الإرهاب الإسرائيلي/الصهيوني بعد أوسلو - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442576
يتصفح الموقع حاليا : 112

البحث

البحث

عرض المادة

الإرهاب الإسرائيلي/الصهيوني بعد أوسلو

الإرهاب الإسرائيلي/الصهيوني بعد أوسلو
Israeli-Zionest Terrorism after Oslo
لم يتضمن إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية (واشنطن 13 سبتمبر 1993) والمعروف باتفاقات أوسلو نصوصاً محددة تنطوي على تعهد إسرائيلي أساسي وصريح وشامل بالتخلي عن ممارسة الإرهاب. ومع هذا كان من المتصور أن توقيع اتفاقية أوسلو سيخلق واقعاً جديداً في العلاقة بين الشعب الفلسطيني وحكومة المستوطنين الصهاينة لاعتبارات عدة يمكن أن نوجزها فيما يلي:


1 ـ تراجُع الاحتكاك بين الفلسطينيين والقوة العسكرية الصهيونية بسبب تقلص سلطات الاحتلال فوق مناطق تركز الكثافة السكانية للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.

2 ـ كان المفروض أن السوق الشرق أوسطية والمؤتمرات الاقتصادية المختلفة ستؤدي إلى ظهور علاقات اقتصادية قوية بين الدول العربية (وضمن ذلك السلطة الفلسطينية) وهي علاقات تتجاوز الخلافات العقائدية والحضارية السابقة.

3 ـ كان المفروض أن تقوم السلطة الفلسطينية بمكافحة "الإرهاب" والقضاء على أية مقاومة للاحتلال الصهيوني، الأمر الذي يعفي سلطات الاحتلال الصهيوني من هذه المهام.

وكل هذه العناصر إن هي إلا تعبير عن صهيونية عصر ما بعد الحداثة والنظام العالمي الجديد ونهاية التاريخ، فهي تفضل اللجوء إلى التفكيك من خلال آليات غير مباشرة بدلاً من المواجهة القتالية المباشرة (على أن يقوم بهذا الدور أفراد "متطرفون" يمكن التحلل من جرائمهم). وقد لوحظ أنه مع مذبحة الخليل تم استنفار الجماهير العربية واستعادة الروح الجهادية والذاكرة التاريخية وهو ما يتنافى ومرامي النظام الاستعماري الجديد.

ولكن رغم كل هذا يبدو أن البنية الاستيطانية الإحلالية العنصرية للكيان الصهيوني، بما تحتويه من إرهاب حتمي، تجعل توقُّع تلاشي الإرهاب الصهيوني أو حتى احتواؤه دون فك هذه البنية أو التخلص منها أمراً شبه مستحيل.

وعلى أية حال صيغت الاتفاقات المتلاحقة بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية على نحو يجعل لهواجس الأمن الإسرائيلي أولوية شبه مطلقة. فنصوص أوسلو وما تلاها قد انطوت على تزييف واضح للأدوار التي لعبها الفلسطينيون والإسرائيليون إذ أصبح الفلسطينيون هم الطرف الذي تطارده لعنة الاتهام بممارسة الإرهاب وباتت أعمال المقاومة الوطنيــة لسـلطات الاحتـلال تشـكل "إرهاباً" وموضع إدانة ومطعـوناً في مشروعيتها بمقتضى النصوص التعاقدية بن الجانبين.

والجدير بالذكر أن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية بما في ذلك منظمة العفو كانت قد التفتت مبكراً وفور اتفاقات أوسلو إلى خلو النصوص من الضمانات الأساسية اللازمة لحقوق الفلسطينيين. وجاءت ممارسات إسرائيل على الأرض خلال الفترة الانتقالية (الحكم الذاتي) لتعزيز الاعتقاد بأن الدولة التي لم تعلن تخليها عن عقيدتها الصهيونية العنصرية لم تتجه إلى التفريط في آليات العنف الإرهابي الذي طالما ظلت ولا تزال تعتمده مكوناً أساسياً في تعاملها مع الآخر (الفلسطيني والعربي).

