ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الهستدروت
الهستدروت
Histadrut
اختصار للمصطلح العبري «هستدروت هاكلاليت شل هاعوفديم هاعفريم بايرتس يسرائيل» أي «الاتحاد العام للعمال العبريين في إرتس يسرائيل». ثم حُذفت كلمة «العبريين» من اسمه عام 1969. وقد أنشأ الصهاينة هذا الاتحاد العمالي عام 1920 لا ليمثل أية طبقة عاملة وإنما ليساهم في توطين المهاجرين الصهاينة وليبلور وينمي، بالاشتراك مع الوكالة اليهودية، جماعة المستوطنين الصهاينة في فلسطين حتى تصبح بناءً استيطانياً متكاملاً توجد داخله طبقة عاملة. وقد عبَّر بن جوريون عن هذه الفكرة بمصطلحه الغيبي حينما قال: "ليس الهستدروت نقابة عمالية ولا حزباً سياسياً ولا هو تعاونية وجمعية لتبادل المنفعة، إنه أكثر من ذلك. الهستدروت هو اتحاد شعب يقوم ببناء موطن جديد ودولة جديدة وشعب جديد، ومشاريع ومستوطنات جديدة، وحضارة جديدة. إنه اتحاد للمصلحين الاجتماعيين لا تمتد جذوره إلى بطاقة عضويته الخاصة بل إلى المصير المشـترك والمهمـات المشـتركة لجميع أعضائه في الموت والحياة"، أي أن دينامية الهستدروت هي دينامية صهيونية استيطانية إحلالية. ولذا يمكننا القول بأن الهستدروت ليس «اتحاد عمال» كما قد يوحي اسمه، وإنما هو مؤسسة صهيونية استيطانية بالدرجة الأولى، بل أهم المؤسسات الاستيطانية على الإطلاق، فهو المؤسسة الوحيدة داخل الحركة الصهيونية التي تشرف على معظم النشاطات، وتتحرك داخلها كل الأحزاب وتربط المُستوطَن الصهيوني بالجماعات اليهودية في العالم. إنها التجربة الصهيونية بالدرجة الأولى.
وقد نص قانون إنشاء الهستدروت على أنه يُعتبَر أداة لعملية الاستيطان، ولتنشيط الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين. ومن هذا الهدف تعددت مجالات عمل الهستدروت وأدواته التنفيذية: فهو اتحاد للتعاونيات، ومؤسسة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهيئة للتأمين الصحي، وجمعية لتقديم الخدمات الثقافية والتعليمية. ولذا تضم لجنته التنفيذية الإدارات التالية: التنمية والاستيعاب ـ المساعدة المتبادلة ـ التوظيف والتدريب المهني ـ العمـال الأكاديمـيين ـ والشئون الدينيـة ـ الشئون العربية والتعليم العالي ـ التعويضات.
وتتضح طبيعة الهستدروت الخاصة في أن الأعضاء يشتركون فيه مباشرةً ويدفعون رسوماً تتراوح بين 3 ـ 4.5% من أجورهم إلى صندوقه المركزي، ثم يلتحقون بالاتحاد العمالي الخاص بهم، أي أنهم ينتمون أولاً للمؤسسة الاستيطانية ثم ينتمون إلى اتحاد عمالي أيضاً. والهستدروت في هذا يشبه الأحزاب السياسية في إسرائيل فهي الأخرى مؤسسات استيطانية وأحزاب أيضاً. وقد يكون من الصحيح أن الطابع الاستيطاني للأحزاب والهستدروت قد خفت بعض الشيء بعد إعلان الدولة ولكن الطابع الاستيعابي (وهو الامتداد الطبيعي للاستيطانية أو استيطانية ما بعد 1948 بالتحديد) قد زادت حدته. ويجري التخطيط والتنفيذ في الهستدروت والمؤسسات التابعة له من خلال المؤتمر القومي (السلطة التشريعية) والمحلي العام (السلطة العليا) واللجنة التنفيذية (أعلى سلطة تنفيذية).
