المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409182
يتصفح الموقع حاليا : 368

البحث

البحث

عرض المادة

أسطورة الاسـتعمارالاسـتيطاني الغربي

أسطورة الاسـتعمار الاسـتيطاني الغربي
Myth of Western Settler Colonialism

الاستعمار الاستيطاني (الإحلالي أو المبني على الأبارتهايد) هو انتقال كتلة بشرية من مكانها وزمانها إلى مكان وزمان آخر، حيث تقوم الكتلة الواحدة بإبادة السكان الأصليين أو طردهم أو استعبادهم، أو خليط من كل هذه الأمور (كم حدث في أمريكا الشمالية وفي فلسطين). ومهما بلغ الإنسان من وحشية وحياد، فهو لا يستطيع القيام بمثل هذه الأفعال إلا إذا كان هناك مبرر، وهذه هي وظيفة الأسطورة (التي نُعرِّفها بأنها نموذج معرفي، أي رؤية كاملة للكون [الإله ـ الإنسان ـ الطبيعة]، ولكن علاقتها بالواقع واهية إلى أقصى درجة).

1 ـ إذا كان جوهر الأسطورة، أية أسطورة، هو إلغاء الزمان أو تجميده والانفصال عن المكان، فإن هذا الاتجاه يأخذ شكلاً متطرفاً في حالة أسطورة الاستعمار الاستيطاني بشكل عام، الذي ينطلق من الإنكار الكامل للتاريخ بشكل متطرف، وإعلان نهايته. ويزداد الإنكار حدة وعنفاً في حالة المجتمعات الاستيطانية الإحلالية، التي لابد أن تُغيِّب السكان الأصليين تماماً. ونقطة البداية عند المستوطنين البيض المهاجرين من العالم الغربي هي عادةً رفض تاريخ بلادهم الأصلية، باعتباره تاريخ اضطهاد وكفر. ويحاول المهاجرون أن يضعوا "حلاً نهائياً" لمشاكلهم وأن يبدأوا من نقطة الصفر الفردوسية في الأرض الجديدة. ومع هذا يتباهى هؤلاء المستوطنون بانتمائهم للعالم الغربي الذي لفظهم. ويتضح هذا الجانب في أسطورة الاستيطان الصهيونية التي تبدأ برفض تاريخ اليهود في المنفى (وضمن ذلك العالم الغربي). والصهيونية هي الحل النهائي الذي يطرحه الصهاينة والاستيطان في صهيون هو نقطة البداية والصفر، ومع هذا لا يكف الصهاينة عن الحديث عن دولتهم باعتبارها واحة الديموقراطية الغربية في الشرق وقاعدة الحضارة الغربية فيه.

2 ـ ينكر المستوطنون البيض تاريخ السكان الأصليين في الأرض التي سيهاجرون إليها ويستوطنون فيها. فهي عادةً أرض عذراء بلا تاريخ، غير مأهولة بالبشر (أرض بلا شعب)، على عكس الأرض التي يأتي منها المستوطنون، فهي مكتظة بالسكان.

ومرة أخرى نجد أن أسطورة الاستيطان الصهيونية تعبِّر عن هذا بشكل متبلور، إذ يزعم الصهاينة أن فلسطين هي إسرائيل أو صهيون، وأن تاريخها قد توقَّف تماماً برحيل اليهود عنها. بل إن تاريخ اليهود أنفسهم قد توقَّف هو الآخر برحيلهم عنها، ولن يُستأنف هذا التاريخ إلا بعودتهم إليها، ولكنه تاريخ جديد خال من الاضطهاد والصراع، فهو أقرب إلى التاريخ المقدَّس.

3 ـ لا تؤكد أسطورة الاستيطان الغربية نهاية التاريخ وحسب وإنما نهاية الجغرافيا كذلك، فالأرض التي يستوطن فيها الإنسان الأبيض هي أرض وحسب، ليس لها حدود واضحة، ولذا فهي تتسع حسب قوة الإنسان الأبيض الذاتية، كلما زاد عدد المستوطنين وازدادوا قوة اتسعت الحدود. ومن هنا فكرة الرائد والجبهة المتسعة دائماً. والرائد هو الذي يرتاد أرضاً جديدة دائماً، لا يعرف حدوداً ولا قيوداً ولا سدود. وارتباط نهاية التاريخ بنهاية الجغرافيا أمر متوقَّع، ففكرة الحدود فكرة إنسانية حضارية غير طبيعية، أما عالم الطبيعة فلا يعرف الإنسان، ومن ثم فهو لا يعرف الحدود.

