المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409038
يتصفح الموقع حاليا : 193

البحث

البحث

عرض المادة

المسـألة الإسـرائيلية

المسـألة الإسـرائيلية
The Israeli Question

«المسألة الإسرائيلية» مصطلح قمنا بسكه لوصف وضع أعضاء التجمُّع الاستيطاني في فلسطين وحالة الحرب المستمرة التي يعيشـون فيها منذ وصـول دفعات المسـتوطنين الصهاينة الأولى عام 1882. والمسألة الإسرائيلية لا يمكن رؤيتها في إطار يهودي خاص، وإنما يجب النظر إليها في إطار أكثر عمومية وشمولاً وهو الاستعمار الغربي وتاريخ الأفكار في الحضارة الغربية. فهي مشكلة ناجمة عن وصول كتلة بشرية يهودية (من الغرب حتى عام 1948 ثم من الشرق بعد ذلك) بهدف الاستيلاء على الأرض الفلسطينية ولتحل محل السكان الأصليين الذين يكون مصيرهم عادةً، في إطار الاستعمار الاستيطاني والإحلالي، هو الإبادة أو الطرد. وقد تسبَّب هذا في ظهور المسألة الفلسطينية، وهي قضية أعضاء الشعب الفلسطيني الذي تعرَّضوا لعملية الغزو والطرد هذه والذين كان من المفروض فيهم (حسب المخطط الاستعماري الغربي والصهيوني) إما أن يختفوا أو يذعنوا لحالة الغزو والطرد. ولكنهم، على عكس التوقعات الغربية والصهيونية، لم يختفوا ولم يذعنوا للغزو والقهر والطرد واستمروا في مقاومة المستوطنين،بل تصاعدت مقاومتهم عبْر السنين، وهو ما يثير وبحدة قضية شرعية الوجود.

ونحن نميِّز بين ما نسميه «المسألة الإسرائيلية» وما يُسمَّى «المسألة اليهودية»، إذ أن الخلط بينهما هو في نهاية الأمر تقبل للمقولات الصهيونية الخاصة بوحدة الشعب اليهودي ووحدة تاريخه وتراثه، وهي مقولات ذات مقدرة تفسيرية ضعيفة ليس لها ما يساندها في الواقع. ومحاولة فرضها على الواقع هو الذي أدَّى إلى العنف المستمر. ولو بحثنا عن العناصر المشتركة بين المسألتين الإسرائيلية واليهودية لاكتشفنا أنها لا وجود لها، فالمسألة اليهودية (بصيغة المفرد) هي مشكلة يهود شرق أوربا في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك أثناء مرحلة تعثُّر التحديث في روسيا القيصرية وما نجم عن مشاكل للجماعات اليهودية والشعوب والأقليات الأخرى داخل العالم الغربي وهو ما اضطرها للهجرة إلى غرب أوربا والولايات المتحدة. وبدلاً من أن يحل العالم الغربي مشـاكله قـام، انطلاقاً من رؤيتـه الإمبريالية للعـالم، بتصديرها للشرق بعد تبنِّي الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة.

ونحن العرب لا علاقة لنا بالمسألة اليهودية، فهي لم تظهر في التشكيل الحضاري العربي. بل لعل كثيراً من المفكرين العرب لم يسمعوا عنها في حينها إذ أنها لا تنتـمي إلى البنـية التاريخـية العربية. وعلى كلٍّ، فإن المسألة اليهودية، لم تَعُد مشكلة مطروحة، فقد تم حلها بطرائق غربية مختلفة (التصدير إلى الشرق ـ الاندماج في غرب أوربا ثم الولايات المتحدة ـ الإبادة(.

أما المسألة الإسرائيلية، فهي مشكلة أعضاء التجمع الاستيطاني الصهيوني، وخصوصاً أعضاء الأجيال الجديدة، الذين وُلدوا على أرض فلسطين ونشأوا فيها ولا يعرفون لهم وطناً آخر ولا يتحدثون سوى العبرية. ونحن العرب نشكل طرفاً مباشراً في هذه المسألة فنحن الضحية، كما لا يمكن حلها دون تدخُّلنا إذ أنها مسألة توجد في صميم البنية التاريخية العربية. ورغم أن المسألة اليهودية هي التي أفرزت المسألة الإسرائىلية، ذلك أن الصهيونية في محاولتها فرض حلها للمسألة اليهودية (بمساعدة الإمبريالية) نجحت في التأثير على بعض اليهود المهاجرين إلى الولايات المتحدة وغيرها من البلاد لتحويلهم إلى فلسطين، إلا أن المسألتين مع هذا تظلان منفصلتين تماماً وتنتميان إلى بناءين مختلفين. وعملية الربط بينهـما هي محاولة للتعمية ولطمـس المعالم الخاصة بكلٍّ منهما. ومما لا شك فيه أن من مصلحة الصهيونية افتراض وحدة المسـألتين، حتى تربط أمن الدولة الصـهيونية بأمن الإسـرائيليين من ناحية، وبأمن الجماعات اليهودية في العالم من ناحية أخرى، وحتى تفرض على يهود العالم، من ناحية ثالثة، فكرة الشعب اليهودي الواحد وكل المقولات الصهيونية الأخرى.

