المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409163
يتصفح الموقع حاليا : 360

البحث

البحث

عرض المادة

أهــارون ليبرمــان (1849-1880)

أهــارون ليبرمــان (1849-1880)

Aharon Lieberman
كاتب روسي يهودي وُلد في ليتوانيا، تلقَّي تعليمه في إحدي المدارس التلمودية العليا (يشيفا)، وكان من دعاة حركة الاستنارة اليهودية، كما كان عضواً في الحركات الثورية السرية في فلنا. وقد مثَّل ليبرمان (داخل حركة الاستنارة اليهودية) التيار المطالب بالجمع بين التحول الاجتماعي والاقتصادي والاحتفاظ بالانتماء القومي اليهودي متأثراً بالفكر الشعبوي الروسي، فرفض المفهوم القائل بأن التحديث ينطوي علي نفي ما هو قومي. وبرغم هجومه علي المدارس اليهودية التقليدية ومدرسيها، إلا أنه رفض محاولات القيصر نيقولا الأول الرامية إلي فَرْض نظام تعليمي روسي حديث علي الأطفال اليهود وطالب بأن ينظم أعضاء الجماعة اليهودية مدارسهم الحديثة الخاصة بهم حيث يتم تدريس اللغتين الروسية والعبرية. وقد اعتبر ليبرمان أن العبرية هي لغة اليهود القومية الحقة، أما اليديشية فما هي إلا رطانة ألمانية. وقد هاجم ليبرمان بشدة فكرة أن يتولَّي أثرياء اليهود قيادة عملية التغيير وهي الفكرة التي دعا إليها كثير من دعاة التنوير اليهود ووجَّه هجومه اللاذع للبورجوازية اليهودية.


وفي عام 1875، اضطر ليبرمان، بسبب نشاطه الثوري، إلي الفرار إلي لندن حيث انضم إلي دائرة الثوريين الروس، والتحق بواحدة من أهم المجلات الروسية الثورية في ذلك الحين (فيبريد)، ونشر بها مقالات عديدة في الفترة بين عامي 1875 و1876. ورغم أن نبرته الثورية والأممية أصبحت أكثر وضوحاً وقوة، إلا أن ليبرمان ظل يؤكد الجانب الإثني (الذي يُقال له «قومي» في مصطلحه)، وطالب بتضامن الجماهير اليهودية واعتبر أن "التاريخ اليهودي" والتعاليم اليهودية قد مهَّدت الطريق أمام اليهود ليكونوا الممثلين الطبيعيين للاشتراكية الثورية. وهذا اللجوء إلي الرموز الدينية أو التاريخية كان في الواقع من سمات الحركة الشعبوية الروسية، وكان يهدف إلي تعبئة الجماهير وكسب تأييدها للقضايا الثورية. كما طالب بضرورة إيجاد إطار تنظيمي مستقل لأعضاء الجماعـة اليهـودية يعمل داخل الإطار الأوسع للحركة الثورية الروسية.

وقد هاجم ليبرمان المثقفين اليهود المتروِّسين بشدة، واعتبرهم نخبة منفصلة عن الجماهير اليهودية وبعيدة عن حقيقة أوضاعهم. كما اعتبر أن أكثر العناصر قدرة علي تأسيس حركة ثورية بين الجماهير اليهودية هي العناصر القريبة من هذه الجماهير والمرتبطة بعالمها، ورأي أن طلبة المدارس التلمودية العليا (اليشيفا) هم أكثر العناصر المؤهلة لهذا الدور. وهذا أيضاً أحد الأسباب التي دفعته للاهتمام باللغة العبرية باعتبارها أفضل أداة للعمل بين طلبة المعاهد التلمودية وتجنيدهم للعمل الثوري وتدريبهم لكي يصبحوا من القيادات الثورية اليهودية. وفي عام 1876، أصدر بياناً بالروسية والعبرية مُوجَّهاً للشباب اليهودي في روسيا بشكل عام ولطلبة المدارس التلمودية العليا بشكل خاص هاجم فيه البورجوازية اليهودية وحمَّلها مسئولية الشقاء والاضطهاد اللذين تعاني منهما الجماهير اليهودية، كما ناشد المثقفين من الشباب اليهودي الانضمام للجماهير الكادحة. وبالتالي، يُعَدُّ ليبرمان من أوائل من نادوا بالعمل الدعائي الثوري بين الجماهير اليهودية الكادحة علي غرار حركة "الذهاب إلي الشعب" التي أطلقتها الحركة الشعبوية الروسية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن التاسع عشر والتي كانت مُوجَّهة لجماهير الفلاحين الروسية. وقد اتخذ ليبرمان خطوات عملية في هذا الاتجاه حينما شارك عام 1876 في تأسيس الاتحاد الاشتراكي العبري في لندن علي أن يقوم هذا الاتحاد بتنظيم نقابة عمالية تضم العمال من المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وشرق أوربا. إلا أن هذا المشروع لم ينجح بعد أن تَسبَّب هجوم ليبرمان علي المؤسسة الدينية اليهودية وقيادات الجماعة اليهودية في لندن في ابتعاد كـثير من الجـماهير العمالية عن الاتحاد. وقد أدَّي ذلك، بالإضافة للخلافات الداخلية، إلي انهيار الاتحاد في العام نفسه.

