المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414815
يتصفح الموقع حاليا : 279

البحث

البحث

عرض المادة

موقف بقية علماء الشيعة

إن ما حدث للمسلمين في بغداد هو نكبة بمعنى الكلمة كما مر معنا

و بهذا يقول بعض  الشيعة  منهم علي الطباطبائي –وان كان فيهم من عد هذا نصر يفرح القلب كالخونساري  وغيره  -

ففي   رياض المسائل ([1])يقول الطبطبائي: (  " أولا " سقوط بغداد : في سنة 656 ه‍ سقطت بغداد حاضرة العالم الإسلامي بيد التتار بقيادة " هولاكو " . وكان سقوط بغداد واحدة من أعظم النكبات التي حلت بالعالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام إلى اليوم الحاضر وكان التخريب الحضاري والثقافي والاقتصادي والسكاني الذي حل بعاصمة العباسيين في هذا الهجوم بمقاييس ذلك التأريخ من أوسع ما حل بالحواضر البشرية ، وقد قدر عدد القتلى في هذه المجزرة الرهيبة كما يقول اليافعي بألف ألف وثمانمائة وكسر وإذا كان في هذا التقدير ثمة شئ من المبالغة فمما لا ريب فيه أن الخسائر البشرية كبيرة جدا " وفادحة بمقاييس الخسائر الحربية في ذلك التاريخ . وقد استمر القتل والنهب سبعة أيام " ثم رفعوا السيف وبطلوا السبي " وقيل : إن القتل والنهب والسبي استمر نيفا " وثلاثين يوما " وقيل : أربعين يوما " . يقول الدكتور حسن إبراهيم حسن : وقد أعمل جند المغول السيف في رقاب أهل بغداد أربعين يوما " سلبوا فيها أموالهم وأهلكوا كثيرين من رجال العلم وقتلوا أئمة المساجد وحملة القرآن وتعطلت المساجد والمدارس والربط ، وأصبحت المدينة قاعا " صفصفا " ، ليس فيها إلا فئة قليلة مشردة الأذهان . .... فقد كانت بغداد مركزا " من أعظم مراكز الإشعاع الفكري في العالم كله في ذلك التاريخ من دون مبالغة ، وقد أحرق التتار كلما وجدوا في بغداد من علم ومن مراكز للعلم ، كما قتلوا كل من عثروا عليه من العلماء أو كل من كان في بغداد من العلماء ، وليس بإمكان أحد أن يقدر ضخامة الخسارة التي لحقت بالفكر والثقافة الإسلامية والبشرية في هذه النكبة . يقول قطب الدين الحنفي : تراكمت الكتب التي ألقاها التتار في نهر دجلة حتى صارت معبرا " يعبر عليه الناس والدواب واسودت مياه دجلة بما القي فيها من الكتب

أقول وبعد الذي سمعته  إذا بك تسمع من الطرف الآخر من يحدثك عن  نهضته التي بدأت وعن الازدهار الذي لحق مذهبه والأعداد الكبيرة  لمجتهديه والذي لا أدري أين كانوا عند المعركة ولماذا لم يكونوا من ضمن  الذين قتلوا  .

أقول كل هذا يجعلنا نلتفت لحال الشيعة بعد دخول المغول وخاصة بعد الاستيلاء على بغداد مباشرة وهل أصابهم ما أصاب غيرهم  وإليك هذه النصوص التي  توضح شيء من  حالهم ابن الغزو المغولي :

قال ابن العبري([2]): (  وأمر هولاكو البتيكتجية ليكتبوا على السهام  بالعربية : إن الأركاونية  - نسبة إلى دهقان -  والعلويين والداذنشمدية وبالجملة  كل من ليس يقاتل  فهو آمن  على نفسه  وحريمه  وأمواله ) .

