المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413445
يتصفح الموقع حاليا : 254

البحث

البحث

عرض المادة

التوســـعية الصهيونيـــة والوطــــن الفلســــطيني

التوســـعية الصهيونيـــة والوطــــن الفلســــطيني
Zionist Expansionism and the Palestinian Homeland
«التوسعية الصهيونية» ليست أمراً عرضياً دخيلاً على الرؤية الصهيونية وإنما هي سمة بنيوية فيها. وقد أعلن أحد أعضاء حركة إسرائيل الكبرى معارضته قرار الأمم المتحدة رقم 242 على أساس أنه قد يسفر عن خنق الصهيونية "وهي في ذروة اندفاعها". فالانتصارات الصهيونية هي التي أعطت دفعة قوية لحركة الهجرة من الاتحاد السوفيتي، وذلك على عكس الانسحاب من الأراضي الذي يتسبب في ضعف الصهيونية ووهنها. وأضاف: إن التوسع الصهيوني هو الذي يعطي المجتمع الإسرائيلي معنى وهدفاً. ويمكن تفسير هذا الوضع بالإشارة إلى العناصر التالية:


1 ـ نبتت الصهيونية في تربة إمبريالية غربية ترى أن العالم إن هو إلا مادة يغزوها الإنسان ويوظفها لصالحه. وعملية الغزو هذه عملية تستمر إلى ما لا نهاية، ذلك أن عقيدة التقدم علَّمت الإنسان الغربي أن التقدم لا نهائي وأن المادة التي سيقوم بغزوها هي الأخرى لا متناهية.

2 ـ طرحت الصهيونية نفسها على أنها ستقيم دولة الشعب اليهودي بأسره، وهو ما يعني أن عملية نَقْل السكان التي تنطوي عليها الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة يمكن أن تستمر إلى أن يتم نقل كل يهود العالم، كما يعني الشره المستمر للأراضي.

3 ـ أحد عناصر الثالوث الحلولي الصهيوني هو الأرض، بل إن بعض الاتجاهات الصهيونية تعطيه أولوية على كل العناصر الأخرى، ولكن حدود هذه الأرض غير معروفة المعالم على الإطلاق ولم يتم الاتفاق بشأنها.

4 ـ الأرض هي المصدر الأساسي لتدفُّق فائض القيمة على الكيان الاستيطاني (وبخاصة قبل عام 1948)، وهي القاعدة التي سيؤسَّس عليها الجيب الاستيطاني، وكلما اتسعت هذه القاعدة ازداد تدفُّق فائض القيمة وازداد الجيب الصهيوني قوة.

لكل هذا ليس من الغريب أنه بعد انتهاء المؤتمر الصهيوني الأول قام أحد الصحفيين بنصيحـة هرتزل بأن يدرس برنامـج فلسـطين الكـبرى قبل أن يفوت الأوان، بحيث يمكن وضع عشرة ملايين يهودي فيها. وقبل ذلك، كان الصهـيوني غير اليهـودي، وليام هشـلر، قد طلب من هرتزل، في 26 أبريـل 1896، أن يتبنَّى الشعار التالي ويروجه كشعار للدولة اليهودية: "فلسطين داود وسليمان". ويبدو أن الاقتراح قد ترك انطباعاً إيجابياً لدى الزعيم الصهيوني، ذلك أنه، بعد عامين، حدد منطقة الدولة اليهودية على أنها تمتد من نهر مصر إلى الفرات. وقد ردد الحـاخام فيشـمان (عضو الوكالة اليهودية) هذا الشعار في 9 يوليه 1947، أثناء شهادته أمام لجنة التحقيق الخاصة التابعة للأمم المتحدة، فقال: الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل حتى الفرات، وتشمل أجزاء من سوريا ولبنان. وهذا يوضح أن شعار "من النيل إلى الفرات" ليس مجرد فرية عربية وليس نتاج العقلية التآمرية، وإنما هو جزء من التصور الصهيوني.

