المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415987
يتصفح الموقع حاليا : 336

البحث

البحث

عرض المادة

شهادة عروة بن مسعود الثقفي عندما رجع من عند رسول الله في صلح الحديبية

شهادة عروة بن مسعود الثقفي عندما رجع من عند رسول الله في صلح الحديبية

يقول ابن هشام : فقام ، اي عروة بن مسعود من عند رسول اللهr  وقد رأى ما يصنع به اصحابه ، لا يتوضأ إلاّ ابتدروا وضوءه ، ولا يبصق بصاقا إلاّ ابتدروه ، ولا يسقط من شعره شيء الاّ أخذوه فرجع الى قريش فقال: يا معشر قريش ، إني قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشي في ملكه،   وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه ! ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيءٍ أبداً فروا رأيكم. [1]

  • قول عمر بعد صلح الحديبية: مازلت اتصدق واصوم واصلي واعتق من الذي صنعت يومئذ ، مخافة كلامي الذي تكلمت به ، حين رجوت ان يكون خيرا:

 قال الحافظ ابن حجر: "وفي رواية ابن إسحاق[2]  وكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي، وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به.

وعند الواقدي [3] من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري قال عمر: "لقد أعتقت بسبب ذلك رقاباً وصمت دهراً". الفتح 5/ 346.[4]

- طاعة حذيفة للرسول يوم الخندق بعدم احداث شيء حتى يعود مع تمكنه من قتل ابي سفيان:

 قَالَ ابن اسحاق : فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا فَرّقَ اللّهُ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ دَعَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ ، فَبَعَثَهُ إلَيْهِمْ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ لَيْلًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَرَأَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَحِبْتُمُوهُ ؟ قَالَ نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي ، قَالَ فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ كُنّا نَجْهَدُ قَالَ فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا . قَالَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخَنْدَقِ وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوِيّا مِنْ اللّيْلِ ثُمّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمّ يَرْجِعُ - يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّجْعَةَ - أَسْأَلُ اللّهَ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ ؟ فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، مِنْ شِدّةِ الْخَوْفِ وَشِدّةِ الْجُوعِ وَشِدّةِ الْبَرْدِ فَلَمّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ، دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدّ مِنْ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي ، فَقَالَ يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَلَا تُحْدِثَنّ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنَا . قَالَ فَذَهَبْت فَدَخَلَتْ فِي الْقَوْمِ وَالرّيحُ وَجُنُودُ اللّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ لَا تُقِرّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً . فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ . فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ : لِيَنْظُرْ امْرؤ مَنْ جَلِيسُهُ ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذْت بِيَدِ الرّجُلِ الّذِي كَانَ إلَى جَنبـي ، فَقُلْت : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ . ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمْ الّذِي نَكْرَهُ وَلَقِينَا مِنْ شِدّةِ الرّيحِ مَا تَرَوْنَ مَا تَطْمَئِنّ لَنَا قِدْرٌ وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ فَارْتَحِلُوا فَإِنّي مُرْتَحِلٌ ثُمّ قَامَ إلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلَاثٍ فَوَاَللّهِ مَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إلّا وَهُوَ قَائِمٌ وَلَولاا عَهْدُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيّ أَنْ لا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنِي ثُمّ شِئْت ، لَقَتَلْته بِسَهْمِ . [ ص 436 ]

روى الحاكم وصححه ابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طرق عن حذيفة ومسلم، وابن عساكر عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه، وابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي، وأبو نعيم مختصرا عن ابن عمر: أن حذيفة رضي الله عنه ذكر مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جلساؤه: أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا - وفي لفظ: فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلت معه وأبليت - فقال حذيفة: لا تتمنوا ذلك، لقد رأيتنا ليلة الاحزاب ونحن صافون قعود، وأبو سفيان ومن معه من الاحزاب فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة، ولا أشد ريحا منها، وفي أصوات ريحها أمثال الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: (إن بيوتنا عورة وما هي بعورة) [ الاحزاب 13 ] فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، فيتسللون، ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك، فاستقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا، يقول: ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة - وفي لفظ: جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة - فلم يجبه منا أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله.

