المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409120
يتصفح الموقع حاليا : 246

البحث

البحث

عرض المادة

الاستعمار الاستيطاني الصهيوني: أهدافه وآلياته وسماته الأساسية

الاستعمار الاستيطاني الصهيوني: أهدافه وآلياته وسماته الأساسية
Zionist Settler Colonialism: Objectives, Methods, and Main Traits
تنطلق الحركة الصهيونية من أن اليهود شعب واحد بلا أرض، وأن فلسطين أرض بلا شعب. ومن ثم يرى الصهاينة أن فلسطين هي المسرح الذي يتحقق فيه الشروع الصهيوني، وأنها في واقع الأمر ملك للشعب اليهودي، سواء كان يشغلها الفلسطينيون أم لا.


ووضع هذه الرؤية الأسطورية موضع التنفيذ لم يكن أمراً سهلاً، إذ أن المستوطنين الصهاينة حلّوا في أرض لا يعرفونها وهي أرض مأهولة بالسكان، ومن هنا كان من الضروري أن يُنظِّموا أنفسهم بطريقة صارمة، وأن تكون لهم مؤسساتهم الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية لوضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ. فتم تأسيس الوكالة اليهودية ومهمتها القيام بمعظم عمليات التخطيط والتطبيق الفعلي لهجرة وتدريب المستوطنين وتأمين كل ما يحتاجونه من وسائل وأدوات إنتاج وخدمات للمهاجرين. وكانت مهمة الصندوق القومي اليهودي شراء الأرض لصالح الفلسطيني. وتُعتبَر المؤسسة العسكرية والتنظيمات شبه العسكرية من أبرز القواعد التي تضطلع بتطبيق المخطط الاستيطاني الصهيوني والمحافظة على استمرار العملية الاستيطانية وحمايتها. فتقوم المؤسسة العسكرية بتعبئة الجماهير وتجنيدهم حول فكرة الاستيطان باعتبارها المثل الأعلى للمواطن الإسرائيلي. أما التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية مثل الهاجاناه والناحال والجدناع فتقوم بأدوار الحراسة والأدوار الأمنية ورفع الروح المعنوية.

ويمكن القول بأن الأهداف والسمات الأساسية للاستيطان الصهيوني هي ما يلي:

1 ـ يهدف الاستيطان الصهيوني إلى أن تحل الكتلة البشرية (الصهيونية) الواحدة محل السكان الأصليين فهو استعمار إحلالي، وإحلاليته هي سمته الأولى والأساسية (حتى عام 1967). (انظر الباب المعنون «إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني»).

2 ـ حدَّدت منظمة الهاجاناه جوهر الإستراتيجية الاستيطانية عندما أكدت (عام 1943) أن الاستيطان ليس هدفاً في حد ذاته، وإنما هو وسيلة الاستيلاء السياسي على البلد، أي فلسطين. وقد استمرت هذه السياسة قبل وبعد عام 1948، أي أنها العنصر الأساسي الثابت في الإستراتيجية الصهيونية. ومن ثم عرَّف بن جوريون الصهيونية بأنها الاستيطان، وهو مُحق في ذلك تماماً. ولذا يمكن القول بأن الاستيطان هو نفسه التوسع الصهيوني، لا يوجد أيّ فاصل بينهما. وهـذه هـي السمـة البنيـوية الثـانية من سمـات الاسـتيطان الصهيـوني.

3 ـ ثمة سمة بنيوية ثالثة يتسم بها الاستيطان الصهيوني هي أنه ليس مشروعاً اقتصادياً وإنما مشروع عسكري إستراتيجي، ولذا فهو لا يخضع لمعايير الجدوى الاقتصادية، ولابد أن يموَّل من الخارج (الخارج يمكن أن يكون الدياسبورا اليهودية الثرية [أي الجماعات اليهودية في العالم] أو الراعي الإمبريالي).

4 ـ يتسم الاستيطان الصهيوني بأنه استيطان جماعي عسكري بسبب الهاجس الأمني (استجابة لمقاومة السكان) ولأن جماعة المستوطنين ترفض الاندماج في المحيط الحضاري الجديد الذي انتقلت إليه (انظر: «الاقتصاد الاستيطاني في فلسطين قبل عام 1948: أسباب ظهوره») وتساهم عمليات التمويل من الخارج في تعميق هذه السمة.

5 ـ ارتبط انتشار المستوطنات بحركة الهجرة اليهودية، وهو ما جعل إستراتيجية الاستيطان تتخذ خطاً متوازياً مع الخطوات التي قطعها المشروع الصهيوني لجذب المهاجرين اليهود واقتلاعهم من البلاد التي أقاموا فيها.

