المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412343
يتصفح الموقع حاليا : 261

البحث

البحث

عرض المادة

بنيامـــين نتنياهـــــو (1949 - )

بنيامـــين نتنياهـــــو (1949 -   )

Benjamin Netenyahu
زعيم صهيوني من أبرز زعماء النخبة الجديدة إن لم يكن أبرزهم جميعاً. وُلد في تل أبيب، وحصل على شهادة في المعمار وماجستير في إدارة الأعمال من الـ M. I.T. (معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة)، وهو يتباهى دائماً بالشهادات الجامعية التي حصل عليها من الولايات المتحدة. تزوج ثلاث مرات، الأخيرة منهن من سارة، وهي مضيفة قابلها في إحدى سفرياته (وقد اعترف بخياناته الزوجية المتكررة) وسلوك سارة نفسها أصبح موضوعاً متداولاً في الصحف الإسرائيلية. عيَّنه موشيه أرينز، حينما كان وزيراً للخارجية، الرجل الثاني في الوزارة، ثم سفيراً لإسرائيل في الولايات المتحدة، حيث أصبح شخصية تليفزيونية معروفة للإعلام الأمريكي وليهود الولايات المتحدة وأثريائها مثل رونالد لاودر، صاحب بيزنيس أدوات التجميل، وإرفنج موسكوفيتش، بليونير البنجو الذي يبني الآن المستوطنات "المحظورة" حول القدس (يعارض 85% من يهود أمريكا نتنياهو حسب بعض الإحصاءات). فكر نتنياهو أن ينخرط في سلك رجال الأعمال، ولكنه بدلاً من ذلك (وعند موت أخيه) هاجر إلى إسرائيل وخدم في إحدى وحدات الكوماندوز العسكرية تحت إمرة إيهود باراك. ثم أصبح نائباً لوزير الإعلام في مكتب رئيس الحكومة عام 1993 ومنها أصبح رئيساً لحزب الليكود ورئيساً للوزراء!


وعادةً ما تثار قضية أسرة نتنياهو، لذا يجدر بنا أن نذكر أولاً موت أخيه يوناثان في الغارة على مطار عنتيبي (يُقال إنه كان قائد الحملة). وكان يوناثان هذا هو كبير الأسرة وحامل لوائها، أما أبوه بنزيون نتنياهو (الذي بلغ السابعة والثمانين ولا يزال نشيطاً ثقافياً) فكان شخصية محافظة متسلطة، من أتباع الزعيم التصحيحي الفاشي فلاديمير جابوتنسكي. ولكنه اختلف مع بيجين وجماعته وقضى بقية حياته شبه منفي (بشكل طوعي) في الولايات المتحدة حيث عاش بالقرب من فيلادلفيا وقضى حياته يكتب دراسته عن محاكم التفتيش الإسبانية (عنوان كتابه هو: أصول التفتيش الإسباني في القرن الخامس عشر). وجوهر أطروحة دراساته هو أن اليهودي الذي يحاول الاندماج يُقابل دائماً بكراهية عميقة نحو شخصه ونحو الجنس اليهودي ككل. فاليهودي هو الهدف الأزلي لكره الأغيار، ولأنه لا يملك الهروب من هذا الوضع، لذا يجب عليه أن يحيط نفسه "بحائط فولاذي" (كما قال جابوتنسكي) وألا يعهد بأمنه للآخرين.

كل هذه الحقائق الذاتية في سيرة نتنياهو هي أيضاً حقائق موضوعية، ويمكن إثارة قضية خلفيته العائلية ومدى تأثيرها على تركيزه الزائد على الإرهاب. (بعد موت يوناثان نظم نتنياهو مؤتمراً عن الإرهاب وكتب عدة كتب عن الموضوع). ألا يوحي هذا بأن أباه، التصحيحي الكاره للأغيار، قد شكل رؤيته. وكما يقول أحد أعداء نتنياهو (يوري درومي، المتحدث الرسمي باسم الحكومة أيام رابين) "كيف يمكن أن تتكيف مع عملية السلام، إن كنت قد نشأت وترعرعت مع أفكار الصراع؟ إن اختفى الصراع، ماذا يبقى إذن؟". رغم كل هذا يحاول نتنياهو أن يتملص من ماضيه دائماً، وأن ينكر أن هذا الماضي قد ساهم في تشكيل آرائه بشكل جذري.