 وقد يقال إن هذا لتفريق الصف فيقال لعل هذا  صحيح لكن كونه يدخل الشيعة  معهم دليل على معرفته قابليتهم  للتعاون معه  وخيانة الخلافة

ويحدثنا  علي الطباطبائي ([3])عن  تحركات الشيعة وموقفهم من الغزو المغولي في أهم المدن الشيعية القريبة من بغداد – الحلة -   فيقول: (  وكانت مدينة الحلة يومذاك ... مركزا " معروفا " للشيعة يسكنها في أوان هذه المحنة علماء بارزون من الشيعة من أمثال المحقق الحلي والإمام سديد الدين يوسف بن علي بن مطهر - والد العلامة - والإمام رضي الدين ابن طاووس والسيد مجد الدين محمد بن الحسن بن طاووس والفقيه ابن أبي العز ، وغيرهم من رجال ... فأدرك هؤلاء ضرورة التحرك السريع لدرء الخطر المقبل ، وامتصاص ضراوة التتار ونقمتهم ، والعمل على دفع هجوم التتار من سائر بقاع العراق ، ولا سيما المراكز الدينية منها . ... فاستقر رأي علماء الشيعة وعلمائها في الحلة([4]) على أن يكتبوا إلى هولاكو كتابا " يطلبون منه الأمان للحلة وما والاها من المناطق .

 الوفد الأول : يقول العلامة الحلي - رحمه الله - في كتابه " كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين " : لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر الحلة إلى الطبائح إلا القليل ، فكان من جملة القليل والدي - رحمه الله - والسيد مجد الدين ابن طاووس والفقيه ابن أبي العرفاء ، اجتمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت الايلية ، وأنفذوا به شخصا " أعجميا " ، فأنفذ السلطان إليهم فرمانا " مع شخصين أحدهما يقال له : نكلة ، والآخر يقال له : علاء الدين ، وقال لهما : قولا لهم : إن كانت قلوبكم كما وردت به كتبكم تحضرون إلينا ، فجاء الأمير أن فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه . فقال والدي - رحمه الله - : إن جئت وحدي كفي ؟ فقالا : نعم ، فاصعد معهما . فلما حضر بين يديه وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة قال له : كيف قدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا بما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم ؟ وكيف تأمنون أن يصالحني ورحلت عنه ؟ فقال والدي : إنما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال في خطبته : الزوراء ، وما أدراك ما الزوراء ، أرض ذات أثل يشيد فيها البنيان ، وتكثر فيها  السكان ، ويكون فيها مهادم وخزان ، يتخذها ولد العباس موطنا " ، ولزخرفهم مسكنا ، تكون لهم دار لهو ولعب ، يكون بها الجور الجائر والخوف المخيف و الأئمة الفجرة والأمراء الفسقة والوزراء الخونة ، تخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأمرون بمعروف إذا عرفوه ، ولا يتناهون عن منكر إذا نكروه ، تكتفي الرجال منهم بالرجال والنساء بالنساء ، فعند ذلك الغم العميم والبكاء الطويل والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك ، وهم قوم صغار الحدق ، وجوههم كالمجال المطوقة ، لباسهم الحديد ، جرد مرد ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم ، جهوري الصوت ، قوي الصولة ، عالي الهمة ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ، ولا ترفع عليه راية إلا يكشفها ، الويل الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر . فلما وصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم رجوناك فقصدناك ،"

أليس هذا  تشجيعا لهذا الطاغية على الاستمرار في قتاله ؟!!.

ويتابع القصة ويقول : " فطيب قلوبهم ، وكتب لهم فرمانا " لهم باسم والدي - رحمه الله - يطيب فيه قلوب أهل الحلة وأعمالها.

