الكيبوتس: تحـولاته الجوهرية - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442656
يتصفح الموقع حاليا : 78

البحث

البحث

عرض المادة

الكيبوتس: تحـولاته الجوهرية

الكيبوتس: تحـولاته الجوهرية
Kibbutz: Radical Changes
إذا كان الكيبوتس هو المجتمع الصهيوني مصغراً ومبلوراً، فأزمته هي أيضاً أزمة هذا المجتمع مصغرة ومتبلورة. والتحولات التي طرأت عليه هي تعبير مصغر متبلور عن التحولات التي طرأت على العقيدة الصهيونية. وثمة مظاهر كثيرة لتحولات الكيبوتس وللأزمة التي يواجهها يمكن أن نذكر منها ما يلي:


1 ـ المرأة:

حاولت الحركة الكيبوتسية ـ كما أسلفنا ـ أن تقضي على بعض المؤسسات الاجتماعية الإنسانية ـ مثل الزواج والأسرة بحجة أنها مؤسـسات بورجوازية قـديمة بالية، وأن «التقـدم» يتطلب أن نطرحها جانباً. بل إن كثيراً من الكيبوتسات حاولت أن تلغي الفروق بين الرجل والمرأة حتى يتم «تحرير» المرأة تحريراً كاملاً، ولذلك تم توزيع العمل بين الأعضاء بغض النظر عن الأساس الجنسي، وأصبح من الممكن أن يوكل للمرأة أي عمل أو وظيفة. ومما ساعد على هذا الاتجاه أن تنشئة الأطفال الجماعية، بعيداً عن نفوذ الوالدين «أعفى» المرأة من وظيفة الأمومة، وهي الوظيفة التي تعوقها في جميع المجتمعات الأخرى عن القيام بوظائف الرجال وأعمالهم.

هذا البرنامج التحرري برنامج غير إنساني، ينكر الكثير من حقائق الحياة البيولوجية والنفسية التي لا مناص من قبولها. ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن أولى المشاكل التي واجهها الكيبوتس هي مشكلة المرأة التي يهدف إلى "تحريرها" من سجنها البيولوجي وإلى "إعفائها" من أمومتها. ولكن ما حدث أن المرأة لم تجد الخلاص في الكيبوتس، بل أصبحت من أكبر عناصر عدم الاستقرار فيه للأسباب التالية:

أ ) الأعمال اليدوية التي توكل لها شاقة ومضنية في غالب الأحيان، وهو ما يسبب لها العناء والإجهاد.

ب) لم يتمكن الكيبوتس من تحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة بسبب العوامل البيولوجية، فالمرأة الحامل غير قادرة على القيام بالأعمال الشاقة، وكثيراً ما تترك وظيفتها وتستعصي عليها العودة إليها بسبب قيام غيرها بها، بل إن كثيراً من المناصب القيادية في الكيبوتس آلت إلى الرجال لهذا السبب.

جـ) نتيجة كل هذه الظروف وجدت المرأة نفسها في قطاع الخدمات (الطبخ والتنظيف والغسيل) وهو قطاع لا ينال احترام أعضاء الكيبوتس لأنه "قطاع غير إنتاجي"، ولذا تحس المرأة إحساساً عميقاً بالنقص. كما أن كثيراً من هذه الأعمال غير خلاق وممل، وبخاصة إذا كان يؤدّى للغير بشكل دائم وخارج نطاق الأسرة المباشرة، ويقال إن المرأة التي تعمل في الكيبوتس في قطاع الخدمات، تقضي ثماني ساعات يومياً في إعداد الطعام أو غسل الملابس.

د) وهـناك أخيراً رغبة المرأة في استرجاع أمومتها التي "تحرَّرت" منها، وبيتها الخاص الذي "أُعفيت" منه، وأطفالها الذين "تخلصت" منهم.

لكل هذه الأسباب نجد أن المرأة وراء المطالبة بالملكية الفردية والحياة الخاصة (وهي عكس الحياة الجماعية شبه العسكرية التي يتطلبها الكيبوتس)، بل إن كل الذكور الذين تركوا الكيبوتسات إنما فعلوا ذلك بسبب تعاسة المرأة وعدم رضاها عن أوضاعها. وهناك عدد كبير من النساء يرغبن في ترك الكيبوتس ولا يمكنهن ذلك بسبب ظروف الأزواج.