ونتنياهو هدف لنكت الكثير من أعضاء اليسار الإسرائيلي والمؤسسة الليبرالية، فقد قارنه شاليف (الكاتب بجريدة معاريف) بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، في مراوغته، ومقدرته على الاحتيال والهروب في الوقت نفسه. أما يوئيل ماركوس (من هآرتس) فهو يرى أن نتنياهو قد بدأ يتجه بإسرائيل نحو الكارثة، يساعده في ذلك معاونوه (استغنى نتنياهو عن خبراء الليكود وكوَّن مجموعة صغيرة من المستشارين).

وهناك من يتحدث عن "رئيس الوزراء التيفلون" (أي الذي لا يلصق بعقله شيء. وهي نكتة أُطلقت أول ما أُطلقت على الرئيس الأمريكي رونالد ريجان)، وهناك من يُسميه virtual prime minister. وكلمة «فرتشوال» أخذت من عالم الكمبيوتر، وتُستخدم للإشارة إلى virtual reality أي «ما يشبه الحقيقة»، فهو ليس برئيس وزراء حقيقي، وإنما «يشبه رئيس الوزراء» أو «يكاد يكون رئيس الوزراء» أو «رئيس الوزراء بالكاد». ولعل أسوأ الأوصاف هو الوصف الذي أُطلق عليه بعد فشل عملية عمان، أي محاولة اغتيال خالد مشعل إذ أطلق عليه أحدهم عبارة سيريال بلاندرر serial blunderer وهي تنويع على عبارة سيريال كيلر serial killer أي المجرم الذي يقتل حسب خطة مسبقة وتتبع جرائمه نمطاً محدداً. ونتنياهو بهذا المعنى ليس مجرماً وإنما "مخطئاً" يرتكب الأخطاء/الجرائم الواحدة تلو الأخرى، تماماً مثل المجرمين، وإن كان تصور أن هناك خطة محكمة للأخطاء أمر مشكوك فيه. (ولا ندري أي أسماء جديدة حصل عليها رئيس الوزراء المنكود بعد فشل عملية سويسرا؟).

ما هـذه الأخطــاء من وجهة نظــر اليسار الليبرالي الإشكنازي؟ أهم هذه الأخطاء هي إيقاف عملية أوسلو، الأمل الوحيد في سلام دائم بالنسبة لهم. واستمراراً لصورة serial blunderer يسأل هؤلاء المعلقون: هل فعل نتنياهو ذلك عمداً، أم من خلال الخطأ المستمر؟ هل هو ثعبان أم غبي؟ (على حد قول يوري أفنيري).