الوفد الثاني : وهناك رواية أخرى بشأن الوفد الذي التقى هولاكو من مدينة الحلة ، وبناء على هذه الرواية يتكون الوفد من جمع من وجهاء العلويين بصحبة السيد مجد الدين ابن طاووس الذي ألف فيما بعد كتاب " البشارة " وأهداه إلى السلطان المغولي درء لشره وأذاه عن المسلمين . وهذه الرواية يرويها المؤرخ المعروف ابن الفوطي في " الحوادث الجامعة " . ولما كانت الرواية الأولى من رواية العلامة الحلي وهو شاهد وحاضر في هذه القصة ، وكان الأمر يتعلق بوالده الإمام سديد الدين ابن المطهر ، وليس لدينا من سبب للتشكيك في إسناد كتاب " كشف اليقين " إلى العلامة الحلي .... كمالا سبيل للتشكيك في رواية ابن الفوطي ، فإن الشيخ كمال الدين عبد الرزاق ابن الفوطي عاصر هذه الكارثة ( 646 - 700 هـ‍ ) وهو راوية ثقة وليس من سبيل للتشكيك في صحة روايته . وعليه فنحن نتصور أن الحلة أوفدت إلى هولاكو وفدين ، وليس وفدا " واحدا " : الوفد الأول برئاسة الإمام سديد الدين ابن المطهر والد العلامة - رحمهما الله - ( أو الإمام سديد الدين وحده كما يظهر من رواية العلامة ) . والوفد الثاني برئاسة السيد مجد الدين ابن طاووس صاحب كتاب " البشارة " . وكان الوفد الثاني وفدا " كبيرا " يتكون من جمع من وجهاء العلويين ، يترأسهم السيد مجد دين السيد مجد الدين ابن طاووس ، ويبدو أن هذا الوفد التقى هولاكو بعد أن اطمأنوا إلى هولاكو ، ومهما يكن من أمر فسوف نستعرض قصة الوفد الثاني برواية ابن الفوطي

يروي ابن الفوطي أنه في سنة ست وخمسين وستمائة سار السلطان هولاكوخان من بلاده نحو بغداد ، وكان أهالي الحلة والكوفة قد انتزحوا إلى البطائح بأولادهم وما قدروا عليهم من أموالهم ، وحضر أكابر من العلويين والفقهاء مع مجد الدين ابن طاووس العلوي إلى حضرة السلطان وسألوا حقن دمائهم فأجاب سؤالهم وعين لهم شحنة , فعادوا إلى بلادهم وأرسلوا إلى من في البطائح من الناس يعرفونهم لهم شحنة ، فعادوا إلى بلادهم ، وأرسلوا إلى من في البطائح من الناس يعرفونهم ذلك ، فحضروا بأهليهم وأموالهم وجمعوا مالا عظيما " وحملوه إلى السلطان ويقول النسابة الشهير السيد جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين المعروف بابن عنبة المتوفى سنة (828) في ترجمة مجد الدين ابن طاووس : خرج إلى السلطان وصنف له كتاب " البشارة " وسلم الحلة والنيل والمشهدين الشريفين من القتل والنهب  -أماكن شيعية فقط -، ورد إليه حكم النقابة بالبلاد الفراتية ، فحكم في ذلك قليلا " ثم مات

الوفد الثالث : وهناك وفد ثالث أعظم منهما ترأسه الإمام الزاهد رضي الدين ابن طاووس - رحمه الله - وقد صحبه في هذا الوفد نحو ألف من الناس . ويظهر من الرواية أن السيد رضي الدين التقى هولاكو هنا المرة برغبة من هولاكو نفسه ، وقد أولاه هولاكو في هذه المقابلة نقابة العلويين ، ولنذكر الحديث برواية رضي الدين ابن طاووس - رحمه الله - نفسه في كتابه الكبير " الإقبال " : فصل فيما نذكره عن يوم الثامن والعشرين من محرم ، وكان يوم الاثنين سنة ست وخمسين وستمائة فتح ملك الأرض بغداد ، وكنت مقيما " بها في داري بالمقيدية ، وبتنا في ليلة هائلة من المخاوف الدنيوية ، فسلمنا الله جل جلاله من تلك الأهوال ، ولم نزل في حمى السلامة الإلهية وتصديق ما عرفناه من الوعود النبوية . . . إلى أن استدعاني ملك الأرض إلى دركاته في صفر وولاني على العلويين والعلماء والزهاد ، وصحبت معي نحو ألف نفس ومعنا من جانبه من حمانا ، إلى أن وصلت الحلة ظافرين بالآمال ، وقد قررت مع نفسي أنني اصلي في كل يوم من مثل اليوم المذكور ركعتي الشكر للسلامة من ذلك المحذور" ([5]) .

