنه لما كبر سنه ساء حفظه فكان يهم إذا روى والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر فلو كثر خطاءه حتى كان الغالب على صوابه لا يستحق مجانبة رواياته فأما عند الوهم يهم أو الخطأ يخطئ لا يستحق ترك حديثه بعد تقدم عدالته وصحة سماعه". والله أعلم.

توفي سنة: 192، وقيل غير ذلك 194ه، وروى له ([33]).

·    أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده"(38/436/ح23445)، عن أسود بن عامر عن أبي بكر به بلفظه.

·  والترمذي في "الشمائل المحمدية" في باب ما جاء في أسماء الرسول r            (306/ح368) عن محمد بن طريف، به، بلفظه.

v    رواة الوجه الثاني:

1) حماد بن سلمة، وهو ثقة ، وقد تقدمت ترجمته([34]).

·  أخرجها الإمام أحمد في "مسنده" (38/434/ح23443) من طريق عَفَّان بن مسلم، ورَوْح بن عُبَادة، ومن هذا الطريق- رَوْح بن عُبَادة- أخرجه ابن حبان في "صحيحه" في التاريخ، باب من صفته r وأخباره، (14/221/ح6315).

·  والترمذي في "الشمائل المحمدية" في باب ما جاء في أسماء الرسول r           (306/ح369) من طريق النَّضْر بن شُمَيْل.

ثلاثتهم (عَفَّان، ورَوْح، والنَّضْر) عن حماد بن سلمة، به، بنحوه، دون زيادة" وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ".

2) إسرائيل بن يونس: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَبِيعي، أبو يوسف الكوفي.

روى عن: عاصم بن بَهْدَلة، وعاصم الأَحْوَل، وجده أبي إسحاق، وغيرهم، وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، عبد الرزاق بن همّام، وأخيه عيسى، وغيرهم.

وثقه من الأئمة ابن سعد، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وقال مرة: "ثبت الحديث"، والعجلي، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو حاتم، وقال عبد الرحمن بن مهدي: "كان إسرائيل في الحديث ثبتاً، يعني: أنه يتلقف العلم تلقفاً"، وقال يحيى بن معين مرة: "صدوق"، وقال النسائي: "لا بأس به"، وقال يعقوب شيبة: "ثقة صدوق  وليس بالقوي في الحديث، ولا بالساقط"، وقال مرة: "صالح الحديث، وفي حديثه لين" وترك التحديث عنه يحيى بن سعيد القطان، وضعفه علي بن المديني، وابن حزم، وقال عبد الرحمن بن مهدي مرة: "كان لصاً".

قال في "تقريب التهذيب": "ثقة تُكلم فيه بلا حجة".

والراجح أنه ثقة؛ لتوثيق عامة الأئمة له.

 أما ترك يحيى بن سعيد القطان له، فلعل السبب روايته عن القَتّات، وابن مُهَاجِر قال الحافظ ابن حجر: "وقد بحثت عن ذلك فوجدت الإمام أبا بكر بن أبي خيثمة قد كشف علة ذلك وأبانها بما فيه الشفاء لمن أنصف قال بن أبي خيثمة في تاريخه قيل ليحيى بن معين إن إسرائيل روى عن أبي يحيى القتات ثلاثمائة وعن إبراهيم بن مهاجر ثلاثمائة يعني مناكير فقال لم يؤت منه أتى منهما قلت وهو كما قال بن معين فتوجه أن كلام يحيى القطان محمول على أنه أنكر الأحاديث التي حدثه بها إسرائيل عن أبي يحيى فظن أن النكارة من قبله وإنما هي من قبل أبي يحيى كما قال بن معين وأبو يحيى ضعفه الأئمة النقاد فالحمل عليه أولى من الحمل على من وثقوه والله أعلم"، وقال: "فهذا رد لتضعيف القطان له بذلك".

 وأما قول عبد الرحمن بن مهدي: "كان لصاً"([35])، فالذي يظهر أنه لا يريد معناها حقيقة، للأسباب التالية:

أولاً: أنه أثنى عليه فقال: "ثبتاً"، فهل يعقل أن يثني على من كان يسرق الأحاديث؟!.

ثانياً: روايته عنه، ومن عادة الإمام عبدالرحمن بن مهدي أنه لا يروى إلا عن ثقة([36]). والله أعلم.

