المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412644
يتصفح الموقع حاليا : 340

البحث

البحث

عرض المادة

من هو اليهودي عام 1997؟

من هو اليهودي عام 1997؟
Who is a Jew 1997 ?
مما يزيد مشكلة الهوية اليهودية تفاقماً أن اليهودية الإصلاحية والمحافظة بدأت تصل إلى إسرائيل وقد تزايد عدد التابعين لها، هذا في الوقت الذي وصل فيه عدد الإصلاحيين والمحافظين المتدينين في الولايات المتحدة حوالي 85% من عدد يهود الولايات المتحدة المتدينين. ويجب أن نذكر أن اليهود الملحدين (وكثير من المتدينين) في الولايات المتحدة يصرون على فصل الدين عن الدولة (متبعين في ذلك مجتمعهم منادين بذلك باعتبارهم أعضاء أقلية يرون أن ذلك في مصلحتهم)، أما اليهود الملحدون في إسرائيل فهم لا يكترثون أساساً بالدين (وهم أعضاء أغلبية) ولذا فهم لا يمانعون في أن يسيطر الأرثوذكس على جميع مناحي الحياة (وخصوصاً أن مثل هذا الاستعراض الديني يزيد من شرعية الدولة وشرعية الاستيلاء على الأراضي).


وقد أدَّى هذا الوضع إلى فقدان الاتزان على مستوى يهود العالم. فبينما ترى أغلبية الدياسبورا (التي تهيمن على المنظمة الصهيونية) ضرورة فصل الدين عن الدولة، تحاول المؤسسة الأرثوذكسية في إسرائيل أن يلعب الدين دوراً أساسياً في حياة الفرد الخاصة والعامة بل أن يتحكم الدين في الحياة الخاصة للمواطنين، وأن تقوم هي بتعريف من هو اليهودي والقوانين الخاصة بالعلاقة الدينية بين الفرد والمجتمع.

وقد جرى تمرير قانون في الكنيست يلغي الاعتراف بعقود الزواج التي يجريها الحاخامات التابعون للتيار الإصلاحي والمحافظ. ومع أن القانون مر في المرحلة الأولى (من أربع مراحل)، فقد غضب اليهود الإصلاحيون والمحافظون بشدة وهددوا علانية بقطع المساعدات والتبرعات عن إسرائيل. فاتصل نتنياهو شخصياً برؤسائهم ودعاهم للقائه في مكتبه (في القدس). وأخبرهم أن تمرير القانون في القراءة التمهيدية لا يعني أنه سينجح. وقال إنه قرر إقامة لجنة تضم المسئولين من كل التيارات الدينية في إسرائيل لتبحث الموضوع وتتوصل إلى قرارات وحلول ترضي كل الأطراف.

وبالفعل تم تشكيل لجنة يرأسها وزير المالية يعقوب نئمان لإنشاء محكمة تفصل في حالات اعتناق الديانة اليهودية داخل إسرائيل. وقد وعد زعماء الإصلاح والمحافظة بالتوقف عن الهجوم على الحكومة الصهيونية أو القيام بأية إجراءات قبل أن تنهي اللجنة عملها، وكان نئمان قد اقترح إنشاء محكمة مشتركة تضم ممثلين عن اليهود المحافظين والإصلاحيين على أن يرأسها حاخام من اليهود الأرثوذكس. ولكن الأرثوذكس (في الحاخامية الرئيسية) رفضوا هذه المقترحات تماماً. ووصف قادة الإصلاحيين والمحافظين قرار الحاخامات الأرثوذكس بأنه سيؤدي إلى انقسام خطير في صفوف اليهود، ويهدد مستقبل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي المقابل، أعرب اليهود الإصلاحيون والمحافظون عن شعورهم بالصدمة، وقال الحاخام إيهود باندل، رئيس الحركة المحافظة في إسرائيل، إن رفض المتشددين للتسوية بمنزلة إعلان حرب ضد الشعب اليهودي. وأكد الحاخام يوري ريجيف رئيس الحركة الإصلاحية أن الحاخامية الكبرى قد أغلقت الباب في وجه التسوية.

ثم وقعت مشكلة جديدة، إذ تم انتخاب امرأة، من التيار الديني الإصلاحي، عضواً في المجلس الديني لمدينة نتانيا. وهو مجلس مؤلف من تركيبة حزبية (لكل حزب ممثلون حسب نسبته في الانتخابات البلدية) وشعبية (ممثلي الشعب) ودينية (مندوبين يعينهم مجلس الرئاسة الروحية الرسمية) وجاء تعيين "الحاخامة" جويس برنر (وهي بروفسير في اللاهوت) عن حزب ميرتس اليساري الصهيوني.