وكان الهستدروت ومنشآته الاقتصادية بمنزلة العمود الفقري للاقتصاد العمالي الصهيوني، فمنذ تأسيسه عام 1920 يقوم بإنشاء مستعمرات زراعية ومؤسسات صناعية. ففي عام 1921 أسَّس بنك هابوعاليم (بنك العمال)، وبعد سنتين أسَّس شركة حفرات هعوفديم (شركة العمال). ومنذ عام 1927 ونشاط الهستدروت يتجه نحو تأمين رأس المال اللازم لإدارة مؤسساته الاقتصادية.
ويُعَد الهستدروت من "كبار أصحاب العمل" في إسرائيل، وهو أكبر جسم اقتصادي في الدولة، وأكبر مستخدم منفرد للعمال. ويضم الهستدروت مجموعتين كبيرتين من المصالح الاقتصادية، المجموعة الأولى تضم التعاونيات التي تنقسم بدورها إلى نوعين أساسيين: المستوطنات التعاونية مثل الموشافيم والكيبوتسات، والتعاونيات الإنتاجية والخدمية التي تضم أكبر شركتين للمواصلات (إيجيد ودان).
والمجموعة الثاني تضم مجموعة شركات ضخمة تابعة لشركة العمال (الشركة الأم) في فروع الصناعة والبناء والتجارة والمصارف. وأهم مؤسـسات الهـستدروت الصناعية مجموعة كور، التي يعمل في شركاتها نحو 23 ألف عامل في 100 مصنع تقريباً، وتملك أهم شركات صناعة الإلكترونيات، وتضم شركة سوليل بونيه، وشركة تاديران، ومصانع سولتام، وصحيفة دافار. وفي الخدمات المصرفية، يمتلك الهستدروت جزءاً كبيراً من بنك هابوعاليم، ويشارك في ملكية بنوك ومؤسسات مالية أخرى. كما أن الهستدروت يشارك في الاستثمار في شركة كلال وشركة تسيم وسايتكس. وقد أشرنا إلى امتلاكه شركتي إيجد ودان، واحتكاره فرع المواصلات العامة. وفي التجارة يمتلك الهستدروت شركة همشبير، وشركة تنوفا.
ويدل توزيع ملكية المنشآت الصناعية أن حصة الهستدروت النسبية قد ازدادت في السبعينيات ومنتصف الثمانينيات، كما أن حجم صادرات المنشآت الاقتصادية التابعة للهستدروت قد ازداد ازدياداً مطرداً ولا سيما في القطاع الزراعي حيث وصلت نسبة ما صدره عام 1985 إلى 77% من الصادرات الزراعية، و23.5% من الصادرات الصناعية. ويقوم الهستدروت بالاشتراك الفعلي في تقرير سياسات المؤسسات الاقتصادية التي لا يشترك في ملكيتها، سواء مباشرةً أو من خلال شركات العمال أو عن طريق مندوبين له في مجالس إدارة هذه المؤسسات. وهو ما يدعِّم هيمنة الهستدروت وسيطرته على القطاع التعاوني في الاقتصاد الإسرائيلي. وهو يشترك في الهيئة الاقتصادية العليا التي تخطط للاقتصاد الصهيوني وتنسق بين القطاعات الثلاثة وهي العام والخاص والتعاوني.
وقد بدأت مكانة الهستدروت في التدهور منذ أواخر الثمانينيات نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية في إسرائيل في تلك الفترة (التي نجمت عنها بطالة واسعة النطاق) ونتيجة انهيارات في بعض أنشطة ومشاريع الهستدروت ووجِّهت الاتهامات لزعامة الهستدروت بسوء الإدارة والمحسوبية والفساد، حتى قرر الكنيست في مايو 1995 وضع الهستدروت. تحت إشراف المراقب العام للدولة إثر الكشف عن فضائح فساد بعض قيادات حزب العمل الذين قاموا باستغلال موارد الهستدروت في تمويل الحملات الانتخابية.
