المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415980
يتصفح الموقع حاليا : 308

البحث

البحث

عرض المادة

ما هي دلالات اجتماع الانصار في السقيفة

ما هي دلالات اجتماع الانصار في السقيفة

قلنا ان الشيعة يقولون ان النبـي a  قد عهد بالخلافة من بعده الى علي(c) واخذ له البيعة في موقع يقال له غدير خم الواقع بين مكة والمدينة غداة عودتهم من الحج وحضر مراسيم البيعة مالايقل عن مائة الف من الصحابة[1] ويقولون ان الرسول a  امر بنصب  خيمتين واحدة له واخرى لعلي وظل ياخذ البيعة لعلي لمدة ثلاثة ايام  وقد بايع جميع المتواجدين في ذلك المكان من الرجال والنساء ، بمن فيهم ابوبكر وعمر وليس هذا فحسب بل  يؤكدون على قول عمر لعلي  هنيئا لك يا ابن ابي طالب لقد اصبحت وامسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة . وكانت بيعة النساء عن طريق طست فيه ماء يغمس علي يده في احد طرفيه  وتغمس المرأة يدها في الطرف الثاني منه  وبعض رواتهم يفصل فيه اكثر فيقول ان النبـي a  كان سعيدا جدا بذلك الانجاز وهو يرى الناس يتوافدون على بيعة علي وقرت بذلك عينه  ويذكرون ايضا ان الحرث بن النعمان الفهري  جاء الى النبـي (a ) فقال معترضا على ولاية علي  : يا محمد ، انك أمرتنا أن نشهد أن لاإله الاّ الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك  ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته على الناس وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أو من الله ؟  فقال رسول الله a وقد احمرت عيناه ، والله الذي لا اله الاّ هو إنه من الله وليس مني ، قالها ثلاثا. فولى الحارث وهو يقول : اللهم ان كان ما يقول محمد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم. فوالله ما وصل الى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله ، فنزلت :"سأل سائل بعذاب واقع.للكافرين ليس له دافع"[2] ،ويروون حديث "من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وادر الحق معه حيث دار" الى آخره من الاقوال والاحاديث التي رووها حول هذه الحادثة ولو جئنا على ذكرها كلها لطال بنا الحديث  والذي ذكرناه يشكل خلاصة أقوالهم وآرائهم وكما قلت لقد كتبوا حولها كتبا كثيرة وبحوثا جمة ، ويقولون ان الصحابة باجتماعهم في السقيفة أداروا ظهورهم لهذه الوصية ونقضوا تلك البيعة  وتآمروا على علي واغتصبوا حقه!.

فلننظر ، هل اجتماع الصحابة ، او الاصح الانصار، في السقيفة هو حقا مؤامرة ضد علي  ونكث للعهد ونقض للبيعة ، ام ان له دلالات اخرى تناقض ما يقوله الشيعة  وتنقض عقيدتهم في التعيين والوصية وتهدمها .

سبب انصياع الانصار لابي بكر ومتابعة بقية المسلمين لهم

قبل الشروع في ذكر دلالات السقيفة نود ان نتساءل: ما معنى ان يجتمع الانصار في السقيفة ليختاروا واحدا منهم للخلافة ثم يأتي ابو بكر ومعه اثنان فقط من المهاجرين وبعد اخذ ورد يسيرين  يسارع المجتمعون الى مبايعة ابي بكر ثم لا يقوم احد لا في المدينة ولا في مكة ولا في اي بقعة من ارض الاسلام من المائة الف[3] الذين حضروا وشهدوا بيعة الغدير  ومن غيرهم ليذكّر الناس بتلك البيعة ويقول : ايها الناس كيف تفعلون هذا وفي اعناقكم بيعة لعلي بن ابي طالب  ، وليس هذا فحسب بل حتى علي نفسه حين سمع بالخبر لم يقل ايها الناس أليس في اعناقكم بيعة لي ؟ الم تبايعونى في غدير خم يوم كذا ؟ الم يوصِ رسول الله بالخلافة لي ، الم ينزل بشأني كل هذه الآيات التى تدل على امامتي ؟ ألا تدرون ان الامامة امر الهي وليس شأنا بشريا وانكم باجتماعكم هذا خالفتم امر ربكم ونقضتم وصية رسولكم ونكثتم البيعة التي في اعناقكم؟ ثم ليس علي فحسب بل حتى الذين كانوا يؤيدونه من اهل البيت والصحابة كابن عباس وعمار والمقداد وابي ذر الناطق بالحق وصاحب اللهجة الصادقة كما يصفه الرسول (a ) [4] لم ينطقوا ببنت شفة ولم يذكر احد منهم تلك البيعة. ماذا جرى للناس ؟! هل عقد الخوف لسانهم ؟ وممّ الخوف ولم يكتمل بعد لابي بكر وعمر اسباب القوة والهيمنة وهما من اصغر بطون قريش ؟ ولو سكت كل الناس لما سكت ابوذر : الصحابي الثائر المعروف بمواقفه الصارمة والذي اقام الدنيا ولم يقعدها على ما هو اقل شأنا بكثير من نكث عهد رسول الله ومخالفة كتاب الله .