6 ـ من المُلاحَظ أن المؤسسات الاستيطانية الصهيونية تقف على رأسها بدلاً من أن تقف على قدميها (ويمكن أن نسميها الهرم الاستيطاني الصهيوني المقلوب)، فقد كان هناك مزارع الكيبوتس وهي تنظيمات زراعية هدفها الاستيلاء على الأرض التي ستُزرع وتكوين طبقة مزارعين يهود. كما كان هناك الهستدروت، وهو نقابة عمال تهدف إلى خَلْق الطبقة العمالية (وذلك على خلاف النقابات العمالية التي لا تظهر إلا كتعبير عن وضع قائم بالفعل). ثم كانت هناك جماعات الحراس المختلفة مثل الحارس والهاجاناه والبالماخ وهي تنظيمات عسكرية تهدف إلى خَلْق الشعب اليهودي (أي أن الجيش يسبق الشعب، أو كما قال شاعر إسرائيلي: كل الشعوب تملك سلاح طيران إلا في إسرائيل حيث يوجد سلاح طيران يملك شعباً). بل إن الجامعة العبرية نفسها أُسِّـست بادئ الأمر كمبان وهيئة تدريس في انتظار الطلبة. ويمكن سحب هذا المنطق على كل الحركة الصهيونية، فهي قد بدأت بتأليف الحكومة التي كان هدفها الأساسي إقامة الدولة التي كانت ترمي أساساً إلى تجميع السكان (حكومة فدولة فشعب). وما من شك في أن هذا يعود إلى أن الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة هي صيغة غير يهودية تم تهـويدها لتجنيد المـادة البشرية التي رفضت هـذه الصيغة أو تملَّـصت منها. كما أن الأصول الطبقية لبعض العناصر البشرية المستوطنة صعَّبت عليهم الاضطلاع بوظائف معينة، ولذا كان حتمياً أن يسبق عملية الاستيطان مؤسسات استيطانية مختلفة، مهمتها جذب المستوطنين وتدريبهم. كما أن من أهم سمات الاستيطان الصهيوني أن الكيان الاجتماعي الصهيوني في فلسطين لم يكن متكاملاً، بل كان في مرحلة بداية التكوُّن والتشكُّل، ولم يكن هدف المستوطنين الاندماج في المجتمع القائم بل إقامة كيان اجتماعي وسياسي مستقل.

ويُعَد عام 1967 لحظة فارقة في تاريخ الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، إذ ضمت الدولة الصهيونية مساحات شاسعة من الأراضي، وقرَّرت الاحتفاظ بها وتأسيس المستوطنات فيها، رغم وجود كثافة سكانية فلسطينية فيها. ومن ثم تحوَّل الاستعمار الاستيطاني الصهيوني من استعمار استيطاني إحلالي إلى استعمار اسـتيطاني مبني على الأبارتهايد وفكـرة المعازل البشرية للسكان الأصليين. ولكن، مع هذا، لم تتغيَّر الثوابت الإستراتيجية الصهيونية، وإن اختلفت الأهداف والآليات بسبب تغيُّر الظروف.

ويمكن تحديد أهداف الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة بعد عام 1967 بما يلي:

1 ـ تهيئة الفرصة لوجود عسكري إسرائيلي، سواء من خلال قوات الجيش الرئيسية أو عن طريق الاستعانة بمستوطنين مسلحين يتبعون هذه القوات أو باستخدام وحدات من جيش الاحتلال يتم نشرها.

2 ـ أن تكون المستوطنات رأس جسر لكسب مزيد من الأرض من خلال نزع الملكية أو سُبل أخرى أكثر دهاءً مثل إزالة المزروعات واقتلاع الأشجار ورفض التصريح بإقامة مبـان جديـدة أو إصلاح المبـاني القديمة.

3 ـ خَلْق الحقائق الاستيطانية الجديدة في الأراضي المحتلة بحيث تصبح العـودة إلى حـدود عام 1967 مستحيلة. ومما يجـدر ذكره أن الاسـتيطان قام، دائماً، بدور أساسي في رسم حدود الكيان الصهيوني، وخصوصاً منذ بداية عرض خطط تقسيم فلسطين في النصف الثاني من الثلاثينيات، وصولاً إلى صدور قرار تقسيمها سنة 1947. ولا شك في أن الإسرائيليين يطمعون في أن يقوم الاستيطان الجديد بدور مماثل في توسيع حدود كيانهم.

واستهدفت السياسة الاستيطانية بناء خط من المستوطنات من الجولان حتى شرم الشيخ مروراً بغور الأردن. وأهم مشروع استيطاني كان مشروع إيجال آلون الذي استهدف بناء حاجز بين الضفتين الغربية والشرقية وتصحيح الحدود وتعديل مسار الخط الأخضر، وتجزئة الضفة الغربية إلى منطقتين.

4 ـ إيجاد القاعدة البشرية من المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم.