ويقوم الهستدروت بصفته ممثلاً للعمال والمستخدمين والنقابات المهنية بالتفاوض مع اتحاد الصناعيين والحكومة في شأن الأجور وشروط العمل وهو دور نقابات العمال الطبيعي. ولكن هوية الهستدروت كصاحب عمل، وليس كاتحاد عمال فقط، تظهر في أن مورده الأساسي ليس من اشتراكات الأعضاء وإنما نتيجة استثمارات تجارية، كما أن إضرابات العمال يمكن أن تتم ضده وليس بمساندته، بل إن الهستدروت يقوم كثيراً بدور المهدئ للطبقة العاملة حتى تستمر في الإنتاج داخل البناء الصهيوني.
ويضم الهستدروت في عضويته فئات متعددة ذات مصالح متضاربة في الغالب. فهو يضم في صفوفه، بالإضافة إلى العمال، الأغلبية الساحقة من الموظفين والمستخدمين في الحكومة وفي نشاطات القطاعين العام والخاص، وكل أعضاء الحركة الزراعية التعاونية (الكبيوتسات والموشافيم)، وشرائح مهنية واسعة تنتمي بوضوح إلى الطبقة الوسطى مثل: الأطباء، والمهندسين، والمحامين، والأكاديميين، والمعلمين... إلخ.
ويضم الهستدروت نحو 1.8 مليون عضو (عمال مع عائلاتهم) يشكلون 58% تقريباً من السكان، وهو يُوظِّف 25% من اليد العاملة في مختلف مؤسساتها الاقتصادية، ويغطي برنامجه للتأمين الصحي أغلبية التأمين الصحي في إسرائيل، ويدير أهم النوادي الرياضية (هابوعيل) الذي يوجد له 600 فرع منتشرة في جميع أنحاء إسرائيل.
ويساهم الهستدروت بدور مهم جداً في عملية التربية والتعليم وذلك من خلال الجهاز الرسمي والمؤسسات غير الرسمية. فهو يملك مؤسسات كثيرة لمختلف الأجيال، يختص معظمها بحقول تعليمية محددة.
وفي إحصاء قام به الهستدروت بين أعضاء أحد المؤتمرات القومية في السبعينيات (وكان يبلغ عددهم 1001) عن رؤيتهم لأنفسهم قال 64.6% منهـم (أو حوالي 885) أنهـم يعـتبرون أنفسـهم مديرين أو موظفين، وقـرَّر 16% إنهـم أصحاب مهن حرة وقـرَّر 9.3% أنهم مزارعون، بينما قال 5.3 فقط أنهم صناع وحرفيون. وفي إحصاء آخر بين أعضاء الهستدروت عن سبب التحاقهم بهذا التنظيم "النقابي" قرر 27% منهم أنهم انضموا للاستفادة من خدمات كوبات حوليم (أو التأمين الصحي)، و26% لا يعرفون سبب انضمامهم أساساً، و18% انضموا لأن رب العمل طلب ذلك، و5% فعل ذلك من باب طاعة الوالدين. ولا يذكر الإحصاء شيئاً عن الأربعة وعشرين في المائة الباقية ـ أي أن الهستدروت في بنائه واقتصادياته ووعي أعضائه بأنفسهم ليس له علاقة كبيرة باتحادات نقابات العمال.