لو افترضنا جدلاَ ان اهل المدينة لم يجرؤوا على ذكر الحقيقة، فما بال اهل مكة وفيها بنو هاشم وبنو امية وهما من اكبر قبائل قريش ، وكانا معارضين لامارة ابي بكر، يسكتون عن مثل هذه المخالفة الكبيرة لامر الله وامر رسوله؟ ثم مابال مانعي الزكاة هل كانوا ايضا خائفين من النطق بالحقيقة ؟ الم يكن انفع لهم ان يخرجوا على ابي بكر بحجة نقضه لعهد رسول الله بدلا من امتناعهم عن دفع الزكاة ؟

انني كلما افكر في هذه المسالة تأخذني الدهشة واقول كيف يقنع الشيعة انفسهم بأن الناس كلهم انقلبوا على علي وتواطئوا على كتمان قصة مبايعته في غدير خم؟ الم يكن علي من اشجع الناس ؟ الم يكن معه بنوهاشم ؟ الم يعده ابوسفيان بان يدعمه بعشيرته وان يملأ عليهم الارض خيلا ورجالا إن أذِنَ علي بذلك؟  ألم يجرؤ الناس على الامتناع عن دفع الزكاة لأبي بكر ؟ الم يرتد كثير من العرب عن الاسلام ؟ إذا تجرأ الناس على كل ذلك فما بالهم لايتجرأون على ذكر وصية رسول اللهa   لعلي وبيعة الناس له في غدير خم؟ أيكون ابو بكر وعمر قد اسسا دولة بوليسية قبل وصولهم الى الحكم وأمسكوا بزمام الامور بقبضة من حديد بحيث كمموا الافواه؟ التاريخ لايقول بذلك بل يقول لنا أن الامور لم تستتب لأبي بكر الاّ بعد شهور وان كثيرا من القبائل  وقفوا في وجهه وعارضوه.

ومن اغرب ما قرأت لتبرير هذا الامر ما كتبه محمد التيجاني التونسي ولا اذكر من اين اخذ استنتاجه هذا وذلك باختزال المشاركين المائة الف بالف ثم بمائة ثم بعشرة ليبرر امكانية اجتماع العشرة على امر ما ![5]  وهذا من اعجب ما رأيته من التبريرات والاستدلالات التي لا يستسيغها الا  من اعمى التعصب بصره وطمس الهوى بصيرته.

اما لماذا انصاع الانصار لأبي بكر بهذه السرعة فذلك يعود الى عدة اسباب منها:

  1. صحة ما قلناه من ان احد اسباب اجتماع الانصار كان خوفهم على مصيرهم ومستقبلهم من تفرد المهاجرين بالامر والاستبداد بالحكم دونهم ، ولكن بمجرد تأكيد ابي بكر على حفظ مكانتهم ووعده اياهم بان لايقطع امرا دون مشورتهم زالت تلك المخاوف كلها لذا تخلَّوا عن سعد وسارعوا الى مبايعة ابي بكر لأنهم يعلمون ان ابا بكر افضل لهم وللاسلام من سعد .
  2. سرعة انصياع الصحابة للحق بعد ظهوره لهم . وهناك مواقف اخرى للصحابة تدل على هذه الحقيقة منها ترك الزبير للمعركة وتخليه عن جيش عائشة حين ذكّره علي بحديث لرسول اللهr قاله للزبير في حينه وهو انه يقاتل عليا وهو له ظالم !  فما أن سمعه الزبير من علي وتَذَكّره  حتى ترك ساحة المعركة دون ادنى تردد ودون ان يقول وماذا اقول للذين حرضتهم للقتال وجاؤوا بدعوة مني؟ او ماذا اقول للذين قُتلوا في هذا السبيل؟ الخ من الاسئلة التي قد ترد على الذهن وتكفي لأقناع المرء على المضي في طريقه . كذلك طلحة بن عبيد الله حين قال له علي : بم تجيب رسول الله لو قال لك أتركت ازواجك في بيتك وجئت بزوجة رسول الله الى ساحات القتال ؟ فعرف طلحة بأن الموقف سيكون صعبا لذلك انسحب هو الآخر من ساحة المعركة فورا.ألا تدل هذه على طاعة الصحابة للرسول وتوقيرهم اياه ويقينهم بلقاء الله ورسوله، وعلى سرعة رجوعهم الى الحق وانصياعهم له؟
  3. شجاعة ابي بكر وعمر وشعورهم بالمسؤولية وثقتهم بانفسهم وبالانصار، ثم عبقرية ابي بكر وقابليته على معالجة هذا الامر الخطير بهذه السرعة وبهذه السهولة ، ومن هذا الموقف وغيره من المواقف يتبين ان ابابكر كان بحق رجل المواقف الصعبة ، وانه كان من اعظم الصحابة واجلهم واكفئهم .
  4. معرفة الصحابة لفضل ابي بكر ومكانته ، ولو ان احدا غيره حضر هذا الاجتماع لما تأتّى له ما تأتّى لأبي بكر من انصياع الانصار له ومبايعتهم اياه بهذه السرعة وبهذه السهولة ، ولكن ابابكر لسنِّه ومكانته من رسول الله ، وكونه نائبا له على المسلمين في الصلاة وفي الحج انصاع الصحابة له خلال دقائق وبايعه الجميع عدا سعدا!.
  5. عدم وجود نص على احد بالخلافة وعدم وجود بيعة في اعناق الناس لأحد. والسقيفة تدل على هذه الحقيقة من جهتين: من جهة اسراع الانصار الى الاجتماع في السقيفة لاختيار الخليفة ، ومن جهة اسراعهم الى مبايعة ابي بكر بعد تلك المداولة القصيرة حول الخلافة.

        اما دلالة السقيفة على عدم وجود نص أو بيعة ،أو كليهما ، وعدم وجود نائب للرسول فواضح ،  لأنه لو كان هناك شيء من ذلك القبيل لما اجتمع الناس في السقيفة بل اجتمعوا حول علي مباشرة وانتظروا اوامره وتعليماته ، ولما انشغلوا بالبحث عمن يولونه أمرهم . هذا ما يقتضيه العقل والمنطق ، وهذا الذي كان يحدث في الماضي ويحدث في الحاضر وفي المستقبل ، فعند موت رئيسس، أي رئيس ، سواءا كان رئيس دولة أو رئيس قبيلة ، ووجود نائب معين له ، لا يذهب الناس الى بحث مسألة الرئاسة بل يلتفون حول نائبه ويسلمون له القياد وفق دساتير البلاد وأعراف القبيلة ولا يجرؤ احد على الخروج على تلك الدساتير أو الاعراف والتقاليد إلاّ إذا قلنا أن مجتمع الرسول كان فوضى لا يحكمه لا دستور ولا قانون ولا أعراف ، وانه كان أقل شأنا وأقل تنظيما حتى من أشد التجمعات البشرية بداوة ! ولكن الواقع لا يقول بذلك، بل يقول بعكسه تماما ، وهو أن الرسول أنشأ مجتمعا حضاريا راقيا مدركا اشد الادراك لمعاني العقود الاجتماعية والسياسية ولمعاني البيعة والطاعة ولمعنى ولي الامر والامير ..الخ ،  وقد احدث نقلة نوعية في ذلك المجتمع ورفعه ليس على المجتمع العربي المحيط به، بل وعلى كل المجتمعات السائدة في ذلك العصر بما فيها الفرس والروم صاحبتي الحضارة والامبراطورية ، وجعل منهم اساتذة الانسانية ، ليس لذلك العصر فحسب بل لما تلتها من العصور ، وكان هذا وراء اسراع الامم الى اعتناق الاسلام بمجرد دخول الاسلام الى بلدانهم .

      إذاً فاسراع الانصار الى الاجتماع في السقيفة كان سببه عدم وجود نائب معين من قبل الرسول ، ولو كان هنالك شيء من ذلك لما فعلوا ما فعلوه.

