المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411821
يتصفح الموقع حاليا : 259

البحث

البحث

عرض المادة

المضمون الصهيوني للممارسات الإسرائيلية العنصرية

المضمون الصهيوني للممارسات الإسرائيلية العنصرية
Zionist Content of Israeli Discriminatory Practice
تعاونت أجنحة الصهيونية كافة في مرحلة ما قبل 1948 على إنجاز العنصر المُتضمَّن في الصيغة الصهيونية الأساسية، أي التخلص من السكان الأصليين وتغييبهم. وثمة أدبيات ثرية في هذا الموضوع توثق النية الصهيونية المبيتة لطرد العرب، وتبين الطرق المختلفة التي لجأت إليها قوات المستوطنين لطرد الفلسطينيين (ولسحق مقاومتهم سواء قبل 1948 أو بعدها أو قبل الانتفاضة أو بعدها). وقد علَّق حاييم وايزمان بأن خروج العـرب بشكـل جماعي كان تبسيطاً لمهمة إســرائيل ونجاحـاً مزدوجــاً: انتصــاراً إقليمياً وحـلاًّ ديموجرافياً نهائيــاً، بمعنى أن الأرض تم الاسـتيلاء علىـها وتم تفريغها من سكانها حتى يتسـنى للشعـب الذي لا أرض له أن يهاجر إليها ويستوطنها.


ولكن وايزمان كان مخطئاً في نبوءاته متعجلاً فيها، فالأرض لم يتم تفريغها تماماً من سكانها، فقد بقيت أقلية من العرب آخذة في التزايد. وقد لجأت دولة المستوطنين الصهاينة إلى اتخاذ إجراءات قانونية للضرب على يد هذه الأقلية العربية وتكبيلها. ولم يكن ذلك أمراً عسيراً إذ أنها ورثت فيما ورثت خاصية اليهودية باعتبارها خاصية رئيسية ومحورية تسم اليهود الذين تقوم على خدمتهم مجموعة من المؤسسات الاستيطانية المقصورة عليهم. وبصدور قانون العودة في يوليه 1950، تحوَّلت خاصية اليهودية هذه إلى مقولة قانونية تمنح صاحبها حقاً تنكره على غير اليهود. ويمنح هذا القانون بشكل آلي جميع اليهود في العالم حق الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها. وقد جاء في القانون أن من حق كل يهودي أن يأتي إلى إسرائيل كمهاجر، وأن تُمنَح تأشيرة لكل يهودي يعرب عن رغبته في الاستقرار في إسرائيل. وهكذا أصبح من حق أي يهودي، حتى وإن لم تطأ قدماه أرض فلسطين من قبل، أن يستقر في إسرائيل، بينما الفلسطيني الذي وُلد ونشأ في فلسطين ويريد العودة إلى وطنه لا يتمتع بهذا الحق وتُحرِّم عليه العودة.

ويستند القانون إلى المفهوم الصهيوني الفريد الخاص باليهودي الخالص أو المطلق صاحب الحقوق المطلقة في أرض فلسطين، وإلى مفهوم الشعب اليهودي الواحد. وقد أكد بن جوريون المضمون الأيديولوجي للقانون بقوله: إن الدولة لا تنوي من وراء هذا المشروع أن تمنح اليهود حق المجيء إلى إسرائيل حيث إن هذا الحق مُتوارَث، وإنما يهدف القانون إلى تحديد طابع الدولة الصهيونية الفريد وهدفها الذي لا يقل تفرُّداً. فهذه الدولة تختلف عن بقية دول العالم من حيث عناصر قيامها وأهدافها. فسلطتها قد تكون محصورة في سكانها ولكن أبوابها مفتوحة لكل يهودي أينما كان، أي أنها دولة الشعب اليهودي بأسره. وقد قارن كثير من الكُتَّاب اليهود قانون العودة بالقوانين النازية، فهو يميِّز بين الأفراد على أساس ديني أو عرْقي.

ثم قُدِّم إلى الكنيست قانون الجنسية (باعتباره قانوناً مكملاً لقانون العودة)، وتمت الموافقة عليه هو الآخر عام 1952. وهذا القانون تجسيد للنزعة الاستيطانية الإحلالية الصهيونية التي تعبِّر عن نفسها من خلال قبولها ازدواج جنسية اليهود وجعلها مسألة صعبة بالنسبة إلى السكان الأصليين إذ عليهم أن يتقدموا بطلب للحصول عليها. وهذا القانون ينطلق، مثل سابقه، من مفهوم وحدة الشعب اليهودي، وهو شعب مُوزَّع في جميع أقطار العالم. ولذا، فقد نص القانون على أن الحصول على الجنسية الإسرائيلية لا يتوقف على التنازل عن جنسية سابقة.