ويمكن النظر للهستدروت على أنه تنظيم اقتصادي يأخذ "شكلاً جماعياً" لمساعدة التجمع الاستيطاني/الصهيوني بعماله ورأسمالييه، وهو تجمُّع لا يمكن أن يأخذ شكلاً رأسمالياً تقليدياً بسبب وضعه الشاذ في المنطقة إذ أن عليه أن يخوض الحرب تلو الحرب للدفاع عن نفسه وبالتالي عليه أن يجند المستوطنين دائماً في تنظيمات عسكرية اقتصادية متماسكة، وهو ما يفرض أشكالاً جماعية قد تشبه التنظيمات الاشتراكية من بعض النواحي، ولكنها خالية من أي محتوى إنساني ثوري. ومما دعِّم هذه الأشكال الجماعية أن المنظمة الصهيونية العالمية وصهاينة العالم لا يمكنهم التعامل مع رأسماليين إسرائيليين مباشرةً، بل لابد أن تتعامل المؤسسات مع مؤسسات مثلها، فيقوم الهستدروت بتلقِّي المساعدات، وتوزيعها على كل طبقات الكيان الصهيوني عمالاً ورأسماليين، أي أن الأشكال الجماعية التي يمثلها الهستدروت لا علاقة لها بأية منطلقات ثورية إنسانية، وإنما هي جزء من استيطانيته. ولعل أكبر دليل على ذلك أن كل اتجاه صهيوني، بغض النظر عن انتمائه الأيديولوجي قبل إنشاء الدولة، كان يحاول أن يكون له "هستدورته الخاص" به. فيوجد هستدروت للصهاينة التصحيحيين، وآخر للدينيين، تماماً كما كان هناك تنظيم عسكري للعماليين وآخر للتصحيحيين. وقد استمرت بعض هذه الهستدروتات بعد إنشاء الدولة. ثم انضمت له عام 1965 للاستفادة من نشاطاته وخدماته ومحاولة التأثير فيه من الداخل دون أن تغيِّر آراءها فيما يتعلق بدوره. ومما يدل أيضاً على أن الأشكال الجماعية التي يدعو لها الهستدروت لا علاقة لها بالاشتراكية وإنما هي جزء من دوره الاستيطاني (والاستيعابي فيما بعد) أن حزب حيروت الذي يمثل أيديولوجية الاقتصاد الحر عضو في الهستدروت ويحررز انتصارات لا بأس بها، وأن حزب الأحرار الرأسمالي والأحزاب الدينية كلها ممثلة داخل الهستدروت.
وارتباط الهستدروت بالاستيطان يظهر في علاقته بالعسكرية الصهيونية، فقد أُسِّست الهاجاناه بعد عام واحد من تأسيس الهستدروت. وقد كان الهستدروت مشرفاً عليها، كما كان 60% من رجال الهاجاناه والإرجون وشتيرن ينتمون إلى عضويته، كما أنه يقوم بإعالة عائلات الرجال المتطوعين في الجيش سواء قبل عام 1948 أو بعده. ومثل معظم المؤسسات الاستيطانية الصهيونية نجد أن الهستدروت مؤسسة عسكرية/اقتصادية موجهة أساساً ضد العرب، ولذا نجد أن هذا الاتحاد العمالي أُسِّس لتنفيذ سياسة اقتحام العمل وفلسفة العمل العبري، فكان يرفض تشغيل العرب بل طرد أعضاءه الشيوعيين عام 1923 بسبب إثارتهم قضية تأجير العمل العربي، كما كان ينظم مظاهرات ضد الرأسماليين اليهود الذين يستأجرون عمالاً عرباً. ولكن بعد ظهور الدولة وبعد أن ثبتت أركانها، ومع ازدياد الحاجة للأيدي العاملة العربية أخذ في التنازل تدريجياً عن هذا التشدد. وسمح الهستدروت بانضمام العمال العرب لعضويته ولكن العمال العرب لا يتمتعون من الناحية الواقعية بالمزايا التي يتمتع بها العمال اليهود، فأجورهم أقل كثيراً من أجور نظرائهم، كما أنهم أكثر تعرضاً للبطالة. وكثيراً ما تثار قضية العمال العرب داخل الهستدروت، إلا أنها غالباً ما تنتهي إلى لا شيء، بل على العكس من ذلك يساهم الهستدروت في تسهيل وإيجاد الظروف الملائمة لتهجير العمال العرب إلى الخارج.
الهستدروت إذن جزء عضوي ورئيسي في المجتمع الصهيوني الاستيطاني، وقد ترتَّب على قوة وسطوة الهستدروت وتعدُّد مجالات تأثيره أن أصبح الشخص الذي لا ينتمي إليه يجد مشقة كبيرة في الاستمرار في الحياة، فهو لا يستطيع أن يحصل على الخدمات بسهولة ـ وأهمها الحصول على عمل والخدمات الصحية ـ وإذا حصل عليها فبتكاليف باهظة.