ومع هذا، ينبغي على المرء ألا يأخذ صيغة "من الفرات إلى النيل" هذه بجدية تامة، فهي لا تعدو أن تكون أحد الأحلام الصهيونية. ولكن، ومع ذلك، يجب ألا يهمل المرء أوهام العدو عن نفسه كلياً، فهي تعطينا مؤشرات عن نيته وعن تصوره لحدود حركته. وعلى كلٍّ، فإن ما يهمنا في السياق الحالي ليس الحدود الجغرافية أو التاريخية الوهمية للدولة الصهيونية وإنما الذهنية الصهيونية التوسعية نفسها. وقد يكون من الأفضل أن نأخذ بعين الاعتبار الكلمات التي سجلها هرتزل في يومياته حين قال: كلما زاد عدد المهاجرين اتسعت رقعة الأرض، أي أنه لم يُعرِّف حدود الأرض بشكل قاطع، وإنما آثر أن يحتفظ بحدود مطاطية تتغير بتغير القوة الذاتية الصهيونية، التي عرَّفها هو بتزايد عدد المهاجرين. ورؤية هرتزل هي الرؤية التي تبناها الصهاينة بعد ذلك.

ولا يختلف ذلك عن رؤية رعنان فايتس رئيس قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية إذ يقول: "إن مخططي الاستــيطان الصهــيوني عملوا على أســاس أن حدود المستقبل للدولة اليهودية يجب أن تعيَّن من خـلال أنظمة من المستـوطنات السكانيــة، تبدأ كنقــاط استيــطانية وتأخذ بالتوسع لأكبر مساحة من الأرض وجمع أكبر عدد من يهود العالم وتركيزهم في (إسرائيل) من خلال عملية انقلاب ديموجرافي يحل من خلالها اليهود محل المواطنين العرب". وهكذا يرتبط الاستيطان بالتوسع بالإحلال. وهذه الرؤية هي التي تم تطبيقها في نهاية الأمر في فلسطين المحتلة قبل وبعد عام1948 وقبل وبعد عام1967، حيث تأخذ التوسعية الصهيونية في ظروف الكثافة السكانية العربيةشكل الزحف من قبل المستوطنات المختلفة التي يتم تشييدها ويتم تسمينها وتوسيعها لتطويق العرب داخل معازل.

والطريف أن هذا التصوُّر الصهيوني لا يختلف كثيراً عن التصوُّر التقليدي لبعض الحاخامات اليهود الذين شبهوا الأرض بجلد الإبل الذي ينكمش في حالة العطش والجوع ويتمدد بالشبع والري، فالأرض المقدَّسة تنكمش إذا هجرها سـاكنوها من اليهـود وتتمدد إن جاءها اليهود من كل بقاع الأرض. ويبدو أن القيادة الصهيونية، منطلقة من تصورات سياسية شبيهة، آثرت عدم إعلان دستور للدولة الصهيونية حتى يُترَك المجال مفتوحاً أمام التوسع اللانهائي، ذلك لأن الدستور (الرسمي) يتطلب رسماً دقيقاً للحدود.

ويُقدِّم عضو الكنيست السابق الصحفي أوري أفنيري قراءة ذكية لتاريخ الدولة العبرانية في الماضي وتاريخ الدولة الصهيونية في الحاضر، فيبين أن قيامهما لم يكن يستند إلى قوتهما الذاتية وإنما إلى ضعف الشعوب القاطنة في فلسطين (الكنعانيين في الماضي والعرب في الحاضر). ثم يذكر أفنيري أن ما يدفع الصهاينة ويقرر حركتهم ليس الدافع العقائدي (الآخذ في الضمور) وإنما موازين القوى وحسب. ومن ثم، فإن العقيدة الصهيونية ليست سوى مسوِّغ يتلو "خلق الحقائق الجديدة". ولذا، فإنه يتنبأ بأن التوسع الصهيوني لن يتوقف ما دام هناك فراغ بسبب الغياب العربي، ويتنبأ بأن هذا التوسع سيـستمر حتى يتخـطى حدود إسرائيل الكبرى نفسها إذا سنحت الفرصة، أي أن القوة الذاتية الصهيونية (لا الأوهام العقائدية) هي التي تحدِّد مدى التوسعية الصهيونية.