ثالثاً: قال أبو بكر بن أبي شيبة بعد أن نقل قول عبد الرحمن بن مهدي، السابق: "لم يرد أن يذمه"، وهذه الزيادة لم يذكرها ابن أبي حاتم ولا غيره، وهي موجودة في "العلل ومعرفو الرجال"([37]). ولا شك أن هذا التوضيح يقطع بأن عبد الرحمن بن مهدي، لم يرد الطعن فيه. والله أعلم.

توفي سنة: 160، وقيل161ه، وقيل 162، وروى له الجماعة([38]).

·  أخرجها ابن أبي شيبة في "مصنفه" في الفضائل، باب ما أَعْطى الله تعالى محمد r، (6/311/ح31692)من طريق عبيد الله بن موسى، والبزار، (7/312/ح2912) من طريق إبراهيم، كلاهما(عبيد الله بن موسى، وإبراهيم) عن إسرائيل، به، بمثله، دون ذكر لفظة " وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ".

3) أبو بكر بن عَيَّاش، وقد سبق التعريف به([39]).

·  أخرجها الآجري في "الشريعة" في الإيمان والتصديق بأن الجنة والنار مخلوقتان باب ذكر عدد أسماء رسول اللهr،(3/1485/ح1010) من طري سليمان الشَاذَكُوني([40])  وأيضاً في نفس الكتاب والباب،(3/1486/ح1011)، من طريق أحمد الوَكِيْعي([41]) كلاهما(سليمان الشَاذَكُوني، وأحمد الوَكِيْعي) عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، به بمثله.

الراجح:

الذي يظهر لي أن الوجه الثاني هو المحفوظ، للأسباب التالية:

أولاً: العدد، فرواة هذا الوجه عن عاصم اثنان، بخلاف الوجه الأول فقد تفرد به أبوبكر بن عياش، ثم أنه وافقهم على هذا فيما أخرجه الآجري في "الشريعة" كما مر سابقاً.

ثانياً: الحفظ، فالراويان- حماد بن سَلَمة، وإسرائيل بن يونس- من الحفاظ الثقات. 

ثالثاً: ترجيح البَزَّار للوجه الثاني. والله أعلم.

ترجمة بقية الإسناد:

1. أَسْود بن عَامر: ابن شَاذان، أبو عبد الرحمن الشامي.

روى عن: أبي يكر بن عَيَّاش، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وغيرهم، وعنه: أحمد بن حنبل، وعباس بن محمد الدوري، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وغيرهم.

وثقه من الأئمة، يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وقال أبو حاتم: "صدوق صالح الحديث".

قال في: "تقريب التهذيب": "ثقة".

والصواب أنه ثقة؛ لتوثيق الأئمة له، وأبو حاتم معروف بتشدده.

توفي سنة: 208ه([42]).

2. هو عاصم بن بَهْدَلَة بن أبي النُجُود أبو بكر الكوفي.

روى عن: أبي وائل شَقِيْق بن سَلَمَة، وأبى عبد الرحمن السُلَمي، وزِرْ بن حُبَيْش وغيرهم، وعنه: أبو بكر بن عياش، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وغيرهم.

وثقه من الأئمة ابن سعد وزاد: "إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه"، ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل، والعجلي، وأبو زرعة، ويعقوب بن سفيان وزاد: "في حديثه اضطراب" وابن شاهين، وذكره ابن حبان، في "الثقات"، وقال مرة في "صحيحه": "حافظٌ ثقةٌ متقنٌ"، وقال يحيى بن معين مرة، وقال النسائي: "ليس به بأس"، وقال أبو حاتم: "محله عندي محل الصدق، صالح الحديث ولم يكن بذاك الحافظ"، وكان إسماعيل بن عليه يقول: "كل من كان اسمه عاصماً سيئ الحفظ"، وقال الدار قطني: "في حفظه شيء" وقال العقيلي: "لم يكن فيه إلا سوء الحفظ".

قال في "الكاشف": "وثق"، و قال في "تقريب التهذيب": "صدوق له أوهام".

والراجح أنه صدوق؛ لأن هذا هو الأقرب لحاله، وإن كان وثقه أئمة كبار، إلا أن من طعن فيه ذكر السبب، وهو أخطاء وقع فيها، فأنزلته عن مرتبة الثقة إلى الصدوق ويدل على ذلك صنيع البخاري والإمام مسلم، فقد أخرجا له مقروناً بغيره، والله أعلم.