ويعتبر الهستدروت الأداة الأساسية التي تعبِّر من خلالها التفاعلات السياسية في المجتمع عن قراراتها في مختلف نواحي الحياة، إذ أن التنظيم التشريعي والتنفيذي للهستدروت يتكون من ممثلين عن الأحزاب بحسب نسبة قوتها الانتخابية، وبالتالي فإن سياسات الهستدروت في النهاية ليست سوى انعكاس للتفاعل بين وضع الأغلبيات والأقليات الحزبية. بل يمكن القول بأن سياسات الهستدروت تُقرَّر داخل الأحزاب وليس في المؤتمر القومي، ولعل هذا هو أحد العناصر التي تفسر انصراف الأعضاء عن الاشتراك في انتخاب مندوبي المؤتمر، ففي عام 1959 وصل عدد المشتركين إلى 84% ثم انخفض إلى 65% عام 1969 ثم انخفض إلى 56.5% عام 1989.
ويضم الهستدروت أربعة تشكيلات رئيسية مختارة على أساس حزبي، فالمؤتمر العام يُنتخَب كل أربعة سنوات بواسطة قوائم الأحزاب، ثم يَنتخب المؤتمر العام مجلساً تنفيذياً ويختار هذا بدوره لجنة تنفيذية، ثم المكتب الإداري ـ ويقع في قمة التشكيل الهرمي ـ فيتولَّى تصريف الشئون المعقدة اليومية المتعلقة بتنفيذ قرارات المجلس واللجنة.
وقد كان من أهم أسباب نجاح الهستدروت في ممارسة أدواره المتعددة سيطرة الأحزاب العمالية حتى سنة 1977، وجزئياً بعد ذلك، وهو ما أتاح لها مساندة اقتصاد الهستدروت. كما أن احتفاظ حزب العمل بموقعه ومركزه في الحياة السياسية الإسرائيلية يعود إلى علاقته القوية بالهستدروت. ومنذ عام 1932 حينما كان الماباي الموجِّه الفعلي، كانت له أكثرية مطلقة في المجلس التنفيذي للهستدروت. ولم يتغيَّر الوضع كثيراً حتى الستينيات، فالتجمُّع العمالي (المعراخ) أحرز نسبة مئوية قدرها 88.5% من الأصوات في انتخابات الهستدروت عام 1965. وتتضح لنا هذه العلاقة أكثر بمعرفة أن بن جوريون كان أول سكرتير عام للهستدروت. ولكن تجب الإشارة إلى أن هيمنة المعراخ والصهيونية العمالية آخذة في التآكل، ولذلك يُلاحَظ تآكل النسبة المئوية التي حصل عليها المعراخ في الانتخابات الأخيرة. ففي انتخابات أعوام 1981، 1985، 1989 حصل تحالف حزب العمل على نسبة 64%، 67%، 64% على التوالي أما الليكود فحصل على 26%، 21%، 27% على التوالي.
وفي انتخابات الهستدروت في مايو 1994 فازت قائمة مستقلة بقيادة حاييم رامون (أحد أعضاء حزب العمل السابقين) بنسبة 47%، أما حزب العمل فحصل على 32%، وحصل الليكود على 17%، وبذلك انتهت سيطرة حزب العمل على الهستدروت التي استمرت مدة 70 عاماً. ولكن رامون ومجوعته عادت إلى صفوف حزب العمل بعد اغتيال إسحق رابين عام 1995 حيث شغل منصب وزير الداخلية في حكومة شيمون بيريز. وفي 26 ديسمبر 1996 نفَّذ الهستدروت إضراباً عن العمل شل مظاهر الحياة في إسرائيل احتجاجاً على السياسة الاقتصادية لحكومة الليكود وميزانيتها لعام 1997. وقد قامت الأحزاب العربية في إسرائيل لأول مرة منذ تأسيسها ومنذ قبول العرب كأعضاء كاملين في سنة 1969 بتشكيل قائمة موحدة لخوض انتخابات الهستدروت عام 1989.
