المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409110
يتصفح الموقع حاليا : 284

البحث

البحث

عرض المادة

الإجــماع الصـهيوني

الإجــماع الصـهيوني
Zionist Consensus
«الإجماع» في عالم السياسة هو الاتفاق بين النخبة والغالبية الساحقة من الشـعب بشأن عدد من المسـلمات الفلسـفية والأخلاقية والسياسية. و«الإجماع الصهيوني» هو اتفاق داخل الدولة الصهيونية بين التيارات والاتجاهات والأحزاب الصهيونية التي تضم الغالبية الساحقة من المستوطنين الصهاينة بشأن الأمن وحدود الدولة والعلاقة مع الفلسطينيين ومع يهود العالم ودول العالم، وبخاصة دول العالم الغربي وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي ترعى الكيان الصهيوني. وقد تظهر اختلافات بشأن الوسائل والنهج، ولكنها لا تنصرف قط إلى المسلمات النهائية. (والعقد الاجتماعي الذي يستند إليه التجمُّع الصهيوني هو نفسه هذا الإجماع، وهو الذي يشكل المرجعية النهائية لكل الأحزاب والتيارات الصهيونية).


وقد اهتزت معظم هذه المسلمات، نقول "اهتزت" ولا نقول "زالت". إذ أنه رغم الاهتزاز هذا، الذي فرضه الواقع المقاوم على المستوطنين الصهاينة فرضاً، تظل غالبيتهم الساحقة تدور في إطار الإجماع الصهيوني، الذي يمكن تلخيصه فيما يلي:

1 - اليهود شعب واحد، طليعته هم المستوطنون الصهاينة، وفلسطين هي أرض الميعاد أو إرتس يسرائيل (وطن اليهود القومي) وليست فلسطين، وطن أهلها. وحدود إرتس يسرائيل مراوغة مطاطة لا يمكن تحديدها في الوقت الحاضر، إذ لابد أن تتوسع إسرائيل لتصل لحدودها "التاريخية" (التي ورد ذكرها في التوراة!). وعلى يهود العالم أن يهاجرو إلى إرتس يسرائيل وأن يلتفوا حول دولتهم الصهيونية القومية ويقوموا بدعمها مالياً وسياسياً فهي المركز وهم الهامش. هذه الدولة يجب أن تكون دولة يهودية خالصة (دولة اليهود ودولة يهودية في آن واحد) تجسِّد الرؤى اليهودية، وبإمكان اليهودي أن يحقِّق فيها ذاته وهويته.

ولكن الدولة الصهيونية بدأت تدرك أن اليهود ليسوا شعباً واحداً (كما كان يدَّعي الصهاينة قبل عام 1948). وسؤال من هو اليهودي لا يزال سؤالاً ملحاً، يطرح نفسه على الدولة الصهيونية وعلى قاطنيها من المستوطنين الصهاينة. كما أدرك الصهاينة أن فلسطين، من خلال مقاومة أهلها، لم تعد لقمة مستساغة أو مطية سهلة أو مجالاً مفتوحاً للتوسع الصهيوني. ولم تَعُد الدولة الصهيونية تطلب من يهود العالم الغربي الهجرة إليها ولم تَعُد تتبع الأسلوب العقائدي العدواني الذي كانت تتبعه في الماضي. ومن هنا كف الحديث عن الشعارات القديمة مثل «جمع المنفيين» و«غزو الجاليات» و«تصفية الدياسبورا» و«إسرائيل الكبرى حدودياً»، وبدأ، بدلاً من ذلك، الحديث عن «الصهيونية التكنولوجية» أو «الإلكترونية» (أي التي تساهم في بناء "الوطن القومي اليهودي" من خلال التكنولوجيا والإلكترونيات)، كما يتحدث الصهاينة الآن عن «صهيونية الدياسبورا» و«إسرائيل العظمى اقتصادياً» المهيمنة على المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج، أي أن الحركة الصهيونية قد قبلت بأمر واقع مفاده أن اليهود ليسوا شعباً واحداً وأن إسرائيل ليست وطنهم الوحيد وأن يهود المنفى لهم حق البقاء فيه، ومن هنا قبول الصهيونية التوطينية، والتنازل عن الأهداف القصوى للصهيونية الاستيطانية المطالبة بـ «تصفية الدياسبورا»، ومن هنا أيضاً محاولة توظيف يهود «المنفى» في منفاهم، أي أوطانهم.