    هذه بعض دلالات اسراع الانصار الى الاجتماع في السقيفة ومن ثم مبايعة ابي بكر ، فكلها كما رأيت امور مهمة تعطي صورة مضيئة لذلك المجتمع الذي انشأه رسول الله ، ولنتحدث بقليل من التفصيل عن هذا الامر:

قلنا ان الانصار اجتمعوا في السقيفة ، فما كادوا يشرعون في مبايعة سعد بن عبادة  حتى وصل الخبر الى ابي بكر وعمر، فسارعا الى السقيفة وليس معهما من المهاجرين سوى ابي عبيدة بن الجراح ، ودون اخبار بقية المهاجرين ومن غير خوف من عواقب ذهابهم الى مكان الاجتماع بمفردهم . وقد لقيهم في الطريق اثنان من الانصار فأشارا عليهم بعدم الذهاب الى السقيفة وابرام الامر مع المهاجرين خشية حدوث فتنة بينهم ، ولكنهم اصروا على الذهاب بمفردهم، ودون خوف من عواقب ذلك او الخوف من نكال الانصار بهم ، وهذا يدل على ثقتهم بأنفسهم وبالانصار ايضا وبايمانهم بمشروعية عملهم ، اضافة الى دلالته على شجاعتهم  وربما على علمهم بمعرفة الانصار لفضلهم ومكانتهم من الاسلام ومن رسول الله .

يجب الوقوف امام هذا الموقف والتفكر فيه مليا : ماذا كان سيحدث لو أُخبر بقية المهاجرين بهذا الاجتماع ؟ او ذهب جميع المهاجرين الى محل الحادث؟ او دار النقاش بين جميع الانصار من جهة وجميع المهاجرين من جهة اخرى، وكيف كان سيحسم الامر لو ترشح للخلافة اكثر من واحد من المهاجرين؟ هذه الامور لم تحدث لذلك لا نستطيع الجزم بشيء ولكن يمكن التكهن –بناءا على القرائن الكثيرة- بان الناس لم يكونوا ليعدلوا بأبي بكر احدا ، صحيح انها كانت ستكون الزم في الحجة واقطع لحجة الشيعة ولكن الامر لم يكن يحتمل التأخير ليبلغ جميع المهاجرين واللوم يقع على الانصار الذين نظموا ذلك الاجتماع بتلك السرعة ولم ينتظروا فراغ المسلمين من غسل ودفن الرسول (a ) والله سبحانه وتعالى قدّر ان تتم على هذه الصورة  و قدّر الله وما شاء فعل.

وهناك سؤال آخر يرد على الذهن : لماذا امر رسول الله ان يتولى غسلَه رجال من اهل بيته ؟ ألعلمه بانه سيكون هناك خلاف حول الخلافة بعد موته فأراد ان ينشغل اهلُ بيته بغسله وتكفينه ليصرف عنهم الخلافة ؟ لا أرى بأسا من تبني هذا الرأي اذا اصر الشيعة على القول بأن الرسول (a ) اراد ببعثة اسامة ابعاد كبار الصحابة عن المدينة لأخلاء الجو لعلي (c) فهذا من ذاك ، ولا فرق بينهما ، فاما ان نرفضهما جميعا او نقبلهما جميعا ولا مرجح لأحدهما على الاخر .

لقد ظهرت عبقرية ابي بكر بجلاء في حادثة السقيفة كما ظهرت عليه آثار التربية النبوية فاستطاع بصدق لهجته وقوة حجته ان يبدد تلك المخاوف في كلمة قصيرة صادقة ألقاها على مسامع الانصار ، فما لبثوا بعدها ان سارعوا الى مبايعته لما لمسوه من صدق لهجته وقوة دليله ولثقتهم بأنه الصدّيق الذي لايخلف وعده. لقد غلب ابو بكر سعدا بمنطقه الايماني لا بعشيرته ولا بأتباعه فهو كما قلنا لم يكن معه في ذلك المجلس سوى عمر وابي عبيدة .

نعم هنا تجلت عبقربة  وكفاءة ابي بكر , وهذا يُعدّ بحق من اعظم مواقفه التى وقفها في نصرة الاسلام اضافة الى مواقفه الاخرى التي تعد كل واحدة منها مفخرة من مفاخره : فوقوفه الى جانب الرسول في مكة و تصديقه اياه حين كذّبه قومه ثم هجرته معه و تكريسه لماله و اهله لخدمة الرسول ثم وقوفه في الناس خطيبا بعد وفاة الرسول يبين لهم الحقيقة و مقولته المشهورة ( من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات و من كان يعبد الله فأن الله حيٌّ لا يموت ) ثم وقوفه في وجه المرتدين، و تجهيزه لجيش اسامة ، وشروعه في الفتوحات الاسلاميه ،و نشره للاسلام ثم جمعه للقران الكريم و اخيرا توليه لعمر بن الخطاب الفاروق الزاهد العابد العادل ، كل هذه تعد من مفاخره ومن أفضاله على هذه الامة رحمه الله رحمة واسعة ورضي عنه ورفع درجته في اعلى عِلِّيين.