ولابد من الحديث عن علاقة رأس المال الخاص في إسرائيل بالهستدروت، فنجد أنه في عام 1960 كان القطاع الخاص في إسرائيل يساهم بـ 58.5% من الإنتاج، وكان القطاع العام يساهم بـ 21.1%، والهستدروت 20.4%. وفي عام 80 / 81 ساهم القطاع الخاص بـ 54% والقطاع العام بـ 24% والهستدروت 22%، وفي التسعينيات زادت نسبة مشاركة القطاع الخاص. ولكن مساهمة الهستدروت في الإنتاج الصناعي تتم أيضاً من خلال القطاع الخاص إذ يمتلك الهستدروت 50% من مؤسساته مناصفة مع بعض شركات القطاع الخاص، أي أن مساهمته الحقيقية في الإنتاج هي 10% وحسب. ولا تزيد اليد العاملة التي يستخدمها عن 17.5% (1965). وحسب هذه الخريطة لم يكن بُد أن يهيمن القطاع الخاص على الحكم في إسرائيل وأن تُطرَد البيروقراطية العمالية، ولكن تكوين إسرائيل الاستيطاني يفرض على الطبقة الرأسمالية (وتنظيماتها الحزبية) أن تظل في المرتبة الثانية (على عكس البنى الاستيطانية الأخرى مثل جنوب أفريقيا وروديسيا حيث يستولى الرأسماليون دائماً على الحكم). وهذا يرجع لخصوصية الاستيطانية الصهيونية فهي استيطانية/إحلالية طردت السكان الأصليين وهو ما جعلها تخلق طبقتها العاملة والزراعية الخاصة (على عكس الطبقات الحاكمة في جنوب أفريقيا التي تشكل طبقة من الرأسماليين والملاك الزراعيين)، كما أن الاستيطانية الصهيونية مُموَّلة من الخارج عن طريق الجماعات اليهودية في العالم والدول الإمبريالية (على عكس جنوب أفريقيا وروديسيا). كل هذا يساعد على إحكام هيمنة البيروقراطية العمالية متمثلة في الهستدروت على المجتمع الإسرائيلي، وهو ما يعوق نشوء طبقة رأسمالية محلية تلعب دوراً قيادياً. بل إننا نجد أن الهستدروت يؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة في القطاع الخاص الإسرائيلي (وفي بناء المجتمع الاقتصادي ككل). فالهستدروت يتحكم في الأجور وغالباً ما يعمد إلى تعديلها في ضوء ارتفاع تكاليف المعيشة وليس في ضوء الإنتاجية، ويؤدي ارتفاع الأجور وعدم تكافئها مع معدل الإنتاجية إلى اتجاهات تضخمية تسبب بدورها ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع الأجور ـ والمحصلة النهائية لهذه العملية هو ظهور «الشعب الطفيلي»، أي أولئك الأجراء وأصحاب المعاشات الذين لا يتناسب دخلهم مع طاقتهم العملية المستغلة. وقد سبَّب هذا انخفاضاً في الإيرادات والأرباح العامة من الاستثمارات الخاصة والفردية. وقد نجم عن هذا الوضع هبوط حماس الرأسمالية المحلية الصغيرة الضعيفة الأمر الذي يضطر رأس المال الإسرائيلي للتعاون مع الشركات الغربية والاستثمارات الأجنبية، أي أن مشاركة الهستدروت "الاشتراكية" في الاقتصاد ينتج عنها مزيد من التبعية لرأس المال العالمي وفقدان الاتجاه والرؤية المحددة.
هذا، وكان الهستدروت يلعب دوراً أساسياً في الدفاع عن الصورة الإسرائيلية في الأوساط الاشتراكية والثورية في العالم، وله علاقات قوية بالتنظيمات النقابية الاشتراكية الديموقراطية، ويلعب الهستدروت دوراً خطيراً في تخريب الحركة النقابية في العالم الثالث، إذ أنشأ المعهد الأفرو ـ أسيوي للدراسات العمالية، وهو معهد ظهر أن وكالة المخابرات الأمريكية كانت تموله، كما كان الهستدروت يصدر جريدة دافار وله دار نشر خاصة به.
