المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413224
يتصفح الموقع حاليا : 263

البحث

البحث

عرض المادة

إيهـود باراك (1942 - )

إيهـود باراك (1942 -   )

Ihud Barak

«باراك» بالعبرية تعني «البرق» وهو من زعماء النخبة الجديدة. وُلد عام 1942 (أي قبيل قيام دولة إسرائيل ببضع سنوات وحسب) وهو من خريجي الكيبوتسات (وُلد في كيبوتس هيشمار هاشارون، القريب من منتجع نتانيا، وهي مكان لتركز الصفوة الإشكنازية). ولا يختلف باراك كثيراً عن نتنياهو في التوجهات السياسية والاقتصادية ولذا يُسمَّى «توأم بيبي».

قضى باراك أهم سنوات حياته (تلك السنوات التي تتشكل فيها الشخصية) في الجيش بادئاً من أسفل السلم، لكنه ارتقى درجات الرتب سريعاً. وعندما تقاعد بعد 35 سنة من الخدمة العسكرية كان قد حصل على أوسمة شجاعة أكثر من أي إسرائيلي آخر. كانت شهرته داخل إسرائيل هائلة، فقد كان بطلاً باعتباره قائداً لفرقة «ساييريت ماتكال» المختارة. وقد شارك عام 1972 في عملية إنقاذ الرهائن من الطائرة البلجيكية التي اختُطفت إلى تل أبيب. وفي العام التالي وضع على رأسه شعراً مستعاراً وارتدى ثياب النساء ليتسلل إلى بيروت. وكان جزءاً من فريق أطلق النار وقتل محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر من قادة منظمة فتح الفلسطينية وهم نيام. وفي الأشهر الأولى للانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة، كان باراك قائداً لجيش إسرائيل في الوقت الذي كان إسحق رابين وزيراً للدفاع، وقد أشرف باراك على الخطط التكتيكية التي كانت تُستخدم لمحاولة القضاء على الانتفاضة الفلسطينية حيث قام عام 1988 بإعادة بعث فرق المستعرفيم «أي المستعربين» التي تهدف إلى التسلل متنكرة في أزياء عربية إلى الأوساط الفلسطينية النشيطة في الضفة والقطاع واغتيال قياداتها. وكان أعضاء هذه الفرق يستقلون سيارات غير عسكرية تحمل لوحات خاصة بالضفة والقطاع ويرتدون ملابس مدنية أو ألبسة عربية عريقة، وبعد الانتهاء من عملياتهم كانت عربات الأمن الإسرائيلي تصل متأخرة. وكان باراك هو القائد الرئيسي والموجه لعملية اغتيال القيادي الفلسطيني البارز أبو جهاد عام 1988 (لدوره في قيادة الانتفاضة).

عمل باراك نائباً لقائد الجيش في منطقة البقاع في لبنان (أثناء غزو لبنان) ونال درجة الدكتوراه في الفيزياء والرياضيات من الجامعة العبرية (1986)، وعُيِّن رئيساً لقسم الاستخبارات في الجيش عام 1993 وعمل رئيساً لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي في أبريل 1990 إلى حين تقاعده في يناير 1995. وبصفته قائداً للجيش شارك في مفاوضات السلام سواء مع الفلسطينيين أم السوريين أم الأردنيين.

كان باراك يلقى الاحترام الشديد خلال عمله في الجيش من الضباط الأقل مرتبة، وقد اشتهر بأنه يتمتع بأسلوب التفوق وبقدر كبير من الغطرسة مما أكسبه لقب «نابليون الصغير». دخل ساحة العمل السياسي في يوليه 1995، عندما عُيِّن وزيراً للداخليـة (في وزارة رابين). وبعد اغتيال رابين في 4 نوفمبر 1995 وبعد تسلُّم بيريز زعامة حزب العمل ورئاسة الحكومة، عُيِّن باراك وزيراً للخارجية، وبعد عامين من تركه البزة العسكرية، تم انتخابه زعيماً لحزب العمل في 3 يونيه 1996 منهياً بذلك ثلاثة وعشرين عاماً من احتكار الحرس الجديد (إسحق رابين وشيمون بيريز) هذا المنصب.

ويعبِّر انتخاب باراك عن تعطُّش حزب العمل إلى زعيم يملك شباب بنيامين نتنياهو وخبرة إسحق رابين العسكرية ليعيد الحزب إلى قيادة إسرائيل على طريقة رابين قبل اغتياله، فباراك هو الشخص القادر على إعادة حزب العمل إلى الحكم. وقد فاز برئاسة الحزب (50.33% من الأصوات) ضد يوسي بلين (الذي يُسمَّى «مهندس عملية السلام» وأحد المقربين من بيريز الذي حصل على 28.51%) والذي يقف وراء اتفاق أوسلو.

