المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412557
يتصفح الموقع حاليا : 307

البحث

البحث

عرض المادة

تعريف أزمـــة الصهيونيــة

أزمـــة الصهيونيــة: تعـريف
Crisis of Zionism: Definition

«أزمة الصهيونية» اصطلاح نستخدمه للإشارة إلى المشاكل التي تواجهها الصهيونية كعقيدة تستند إليها الدولة الصهيونية، وتدَّعي لنفسها الشرعية على أساسها، وتؤسس علاقتها بيهود العالم والعالم الغربي من خلالها.

ومن المعروف أن المشروع الصهيوني قد حقق نجاحات كثيرة لا شك فيها، مثل احتلال الأرض الفلسطينية بالقوة وطرد أعداد كبيرة من الفلسطينيين من ديارهم ووضع الباقين منهم تحت قبضته الإدارية والعسكرية الحديدية. كما نجح المشروع الصهيوني في نقل كتلة بشرية ضخمة استوطنت في هذه البقعة وأسست بنية تحتية زراعية صناعية عسكرية وانتصرت في عدة حروب ضد جيوش الدول العربية. ويحصل المشروع الصهيوني على الدعم غير المشروط من التشكيل الحضاري والسياسي الغربي، وبخاصة من الولايات المتحدة، التي تقف في الوقت الحاضر على رأس هذا التشكيل.

ولكن رغم كل هذه الإنجازات المهمة، التي لا يمكن التهوين من شأنها، يردد أصحاب المشروع الصهيوني أنفسهم أن مشروعهم يواجه أزمة حقيقية، حتى أن عبارة «أزمة الصهيونية» أصبحت مصطلحاً أساسياً في الخطاب السياسي، ولا تخلو صحيفة إسرائيلية من عبارات مثل «صهيونية بدون روح صهيونية» و«انحسار الصهيونية».

وتُناقَش الأزمة الصهيونية بشكل شبه مستمر في المؤتمرات الصهيونية الواحد تلو الآخر. ونحن نذهب إلى أن أسباب هذه الأزمة بنيوية، أي لصيقة ببنية الاستيطان الصهيوني نفسه. ولذا بدأت الأزمة مع بداية هذا الاستيطان عام 1882، ولم يحلها إنشاء الدولة بل زادها تفاقماً وإن ظلت في حالة كمون إلى أن تبدَّت بشكل واضح عام 1967، وزادت حدتها مع حرب الاستنزاف وحرب 1973، ووصلت إلى لحظة حرجة مع هزيمة الدولة الصهيونية في لبنان ثم مع اندلاع الانتفاضة.

وعناصر الأزمة كثيرة من أهمها: قضية الهوية اليهودية (من هو اليهودي؟)، وتطبيع الشخصية اليهودية، ومشكلة اليهود الشرقيين، وهوية الدولة اليهودية، والأزمة السكانية والاستيطانية، وتحجُّر الثقافة السياسية الصهيونية، وتصاعُد معدلات العولمة والأمركة في المستوطن الصهيوني.

وعناصر الأزمة الصهيونية متشابكة (كما سيتضح لنا أثناء التعرض لجوانبها كلٌّ على حدة)، فمشكلة الهوية والصراع بين الدينيين والعلمانيين مرتبطة بالأزمة السكانية (الديموغرافية)، وكلاهما مرتبط بأزمة الهجرة والاستيطان وبقضية تطبيع الشخصية اليهودية. كما أن أزمة صهاينة الداخل مرتبطة من بعض النواحي بأزمة صهاينة (ويهود) الخارج، وتتبلور العناصر في قضية اليهود الشرقيين (من السفارد واليهود العرب ويهود البلاد الإسلامية). ورغم علمنا بهذا التشابك، إلا أننا فصلنا العناصر بعضها عن بعض كضرورة تحليلية.

وكل القضايا السابقة تشكل تحدياً للصهيونية وتقوض شرعيتها أمام يهود العالم ويهود المستوطن الصهيوني والدول الغربية الراعية للمشروع الصهيوني (وهذه هي الشرعية الصهيونية مقابل شرعية الوجود، أي شرعية النظام الاستيطاني أمام السكان الأصليين، أي الفلسطينيين).

وقد أدَّت الأزمة إلى انفراط العقد الاجتماعي الصهيوني أو على الأقل تآكله. فقد كان هناك اتفاق على بعض المقولات الأساسية، مثل أن اليهود شعب واحد (يضم الدينيين واللادينيين والإشكناز والسفارد وغيرهم)، وهو شعب يطمح للعودة إلى أرضه للاستيطان فيها، وأن الصهيونية ستنهي حالة المنفى وستقوم بتطبيع اليهود. لقد فشلت الصهيونية في كل هذا، فاليهودي (هذا المكوِّن الأساسي لهذا الشعب اليهودي) لم يعرَّف بطريقة ترضي كل الأطراف، وهو شعب يرفض العودة لوطنه القومي، الأمر الذي يخلق أزمة سكانية استيطانية. ولهذا، لم يَعُد هناك اتفاق على المكونات الأساسية للصهيونية وأهدافها المبدئية، فالرؤية ليس لها ما يساندها في الواقع، والواقع صلب لا يود أن يخضع للرؤية.