هذا هو الجانب الذي يخص المستوطنين. أما بالنسبة إلى العرب، فقد نص القانون على منح الجنسية الإسرائيلية للمقيمين من غير اليهود وكانوا مواطنين فلسطينيين ومسجلين بموجب مرسوم تسجيل السكان الصادر عام 1949. ولكن، وبينما يعطي هذا القانون الجنسية بشكل آلي للمهاجر الصهيوني، فإنه يُلزم الفلسطيني وحده باتباع إجراءات التجنيس الشائكة.

ولابد، لكي نفهم وضع العرب في فلسطين، من النظر إلى قانوني العودة والجنسية في علاقتهما بالقوانين المتعسفة الأخرى التي تحكم حياة العرب اليومية. فهذه القوانين تُطبَّق اسماً على جميع مواطني إسرائيل، ولكنها فعلاً تُطبَّق على غير اليهود وحسب. وأهم هذه القوانين ما يُعرَف باسم «قانون وأنظمة الطوارئ» التي أصدرتها سلطات الاحتلال الإنجليزية في عام 1936 ثم أُضيفت إليها نصوص جديدة عام 1945. وقد صادق الكنيست على تمديدها بعد إجراء بعض التعديلات، فأصبحت سارية المفعول في الدولة الصهيونية، وعُمِّم تطبيقها على المناطق المحتلة بعد يونيه 1967.

وقد تم تكبيل العنصر البشري الفلسطيني عن طريق هذه القوانين التي بدأت بقانون العودة وتحوُّل خاصية اليهودية إلى مقولة قانونية. بقي بعد ذلك الاستيلاء على الأرض، وهنا نجد أن نقطة البدء هي دستور الصندوق القومي اليهودي الذي يستند أيضاً إلى خاصية اليهودية كمقولة قانونية. والصندوق القومي اليهودي مؤسسة ضمن عدة مؤسسات صهيونية أخرى مقصورة على اليهود تحوَّلت إلى مؤسسات حكومية رسمية بعد إعلان الدولة، ولعله أهمها على الإطلاق. وقد كان الصندوق مؤسسة خاصة للمساعدات الذاتية ينص دستوره على أنه شركة تحت سيطرة اليهود تهدف إلى توطين اليهود على الأراضي التي يتم الحصول عليها، والتي يحق لليهود وحدهم استخدامها. ولا تُنقَل ملكية هذه الأراضي بالبيع أو بأية طريقة أخرى، فهي مملوكة ملكية خالصة للشعب اليهودي. ويقوم الصندوق بمنح التبرعات التي من شأنها أن تخدم مصلحة اليهود. ولا يمكن، علاوة على هذا كله، استئجار غير اليهود للعمل في هذه الأراضي. فالصندوق يشجع الاستعمار الزراعي القائم على العمل العبري. وقد تم تعريف اليهودي بأنه اليهودي بالمفهوم الديني أو العرْقي أو بأنه يرجع إلى أصل يهودي. وتُجمع المصادر على أن حوالي 90% من أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 تقع تحت سيطرة الصندوق. ويُعاقَب كل إسرائيلي يقوم باستئجار العمال العرب بدفع غرامة لانتهاكه دستور الصندوق الذي ينص على أن من حق الصندوق أن يحرم المالك اليهودي من أرضه، دون دفع أيِّ تعويض له إذا قام بانتهاك هذه المادة ثلاث مرات.

وكما صدر قانون العودة كقانون يجسد الفكرة الصهيونية وتبعته بعض القوانين التي تترجم المقولة إلى إجراءات، فإن «دستور» الصندوق القومي اليهودي قد تبعته عدة قوانين خاصة بالأراضي تهدف إلى الاستيلاء عليها. يمنح "قانون" الهستدروت والوكالة اليهودية مزايا خاصة فقط للمواطنين اليهود. وهناك سلسلة من القوانين الأخرى تحصر الاستفادة من عدة مزايا اجتماعية فيمن أدوا الخدمة العسكرية وعائلاتهم (ومما هو معروف أن الخدمة العسكرية مقصورة على المستوطنين الصهاينة). ويمكن القول بأن قانون المناسبات الرسمية وأيام العطل ذات مضمون إثني/ديني تميز ضد العرب، ولعل أهم هذه الأعياد هو إعلان استقلال إسرائيل الذي يسميه الفلسطينيون «النكبة».