ومن المعارضين لقيادة باراك والذين رشحوا أنفسهم ضده هناك حاييم رامون زعيم الهستدروت، وشلومو بن عامي (السفاردي الذي ينتمي لحزب العمل والذي يربط بين السلام والرفاه الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والذي حصل على على 14.11% من أصوات الناخبين). وكانت رسالة الناخبين واضحة: نريد زعيماً جديداً، ولكن ليس ممن كانوا يدورون في فلك إسحق رابين، ونريده سياسياً قوياً له سجل عسكري مشهود، أكثر منه منظراً ليبرالياً (أي نريده شخصاً اكتسب «الشرعية السياسية» التي يفتقدها بيريز). وقد انتخب باراك مجموعة غير متماسكة أو متماثلة (من النواحي السياسية والأيديولوجية). فعوزي برعام، الرجل الثاني في الكتلة التي انتخبت باراك، يعتبر من حمائم الحزب وأقرب في وجهة نظره إلى معارضي باراك، كما أن نواف مصالحه وصالح طريف (نائبان عن الكنيست عن الوسط العربي) دعما باراك في معركته الانتخابية مثل كثيرين من حزب العمل لاعتبار واحد، وهو أنهم يعتقدون أنه الأكثر قدرة على هزيمة نتنياهو في أية انتخابات مباشرة على رئاسة الوزراء. (أعلن باراك أن الفرصة الوحيدة لعودة حزب العمل تكمن في كسب ناخبي الوسط في الخريطة السياسية).

إن كل هذا يُعدُّ دليلاً على أن الرأي العام الإسرائيلي لا يزال يؤمن بما يُسمَّى «السلام الإسرائيلي» القائم على التفوق العسكري والتوازن الإستراتيجي الذي يميل لصالح إسرائيل. ومما تجدر ملاحظته أن باراك لم يكن ذا صبغة حزبية محددة أثناء عمله في الجيش الإسرائيلي، فقد كانت فرص انضمامه إلى أيٍّ منها متساوية إلى حدٍّ كبير، وقد راهن على الغموض في تحديد التزامه الحزبي ومواقفه السياسية. ورغبةً منه في أن يصبح الزعيم الأوحد للحزب وقف باراك بشدة ضد مشروع قـرار بانتخاب بيريز رئيساً فخرياً للحزب، وقد حظى موقفه هذا بموافقة الأغلبية داخل مؤسسات الحزب. ولكن رغم انتصاره هذا فليس هناك ما يشير إلى احتمال أن يفرض باراك برنامجه السياسي بسهولة داخل الحزب، فما زال شيمون بيريز يصر على القيام بدور ما داخل الحزب. ومن جهة أخرى فإن جيل القيادات الشابة الذي صار مسيطراً على الحزب لا يقف موحداً خلف باراك. وقد وقَّع باراك اتفاق «بيلين - إيتان» مع حزب الليكود لإيجاد حد أدنى من الاتفاق بين الحزبين (انظر: «الإجماع الصهيوني القومي»).

وبالنسبة لآرائه السياسية يشدِّد باراك على موضوع الأمن وله تحفظات على اتفاق أوسلو، وأثناء زيارته لإحدى المستعمرات/ المستوطنات الصهيونية (في رام الله) رفض فكرة الانسحاب إلى حدود 1967. ويتبنَّى باراك مشروع آلون وإن كان يرفض الخطة التي طرحها نتنياهو للحل النهائي على الفلسطينيين والمسماة آلون بلس Allon Plus، وذلك لأن الفلسطينيين يرفضونها مما قد يؤدي إلى انهيار عملية السلام (في تصوُّره)، الأمر الذي سيؤدي (بدوره) إلى زيادة أعمال العنف والإرهاب ضد إسرائيل، وزيادة موازنة الجيش، وزيادة التقلص في السياحة، وإلى هروب الاستثمارات الأجنبية، وإلى تعميق الركود الاقتصادي. وقد أدلى بصوته في الكنيست ضد آخر اتفاق رئيسي توصل إليه إسحق رابين مع الفلسطينيين في سبتمبر 1995. وأعرب عن تأييده لانتقادات أريئيل شارون أحد صقور الليكود ضد الاتفاق في يناير عام 1997 بسحب القوات الإسرائيلية من معظم أنحاء مدينة الخليل في الضفة الغربية. وقد تحاشى، متعمداً، أي اتصال مع ياسر عرفات، ورفض أن يُجر إلى الإعلان عن الأراضي التي يفضل إعادتها إلى الفلسطينيين.

