المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412178
يتصفح الموقع حاليا : 314

البحث

البحث

عرض المادة

الدولة الصهيونية الوظيفية: بعض السـمات الأخرى

الدولة الصهيونية الوظيفية: بعض السـمات الأخرى
The Functional Zionist State: Some Other Traits
توجد أربعة سمات أخرى تتسم بها كل من الجماعة الوظيفية والدولة الوظيفية نوجزها فيما يلي:


1 ـ الانفصال عن المكان والزمان والإحساس بالهوية الوهمية:
تتسم الجماعة الوظيفية (نظراً لرؤيتها الحلولية الكمونية) بانفصالهـا عن الزمـان والمكـان. وهذا ما حـدث للدولة الوظيفية الصهيونية، فهي ترى نفسها في الشرق الأوسط ولكنها ليست منه، وفلسطين، هذا المكان الذي يقطنه الفلسطينيون، يتجرد من مكانيته المتعيِّنة ليصبح مفهوماً تلمودياً أي إرتس يسرائيل، أي أنها تنفصل عن حركيات تاريخ المسلمين والعرب والمنطقة، وتصبح تعبيراً عن تاريخ يهودي عالمي. ولذا فالدولة الصهيونية الوظيفية تُنكر التاريخ العربي بل تنكر تواريخ الجماعات اليهودية، فكما أن فلسطين تتحول إلى أرض ويتحول الفلسطينيون إلى لا شعب (فهي أرض بلا شعب)، يتحول اليهود أيضاً إلى شعب، يعيش في اللامكان فهو شعب بلا أرض!


هذه الدولة الصهيونية تُصر على يهوديتها، وعلى عزلتها كدولة يهودية، فهذه اليهودية هي أساس وظيفيتها، وحلوليتها هي أساس إحلاليتها. ولكن من المعروف أن الدولة الصهيونية ليس لها هوية يهودية، وإنما لها عدة هويات متداخلة مُستمدة من المجتمعات التي كان يعيش فيها أعضاء الجماعات اليهودية قبل استقرارهم في فلسطين. كما أن هذه الدولة خاضعة لعملية أمركة واسعة وعلى جميع المستويات، باعتبارها دولة تابعة تعيش في الشرق؛ واحة للديموقراطية الغربية! ونظراً لارتباط الهوية بالوظيفة، فهي تُغيِّر الهوية مع تَغيُّر الوظيفة. ولذا فنحن نتوقع أن تخفض الدولة الصهيونية لونها اليهودي قليلاً، حتى تستطيع أن تلعب دوراً أكثر نشاطاً في إطار السلم الذي فرضه النظام العالمي الجديد على المنطقة.
كما أن الحركة الصهيونية التي تصر على الهوية اليهودية هي نفسها التي تدعو إلى تطبيع اليهود ليصبحوا شعباً مثل كل الشعوب، وإلى دَمْج الدولة الصهيونية في المجتمع الدولي لتصبح مثل كل الدول.

2 ـ ازدواج المعـايير والحـكم بمقياسـين (الأنا المقدَّس ضـد الآخر المبـاح: )
تتبنى الجماعة الوظيفية معايير مزدوجة في الحكم على الذات وعلى الآخر. وتتضح هذه السمة بشكل جلي في الفكر الصهيوني في الفصل الحاد بين اليهود وغير اليهود، وفي بنية قوانين الدولة الصهيونية وفي نظرية الحقوق الصهيونية. فالفكر الصهيوني يُعطي اليهود الحقوق كافة مثل حق العودة إلى وطن يزعمون أنهم تركوه من آلاف السنين. وفي الوقت نفسه، فإنه ينكر الحق نفسه على الفلسطينيين الذين تركوا الوطن نفسه منذ بضـع سـنوات ويقفـون على بواباته يريدون دخوله، ويقاتلون من أجله. وتعرض الدولة الصهيونية دفع تعويضات "للاجئين" الفلسطينيين لتوطينهم خارج فلسطين، في الوقت الذي تدفع فيه رشاوي للمهاجرين اليهود حتى يستوطنوا في فلسطين. كما يتضح ازدواج المعايير في موقف الإعلام الصهيوني، فحينما تقوم الطائرات الإسرائيلية بتدمير مخيمات الفلسطينيين وتقتل المئات، فإن هذا الإعلام قد لا يذكر هذه الواقعة، وإن ذكرها فإن ذلك يتم بطريقة إحصائية محايدة (عدد القتلى ومكان الحادث ونسبة التخريب)، أما إن قُتل جندي أو مُستوطَن إسرائيلي، فإن هذا الإعلام نفسه يولول ويذكر اسم القتيل ومكان قتله والأثر الذي أحدثه قتله في أهله... إلخ، وذلك باعتبار أن الفلسطيني مباح أما الإسرائيلي فمقدَّس وقتله حرام.