فقال أبو بكر: يا رسول الله ابعث حذيفة، فقلت: دونك والله، فمر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرطا لامرأتي ما يجاوز ركبتي، قال: فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال: " من هذا ؟ " فقلت: حذيفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حذيفة ".

فقال حذيفة: فتقاصرت للارض، فقلت: بلى يا رسول الله، كراهية أن أقوم، قال: " قم "، فقمت، فقال: " إنه كائن في القوم خبر، فأتني بخبر القوم ".

فقلت: والذي بعثك بالحق، ما قمت إلا حياء منك من البرد.

قال: " لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي ".

قال: " وأنا من أشد الناس فزعا وأشدهم قرا "، فقلت: والله ما بي أن أقتل، ولكن أخشى أن أوسر، فقال: " إنك لن تؤسر "، قال: فخرجت، فقال: " اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته ".

قال: فوالله ما خلق الله تعالى في جوفي فزعا ولا قرا إلا خرج، فما أجد فيه شيئا، فمضيت كأنما أمشي في حمام، فلما وليت، دعاني فقال: " يا حذيفة، لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني ".

فقال حذيفة: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته، وحوله عصبة، قد تفرق عنه الاحزاب، وهو يقول: الرحيل الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش فوضعته في كبد القوس لارميه في ضوء النار، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحدثن في القوم شيئا، حتى تأتيني "، فأمسكت ورددت سهمي.[5]

- قول الصحابة للرسول : الله ورسوله اعلم حين كان يسألهم عن امر ما رغم علمهم به : لقد كان رسول الله r كان يسألهم عن اليوم الذي هم فيه ، والمكان الذي هم فيه ، وهم يعلمونه حق العلم ، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم : الله ورسوله أعلم . خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله!

جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي t- « أن النبـي سأل في حجة الوداع :

" أي شهر هذا؟  . . قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال : أليس ذا الحجة؟  قلنا : بلى! قال : أي بلد هذا؟  قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال : أليس البلدة الحرام؟  قلنا بلى! قال : فأي يوم هذا؟  قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال : أليس يوم النحر؟  قلنا بلى! . . الخ " .

سؤاله لمعاذ اتدري ما حق الله على العباد وقول معاذ :الله ورسوله اعلم .

- وصف الصحابة للرسول (a):

اذا قرأت وصف الصحابة للرسول تبين لك مدى حبهم له وتوقيرهم اياه وطاعتهم له، لان مثل هذا الوصف لا يصدر الا عمن يحب الموصوف ويوقره، وقد جمع الاستاذ سعيد حوى رحمه الله في كتابه (الرسول) بعض ما قاله الصحابة في وصف الرسول ننقله هنا:

... أخرج الدارمي والبيهقي عن جابر بن سمرة قال : "رأيت النبـي صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان - أي : مقمرة مسفرة - فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو كان أحسن في عيني من القمر " .

... وأخرج الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة قال : " ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنَّ الشمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحداً أسرع في مشيه منه كأن الأرض تطوى له إنا لنجهد وإنه غير مكترث " .

... وأخرج الشيخان عن البراء قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيد ما بين المنكبين ، يبلغ شعره شحمة أذنيه ، ما رأيت شيئاً أحسن منه " .

... وأخرج مسلم عن جاب ربن سمرة في وصف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بل مثل الشمس والقمر مستديراً " .

... وأخرج الشيخان عن البراء قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ، ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير " .

.. وأخرج مسلم عن أبي الطفيل أنه قيل له صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان أبيض مليح الوجه " .

.. وأخرج الدارمي والبيقهي والطبراني وأبو نعيم عن أبي عبيدة قال : قلت للربيع بنت معوذ : صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : " لو رأيته قلت الشمس طالعة " .

... وأخرج أبو موسى المديني في كتاب الصحابة عن أمد بن أبد الحضرمي قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت قبله ولا بعده مثله " .

.. وأخرج الدارمي عن ابن عمر قال :" ما رأيت أشجع ولا أجود ولا أضوأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

... وأخرج أحمد والبيهقي عن محرش الكعبي قال : " اعتمر النبـي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ليلاً فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة " .

... وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد والبيهقي عن علي قال : " كان النبـي صلى الله عليه وسلم ليس بالذاهب طولاً ، وفوق الربعة إذا جاء مع القوم غمرهم ، أبيض ضخم الهامة - أي : الرأس - أغر أبلج أهدب الأشفار - أي : طويل شعر العين أسوده - كأن العرق في وجهه اللؤلؤ ، لم أر قبله ولا بعده مثله " .

... وكان إذا مس أحداً أحس بطمأنينة عجيبة وروح عجيب :

.. وأخرج أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال : " اشتكيت بمكة فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني ، فوضع يده على جبتهي فمسح وجهي وصدري وبطني ، فما زلت يخيل إلي أني أجد يده على كبدي حتى الساعة " .

... وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال : " مسح رسول الله خدي فوجدت ليده برداً وريحاناً كأنما أخرجهما من جونة عطار " . وأخرج الشيخان عن أنس قال : " ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

... وكان منظره يوحي لمن يراه بأنه أمام نبـي :

... أخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام قال : " لما قدم النبـي صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب " .

..وعن أبي رمثة التميمي قال: " أتيت النبـي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي فأُريته فلما رأيته قلت هذا نبـي الله " .

... ويقول عبد الله بن رواحة في وصفه :

لو لم تكن فيه آيات مبينة ... لكان منظره ينبـيك بالخبر

... هذه بعض ما ورد في  وصف تكوينه الجسمي نقلناها بين يدي صفاته وكمالاته الخُلقية العظيمة لتتضح لك شخصيّته من جميع جوانبها عليه الصلاة والسلام .[6]

-بعض مواقف الصحابة التي تثبت صدق الرسول وشدة تأثيره على أصحابه:

ثم يستشهد الاستاذ سعيد حوى ببعض مواقف الصحابة للاستدلال على صدق الرسول وشدة تأثيره عليهم وثقتهم به وهي بذاتها دليل على صدق الصحابة واخلاصهم وتفانيهم في سبيل هذا الدين:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دائم الخلطة لأصحابه في طعامهم وشرابهم وسفرهم وصلاتهم ومجالسهم ، وهو عليه الصلاة والسلام كان يحب البساطة والصراحة ويكره التكلف ، وبعض الصحابة خالط الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها عشرات السنين.

وهؤلاء الأصحاب لم يكونوا أغراراً ولا مغفلين ولا منعزلين عن العالم ، بل بعضهم من مكة التي كان العرب يقصدونها سنوياً للحج ، وتُسلم الجزيرة العربية كلها لأهلها بالفضل والزعامة ، عدا عن صلات أهلها بواسطة التجارة مع اليمن ومع الشام حيث مراكز الحضارة . وبعض أصحابه من المدينة حيث الصلات الفكرية مع اليهود وما ينشأ عن ذلك من تفتح ذهني .

... كما أن هؤلاء الأصحاب أثبتوا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد مماته أنهم أرجح الناس عقولاً وأكثرهم دهاءً وحنكة ومعرفة بالرجال والشعوب وسياسة الأمم ، بدليل أنهم نجحوا رغم محدودية وسائلهم في فتح أعظم الدول المتحضرة وقتذاك وإدارتها وكسب مودة شعوبها ودمجهم في الأمة الإسلامية .

 فإذا ما اجتمعت هذه الناحيتان : الخلطة الدائمة ، وذكاء المخالطين ، فإن أمر الكاذب يفتضح ، وأمر الصادق يتضح .

... والظاهرة الواضحة في حياة الصحابة أنهم كلما ازدادوا برسول الله صلى الله عليه وسلم خلطة ازدادوا به إيماناً وتصديقاً ، بل أكثرهم اختلاطاً به أكثرهم إيماناً به وطاعة له ، وقد بلغ منهم درجة انه أصبح الموت من أجل ما يريد الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من الحياة ، وإنفاق المال أحب إليهم من إمساكه ، والطاعة أحب إليهم من المعصية ، ودين الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من الأموال والأولاد والمساكن والزوجات والوطن . وكل هذا من مظاهر التصديق الكامل إذ لولا التصديق لما كان شيء من هذا . فقد قتل منهم الابن أباه ، وأراد الأب قتل ابنه ، فعلام يفعلون هذا ؟! لولا أن إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقهم به وصل إلى ذروة الذرى . وهذه أمثلة كل منهما يعتبر أثراً من آثار التصديق الكامل ودليلاً عليه نذكرها بلا تعليق ، وفي كل منها شهادة من صاحبها بعد تجربة على أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق لا شَك في ذلك :