وفي عام 1877، أصدر ليبرمان جريدة باللغة العبرية لاقت قبولاً كبيراً لدي دعاة التنوير الراديكاليين، ولكنه تَعرَّض أيضاً لانتقادات حادة من جهات عدة حيث رأي البعض (داخل الدوائر الراديكالية) أن هجومه الشرس علي المؤسسة الدينية وتأييده فكرة الأممية سيؤدي إلي تباعد الجماهير اليهودية، بينما أكدت بعض الآراء الأخري أن جريدته بعيدة عن الاشتراكية وذات تَوجُّه قومي (أي صهيوني) بدليل أن ليبرمان اختار لإصدارها اللغة العبرية (لغة الأرسـتقراطية الدينية) بدلاً من اللـغة اليديشـية (لغة الجماهير الكادحة). كما أن اقتباساته الكثيرة من التراث الديني اليهودي في كتابة مقـالاته دليل آخر علي هذه النزعة المتعالية. وقد أغلقت الجريدة، قبل صدور العدد الرابع، نتيجة المشاكل المالية وتزايد الانتقادات لها من جميع الجهات.

وفي عام 1878، أُلقي القبض علي ليبرمان في فيينا بتهمة الإقامة في البلاد تحت اسم مستعار ورُحِّل إلي خارج البلد. ثم أُلقي القبض عليه مرة أخري في ألمانيا (عام 1879 حيث حُوكم بتهمة المشاركة في تأسيس منظمة سرية وسُجن لمدة تسعة أشهر. وفي عام 1880، انتقل إلي لندن مرة أخري. وقد راودته في هذه الفترة فكرة الانضمام إلي منظمة إرادة الشعب الإرهابية ولكنه لم يُقدم علي ذلك نظراً لشكوكه حول مدي التزامها بمبدأ الثورة الاشتراكية التي ستتخطي المرحلة البورجوازية.

وفي تلك الآونة، ارتبط ليبرمان عاطفياً بسيدة متزوجة لم تبادله المشاعر نفسها، وسافر وراءها إلي الولايات المتحدة حيث مات منتحراً عـام 1880 بعد أن أطـلق الرصاص علي نفسه أثناء زيارته لها في منزلها.

ورغم تأكيد ليبرمان أهمية اللغة العبرية قياساً إلي اللغة اليديشية، إلا أن كثيراً مما طرحه مهَّد الطريق أمام بلورة الأساس الفكري لحزب البوند فيما بعد. ومع هذا، يمكن القول بأن تأرجحه بين اللغة العبرية من جهة والتوجه إلي الجماهير اليديشية من جهة أخري هو تعبير عن أحد التناقضات الأساسية الكامنة في حركة الاستنارة (بين النزعة الاندماجية الثورية والنزعة القومية الانعزالية، أي الصهيونية) وربما لو عاش ليبرمان مدة أطول لحسم التناقض لصالح أحد الطرفين.

  • الاثنين AM 12:48
    2021-05-10
  • 940
Powered by: GateGold