ولكن من نتنياهو هذا؟ ينطلق نتنياهو في كتابه مكان تحت الشمس وغيره من الدراسات من الرؤية الصهيونية القائمة على أحقية اليهود المطلقة فيما يُسمَّى «أرض إسرائيل التاريخية» ويساندها رؤية صهيونية داروينية تؤكد أن إسرائيل انتصرت في كل الحروب ضد العرب (الذين فقدوا التخلف الدولي القديم). ثم يأتي نتنياهو بالشواهد التاريخية والجيوسياسية والتلمودية التي تساند وجهة نظره. ثم وعلى عادة الصهاينة لا يكتفي نتنياهو بذلك بل يذكِّر الجميع بمأساة الشعب اليهودي والهولوكوست، ثم يؤكد، في الوقت نفسه، قدرة هذا الشعب على النهوض. ويعلن نتنياهو بلا مواربة أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، وعقد سلام مع العرب مثل وضع سمك في صندوق من الزجاج، ثم تنتظر أن يتعلم هذا السمك ألا ترتطم رأسه بحائط الصندوق الزجاجي. واستخدام الصور المجازية المستمدة من الطبيعة للحديث عن العرب هو مسألة مألوفة في الخطاب الصهيوني بكل ما تحمل هذه الصور من حتمية وكل ما تنطوي عليه من تغييب للعرب. ويرى نتنياهو ضرورة إجبار العرب على الإذعان للاعتراف بوجود إسرائيل عبر استخدام سلاح الردع، فالسلام الوحيد الذي يمكن أن يُقام مع العرب هو «سلام الردع» مقابل «سلام الديموقراطيات» الذي لا يصلح مع العرب، فإسرائيل دولة ديموقراطية غربية في بيئة إقليمية معادية بدائية (وهذا يماثل كلام إيهود باراك عن ديموقراطية إسرائيلية وسط غابة من الأحراش)، ومستقبل إسرائيل يكون بالتحصن داخل «الستار الفولاذي» (عبارة جابوتنسكي التي اقتبسها بنزيون نتنياهو) وإعادة الأولوية لفكرة العمق الإستراتيجي الجغرافي وعدم الانفتاح على هذه البيئة، مع ضَبْط التفاعلات في المحيط الإقليمي على النحو الذي يحقق مصالح إسرائيل الحيوية.

أعــــراض نتنياهــــو: الأســــباب
The Netenyahu Syndrome: Causes
ما الذي أتى بنتنياهو إلى سدة الحكم في الدولة الصهيونية عام 1996 ؟ للإجابة على هذا السؤال لابد أن نحيط بالقضية إحاطة كاملة وأن نأتي بمركب من الأسباب، لأن الإجابة أحادية البُعد لن تفي بالغرض، رغم أنها قد تكون مريحة للغاية.