ولقد شهدت الشهور القليلة التي تلت اتفاق أوسلو استمرار السلطات الإسرائيلية في أعمال قتل وإصابة الفلسطينيين فوق أراضيهم المحتلة فضلاً عن اعتماد الاعتقال والسجن والتعذيب سياسة مستقرة في التعامل مع الشعب الفلسطيني.

وإذا كانت عمليات الإفراج عن أعداد من المعتقلين الفلسطينيين قد اجتذبت جهود المفاوضين واهتمام وسائل الإعلام، فإن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية اللاحقة على أوسلو تسجل مواصلة حملات الاعتقال الجماعي (ويقول تقرير لمنظمة العفو الدولية ـ استناداً إلى إحصاءات رسمية ـ إن ما يزيد عن 6 آلاف فلسطيني اعتقلتهم إسرائيل بعد سبتمبر 1993 وحتى نهاية عام 1994).

وأبقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بقيادة العمل أو الليكود على نفس القوانين العسكرية العنصرية (التمييزية) ضد الفلسطينيين لتلاحقهم بها أينما ظلت سلطاتها فاعلة في الضفة وغزة والقدس. بل استمر اتجاه السياسات الإرهابية الإسرائيلية نحو المزيد من التشدد حيث اتخذت قرارها في 5 فبراير 1995 بتمديد فترة الاعتقال الإداري في حدها الأقصى من 6 شهور إلى عام كامل قابل للتجديد.

ولا يخلو تقرير لمنظمات حقوق الإنسان الدولية بعد أوسلو من رصد إدانة لاتخاذ إسرائيل التعذيب سياسة معتمدة رسمية ضد الفلسطينيين. وفي عام 1997 دعا بيان لجنة الأمم المتحدة إسرائيل مجدداً إلى التوقف الفوري عن ممارسة التعذيب. ويلفت النظر أن حكومة رابين التي كانت تلبس ثياب الإيمان بالسلام حاولت إصدار تشريعات خلال عام 1995 لإضفاء المشروعية على ممارسة التعذيب ولكنها اضطرت للتراجع تحت ضغط دولي. إلا أن تجذر الإرهاب العنصري داخل المؤسسات الإسرائيلية دفع المحكمة العليا في نوفمبر 1996 للإقرار للمحققين الإسرائيليين باستخدام ما وصفه بدرجة محددة من الإجبار والضغط البدنيين للحصول على معلومات من الفلسطينيين وذلك تحت دعوى "أمن إسرائيل" والحق في مكافحة ما وصفته "بالإرهاب الفلسطيني الأصولي ".

وكما أسلفنا، كان من المتصور أن تنحسر ممارسات إطلاق النار والاعتقال والسجن والتعذيب وهدم المنازل مع تقلُّص سلطات الاحتلال فوق الضفة والقطاع ومع تقدُّم عملية الحكم الذاتي الفلسطيني، إلا أن آليات العقاب الجماعي شهدت تطوراً في اتجاه ترسيخ أسلوب الحصار والتجويع عن طريق ما يُسمَّى "بالإغلاق الأمني" سواء لكل أنحاء الضفة والقطاع أو لمناطق محددة منهما.

وتؤكد خبرة السنوات الماضية منذ توقيع اتفاق أوسلو وبدء إعادة الانتشار الإسرائيلي أن الحكومات بقيادة حزبي العمل أو الليكود تنتهج فرض الحصار والتجويع عقب أية عملية تستهدف الإسرائيليين أو لأغراض الضغط على المفاوض الفلسطيني. ولا يمكن فهم ما يُسمَّى "بالإغلاق الأمني" بمعزل عن الطبيعة الاستعمارية الصهيونية التي تسعى لتحويل مناطق الحكم الذاتي إلى "معازل" على غرار تجربة جنوب أفريقيا العنصرية في السابق.