وأسطورة الاستيطان الصهيونية هي أسطورة التوسع بالدرجة الأولى، فإرتس يسرائيل ليس لها حدود واضحة، فالعهد القديم يحتوي أكثر من خريطة. والمستوطنون الصهاينة أطلقوا على أنفسهم مصطلح «حالوتسيم»، أي »رواد. «

4 ـ إذا حدث أن كانت الأرض العذراء مأهولة بالسكان فإن أسطورة الاستيطان الغربية تحاول تهميشهم، فهم قليلو العدد متخلفون يفتقرون إلى الفنون والعلوم والمهارات المختلفة، يهملون الثروات الطبيعية الكامنة في الأرض. وهم عادةً مجرد رحالة لا يستقرون في أرض ما، وهم شعب لا تاريخ له، فأعضاؤه جزء لا يتجزأ من الطبيعة (كالثعالب والذئاب) ومن ثم لا حقوق لهم. لكل هذا فإن وجود مثل هؤلاء الناس هو وجود عرضي ومن الضروري وضع حل جذري ونهائي للمشكلة الديموجرافية، أي مشكلة وجود السكان الأصليين في الأرض العذراء، وضرورة اجتثاث شأفتهم تماماً.

وأسطورة الاستيطان الصهيونية تنظر للوجود الفلسطيني في فلسطين باعتباره أمراً عرضياً هامشياً، والاعتذاريات الصهيونية مليئة بالحديث عن فلسطين باعتبارها أرض مهجورة مهملة، وكثيراً ما يتحدث الصهاينة عن الفلسطينيين كما لو كانوا جزءاً من الطبيعة بلا تاريخ. وكل هذا ينتهي بطبيعة الحال بتأكيد حق اليهود المطلق في فلسطين (ومن هنا قانون العودة) وينكرون هذا الحق على الفلسطينيين (ومن هنا مخيمات اللاجئين). وتحاول الحركة الصهيونية وضع حل نهائي للمشكلة الديموجرافية فقامت أحياناً بالإبادة (دير ياسين ـ كفر قاسم) ولكن الطرد كان الشكل الأساسي. وبعد اتفاقيات أوسلو أخذ الحل النهائي شكل عزل السكان الأصليين داخل مجموعة من القرى والمدن ومحاصرتهم بالقوات العسكرية الإسرائيلية والطرق الالتفافية.

5 ـ تم تبرير الرؤى الاستيطانية الإحلالية عن طريق القصص الإنجيلية، وهنا يحدث تلاق كامل بين أسطورة الاستيطان الغربية العامة وأسطورة الاستيطان الصهيونية. فالمستوطنون البيض (وضمنهم الصهاينة) ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم من الآباء (البطارقة) الذين تركوا بلادهم ليستقروا في بلاد أكثر اتساعاً، أو في أرض عذراء لم يستوطن فيها أحد من قبل. وهم مثل العبرانيين يخرجون من مصر (أو بابل) أرض المنفى البغيضة، وينسلخون من تاريخها ليعودوا إلى صهيون (الجديدة) بأن "يصعدوا" لها. فإن وجدوها مأهولة فأهلها إذن من الكنعانيين الذين لا حق لهم في الأرض ومصيرهم هو الحل النهائي: الطرد أو الإبادة.

وغني عن القول أننا حينما نتحدث عن «أسطورة» فنحن لا نتحدث عن واقع تشكَّل ولا حتى عن برنامج عمل، وإنما عن قصة أو قصص يوجد فيها بشكل كامن نموذج معرفي، وهذه القصة مستبطنة تماماً، تعبِّر عن نفسها بشكل جزئي وتتحقق بعض جوانبها في أماكن وأزمنة متفرقة، ولا تتحقق مجتمعة إلا في لحظة نماذجية نادرة.

  • الاثنين AM 12:16
    2021-05-17
  • 972
Powered by: GateGold