1 - لا يمكن في البداية تجاهل الأسباب الإجرائية، أي تغيير طريقة الانتخاب ذاتها، فنتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي يُنتخب بالاقتراع المباشر، وحسب طريقة الانتخاب المباشر هذه لا يمكن تنحية رئيس الوزراء إلا إذا وافق 81 عضواً في الكنيست (من مجموع 120 عضواً) على قرار عزله، على أن تُجرى انتخابات جديدة لرئيس الحكومة فقط خلال 60 يوماً. ويمكن سحب الثقة من رئيس الحكومة ومجلس الوزراء بأغلبية 61 عضواً في الكنيست على أن تُجرى انتخابات برلمانية جديدة خلال 60 يوماً (وهذا الإجراء الأخير لا يتطلب بالضرورة استقالة رئيس الوزراء). ولذا يرى البعض أن النظام السياسي الإسرائيلي أصبح نظاماً شبه ديكتاتوري، قزَّم الأحزاب والكنيست. وكان الهدف الذي ترمي إليه الأحزاب الكبيرة (العمل والليكود) التي مررت القانون الخاص بالانتخاب المباشر هو تحييد الأحزاب الصغيرة وتقوية رئيس الوزراء (في ظل التراجع المتزايد في قوة الحزبين الكبيرين). كان هذا هو الظن، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً. فالأحزاب الصغيرة ازدادت قوة، وخصوصاً أن رئيس الوزراء أصبح غير مسئول أمام هيئة حزبه أو البرلمان، الأمر الذي جعله «حراً» من حزبه. ولكن في الوقت نفسه «أكثر اعتماداً» على الأحزاب الصغيرة، التي تشكل القوة الجديدة في المجتمع (من 68 مقعد في الكنيست، يستند إليها نتنياهو، هناك 36 مقعد للأحزاب الصغيرة: 10 منها لشاس، و9 للحزب الديني القومي، أي أن أكثر من النصف في حزبين اثنين، وهما حزبان دينيان). وهذه الأحزاب الصغيرة سعيدة جداً بهذا الوضع ولا تريد عقد انتخابات أخرى بعد أن حققت هذا النصر، وبعد أن وقع رئيس الوزراء في قبضتها. فشارانسكي، على سبيل المثال، يُسمَّى الآن "الأستاذ 10%" لأنه قال إنه لو ثبت أن 10% مما يدور من إشاعات حول نتنياهو وحول فضيحة بار أون (بخصوص طريقة تغييبه كبار الموظفين) صحيحة فإنه سيقدم استقالته على الفور. ولكنه اكتشف أن ناخبيه، الذين صوتوا لصالحه، لا يهتمون بمثل هذه الأمور. وغني عن القول أن الأحزاب الدينية هي الأخرى لا تود إعادة الانتخابات فهي قد حصلت على المقاعد الوزارية التي تطمح إليها ولا يكف نتنياهو عن رشوتها. وكما يقول جدعون سامت (المعلق السياسي الإسرائيلي) إن جوهر المسألة ليس الأخطاء التي يرتكبها نتنياهو، وإنما شركاؤه في التحالف الذين يحاولون الحفاظ عليه بأى ثمن، ودون الخوض في أية مشاكل اجتماعية. (أما الوحيدون الذين لا يخشون سقوط نتنياهو فهي الأحزاب العربية). وقد طرد نتنياهو بالفعل «أمراء» أو «نبلاء» حزب الليكود (أبناء مؤسسي الحزب صانعو الملوك «كينج ميكرز king makers» في الاصطلاح الأمريكي) أمثال داني زئيف بيجين (ابن مناحم بيجين) ودان ميريدور (ابن يعقوب ميريدور) طردهم دون أن يتزعزع أو يردعه أحد إزاء هذا الوضع، هناك مبادرة مطروحة لتعديل قانون الانتخابات بحيث يمكن عزل رئيس الوزراء من منصبه بأغلبية 61 صوتاً مع عدم التسبب في حل الكنيست (وحل الكنيست يستلزم إجراء انتخابات برلمانية مبتكرة، لا ترغب الأحزاب - كما أسلفنا - في دخولها حالياً) وعقد تحالفاته الخاصة مع شارون. ثم تجاوز شارون نفسه وعيَّن يعقوب نئمان وزيراً للمالية وعضواً في مجلس الوزراء المصغر.

إزاء هذا الوضع، هناك مبادرة مطروحة لتعديل قانون الانتخابات بحيث يمكن عزل رئيس الوزراء من منصبه بأغلبية 61 صوتاً مع عدم التسبب في حل الكنيست (وحل الكنيست يستلزم إجراء انتخابات برلمانية مبكرة لا ترغب الأحزاب - كما أسلفنا - في دخولها حالياً).

2 - لابد من الإشارة إلى ما سماه يهوشفاط هركابي «أعراض بركوخبا» وهي الحالة العقلية للإسرائيليين في مواجهة الأزمات. وقد توجَّه كثير من المفكرين الإسرائيليين إلى قضية الشخصية الإسرائيلية إبَّان الانتفاضة المباركة. وقد بعث بعض هؤلاء قضية عجز اليهود وافتقارهم للسلطة وذهبوا إلى أن الإسرائيليين، بل الشعب اليهودي بأكمله، يفتقرون إلى تقاليد الدولة، أي ممارسة الحكم (وهذا يعني افتقارهم إلى الحس التاريخي)، ويتسمون برفض معطيات الواقع دون أن يدركوا أن العدو له إرادة لابد أن تؤخذ في الحسبان، ويضعون سياستهم بشكل مجرد، حسب الاحتياجات الصهيونية وكأنهم يعيشون في فراغ [الأسطورة المعادية للتاريخ] ويتجاهلون النظام العالمي والأمن ومتطلباتهما من الآخرين. وكل هذا نابع من ضيق أفق يتعارض مع التاريخ.

