المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413869
يتصفح الموقع حاليا : 305

البحث

البحث

عرض المادة

اهــــتزاز الوضــــع الراهــــن

اهــــتزاز الوضــــع الراهــــن
Destabilization of the Status Quo
«الوضع الراهن» عبارة تُستخدَم للإشارة للأمر الواقع الديني بين المستوطنين الصهاينة إبَّان حكم الانتداب. فعلى سبيل المثال، تتوقف المواصلات العامة يوم السبت، ولكن يمكن استخدام السيارات الخاصة أو التاكسيات، وتُغلَق الشوارع في الأحياء التي تقطنها أغلبية متدينة وتُترَك مفتوحة في الأحياء الأخرى. أما في مجال الزواج والطلاق فقد وضعت الصلاحيات المطلقة في يد مؤسسة القضاء الحاخامي التي يسيطر عليها المتدينون (وهو استمرار لنظام الملة العثماني والذي أبقت عليه سلطات الانتداب). وقد تم الاعتراف بالتعليم الديني المستقل، وهو ما يعني أن الدولة عليها أن تموِّله (وقد أصبح فيما بعد هو العمود الفقرى لتطور التطرف الصهيونى، ذى الديباحات الدينية). ولا تُعرَض أفلام سينمائية ابتداءً من يوم الجمعة مساءً، وإن كان يُصرَّح بلعب كرة القدم يوم السبت (على أن تباع التذاكر في اليوم السابق). وقد أرسل بن جوريون عام 1947 (باعتباره رئيس الوكالة اليهودية) خطاباً إلى زعماء أجودات إسرائيل وعد فيه بالحفاظ على الوضع الراهن. وقد تم أيضا اعفاء طلبه المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية.


والعقد الاجتماعي الصهيوني يستند إلى قبول «الوضع الراهن» باعتباره الإطار المرجعي لكل العناصر التي تقبل المشروع الصهيوني (ولذا تُرفق اتفاقية الوضع الراهن بكل اتفاق ائتلافي منذ عام 1955). والتفاهم العملي يمكن أن ينصرف إلى التفاصيل والفروع ولكنه غير قادر على حل المشاكل المبدئية، ولذا فالعقد الاجتماعي الذي يستند إليه المجتمع الصهيوني عقد واه جداً مهدد بالتمزق دائماً وفي أية لحظة. وقد أشرنا إلى أن الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة تفترض أن اليهود شعب عضوي منبوذ ونافع يمكن توظيفه خارج أوربا لصالحها داخل إطار الدولة الوظيفية. وقد وُلدت الصهيونية على يد صهاينة غير يهود لا يكترثون باليهود وينظرون إليهم من الخارج باعتبارهم مادة استيطانية. ثم انضم إليهم صهاينة يهود غير يهود يشاركونهم عدم الاكتراث هذا. ثم ظهر دعاة الصهيونية الإثنية العلمانية الذين هوَّدوا الصيغة عن طريق إدخال مصطلحات الحلولية اليهودية العضوية على الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة، ونادوا بالقومية اليهودية. لكن القومية، بالنسبة إليهم، تستند في نهاية الأمر إلى قراءة صهيونية لما يسمونه «التاريخ اليهودي» تثبت وجـود شعب يهودي متميِّز مستقل. ولا تُعدُّ كُتب اليهود المقدَّسة مـن هذا المنظور سوى جزء من فلكلور هذا الشعب وتاريخه. ولذا، فإن القومية اليهودية قومية مقدَّسة، ولكنها مختلفة عن الدين اليهودي ومستقلة عنه، بل معادية له أحياناً. ثم كان هناك الجيب الصغير من الصهاينة الإثنيين الدينيين، وقد افـترض هـؤلاء منذ البداية أن الدين هو القومية وأن القومية هي الدين. وهكذا، فبدلاً من القومية بلا دين على طريقة هرتزل (والغرب عامة بعد عصر الإعتاق والاستنارة)، أو القومية بدلاً من الدين على طريقة آحاد هعام (والقومية العضوية الألمانية السلافية)، نصل إلى القومية كدين والدين كقومية على طريقة الشرق الأدنى القديم (الحلولية الوثنية). ولعل أهم مفكري هذا التيار هو الحاخام كوك صاحب الفكر الصهيوني الحلولي الذي هاجم من سماهم «الانشطاريين»، أي الذين يفصلون الدين عن القومية.