كما تقترن سياسة الحصار والتجويع هذه عادةً بتهديدات إرهابية من كبار المسئولين الإسرائيليين بإعادة اقتحام مناطق الحكم الذاتي لشن "عمليات تأديب" داخلها. وبحجة الأمن الإسرائيلي أيضاً يمتد نشاط إرهاب الدولة إلى الدول العربية وذلك في ظل الترويج لمشروع التعاون الشرق أوسطي. وتظل الاعتبارات المتحكمة في المشروع الصهيوني هي السائدة في مواجهة مقاومة الاحتلال. وتجسد حالة لبنان سطوة هذه الاعتبارات الصهيونية إذ لم يتورع شيمون بيريز "مهندس" الشرق أوسطية عن شن عدوان وحشي على لبنان في مارس وأبريل 1996وارتكاب مذبحة "قانا".

ولعل أكثر الإشكاليات المطروحة بشأن الإرهاب الإسرائيلي بعد أوسلو هي: العلاقة بين الدولة والمستوطنين. ويوحي اغتيال إسحق رابين رئيس الوزراء السابق على يد مستوطن يهودي ـ في سابقة تُعَد الأولى في تاريخ التجمُّع الصهيوني ـ بأن إرهاب المستوطنين يأخذ طابعاً مستقلاً عن الدولة إن لم نقل متحدياً لهيبتها وسياساتها. وربما يعزز ذلك الإيحاء عودة المستوطنين إلى اتخاذ المبادرة في أعمال إرهابية مدوية من قبيل مذبحة الحرم الإبراهيمي بالخليل وإطلاق النار على سوق المدينة نفسها قبيل أيام من التوصل إلى اتفاق إعادة الانتشار بها.

وتتجه أنشطة المستوطنين الإرهابية إلى التبلور مرة أخرى في أشكال تنظيمية بعد فترة سابقة من الكمون ورغم قرار الحكومة الإسرائيلية حظر جماعتي كاخ وكاهاناحي، فإن اسمي هاتين الجماعتين وقيادتيهما يعود إلى الظهور في أعمال إرهابية متفرقة ضد الفلسطينيين.

ولعل أوضح الأشكال التنظيمية حضوراً بعد اتفاق أوسلو هو ما يُسمَّى "بلجنة الأمن على الطرق" والتي تعود أصلاً إلى عام 1988. ولكنها لم تظهر بقوة سوى بعد سبتمبر 1993. ويبدو دور هذا التنظيم الاستيطاني ـ الذي يتكون من مجموعات شبه مستقلة عن بعضها ـ متمماً لصيغة الطرق الالتفافية وآلية "الحصار الجماعي".

ومن الواضح أن مجموعات الأمن على الطرق تحاول بث أقصى درجات الفزع بين الفلسطينيين لإجبارهم على التزام حالة من الوجود الهامشي حيث يتعين عليهم تحت تأثير الفزع التحرك في هامش بالغ الضيق داخل مناطق الحكم الذاتي وحولها. وتعتبر هذه المجموعات أن غايتها هي تكثيف شعور الفلسطينيين بانعدام الأمن والسلامة خارج مناطق أو معازل الحكم الذاتي وتأكيد انفصال هذه (المناطق/المعازل) عن بعضها البعض.

وتتغاضى الحكومات الإسرائيلية بقيادة حزبي العمل والليكود عن النشاط الإرهابي لمجموعات الأمن على الطرق. ويدلي قادة هذه المجموعات بتصريحات متكررة عن أنشطتهم الإرهابية لوسائل الإعلام الإسرائيلية دون أن يتلقوا إشارة ردع من السلطات. بل إن هذه التصريحات تحمل الطابع التفاخري الذي بات شهيراً في تاريخ الإرهاب الصهيوني.