ويقول الهمذاني  ([6]):" وأثناء حصار بغداد  كان قد قدم إليه  بعض العلويين  والفقهاء  من الحلة –كلها شيعة – و التمسوا إليه أن يعين لهم شحنة ، فأرسل إليهم هولاكوخان بوكله والأمير بجلي النخجواني ، وأوفد على أثرهما  بوقاتيمور أخا اولجاي خاتون لجس نبض أهالي الحلة والكوفة وواسط ، والوقوف على مدى إخلاصهم فاستقبل أهل الحلة الجند ،و أقامو جسرا على الفرات  وأقاموا الأفراح ابتهاجا بقدومهم ولما شاهد بوقاتيمور إخلاصهم وثباتهم رحل في العاشر من صفر  وتوجه إلى واسط فبلغها  في السابع عشر  ولكن أهلها  لم يدخلوا في الطاعة  فقتل ما يقرب من أربعين  ألف شخص .... وألتمس الأمير سيف الدين البيتكجي إلى الحضرة أن يرسل مائة مغولي إلى النجف ليحافظوا على مشهد أمير المؤمنين رضي الله عنه وعلى أهل تلك البلدة  " .  

 

وهكذا نرى  هذه الحماية تحوط أماكن الشيعة  بعد تمكن الجيش المغولي ثم يأتي من يستدل لنزاهة الوزير بمن قتل من العلويين والشيعة  في بغداد([7])

وهذا  يعلم بطلانه  لأن الحرب  يحدث فيها من الأخطاء الشيء الكثير  خاصة إذا راعيت طبيعة المغول الهمجية  واستباحتهم العامة  للمدن .

و أيضا إن طبيعة العلاقة بين  الوزير و هولاكو كانت سرية  مما يجعل بعض الشيعة والعلويين  يتصرف مع المغول التصرف  الطبعي من الدفاع عن نفسه  فيقتل    وقد سبق معنا  كيف أنقذ ابن العلقمي  زميله  ابن أبي الحديد لما أمر المغول بقتله وأخيه  ([8]) أو أن منهم من لم يكن يرضى بهذه الخيانة  الدنيئة ولا علم بها .

وقد ذكرالمظفر ([9]):"   ذهاب  الوفد الشيعي  برئاسة ابن طاووس  وقال المظفر أيضا ([10]):" فسلمت الحلة والمشهدان المقدسان " وأنظر ص 213  وقال فيها  " وكلها شيعة " .

  وابن طاووس هذا - له هذا الفتوى والتي في  هامش كتاب الإمام جعفر الصادق  لعبد الحليم الجندي  ص 324 قال : " لما فتح هولاكو بغداد استفتى العلماء : أيهما أفضل . السلطان الكافر العادل أو السلطان المسلم الجائر ؟ فجمعوا لذلك بالمدرسة المستنصرية . وكان على بن طاووس حاضرا . وهو المقدم المحترم . فتناول الفتيا ووضع خطه عليها بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر . ووضع العلماء خطوطهم على ذلك ." 

 ومما يذكر هنا أن " عامة أهل بغداد بعد استسلام الخليفة أرسلوا شرف الدين المراغي  وشهاب  الدين الزنكاني  ليأخذ لهم الأمان " ولكن هل كان لهم ما كان لأهل الحلة وغيرها من أماكن الشيعة  لا بل كان مصيرهم  النهب والسلب والقتل ([11]) .

ومما يجد التنبيه عليه  احتجاجهم لعدم مناصرتهم للخليفة بان الحديث الذي ذكره الحلي  هو في هذه الواقعة   فإن لم يكن يعتقد أن هذا التأويل للحديث   صحيحا فهو تحريف للدين –الذي يدين به هو -  وتلاعب وان كان يؤمن به إيماننا جازما   فالدافع إذا  لتعاونهم مع المغول شرعي بحسب نظرتهم لان الخليفة استحق العقاب الإلهي ولم تكن القضية حماية الأنفس ومما يلاحظ إن هذا كان منهم قبل دخول بغداد  وقبل مقتل الخليفة حتى أن هولاكو راجعهم في ذلك لينظر صدقهم في  طلبهم  ولما دللوا لرأيهم بالرواية  التي عندهم  صدقهم 