إن كون إسرائيل كياناً توسعياً في جوهرها يجعلها لا تعدم الذرائع والمبررات المختلفة للتوسع، بل إن هذه الذرائع تصير ضرورة لتسويغها التوسع وإضفاء نوع من الشرعية الشكلية عليه. وعندما تلوح الفرصة (المتمثلة في ميل موازين القوى بمعناها الشامل لصالحها) لتوسيع الحدود يتم اتخاذ الوسائل التي تحقق ذلك، فالفكرة الصهيونية قائمة على التوسع والاستيلاء على الأرض.

وقد قال ديفيد بن جوريون في المقدمة التي كتبها لتتصدر الكتاب السنوي لحكومة إسرائيل عام 1952 إن "دولة إسرائيل قد قامت فوق جزء من أرض إسرائيل" وهو ما يؤكد كون التوسع الصهيوني في طليعة الأهداف التي تجاهر بها إسرائيل، حيث كانت حدود "الوضع الراهن" بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة تبقى في نظر بن جوريون أشبه بالحدود الانتقالية أو المؤقتة، طالما أن حدود الدولة لم تأت مطابقة لحدود الأمة المنشودة. فالخريطة التي رسمتها الصهيونية لمملكتها الموعودة ما زالت أوسع بكثير من المساحات التي تم احتلالها والاستيلاء عليها بقوة السلاح. وينتقد بن جوريون افتراض وجود حدود تاريخية وطبيعية ثابتة للدولة، فالحدود تتغيَّر وفق تغيُّر الظروف والمراحل الزمنية المختلفة. ولذا لابد من إعادة النظر في مصطلح «حدود طبيعية»، فهو يرى أن الظروف الطبيعية قد تجبر الدولة على إعادة النظر مرة أخرى في تعيين حدودها الطبيعية واستبدال حدود جديدة بها كلما دعت الضرورة. ومما يجدر ذكره أن الصهيونية قد عرفت تيارات مختلفة، ولكن قيادة المشروع الصهيوني تدور في إطار نوع من الإجماع الصهيوني الذي لا يختلف بشأن مبدأ التوسع نفسه وإنما بشأن وسيلته وشكله.

ورغم أن الظروف السائدة بعد حرب 1956 لم تسمح بترسيخ السيطرة الصهيونية على المناطق المحتلة في غزة وسيناء، فإن حرب 1967 ـ وما ترتَّب عليها من احتلال الأراضي العربية في سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة ـ شكلت منعطفاً بارزاً في تاريخ التوسع الصهيوني باعتبار أن الكيان الصهيوني حقَّق أقصى اتساع له ووصل إلى الحدود الآمنة.

ويجب التنبيه إلى أن التوسعية الصهيونية ليست مقصورة على الأراضي العربية التي تقع خارج حدود الدولة الصهيونية، فهناك التوسع الداخلي من خلال مصادرة الأراضي العربية. (انظر: «الاستيطان الصهيوني قبل عام 1948: تاريخ» ـ «الاستيطان الصهيوني بين عامي 1948 و1967: تاريخ» ـ «الاستيطان الصهيوني منذ عام 1967 وحتى الثمانينيات: تاريخ»).

