المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412537
يتصفح الموقع حاليا : 380

البحث

البحث

عرض المادة

التطبيـــــــــع المعرفــــــــي

التطبيـــــــــع المعرفــــــــي
Epistemological Normalization
«التطبيع المعرفي» هو محاول إضفاء صبغة طبيعية على ظاهرة لها خصوصيتها وتفردها وشذوذها بحيث تبدو هذه الظاهرة وكأنها تنتمي إلى نمط عام متكرر هي في واقع الأمر لا تنتمي له، ومن ثم يتم إدراكها وتخيُّلها ورصدها داخل هذا الإطار. ونحن نذهب إلى أن الخطاب السياسي العربي في تحليله للظاهرة الصهيونية قد سقط في محظورين:


1 ـ المغالاة في التخصيص إلى درجة الأيقنة وهي سمة يتسم بها الخطاب المعادي لليهود الذي يرى أن اليهود مصدر كل شرور العالم، وأن الدولة الصهيونية تعبير عن المؤامرة الصهيونية الأزلية. وهذا الخطاب يخرج بالظاهرة الصهيونية من عالم الظواهر الإنسانية ويدخل بها عالم الظواهر الشيطانية، ومن ثم فلا حل لها.

2 ـ المغالاة في التعميم وإسقاط كل سمات الخصوصية، وهي سمة يتسم بها الخطاب الذي يصف نفسه بأنه «علمي» و«موضوعي»، والذي يذهب إلى أن الدولة الصهيونية هي دولة مثل أي دولة أخرى، ومن ثم يصبح الحديث عن الدولة الصهيونية حديثاً عاماً عن "قوة العدو العسكرية والاقتصادية" دون أي اهتمام بالمنحنى الخاص للظاهرة الصهيونية.

وقد أدَّت المغالاة في التعميم، باسم العلمنة والموضوعية، إلى تطبيع النظام السياسي الإسرائيلي، أي محاولة دراسته باعتباره كياناً سياسياً طبيعياً عادياً بحيث تُستخدَم نفس المقولات التحليلية العامة التي تُستخدَم في دراسة النظم السياسية في العالم الغربي، وكأن الكيان السـياسي الإسـرائيلي لا يختلف في أسـاسـياته عن أي كيان سياسي آخر. فيتم الحديث عن نظام الحزبين في الديموقراطية الإسرائيلية، وعن أن كلاًّ من إنجلترا وإسرائيل لا يوجد فيهما دستور؛ أو أن النظام السياسي الإسرائيلي يتبع النمط الأنجلو أمريكي (الثنائي) لا النمط الأوربي الأكثر تعددية؛ وأن النقابات العمالية قوية في إسرائيل، كما هو الحال في أوربا وليس كما هو الحال في الولايات المتحدة.

وعلماء السياسـة العرب الذين يتبنون مثل هذه الرؤية يُخطئـون مرتين: من الناحيـة المعرفيـة ومن الناحيـة الأخلاقيـة. فمن الناحية المعرفية، يمكن القول بأن وصفهم للظاهرة الصهيونية ليس ذا مقدرة تفسيرية عالية، فهو غير قادر على تفسير ظاهرة مثل المنظمة الصهيونية أو دور الوكالة اليهودية التي تساعد سكان الدولة الصهيونية من اليهود، وتستبعد العرب، فهذه المؤسسة ليس لها نظير في أية «ديموقراطية» أخرى. كما أنه غير قادر على تفسير قانون العودة، ولا ضخامة الدعم المادي والمعنوي الذي يقدمه العالم الغربي للجيب الصهيوني. كما أنهم يُخطئون من الناحية النضالية والأخلاقية: إذ كيف يمكن الحديث عن ديموقراطية تستند إلى حادثة اغتصاب أرض وذبح بعض سكانها وطرد البعض الآخر واستبعاد لمن تبقى من العملية السياسية نفسها؟ والفشل الإدراكي المعرفي التفسيري هنا هو نفسه الفشل النضالي الأخلاقي، إذ أن التطبيع يخفي عن الأنظار (وعن الضمير) الظروف الخاصة بالكيان الصهيوني ككيان استيطاني إحلالي، كما يخفي حقيقة أن استيطانية الكيان الصهيوني وإحلاليته واعتماده الكامل على الدعم الغربي هو القانون الأساسي الذي يحكم ديناميته ومساره في الماضي والحاضر. فهذه الاستيطانية الإحلالية هي التي تُفسِّر عدم وجود دستور حتى الآن في إسرائيل، وتُفسِّر أهمية قانون العودة ومركزيته. وهذه الاستيطانية الإحلالية هي التي تجعلنا نكتشف أن الأحزاب الإسرائيلية ليست في أساسها أحزاباً وإنما مؤسسات استيطانية استيعابية تضطلع بوظائف لا تضطلع بها الأحزاب السياسية في الدول الأخرى ويتم تمويلها عن طريق المنظمة الصهيونية "العالمية". وهذه الاستيطانية الإحلالية هي التي تُفسِّر ضخامة الدعم الإمبريالي لإسرائيل ودور إسرائيل كدولة وظيفية.

وظاهرة مثل الكيبوتسات (المزارع الجماعية) وظواهر أخرى مثل عسكرة المجتمع الإسرائيلي، والطبيعة الاستيطانية الإحلالية للدولة الصهيونية، واعتماد وجودها واستمرارها على الولايات المتحدة بشكل تام، وإدراك الصهاينة لهذا الواقع بدرجات متفاوتة هو الذي يحدِّد سلوكهم وحربهم وسلمهم، وما ينكرونه علينا وما قد يُقررون منحنا إياه. وإسقاط هذه الأبعاد الخاصة يجعل عملية التطبيع المعرفية المنهجية عملية تسويغ وتبرير غير واعية للوجود الصهيوني وإضفاء درجة من الشرعية عليه.

وسنحاول في مداخل هذا المجلد أن نتناول خصوصية الظاهرة الصهيونية وأن نبيِّن البُعد الصهيوني أو «صهيونية» الظواهر الإسرائيلية المختلفة.

  • الاحد PM 11:56
    2021-05-16
  • 962
Powered by: GateGold