3 ـ الحركية:
يتسم أعضاء الجماعات الوظيفية بالحركية والمقدرة على الانتقال من مكان إلى آخر ومن راع لآخر. ولعله لا يمكن القول بأن دولة ما تتمتع بحركية عالية. ومع هذا، فيمكننا الإشارة إلى أن التجمع الصهيوني هو تجمُّع مهاجرين ونازحين وجماعة بشرية تم نقلها، وأن بنيته السكانية لم تستقر بعد بين الهجرة والنزوح. كما أن كثيراً من العمليات التي تقوم بها هذه الدولة مثل توريد السلاح للنظم الدكتاتورية العسكرية في أمريكا اللاتينية أو عمليات التجسس والإرهاب تتسم بهذه الحركية.وهى دولة لا يهمها القانون الدولى ولا النظام الدولى.


ومقدرة الدولة الصهيونية على تغيير وظيفتها أو لونها ينم عن هذه الحركية. فالحركة الصهيونية اتجهت إلى كل القوى الاستعمارية للبحث عن راع: إنجلترا ـ فرنسا ـ ألمانيا ـ روسيا ـ إيطاليا. واقترحت عدة مواقع لإنشاء الدولة الصهيونية: شبه جزيرة سيناء ـ منطقة العريش ـ جزء من قبرص ـ ليبيا ـ شرق أفريقيا ـ فلسطين. ولعل تشبيه إسرائيل بأنها حاملة طائرات هو تشبيه دقيق يبلور هذه الصفة الحركية في الدولة الوظيفية.
وتظهر هذه الحركية نفسها في استعداد الدول الصهيونية لتغيير دورها كي تلبي احتياجات الدولة الراعية. وفي الآونة الأخيرة، بدأت الدولة الوظيفية اليهودية تدرك أن دورها الإستراتيجي القتالي قد أصبح تقريباً غير ذي موضوع بعد سقوط المنظومة الاشتراكية وظهور النظام العالمي الجديد وبعد أن اهتز دورها القتالي التقليدي في حرب الخليج حيث طُلب منها ألا تحارب وأن تمارس ما يُسمَّى «ضبط النفس» حتى لا تسبب مشكلة لقوى التحالف. ولذا، بدأت الدولة الوظيفية الصهيونية في تغيير نفسها حتى يمكنها الاضطلاع بوظيفتها الجديدة وهي التصدي للإسلام والمسلمين، ولذا فإننا نجد أنها تخفف من ديباجاتها اليهودية ليظهر وجهها العلماني المستنير، وبذلك يمكنها التحالف مع البورجوازيات العربية العلمانية التي تم تغريبها ضد القوى الشعبية الإسلامية.

4 ـ التمركز حول الذات والتمركز حول الموضوع (الحلولية( :
تؤمن الجماعات الوظيفية برؤية حلولية عضوية ثنائية صلبة تُقسِّم العالم إلى الأنا المقدَّس (عضو الجماعة الوظيفية) ضد الآخر المباح (عضو مجتمع الأغلبية). ويرتبط بهذا إحساس مزدوج بالحرية الكاملة والحتمية الكاملة. والدولة الصهيونية الوظيفية تسيطر عليها رؤية حلولية عضوية مماثلة لرؤية الجماعة الوظيفية للكون فقد حَوَّلت الدولة الصهيونية الوظيفية نفسها إلى المطلق اليهودي الأكبر (موضع الحلول الإلهي) الذي ينبغي على اليهود أن يلتفوا حوله، بل يضحوا بأنفسهم من أجله. وقد بدأ كثير من اليهود يظنون أن الدولة اليهودية هي المعبد الأكبر وأن رئيس وزرائها هو الحاخام الأكبر وأنها العجل الذهبي الذي يعبدونه من دون الإله (تمركز حول الذات).

ويظهر مركب الشـعب المختـار في الخطــاب الصهيوني الإثني الديني، خصوصاً في الصهيونية العضوية الحلولية، ولكنه يظهر أيضاً في الخطاب العمالي بدرجات أقل وضوحاً. والدولة الصهيونية الوظيفية وصفها بن جوريون بأنها نور الأمم، مشعل القيم الأخلاقية والحضارية، لأنها تعبير عن إرادة الشعب اليهودي، هذا الشعب الذي يتسم بالتماسك العضوي نتيجة كونه موضع الحلول الإلهي.

ويظهر الاسـتقطاب في الإحسـاس بالحرية المفرطة والحتمية المطلقة، فسكان المُستوطَن الصهيوني يشعرون بحريتهم المفرطة فجيشهم يعربد داخل وخارج لبنان، وسلاحهم الجوي يطير من المحيط إلى الخليج، وهم يستولون على الأرض التي يشعرون أنها لهم. ولكنهم في الوقت نفسه يسيطر عليهم إحساس عميق بالجبرية إذ يشعرون بأنه قد حكم عليهم بالدخول في الحرب المرة تلو الأخرى.
ويصل هذا الإيمان بالقضاء والقدر والمصير المحتوم إلى ذروته في أسطورة شمشون وماساده الانتحارية حيث يموت اليهود على مذبح الدولة الوظيفية المقدَّسة ويدرك الجميع أن لا اختيار: إين بريرا.

  • الاثنين AM 12:14
    2021-05-17
  • 856
Powered by: GateGold