وثمة خللٌ أساسي في التوسعية الصهيونية، فالقاعدة السكانية لا يمكن أن تتسع بنفس القدر الذي تتسع بها قاعدتها الجغرافية إن صح التعبير، ولذا فإن ضم الأراضي يعني أيضاً ضم عناصر عربية غير يهودية آخذة في التكاثر وفشلاً في خلق الكثافة السكانية اليهودية التي يتم التوسع باسمها، وهو ما يخلق "مشكلة سكانية" للكيان الصهيوني ويُشكِّل خطراً على الطابع اليهودي للدولة الصهيونية. ولذا، فإن الاستعمار الصهيوني يفقد إحلاليته ويتحول إلى استعمار مبني على التفرقة العرْقية (الأبارتهايد). ومعنى ذلك أنه قد ظهر تناقض عميق بين طابع الدولة الصهيونية الإحلالي وبين طابعها التوسعي.

ومع تناقُص معدلات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وزيادة معدلات النزوح إلى الخارج، ومع اندلاع الانتفاضة وفشل الصهاينة في قمعها، ظهرت نواة داخل الكيان الصهيوني ترى أن التوسع وضم الأراضي قد يضر بطبيعة الدولة اليهودية لأن الأراضي العربية تأتي معها كثافة عربية سكانية. ومن هنا ظهر التناقض بين الصهيونية السكانية (أو الديموجرافية أو السوسيولوجية) من جهة، ومن جهة أخرى صهيونية الأراضي. ويرى أنصار الصهيونية السكانية أنه لابد من الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما يعني وقف المشروع الصهيوني التوسعي، والسماح بقدر من الحكم الذاتي الفلسطيني يساهم في واقع الأمر في عزلهم عن الإسرائيليين ويحتوي القنبلة الديموجرافية المتوقعة. إزاء ذلك تم طرح مشروع آلون كنموذج لسائر المشاريع الصهيونية التي كانت تسعى وراء حل وسط يجمع بين الحد الأقصى من "الأمن" و"الأرض" والحد الأدنى من السكان الفلسطينيين العرب الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي بحيث تتم إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في بعض مناطق الضفة الغربية وغزة، وتسلَّم المناطق الآهلة بكثافة سكانية عربية إلى إدارة عربية.

ويُعتبَر اتفاق أوسلو (سبتمبر 1993) تطبيقآً لفكرة منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً في الضفة وغزة مع نمو اتجاه متزايد داخل إسرائيل نحو الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عن طريق عزل الفلسطينيين في "كانتونات" مُحاصَرة بالمستوطنات والطرق الالتفافية التي تحميها القوات العسكرية الإسرائيلية. وعلى الرغم من هذا يمكن القول إن اتفاقية أوسلو قد فرضت حدودا على الدولة الصهيونية لأول مرة فى تاريخها.

ويوجد اتفاق عام بين جميع هذه المشاريع على عدم الانسحاب الكامل، وعلى ضم أجزاء مهمة إلى إسرائيل بصورة نهائية، في حين أنها تعتبر ضم القدس أمراً مفروغاً منه ولا رجعة فيه، وبالنسبة لمرتفعات الجولان، فهناك إجماع شبه كامل على عدم الانسحاب منها أو الانسحاب بشروط تعجيزية تضمن التطبيع والأمن الكاملين لإسرائيل.

وعلى الجانب الآخر هناك عدد من الإسرائيليين،من اليمين الديني والعلماني، يرفض بصورة مطلقة التنازل عن أية منطقة ضمن حدود أرض إسرائيل التاريخية، أرض إسرائيل من البحر حتى النهر، ويعرض فكرة الترانسفير وطرد العرب كوسيلة للتغلب على العقبة السكانية التي تقف دون الضم الرسمي، وهذا ليس بجديد أو بمستعص على الفكرة الصهيونية، مع إمكانية قيام إسرائيل بشن حرب جديدة تدفع في إطارها ـ كما فعلت في الحروب السابقة ـ مئات الآلاف من العرب إلى مغادرة المناطق المحتلة إلى الأردن خاصة.

  • الثلاثاء AM 10:43
    2021-05-18
  • 1000
Powered by: GateGold