2 ـ الترف:

التقشف سمة من السمات الأساسية في الحياة داخل الكيبوتس، باعتباره مؤسسة عسكرية، ويظهر هذا التقشف في تحريم تملُّك الأفراد للأرض أو للآلات. وينصرف التحريم أحياناً إلى الأشياء الشخصية مثل الملابس. وقد كان التقشف يظهر أيضاً في أسلوب الحياة نفسها، من تحريم لتناول الطعام على انفراد إلى ممارسة أية نشاطات فردية. وجو التقشف هذا يشكل أساس التنشئة الاجتماعية العسكرية، وهو تكتيك عرفه المماليك من قبل، وعرفته كل المجتمعات التي كانت تعتمد على جماعات من المحاربين المرتزقة لحماية أمنها.

ولكن هذا الجانب من الحياة في الكيبوتس بدأ هو الآخر بالتآكل. فعلى سبيل المثال، بدأت تظهر الجماعات المنفصلة (للرجال والنساء)، ثم بعد ذلك الحمامات المستقلة لكل أسرة، وظهرت كذلك المطابخ المستقلة، بل أحياناً المسكن المستقل (غرفتان وصالة ـ في العادة ـ وملحق مكوَّن من مطبخ وحمام).

وبعض هذه المساكن مؤثث تأثيثاً فاخراً ويحتوي على أدوات ترفيه مثل الستيريو والتليفزيون الملون. ويُقال إن حمى الفيديو بدأت تكتسح إسرائيل بما في ذلك الكيبوتسات. وتجدر الإشارة إلى أن هناك سيارات خاصة بالكيبوتس تقوم بنقل الأعضاء إلى المدينة، وبإمكان العضو أن يحجز سيارة ليستخدمها بمفرده. وقد وصف أحد الكُتَّاب كيبوتس دجانيا عام 1986، بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيسه، فأشار إلى الترف الذي لم يحلم به المؤسسون الأوائل، مثل ملاعب التنس وحمام السباحة الذي تكلَّف نصف مليون دولار، وغرفة الطعام التي تكلَّفت مليون ونصف مليون دولار. ولنلاحظ هنا أن الابتعاد عن حياة التقشف ينتج عنه نوع من الاسترخاء، ولكن الأهم من هذا أنه يفت في عضد الاتجاه الجماعي الذي يُعدُّ ركيزة أساسية للشخصية العسكرية.

ولعل من أهم التطوُّرات الأخرى في هذا الاتجاه (وهو تطور يُعَدُّ سلبياً من وجهة نظر مؤسسي الكيبوتس وقياداته)، هو عودة الأسرة للظهور كما يتضح في عودة المسكن المستقل، وفي انضمام كثير من الأطفال إلى ذويهم وقضائهم كل أو معظم أوقات فراغهم في «منازلهم» أو وحداتهم السكنية المستقلة، بعيداً عن المدرسة وعن مؤسسات الكيبوتس المختلفة. بل إن بعض الكيبوتسات بدأت في إنشاء مساكن تشبه شقق الطبقات المتوسطة في أي بلد غربي حديث.

وبينما كان تناول الطعام على انفراد يُعَدُّ عودة للجيتوية أصبح الآن أمراً أكثر شيوعاً، وخصوصاً أن الصالة الملحقة بالمنزل المستقل أخذت تتحول بالتدريج إلى غرفة طعام يتناول فيها أعضاء الأسرة الواحدة بعض وجباتهم اليومية (ولكن مع هذا تظل طقوس الطعام الجماعي أمراً مهماً جداً في الكيبوتس).

وإلى جانب تقلُّص التقشف على مستوى الحياة الفردية، نجد أنه آخـذ أيضاً في التقلـص على مسـتوى الحياة الجماعـية في الكيبوتس ككل. فيُلاحَظ مثلاً أن بعض الكيبوتسات لها متحف خاص بها (ونهب آثار فلسطين من الهوايات الصهيونية الأثيرة. ويُعَدُّ موشي ديان، ابن الكيبوتس، من أكبر لصوص الآثار في الكيان الصهيوني). ويوجد الآن فنانون مقيمون في الكيبوتسات، إذ وجدوا أن أسلوب الحياة في هذه المزارع الجماعية يوفر لهم الراحة والدعة المطلوبة كما أنه يوفر الأمان المالي. وبعض هؤلاء الفنانين ليسوا أعضاء في الكيبوتسات، وهذا في حد ذاته يُعَدُّ تطوراً عميقاً ـ أن يُسمح لمُستوطَن صهيوني أن يعيش داخل الكيبوتس دون أن يكون عضواً فيه.