  أما قول أبي حاتم والعقيلي، فهما من المتشددين، وأما الدارقطني فحكمه كان م قارنة بعاصم الأحول، قال البَرْقانِي: "سَمِعْتُ الدارقطِي يقول عاصم الأحول عداده في البصريين، وعاصم بن أبي النُجُود في الكوفيين، والأحول أثبت، ثم قال لي ابن أبي النُجُود في حفظه شيء".

وما ذكره حماد بن سَلَمة من أنه اختلط في آخره فلم يقل به غيره، ثم لم يذكر أنه حدث بعد الاختلاط، مما يدل على أن الأمر لو كان حقيقة فهو لا يؤثر. والله أعلم. 

توفي سنة: 128ه، وروى له البخاري والإمام مسلم مقروناً بغيره، وأهل الأربعة([43]).

3. أبو وائل: هو شَقِيق بن سَلَمة، الأَسَدي الكوفي.

روى عن: حُذَيفة بن اليَمَان، أُسَامة بن زيد، والبراء بن عازب y، وغيرهم، وعنه: عاصم بن بهدلة، وسعيد بن مسروق الثوري، وسليمان الأعمش، وغيرهم.

الأئمة على توثيق.

وقد ذكره ابن الأثير وغيره في الصحابةy، والصواب أنه أدرك زمن النبيr ولم يره كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر في "الإصابة".

توفي سنة: 82ه، وقيل في خلافة عمر بن الخطاب t([44]).

الحكم على الحديث:

الحديث به الإسناد حسن؛ لأن فيه عاصم بن بهدلة وهو صدوق، وله شواهد ترتقي به إلى الصحيح، وهي موجودة في هذا المبحث. والله أعلم.

الحديث الثامن والعشرون

قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا صفوان قال: حدثنا عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَيْر، عن أبيه، عن عوف بن مالك t قال: انطلق النبي r يوماً وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة، يوم عيد لهم، فكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله r: "يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَرُونِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً يَشْهَدُونَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، يُحْبِطِ اللَّهُ عَنْ كُلِّ يَهُودِيٍّ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الْغَضَبَ، الَّذِي غَضِبَ عَلَيْهِ"، قال: فأسكتوا ما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم فلم يجبه أحد، ثم ثلث فلم يجبه أحد، فقال: "أَبَيْتُمْ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَنَا الْحَاشِرُ، وَأَنَا الْعَاقِبُ، وَأَنَا النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى، آمَنْتُمْ أَوْ كَذَّبْتُمْ". ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا: كما أنت يا محمد. قال: فأقبل، فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك، ولا أفقه منك، ولا من أبيك قبلك، ولا من جدك قبل أبيك. قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله، الذي تجدونه في التوراة، قالوا: كذبت، ثم ردوا عليه قوله، وقالوا فيه شراً، قال رسول الله r: "كَذَبْتُمْ لَنْ يُقْبَلَ قَوْلُكُمْ، أَمَّا آنِفًا فَتُثْنُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَثْنَيْتُمْ، وَلَمَّا آمَنَ أَكْذَبْتُمُوهُ، وَقُلْتُمْ فِيهِ مَا قُلْتُمْ، فَلَنْ يُقْبَلَ قَوْلُكُمْ". قَالَ: فَخَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ رَسُولُ اللَّهِ r، وَأَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ:﴿ `ÔSTΠ`yST`TÿƒòW¤VK… ÜMX… W܆VÒ óÝYÚ YŸÞYÆ JðY/@… ØSŽó£WÉW{Wè -YãYTŠ (10)﴾". سورة: الأحقاف.

تخريج الحديث:

·     أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(39/409/ح23984).

·     والطبراني في "المعجم الكبير"(18/46 /ح83) من طريق أحمد بن عبد الوهاب.

·  وابن حبان في "صحيحة" في إخباره r عن مناقب الصحابة y، باب ذكر عبدالله بن سَلَام t (16/118/ح7162)، من طريق محمد بن هارون.

·  والحاكم في "المستدرك على الصحيحين"، في معرفة الصحابة y، باب ذكر مناقب عبد الله بن سَلَام الإسرائيليt (3/469/ح5756) من طريق محمد بن عوف بن سفيان وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.