- أخرج الحافظ أبو الحسن الطرابلسي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " لمّا اجتمع أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم - وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً - أَلَحَّ أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال : يا أبا بكر إنا قليل . فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته ، وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين ، فضربوا في نواحي المسجد ضرباً شديداً ووطئ أبو بكر وضرب ضرباً شديداً ، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه ، ونزا على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه .

وجاء بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر ، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ، ولا يشكون في موته ، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا : والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة ، فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب ، فتكلم آخر النهار فقال : ما فعل رسول الله ؟ ، فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه ، ثم قاموا وقالوا لأمه أم الخير : انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه ، فلما خلت به ألحت عليه وجعل يقول ؛ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : والله مالي علم بصاحبك . فقال : اذهبـي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه ، فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ، فقالت : ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله ، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك ، قالت : نعم . فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دِنفاً ، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت : والله إن قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق وكفر ، وإني لأرجو أن ينتقم الله لكَ منهم . قال : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : هذه أمك تسمع . قال : فلا شيء عليك منها . قالت : سالم صالح . قال : أين هو ؟ قالت : في دار ابن الأرقم . قال : فإن لله علي أن لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِجْل وسكن الناس ، خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وأكب عليه المسلمون ، ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة . فقال أبو بكر : بأبي وأمي يا رسول الله ، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي ، وهذه أمي برة بولدها ، وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها ، عسى الله أن يستنقذها بك من النار . قال : فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الله فأسلمت " .

- وأخرج ابن إسحاق عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : " لما أسلم عمر - رضي الله عنه - قال : أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له : جميل بن معمر الجمحي ، فغدا عليه ، قال عبد الله : وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل - وأنا غلام أعقل كل ما رأيت - حتى جاءه فقال له : أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر واتبعته أنا ، حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش - وهم في أنديتهم حول الكعبة - ألا إن ابن الخطاب قد صبأ . قال يقول عمر من خلفه : كذب ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وثاروا إليه فما برح يقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم ، قال : وطلح(1)[5] فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول : افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاث مائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا . قال : فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : صبأ عمر . قال : فمه ، رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا ؟ خلوا عن الرجل . قال : فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه . قال فقلت لأبي - بعد أن هاجر إلى المدينة -: يا أبت ! من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك ؟ قال : ذاك - أي بني -العاص بن وائل السهمي " . وهذا إسناد جيد قوي - كذا في البداية .

-  وأخرج البخاري في التاريخ عن مسعود بن خراش - رضي الله عنه - قال : " بينما نحن نطوف بين الصفا والمروة إذا أناس كثير يتبعون فتى شاباً موثقاً بيده في عنقه . قلت : ما شأنه ؟ قالوا : هذا طلحة بن عبيد الله صبأ . وامرأة وراءه تدمدم وتسبه . قلت : من هذه ؟ قالوا : الصعبة بنت الحضرمي أمه " .

-  وأخرج البيهقي وابن سعد والحارث ابن المنذر وابن عساكر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - : " أن صهيباً - رضي الله عنه - أقبل مهاجراً نحو النبـي صلى الله عليه وسلم فتبعه نفر من قريش مشركون ، فنزل فانتشل كنانته فقال : قد علمتم يا معشر قريش أني أرماكم رجلاً بسهر ، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه . ثم شأنكم بعد ذلك وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وتخلوا سبيلي .. قالوا : نعم . فتعاهدوا على ذلك فدلهم ، فأنزل الله على رسوله القرآن {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [7] حتى فرغ من الآية . فلما رأى النبـي صلى الله عليه وسلم صهيباً قال : ربح البيع يا أبا يحيى ربح البيع يا أبا يحيى ! وقرأ عليه القرآن .