وقد ترجم هذا التآكل نفسه إلى عدم اكتراث بالمشروع الصهيوني الذي ترجم نفسه بدوره إلى عدم الإيمان بالقيم الصهيونية «الريادية» المبنية على التقشف وتأجيل الإشباع. وبدلاً من ذلك، ظهر السعار الاستهلاكي والنزوع نحو الأمركة والعولمة والخصخصة، وهي حالة لا تصيب الصهاينة وحدهم وإنما تصيب أيَّ مجتمع يفتقر إلى الاتجاه ولا يحل مشكلة المعنى. ولكن رغم كل هذا التآكل يظل هناك إجماع صهيوني لم يتآكل وهو رفض الاعتراف بالفلسطينيين وحقهم في هذه الأرض التي تم اغتصابها.

ولكن قبل أن نعرض لعناصر الأزمة الصهيونية المختلفة يجب أن نشير إلى أن بوسع المجتمعات الإنسانية أن تعيش في حالة أزمة مستمرة لعشرات السنين دون أن "تنهار من الداخل"، إن لم تُوجَّه لها ضربة من الخارج. والتجمع الصهيوني ليس استثناءً من هذه القاعدة، وخصوصاً أن كميات المساعدات التي تصب فيه من الولايات المتحدة تزيد عن ثمانية بلايين دولار لمجموع عدد السكان الذي يبلغ عددهم حوالي أربعة ملايين، الأمر الذي يجعل التجمُّع الإسرائيلي (الاستيطاني الوظيفي) من أكثر المجتمعات تلقياً للمساعدات الخارجية بالنسبة لعدد السكان. فالتجمُّع الصهيوني لا يحوي مكونات بقائه واستمراره داخله، فهو يستمدها من دولة عظمى تكفله وترعاه.

ومن الواضح أن إسرائيل مدركة تماماً لأبعاد أزمتها وأنه لا حل لها داخل إطار ما هو قائم. وقد أدَّى هذا إلى استقطاب شديد، فطرح حلاّن: الأول، الصهيونية الحلولية العضوية، ويتسم بالصلابة، والثاني، صهيونية عصر ما بعد الحداثة، ويتسم بالسيولة.

الأزمــة البنيوية للصهيونيـة
Structural Crisis of Zionism
«الأزمة البنيوية للصهيونية» عبارة نستخدمها للإشارة إلى طبيعة الأزمة الصهيونية وهي أزمة لصيقة ببنية الصهيونية نفسها. فالمواجهة مع السكان الأصليين ليست كما يظن البعض مسألة عرضية، وإنما هي نتيجة حتمية وملازمة لتحقق المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية.


وأزمة الصهيونية، رغم بنيويتها، تزداد حدة وانفراجاً حسب الظروف التاريخية. ونحن نذهب إلى أن الأزمة تفاقمت بعد "انتصار" 1967 وهو ما حوَّله إلى عملية انتشار. ولأن طبيعة الأزمة بنيوية فلا يمكن حلها إلا عن طريق تغيير البنية نفسها، أي العلاقات التي تأسَّست في الواقع. ونحن نذهب إلى أن صهيونية الدولة (أو يهوديتها المزعومة) هي أساس عنصريتها وبنية التفاوت والظلم التي تأسَّست في فلسطين، ومن ثم فلا سبيل لحل الأزمة إلا عن طريق نزع الصبغة الصهيونية عن الدولة الصهيونية.

الأزمــة الصهيونيــة وبنيــة الأيديولوجيــة الصهيونيــة
Crisis of Zionism and the Structure of Zionist Ideology
تعود الأزمة الصهيونية إلى عدة أسباب بنيوية تنصرف إلى صميم المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي. ولكن ثمة سمات تتسم بها بنية الأيديولوجية الصهيونية نفسها ساعدت على تفاقم الأزمة نذكر منها ما يلي:


1 ـ ثمة مسافة بين أقوال أي إنسان وأفعاله، فالقول الإنساني بطبيعته لا يتفق تماماً ولا يتطابق مع الفعل الإنساني. ولكن في حالة القول الصهيوني نجد أن المسافة التي تفصله عن الواقع شاسعة حتى يصبح القول كله (أحياناً) ديباجة لا علاقة لها بأي واقع، فهي تهدف أولاً وأخيراً إلى التبرير والتسويغ. ويعود هذا إلى أن الصهيونية لم تنبع من واقع أعضاء الجماعات اليهودية في العالم وإنما هي صيغة أساسية توصلت لها الحضارة الغربية في عصر نهضتها وبداية تجربتها الاستعمارية الاستيطانية للتعامل مع الجماعات اليهودية ففرضتها عليها ثم تبنتها هذه الجماعات، أي أن حالة التبعية أو الذيلية الصهيونية للعالم الغربي ليست مسألة تنصرف إلى أمور السياسة والاقتصاد وإنما إلى بنية الأيديولوجية نفسها وأصولها الحضارية والفكرية.