وقد حاولت اليهودية الحاخامية محاصرة النزعة المشيحانية الحلولية بأن جعلت العودة منوطة بالأمر الإلهي، فكأنها استعادت شيئاً من الثنائية التوحيدية بدلاً من الواحدية الحلولية. ولكن الصهيونية الإثنية الدينية حطمت السدود الحاخامية الأرثوذكسية وبعثت النزعة الحلولية. ورغم أن مارتن بوبر يُعَد من أتباع الصهيونية الإثنية العلمانية، إلا أن مصطلحه الصهيوني ديني صوفي حلولي عضوي إلى أقصى درجة، إذ يلغي الازدواجيات والحدود ويؤكد أن إسرائيل شعب وأن القومي والمقدَّس يتداخلان في حالته تداخلاً تاماً. ولقد تلقَّى إسرائيل الشعب وحياً دينياً في سيناء، ولكن روح هذا الدين هي روح قوميته. ولا يختلف الوحي الذي تلقاه موسى من الرب عن الروح القومية للشعب. وهكذا يذوب الشعب في الإله ليكوِّنا كلاًّ واحداً غير متمايز، فلقد حل المطلق في النسبي حلولاً كاملاً، كما ابتلع النسبي المطلق ابتلاعاً كاملاً، ولذلك فإن في وسـع اليهـودي أن يعي الإله بأن يعي نفسه، أو كما قال الحاخام كوك: "إن روح إسرائيل وروح الإله هما شيء واحد".

وكما أسلفنا تعايش التياران جنباً إلى جنب: التيار الحلولي الديني (القومية كدين والدين كقومية)، والتيار الحلولي العلماني (القومية كدين)، وتقبلا سياسة الوضع الراهن، وكان من الممكن أن يستمر التياران في التعايش إلى ما لا نهاية، فالخطاب الصهيوني المراوغ كان كفيلاً بذلك. ولكن قبول الوضع الراهن كان مجرد تفاهم عملي، ولم يكن مبدئياً بأيِّ شكل من الأشكال تتحكم فيه توازنات القوى بين الفريقين الديني والعلماني واللاديني.

وقد ظل الوضع الراهن قائماً لمدة سنوات طويلة، ودخلت الأحزاب الدينية كل الائتلافات الوزارية التي حكمت إسرائيل، وقنعت بدور التابع الذي يقنع بقطعة من الكعكة. ولكن مع تزايد علمنة المجتمع الصهيوني وعلمنة يهود العالم وتصاعد الخطاب الديني وزيادة عدد الصهاينة من دعاة الديباجات الدينية وظهور مشكلة اجراءات اليهود زادت حدة الاستقطاب في المجتمع الصهيوني بين الدينيين والعلمانيين. ومن الأمثلة على ذلك الموقف من طلبه المعاهد الدينية، فعند إعلان الدولة، وحين تم اعفاءهم من الخدمة العسكرية، كان عددهم لا يتجاوز 400، ولكن عام 1997 كان عددهم يزيد عن29.000. وهذه الألوف لا تعمل، فهم طلبه وحسب، أى أن نسبة كبيرة من المستوطنين أصحاب الديباجات الدينية يعيشون على نفقة دافع الضرائب الإسرائيلي. ولذا أشار لهم أحد كبار العلمانيين في إسرائيل بأنهم «طفيليين»، وهي كلمة لها مدلول خاص في المعجم الإسرائيلي، فكان يستخدمها أعداء اليهود للإشارة لهم. وقد قال شيمون بيريز حين هُزم في الانتخابات: «لقد هزم اليهود الإسرائيليين»، كما لو كان هناك فريقان يتصارعان في إسرائيل: «يهود متيدينون» ضد «إسرائيليين علمانيين»، والفريق الأخير ليس «يهوديا».

واحتكار المؤسسة الدينية لعمليات الزواج والدفن يثير حفيظة العلمانيين. فالمهاجرون اليهود السوفييت (وعدد كبير منهم «غير يهودى» حسب التعريف الأرثوذكس)، لا يمكنه أن يتزوج فى إسرائيل أو يدفن حسب الشريعة اليهودية فيها وقد أُخرج جثمان أحدهم بعد خمس أعوام من دفنه حين شكّت المؤسسة الحاخامية فى يهوديته. كما أن أحد المستوطنين من أصل سوفييتى لقي حتفه بعد إحدي الهجمات الاستشهادية الفلسطينية، ومع هذا لم يتم دفنه في مقبرة يهودية.

كل هذا أدي إلي أن حوالي نصف الإسرائيليين يري أن الموقف المتأزم من العلمانيين والمتدينين سيؤدى إلي نشوب حرب أهلية. وقد قال الحاخام حاييم ميلر إن الحل هو الفصل بين الفريقين منها للاشتباك بينهما.

  • الثلاثاء AM 11:47
    2021-05-18
  • 1265
Powered by: GateGold