-  وأخرج الحاكم عن سليمان بن بلال - رضي الله عنه - : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر أراد سعد بن خثيمة وأبوه جميعاً الخروج معه ، فذكر ذلك للنبـي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يخرج أحدهما فاستهما . فقال خثيمة بن الحارث لابنه سعد - رضي الله عنهما - : إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم فأقم مع نسائك . فقال سعد : لو كان غير الجنة لآثرتك به إني أرجو الشهادة في وجهي هذا ، فاستهما ، فخرج سهم سعد ، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر . فقتله عمرو ابن عبد ود " وأخرجه أيضاً ابن المبارك عن سليمان وموسى بن عقبة عن الزهري ، كما في الإصابة .

-  وأخرج الطبراني عن ابن عمر " أن عمر - رضي الله عنه - قال يوم أحد لأخيه : خذ درعي يا أخي ! قال : أريد من الشهادة مثل الذي تريد ، فتركاها جميعاً " قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح .

-  وأخرج ابن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخي بني عدي بن النجار قال : " انتهى أنس بن النضر - عم أنس بن مالك - إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - وقد ألقوا ما بأيديهم . فقال : فما يجلسكم ؟ قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استقبل القوم ، فقاتل حتى قُتل " .

-  وأخرج البيهقي عن مالك بن عمير رضي الله عنه وكان قد أدرك الجاهلية .، قال : " جاء رجل إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لقيت العدو ولقيت أبي فيهم ، فسمعت لك منه مقالة قبيحة فلم أصبر حتى طعنته بالرمح - أو حتى قتلته - ، فسكت عنه النبـي صلى الله عليه وآله وسلم . ثم جاء آخر فقال : إني لقيت أبي فتركته وأحببت أن يليه غيري ، فسكت " . قال البيهقي وهذا مرسل جيد .

-  وأخرج البزار عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي وهو في ظل أطم فقال : غبّر علينا ابن أبي كبشة . فقال ابنه عبد الله بن عبد الله - رضي الله عنه - : يا رسول الله والذي أكرمك لئن شئت لأتيتك برأسه ! فقال : لا ، ولكن بر أباك وأحسن صحبته " . قال الهيثمي رواه البزار ورجاله ثقات .

-  وذكر ابن هشام عن أبي عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لسعيد بن العاص - رضي الله عنه - وقربه : " إني أراك تظن أني قتلت أباك ، إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله ، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة ، فأما أبوك فإني مررت به وهو يبحث بحث الثور بورقه ، فحدت عنه وقصد له ابن عمه علي فقتله " . كذا في البداية ، وزاد في الاستيعاب والإصابة : " فقال له سعيد بن العاص : لو قتلته لكنت على الحق وكان على الباطل . فأعجبه قوله " .

-  وأخرج ابن سعد عن الزهري قال : " لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة فكلّمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فدخل على ابنته أم حبيبة - رضي الله عنها - . فلما ذهب ليجلس على فراش النبـي صلى الله عليه وسلم طوته دونه . فقال : يا بنية ! أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه ؟ فقالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك . فقال : يا بنية ! لقد أصابك بعدي شر " . وذكر ابن إسحاق نحوه بلا إسناد ، كما في البداية وزاد : " فلم أحب أن تجلس على فراشه " .

-  وأخرج الطبراني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : " لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة . وقالوا : قُتل محمد حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة . فخرجت امرأة من الأنصار محرمة فاستقبلت بأبيها وابنها وزوجها وأخيها - أي قتلى - لا أدري أيهم استقبلت به أولاً . كلما مرت على أحدهم قالت: من هذا ؟ قالوا : أبوك ، أخوك ، زوجك ، ابنك ، تقول : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ يقولون : أمامك حتى دفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم قالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لا أبالي إذ سلمتَ من عطب " .

هذه نصوص تبين لك مدى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم عند أتباعه المخالطين له ، مما يدلك على أن تصديقهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ حداً لا مثيل له.[8]

-  طاعة امراء السرايا والغزوات لاوامره :

 كان يأمرهم أن يسيروا مسافة كذا ثم يفتحوا كتابه فيمتثلون ، مثال ذلك :

امتثال أمره في سرية نخلة:

أخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن رُومان عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش رضي الله عنه إلى نخلة، فقال له: "كُنْ بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش" ولم يأمره بقتال، وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتاباً قبل أن يعلمه أين يسير، فقال: "اخرج أنت وأصحابك، حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه، فما أمرتك فيه فامض له، ولا تَستكرهَنَّ أحداً من أصحابك على الذهاب معك".