وهذا ليست الرواية الوحيدة التي يستدلون بها على استحقاق الخلافة للسقوط بل ذكر المجلسي ([12]):" عن أبي بصير قال : كنت مع أبي جعفر عليه السلام جالسا في المسجد إذ أقبل داود ابن علي ، وسليمان بن خالد ، وأبو جعفر عبد الله بن محمد أبو الدوانيق ، فقعدوا ناحية من المسجد فقيل لهم : هذا محمد بن علي جالس فقام إليه داود بن علي وسليمان بن خالد ، وقعد أبو الدوانيق مكانه ، حتى سلموا على أبي جعفر عليه السلام فقال لهم أبو جعفر : ما منع جباركم من أن يأتيني ؟ فعذروه عنده ، فقال عند ذلك أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام : أما والله لا تذهب الليالي و الأيام ، حتى يملك ما بين قطريها ثم ليطأن الرجال عقبه ، ثم ليذلن له رقاب الرجال ، ثم ليملكن ملكا شديدا . فقال له داود بن علي : وإن ملكنا قبل ملككم ؟ قال : نعم يا داود إن ملككم قبل ملكنا وسلطانكم قبل سلطاننا فقال له : أصلحك الله هل له من مدة  فقال : نعم يا داود والله لا يملك بنو أمية يوما إلا ملكتم مثليه ، ولا سنة إلا ملكتم مثليها ، ولتتلقفها الصبيان منكم ، كما تتلقف الصبيان الكرة ، فقام داود ابن علي من عند أبي جعفر عليه السلام فرحا يريد أن يخبر أبا الدوانيق بذلك ، فلما نهضا جميعا هو وسليمان بن خالد ، ناداه أبو جعفر عليه السلام من خلفه : يا سليمان بن خالد لا يزال القوم في فسحة من ملكهم ، ما لم يصيبوا منا دما حراما ، وأومأ بيده إلى صدره ، فإذا أصابوا ذلك الدم فبطن الأرض خير لهم من ظهرها ، فيومئذ لا يكون لهم في الأرض ناصر ، ولا في السماء عاذر . ثم انطلق سليمان بن خالد فأخبر أبا الدوانيق ، فجاء أبو الدوانيق إلى أبي جعفر عليه السلام فسلم عليه ثم أخبره بما قال له داود بن علي وسليمان بن خالد فقال له : نعم يا أبا جعفر ، دولتكم قبل دولتنا ، وسلطانكم قبل سلطاننا ، سلطانكم شديد عسر لا يسر فيه ، وله مدة طويلة ، والله لا يملك بنو أمية يوما إلا ملكتم مثليه ولا سنة إلا ملكتم مثليها ، ولتتلقفها صبيان منكم فضلا عن رجالكم ، كما تتلقف الصبيان الكرة أفهمت ؟ ثم قال : لا تزالون في عنفوان الملك ترغدون فيه ، ما لم تصيبوا منا دما حراما ، فإذا أصبتم ذلك الدم غضب الله عزوجل عليكم فذهب بملككم وسلطانكم ، وذهب بريحكم ، وسلط الله عليكم عبدا من عبيده أعور ، و ليس بأعور من آل أبي سفيان ، يكون استئصالكم على يديه وأيدي أصحابه ، ثم قطع الكلام. ( ثم قال المجلسي ) .  قوله عليه السلام : ما لم تصيبوا منا دما حراما : المراد إما قتل أهل البيت عليهم السلام و إن كان بالسم مجازا بأن يكون قتلهم عليهم السلام سببا لسرعة زوال ملكهم ، وإن لم يقارنه أو لزوال ملك كل واحد منهم فعل ذلك أو قتل السادات الذين قتلوا في زمان الدوانيقي والرشيد وغيرهما . ويحتمل أن يكون إشارة إلى قتل رجل من العلويين قتلوه مقارنا لانقضاء دولتهم ، كما يظهر مما كتب ابن العلقمي إلى نصير الدين الطوسي رحمهما الله قوله عليه السلام : وذهب بريحكم : قال الجوهري قد تكون الريح بمعنى الغلبة و القوة ، ومنه قوله تعالى " وتذهب ريحكم " قوله عليه السلام أعور أي الدني الأصل السيئ الخلق ، وهو إشارة إلى هلاكو ، قال الجزري فيه لما اعترض أبو لهب على النبي صلى الله عليه وآله عند إظهار الدعوة قال له أبو طالب : يا أعور ما أنت وهذا ؟ لم يكن أبو لهب أعور ولكن العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه أعور ، وقيل إنهم يقولون للردي من كل شيء من الأمور والأخلاق أعور وللمؤنث عوراء . قوله عليه السلام : وليس بأعور من آل أبي سفيان : أي ليس هذا الأعور منهم بل من الترك ."   .