لقد كان اسلوب ابي بكر في حل النزاع في السقيفة من احكم و اروع الاساليب التي يجب على القادة ان يتبعوها , فهو بعد ان تفهّم دوافع الانصار في الاسراع الى هذا الاجتماع بدأ يتحدث اليهم بأسلوب الطبيب الحاذق الماهر الذي يشخص الداء ثم يصف له الدواء الناجع.

لقد بدأ ابو بكر حديثه بالاقرار بفضائل الانصار ومواقفهم ، وما قدموه للاسلام من تضحيات ، وما كان لهم من مكانة في قلب النبـي واقرّ لهم بكل مزاياهم ، ثم ذكر المهاجرين وفضلهم ومواقفهم وما تحملوه في سبيل الله وما لاقوه من قريش ، ثم ذكر ثقل مكة في الجزيرة العربية ومكانة قريش بين العرب وسهولة انصياع الناس لهم، ثم أكّد لهم بأنهم لن يقضوا امرا دونهم . هنالك انتبه الانصار واطمأنوا بأن مكانتهم ستبقى محفوظة وحقوقهم تبقى مضمونة وانه سيكون لهم دور مستقبلي لا يقل عما كان عليه في عهد الرسول لذلك رضوا بامامة ابي بكر وسارعوا الى مبايعته!.

بهذا الاسلوب الرائع الصادق النابع من القلب والذي لامس شغاف القلوب خاطب ابوبكر الانصار واستطاع ان يحسم ذلك الخلاف وان يُجنِّب المسلمين مخاطر فتنة كانت على وشك الحدوث والتي ما كان يعلم مداها الاّ الله سبحانه وتعالى . ولك ان تتخيل لو ان تلك المشكلة لم تحل بتلك السرعة والعرب حديثو عهد بالاسلام وقد ارتد اكثرهم فيما بعد ، كيف كان سيكون حال المسلمين ؟. الا يدعوك هذا الى القول بان ابابكر كان من نعم الله على هذه الامة وانه كان قدرا من اقدار الله حفظ الله به وحدة المسلمين وحافظ به على دينه .

رد شبهة:

قد يقول قائل ان ابابكر استفاد من اختلاف الاوس والخزرج ، وان الاوس ارادوا تفويت الفرصة على الخزرج بمبايعتهم لابي بكر[6] . وهذا يكذبه امور:

اولا: استجابة الاوس لدعوة الخزرج للاجتماع في السقيفة وعدم حدوث نزاع بينهم على الخلافة  قبل وصول المهاجرين وعدم اعتراضهم على مبايعة سعد بن عبادة .

كان بامكان الاوس ان يبرموا اتفاقا مع الخزرج على تداول السلطة فيما بينهم ولكنهم لم يفعلوا ذلك مما يدل على انه لم يكن بينهم من يرونه اهلا للخلافة بعكس الخزرج الذين برز فيهم سعد بن عبادة .

ثانيا: واهم من ذلك أن الذي أفسد الامر على سعد بن عبادة  كان خزرجيا ولم يكن أَوسيا، وهو  بشير بن سعد الخزرجي، وان الدافع كان دينيا وليس دنيويا وقد ظهر ذلك جليا في جواب بشير بن سعد للحباب بن المنذر حين قال له حباب انفست على ابن عمك الخلافة ؟ قال بشير: لا والله، ولكني رأيت هؤلاء لها اهلا فلم اُرد ان اُنازع القومَ حقَّهم.

ثالثا: متابعة الخزرج للاوس في مبايعة ابي بكر ، فلو كان ما يقوله الشيعة صحيحاَ من ان الاوس ارادوا تفويت الفرصة على الخزرج لأحدث ذلك  ردة فعل عند الخزرج  ولدفعهم الى مخالفة الاوس والبحث عن رجل آخر لمبايعته . هذا هو طبع البشر ولكن متابعة الخزرج للاوس لمبايعة ابي بكر يدل على ان الامر لم يكن بالشكل الذي يصوره الشيعة.