فلَّما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه أن "امضِ حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش بما يصل إليك منهم"، فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب: سمعٌ وطاعةٌ، من كان منكم له رغبة في الشهادة فلينطلق معي فإني ماضٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كره ذلك منكم فليرجع فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاني أن أستكره منكم أحداً. فمضى معه القوم حتى إذا كان ببُحران أضلَّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما بعيراً لهما كانا يتعقبانه، فتخلَّفاً عليه يطلبانه، ومضى القوم حتى نزلوا نخله، فمر بهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان والمغيرة ابنا عبد الله معهم تجارة قدموا بها من الطائف أدَمٌ وزبيب، فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد الله رضي الله عنه وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه حليقاً قالوا: عُمَّار ليس عليكم منهم بأس، وائتمر القوم بهم- يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في آخر يوم من رجب. فقالوا: لئن قتلتموهم إنكم لتقتلونهم في الشهر الحرام، ولئن تركتموهم ليدخلنَّ في هذه الليلة الحرم فليمتنعنَّ منكم، فأجمع القوم على قتلهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي. بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وهرب المغيرة وأعجزهم، واستاقوا العير فقدموا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "والله ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام" فأوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين والعير فلم يأخذ منها شيئاً.

   -امتثال أمره يوم حنين:

وأخرج البيهقي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين حين رأى من الناس ما رأى: "يا عباس، ناد: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة" فأجابوه : لبيك، لبيك. فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر على ذلك، فيقذل درعه في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ثم يؤم الصوت، حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة، فاستعرض الناس فاقتتلوا. وكانت الدعوة أول ما كانت للأنصار، ثم جُعلت آخراً للخزرج، وكانوا صُبراً عند الحرب، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه فنظر إلى مُجْتَلَد القوم، فقال: الآن حمي الوطيس. قال: فوالله ما راجعه الناس إلا والأسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتَّفون، فقتل الله منهم من قتل، وانهزم منهم من انهزم، وأفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أموالهم وأبناءهم كذا في البداية . وعند ابن وَهْب من حديث العباس رضي الله عنه ــــ فذكره وفيه: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي عباس، نادِ أصحاب السَّمُرة" قال: فوالله لكأنَّما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقرة على أولادها، فقالوا: يا لبيكاه، يا لبيكاه ورواه مسلم عن ابن وهب. كذا في البداية وقد أخرج ابن سعد حديث العباس بطوله فذكر نحوه.[9]

-  قصة ابي جحيفة: تجشؤه ونهي الرسول عن ذلك :

عن ابن عمر ان رسول الله سمع رجلا يتجشأ[10] وقيل الرجل وهب بن عبد الله(ابو جحيفة) وهو معدود في صغار الصحابة وكان في زمانه عليه الصلاة والسلام لم يبلغ الحلم روي أنه لم يملأ بطنه بعد ذلك. قال التوربشتي الرجل هو وهب أبو جحيفة السوائي روى عنه أنه قال أكلت ثريدة بر بلحم وأتيت رسول الله وأنا أتجشأ فقال أقصر من جشائك( والنهي عن الجشاء هو النهي عن الشبع لأنه السبب الجالب له ) وقيل التجشؤ التكلف فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أطولهم شبعا في الدنيا رواه في شرح السنة قال ميرك هو وهب بن عبد الله أبو جحيفة روى عنه أنه قال أكلت ثريدة بلحم وأتيت رسول الله وأنا أتجشأ فقال يا هذا كف من جشائك فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا يوم القيامة رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد قال المنذري بل هو واه جدا فيه وهد بن عوف وعمرو بن موسى لكن رواه البزار بإسنادين رواة أحدهما ثقات ورواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي وزاد قال الراوي فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا كان إذا تعشى لا يتغدى وإذا تغدى لا يتعشى وفي رواية لابن أبي الدنيا قال أبو جحيفة فما ملأت بطني منذ ثلاثين سنة[11]

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مثله وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .

- بقاء ابي عبيدة في الشام وعدم مغادرتها رغم انتشار الطاعون فيها حتى مات امتثالا لقول الرسول r إذا ظهر الطاعون في أرض فلا تدخلوها ولا تغادروها.

 

- امتناع عثمان عن التنازل عن الخلافة امتثالا لحديث سمعه من رسول الله r وامتناعه في الوقت نفسه عن مقاتلة الثائرين عليه :

هذه المسألة لا يفهمها كثير من الناس ، ما معنى تمسك عثمان بالخلافة وعدم التنازل عنها وفي  الوقت نفسه لا يقاتل دفاعا عن نفسه ؟ ان كان حريصا على الخلافة حبا بها وحرصا عليها فمن باب أولى أن يحرص على حياته لأن الذي يحرص على الملك حبا به يدافع عن نفسه ويحب طول البقاء حتى يتمتع بع وبخيراته ، أما ان يزهد في الدنيا ويحرص على الخلافة فليس له سبب سوى التمسك بحديث الرسول الذي سمعه منه وهو قوله له r  يا عثمان ، إن الله لعلّه أن يُقَمِّصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه[12]

- انسحاب الزبير من الجيش بعد أن ذكّرهم علي زبيراً بحديث لرسول الله r:

     لقد انسحب الزبير من معركة الجمل بمجرد سماعه حديث الرسول الذي ذكّره به علي "إنك ستقاتل عليا وأنت له ظالم" فقال الزبير : والله اني كنت قد نسيتها !  

- انسحاب طلحة من الجيش  بعد تخويفه من قبل علي من عتاب رسول الله له يوم القيامة على ابقاء نسائه في البيت واخراج زوجة رسول الله الى القتال.

    وكذلك طلحة فبمجرد أن حذّره علي وخوفه عتاب رسول الله له يوم القيامة بترك أزواجه في البيت واخراج حرم رسول الله الى ساحات القتال ، ترك هو الآخر ساحة المعركة واعتزل الجيش دون أي تأويل!.

- اعادته مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة : لا يأخذه منكم الا ظالم ، وبقاءه عندهم الى يومنا هذا.

أخرج ابن سعد أنا الواقدي حدثنا إبراهيم بن محمد العبدري عن أبيه قال قال عثمان بن طلحة لقيني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بمكة قبل الهجرة فدعاني إلى الاسلام فقلت يا محمد العجب لك حيث تطمع أن اتبعك وقد خالفت دين قومك وجئت بدين محدث ، وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل يوما يريد ان يدخل الكعبة مع الناس فغلظت عليه ونلت منه وحلم عني ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت فقلت لقد هلكت قريش وذلت فقال بل عمرت يومئذ وعزت ودخل الكعبة فوقعت كلمته مني موقعا ظننت ان الامر سيصير إلى ما قال فأردت الاسلام فإذا قومي يزبرونني زبرا شديدا فلما كان يوم فتح مكة قال لي يا عثمان ائت بالمفتاح فأتيته به فأخذه مني ثم دفعه إلي وقال خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم فلما وليت ناداني فرجعت إليه فقال ألم يكن الذي قلت لك فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت فقلت بلى أشهد انك رسول الله ، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقام إليه علي رضي الله عنه ومفتاح الكعبة في يده فقال : اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك ـ وفي رواية أن الذي قال ذلك هو العباس ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أين عثمان بن طلحة ؟ ) . فدعي له، فقال له : ( هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء ) ، وفي رواية ابن سعد في الطبقات أنه قال له حين دفع المفتاح إليه : ( خذوها خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف )[13]

- لَـدُّه صلى الله عليه وسلم للذين لَدّوه في مرضه الذي  مات فيه :

قال عبدالله فاجتمع إليه نساء من نسائه أم سلمة وميمونة ونساء من نساء المسلمين منهن أسماء بنت عميس وعنده العباس عمه فأجمعوا أن يلدوه وقال العباس لألدنه قال فلدوه فلما أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صنع هذا بي قالوا يا رسول الله عمك قال هذا دواء أتى به نساء جئن من نحو هذه الأرض وأشار نحو أرض الحبشة قال ولم فعلتم ذلك فقال عمه العباس خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب فقال إن ذلك لداء ما كان الله عز وجل ليقذفني به لا يبق في البيت أحد إلا لُدّ إلا عمي فلقد لدت ميمونة وإنها لصائمة لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوبة لهم بما صنعوا به[14]