هذا الانتخاب أثار جنون الأرثوذكس (فاليهودية الأرثوذكسية لا تقبل باشتراك النساء في صلاة الجماعة في المعبد ولا بحاخامات إناث) فرفضوه، فتوجهت الحاخامة الجديدة إلى المحكمة العليا واستصدرت أمراً يجيز التعيين ويؤكد أنه قانوني وبأمر وزير الأديان بالمصادقة عليه. ولكيلا يعتبر موقفه إهانة للمحكمة وقرارها، وهو أمر مخالف للقانون، اتفق نتنياهو، مع قيادة شاس، أن يقيل وزير الأديان (إيلي سويسا من حزب شاس) ويأخذ صلاحياته لمدة ساعة، يوقع خلالها بنفسه على كتاب التعيين، ثم يعيد الوزارة إليه. لكن هذا الحل لم يرض الأرثوذكس ولا حتى الحاخامين الأكبرين، فراحوا يهاجمون نتنياهو وقرروا مقاطعة كل مجلس ديني يضم امرأة أو يضم حاخاماً إصلاحياً أو محافظاً (يرى الأرثوذكس أن هذين "المذهبين" يجب ألا يُمثَّلا أساساً في المجالس الدينية).

ولعل تزايد النسبية الأخلاقية في الولايات المتحدة، وهو أمر يترك أثره بشكل واضح على يهود الولايات المتحدة، وانتماءاتهم الدينية وشبه الدينية واللا دينية المختلفة سيزيد من تصعيد الصراع بين الأرثوذكس وغيرهم. فعلى سبيل المثال، يمكن للمرء تخيل استجابة الحاخامات الأرثوذكس لقيام بعض النساء من الولايات المتحدة بلبس الطاليت وحمل التوراة ومحاولة الصلاة بجوار حائط المبكى والإصرار على أن يرسمن حاخامات. ويمكن للمرء كذلك تخيل موقف المؤسسة الأرثوذكسية من قيام أحد الحاخامات الإصلاحيين بعقد أول قران "ديني" بين زوجين،كلاهما من الذكور، في إسرائيل!

الأزمـــة الســـكانية الاســـتيطانية
Demographic and Settlement Crisis
كان من الممكن أن يتجاوز الكيان الصهيوني كل مظاهر أزمة الهوية ويستوعبها، أو على الأقل كان يمكنه أن يتجاهلها، كما كان يفعل في الماضي، ما دامت المادة البشرية الاستيطانية متوفرة: ففيم تهم قضية الهوية أو التطبيع لو أن الوقود البشري لا يكف عن التدفق نحو آلة الحرب والاستيطان الصهيوني لخلق حقائق جديدة، وأمر واقع جديد؟ ولكن الأمر ليس كذلك، فثمة أزمة سكانية عميقة تجعل من المشروع الصهيوني أكذوبة عقيمة دخلت طريقاً مسدوداً.


ولفهم هذا الجانب من أزمة الصهيونية الاستيطانية، علينا أن نغيِّر المنظور قليلاً ونتحدث لا عن المُستوطَن الصهيوني وحسب، وإنما عن الجماعات اليهودية في الغرب، وخصوصاً في الولايات المتحدة. فالحركة الصهيونية، منذ ظهورها في أواخر القرن الماضي، تعاني أزمة سكانية تتهددها في الصميم. ذلك أن المشروع الصهيوني مشروع استعماري وعد بتقديم المادة البشرية المطلوبة للاستيطان والقتال، ولكن هناك تطورات قد حدثت منذ عام 1882 حتى الوقت الحالي هي:

1 ـ استُؤنف التحديث المتعثر المتوقف في شرق أوربا بعد عام 1917 (عام توقيع وعد بلفور)، الأمر الذي فصل الكتلة البشرية اليهودية في روسيا عن المشروع الصهيوني إذ أن المجتمع السوفيتي الجديد الذي حرَّم معاداة اليهود أتاح أمامهم فرص الحراك الاجتماعي. وقد كان هناك مفكرون يهود كثيرون تنبأوا بذلك وراهنوا عليه، وانخرطت أعداد كبيرة من الجماهير اليهودية (اليديشية) في صفوف الأحزاب الثورية الاشتراكية في روسيا وغيرها.

2 ـ اختفت أعداد كبيرة من الكتلة البشرية اليهودية في بولندا وغيرها من دول أوربا من خلال الإبادة النازية ليهود أوربا وغيرهم من الجماعات الإثنية والدينية، أو من خلال عناصر أخرى (مثل التنصير والتخفي).