أربعتهم(أحمد بن حنبل، وأحمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن هارون، ومحمد بن سفيان) عن أبي المغيرة، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَيْر، عن أبيه، عن عوف بن مالك t، جميعهم بنفس اللفظ، مع اختلاف بسيط فيما بينهم

 دراسة الإسناد:

1. أبو المغيرة: هو عبد القدوس بن الحجاج، أبو المغيرة الخَوْلاني.

روى عن: صفوان بن عمرو، وبِشْر بن عبد الله، وثابت بن سعد، وغيرهم، وعنه: الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، وغيرهم.

وثقه من الأئمة العجلي، والدارقطني، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال النسائي: "لا بأس به"، وقال أبو حاتم: "صدوق... يكتب حديثه".

قال في "الكاشف"، و"تقريب التهذيب": "ثقة".

والراجح أنه ثقة؛ لتوثيق العجلي، والدارقطني له، أما أبو حاتم، والنسائي، فهما محسوبان من المتشددين. والله أعلم.

توفي سنة:212ه، وروى له الجماعة([45]).

2. صَفْوان: هو ابن عمرو بن هرم السَكْسَكي([46])، أبو عمرو البصري.

روى عن: عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وعبد الرحمن بن عائذ، وعبد الرحمن بن عدي، وغيرهم، وعنه: ابو عبد المغيرة عبد القُدُوس بن الحجاج، و عبد الله بن المبارك وبَقِيّة بن الوليد، وغيرهم.

وثقه من الأئمة عبد الله بن المبارك، وابن سعد، وزاد "مأموناً"، والعجلي، ودُحَيْم وأبو حاتم، والنسائي، وقال يحيى بن معين والإمام أحمد: "ليس به بأس"، وقال أبو حاتم مرة: "لا بأس به"، وقال الدارقطني: "تعتبر به".

قال في "الكاشف": "وثقوه"، وقال في "تقريب التهذيب": "ثقة".

والراجح أنه ثقة؛ لتوثيق عامة الأئمة له.

توفي سنة:155ه، وروى له البخاري تعليقاً، والخمسة([47]).

3. عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَيْر([48]):الحَضْرَمي، أبو حميد، ويقال: أبو حمير.

روى عن: والده جُبَيْر بن نُفَيْر، وأنس بن مالك رضي الله عنهما، وكثير بن مُرَة وغيرهم، وعنه: عبد الله بن هُبَيْرة، وإسماعيل بن عياش، وثور بن يزيد، وغيرهم.

وثقه من الأئمة ابن سعد، وزاد "وبعض الناس يستنكر حديثه"، وأبو زرعة الرازي والعجلي، والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: "صالح الحديث".

قال في "الكاشف"، و"تقريب التهذيب": "ثقة".

والصواب أنه ثقة؛ لتوثيق أبي زرعة وغيره له، أما أبو حاتم فهو متشدد -رحمه الله.

توفي سنة: 118ه، وروى له البخاري في الأدب المفرد، والإمام مسلم، وأصحاب السنن([49]).

4. أبوه: هو جُبَيْر بن نُفَيْر بن مالك بن عامر، أبو عبد الرحمن الحَضْرَمي.

روى عن: عوف بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص y وغيرهم، وعنه: ابنه عبد الرحمن، وخالد بن مَعْدَان([50])، وربيعة بن يزيد، وغيرهم.

أسلم في زمن النبي r، ولم يأت المدينة إلا في خلافة أبي بكر t، وقيل في عهد عمر بن الخطاب t.

الأئمة على توثيقه.  

 قال في "الكاشف": "ثقة"، وقال في "تقريب التهذيب": "ثقة جليل".

توفي سنة: 75، وقيل 80ه، وروى له البخاري في الأدب المفرد، مسلم وأصحاب السنن([51]).

5. عوف بن مالك t: ابن أبي عوف الأَشْجَعي([52])، مختلف في كنيته، قيل أبو عبد الرحمن، وقيل أبو محمد، وقيل غير ذلك.

روى عنه: جُبَيْر بن نُفَيْر، وعبد الرحمن بن عائِذ، وكثير بن مُرَّة، وغيرهم.

آخى النبيّ rبينه وبين أبي الدرداء t.

توفي سنة: 73ه([53]).

الحكم على الحديث:

الحديث بهذا لإسناد صحيح. والله أعلم. 

 معاني المفردات:

 الماحِي: محا الشيء يمحوه ويمحاه محواً ومحياً: أَذْهب أثره، والماحي من أسماء النبيr، والمراد به الذي يمحو الكفر، ويعفي آثاره([54]).