ويلاحظ أن المحاكم في الخمسينيات والستينيات كانت وسيلة من الوسائل المستخدمة لسلب المواطنين العرب أراضيهم، ولم تقدم أية مساعدة للمتضررين من الحكم العسكري في تلك الفترة. ولا يزال نظام المحاكم الجنائية في غير مصلحة العرب، فلا وجود لمحامين عرب على أي من مستوياته، وهذا يعبِّر عن قلة عدد المحامين العرب، ولكنه أكثر ارتباطاً بالعقبات الأمنية (كالحصول على تأشيرة أو تصديق أمني) التي تعترض تعيين العرب في أي منصب من مناصب النظام القضائي. وغالباً ما تكون الأحكام جائزة ضد العرب.

والأمر الذي يجدر تأكيده هو أن التمييز العنصري في إسرائيل ليس أمراً ناجماً عن تعصب شخصي أو انحراف فردي وإنما هو أمر نابع من القوانين الإسرائيلية نفسها ومن صهيونية الدولة، فمقولة «يهودي» هي مقولة قانونية أساسية. فقوانين التمييز والتفرقة العنصرية تُشكِّل جزءاً عضوياً من الإطار القانوني للدولة الصهيونية. وهذه الخاصية بالذات هي ما يفصل بين التمييز العنصري الذي تمارسه الجيوب الاستيطانية، والتمييز العنصري في بقية أنحاء العالم. فالتمييز العنصري في الحالة الأولى يستند إلى قوانين الدولة نفسها، بينما يُمارَس التمييز العنصري في كل البلاد الأخرى ضد إرادة القانون. وقد انعكست هذه القوانين على أحوال العرب في المناطق المحتلة قبل 1967 وبعدها في كثير من مجالات حياتهم.

وبطبيعة الحال تعبِّر العنصرية الصهيونية عن نفسها لا على المستوى الدستوري والقانوني وحسب وإنما على مستوى الممارسة في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية. وكما قال موشيه أرنس، قطب الليكود، ووزير الدفاع السابق: "هناك في دولة إسرائيل شيء يهودي خاص، فهل يتمكن العرب من الشعور بالانتماء الكامل له...؟" فهناك بالفعل مجموعة من الثوابت التي تحكم الحياة السياسية، وهي قواعد عرفية وغير مقننة، ولا تنسجم بأية صورة مع أسس الديموقراطية. فعلى سبيل المثال لا يُعتبر أمراً شرعياً إقامة ائتلاف حكومي تدخل فيه أحزاب عربية، سن قوانين اعتماداً على أصوات غير يهودية في الكنيست.

ويقر سامي سموحا، وهو أكاديمي إسرائيلي يبحث في شئون الفلسطينيين في إسرائيل، بأن إسرائيل ليست ديموقراطية ليبرالية، ولكنها ديموقراطية من الدرجة الثالثة، ويفضل أن يطلق عليها عبارة "ديموقراطية عرْقية".

ونورد هنا بعض النقاط التي تظهر تردي أحوال السكان العرب قياساً بالسكان اليهود:

1 - إن المخصصات المالية الحكومية للمجالس المحلية اليهودية تتخطى خمسة أضعاف مساهمة الحكومة لميزانية المجالس المحلية العربية.

2 - إن المخصصات المالية لإعالة الأطفال وقروض السكان ونفقات الدراسة الجامعية للطلاب ترتبط جميعها بالخدمة العسكرية التي تمنح اليهود، بصورة آلية، مزية على العرب.

3 - إن دعم الحكومة لتكلفة المياه التي يستهلكها المزارعون اليهود يناهز ما تمنحه للمزارعين العرب بمائة ضعف.

4 - يبلغ عدد الأكاديميين في الجامعات الإسرائيلية نحو خمسة آلاف أكاديمي، لا يوجد بينهم سوى عشرة من العرب، في وقت تبلغ فيه نسبة العرب من 15 - 20% من السكان.

5 - تتاح للمهاجرين اليهود القادمين حديثاً دروساً جامعية بلغاتهم الأصلية، بينما يُجبر الطلاب العرب على الدراسة باللغة العبرية.

6 - ثمة عربي واحد من مجموع 2400 يحتلون مراكز إدارية في الشركات التي تملكها الحكومة.