فالمنطلقات شرعية شيعية بحتة  وزادها الحقد على الخلافة ما جرى في الكرخ

وعندما يذكر  الطبطبائي  القتل للعلماء وأئمة المساجد و....و.. فإن هذا لا يشمل الشيعة  لماذا ؟

 لأنه  بعد العزو  مباشرة  يتكلمون عن عصر الازدهار والنمو لمذهبهم .

فيقول  علي الطباطبائي ([13]):مدرسة الحلة : كان واحدا " من أبرز نتائج الخطة التي رسمها علماء الشيعة لمواجهة الغزو المغولي أن المغول لم يتمكنوا من القضاء على العلم في بغداد . فقد كانت بغداد أعظم مراكز العلم في العالم الإسلامي على الإطلاق ، ولو كان التخريب الذي أصاب سائر مرافق الحياة في بغداد كان يصيب مراكز العلم في بغداد لعظمت محنة المسلمين في هذه الكارثة أضعافا " مضاعفة . ولكن الذي حدث أن الحلة استطاعت أن تكسب أمان السلطان المغولي ، واستطاع علماء الشيعة أن ينقلوا ما تبقى من مراكز العلم والكتب والعلماء في بغداد إلى الحلة ، وكان للمحقق نصير الدين الطوسي - رحمه الله - الذي احتبسه السلطان لنفسه والذي كان يحضى باحترام كبير من قبل هولاكو الدور الكبير في إنقاذ ما أمكن إنقاذه من العلماء والمكتبات في بغداد وقد أصبحت الحلة منذ هذا التاريخ مركزا " علميا " من كبريات مراكز العلم في العالم الإسلامي ، وازدهرت هذه المدينة بالفقهاء والمحدثين والمفسرين والحكماء والأدباء والشعراء وبالمدارس العلمية ، وحفلت هذه المدارس بأعداد كبيرة من شباب الطلبة الوافدين إلى الحلة من الشام وإيران والمدن العراقية والجزيرة . وقد بنى السيد فخار بن معد الموسوي مجمعا " سكنيا " لطلبة العلوم الإسلامية وكان يحضر درس المحقق الحلي كما يقول السيد الصدر - على ما في أعلام العرب أربعمائة من المجتهدين الجهابذة  - وهكذا نعلم من العلماء والفقهاء الذين قتلوا - .... وكانت الحركة العلمية في عصره بلغت شأوا " عظيما " حتى صارت الحلة من المراكز العلمية في البلاد الإسلامية. وهذه الفترة التي نتحدث عنها الفترة هي التي تعقبت كارثة سقوط بغداد مباشرة .... ويقول السيد الصدر أيضا " عن الحلة في نفس العصر عن تلامذة العلامة الحلي - رحمه الله - : وخرج عن عالي مجلس تدريسه خمسمائة مجتهد .... ولا نريد أن نطيل الحديث في مدرسة الحلة فإن هذه المدرسة جاءت بديلا عن مدرسة بغداد وخليفة لها وحلت محلها ، واستطاعت ان تجتذب ما تناثر من بغداد من العلم والعلماء بعد كارثة سقوط بغداد . " .

قال محمد المظفر([14]):"وصار التشيع  بعد أيام العباسية يقوى في العدة والعدد والمذهب  في بغداد "  .