ومن أشكال الرفاهية الأخرى في الكيبوتس صالونات التجميل (الكوافير) لتصفيف شعر النساء، وقيام الكيبوتس بتنظيم رحلات لزيارة المسارح والمتاحف في المدن الكبيرة. بل إن الكيبوتس يقوم بتنظيم رحلات سياحية إلى الخارج لأعضائه الذين يقومون بجولاتهم داخل وخارج إسرائيل كجماعة، كما أنه يمول أعضاءه الذين يقومون بدراسات جامعية وعليا، فهم يحصلون على ما يشبه الإجازة الدراسية بمرتب. وقد نشرت إحدى الصحف مؤخراً مفردات متوسط دخل عضو الكيبوتس، فبيَّنت أن دخله الفعلي السنوي يضعه في شرائح المجتمع الإسرائيلي العليا.

من كل هذا يمكننا أن نستنتج أن الصورة النمطية المألوفة عن حياة التقشف داخل الكيبوتسات لم تعد دقيقة، وأن أعضاء الكيبوتسات قد لا يملكون شيئاً مثل المماليك، ولكنهم، شأنهم شأن المماليك أيضاً، يرفلون في حلل النعيم، ويكوِّنون في نهاية الأمر تشكيلاً طبقياً متميِّزاً، يتحكم في المجتمع وينعم بخيراته.

3 ـ من الزراعة إلى الصناعة:

أشرنا إلى أن الطابع الزراعي العسكري للكيبوتس ليس مجرد صفة عرضية، وإنما سمة بنيوية (أي لصيقة ببنيته)، ومن هنا أيضاً فإن تحوُّله من الزراعة إلى الصناعة يُعدُّ تحولاً بنيوياً عميق الدلالة، لأنه سيترك أثره في نمط الحياة داخله، وهذا ما يحدث الآن.

وقد بدأ هذا التحول في أواخر الخمسينيات حينما حقق الكيان الصهيوني فائضاً زراعياً كبيراً، ووُصف الكيبوتس حينئذ بأنه «عدو الدولة» اللدود، فكان على الكيبوتس حينئذ أن يتحول بالتدريج ليضمن لنفسه النجاح والبقاء الاقتصادي.

وقد يكون من المفيد أن نذكر بعض الحقائق التي قد تُعطي القارئ فكرة عن هذا التحوُّل. ففي عام 1960 كان 30 % من أعضاء الكيبوتس يعملون في الصناعة، أما عام 1970، فقد بلغت نسبتهم 45% وتزيد النسبة الآن عن 50%.

ولم تَعُد مزارع الكيبوتس «مزرعة جماعية» وإنما أصبحت مجموعة من المشروعات الصناعية الضخمة، تساوي ملايين الدولارات. وقد وصف مراسل الواشنطن بوست كيبوتس دجانيا بأنه «كيبوتس يديره مصنع». وقد نجم عن هذا الانتقال تحوُّل في طبيعة الكيبوتس ونشوء عدد من المشاكل التي لم يضعها مؤسسو الكيبوتس في الحسبان:

أ ) نظراً لطبيعة الكيبوتس الإحلالية التي أشرنا إليها يتحتم على الأعضاء أن يعملوا بأنفسهم، وهذا أمر مناسب لمهنة الزراعة، ولكنه غير مناسب للمشروعات الصناعية التي تتطلب أيادي عاملة وخبراء يتم تدريبهم خارج الكيبوتس في المعاهد والكليات الفنية المختلفة ولا يدينون بالولاء له. ويحاول الكيبوتس أن يحل المشكلة عن طريق الاستعانة بالصناعة الأوتوماتيكية أو عن طريق مشاركة العمال الحضريين الذين يعملون في الكيبوتس دون أن يصبحوا أعضاء فيه.

ب) نظراً لانصراف عدد كبير من أعضاء الكيبوتسات إلى الأعمال الصناعية بدأت العمالة العربية الأجيرة تظهر مرة أخرى داخل الكيبوتس للقيام بالأعمال الزراعية، وهذا يُعَدُّ ـ من وجهة نظر صهيونية ـ ضربة في الصميم لمفهوم العمل العبري.