3 - إسرائيل لم تعرف نفسها كمجتمع حرب ولا تعرف نفسها كمجتمع سلام ولا تريد أن تدفع مقابلاً للسلام وتدور في إطار الأسطورة التوراتية (كما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل في الجزء الثالث من كتابه المحادثات السرية). وكما يقول نتنياهو نفسه: "لقد انتخبني أغلبية الناخبين الإسرائيليين"، هل جنوا فجأة إذن؟ لو كانوا سعداء بأوسلو لما فعلوا ذلك. فأوسلو تحوي داخلها جرثومة هلاكها، فهي لا تمنح الإسرائيليين لا السلام ولا الأمن.

4 - ولكن من المفارقات التي تستحق التسجيل والملاحظة، أن هذا الجيل الجديد الذي يفر من الخدمة العسكرية ولا يكترث بها، هو جيل "أكثر عسكرية" كما يقول أفنيري شاليط (أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العسكرية). ففي الأيام الأولى للاستيطان، كما يقول شاليط، كان الشعار السائد هو "فلتطلق النار ثم تذرف الدمع"، فالحرب كانت مفروضة على أبناء الجيل القديم (هكذا كان المستوطنون يظنون)، ولم تكن الحروب حروب اختبار. والحرب، كما كان الجميع يعرف، شيء رهيب. أما أعضاء الجيل الجديد، فقد خاضوا «حروب اختيار» كثيرة (غزو لبنان - قمع الانتفاضة)، أي حروب تمت بملء اختيار الإسرائيليين.

وقد وُلد أعضاء هذا الجيل فيما يُسمَّى «أرض إسرائيل» ولذا فهم يعتقدون تمام الاعتقاد أن الاحتلال بالقوة «مسألة طبيعية» وأن الضفة الغربية ليست أوكيوبايد occupied «أرضاً محتلة» وإنما هى أرض قومية توراتية ومن ثم هي أرض «متنازع عليها» disputed ديسبيوتيد (كما يقول المصطلح الأمريكي) وعلى اليهود الاحتفاظ بها ولا يحق لهم التنازل عنها أو التفاوض بشأنها. والعرب هنا هم «عرب يهودا والسامرة»، وبالتالي «خرق حقوقهم» لا يشكل مشكلة أخلاقية بالنسبة لهم.

وأعضاء هذا الجيل لا يختلفون كثيراً عن نتنياهو الذي صرح قائلاً: "ليس هناك أي نهر أو بحر يفصل الضفة الغربية عن باقي الأراضي الإسرائيلية. إنها جزء من دولة إسرائيل نفسها. إن الضفة الغربية هي مركز البلاد... إنها فناؤنا الخلفي وليست أرضاً غريبة عنا". بل أضاف قائلاً: "إن المناطق غير المأهولة أو ذات الكثافة السكانية القليلة ستشكل في إطار التسوية الدائمة مناطق أمنية ذات تواصل جغرافي وقرر ضرورة الحفاظ على ممرات أمنية وطرق تربط المستوطنات بعضها ببعض". واستخدام الصور المجازية المكانية يدل على ضمور الإحساس بالزمان والتاريخ عند نتنياهو (وهو في هذا لا يختلف عن أبناء جيله) الذين لا يرون إلا الأرض وأمن إسرائيل ولا يدركون الماضي أو المستقبل أو العرب من حولهم.

5 - من خصائص هذا الجيل أن أعضاءه لم يشعروا قط بالعداء للسامية،أي بالعداء لليهود (ومع هذا فهم جيل أكثر ميلاً لليمين). وقد نُشر مقارنة بين الشباب الألمان والشباب الإسرائيلي، وتبين أن الشباب الإسرائيلي أكثر عنصرية تجاه الأجانب من الألمان، وهم لا يهتمون بما يُسمَّى «عقلية المنفى» بل لا يفهمون يهود المنفى (أي يهود العالم) ولا يفهمون لغتهم أو خطابهم أو شكواهم. والمفارقة الناجمة عن هذا أن كثيراً من القضايا التي تهم يهود المنفى لا تهم أعضاء هذا الجيل من قريب أو بعيد. فهم لا يكترثون باليهودية أو هيمنة الأرثوذكس على أمور الدفن والطلاق والزواج والتهويد (فهم علمانيون شاملون عالميون، لا يهتمون بالقضايا المحلية ولا يكترثون بمثل هذه الأمور).