وإذ كان هناك تصور يقضي بأن المستوطنين يمارسون ضغوطاً على الحكومة الإسرائيلية لقطع الطريق على احتمال إخلاء المستوطنات وأن هذه الضغوط وصلت إلى حد التهديد بالعصيان ضد الحكومة نفسها، فإن علاقة إرهاب المستوطنين بالدولة تظل تميل إلى كونها أقرب إلى علاقات التعاون والتكامل في إطار ثوابت المشروع الصيهوني.

وبعد مرور سنوات على اتفاق أوسلو فإن الدولة الصهيونية تُبقي على قوانينها التمييزية العنصرية لصالح مشروعية إرهاب المستوطنين الموجه إلى الفلسطينيين. كما أن الحكومات بقيادة حزبي الليكود أو العمل لم تقترب مطلقاً من محاولة التفكير في المساس بصورة المستوطن اليهودي المسلح. ورغم مذبحة الخليل فإن السلطات الإسرائيلية لم تسع مطلقاً لنزع سلاح المستوطنين، بل يحق التساؤل عن وجود تخطيط مسبق في قرار اتخذته الحكومة الإسرائيلية قبل أسابيع معدودة من اتفاق أوسلو يقضي بتحديث تسليح المستوطنين والسماح بحرية حركة مطلقة في تجولهم بأسلحتهم بالضفة وغزة (القرار صدر في مارس 1993).

ويؤكد المفكر الباحث الإسرائيلي إسرائيل شاهالو أن ثمة علاقة وثيقة بين الدولة والجيش والمستوطنين في القضايا الأمنية بعد اتفاق أوسلو. كما يرصد التحول في خصائص المستوطن اليهودي من أجل الكيبوتس بوصفه "مزارعاً أو عاملاً مسلحاً" إلى رجل المستوطنات الأمنية والدينية بوصفه "موظفاً ومجنداً لدى جهاز الدولة". فأعتى المستوطنين اليهود تطرفاً هم بالأساس يعملون كموظفين مدنيين أو عســكريين يعيـشون على أمـوال ودعـم الحكومة الإسرائيلية. وتقدَّر مع حلول النصف الثاني من التسعينيات نسبــة الموظفين التابعين لأنشطة الدولة بين المستوطنين بأكثر من الثلثين.

والحكومة الإسرائيلية تبدو بعد أوسلو رهينة لميول المستوطنين المتطرفة والإرهابية ولذا فإنها لم تبد بعد أي استعداد للتخفف بجدية من بعض مهامها القمعية والإرهابية الرسمية ضد الفلسطينيين في ظل التفاوض مع قيادتهم.

ومن الواضح أن عمليات الإرهاب المؤسسية، أي التي تقوم بها أجهزة الدولة الصهيونية، لا تزال نشيطة لأقصى درجة، الأمر الذى يتضح في اغتيال الشهيد "المهندس" يحيى عياش، وفي محاولة اغتيال خالد مشعل، من خلال استخدام سلاح لا تزال هويته غير معروفة،وإن كان يبدو أنه من الأسلحة الميكروبية التي تحظر هيئة الأمم استخدامها.

ويظل مستقبل الإرهاب الإسرائيلي (دولة ومستوطنين) رهناً بانتزاع الطبيعة الصهيونية، أي الاستيطانية الإحلالية العنصرية، وبتخلي الحكومات الإسرائيلية عن شعار "الأمن اليهودي أولاً" وهو أمر لم تتضح بعد شواهد جدية عليه رغم الاقتراب من انتهاء المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي (والمقرر لها خمس سنوات).

وفي ضوء خبرة ما بعد أوسلو يمكن القول بأن حدود وأشكال الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي قد انحسرت جزئياً على رقعة الجغرافيا وذلك بحكم تسلُّم الحكم الذاتي لسلطاته في أكثر من بقعة بالضفة والقطاع، ولكن يبقى صحيحاً أن الدوافع التاريخية المزمنة لهذا الإرهاب لم تنتف بعد.

  • الاثنين AM 11:21
    2021-05-17
  • 1413
Powered by: GateGold