ولو كان ما يزعمه الشيعة ، من وجود نزاع بين الاوس والخزرج ، صحيحا لعُدّ هذا دليلا قويا على عدم وجود مرشحين آخرين للخلافة فضلا عن وجود النص والبيعة .  فليس وجود النص والبيعة وانما مجرد وجود اشخاص آخرين مرشحين للخلافة او مؤهلين اكثر من ابي بكر لكان كافيا لحمل الخزرج على الامتناع عن متابعة الاوس في مبايعة ابي بكر.

اما ما قاله اسيد بن حضير فكان بعد مبادرة بشير بن سعد الخزرجي وبعد اقتناعهم بمنطق ابي بكر وحجته فلم يريدوا ادامة الخلاف ورأوا ان ابابكر افضل لهم من سعد واولى بها منه .

انني اجزم بان ما حدث في السقيفة كان بتقدير الله ومن ألطافه بهذه الامة التي قال عنها" كنتم خير امة اخرجت للناس" لتقوم باداء رسالتها على خير وجه وقد ادرك ابو هريرة هذه الحقيقة لذلك اقسم ثلاث مرات انه لولا أَبُو بَكْرٍ لَهَلَكَتْ أُمّةُ مُحَمّدٍ عَلَيْهِ السّلامُ بَعْدَ نبـيهَا. .

     ان اجتماع المسلمين على ابي بكر بهذه السرعة وسكوت الاصوات المعارضة يدل على عدة امور ، منها:

اولا: عدم وجود نص على احد ولا بيعة في عنق احد. اذ لو كان هناك نص على احد او بيعة في اعناق الناس لاحد لما هدأت هذه الاصوات المعارضة بهذه السرعة ولما سكت صاحب هذا الحق بهذه السهولة .فان كان سعد بن عبادة قد رشحه قومه لهذا المنصب لم يسكت بسهولة وظل ممتنعا عن مبايعة ابي بكر وعمر وامتنع عن الصلاة خلفهم والحج معهم ، كيف يسكت من رشحه الله ورسوله لمنصب الخلافة وقد اخذ امره بُعداً دينيا ؟

ثانيا: يدل على نضج هذا المجتمع وتشبعه بتعاليم الاسلام ورضوخه لمنطق الحق وايثاره لمصلحة الاسلام على المصالح الشخصية والقبلية والوطنية. وهذه النقطة سنتحدث عنها بشيء من التفصيل فيما بعد.

ثالثا: يدل على مكانة ابي بكر  وفضله ، فلو لم يتمتع ابوبكر بتلك المنزلة والمكانة  لما انقاد الناس له بتلك السهولة ولا سيما اذا عرفنا انه كان  من اصغر بيوتات قريش كما عبر عن ذلك ابو سفيان عشية سماعه خبر استخلاف ابي بكر.

 

[1].في الواقع هذا العدد غير صحيح لأن الذين حضروا هذا المكان لم يكونوا كل الحجيج بل كانوا فقط اهل المدينة وما حولها لأن الحجيج انفضوا بعد اداء مناسك الحج وكل رجع الى بلده ، وسيأتي الحديث عن هذاالحديث ومناسبة وروده ان شاء الله تعالى.

[2] . ومن الجدير بالذكر ان  هذه الحادثة  وقعت في السنة العاشرة للهجرة ، بينما السورة بكاملها مكية ونزلت قبل الهجرة فكيف فاتهم هذا ؟  

[3] . هذا في زعم الشيعة وإلاّ فالعدد اقل من ذلك بكثير !  وسواء كانوا مائة الف او اقل فالنتيجة واحدة وهي ان احدا من هؤلاء لم يشر الى هذه الحادثة ولم يحتج بها ولم يجعل منها وسيلة للطعن في اجتماع السقيفة واختيار ابي بكر ، بل بالعكس كلما كان العدد اكثر كانت الحجة على الشيعة اقوى ولكن الحق احق ان يُقر وهو ان العدد اقل بكثير مما يدعيه الشيعة.

[4].  "ما اقلت الغبراء ولا اظلت الخضراء اصدق لهجة من ابي ذر" وستكون لنا وقفة طويلة مع مواقف ابي ذر لما لها من دلالات مهمة في هذا المجال.

لأكون من الصادقين /محمد التيجاني السماوي..[5]

[6] . ذكرها الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه " السقيفة".

 

  • الخميس PM 12:32
    2021-05-20
  • 1514
Powered by: GateGold