5 ـ بعد فشل الصهاينة في "إقناع" الفلسطينيين (عن طريق شراء الأراضي والإرهاب) بترك الأرض بحيث تصبح أرضاً بلا شعب، قرَّر الصهاينة اللجوء إلى أسلوب الأبارتهايد التقليدي وهو تأسيس المعازل، ومن ثم أصبح من أهم أهداف المستوطنات قطع التواصل بين مناطق سكنى الفلسطينيين، بحيث ينقطع الاستمرار بين المراكز السكانية الفلسطينية الأساسية، أي أن وظيفة المستوطنات أصبحت تحويل الضفة الغربية إلى كانتونات ممزقة مفصولة بعضها عن بعض ولا تربطها سوى ممرات محدودة تحيط بها من كل جانب المستوطنات والثكنات العسكرية للجيش الإسرائيلي بحيث لا يستطيع الفلسطينيون التحرك بحرية داخل الأراضي المحتلة. وبالفعل قامت المستوطنات الموزَّعة في كتل أو أطواق بخدمة إستراتيجية "الفصل" و"الوصل" الاستيطانية. فالأطواق الاستيطانية المحيطة بالقدس تؤمن التواصل فيما بينها وبين القدس الغربية، وتفصل القدس الشرقية عن سائر الضفة، كما تفصل شمال الضفة عن جنوبها، في آن واحد. كما أن الشريط الاستيطاني المحاذي للخـط الأخضر يُشـكِّل اسـتمراراً إقليمياً لفلسـطين المحتلة سـنة 1948، وعازلاً بين الفلسطينيين على جانبي الخط، على غرار الهدف الذي حدده دروبلس لخطة "الكواكب السبعة". وينطبق الأمر نفسه على كتلتي الاستيطان في جنوب مرتفعات الجولان وشمالها، وعلى كتلة مستوطنات إيرز الناشئة في شمال قطاع غزة. أما كتلة قطيف الاستيطانية في جنوب القطاع فتُشكِّل تطويقاً لمدن القطاع، وعازلاً صهيونياً على الحدود الفلسطينية ـ المصرية.
وشهد الاستيطان الإسرائيلي، خلال هذه الفترة، تقلبات في الوتيرة وتغيرات في التركيز الجغرافي، تعود أساساً إلى اختلاف الحزب/الائتلاف الحزبي الحاكم، وبالتالي، اختلاف تكتيكه الاستيطاني باختلاف نظرته السياسية الأمنية إلى الأراضي المحتلة ومتسقبلها. ومع ذلك، فإن الخريطة الاستيطانية الراهنة جاءت نتاجاً للتفاعل والتجاذب بين هذا التباين التكتيكي والإجماع القومي الإستراتيجي الذي يلف مختلف الأحزاب الصهيونية (عدم العودة إلى حدود 1967، وخصوصاً تهويد القدس وضمها إلى إسرائيل).

ففي بداية الاستيطان بعد حرب يونيه 1967، كان هناك منطق سياسي وراء إنشاء المستوطنات، إذ تم تحضيرها استناداً إلى الخطة التي وضعها ييجال آلون، وعلى أساس الاحتياجات "الأمنية" الحيوية لدولة إسرائيل، وأصبحت هذه الخطة منذ أن وُضعت الموجِّه الأساسي لسياسة حزب العمل تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما كانت الموجِّه الأساسي لنمط الحلول السياسية التي تقترحها أو تقبلها إسرائيل.

ولكن حتى حكومات حزب العمـل، خرجـت عن معـايير مشـروع آلون، إما خضوعاً للمتزمتين حين أنشأوا مستعمرة كريات أربع في الخليل، أو نزوة وزير الدفاع موشي ديان، الذي أنشأ مستعمرة يميت في سيناء، أو نتيجة صراعات داخلية بين إسحق رابين وشمعون بيريز في عهد حكومة رابين الأولى، حيث حدث توسُّع في مناطق معينة في الضفة الغربية لا تشملها خطة آلون. ولكن سلوكها كان محكوماً بالمنطق الداخلي لبنية الاستيطان الصهيوني، التي تتجه نحو المزيد من ضم الأراضي والتوسع.

والخروج على قواعد خطة آلون في عهد حزب العمل كان بمنزلة قطرات خفيفة نسبياً، ولكن هذه القطرات تحوَّلت في عهد حكومات الليكود إلى طوفان، وبعد إخلاء مستعمرة يميت إثر توقيع الصلح المصري ـ الإسرائيلي، وبعد الفشل في حرب لبنان عام 1982، أرادت حكومات حزب الليكود إرضاء ناخبيها فضاعفت زخم الاستيطان، ولم يعارض حزب العمل ذلك، وغطى موافقته آنذاك، بموقف سياسي يقول "ضمن العلاقات السلمية من الممكن أن تظل مستوطنات يهودية تحت السيادة العربية، كما توجد مدن وقرى عربية تحت السيادة الإسرائيلية".

لقد جاءت المحصلة الاستيطانية منسجمة مع جوهر الإستراتيجية الاستيطانية الصهيونية سواء من جهة انتشار المستوطنات أو تركيزها. فمن جهة الانتشار غطت المستوطنات مختلف أنحاء الأراضي العربية المحتلة بهدف إحكام السيطرة عليها، فأُقيمت مستوطنات لا مبرر أمنياً لها ولا جدوى اقتصادية لها، مثل مستوطنة نتساريم في غزة، وهذه حال المسـتوطنات التي أقامها المعراخ في وسـط الجولان إثر حرب 1973، والمستوطنات التي نثرها الليكود في سائر أنحاء الضفة خارج مناطق الأمن.

  • الاثنين AM 12:18
    2021-05-17
  • 785
Powered by: GateGold