6 - اتهم نتنياهو اليساريين بأنهم نسوا "معنى أن يكون المرء يهودياً" (عبارة همس بها رئيس الوزراء في أُذن أحد الحاخامات). ولكن هل يعرف جيل نتنياهو معنى اليهودية؟ هل تعني اليهودية شيئاً له؟ إن تصور أن التجمُّع الصهيوني أصبح «أكثر يهودية» و«أكثر تقليدية» بظهور نتنياهو، هو - في رأينا - تصور خاطئ. فهو في واقع الأمر قد أصبح «أكثر انغلاقاً» دون أن يصبح أكثر تقليدية أو تديناً، والربط بين الواحد والآخر ليس بالضرورة له قيمة تفسيرية كبيرة. فما يحدث في التجمع الصهيوني، ليس محاولة للعودة للتقاليد بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هي محاولة أعضاء هذا التجمُّع أن يجدوا جذوراً لهم «روتس roots» تبرر لهم وجودهم، وأرضية صلبة يمكنهم الوقوف عليها (وهو أمر شائع في كل المجتمعات الاستيطانية). ولذا قال كثير من المعلقين إن انتخابات 1996 لم تكن انتخابات خاصة بـ «المصالح السياسية» (الاجتماعية والاقتصادية) وإنما كانت انتخابات خاصة بالهوية (وهو قول قد لا نتفق معه، ولكننا نقتبسه بسبب دلالته). وقد وُصف أعضاء التحالف الجديد المؤيد لنتنياهو بأنهم «غرباء في بلادهم»، فهم قد يشكلون الأغلبية العددية إلا أنهم يعاملون معاملة الأقلية من قبل اليسار الإشكنازي، الذي يعتبر المستوطن الصهيوني وطناً له، وأرض أجداده.

اليمين الرخو
Soft Right
«اليمين الرخو» تعبير سكه إيهود سبرنزاك (أستاذ السياسة بالجامعة العبرية) ليصف القوى التي تتحكم في الدولة الصهيونية. ونحن (وبعض المعلقين السياسيين الإسرائيليين بشكل مباشر أو غير مباشر) نطلق عليه اصطلاح «السياسة الإثنية» (أي السياسة التي تستند إلى المصالح الإثنية الضيقة وليس إلى المصالح القومية أو اليهودية العريضة). ويسميها شلومو هاسون «القبلية الثقافية». وأعتقد أن «القبلية الثقافية» هذه هي صياغة علمية، مهذبة مصقولة، لمفهوم آخر هو مفهوم «روش قطان»، أي الرأس الصغيرة المركبة على معدة كبيرة، وهذا وصف جيد للمواطن الإسرائيلي بعد عام 1967، بعد أن تحول إلى حيوان استهلاكي محض. ويتحدث نفس الأستاذ (أي شلومو هاسون) وهو أستاذ للجغرافيا في الجامعة العبرية عن الأرخبيل الإسرائيلي للهويات المنفصلة Israeli archipelago، أي أنه يرى أن الخاصية الجيولوجية التراكمية (التي نرى أنها إحدى سمات العقيدة والهوية اليهودية) هي سمة أساسية للحياة السياسية في الكيان الصهيوني.


ويمكن تلخيص صفات «اليمين الرخو» فيما يلي:

1 - اليمين الرخو الجديد يختلف عن اليمين الصلب القديم في أنه لا يلتزم بالقيم السياسية ولا يعاني من المشيحانية الصهيونية التي تطالب بإيقاف تاريخ المنفى ليبدأ التاريخ الحقيقي: تاريخ المستوطنين في الجيب الصهيوني.