ولا يوجد حل للمسألة الإسرائيلية طالما ظلت مرتبطة بالمسألة اليهودية، أي طالما تم النظر إليها في الإطار الصهيوني. فهذا الارتباط يعني أن أعضاء التجمع الاستيطاني هم جزء من الشعب اليهودي، والحضارة الغربية، وأن المشاكل التي تحدث "هناك" تجد حلاً لها "هنا"، وينتج عن ذلك تعميق بنية الاغتصاب والتفاوت. فكل مهاجر يهودي يحضر إلى فلسطين يحل محل مواطن عربي ويشغل حيزه العربي ويُعمِّق هوية الدولة الصهيونية باعتبارها دولة استيطانية إحلالية في حالة صراع مع العرب، ويُعمِّق حدة المسألة الفلسطينية.

ومع هذا تدور كل الحلول الإسرائيلية المطروحة لإشكالية الصراع الدائر في فلسطين المحتلة داخل إطار صهيوني. قد تختلف طبيعة الحل في اعتدالها وتطرفها من اتجاه لآخر، لكن كل الاتجاهات لا تتنازل عن الحد الأدنى الصهيوني، وتحاول الوصول إلى الحد الأقصى حينما تكون الظروف مواتية.

الصهيونيـــة فــي التســعينيات: محاولـــة للتصنيــف
Zionism in the Nineties: An Attempt at Classification
في محاولتنا تعريف الصهيونية طرحنا الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة كإطار للتعريف ومن ثم سمينا كل "المدارس" الصهيونية "تيارات"، باعتبار أنها جميعاً تتقبل الصيغة الصهيونية. وبيَّنا أن إدخال ديباجات يهودية على هذه الصيغة قد هوَّدها دون أن يُغيِّر بنيتها، وأن التهويد يستند في واقع الأمر إلى الحلولية اليهودية.


وفي محاولتنا تصنيف الاتجاهات الصهيونية الجديدة المختلفة سنتبع نفس المنهج، وسنبدأ بالصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة باعتبارها تُشكِّل الإجماع الصهيوني أو الحد الأدنى الصهيوني الذي ينطلق منه الجميع. أما الحلولية فهي الإطار الذي تم من خلاله تهويد الصيغة وعقد الاتفاق بين الصهاينة دعاة الديباجات الدينية والعلمانيين. وفي هذا الإطار سنشير إلى اتجاهين صهيونيين أساسيين يعكسان التطوُّرات التي حدثت داخل المعسكر الصهيوني وفي العالم.

ويمكننا القول بأن المشروع الصهيوني قد مرّ بمرحلة "بطولية" كانت الأيديولوجية الصهيونية فيه تشكل دليلاً للعمل، وكانت جماعة المستوطنين (قبل أو بعد 48) تتسم بالتماسك ووضوح الرؤية النسبي، وقد زاد الرفض العربي هذا التماسك، إذ أصبح البقاء الإشكالية الأساسية. ولكن بعد عام 1967، لم يَعُد البقاء قضية ملحة وتصاعد الاستهلاك وتفاقمت الأزمة. وقد واكب هذا ظهور النظام العالمي الجديد مع ما يتسم به من سيولة أيديولوجية.

استجابة لهذا الوضع ظهر تياران أساسيان (وتنويعات كثيرة عليهما):

1 ـ الصهيونية الحلولية العضوية، التي عمَّقت الحلولية اليهودية الثنائية الصلبة.

2 ـ صهيونية عصر ما بعد الحداثة، والتي تدور في إطار الحلولية السائلة.

وبينما تتسم الأولى بالصلابة الشديدة تتسم الثانية بالسيولة الشديدة، ولكن رغم الصلابة أو السيولة فإن الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة تظل الإطار المرجعي الذي يدور الجميع داخله. ويمكن القول بأن التيارين هما استمرار بشكل جديد وفي ظروف جديدة للصراع القديم بين الصهيونية السياسية أو العامة والصهيونية التصحيحية، وأن كليهما لا يقدِّم حلاً للمسألة الإسرائيلية، بل يزيدها تفاقماً.

  • الثلاثاء PM 12:06
    2021-05-18
  • 1073
Powered by: GateGold