وبصورة عامة يمكن القول بأن الوضع الاقتصادي للأقلية العربية في إسرائيل يختلف اختلافاً جذرياً عن الوضع الاقتصادي للمستوطنين الصهاينة، فالوجود الفعال للعرب في قطاعي الزراعة والصناعة محظور، فمن غير المسموح لهم التواجد في المؤسسات التعاونية الزراعية؛ كما أنهم لا يستطيعون العمل في أية شركة صناعية إسرائيلية لها علاقة بصناعة السلاح؛ كذلك لا يحق لهم الوجود في المنشآت الحكومية المهمة.
أما من ناحية الدخل، فهنك فارق كبير بين معدل دخل الأسرة اليهودية ومعدل دخل الأسرة العربية. حتى أن التقديرات لسنة 1983 تبيِّن أن معدل دخل الفرد العربي هو 46% فقط قياساً بمعدل دخل الفرد اليهودي.

والتمييز ضد العرب قائم في مرافق الحياة الإسرائيلية كافة. ويكفي المقارنة بين الوضع التعليمي للعرب بالوضع التعليمي لليهود في إسرائيل. ففي سنة 1985، كانت نسبة من لا يذهب إلى المدارس من السكان اليهود فوق سن 14 عاماً لا تتجاوز 5%، بينما بلغت هذه النسبة بين العرب أكثر من الضعف (13.6%). أما نسبة اليهود (فوق 14 عاماً) الذين دخلوا الجامعات فكانت 22.2%، في حين كانت لدى العرب ثلث ذلك تقريباً (7.8%).

وأثار بعض العلماء من الصهاينة والمتعاطفين معهم كثيراً من الاعتراضات على وصف الصهيونية بالعنصرية، من أهم هذه الاعتراضات: كيف يمكن أن تكون الصهيونية حركة عنصرية إذا كان اليهود لا يعترفون بأنفسهم كعرْق؟. وبالفعل، تجنح الاعتذاريات الصهيونية الآن نحو الابتعاد عن استخدام لفظة «عرْق» ويشار بدلاً من ذلك إلى "الإثنية اليهودية". والاعتراض المثار اعتراض لفظي محض، ولكن حتى لو أخذنا به فإن من السهل دحضه. وقد أشرنا من قبل، أثناء حديثنا عن التعريف الصهيوني لليهودي، إلى تطوره التاريخي من تعريف عرْقي إلى تعريف إثني وإلى الأسباب التي أدَّت إلى ذلك (انظر: «الهويات اليهودية: التعاريف الصهيونية»). ويمكننا أن نضيف هنا أن ذلك لم ىكن تطوراً حقيقياً إذ أن كلمتي «عرْق» و «إثنية» تكادان تكونان مترادفتين. وقد عرَّف معجم وبستر العالمي الجديد (بالإنجليزية) كلمة «جنــس» بالمعنى العرْقي المحدد، ولكنه أورد كذلك معنى أكثر اتسـاعاً: "حالة كون الإنسان عضواً في شعب أو جماعة إثنية". وقد خصَّص كاتب مدخل «العلاقات العرْقية» في الموسوعة البريطانية قسماً كاملاً من مقاله لمشكلة التعريف بدأه بقوله: "إن كلمة «عرْق» نفسها من الصعب تعريفها"، واقترح أن نستغني تماماً عنها وأن تحل محلها كلمة «جماعة إثنية» التي يمكن وصفها بأنها ذات "نمط جسدي موروث (أي عرْقي) أو حضارة أو قومية موروثة (أي إثنية) أو خليط من كل هذه الصفات". وقد حـاول اغناتز زولتشـان، باعتباره أحد المفكرين الصهاينة، إثبات أن اليهود عرْق، ولكنه كان مع هذا يتحدث عن اليهود كأمة من الدم الخالص احتفظت بأعظم الصفات الإثنية، أي أن الكلمتين حتى وإن لم تكونا مترادفتين تمـاماً فإنهما وثيقتـا الصلة الواحدة بالأخرى.

وعلى كل حال، مهما كان ما أصاب المجال الدلالي من اضطراب، ومهما اختلطت معاني الكلمات، فإن كلمة «عنصرية» تظل مصطلحاً يشير إلى نسق من القوانين والممارسات مبني على التفاوت، ويعمقه، ويمنح أفراد مجموعة بشرية بعينها عدداً من المزايا ينكرونها على سائر أعضاء المجتمع بسبب خاصية مقصورة على هؤلاء ولا يمتلكها الآخرون. وفي إسرائيل، فإن هذه الخاصية هي «اليهودية» سواء عُرِّفت تعريفاً عرْقياً أو عُرِّفت إثنياً علمانياً أو إثنياً دينياً. وانطلاقاً من هذا أصدرت هيئة الأمم المتحدة (عام 1975) قرارها الذي يقضي بأن الصهيونية حركة عنصرية، وهو القرار الذي ألغته عام 1991 مع تغيُّر موازين القوى في العالم.

  • الاثنين AM 12:54
    2021-05-17
  • 1167
Powered by: GateGold