2 - وجود الفلسطينيين في وطنهم فلسـطين - حسـب التصوُّر الصهيوني - أمر عرضي زائل، ومن ثم لابد من التخلص منهم بشكل ما (لتأسيس الدولة اليهودية المقصورة على اليهود). وانطلاقاً من كل هذا يصبح من "حق" الدولة الصهيونية أن "تدافع" عن نفسها وعن حقوقها المطلقة بكل ضراوة من خلال "جيش الدفاع الإسرائيلي" ضد "إرهاب" السكان الأصليين، أي الفلسطينيين ممن يرفضون الإذعان للرؤية الصهيونية. وقد تتفاوت مفاهيم السلام بين حزب صهيوني يميني وآخر صهيوني يساري ولكن في التحليل الأخير نجد أن مفهوم الأمن لدى الأحزاب الصهيونية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يشير إلى مضمون واحد.

وينظر الصهاينة إلى القضية الفلسطينية باعتبارها «قضية أخلاقية» وحسب، ومن ثم يجب عدم الحديث عن "عودة" الفلسطينيين إلى ديارهم ("إعادة توطينهم" في المصطلح العربي)، وإنما يجب الحديث عن "منح تعويضات" مالية للمتضررين منهم. أما المتبقون فيُستوعَبون في أماكن وجودهم (أي في البلدان العربية المختلفة، وبخاصة سوريا ولبنان).

ومع هذا أدرك الصهاينة صعوبة التخلص من الفلسطينيين ومن وجودهم "العرضي الزائل". ولذا يحاول الصهاينة الآن قبول الأمر السكاني الواقع مع الاتجاه نحو تقليل الاحتكاك بالفلسطينيين ومحاصرتهم عبر إقامة كيان خاص بهم، لأنهم يهددون شرعية الوجود الصهيوني ذاته. ولكن الحديث عن "محاصرة السكان" هو نفسه دليل على الفشل الصهيوني في إنشاء الدولة الصهيونية الخالصة، وفي حماية المزاعم الصهيونية التي تحدتها الانتفاضة المباركة. وقد تحوَّل النظام الاستيطاني الصهيوني عن الإحلال وأصبح نظاماً مبنياً على التفرقة العنصرية (الأبارتهايد).

3 - سياسة الأمر الواقع هي السياسة الوحيدة التي يمكن اتباعها مع العرب، فالأمر الواقع هو الذي يغيِّر الواقع [العربي] ويفرض واقعاً ) صهيونياً] جديداً عليه ويمكن تحقيق السلام وبالشروط الصهيونية من خلاله.

وقد أثبتت الانتفاضة و"الحزام الأمني" في لبنان عدم جدوى الأمر الواقع وعبثيته واستحالة فرض السلام بالشروط الصهيونية. ولذا نجد أن الإجماع الصهيوني قد اهتز بشأن غزوات إسرائيل العسكرية "دفاعاً" عن نفسها (والتي تفرض الأمر الواقع والسلام بالشروط الصهيونية من خلالها)، فلا يوجد إجماع بشأن حرب لبنان، ولا يكف بعض أعضاء النخبة عن الحديث عن ضرورة الانسحاب من طرف واحد (وإن ظل الإجماع الصهيوني بشأن قمع الانتفاضة، لأنها تتحدى شرعية الوجود الصهيوني ذاتها). كل هذا يعني في واقع الأمر أن الإجماع الصهيوني يهتز في حالة قيام العرب بالمقاومة.