الحاشِر: اسم فاعل من حشر، أي جمع، والمراد الذي يحشر الناس يوم القيامة على أثره، وهذا يدل على أنه ليس بينه وبين القيامة نبي آخر([55]).

العاقِب: آخر، جاء فلان في عقب الشهر، أي: آخره، والمراد في أسماء رسول الله r، آخر الأنبياء، قال ابن فارس([56]): " سمي رسول الله r: " العاقب " لأنه عقب من كان قبله من الأنبياء عليهم السلام وفعلت ذلك بعاقبة، كما يقال بآخرة".([57]).

الـمُقَفْي: في أصل اللغة، المولي الذاهب، والمارد، آخر الأنبياء، فإذا قفى فلا نبي بعده([58]).

الدراسة الموضوعية:

هذه الأحاديث فيها دلالة على أن النبي r خاتم النبيين، ولا نبي بعده من خلال دلالات بعض أسمائه، وصفاته.

معاني هذه الأسماء:

·  العاقِب: وهي في غير رواية حذيفة أي: الذي ليس بعده نبي كما قال ذلك الزهري، وقال ابن منظور: "ومن أسمائهr العاقب أيضاً ومعناه آخر الأنبياء"([59])، وقال ابن القيم([60]): "والعاقب الذي جاء عقب الأنبياء فليس بعده نبي فإن العاقب هو الآخر فهو بمنزلة الخاتم ولهذا سمي العاقب على الإطلاق أي عقب الأنبياء جاء يعقبهم"([61]).

·  الحاشِر: قال النووي([62]): "أنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي... معناها يحشرون على أثري وزمان نبوتي ورسالتي وليس بعدي نبي"([63]).

وقال الحافظ ابن حجر: "وله وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي أي على أثري أي إنه يحشر قبل الناس وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى يحشر الناس على عقبي ويحتمل أن يكون المراد بالقدم الزمان أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة "([64]).

·  الـمُقَفِّي: قال العلامة ابن القيم: "وأما الـمُقَفَّي فكذلك، وهو الذي قفى على آثار من تقدمه، فقفى الله به على آثار من سبقه من الرسل، وهذه اللفظة مشتقة من القفو يقال: قفاه يقفوه: إذا تأخر عنه، ومنه: قافية الرأس، وقافية البيت، فالـمُقَفَّي: الذي قفى من قبله من الرسل فكان خاتمهم وآخرهم"([65]).

فوائد من الأحاديث:

1. أسماؤه r كلها نعوت، موجبة للمدح، قال ابن القيم: "وكلها نعوت ليست أعلاماً محضة لمجرد التعريف، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به توجب له المدح والكمال"([66]).

2. قال ابن القيم: "وأسماؤه r نوعان:

أحدهما: خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل، كمحمد، وأحمد والعاقب، والحاشر والمقفي، ونبي الملحمة.

والثاني: ما يشاركه في معناه غيره من الرسل ولكن له منه كماله، فهو مختص بكماله دون أصله، كرسول الله، ونبيه، وعبده، والشاهد، والمبشر، والنذير، ونبي الرحمة، ونبي التوبة. وأما إن جعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين كالصادق، والمصدوق، والرءوف الرحيم، إلى أمثال ذلك. وفي هذا قال من قال من الناس: إن لله ألف اسم، وللنبي  rألف اسم، قاله أبو الخطاب بن دحية، ومقصوده الأوصاف"([67]).

3. واختلفوا في عدد أسماء النبي r، فمنهم من اقتصرها على هذه الخمسة، ومنهم من زاد، حتى أوصلها إلى الألف، وقد ذكر مجموعة منها العلامة ابن القيم في كتابه الماتع "زاد المعاد"([68])، وقبله القاضي عياض في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"([69]).

4. ذكر بعض أهل العلم علة لتخصيص هذه الأسماء دون غيرها في الأحاديث السابقة، وذكروا من هذه العلل:

أولاً: أنه لا يوجد من تسمى بها قبل النبي r، وما ذُكر من أسماء لمحمد عند العرب قبل النبي r، كان بسبب ما سمعوه من الكهان، أن هناك نبي سوف يخرج اسمه محمد قال الحافظ

  • السبت PM 02:52
    2021-07-03
  • 1186
Powered by: GateGold