و قد روى البخاري [ عن علي بن عبد الله و الغلاس و مسلم بن محمد بن حاتم كلهم عن يحي بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت : لددنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني قلنا : كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال : ألم أنهكم ألا تلدوني ؟ قلنا : كراهية المريض للدواء فقال : لا يبقى أحد في البيت إلا لد و أنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم ]

 قال البخاري : و رواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبـي صلى الله عليه و سلم [15]

وفي هذا دليل واضح على هيمنة الرسول على مجتمعه .

- تبرك الصحابة بآثاره صلى الله عليه وسلم وتسابقهم الى ماء وضوئه :

        ان تبرك الصحابة بآثار الرسول صلى الله عليه و سلم في حياته والتسابق الى ماء وضوئه من الامور المتفقة عليها بين المسلمين , والمجمع على صحتها ، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على عمق ايمان الصحابة بنبوة الرسول وحبهم له وتعظيمهم اياه .

- حرص الصحابة على مس جسد الرسول r :

   ومن الامور الدالة على حب الصحابة للرسول وتقديرهم له حرصهم على ان يمس جسدهم جسده الشريف  r  وافتخارهم بذلك ، والجدل الدائر بينهم حول ايهم كان آخر عهد برسول الله r مشهور.   

 

[1] . نفس المصدر ص 254

[2] . سيرةابن هشام 2/317

[3] . المغازي للواقدي 2/ 607

[4] .–مرويات الامام الزهري في المغازى –محمد بن محمد العواجي –ص/2/584(قرص المكتبة الشاملة)

[5] . انظر كتب السيرة فقد اوردها اكثر كتاب السيرة والمغازي.

[6] . الرسول / سعيد حوى ج1 ص17-19

[7] . البقرة : 207

[8] . الرسول r/ سعيد حوى / ج1 ص24-31 .

[9] . حياة الصحابة محمد يوسف الكاندهلوي 3/201

[10] . بتشديد الشين المعجمة بعدها همزة أي يخرج الجشاء من صدره وهو صوت مع ريح يخرج منه عند الشبع وقيل عند امتلاء المعدة.

[11] .سبل السلام/باب الزهد والورع ج4ص179 ، فيض القدير ج5ص11 ، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح-كتاب الرقائقج15ص

[12] . " رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.

وَرَوَاهُ مُخْتَصَرًا التِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَةَ ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، وَالْحَاكِمُ ، وَصَحَّحَهُ.

 تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث حسن المصدر: مسند الصحابة في الكتب التسعة / مسند عائشة .

 واليك الرواية مفصلة "َعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ، أَنَّهِ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ ، أَنَّهُ أَرْسَلَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بِكِتَابٍ إِلَى عَائِشَةَ فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ لِي : أَلاَ أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ؟ قَالَتْ : إِنِّي عِنْدَهُ وَحَفْصَةُ ، فَقَالَ : لَوْ كَانَ عِنْدَنَا رَجُلٌ يُحَدِّثُنَا فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَبْعَثُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَيَجِيءُ فَيُحَدِّثُنَا ، قَالَ : فَسَكَتَ ، فَقَالَتْ لَهُ حَفْصَةُ : أَبْعَثُ إِلَى عُمَرَ فَيُحَدِّثُنَا ، فَسَكَتَ ، قَالَتْ : فَدَعَا رَجُلاً ، فَأَسَرَّ إِلَيْهِ دُونَنَا ، فَذَهَبَ ، وَجَاءَ عُثْمَانُ ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : يَا عُثْمَانُ ، إِنَّ اللَّهَ لَعَلَّهُ أَنْ يُقَمِّصَكَ قَمِيصًا ، فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلاَ تَخْلَعْهُ ثَلاَثًا ، فَقُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَيْنَ كُنْتِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ؟ قَالَتْ : أُنْسِيتُهُ كَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ قَطُّ

 

[13] . .(الرحيق المختوم /ص386 

[14] . سيرة ابن هشام

[15] . سيرة ابن كثير 4/443

 

  • الخميس PM 01:01
    2021-05-20
  • 3657
Powered by: GateGold