3 ـ ظهر أن الولايات المتحدة تشكل نقطة جذب بالنسبة للمهاجرين اليهود من أوربا ومن كل أنحاء العالم. وقد بدأ هذا الاتجاه في التبلور مع تعـثُّر التحديث وتوقُّفـه في شـرق أوربا. ومن المعروف أن الآلاف القليلة التي اتجهت إلى فلسطين للاستيطان فعلت ذلك لأن أبواب الولايات المتحدة كانت موصدة دونها. ولكن، بعد أن فُتحت الأبواب منذ الستينيات، تتجـه الهجرة اليهـودية قدماً نحو المنفـى البابلي الجديد اللذيذ.

4 ـ يُلاحَظ التناقص المستمر في أعداد أعضاء الجماعات اليهودية في العالم (خارج إسرائيل) فيما يُسمَّى ظاهرة «موت الشعب اليهودي» بسبب الاندماج والزواج المُختلَط والعزوف عن الزواج والإنجاب وانخفاض الخصوبة.

5 ـ لم يهاجر أعضاء الجماعات اليهودية إلى الدولة الصهيونية بأعداد غفيرة كما كان متوقعاً، فهم صهاينة توطينيون، يتحدثون عن الصهيونية بحماس ولكنهم لا يهاجرون.

6 ـ أفرغت الهجرة اليهودية السوفيتية الأخيرة المصادر المتبقية للمادة البشرية الاستيطانية في شرق أوربا (المصدر الأساسي للمستوطنين).

7 ـ ومما يزيد المشكلة السكانية حدة، بالنسبة للكيان الصهيوني، ظاهرة النزوح. إذ يُلاحَظ أن أعداد النازحين آخذة في التزايد في الآونة الأخيرة. وقد بلغ عددهم ما يزيد على 700 ألف (أو أكثر حسب الإحصاءات غير الرسمية). وقد أصبح قرار النزوح مقبولاً اجتماعياً، ويظهر على شاشات التليفزيون الإسرائيلي بعض النازحين ليتحدثوا عن قصص نجاحهم في الولايات المتحدة، كما تظهر في الصحف الإسرائيلية إعلانات عن إسرائيليين يودون بيع شققهم استعداداً للهجرة، وهذه أمور كانت في الماضي تتم سراً. كما يُلاحَظ أن نوعية النازحين نفسها قد تغيرت، فمعدل النازحين من بين أبناء الكيبوتسات التابعين لأكبر حركتين (الحركة الكيبوتسية الموحَّدة والكيبوتس القُطري) في فئة العمر 25 ـ 45 هو 6% في المتوسط. وهذا المعدل يساوي معدل نزوح هذه الأجيال في المجتمع الإسرائيلي. وقد نزحت العناصر العسكرية عن المُستوطَن الصهيوني بأعداد كبيرة آخذة في التزايد.

والأزمة السكانية تثير قضية الهوية اليهودية ولكنها في الوقت نفسه تثير بشكل مباشر قضية الاستيطان. فالصهاينة يصرحون كل يوم بعزمهم على إنشاء المستوطنات، ولكن المستوطنات في الضفة الغربية قائمة وتزداد عدداً وحجماً ولكن عدد المستوطنين فيها لم يزد بعد مرور ما يزيد عن ثلاثين عاماً عن 120 ـ 140 ألف (وهو عدد أقل من الزيادة الطبيعية السنوية للفلسطينيين العرب في تلك المنطقة). وكان الجيب الاستيطاني الصهيوني حتى عام 1967 إحلالياً، ولكنه تحوَّل إلى جيب استيطاني من النوع الذي يستند إلى التفرقة اللونية على طريقة جنوب أفريقيا حيث يتم الاحتفاظ بالأرض ومن عليها من سكان ويتم تحويلهم إلى مصدر للعمالة الرخيصة.

وقد أتاح النظام العالمي الجديد فرصاً جديدة للنظام الاستيطاني الصهيوني بحيث أصبح بوسعه أن يتجاوز نطاق فلسطين المحتلة ليتغلغل في البلاد العربية وليُحوِّل السوق العربية إلى سوق شرق أوسطية يلعب هو فيها دور الوسيط الأساسي بين العرب والغرب، بل بين كل دولة عربية وأخرى.

وتكمن المفارقة في أن توسُّع الجيب الاستيطاني يتطلب المزيد من المستوطنين، أي المادة البشرية، للاستيطان والقتال وللأعمال التجارية، ولكن المادة البشرية اليهودية غير متوافرة وإن تم استيراد مادة بشرية عربية فإن هذا يشكل تهديداً لهوية الدولة. وقد ظهر في إسرائيل صراع بين ما سمي «الصهيونية الديموجرافية» أو «السكانية» و«صهيونية الأراضي».

  • الثلاثاء AM 11:54
    2021-05-18
  • 1206
Powered by: GateGold