يستخف باراك ببنيامين نتنياهو لأنه يرى إسرائيل حملاً وسط ذئاب بينما يرغب هو في أن يرى إسرائيل حيواناً مفترساً (أو ذئباً بين الجيران، إن صح التعبير). وهو يرى أن الحل الدائم للمشكلة الفلسطينية يتلخص في إنشاء دولة للفلسطينيين. ولكن بينما دعا بيلين (منافس باراك على رئاسة الحزب) إلى إقرار صيغة تعترف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم لم يوافق باراك على ذكر كلمة «دولة فلسطينية». ولكنه لم يعارض في إقرار صيغة تعترف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم (وقد وافق مؤتمر الحزب على "صيغة وسط"، وضعها شلومو بن عامي، تنص على أن يعترف حزب العمل بحق تقرير المصير للفلسطينيين، ولا يعارض إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة. كما يرى باراك ضرورة أن يشمل الحل النهائي القدس الموسعة والموحدة تحت السيادة الإسرائيلية، وكذلك معظم المستوطنات في الضفة الغربية، فضلاً عن وجود استيطاني وأمني في غـور الأردن، وضرورة عـدم مرابطة جيش أجنبي غرب نهر الأردن، وبقاء معظم المستوطنين تحت السيطرة الإسرائيلية، وأن تكون هناك سيطرة على المياه، وألا يكون هناك تطبيق لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. ويقدر باراك المناطق الواقعة خارج مجال السيطرة الإسرائيلية بـ 30% من مساحة الضفة الغربية وهو بذلك يكاد يقترب تماماً من خطط نتنياهو للحكم الذاتي في الضفة التي طرحها أيضاً تحت اسم مشروع آلون الموسَّع.

ويرفض باراك قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، ولكنه قد يوافق على دولة ناقصة السيادة منزوعة السلاح ترتبط كونفيدرالياً مع الأردن (وهذه هي نقطة الاختلاف الأساسية وربما الوحيدة بين المتطرفين والمعتدلين)، ويعتبر باراك أن إسرائيل الدولة الديموقراطية الوحيدة في غابة مملوءة بالأحراش. كما يؤمن بالارتباط الحميم بين القوة والدبلوماسية ولا يخفي نفوره من أساليب السياسيين التقليديين. وهو يعارض الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل يربط هذا الانسحاب الجزئي بمدى نجاح ياسر عرفات في قمع المقاومة الفلسطينية، كما يعترض باراك على الانسحاب من الجولان ("نحن نرغب في السلام، لكن ليس بأي ثمن، ويجب تحقيق السلام مع الدول المجاورة دون تعريض مصالحنا الأمنية للخطر. فسياسة التخويف التي يتبعها اليمين المتطرف، وسياسة العجز والانهزامية التي يتبعها أقصى اليسار لا يعبران عن واقع إسرائيل ووضعيتها الراهنة" حسب قوله). ولا يؤمن باراك بإسرائيل الكبرى جغرافياً (من النيل إلى الفرات) ولكنه يؤمن بإسرائيل العظمى اقتصادياً (من المحيط إلى الخليج) التي يمكنها تحقيق الهيمنة دونما حاجة إلى الدبابة والمدفع، فالبقاء لسلاح الاقتصاد وحده.

وفي تقييمه للمشروع الصهيوني من أجل الاستيلاء على فلسطين يؤكد باراك أنه متحرر من "الإحساس بالذنب إزاء الفلسطينيين". "فأنا على يقين من أن كل ما حدث كان ضرورياً، أؤمن من أعماق قلبي بأن العمل الصهيوني كان عملاً مهماً جداً وصحيحاً، وأنا أدرك أن تَمسُّكنا بالأرض هنا هو في أساسه حفاظ على الوجود، وينتج عنه نوع من الظلم، لكن على المستوى التاريخي، يبقى هذا الظلم الذي حل بهم [أي بالفلسطينيين] أقل من العدل الذي حصلنا عليه، أو لنقل أقل من الظلم الذي كان سيلحق بنا لو حُرمنا من هذا العدل". (العدل هنا الاستيلاء على فلسطين). وبذلك يبدو أن انتخاب باراك يعبِّر عن تَمسُّك إسرائيل بالمشروع الصهيوني ومبادئه القائمة على الاستيلاء على الأرض، ويثبت أن التجمُّع الاستيطاني في فلسطين يتجه بصفة عامة نحو اليمين.

قدَّم باراك وحزب العمل «اعتذارهما» الرسمي لليهود السفارد ويهود العالم الإسلامي ("أطلب باسمي وباسم حزب العمال الصفح عن هؤلاء الذين سببوا لهم هذه المعاناة"). وقد علق بيريز على ذلك بقوله: "نعم ارتكبت أيضاً أخطاء، ولكنني أشعر بفخر حقيقي للجهود التي بذلتها إسرائيل في تلك السنوات الأولى لاستيعاب موجة المهاجرين". وقد وصف بعض الإشكناز هذا الاعتذار بأنه اعتذار ضمني عن جرم لم يرتكبوه، والاعتذار محاولة من جانب باراك للتقرب من اليهود السفارد ويهود العالم الإسلامي (من أكبر الكتل الانتخابية في الدولة الصهيونية) لا ندري مدى نجاحها أو فشلها، وإن كانت قد أدت إلى غضب بعض الإشكناز منه.

 

  • الثلاثاء AM 11:26
    2021-05-18
  • 1284
Powered by: GateGold