جـ) انقسم العاملون في الكيبوتس إلى فريقين: أحدهما يعمل بالزراعة والآخر يعـمل بالـصناعة، وهو ما خلق كثيراً من التـوترات. ومما عقَّـد الأمور، أن المشروع الصناعي على عكس المشروع الزراعي، يجب أن يكون حجمه كبيراً نوعاً ما، والكيبوتس كان المفروض فيه أن يظل حجمه صغيراً حتى يتسم بالدينامية وحتى تُمكن إدارته ذاتياً، بل يمكن القول بأن الإدارة الذاتية للكيبوتس أصبحت أمراً عسيراً جداً بعد زيادة القطاع الصناعي داخله، لأن القضايا التي يواجهها أعضاء الكيبوتس تتطلب خبرة المتخصصين، وهذا أمر غير متاح للأعضاء العاديين الذين لم يتلقوا تدريباً أو تعليماً خاصاً.

لكل هذا، يمكن القول بأن الانتقال من الزراعة إلى الصناعة قد أضعف تماسك الكيبوتس كمؤسسة، وولَّد داخلها مجموعة من التوترات التي تؤثر في مقدار فعاليتها ومدى إسهامها في الكيان الصهيوني.

4 ـ من التضامن الاشتراكي إلى التماسك العرْقي:

يبدو أن الكيبوتس رغم كل الادعاءات الطليعية والتجريبية قد بدأ يأخذ شكل العائلة الكبيرة المكتفية بذاتها أو القبيلة الصغيرة المنغلقة على نفسها.

وقد نشأ الكيبوتس في بداية أمره كتنظيم اشتراكي حديث، من الوجهـة النظرية على الأقل، أسـاس التضـامن فيه هـو الولاء الأيديولوجي، بل "هوجمت عملية تكوين وحدات عائلية، بدعوى أنها تضر بوحدة المجتمع". وفُسِّر الاتجاه الجماعي في الكيبوتس على أنه تعبير عن المُثُل الاشتراكية التي تنطلق منها هذه المؤسسة الزراعية/ العسكرية.

ولكن رغم نقطة الانطلاق هذه فإن الطبقية والظروف السياسية والتاريخية فعلت فعلها، وازدادت العائلات وتوسعت، وتحوَّل الكيبوتس إلى جماعة منغلقة، يتزاوج أفرادها فيما بينهم. فيُلاحَظ أن الزيادة الطبيعية طوال الخمسين عاماً الماضية هي المصدر الأساسي للزيادة في عدد سكان الكيبوتسات، أما الاستيعاب الاجتماعي من الخارج فيُشكل الآن ظاهرة هامشية. وفي الوقت الحاضر يعيش قرابة 9% من سكان الكيبوتسات في مستوطنات قامت قبل عام 1950، ووصلت إلى الجيل الثالث والرابع. فالمجتمع الكيبوتـسي قد أصـبح "مجتمـعاً عائلياً متوارثاً" ـ "مجتمعاً طبيعياً" ـ "مجتمعاً متعدد الأجيال"، أي أن الكيبوتس لا يستند إلى التضامن العقائدي والاشتراكي المزعوم، وإنما إلى التضامن العائلي أو القَبَلي أو الجيتوي (الصهيوني).

بل يبدو أن الأطر الأيديولوجية الأولى لم تكن سوى ستار كثيف يغطي "قرابة الدم بين اليهود" التي كانت بمنزلة الملاذ الحقيقي، أما هؤلاء الذين لم يؤمنوا بقرابة الدم هذه، فقد خرجوا إلى صفوف الاشتراكية الليبرالية أو الماركسية في صيغة إنسانية عامة أو إلى مواطنة العالم، ولم يصلوا إلى الكيبوتس، أي أن انغلاق الكيبوتس العائلي (وربما الجيتوي) على نفسه لم يكن تطوراً عرضياً وإنما كان أمراً كامناً منذ البداية، وكانت الصهيونية «الدموية»، أي التي تستند إلى قرابة الدم، أساس بقائه الحقيقي رغم ادعاءاته الاشتراكية الصاخبة.

  • الثلاثاء AM 10:11
    2021-05-18
  • 1451
Powered by: GateGold