2 - اليمين الرخو قد يحتاج للسلام وقد يطلبه (لتحقيق المكاسب الاقتصادية)، ولكنه غير قادر على تحقيقه لأسباب عديدة من بينها أن اليمين المتطرف قادر (حتى وهو في المعارضة) على قطع الطريق عن أية اتفاقات تشمل أية انسحابات جوهرية، ولا يوجد أية كتلة في الداخل قادرة على فرض شعار "الأرض مقابل السلام" (رغم وجود قطاع هام في الرأي العام الإسرائيلي يقبل بقدر من سلام وتنازلات). كل هذا يعود إلى أنه لم يحدث تغيير جوهري في الثقافة والتقاليد السياسية المنبثقة عن الصهيونية فيما يخص دولة إسرائيل وعلاقتها بالعرب (وبالفلسطينيين على وجه التحديد).

3 - يمارس أعضاء اليمين الرخو إحساساً عاماً بالسخط على ما يُسمَّى «اليسار الإشكنازي» وهو مصطلح يضم كل من يؤيدون اتفاقية أوسلو والعلمانيين من خريجي الكيبوتسات.

4 - لا يتوحد أعضاء هذا اليمين من خلال عقيدة محددة وإنما من خلال هوية سلبية جوهرها الخوف من العرب ومن اليسار الإشكنازي (الذي أيد أوسلو).

5 - لكل هذا نجد أن اليمين الرخو يتكون من قوى اجتماعية وإثنية ودينية لا يربطها رابط ولكنها مع ذلك متماسكة تؤيد نتنياهو، ويبدو أنها قادرة على التماسك وأنها قد تظل تتحكم في الحياة السياسية الإسرائيلية حتى القرن القادم. ولذا فرغم أخطاء هذه الحكومة المتعددة إلا أنها أثبتت مقدرة على الاستمرار.

ويتكون هذا اليمين الرخو من عدة قوى وأحزاب أهمها ما يلي:

1 - اليهود السفارد الذين يضمهم حزب شاس (مؤيدو حزب ديفيد ليفي أعضاء حزب جيشر)

2 - المستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان.

3 - غلاة المتدينين من الأحزاب الأرثوذكسية.

4 - القوميون المتدينون (الحزب الديني القومي).

ويتهم المتدينون "اليساريين" بأنهم خرقوا كل الشعائر أثناء هيمنتهم على المجتمع الإسرائيلي، ويرى اليساريون (ومعهم الليبراليون) أن المتدينين يودون نزع الشرعية عن النظام السياسي الإسرائيلي، وما قوانين التهود سوى بداية هذه العملية.

5 - القوميون العلمانيون في الليكود الذين رفضوا أمراء الليكود بالوراثة: داني بيجين (ابن مناحم بيجين) ودان ميريدور (انضم إليهم شامير وقدامى الليكود ليكونوا تحالفاً ضد نتنياهو) ولم يصوتوا لصالح إيهود أولميرت عمدة القدس الذي اختطف منه نتنياهو رئاسة الليكود عام 1994.

6 - المهاجرون الروس من الصهاينة المرتزقة البالغ عددهم 700 ألف مهاجر، أي حوالي خُمس سكان إسرائيل. ويتهمهم اليسار الإشكنازي بأنهم أتوا بالجريمة المنظمة والبغاء إلى الدولة الصهيونية (وهي اتهامات في معظمها حقيقية) فمن المعروف أن الجريمة المنظمة جعلت من إسرائيل محطة انتقالية ومركزاً لغسيل الأموال. ومن المفارقات الأخرى أن المؤسسة الدينية لا تعترف بهم يهوداً حسب الشريعة اليهودية. ويعاني كثير منهم من البطالة، إذ يعمل في وظائف هو غير مؤهل لها.

 

  • الثلاثاء AM 11:30
    2021-05-18
  • 1243
Powered by: GateGold