2 ـ قامت الحضارة الغربية بنقل بعض أعضاء هذه الجماعات ككتلة بشرية مستقلة تُوطَّن في وسط العالم العربي عن طريق القوة العسكرية، فهي صيغة لا علاقة لها بالواقع العربي الذي زُرعت فيه.

3 ـ لكل هذا نجد أن الفكر الصهيوني فكر اختزالي يتجاهل معطيات الواقع سواء أكان الأمر يتعلق بواقع أعضاء الجماعات اليهودية في العالم أم واقع الفلسطينيين العرب. وتتضح هذه الاختزالية في إنكار التاريخ والتفكير في وضع نهاية له: تواريخ أعضاء الجماعات اليهودية والتاريخ العربي في فلسطين. كما يتضح في إنكار الجغرافيا. ففلسطين تصبح إسرائيل، وهي بلد لا حدود لها، إذ أن حدودها توجد داخل مفهوم إرتس يسرائيل الديني.

4 ـ لكل هذا نجد أن العقيدة الصهيونية أيديولوجية فاشية، نسق عضوي مغلق يخلع القداسة على الأرض (أرض الميعاد) والشعب (الشعب المختار) وينكر الآخر (الصراع مع الأغيار والعقلية الجيتوية). ومثل هذه الأيديولوجيات تُكْسب حاملها قوة ومناعة وصلابة، ولكنها في الوقت نفسه تتسم بالجمود والانغلاق. ومن ثم فكثير من التناقضات الكامنة داخل الأيديولوجية أو في واقعها حينما تتبدى في الواقع، تظهر بشكل عنيف إن لم يكن فجائياً.

وقد حدثت داخل الدولة الصهيونية وخارجها تطورات عميقة من أهمها ظهور النظام العالمي الجديد وتصاعُد معدلات العلمنة بين يهود العالم وتبنِّي المعسكر العربي خطاباً برجماتياً بل انكماش المطالب العربية. ويستمر التجمُّع الصهيوني ونخبته الحاكمة في استخدام نفس الخطاب الصهيوني القديم ويدركون العالم من خلال المقولات القديمة للثقافة السياسية الصهيونية. وهو وضع يهدد بتصعيد الأزمة.

5 ـ تستند الأيديولوجية الصهيونية إلى فكرة الهوية وإلى تعريف عضوي ضيق لهما، ولذا فإن أية تحديات لهذه الفكرة تسبب شرخاً عميقاً في المجتمع.

6 ـ ثمة تناقضات عديدة داخل القول الصهيوني نفسه، فالتناقض ليس بين القول والفعل وحسب وإنما بين قول صهيوني وآخر، فدعاة القول الصهيوني لم يتفقوا فيما بينهم على الحد الأدنى فيما يتصل بكثير من القضايا النظرية الأساسية (حدود الدولة ـ الهوية اليهودية ـ موقفهم من يهود العالم) وإنما اتفقوا على الحد الأدنى من الفعل وحسب (نقل بعض يهود العالم إلى فلسطين وتوظيفهم داخل إطار الدولة الوظيفية).

كل هذه السـمات البنيوية في الأيديولوجية سـاهمت في تفاقم الأزمة، إلا أن السبب الأساسي لها يظل أنه حين وُضعت هذه العقيدة الصهيونية موضع التنفيذ أفرزت الكثير من المشاكل بعضها خاص بالمستوطن الصهيوني ويهود العالم، والبعض الآخر خاص بالفلسطينيين (فيما نسميه «المسألة الفلسطينية»). وحسب تصوُّرنا لا يوجد حل داخل إطار الأمر الواقع الصهيوني لأيِّ من هذه المشاكل. وقد تفرز الصهيونية حلولاً يمينية صلبة (الصهيونية الحلولية العضوية) أو يسارية سائلة (صهيونية عصر ما بعد الحداثة)، ولكنها حلول لا تتوجَّه إلى جذور المشكلة.

وأزمة الصهيونية متشابكة تتداخل فيها أسباب مع الأخرى وكذلك الأسباب والنتائج والأيديولوجية والواقع. ومع هذا لضرورات تحليلية سـنقسِّم أوجـه هذه الأزمة (في إطار الشرعية الصهيونية) إلى أربعة أقسـام نتناول كل قسم في مدخل مستقل أو في عدة مداخل:

1 ـ إشكالية الديني والعلماني.
2 ـ أزمة الهوية.
3 ـ الأزمة السكانية والاستيطانية.
4 ـ تفكُّك الأيديولوجية الصهيونية من خلال تصاعُد النزعات الاستهلاكية (والعلمنة والأمركة والعولمة والخصخصة).

  • الثلاثاء AM 11:40
    2021-05-18
  • 1080
Powered by: GateGold