ولكثرة اهتمام  هولاكو بالمذهب الشيعي ظن بعضهم أنه قد تشيع

 من هؤلاء عبدالرسول الغفاري([15]):حيث يقول"توالت الأحداث على بغداد فالتجأ الشيعة فيها إلى أن يتقوا خصومهم ، ويدفعوا شرهم بمختلف الأساليب ، ومع ذلك لم يسلموا من بطشهم والفتك بهم إلى أن جاء المغول ،ودخول هولاكو الذي لم يكن ليقيم وزنا للعقائد والأديان من قبل،ثم اهتدى حتى أصبح زمنه باعثا لانتشار التشيع مرة أخرى، وقد اعتنق بعض ملوك المغول مذهب التشيع،كنيقولاوس بن آرغون بن بغا بن هولاكو " .  

وفي مقدمة خلاصة الأقوال([16]) للحلي يقول  المحقق :" ألف السيد مجدالدين محمد بن طاووس كتاب البشارة وأهداه إلى هولاكو ، فأنتجت هذه الخطوة أن رد هولاكو شؤون النقابة إلى هذا السيد ، وبعدها قام الخواجه نصير الطوسي بإقناع هولاكو باعتناق الدين الإسلامي ، فاسلم هولاكو ومن معه من المغول" .  

وكذلك في مقدمة كتاب([17]) :"  يقول :" وأثمرت هذه الخطوة ببركة نصير الدين الطوسي أن أسلم الملك هولاكو وكثير من المغول ".

ويرد على هؤلاء  شيخهم محمد المظفر ([18])حين يقول "  ولما أطلق هولاكو للأديان والمذاهب الحرية ، ومنها مذهب أهل البيت  ولم يتعرض بسوء  لأهل الحلة  والمشهدين الشريفين  ... وكلهم شيعة ، حسب البعض انه اسلم واعتنق مذهب التشيع إلا أن ذلك وهم " .

ومقصودنا  تصور مدى النفوذ الذي بلغه هؤلاء بعد الاستيلاء على بغداد  ومدى الحظوة التي نالوها في بلاط المغول  مما يجعلنا نتساءل لماذا ؟ وألم يكن هذا   مقابل الإخلاص والولاء  !!

بهذا يظهر بجلاء موقف الشيعة المتخاذل بل المستفيد من دخول المغول لبغداد مقدمين مصالحهم المذهبية على مصلحة المسلمين  فتكون الصورة واضحة لذي عينين في أن موقف ابن العلقمي والطوسي المستغل بل المستحث للغزو المغولي ليس ببدعا أو شاذا عن الموقف الشيعي العام  في العراق

 

([1])  2/ 7  .

([2]) تاريخ مختصر الدول ص 237،و أعيان الشيعة 9/88   .

([3])  كتابه رياض المسائل (2/ 21- 25)   .

([4])  وهذا في رد على من شكك في سعي علماء الشيعة لهادنة ومصالحة هولاكو بحجة أن المصادر التي ذكرتها سنية. انظر:سقوط الدولة العباسية لسعد الغامدي ص 331- 332   .

([5]) انظر: الحوادث الجامعة لابن الفوطي ص 360 ،منتهى الطلب للحلي  3/ 14  .

([6])  جامع التواريخ ص295-296 وممن نقل هذا الفرح العارم  محقق الدروس للشهيد الأول: 1/13، و صاحب كتاب تاريخ العراق بين احتلالين: 1 / 205 - 206 ".

([7])  انظر الغزو المغولي لحسن الأمين ص102 .

([8])  سبقت في ص  .

([9]) تاريخ الشيعة ص94  .

([10])   ص94 .

([11]) على ما مر في أول الرسالة ص  ، وانظر مختصر تاريخ الدول لابن العبري ص 237  .

([12])  بحار الأنوار ( 46 /341)  .

([13])  رياض المسائل (2/27)  .

([14]) انظر: تاريخ الشيعة ص77 .

([15])  الكليني والكافي ص 77  .

([16]) ص 7   .

([17])  مختلف الشيعة - العلامة الحلي ( 1/15)  .

([18])  تاريخ الشيعة ص 213  .

  • الاحد PM 01:26
    2021-05-23
  • 1632
Powered by: GateGold