4 - لا يمكن تفكيك المستوطنات القائمة بالفعل، فتفكيك المستوطنات يضرب في صميم الشرعية الصهيونية، ولابد من الحفاظ عليها بشكل أو بآخر، والدولة الصهيونية تضم الضفة الغربية، وحدودها هي نهر الأردن. ولكن، هل يجب أن تكون هذه المستوطنات متصلة بطرق برية أم أنفاق تحت الأرض، أم تظل منفصلة؟ وهل هي مستوطنات أمنية مؤقتة أم دائمة؟ كل هذه أمور ثانوية يمكن الاختلاف بشأنها بين أعضاء حزب العمل وحزب الليكود. إذ يرى أعضاء الليكود أن حدود إسرائيل هي نهر الأردن بالفعل وأن الوجود الإسرائيلي هناك وجود دائم، أما العماليون فمستعدون "للخروج" من هذه الأرض (من الناحية النظرية على الأقل) للحفاظ على يهودية الدولة الصهيونية فيما يُسمَّى «الصهيونية السكانية». فضم الضفة الغربية بمن عليها سيجهز على الطابع اليهودي للدولة الصهيونية. وكل هذه الاختلافات السابقة إن هي إلا امتداد للاختلافات التي نشأت من البداية، بين التيارات الصهيونية المختلفة.

ولكن مع هذا نجد أن أمراً جوهرياً مثل الاستيطان، حجر الزاوية في الإجماع الصهيوني، قد يصبح هو الآخر موضع خلاف. فمع تزايد مشاعر العداء بين مستوطني عام 1948 (وراء الخط الأخضر) ومستوطني الضفة والقطاع، بسبب حجم الإنفاق الاقتصادي والعسكري العالي الذي ليس له عائد واضح، ظهرت أصوات كثيرة تصف هذا الاستيطان بأنه "مكلف"، أو "مترف"، أو كصنبور الماء المفتوح، وطالب البعض، من منظور صهيوني، بوقفه أو فكه أو تجميده، وبخاصة بعد أن أصبح الاستيطان «مكيف الهواء» وأصبح على الجيش حماية المستوطنين (بعد أن كانوا يشكلون طليعته العسكرية(.

5 - القدس هي العاصمة الموحدة والأزلية للدولة الصهيونية (وليست موضوعاً للمساومة) وبإمكان الفلسطينيين أن يأخذوا مكاناً خارج القدس وليسمونه ما يشاءون الـ Quds على سبيل المثال، وهذه (مع الأسف) ليست مجرد نكتة سياسية وإنما حقيقة صهيونية.

6 - الكيان الفلسطيني الذي سينشأ (في الضفة والقطاع) كيان سياسي منقوص السيادة، منزوع السلاح وبدون جيش. ويشبَّه الكيان الفلسطيني ببورتوريكو وأندورا (والأولى دولة حرة، تابعة للولايات المتحدة، لسكانها حق التصويت، دون أن يحملوا الجنسية الأمريكية، أما الثانية، فتخضع لنظام حكم تحت سيادة فرنسا وأسقف من إسبانيا [فهي تقع بين البلدين]). أما ماذا تُسمَّى هذه الدولة (هل هي «حكم ذاتي» أم «دولة فلسطينية مستقلة»؟) فهذه مسألة ثانوية يمكن الاختلاف بشأنها.

7 - يذهب الإجماع الصهيوني - رغم كل ديباجات الاستقلال الصهيوني والاعتماد على الذات ورفض الجوييم - إلى أنه دون الدعم الغربي، وبخاصة الأمريكي، للمستوطن الصهيوني لن يُقدر له البقاء والاستمرار، وأن هذا المستوطن الصهيوني هو أساساً دولة وظيفية أُسست للاضطلاع بوظيفة أساسية، هي الدفاع عن المصالح الغربية، وأن الغرب قد تبنى المشروع الصهيوني وضمن له البقاء والاستمرار كي يدافع عن مصالح الغرب في المنطقة، ودون أداء الدولة الصهيونية لوظيفتها، لن يكون هناك دعماً.

ولعل العنصر الوحيد الذي لم يهتز هو إدراك الصهاينة أن الدعم الأمريكي أمر حيوي وأساسي للبقاء والاستمرار الصهيونيين، أي أن كل الثوابت قد اهتزت وظهرت عليها التشققات والتغيرات إلا هذا العنصر، ومن هنا تسميتنا له "بالثابت الثابت". أما عناصر الإجماع الأخرى فقد ظهر أنها متغيرات خاضعة للتفاوض.

  • الاثنين AM 12:00
    2021-05-17
  • 907
Powered by: GateGold