الكيبوتـس: نموذج مصغـر للاستعمار الاستيطاني الصهـيوني
Kibbutz: Micro-Paradigm of Zionist Settler Colonialism
«الكيوبتس» كلمة عبرية تعني «تجمُّع» وجمعها «كيبوتسيم» وتصغيرها «كيبوتساه». وهي شأنها شأن معظم المصطلحات الصهيونية (مثل «عالياه» بمعنى «الارتفاع» أو «السمو» والتي تعني «الهجرة إلى إسرائيل») لها بُعد شبه ديني. ولعل الاصطلاح الديني اليهودي «كيبوتس جاليوت» أو «تجميع المنفيين» ولم شمل كل يهود العالم في فلسطين هو الذي استقى منه الصهاينة هذه التسمية. وتُستخدَم الكلمة في الكتابات الصهيونية للإشارة إلى مستوطنة تعاونية تضم جماعة من المستوطنين الصهاينة، يعيشـون ويعملون سـوياً، ويبلغ عـددهم بين 450 و600 عضو، وإن كان العدد قد يصل إلى ألف في بعض الأحيان.
ويُعدُّ الكيبوتس من أهم المؤسسات الاستيطانية التي يستند إليها الاستعمار الصهيوني في فلسطين المحتلة. بل يُقال إن الكيبوتس هو أهم المؤسسات السياسية والاجتماعية على الإطلاق داخل الكيان الصهيوني. وهو مؤسسة فريدة مقصورة على المجتمع الصهيوني. إذ لا توجد أية مؤسسة تضاهيها في الشرق الأوسط أو خارجه (وإن كنا نجد بعض مواطن الشبه بينها وبين بعض المؤسسات التي تضم جماعات وظيفية قتالية مثل الأنكشارية والمماليك). بل يمكن النظر للكيبوتس باعتباره مؤسسة نماذجية لتوليد جماعة وظيفية شبه عسكرية، ولعل مركزيته تعود إلى أن الدولة الصهيونية نفسها دولة وظيفية.
ورغم تنوُّع انتماءات الكيبوتسـات السـياسـية فإن كل المستوطنات، شأنها شأن الأحزاب السياسية في إسرائيل، تلتزم بالرؤية الصهيونية وبالخط الصهيوني، بل إنها كوَّنت عام 1963 تنظيماً عاماً لحركة الكيبوتس تشترك فيه كل المزارع الجماعية بغض النظر عن انتمائها السياسي. وتدين كل الكيبوتسات بالولاء للحركة الصهيونية، وهذا أمر منطقي تماماً لأنها مشاريع غير مربحة ومموَّلة من قبَل هذه الحركة.
وحتى ندرك مدى أهمية الكيبوتس داخل الكيان الصهيوني، سنورد بعض الإحصاءات التي قد تعطي القارئ فكرة واضحة ومثيرة عن مدى إسهام هذه المؤسسة في المجتمع الصهيوني. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغت نسبة أعضاء الكيبوتس في النخبة الحاكمة (أي بين قيادات المجتمع الإسرائيلي) سبعة أضعاف نسبتهم في المجتمع (ويكفي أن نذكر أن بن جوريون وموشيه ديان وشيمون بيريز وييجال آلون وغيرهم من أبناء الكيبوتسات). ومع أن أهمية الكيبوتس آخذة في التناقص إلا أن النسبة في الوقت الحاضر لا تزال أربعة أضعاف. وكان ثُلث الوزراء الإسرائيليين من 1949 حتى 1967 من أعضاء الكيبوتس، كما أن 40% من إنتاج إسرائيل الزراعي و7% من صادراتها من إنتاج الكيبوتسات، و8% من إنتاجها الصناعي.
ويمكن القول بأن تاريخ نشأة الكيبوتس وتطوره وبنيته وما لحق به من تآكل وما يواجهه من أزمات يجعل منه نموذجاً مصغراً للاستيطان الصهيوني: أصوله ـ تاريخه ـ طبيعته ـ أزمته. ولذا فدراسة الكيبوتس أمر مهم من الناحية المنهجية من منظور دراسة الصهيونية والاستيطان الصهيوني.
-
الثلاثاء AM 10:08
2021-05-18 - 1747